22 ذي القعدة 1428 . 03/12/07
بحث أعده الرحلي أحمد من هيئة
التدريس بالتعليم
العالي سابقا متقاعد
العنوان 910 شارع وادي
سبو حي الوفاق
الدار البيضاء
الهاتف : 74 07 12 068
مقدمة : لقد تأكد
لنا في الفصل الأول حول قدرة الله تعالى أن قضاء الله و قدره مطلق و لا يشاركه فيه
أحد نهائيا . وهو خالق الكون وما فيه ومدبر أموره. أبين في هذا الفصل الثاني أن
قضاء الله وقدره عادل لأن الله تعالى هو العدل والحق. سوف أعالج هذا الفصل في
مبحثين.
المبحث الأول: الله
تعالى عادل و لا يظلم أحدا
أبين فيه بأن الله
تعالى عاد ل ولا يظلم مثقال ذرة. وقد قسمته إلى فقرتين
الفقرة الأولى: الله
تعالى يجازي الناس عن أعمالهم بعدل و إنصاف
أبين فيها بالأدلة
المؤكدة أن الله تعالى يجازي الناس عن أعمالهم بعدل وإنصاف . قسمت هذه الفقرة
الأولى إلى نقطتين أ- مسؤولية الإنسان أمام الله تعالى عن أعماله . ب- عدالة الله تعالى في الجزاء عن الأعمال.
أ- مسؤولية
الإنسان أمام الله تعالى:
خلق الله
الإنسان و استخلفه في الأرض ليعمرها، البقرة
30 :
" وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ
خَلِيفَةً " و الحديد 7:
" وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ " هود 61 :
" هو أنشأكم من الأرض و استعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب
مجيب " يونس 14: " ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ
خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ".
الأعراف 129: " قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ
وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ " و الأعراف
74: " وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ
فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ
بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ
"، و لكن حدد الله تعالى للناس نظام استخلافهم في الأرض حيث أنزل شرائعه
وكتبه التي تحدد قواعد هذا النظام و تبين الوظيفة التي خلق الله الإنسان من اجلها
و استخلفه في الدنيا و هي إعمار الأرض و الإنتاج و العمل الحلال لكسب الرزق و
عبادة الله أي طاعته و الالتزام بشرعه، النحل 36 :" وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي
كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ "
و الذاريات 56 :
" وَمَا خَلَقْتُ
الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ". وفرض على كل أمة في مرحلتها
الزمنية التي أرادها و حددها بأن تلتزم بالكتاب الخاص بها. وطبعا الأمة تتكون من
مجموع الناس بالكون في مرحلتها الزمنية. والأمة الأخيرة هي أمة القرآن التي نحن
منها. وتضم كل الناس بالكون لأنهم ملزمون بالقرآن بأمر من الله، ولكن فيها
المؤمنون و الكافرون. الرعد 30 :" كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ
خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا
إِلَيْكَ ". وكل إنسان يبعثه الله بعد الموت ليحاسبه عن أعماله وبعد الموت
تبدأ الحياة الدائمة الحقيقية بالنسبة للمؤمنين الصالحين المتقين الذين نجحوا
وفازوا في فترة استخلافهم بالدنيا حيث التزموا بالنظام الذي شرعه لهم من خلقهم
واستخلفهم و هو الله تعالى، هود 103-104 :" ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ
النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ
مَّعْدُودٍ " فالمؤمنون الصالحون المتقون هم الذين يحيون حياة دائمة سعيدة في
الجنة و يلقون الله و يفوزون برضاه و رحمته. أما الذين فشلوا و خسروا في فترة
استخلافهم بالأرض حيث كفروا بالله
ورسله وكتبه وملائكته و اليوم الأخر وأعرضوا عن شرع الله ونظام الاستخلاف فإنهم
بعد موتهم ومحاسبتهم يرميهم الملائكة في نار جهنم، النساء 56 :" إِنَّ
الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ
جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ
اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا ".
فالإنسان
مسؤول أمام الله تعالى عن أعماله وأقواله و ما يكتم في نفسه. وحياته المؤقتة
بالدنيا امتحان و اختبار و ابتلاء مادته شرع الله تعالى. فلا يجوز شرعا الاهتمام
بمتاع الدنيا و زينتها دون الالتزام بالقران الكريم و طاعة الله تعالى. سوف أبين
في النقطة الأولى بأن الإنسان مخير بين الكفر و الإيمان. و الهداية و الضلالة من
اختياره، و في النقطة الثانية أبين مسؤولية الإنسان عن إتباع القرآن الكريم والالتزام به.
1- الهداية و
الضلالة من اختيار الإنسان:
منذ أمر الله تعالى آدم
و زوجته عليهما السلام و الشيطان بالهبوط من الجنة إلى الأرض أكد بأنه سوف ينزل
شرائعه على الناس ليلتزموا بها في حياتهم بالدنيا قبل الموت. البقرة 38-39 :
" قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي
هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ
فِيهَا خَالِدُونَ " فالذي اتبع هدى الله و هو كتابه و شرعه المبلغ للناس
بواسطة رسول الله آمن و اهتدى بشرع الله و هداه و الذي أعرض عن هدى الله ضل وكفر
وزاغ عن هدى الله وصراطه المستقيم.
والقرآن مثل باقي شرائع
الله السابقة كالثورات و الإنجيل هدى الله. ولكن بأمر من الله تعالى نسخ و ألغى
الثورات و الإنجيل و الشرائع السابقة وهو الملزم لكافة الناس بالكون بما فيهم
النصارى واليهود. و من الآيات المؤكدة لذلك الأعراف 158 :" قُلْ يَا أَيُّهَا
النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا " وسبأ 28 " وَمَا
أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ
النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ " الأعراف 203 " قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا
يِوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ
لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " لقمان 2-5 " تلك آيات الكتاب الحكيم هدى و رحمة
للمحسنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى
من ربهم و أولئك هم المفلحون "، آل عمران 138 " هَذَا بَيَانٌ
لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ " و البقرة 185 :
" شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ
وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ " و البقرة 2 " ذَلِكَ
الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ " و النحل 102 : " قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن
رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى
لِلْمُسْلِمِينَ " و النمل 76 -77 " إن هذا القران يقص على بني إسرائيل
أكثر الذي هم فيه يختلفون و إنه لهدى و رحمة للمؤمنين " و الجاثية 11 " هَذَا
هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مَّن رِّجْزٍ
أَلِيمٌ " الأعراف 51 " الَّذِينَ
اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا
فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُواْ
بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ". الله تعالى خلق كل إنسان واستخلفه في الأرض و لكن
إذا اهتم الإنسان بمتاع الدنيا فقط دون الالتزام بالقران الكريم فلا وجود له بعد
الموت لأنه سيرمى في نار جهنم و لا ينظر إليه الله تعالى، يونس 7-8 :" إن
الذين لا يرجون لقاءنا و رضوا بالحياة الدنيا و اطمأنوا بها و الذين هم عن آياتنا
غافلون أولائك مأواهم النار بما كانوا يكسبون ". و معنى هذا أن الله تعالى
ينسى الكفار و الظالمين. فهل لمن يرمى في النار و يكون وقودا لها وجود و حياة؟ فالإنسان الذي اتبع هدى الله و هو كتابه
و شرعه الملزم لكافة الناس اهتدى بهداية الله تعالى و هداه و يكون في الصراط
المستقيم المؤدي إلى العودة إلى الله و رؤيته و الحياة الحقيقية الدائمة في الجنة.
والإنسان الذي استكبر و طغى و أعرض عن هدى الله و خالف القرآن الكريم ضل عن هدى
الله تعالى و زاغ عن صراطه المستقيم بمحض إرادته و لم يظلمه الله تعالى الذي لا
يقرر بقضائه و قدره بأن يكون إنسان معين كافرا و آخر مؤمنا. و لا يقدر على إنسان
ظلم الناس و الإجرام ثم يعاقبه عن أعماله المخالفة للقرآن. فالقول بذلك كذب على
الله تعالى الذي هو العدل و الحق.
هناك آيات كثيرة مؤكدة
لحرية الإنسان في اختيار الهداية أو الضلالة، اختيار الكفر أو الإيمان و منها
البقرة 16 " أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا
رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ " في هذه الآية الكريمة
ألفاظ مجازية فليست هناك عملية شراء
أو تجارة و لكن المعنى الحقيقي أن الإنسان الذي اختار الكفر خسر الحياة الدائمة
الحقيقية في الجنة و قد زاغ عن صراط الله المستقيم و مصيره النار. و هذا الحكم
الشرعي مؤكد في كثير من الآيات الكريمة منها البقرة 108" أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُواْ رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ
مُوسَى مِن قَبْلُ وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء
السَّبِيلِ " و البقرة 175
" أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ
بِالْمَغْفِرَةِ فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ " و الإسراء 9 : " إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم و يبشر
المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيـرا"
فمن اتبع القرآن و
التزم بإحكامه الشرعية يكون مهتديا بهداية الله لان القران الكريم هدى الله.
المائدة 16" يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ
السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ
وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ " و الإنسان هو الذي يختار بين
الكفر و الإيمان و يتحمل مسؤوليته. المائدة 105" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ
إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ "
و لا يضر الله من ضل أبدا إبراهيم 8 :" وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُواْ
أَنتُمْ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ " آل
عمران 97 :" وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ " لم
يقل الله تعالى عبارة لا يضركم من ضل إذا هديتكم. بل أكد سبحانه و تعالى بان
الإنسان هو الذي يقرر بنفسه الهداية أو الضلالة. الأنعام 39 " وَالَّذِينَ
كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَن يَشَإِ اللّهُ
يُضْلِلْهُ وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ " و الأعراف
186 " مَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي
طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ " إبراهيم 4 " وَمَا أَرْسَلْنَا مِن
رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن
يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " الله تعالى عادل
و لا يظلم أحدا لا يضل الله إلا من
فضل الكفر و لا يهدي إلا من فضل الإيمان بنفسه و اختياره. الله تعالى قادر على
هداية كل الناس و جعلهم مؤمنين و لكن ترك حرية الإيمان أو الكفر للإنسان. و تدل
على ذلك آيات منها الأنعام 149 " قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ
فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ " و السجدة 13" وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا
وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ
وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ " و يونس 99 " وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ
جَمِيعًا " هود 118-119 :" وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ
أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ
وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ
الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ "و الأنعام 35 " وَلَوْ شَاء اللّهُ
لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ " و الرعد
31 " وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ
الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلّهِ الأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ
يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَن لَّوْ يَشَاء اللّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا
وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ
تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ
يُخْلِفُ الْمِيعَادَ " و الفرقان 17 " وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا
يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء
أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ " فصلت 17 " وَأَمَّا ثَمُودُ
فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ
الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ " و المقصود من كلمة هديناهم
في هده الآية أن الله تعالى أنزل الهدى على
رسوله ليبلغه لهم و هو الكتاب أو الشرع الذي أراد به الله هداية من اتبعه. فالإنسان مخير في عمله
ومسؤول عنه. النساء 136 " وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ
وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا "
و النساء 167 " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ
قَدْ ضَلُّواْ ضَلاَلاً بَعِيدًا " ويونس 108 " قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ
جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي
لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا " و الإسراء 14-15
" اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا مَّنِ
اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ
عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ
حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً " و الزمر 41" إِنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ
الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ
فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ " الله تعالى
نزل القرآن الكريم فبين فيه الهداية و الضلالة وترك للإنسان حرية القرار و العمل
بما شاء. ولكن خصص له جزاء عن قراره وعمله. الإنسان 2-5 " إِنَّا خَلَقْنَا
الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا
بَصِيرًا إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا إِنَّا
أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاسِلا وَأَغْلالا وَسَعِيرًا " معنى هديناه
السبيل بينا ووضحنا و حددنا للإنسان الصراط المستقيم و الهداية و هي القرآن
الكريم. حياة الإنسان في الدنيا و
ما يؤتيه الله من نعم ابتلاء و اختبار و امتحان من الله تعالى فإذا أطاع الانسان
الله و التزم بالقرآن يفوز فوزا عظيما حيث يعيش حياة دائمة في الجنة. الكهف 29
" وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء
فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ
سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ
بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا " و الشمس 7-10: " وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا
فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا
" و النازعات 37-41 : " فَأَمَّا مَن طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ
الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ
رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى
" و الأنعام 82 : " الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم
بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ " فالدين آمنوا و
التزموا بالقرآن مهتدون باختيارهم الإيمان و التقوى. القصص 50:" فَإِن لَّمْ
يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ
مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي
الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " محمد 17 : وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى
وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ " الجاثية 23: " أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ
إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ
وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ
أَفَلا تَذَكَّرُونَ " الله تعالى لا يظلم أبدا و حرية الاختيار بين الكفر و
الإيمان للإنسان. لكن هناك جزاء الله الذي خصصه لمن كفر و لمن آمن. الفرقان 43 :
" أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ
وَكِيلًا " و الكافرون 1-6 : " قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا
أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلا أَنَا
عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ وَلا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ
وَلِيَ دِينِ" أكد الله تعالى في هذه السورة بأن الكفار لهم دين الضلالة و
الكفر لأنهم لا يعبدون الله طبقا لكتابه الملزم لهم و هو القرآن الكريم بل يعبدون
هواهم و شهواتهم و الأصنام و الأشياء مثل علامة الصليب و تمثال المسيح بن مريم و
غيره. بينما الدين الحق المشروع هو دين الإسلام. قال سبحانه وتعالى في آل عمران 85
: " وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ
فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ " فالإنسان مسؤول عن حريته في الاختيار بين
دين الله الحق وهو الإسلام والالتزام
بأحكام القران قولا و عملا سرا وعلانية وبين دين الكفر و الاستكبار عن عبادة الله
تعالى. و طبعا دين الكفر لا يجوز شرعا و بأمر الله تعالى أن يكون في دار الإسلام
وسوف أدلي بالآيات الكريمة المؤكدة لدلك في المبحث الثاني من هدا الفصل.
الله تعالى لا يهدي
الكفار و يهدي المؤمنين الصالحين الملتزمين فعلا بالقرآن الكريم فيترك الكفار في
الظلام والضلالة تائهين و هم في
طريقهم بكفرهم وأعمالهم إلى نار جهنم، وينير الله طريق المؤمنين الصالحين المتقين
بنور القرآن الذي التزموا به. وتقواهم
هي التي تجعلهم على الهدى و على الصراط المستقيم المؤدي بهم إلى الحياة
الحقيقية الدائمة في الجنة. الحديد 28 : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا
بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا
تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ". و لا يمكن
أن يجعل الله للكفار نورا يمشون به و لا يهديهم لأن المؤمنين المتقين استحقوا نور
الله باختيارهم الإيمان و التقوى و
الكفار اختاروا الكفر و أعرضوا عن القرآن و هو نور الله فبقوا في الضلالة و
الخسارة. إبراهيم 27: " يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ
الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ
الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء " إننا نطلب من الله تعالى أن
يهدينا صراطه المستقيم عندما نقرأ سورة الفاتحة و نحن نصلي لله سبحانه عسى أن
يستجيب لنا إن شاء ويزيدنا هداية بإيماننا و أعمالنا الصالحة و تقوانا. والنحل
104: " إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ
اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " بل إن الظالمين وقود نار جهنم إدا لم
يتوبوا طبقا لشروط التوبة المحددة في القرآن الكريم. البقرة 39 " وَالَّذِينَ
كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا
خَالِدُونَ " و آل عمران 10 : " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِيَ
عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُم مِّنَ اللّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ
وَقُودُ النَّارِ " أل عمران 32 " قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ
فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ " النجم 30 :
" ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى " و لكن الله تعالى يحب
المؤمنين الصالحين المتقين و يجعلهم بإيمانهم و عملهم الصالح على الصراط المستقيم
النساء 175 : " فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ
فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا
مُّسْتَقِيمًا " و يونس9 : " إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ
الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ
الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ " إن إيمان المؤمن الصالح و تقواه
يوفران له هداية الله . البقرة 213: " فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ "
. البقرة 157 :" أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ " الأعراف 158: " فَآمِنُواْ بِاللّهِ
وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ
وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ " المائدة 15 – 16 : " قد جاءكم من الله نور و كتاب مبيـن يهدي
به الله من اتبع رضوانه سبل السلام و يخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه و يهديهم
إلى صراط مستقيم ". و الحج 54 : " وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ
قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ
مُّسْتَقِيمٍ " . لا يهدي الله إلى صراطه المستقيم الا المؤمن الصالح المتقي
الملتزم بأحكام القرآن قولا وعملا
سرا و علانية.
هناك آيات كثيرة تدل
على أن الكافر و المعرض عن القرآن
في الضلالة و لا يزيده الله إلا ضلالة و خسارة و مصيره نار جهنم و منها التوبة 19
: " وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " آل عمران 86 :
" كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ
أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ ". فالكفار يتركهم الله على صراط جهنم و لا ينظر إليهم يوم
القيامة. النحل 107: " ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ
الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ "
الصافات22-23 : " احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا
كَانُوا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ
وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ " الصف 5 : " فَلَمَّا زَاغُوا
أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ "
و المائدة 51 : " إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ "
التوبة 80: " ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَاللّهُ
لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ " الأنعام 144: " إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ " المائدة 67:" إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ
الْكَافِرِينَ " و المائدة 108 : " وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ
الْفَاسِقِينَ " و الجمعة 5 : " وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ " فرض الله العمل الحلال لكسب الرزق و متاع الدنيا و لكن في
إطار التقوى و الالتزام بالقرآن الكريم. والزمر3 :" إِنَّ اللَّهَ لَا
يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ " نوح 24 : " وَلا تَزِدِ
الظَّالِمِينَ إِلا ضَلالا " محمد 1-2 : " الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا
عَن سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن
رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ". فالكافر
و الفاسق العاصي الله تعالى لا يجوز شرعا الدعاء له بالهداية لأنه مسؤول عن عمله
أمام الله. و هو الذي اختار الكفر بإرادته و حريته و يجازيه الله تعالى على أعماله
بنار جهنم و عذاب الدنيا أيضا. ولا يجوز القول بأن الإنسان مسير بالقدرة الإلهية
في كل أعماله. الله تعالى قادر مطلقا على معاقبة المجرمين و رحمة المتقين و
الإحسان إليهم وقادر على ابتلاء من أراد من الناس و التصرف في الكون كما يشاء و
لكنه لا يتدخل في حرية الإنسان في الاختيار بين الكفر و الإيمان الأحزاب 17:
" قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ
سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ
وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا ". يريد الله السوء للظالم و الخير و الرحمة للمتقين
الصالحين و لا يظلم أحدا أبدا، آل عمران 47: " إِذَا قَضَى أَمْرًا
فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ " و النحل 40 :
" إِنَّمَا
قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ " ولا يقضي الله تعالى إلا بالعدل و الحق.
لا يقدر الله على إنسان ظلم الناس ثم يعاقبه عن ظلمه. النساء 40: " إِنَّ اللّهَ لاَ
يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن
لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا " هود 117: " وَمَا كَانَ رَبُّكَ
لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ " و ظلم الناس لبعضهم
البعض ليس من قضاء الله و قدره . العنكبوت 10 : " وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا
أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ".
الله تعالى أكد في عدة
آيات بأنه يراقب عمل كل إنسان و يجازيه عنه.و منها يونس 14 :
" ثُمَّ
جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ
" و هود 7: " وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي
سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ
أَحْسَنُ عَمَلاً " و الكهف 7 : " إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ
زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا " و الملك 2 : " الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ
أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ " و الأعراف 129:
" قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي
الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ " و الطور21: " كُلُّ امْرِئٍ
بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ " و المدثر 38: " كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ
رَهِينَةٌ " التكوير 27-28 : " إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ
لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ " و فصلت 40: " اعْمَلُوا
مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ". هذه الآيات الكريمة و غيرها تؤكد أن لله ترك
للإنسان الحرية في أعماله و يحاسبه و يجازيه عليها و ادعاء بعض المغرضين أن
الإنسان مسير في كل أعماله و إرادته باطل. فمن قال ذلك كذب على الله و له عذاب
أليم. إنهم يريدون استعباد الإنسان و تكبيله و استسلامه لطغيان المستبدين و
الكفار. فالحكم الظالم المخالف للقرآن ليس من قضاء الله وقدره أبدا. والمسلمون
ملزمون بغرض تطبيق القرآن و الحكم بما أنزل الله. راجع الفصل الأول حول قدرة الله
تعالى. والإنسان مسؤول عن إتباع القرآن و الالتزام به و ذلك ما أحاول توضيحه في
النقطة الثانية.
2- مسؤولية الإنسان عن إتباع القرآن الكريم :
استخلف الله تعالى
الناس في الأرض ليعمروها و يعيشوا فيها حياة مؤقتة نهايتها الموت. فالحياة الدنيا
مرحلة امتحان و اختبار و ابتلاء مادته الشرع الذي ينزله الله للناس، فالذيـن
اتبعوه و التزموا به هم الذين يعيشون حياة حقيقية دائمة بعد البعث في الجنة و
الذين كفروا و أعرضوا عن شرع الله يرمون في نار جهنم خالدين فيها بعد البعث.
و القرآن الكريم هو
الشرع الذي أنزله الله و نسخ به كل الشرائع السابقة و هو الملزم لكافة الناس حسب
الفترة الزمنية التي يريدها الله و التي بدأت منذ أكثـر من أربعة عشر قرنا، فرض
الله تعالى على الناس كافة الالـتزام بأحكام القران الكريم في فترة استخلافهم
بالأرض لأن فيه أوامـره و نواهيـه و المنهج الذي أراده الله لهم في حياتهم المؤقتة
بالدنيا، و من الآيات الدالـة على ذلك سورة الشمس (7-10) : " وَنَفْسٍ وَمَا
سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ
خَابَ مَن دَسَّاهَا " وسورة الليل (5-11) : " فَأَمَّا مَن أَعْطَى
وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَن
بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى وَمَا
يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى " و سورة الذاريات (56) : " وَمَا
خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ " و عبادة الله كل لا يتجزأ
و هي إتباع منهج الله و هو القرآن الكريم. سورة يس (60-61) : " أَلَمْ
أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ
لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ " و
سورة الزمر (55) : " اتِبعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم
مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ "
و سورة الأعراف (3) : " اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ
وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء " و سورة الأنعام (157) : " فَقَدْ
جَاءكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن
كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ
آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ " و سورة الأنعام
(153) : " وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ
تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ
لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ " و سورة الجاثية (18) : " ثُمَّ جَعَلْنَاكَ
عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا و لا تتبع أهواء الذين لا
يعلمون" و سورة السجدة (22) : " وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ
بِآيَاتِ رَبِّهِ ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون" و سورة الزخرف (
36-37) : " وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا
فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ
أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ " و سورة النساء (14) : " وَمَن يَعْصِ اللّهَ
وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ
عَذَابٌ مُّهِينٌ " و حدود الله هي أحكام القرآن الكريم.
و كـل الآيات التي أمر
فيها الله تعالى الناس بعبادته و بالتقوى تدل على واجب الالتزام بأحكام القران و
إتباعها و العمل بها قولا و عملا، سرا و علانية. فالإنسان حر في الإيمان أو الكفر
و لكن المؤمن هو من التزم بأحكام القران الكريم الذي نزله الله لكافة الناس. و
أحيل الفقهاء و الباحثين المحترمين إلى دراسة أنجزتها حول فهم القران الكريم و هي
منشورة في موقعي بالانترنت .
و أبين بعض الآيات
الكريمة الدالة على أن الحياة في الدنيا مؤقتة و عابرة و الله يبعث الموتى و
يحييـهم حتما للحساب عن امتحان الدنيا و الاستخلاف فيها و نيل الجزاء إما حياة
دائمة أبدية في السعادة بالجنة و رضى الله تعالى و رحمتـه أو عذاب دائـم في نار
جهنم. سورة آل عمران (145) : " و ما كان
لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا " سورة المنافقون (11): " و لن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها و الله
خبير بما تعملون " سورة نوح (4): " و يؤخركم
إلى أجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون " و سورة الجمعة
(8): " قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه
ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب و الشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون " و سورة
يونس (46): " فإلينا مرجعكم ثم الله شهيد على
ما يفعلون " و سورة التغابن (7): " زعم الذين
كفروا أن لن يبعثوا قل بلى و ربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم و ذلك على الله يسير
" و سورة آل عمران (158): " و لئن متم
أو قتلتم لإلى الله تحشرون " و
سورة النساء (78): " أينما
تكونوا يدركـكم الموت و لو كنتم في بروج مشـيدة " و سورة آل عمران (168): " قل فادرؤوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين
" و سورة القصص (88): " كل شيء
هالك إلا وجهه له الحكم و إليه ترجعون " و سورة الحج (6): " ذلك بان الله هو الحق و أنه يحيي الموتى
وأنه على كل شيء قدير و أن الساعة آتية لا ريب فيها و أن الله يبعث من في القبور
" و سورة الحج (66): " و هو الذي
أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الإنسان لكفور " و سورة البقرة (28): " كيف تكفرون بالله و كنتم أمواتا فأحياكم ثم
يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون " و سورة الزمر (42):
" الله يتوفى الأنفس حين موتها و التي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها
الموت و يرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " و سورة
الزمر (68): " و نفخ في الصور فصعق من في
السموات و من في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون
" و سورة يس (83): " فسبحان
الذي بيده ملكوت كل شيء و إليه ترجعون " و سورة الأعراف (158) : " قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا
الذي له ملك السموات و الأرض لا إله إلا هو يحيي و يميت ... " و سورة غافر
(68) : " هو الذي يحيي و يميت فإذا قضى
أمرا فإنما يقول له كن فيكون " و سورة الشورى (9):
" أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي و هو يحيي الموتى و هو على كل شيء
قدير " و سورة الروم (19): " يخرج الحي
من الميت و يخرج الميت من الحي و يحيي الأرض بعد موتها و كذلك تخرجون " و
سورة الروم (25): " و من آياته أن تقوم السماء و
الأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون " و سورة الأنعام
(36): " إنما يستجيب الذين يسمعون و
الموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون " و سورة الروم (40):
" الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من
ذالكم من شيء سبحانه و تعالى عما يشركون " و سورة طه (55): " منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم
تارة أخرى " و سورة السجدة (11): " قل يتوفاكم
ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون " و سورة الأنعام (61-62): " و هو القاهر فوق عباده و يرسل عليكم حفظة
حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا و هم لا يفرطون ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق
ألا له الحكم و هو أسرع الحاسبين "
أكدت لنا هذه الآيات
الكريمة أن حياة الإنسان في الدنيا مؤقـتة و لها نهاية حتمية هي الموت. و الله تعالى
بسلطانه و قضائه و قدره يحيي الإنسان بعد موته ليحاسبه و يجازيه عن أعماله حسب
نتيجة امتحانه و اختباره و ابتلائه في مرحلة استخلاف الله له في الدنيا، فإذا
التزم بالقرآن و اتقى الله و عمل صالحا يحييه الله حياة دائمة في السعادة بالجنة.
و إذا أعرض عن القران و لم يعمل بأحكامه بل اتبع شهواته و هواه و متاع الدنيا و
زينتها وحدها فان الملائكة ترميه في نار جهنم بأمر من الله تعالى فيكون لها وقودا
و حطبا سورة الصافات (22-24): " احشروا الذين ظلموا و أزواجهم و
ما كانوا يعبدون من دون الله فأهدوهم إلى صراط الجحيم و قفوهم إنهم مسؤولون
".
فالإنسان رغم حريته بين الكفر و الإيمان ملزم بإتباع القرآن و
العمل بأحكامه قولا و عملا سرا و علانية و لكي أبين مسؤوليته عن حريته و اختياره
بين اتباع القران و عدم اتباعه، استدل ببعض الآيات منها سورة الإسراء (13-14) : " و كـل إنسان ألزمناه طائره في
عنقه و نخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كـفى بنفسك اليوم عليك
حسيبا " و سورة سبأ (3) : " و قـال
الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى و ربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال
ذرة في السماوات و لا في الأرض و لا أصغر من ذلك و لا أكبـر إلا في كتاب مبين
" و سورة الكهف (49) : " و وضع
الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه و يقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر
صغيرة و لا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا و لا يظلم ربك أحدا " و
سورة الجاثية (28-31) : " و ترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون
ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون فأما
الذيـن آمنوا و عملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين و أما
الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم و كنتم قوما مجرمين " و
سورة المؤمنون (62) : " و لدينا
كتاب ينطق بالحق و هم لا يظلمون " و سورة آل عمران (29) : " قل إن تخفوا ما في صدوركم أو
تبدوه يعلمه الله و يعلم ما في السماوات و ما في الأرض و الله على كل شيء قدير
" و سورة البقرة (284) : " و إن تبدوا
ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " و سورة النساء (108) : " يستخفون من الناس و لا يستخفون
من الله و هو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول و كان الله بما يعملون محيطا
" و سورة الحديد (4) : " و هو معكم
أينما كنتم و الله بما تعملون بصيـر " و سورة البقرة (77) : " أولا يعلمون أن الله يعلم ما
يسرون و ما يعلنون " و سورة الواقعة (83-85) : " فلولا إذا بلغت الحلقوم و أنتم حينئذ تنظرون و نحن أقرب إليه
منكم ولكـن لا تبصرون" و سورة ق (16) : "
و
لقد خلقنا الإنسان و نعلم ما توسوس به نفسه و نحن أقرب إليه من حبل الوريد "
و سورة المائدة (105) : " إلى الله
مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون " و سورة يس (12) " إنا نحن نحيي
الموتى و نكتب ما قدموا و آثارهم و كل شيء أحصيناه في إمام مبين " و سورة
النبأ (29) : " و كل شيء
أحصيناه كتابا " و النبأ (40) : " إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم
ينظر المرء ما قدمت يداه و يقول الكافر يا ليتني كنت ترابا " و سورة النحل
(93) " و لتسألن عما كنتم تعملون " و سورة الأعراف (6) : " فلنسألن الذين أرسل إليهم و
لنسألن المرسلين " و سورة الأنعام (52) : " و لا تطرد الذين يدعون ربهم
بالغداة و العشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء و ما من حسابك عليهم من شيء
فتطردهم فتكون من الظالمين " .
الله تعالى يراقب و
يحاسب كل الناس بما في ذلك الرسل، و قد تأكد ذلك أيضا في النمل (10-11): " يا موسى لا تخف إني لا يخاف
لدي المرسلون إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم". الله تعالى لا
يظلم أحدا أبدا سورة النساء (40) : " إن الله لا يظلم مثقال ذرة
" و سورة آل عمران (108) : " تلك آيات
الله نتلوها عليك بالحق و ما الله يريد ظلما للعالمين " و آل عمران (182) : " ذلك بما قدمت أيديكم و أن الله
ليس بظلام للعبيد ". الله تعالى يجازي الإنسان حسب أعماله سورة الغاشية
(25-26) : " إن إلينا
إيابهم ثم إن علينا حسابهم " و التغابن (7) : " زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا
قل بلى و ربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم و ذلك على الله يسير ".
و قد جعل الله تعالى
لكل إنسان ملائكة تراقبه هي أيضا أينما كان و تكتب أعماله و أقواله، أما ما يكتم
الإنسان في نفسه فلا يعلمه إلا الله وحده و يجازيه عنه. الزخرف (80) : " أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم و
نجواهم بلى و رسلنا لديهم يكتبون " و الانفطار (10-12) : " و إن عليكم لحافظين كراما
كاتبين يعلمون ما تفعلون " آل عمران (167) : " يقولون بأفواههم ما ليس في
قلوبهم و الله أعلم بما يكتمون " يونس (21) : " و إذا أذقنا الناس رحمة من بعد
ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون
" بل يشهد على أعمال الإنسان الله تعالى و الملائكة و أعضاء الإنسان لقوله
تعالى في سورة فصلت (20-21) : " حتى إذا ما
جاؤوها شهد عليهم سمعهم و أبصارهم و جلودهم بما كانوا يعملون و قالوا لجلودهم لم
شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء و هو خلقكم أول مرة و إليه ترجعون
"و النور(24) : " يوم تشهد عليهم ألسنتهم و أيديهم وأرجلهم بما كانوا
يعملون" يس(65) : " اليوم نختم
على أفواههم و تكلمنا أيديهم و تشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ".
يا أيها الناس أبناء
آدم و حواء عليهما السلام و خلفاء الله في الأرض إن الله تعالى خلقكم لإعمارها و
ليختار منكم المؤمنين الصالحين المتقين و الطائعين له ليعيشوا حياة حقيقية دائمة
بجواره في الجنة أما الذين خسروا في عملية الاستخلاف و الابتلاء و الاختبار و
الامتحان في الدنيا فإنهم يرمون في نار جهنم. و هل في النار حياة يا أولي
الألباب؟ طه (74-76) : " إنه من يأت ربه مجرما فإن له
جهنم لا يموت فيها و لا يحيى و من يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولائك لهم الدرجات
العلى جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها و ذلك جزاء من تزكى" .
سارعوا أيها الناس إلى
العمل الحلال الجدي لكسب الرزق و متاع الدنيا و القيام بوظيفة إعمار الأرض التي
كلفنا الله بها و لكن في إطار التقوى و عبادة و حب من خلقنا و استخلفنا و نحن من
روحه و ملك له. و قد أكرمنا فسخر لنا ما في الكون. فإذا منع الله تعالى الماء أو
الهواء فإننا نموت حتما مع كل الكائنات الحية، فالحياة المؤقتة في الدنيا مزرعة
لكسب الحياة الحقيقية السعيدة في الآخرة. و لا يمكن كسبها و الفوز بها إلا
بالالتزام بالقرآن الكريم و التقوى و حب الله بصدق و إخلاص و الله تعالى رغم قضائه
و قدره المطلق عادل عدلا مطلـقا و ذلك ما يتأكد لنا في النقطة الآتية.
ب) عدل الله تعالى في
الجزاء عن الأعمال
يجازي الله تعالى
الإنسان عن أعماله بعدل طبقا لكتابه الذي سجلت فيه أعماله، سأبين الآيات الكريمة
الدالة على عدل الله المطلق في محاسبة الناس في نقطة أولى و في الثانية أبين
الآيات الدالة على ابتلاء الله تعالى للناس لإظهار حقائقهم النفسية و آياته في
الكون و ليس في ذلك ظلم لهم أبدا.
1) الله تعالى يجازي و
يكافئ الناس عن أعمالهم بعدل
أكد الله تعالى حقيقة
أزلية ثابتة في القران الكريم هي أن خلقه و استخلافه لبني ادم في الأرض مبني على
هدف واحد هو إعمارهم لها و التمتع بزينتها و متاعها و لكن في إطار عبادة الله و
طاعته و الالتزام بالشرع الذي يبلغه لهم الله بواسطة رسوله. الله تعالى لا يظلم و
هو العدل و الحق و يحاسب كل إنسان بعد البعث عن أعماله. و شرع الله المنزل و
المبلغ للناس من طرف رسول الله و العلماء و أولي الأمر المؤمنين الصالحين من بعده
هو معيار الجزاء و ميزان أعمال الناس. و لكل أمة شرعها التي تحاسب عليه حسب
المرحلة الزمنية التي أرادها لها الله. و كل شرع ينسخ ما سبقه من شرائع بأمر من
الله تعالى، و تؤكد ذلك عدة آيات منها البقرة (38-39): " قلنا اهبطوا منها جميعا فإما
يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون و الذين كفروا و كذبوا
بآياتنا أولائك أصحاب النار هم فيها خالدون " و طه (123-124) : " فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع
هداي فلا يضل و لا يشقى و من أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا و نحشره يوم القيامة
أعمى " و الأعراف (35) : " يا بني آدم
إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم
آياتي فمن اتقى و أصلح فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون " و الأعراف (26) : " يا بني آدم قد أنزلنا عليكم
لباسا يواري سوآتكم و ريشا و لباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون
" و لباس التقوى في هذه الآية الكريمة هو شرع الله تعالى لأن من التزم به
كأنه حمى و ستر جسمه من البرد و الحر و من كل ما قد يضره. فالالتزام بشرع الله
يحمي الإنسان من نار جهنم و عذاب الله في الدنيا و الآخرة. و شرع الله الملزم
لكافة الناس بالكون منذ أكثر من أربعة عشر قرنا و إلى المدة الزمنية التي يريدها
الله تعالى هو القران الكريـم الذي نسخ بأمر من الله كل الشرائع السابقة. فكل
الناس بما فيهم اليهود و النصارى ملزمون بعبادة الله و التقوى طبقا لأحكام القران
الكريم. سوف أبين الآيات الدالة على هذه الحقيقة الشرعية في المبحث الثاني من هذا
الفصل.
إن الله تعالى لا يظلم
أحدا أبدا بل يجازي كل إنسان حسب أعماله و أقواله السرية و العلنية و ما في نفسه.
و أبين بعض الآيات المؤكدة لذلك و منها آل عمران (25) : " فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب
فيه و وفيت كل نفس ما كسبت و هم لا يظلمون " و البقرة (57) : " و ما ظلمونا و لكن كانوا
أنفسهم يظلمون " و آل عمران (161) : " ثم توفى كل نفس ما كسبت و هم
لا يظلمون " و آل عمران (181-182) : " ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما
قدمت أيديكم و أن الله ليس بظلام للعبيد "و النساء (40) : " إن الله لا يظلم مثقال ذرة و
إن تك حسنة يضاعفها و يِؤت من لدنه أجرا عظيما " و البقرة 59: " فبدل
الدين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما
كانوا يفسقون " و النساء 124 : " و من يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى و هو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة و لا
يظلمون نقيرا". النساء 153 :" فأخذتهم الصاعقة بظلمهم" يونس 52:
" ثم قيل للدين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون "
يونس 70 : "متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما
كانوا يكفرون" البقرة 126 :" و إذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا و
ارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله و اليوم الآخر قال و من كفر فأمتعه قليلا
ثم أضطره إلى عذاب النار و بئس المصير " إن الله تعالى لا يظلم أحدا و
الإنسان هو الذي يظلم نفسه عندما ينال عقاب الله و عذابه لأنه يهتم بمتاع الدنيا و
زينتها فقط و يكفر بالله و لا يطيعه و لا يعبده أي لا يلتزم بشرعه المبلغ إلى
الناس. فلا ينفعه متاع الدنيا و لا يحميه من عذاب الله. يونس 7-8 :" إن الذين
لا يرجون لقاءنا و رضوا بالحياة الدنيا و اطمأنوا بها و الذين هم عن آياتنا غافلون
أولائك مأواهم النار بما كانوا يكسبون " و آل عمران 10 : " إن الذين
كفروا لن تغني عنهم أموالهم و لا أولادهم من الله شيئا و أولائك هم وقود النار
" و آل عمران 116 : " ان الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم و لا أولادهم
من الله شيئا و أولائك أصحاب النار هم فيها خالدون " و المجادلة 17 : "
لن تغني عنهم أموالهم و لا أولادهم من الله شيئا أولائك أصحاب النار هم فيها
خالدون " بينما الذين يهتمون بمتاع الدنيا و يعملون بجد في إطار الحلال وطاعة الله و عبادته أي الامتثال لشرع
الله و العمل بأحكامه سرا و علانية،
قولا وعملا ينالون رضى الله ورحمته و جنته و لقاءه ويحيون حياة أبدية
دائمة. يونس 62-64 : " ألا إن أولياء الله لا
خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين
آمنوا و كانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا و في الآخرة لا تبديل لكلمات
الله ذلك هو الفوز العظيم" الأنعام 160: " من جاء بالحسنة فله عشر
أمثالها و من جاء بالسيئة فلا يجزي إلا مثلها وهم لا يظلمون" آل عمران 195:
"فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من
بعض" و الأعراف 8-9: " والوزن يومئذ الحق فمن
ثقلت موازينه فأولك هم المفلحون و من خفت موازينه فأولك الدين خسروا أنفسهم بما
كانوا بآياتنا يظلمون" و المؤمنون 102-104: "
فمن ثقلت موازينه فأولك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولك الذين خسروا أنفسهم في
جهنم خالدون تلفح وجوههم النار و هم فيها كالحون" و الزلزلة 6-8: " يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال درة
خيرا يره ومن يعمل مثقال درة شرا يره" و القارعة 4-11: " يوم يكون الناس
كالفراش المبثوث و تكون الجبال كالعهن المنفوش فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة
راضية و أما من خفت موازينه فأمه هاوية و ما أدراك ماهيه نار حامية"
الأعراف147: " هل يجزون إلا ما كانوا يعملون" فصلت 46: " من عمل
صالحا فلنفسه و من أساء فعليها و ما ربك بظلام للعبيد" ق 29:" ما يبدل
القول لدي وما أنا بظلام للعبيد " الأعراف 160 : " و ما ظلمونا و لكن
كانوا أنفسهم يظلمون" و الأعراف 177: " ساء مثلا القوم الذين كذبوا
بآياتنا و أنفسهم كانوا يظلمون " آل عمران 18: " شهد الله أنه لا إله
إلا هو و الملائكة و أولوا العلم
قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم " النساء 79: " ما
أصابك من حسنة فمن الله و ما أصابك من سيئة فمن نفسك و أرسلناك للناس رسولا و كفى بالله شهيدا" و يس
54:" فاليوم لا تظلم نفس شيئا و لا تجزون إلا ما كنتم تعملون" و الأنفال
50-51:" و لو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون و جوههم و أدبارهم و
ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم و أن الله ليس بظلام للعبيد" و
الأحقاف 20:" فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق
و بما كنتم تفسقون" و البقرة 281: " و اتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله
ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون" آل عمران 25:" فكيف إذا جمعناهم
ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون" و يونس 44:" إن
الله لا يظلم الناس شيا ولكن الناس أنفسهم يظلمون " هود 117: " و ما كان
ربك ليهلك القرى بظلم و أهلها مصلحون" القصص 59 : " و ما كنا مهلكي
القرى إلا و أهلها ظالمون" الجاثية 22:" و خلق الله السماوات و الأرض
بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت و هم
لا يظلمون" و الزمر 75: " وقضي بينهم بالحق" و الأحقاف 19: " و لكل درجات مما عملوا و
ليوفيهم أعمالهم و هم لا يظلمون" الأنفال 52 : "كدأب آل فرعون و الذين
من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب "
غافر 78: " فإذا جاء أمر الله قضي بالحق و خسر هنالك المبطلون" عافر17: " اليوم
تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب" يونس 4: " إليه
مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا و عملوا
الصالحات بالقسط و الذين كفروا لهم شراب من حميم و عذاب أليم بما كانوا
يكفرون" و النحل 112: " وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها
رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع و الخوف بما
كانوا يصنعون" و الأنعام 47 : " هل يهلك إلا القوم الظالمون " و
الأنعام 49: " و الذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون "و
الأنعام 120:" وذروا ظاهر الإثم و باطنه إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما
كانوا يقترفون" و الأنعام 151 :" و لا تقربوا الفواحش ما ظهر منها و ما
بطن " والأنعام 157:" فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممن
كذب بآيات الله و صدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا
يصدفون" و الأعراف 4-5: " و كم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا
أوهم قائلون فما كان دعواهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين".و
الأعراف 162: " فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون "
والتوبة 70:" فما كان الله ليظلمهم و لكن كانوا أنفسهم يظلمون " الزمر
51:" فأصابهم سيئات ما كسبوا و الدين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا
و ما هم بمعجزين" يونس 13: " و لقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا و
جاءتهم رسلهم بالبينات و ما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين" الزخرف
74-76: " إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون لا يفتر عنهم و هم فيه مبلسون وما
ظلمناهم و لكن كانوا هم الظالمين" يونس 52:" ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا
عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون" يونس 54: " ولو أن لكل نفس ظلمت
ما في الأرض لافتدت به و أسروا الندامة لما رأوا العذاب و قضي بينهم بالقسط و هم
لا يظلمون". الحديد 15 :" فاليوم لا يؤخذ منكم فدية و لا من الذين كفروا
مأواكم النار هي مولاكم و بئس المصير " الإسراء 71: " يوم ندعو كل أناس
بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولك يقرؤون كتابهم و لا يظلمون فتيلا" و
المؤمنون 62:" ولا نكلف نفسا
إلا وسعها و لدينا كتاب ينطق بالحق و هم لا يظلمون" و الأنبياء 47:"
ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا و إن كان مثقال حبة من خردل
أتينا بها و كفى بنا حاسبين". هذه الآيات الكريمة و غيرها مما لم أذكر تؤكد
أن الله تعالى عادل عدلا مطلقا في محاسبة الناس عن أعمالهم و مكافأتهم شرا أم خيرا
عنها. ومن عدل الله المطلق أنه لا يميز بين الناس من حيث الجزاء و المحاسبة و لو
الرسل و غيرهم. ولا يقبل شفاعة أحد و لو من الرسل لإعفاء المجرم من العقاب. و
كمثال لم يقبل الله تعالى شفاعة رسوله نوح عليه صلاة الله وسلامه بخصوص ابنه
الكافر ، المؤمنون 27:" و لا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون". و لم
تنفع أبي لهب قرابته بالرسول محمد عليه صلاة الله وسلامه لأنه عمه و لم تعفه من
عذاب الله و عقابه ،المسد 1-5:" تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله و ما
كسب سيصلى نارا ذات لهب و امرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد". إن الله
تعالى لا يظلم الناس أبدا بل هم الدين يتسببون لأنفسهم في عذاب الله بعصيانهم و
كفرهم. آل عمران 108:" و ما الله يريد ظلما للعباد" فاطر 37: " و هم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي
كنا نعمل أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر و جاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين
من نصير" الصافات 39:" و ما تجزون إلا ما كنتم تعملون"، المنافقون
9-11:" يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم و لا أولادكم عن ذكر الله و من
يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون و أنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت
فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فاصدق و أكن من الصالحين و لن يؤخر الله نفسا
إذا جاء أجلها و الله خبير بما تعملون" غافر 20:" و الله يقضي بالحق و
الذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله
هو السميع البصير " وفصلت 46:" من عمل صالحا فلنفسه و من أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد"
الصافات 39:" و ما تجزون إلا ما كنتم تعملون "،فصلت 16:" لنذيقهم
عذاب الخزي في الحياة الدنيا و لعذاب الآخرة أخزى و هم لا ينصرون" و الشمس
7-10:" ونفس و ما سواها فألهمها فجورها و تقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من
دساها" النازعات 37-41: " فأما من طغى و آثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي
المأوى و أما من خاف مقام ربه و نهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى "
يوسف 53: " إن النفس لأمارة بالسوء " فالذي اهتم و
اشتغل بمتاع الدنيا و حده و اتبع هواه و شهواته و أعرض عن القرآن الكريم و عبادة
الله مصيره جهنم وعذاب الله أيضا في الدنيا بأجل . فالعمل الحلال لكسب الرزق فرض
فرضه الله تعالى لأن الإنسان إذا لم يأكل و يشرب لمدة معينة لا يستطيع عبادة الله
فقط بل يموت. و إذا منع الإنسان نفسه من الطعام ينال عذاب الله. فالعمل الحلال
لكسب الرزق الحلال و متاع الدنيا واجب و لكن يجب أن يكون في إطار التقوى أي
الالتزام بأحكام القرآن الكريم قولا وعملا سرا و علانية للفوز بالحياة الدائمة
بالجنة بعد نهاية الحياة المؤقتة بالدنيا. ومن الآيات المؤكدة لعدل الله في الجزاء
عن الأعمال، الحج 9-10: " و نذيقه يوم القيامة
عذاب الحريق ذلك بما قدمت يداك و أن الله ليس بظلام للعبيد " و العنكبوت 21: " يعذب من يشاء ويرحم من يشاء و إليه تقلبون" هل يعذب
الله المؤمن الصالح المتقي و هل يرحم الكافر الظالم؟ إن الله لا يشاء الرحمة إلا
للمتقين الذين يستحقونها و لا يشاء العذاب إلا للكفار و الظالمين لأنهم يستحقونه.
فلا يشاء الله أبدا إلا العدل و الحق لأنه هو العدل و الحق و شرعه عدل و حق. أكد
الله تعالى أنه فعلا لا يشاء عذابه إلا للظالمين لأنهم يستحقونه في عدة آيات منها
الإنسان 31: " يدخل من يشاء في رحمته و الظالمين أعد لهم
عذاب أليما" و العنكبوت 23:
" و الذين كفروا
بآيات الله و لقائه أولئك يئسوا من رحمتي و أولئك لهم عذاب أليم" و النساء
175: " فأما الذين آمنوا بالله و اعتصموا به
فسيدخلهم في رحمة منه و فضل و يهديهم إليه صراطا مستقيما" و الأحقاف 35: " فهل يهلك إلا القوم الفاسقون " فمن أعرض عن القرآن و
عصى الله و فسق فليستعد لعذاب الله و عقابه في الدنيا بأجل يحدده الله تعالى و نار
جهنم في الآخرة حتما. ومن اتقى الله
وأطاعه و التزم بالقرآن فلينتظر رحمة الله ورضاه و نعمه و ثوابه و جنته الأعراف 156: " و رحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة و
الذين هم بآياتنا يؤمنون" السجدة 14: "
وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون" و آل عمران 18: "
شهد الله أنه لا إله إلا هو و الملائكة و أولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو
العزيز الحكيم" و الحج 6-7 :
" ذلك بأن الله هو
الحق و أنه يحيي الموتى و أنه على كل شيء قدير و أن الساعة آتية لا ريب فيها و أن
الله يبعث من في القبور " و النحل 33: "
و ما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون" الطلاق1 :" و تلك حدود الله
و من يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه" و الطور 16: "
اصلوها فاصبروا أولا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون" الشورى30
: " و ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم"
النساء 79: " ما أصابك من حسنة فمن الله و ما أصابك من
سيئة فمن نفسك و أرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا" و العنكبوت 10 : " و من الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة
الناس كعذاب الله " إن ظلم الناس لبعضهم البعض ليس من قضاء الله وقدره بل
الظالم مسؤول أمام الله تعالى الذي يعاقبه عن ظلمه. لهذا يجب الحذر وعدم التواكل.
و أذكر القراء و الباحثين المحترمين بمراجعة الفصل الأول و ما يتعلق فيه بتفسير
قضاء الله وقدره. و إذا غير الله تعالى نعمة أنعمها على الناس فذلك بسبب ظلمهم لأن
الله لا يظلم مثقال ذرة أبدا. الشورى 48: "
و إنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها و إن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن
الإنسان كفور " و الأنفال 53
: "
ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " أي
عندما يخالفون القرآن الكريم. الرعد11:
" إن الله لا يغير
ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" طه112: "
و من يعمل من الصالحات و هو مؤمن فلا يخاف ظلما و لا هضما" و النحل 111: " يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها و توفى كل نفس ما عملت و هم
لا يظلمون" و النحل 118: " و ما ظلمناهم و لكن
كانوا أنفسهم يظلمون" الكهف
49: " ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه و يقولون يا
ويلتنا مال هدا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا
و لا يظلم ربك أحدا " العنكبوت 40: "
فكلا أخدنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا و منهم من أخذته الصيحة و منهم من
خسفنا به الأرض و منهم من أغرقنا و ما كن الله ليظلمهم و لكن كانوا أنفسهم
يظلمون". ومن عدل الله ورحمته أنه يجمع الأسر يوم القيامة في الجنة إذا كان
أعضاؤها صالحين مستحقين لرحمة الله وجنته طبقا لأعمالهم الصالحة وأبين بعض الآيات
الكريمة الدالة على دلك منها غافر 8:
" ربنا و أدخلهم
جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم و ذرياتهم إنك أنت العزيز
الحكيم" و الرعد23: " جنات عدن يدخلونها و من
صلح من آبائهم و أزواجهم و ذرياتهم و الملائكة يدخلون عليهم من كل باب" و
الطور 21: " و الذين آمنوا و اتبعتهم ذريتهم بإيمان
ألحقنا بهم ذريتهم و ما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين".
يأيها المؤمنون
الصالحون المتقون، يا أحباء الله ربوا زوجاتكم و أبناءكم على حب الله الذي بيده
مصادر طعامنا و حياتنا ووجودنا وهو الماء و الهواء و بركات الأرض وما يخلق الله
فيها، علموهم وفهموهم القرآن الكريم بجانب علوم الحياة و الإنتاج و التقدم و النمو
و التطور لأنهم ملزمون به و حببوا إليهم الإيمان و التقوى و أقنعوهم بوجود الله
تعالى و خلقه للكون و ما فيه وتدبيره لأموره. وأكدوا لهم أن كل إنسان في الكون
ملزم بالامتثال لأحكام القرآن الكريم بما فيه من فرائض وأمور و نواهي و محرمات. و قد جاء في سورة طه 132 : " و أمر أهلك بالصلاة و اصطبر عليها لا نسألك
رزقا نحن نرزقك و العاقبة للتقوى " و التحريم 6 : " يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم
و أهليكم نارا وقودها الناس و الحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما
أمرهم و يفعلون ما يؤمرون "
و البقرة 24 : "
فاتقوا النار التي وقودها الناس و الحجارة أعدت للكـافرين "
و آل عمران 10 : " إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم و لا
أولادهم من الله شيئا و أولائك هم وقود النار". فاجتناب نار جهنم لا يكون إلا بالعمل الصالح و الالتزام بأحكام
القران الكريم .
سارعوا أيها الناس إلى
القيام بالواجب الذي خلقكم الله و استخلفكم من أجله في الأرض و هو العمل الجدي
الحلال لإعمار الأرض والبناء و التشييد
و التمتع بزينة الأرض و لكن في إطار عبادة الله و طاعته و تنفيذ أوامره و الابتعاد
عن نواهيه المحددة في كتاب الله القرآن الكريم و العمل الجدي الحلال للكسب من رزق
الله و توفير القوة الضرورية للدفاع عن القرآن و دار الإسلام في مواجهة اعتداء
الكفار امتثالا لأمر الله تعالى في عدة آيات منها الأنفال 60 : " و أعدوا لهم ما استطعتم من قوة و من رباط
الخيل ترهبون به عدو الله و عدوكم و آخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم و ما
تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم و أنتم لا تظلمون "
و لا يمكن إعداد هذه القوة التي أمر بها الله حسب ظروف العصر إلا بالعمل الجدي
المنتج و الحلال في كل المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و العلمية و التقنية و
العسكرية. انظر المبحث الثاني من هذا الفصل و فيه الأحكام الشرعية الدالة على أن
العمل الحلال فرض من فرائض الإسلام.
واعلموا أيها الناس أن
المصير الحتمي بعد الموت بالحياة الدنيا المؤقتة بالنسبة لكل إنسان مهما كان تحدده
أعماله و موقفه من شرع الله. الإسراء 19 : "
و من أراد الآخرة و سعى لها سعيها و هو
مؤمن فأولائك كان سعيهم مشكورا ". فإذا أحب الإنسان الله و احترم شرعه و طبقه في أعماله يفوز فوزا
عظيما حيث يحييه الله بعد موته ليعيش حياة أزلية خالدة في الجنة و السعادة الدائمة
و الإنسان الذي كفر بالله و أعرض عن القرآن الكريم و خالفه يكون وقودا و حطبا لنار
جهنم.
2_ ابتلاء الله للناس ليس ظلما أبدا
الله تعالى الجليل الحكيم له قضاء وقدر مطلق في
الكون لا يشاركه فيه أحد ولا يمنعه أحد ولكنه عادل عدلا مطلقا، يصيب الله تعالى
بقضائه وقدره وحكمه كل من أراد ويفعل ما يريد في الكون غافر 68: " فإذا قضى أمرا فإنما
يقول له كن فيكون" وآل عمران 47:
" إذا قضى أمرا فإنما يقول له
كن فيكون" وفصلت 53 : " سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم
أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد". الله تعالى عادل ومن حقه
التصرف في الكون الذي خلقه ويملكه. والملائكة تنفذ أوامر الله تعالى في الكون كله
بل يستعمل الله الشياطين والجن وسائر المخلوقات فيما يريد ولكن لا يريد ولا يشاء
إلا العدل والحق.
يعاقب الله الظالم ويرحم المتقي ويؤتيه من فضله
ويحيي ويميت حسب الأجل الذي يحدده. ولله سلطة إنهاء وجود ما في الكون وخلق ما يريد
وقيام الساعة لا يعلمه إلا الله. وأحيل القراء والباحثين المحترمين إلى الفصل
الأول حول قدرة الله تعالى للمزيد من التفصيل و يضم 76 صفحة.
الإنسان حر في عمله ومسؤول عنه أمام الله تعالى
الذي يجازيه عنه بعدل. يريد الله للناس الخير أصلا وهو بهم رؤوف رحيم لأنه خلقهم
واستخلفهم في الأرض ويريد عودتهم إليه وهم صالحين متقين مطيعين له ليلقاهم ويسعدهم
في جنته.
لا يريد الله الشر والعذاب إلا للذين عصوه
وكفروا به وخالفوا القرآن الكريم. وليس في ذلك ظلم بل الكفار والمجرمون هم الذين
ظلموا أنفسهم بمخالفة أوامر الله تعالى. وأبين بعض الآيات في هذا المجال: الحج 65: " إن الله بالناس لرؤوف
رحيم" البقرة 286: " لا يكلف الله نفسا إلا
وسعها" المائدة 6: " ما يريد الله ليجعل
عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون" الحج 78 : " وما جعل عليكم في الدين من حرج " والنساء 147: " ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا
عليما".
الله تعالى يتصرف بقضائه وقدره في الكون ومنه
الإنسان على سبيل العقاب أو الرحمة أو الابتلاء. والابتلاء معناه أن الله تعالى
يصيب الإنسان بالخير أو الشر لإظهار حقائقه النفسية المخفية للملائكة والناس
الآخرين وقد يبين الله للناس آياته في الكون لإقناعهم بوجوده وسلطانه وخلقه وقضائه وقدرته المطلقة وقد
سبق بيان كثير من الآيات الدالة على أن الله تعالى يعلم ما تخفي كل النفوس بالكون
وأذكر ببعضها: الحديد 4: " وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون
بصير" الحديد 6: " وهو عليم بذات
الصدور" ق 16 : " ولقد خلقنا الإنسان
ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد" والنحل 19: " والله يعلم ما تسرون وما تعلنون" آل عمران 167: " يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما
يكتمون" التوبة 101: " وممن حولكم من الأعراب
منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم
يردون إلى عذاب عظيم" والعنكبوت 10-11: "
أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن
المنافقين" وفيما يلي بعض الآيات الكريمة الدالة على الابتلاء من الله تبارك
وتعالى منها: الأنبياء 35: " كل نفس ذائقة الموت
ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون" محمد 29-31: "
أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم
بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين
منكم والصابرين ونبلو أخباركم" الفتح 11: "
يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا
أو أراد بكم نفعا بل كان الله بما تعملون خبيرا" المنافقون 1: " والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين
لكاذبون" آل عمران 166-167:
" وما أصابكم يوم
التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين وليعلم الذين نافقوا" الممتحنة 1:"
تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء
السبيل" والحج 11: " ومن الناس من يعبد الله
على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو
الخسران المبين" الزمر 8: " وإذا مس الإنسان ضر دعا
ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا
ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار" وهود 9-11: " ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور
ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور إلا الذين
صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير" والبقرة 155-157: " و لنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر
الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم
صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون".
فمهما كانت ظروف العيش والأحوال سواء حسنة أو
سيئة لا يزيغ المؤمن الصالح الصادق المتقي عن صراط الله المستقيم وعن عبادة الله
والتقوى بل يثابر ويصبر ويستمر في طاعة الله ولا تكون طاعة الله طبعا إلا
بالإلتزام التام بأحكام القرآن الكريم قولا وعملا سرا وعلانية حتى ولو أدت به
الظروف الصعبة إلى الموت فإنه ينتقل إلى جوار ربه ليعيش حياة حقيقية دائمة في
سعادة الجنة ورحمة الله تعالى وذلك هو الفوز العظيم وأحسن مما في الدنيا كلها من
متاع وزينة وغيرها أليست الحياة الدائمة في سعادة الجنة أحسن من الحياة المؤقتة في
نعيم الدنيا المؤقت ؟ البقرة 94: " قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة
من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين" .
ومن الآيات المؤكدة للابتلاء وهو حق لله وليس
فيه ظلم نهائيا الزمر 49-51: " فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة
منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون قد قالها الذين من
قبلهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من
هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين" ويونس 12: " وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما
كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا
يعملون" آل عمران 186: " لتبلون في أموالكم
وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أدى كثيرا وإن
تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور" والأعراف 168: "
وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون" والأعراف 130: " ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم
يذكرون" والفجر 15-20: " فأما الإنسان إذا ما
ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول
ربي أهانن كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحضون على طعام المسكين وتأكلون التراث
أكلا لما وتحبون المال حبا جما" والعنكبوت 2-3: "
أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم
فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين" آل عمران 154: " وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم
بذات الصدور" الله تعالى يعلم ما في كل النفوس وما تكتم ولكن يبتلي الناس
لإظهار ما يكتمون في نفوسهم لغيرهم. البقرة 143: "
وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على
عقبيه" الله تعالى يعلم المؤمن والكافر ولكن أراد أن يبين للرسول عليه صلاة
الله وسلامه الذين آمنوا والذين كفروا. الحجرات 3: "
إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم
مغفرة وأجر عظيم" الأنعام 42-44:
" ولقد أرسلنا إلى
أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا
ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا
عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون"
والنحل 112: " وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها
رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا
يصنعون ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون" والروم 36-37: " وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت
أيديهم إذا هم يقنطون أولم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك
لآيات لقوم يؤمنون".
وهناك مثل قارون الذي آتاه الله ثروة مالية
كبيرة ولكن طغى وكفر وتجبر فعاقبه الله تعالى حيث ابتلعته الأرض مع ثروته التي كان
يفتخر ويتجبر بها. القصص 76: " إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم"
والقصص 81: " فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة
ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين" وهناك مثل فرعون الذي طغى بثروته
المالية وتجبر فأغرقه الله في البحر الأحمر مع قومه وجنوده. القصص 4: " إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم
يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم إنه كان من المفسدين" الزخرف 51: " ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه
الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون" الزخرف 54-56:" فاستخف قومه فأطاعوه
إنهم كانوا قوما فاسقين فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين فجعلناهم سلفا
ومثلا للآخرين" هذه الآية الكريمة وغيرها تفرض على المسلمين إنهاء وجود أي
حكم طاغي مخالف للقرآن الكريم في بلاد الإسلام وإن لم يفعلوا ذلك يعذبهم الله
تعالى في الدنيا والآخرة و هناك الحجرات 15 : "
إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله و رسوله ثم لم يرتابوا و جاهدوا بأموالهم و أنفسهم
في سبيل الله أولائك هم الصادقون " و الأنفال 74 : "
و الذين آمنوا و هاجروا و جاهدوا في سبيل الله و الذين آووا و نصروا أولائك هم
المؤمنون حقا لهم مغفرة و رزق كريم " فالجهاد بالنفس و المال للدفاع عن
القران الكريم و فرض تطبيقه فرض من فرائض الإسلام و شرط من شروط الإيمان
وقد حذر الله تعالى من الاستسلام للظالمين هود
113: "
ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار" أي أنكم إن أطعتم المخالفين للقرآن
الكريم سترمون مثلهم في نار جهنم. ومما يؤكد أن الذين يطيعون الظالمين المخالفين
لشرع الله سوف ينالون عذاب الله في الدنيا بأجل ونار جهنم بعد الموت، عدة آيات
منها: سبأ 31-33: " وقال الذين كفروا لن
نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع
بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين
قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم
مجرمين وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر اليل والنهار إذ تأمروننا أن
نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في
أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون" هذه الآيات تدل على أن من
أطاع الظالمين واتبعهم ينال نفس عقابهم. وهناك سورة الممتحنة 12: " ولا يعصينك في معروف" هذه الآية تدل على أن الله فرض
عدم طاعة ما يخالف القرآن الكريم ولو صدر ذلك من رسول الله عليه صلاة الله وسلامه.
فظلم الحكام وغيرهم ليس من قضاء الله وقدره لقوله تعالى في سورة العنكبوت 10: " ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة
الناس كعذاب الله".
وهناك مثل واضح في ابتلاء الله تعالى لرسوله
إبراهيم عليه صلاة الله وسلامه لإظهار إيمانه الصادق وطاعته الصافات 102-107: " فلما بلغ معه السعي قال
يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر
ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما أسلما وتله للجبين وناديناه أن يا إبراهيم قد
صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بدبح
عظيم" والصافات 109-111: " سلام على إبراهيم كذلك
نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين" وبذلك بين الله تعالى إيمان إبراهيم
وطاعته لله وصدقه للملائكة والناس. ولنا مثل أيضا في عصيان قوم ثمود لأمر الله
تعالى الذي بلغه لهم نبيه صالح عليه السلام. فقد ابتلاهم بناقة وأمرهم أن لا يمسوها
بسوء وأن يعطوها حقها من الماء لتشربه. فعصوا أمر ربهم فعقروها فدمرهم الله
أجمعين.القمر 27-31: " إنا مرسلوا الناقة فتنة
لهم فارتقبهم واصطبر ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر فنادوا صاحبهم
فتعاطى فعقر فكيف كان عذابي ونذر إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم
المحتظر " هذه الواقعة دليل على معاقبة الله من يعصي أوامره. والله قادر على
ابتلاء من أراد بالشياطين كذلك ليظهر نفاقهم سبأ 20-21: "
ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين وما كان له عليهم من
سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ"
وقد بينت في الفصل الأول حول قدرة الله تعالى بأن قضاء الله وقدره مطلق ولا يشاركه
فيه أحد أبدا ولو الرسل والملائكة والجن ومنه الشياطين أو الإنس. والله تعالى قادر
على ابتلاء من أراد خيرا أو شرا لإظهار الحق والعدل أو الكفر والشر أو إقناع غير
المقتنعين بوجوده سبحانه وبقضائه وقدره العادل والمطلق.
هذه الفقرة الأولى من المبحث الأول من هذا الفصل
الثاني حول عدل الله تعالى تؤكد لنا أن الإنسان مخير بين الكفر والإيمان بين
الفجور والتقوى بين الإلتزام بالقرآن الكريم أو عدم الإلتزام به ولكنه مسؤول عن
أعماله وقراراته ومراقب من طرف الله والملائكة وتشهد عليه أعضاؤه وتنطق بقدرة الله
يوم الحساب بأعماله بل يحاسبه الله عن ما في نفسه واعتقاده وتفكيره من خير أو شر
والله تعالى يجازي كل إنسان بعدل ودون تمييز لأي سبب كان حسب أعماله بالحياة
الدائمة بالسعادة في الجنة إن كان مستحقا لها أو يجعله حطبا ووقودا لنار جهنم إن
كان مستحقا لها. وقضاء الله وقدره المطلق عادل وابتلاؤه للناس ليس فيه ظلم.
ولكن الإنسان مسؤول أيضا في الدنيا أمام أولي
الأمر المؤمنين الصالحين المتقين في دار الإسلام لقوله تعالى في سورة النساء 59: " يا أيها الذين آمنوا
أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله
والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا" والتوبة
71: " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون
بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويأتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله
أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم" فأولوا الأمر والعلماء و كافة
المسلمين بعد الرسول صلاة الله وسلامه عليه ملزمون بأمر من الله تعالى بتطبيق
القرآن بدار الإسلام وتبليغه للناس وشرحه لهم و لا يخافون إلا من الله تعالى و لا يطيعون من لم يطع الله الكهف 110 : " فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة
ربه أحدا " و عبادة الله هي طاعته و الالتزام بالقرآن الأحزاب 39 : " الذين يبلغون رسالات الله و يخشونه و لا يخشون أحدا إلا
الله و كفى بالله حسيبا " وأحيل القراء والباحثين المحترمين والذين يريدون
الجهاد في سبيل الله ولو بفكرهم إلى دراسة نشرتها في موقعي بالأنتيرنيت حول موضوع:
" فهم القرآن الكريم" 18 صفحة .
أمر الله تعالى بتطبيق القرآن بدار الإسلام
ومعاقبة كل من يخالف أحكامه الشرعية مهما كان حفاظا على النظام الإسلامي في بلاد
الإسلام النساء 58: " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها
وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" والنحل 90: "
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر
والبغي" والعدل هو كتاب الله القرآن الكريم المائدة 44: "
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" والمائدة 45: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون"
المائدة 47 : " و من لم يحكم بما أنزل الله فأولائك هم
الفاسقون " والمائدة
49 : "
وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل
الله إليك".
والمسلمون في دار الإسلام بما فيهم أولو الأمر
المؤمنون المتقون مسؤولون عن فرض الإلتزام بالقرآن في دار الإسلام أمام بعضهم
البعض وأمام الله تعالى الذي يحاسبهم ويجازيهم عن ذلك والله تعالى حرم البغي
والمنكر في دار الإسلام وكل ما يخالف القرآن بغي ومنكر وحرام ولا يجوز شرعا أن
يعيش المسلمون في ظل ما يخالف القرآن الكريم وهناك آيات كثيرة مؤكدة لذلك منها:
المائدة 55: "
إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم
راكعون ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون" وآل
عمران 28: " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون
المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء" وآل عمران 85: " ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من
الخاسرين" وقوله تعالى السابق ذكره هود 113: " ولا تركنوا إلى الذين
ظلموا فتمسكم النار". كل من خالف القرآن فقد عصى الله و ظلم فيجب مقاومته و
تطبيـق أحكام القران الكريم عليه في دار الإسلام لقوله تعالى في البقرة 270 : " و ما للظالمين من أنصار" و نفس الاية في آل عمران 192
و المائدة 72 و الحج 71 : " و ما للظالميـن من نصير
" فلا يجوز تأييـد و نصر من عصى الله و خالف أحكام القرآن الكريم. و من فعل
ذلك يعتبر شريكا في عصيان الله تعالى و ينال نفس العقاب المخصص للظالم. البقرة 229
: " و من يتعد حدود الله فأولائك هم الظالمون
" و الطلاق 1 : " و تلك حدود الله و من
يتعد حدود الله فقد ظلم نفسـه ".
فيا أبناء الأب الواحد والأم الواحدة آدم وحواء
عليهما السلام، يا مخلوقات الله وخلفاءه في أرضه كونوا مؤمنين صادقين محبين لله
حبا شديدا صلبا لا يؤثر عليه أي مؤثر كيفما كان نهائيا كونوا أيها الناس في كافة
أنحاء الكون مؤمنين صالحين متقين ملتزمين بأحكام القرآن الكريم قولا وعملا سرا
وعلانية ولا يؤثر على إيمانكم وحبكم لله وتقواكم أحد ولو هددكم بالسلاح والقتل.
فاستشهاد المؤمن الصالح في سبيل الله والدفاع عن القرآن الكريم ودار الإسلام وطاعة
الله يخوله الحياة الدائمة السعيدة في الجنة ولقاء الله ورضاه ورحمته. آل عمران 169: " ولا تحسبن الذين قتلوا
في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون" و البقرة 154: " و لا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء و لكن لا
تشعرون ".
فيا ذوي العقول
والألباب هل هناك أحسن من الحياة الدائمة في سعادة الجنة ونعيمها ولقاء الله تعالى
ورضاه ؟ طبعا لا يساوي سعادة الجنة ولقاء الله ورضاه أي شيء ولو كل متاع الدنيا
وزينتها. وسوف أنشر في موقعي المذكور بالأنترنيت بقية البحث حول عدل الله تعالى
على مراحل بحول الله وقوته.
بسم الله الرحمن الرحيم
18 محرم 1429 الموافق لـ 27 يناير
2008
بحث أعده الرحلي أحمد من هيئة
التدريس
بالتعليم العالي بالدار البيضاء
سابقا - متقاعد
شارع واد سبو حي الوفاق رقم 910
الفقرة
الثانية:
الله تعالى عادل في رحمته وعقابه
خلق
الله تعالى الكون وما فيه من أشياء وأحياء منها الإنسان. ولله على مخلوقاته فضل
كثير. فهو الذي يوفر لهم مصادر طعامهم دون سواه أبدا، حيث يفتح لهم بركات السماء والأرض بما فيها الماء والهواء وما
يخلق الله تعالى في الأرض لفائدة الإنسان. فلا حياة بدون رحمة الله تعالى وفضله.
والله تعالى يجازي الناس عن أعمالهم بعدل ولا يظلم ولو مثقال ذرة، ويعاقب ويعذب من
عصاه وخالف شرعه عذابا أدنى في الدنيا وعذابا أكبر وأشد في الآخرة. ويرحم الله
تعالى من أطاعه واتبع شرعه والتزم به في الدنيا والآخرة حيث يعطيه ثوابه ويسعده في
الدنيا ويحييه حياة دائمة في سعادة الجنة بعد البعث والحساب. والذي يستكبر عن
عبادة الله ويعرض عن القرآن الكريم يستحق عقاب الله وعذابه فيكون حطبا لنار جهنم
بعد البعث والحساب وفي الدنيا يتعرض لعذاب الله تعالى الذي يضع له أجلا محددا. قال
تعالى في سورة الأعراف 156"ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون
ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون" والعنكبوت 23 "والذين
كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم"
والأعراف 63 "أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا
ولعلكم ترحمون" الأنعام 147 "فإن كذبوك فقل ربكم ذو
رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين" فالإنسان لا
يدخل الجنة فعلا إلا برحمة الله وفضله ولا يدخل جهنم إلا بعقاب الله وعذابه. ولكن
الله تعالى عادل عدلا مطلقا فلا يمنح رحمته وفضله إلا مقابل عمل الإنسان الصالح
والتقوى والالتزام بالقرآن الكريم في الحياة الدنيا قبل الموت. الله تعالى لا
يعاقب ويعذب إلا مقابل عمل الإنسان في الدنيا، يونس 7و8 "إن الذين
لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون
أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون" .
في
هذه الفقرة الثانية من المبحث الأول من الفصل الثاني حول عدل الله تعالى سوف أبين
بحول الله تعالى وقوته كيف يتجلى لنا عدل الله في رحمته وفضله وعقابه وذلك بمعالجة
ثلاث نقط رئيسية:
أ-لا
يعاقب الله تعالى عن الذنوب قبل تبليغ شرعه ولا أحد يمنع عقابه.
ب-يؤجل
الله تعالى العقاب عن الذنوب لإعطاء فرصة للتوبة.
ج-فرض
الله تعالى العمل الحلال للكسب من رزقه.
أ-لا يعاقب الله تعالى عن الذنوب قبل تبليغ
شرعه ولا أحد يمنع عقابه.
الله
جل جلاله رحيم وكريم وعادل ولا يظلم أبدا ولو مثقال ذرة. فرغم أنه تعالى يملك
الكون وما فيه وهو الذي أوجد كل ما هو موجود ورغم كون قضائه وقدره وسلطانه مطلق
ولا يمنعه أحد فإن الله تعالى يتصرف بعدل مطلق ولا يظلم أبدا. فلماذا يظلم الحكام
والطغاة والأغنياء المستضعفين؟ أفلا يتدبرون حقائق الكون ويعلمون أن الله تعالى
يملكهم وهو قادر على التصرف فيهم بقضائه وقدره العادل متى شاء في الدنيا والآخرة إن
الله الذي هو قادر على كل شيء لا يظلم. أفلا نأخذ عبرة ودرسا من قدرة الله المطلقة
العادلة فيكون الناس كلهم عادلين في تصرفاتهم طبقا لشرع الله تعالى القرآن الكريم
الذي هو العدل نفسه.
إن
الله تعالى خلق الناس وأكد بأنه يريد لهم الخير واليسر إلا من ظلم. البقرة 143
"إن
الله بالناس لرؤوف رحيم" والبقرة 185 "يريد الله
بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"المائدة 6 "ما يريد الله ليجعل عليكم من
حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون".
الله
تعالى خلق الناس واستخلفهم في الأرض لإعمارها ولعبادته ونزل لهم نظام الاستخلاف
وهو شرعه الذي يبلغه لهم بواسطة رسوله. فلا يحاسبهم عن أعمالهم إلا بعد هذا
التبليغ الذي هو حجة الله على الناس. فلا يجوز لهم الاعتذار بعم التبليغ. بل
يحاسبهم الله عن أعمالهم ويجازيهم عنها برحمته أو عذابه. ولا أحد في الكون يستطيع
منع جزاء الله سواء الرحمة والثواب أو العقاب والعذاب حسب ما يستحقه الإنسان. وسوف
أبين في النقطة الأولى الأدلة الشرعية على أن الله لا يعاقب قبل تبليغ شرعه وفي
النقطة الثانية أبين الأدلة الشرعية على أن جزاء الله تعالى سواء عذاب أو رحمة لا
يمكن أن يمنعه أحد نهائيا ولو الرسل والملائكة.
1-لا
يعاقب الله تعالى قبل تبليغ شرعه:
هناك
آيات كريمة كثيرة تؤكد رحمة الله وعدله بحيث لا يعاقب الله تعالى الإنسان عن
أعماله قبل تبليغه شرعه ومنها: الأنعام 83 "وتلك حجتنا آتيناها
إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم". فإذ لم يلتزم
الإنسان بشرع الله المبلغ إليه يحاسبه الله ويعتبره مجرما ويعاقبه بعذابه في
الدنيا بأجل وفي الآخرة. السجدة 22 "ومن أظلم ممن ذكر
بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون" ويونس 13
"ولقد
أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا كذلك نجزي
القوم المجرمين"
والجاثية 31 "وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم
وكنتم قوما مجرمين".
الله
استخلفنا في الأرض ولكن في إطار نظام الاستخلاف أي القرآن الذي يجب أن نلتزم به
قولا وعملا وسرا وعلانية وهذا أمر من الله تعالى تجب علينا طاعته لأن الله تعالى
يراقبنا في هذه الأعمال ويعلم هل هي مطابقة لشرعه أم لا ويجازي كل إنسان عن
أعماله. يونس 14 "ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف
تعملون"
والكهف 7 "إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا". كل
الآيات الكريمة الدالة على إنذار الرسل وفقهاء وعلماء الدين للناس تؤكد أن الله
تعالى لا يعاقب قبل تبليغ شرعه منها الإسراء 15 "وما كنا معذبين حتى
نبعث رسولا"
والنساء 165 "رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد
الرسل"
الأنعام 131 "ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون"
والزمر 56-59 "أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن
الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن
لي كرة فأكون من المحسنين بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين".
الله تعالى لا يعذر أحدا في محاسبته وجزائه عن أعماله إذا تبلغ بشرع الله. الزمر
71-72 "وسيق
الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم
رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة
العذاب على الكافرين قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين"
وغافر 49-50 "وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما
من العذاب قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء
الكافرين إلا في ضلال" والملك 8-9 "تكاد تميز من الغيظ
كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا
وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير" وغافر 22
"ذلك
بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه قوي شديد العقاب"
فاطر 37 "وهم
يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أو لم نعمركم ما يتذكر فيه
من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير ".
يحاسب
الله تعالى الناس عن أعمالهم ويجازيهم عنها بالرحمة أو العذاب حسب ما يستحقون، بعد
أن يتبلغوا بشرع الله بواسطة الرسل والمؤمنين الصالحين المتقين. وهنا تظهر أهمية
الدعوة الإسلامية وتفسير وتبليغ القرآن الكريم للناس في الكون كله. التوبة 122
"فلولا
نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم
لعلهم يحذرون"
هذه الآية أمر فيها الله تعالى أولي الأمر وكل المؤمنين الصالحين المتقين بتكوين فقهاء
وعلماء الدعوة الإسلامية لتبليغ القرآن الكريم. وهناك آيات أمر فيها الله تعالى
بالجهاد بالنفس والمال للدفاع عن الدعوة الإسلامية والتبليغ، بل جعل الله تعالى
هذا الأمر بالجهاد بالنفس والمال من شروط الإيمان الصادق. الأنفال 74 "والذين
آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم
مغفرة ورزق كريم" والحجرات 15 "إنما المؤمنون الذين
آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم
الصادقون".
لقد
فرض الله على المسلمين تبليغ القرآن الكريم لكي لا تكون للناس حجة الادعاء بعدم
التبلغ. وأمر الله تعالى الذين يجهلون شرع الله ولا يعلمون أحكام القرآن بأن
يسألوا المختصين في علوم القرآن والذين لهم قدرة وأهلية لشرح وتفسير أحكام القرآن
الكريم للناس. وهؤلاء المختصون ملزمون بأمر الله تعالى بشرح القرآن لمن لا يعلمه.
هذا
الواجب على الذين يعلمون والذين لا يعلمون محدد في النحل 43 "فاسألوا
أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" والبقرة 159 "إن الذين
يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم
الله ويلعنهم اللاعنون" والبقرة 174 "إن الذين
يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم
إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم"
وفصلت 33 "ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من
المسلمين".
إن
الدعوة الإسلامية فرض من فرائض الإسلام. وهي واجبة على أولي الأمر والعلماء
المؤمنين الصادقين المتقين الذين تتوفر فيهم القدرة على التبليغ ماديا وفكريا
وصحيا. وطبعا أولوا الأمر في بلاد الإسلام يجب أن يختارهم المسلمون من بين
المؤمنين الصالحين الأكثر تقوى وقدرة صحية وعلمية وأهلية لحراسة الدين والدنيا وتبليغ
شرع الله وفرض تطبيقه.
ومن
الآيات الدالة على تبليغ الله تعالى القرآن للناس قبل محاسبتهم الأنعام 48-49
"وما
نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون
والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون" والنحل 2
"ينزل
الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا
فاتقون"
وإبراهيم 52 "هذا بلاغ للناس ولينذروا به" النبأ 40
"إنا
أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت
ترابا"
الأعراف 61-63 "قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم
رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون. أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم
على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون" والأنعام 19
"قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم وأوحي إلي هذا القرآن
لأنذركم به ومن بلغ" والأعراف 2 "كتاب أنزل إليك فلا
يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين" إبراهيم 44
"وأنذر
الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك
ونتبع الرسل أو لم تكونوا أقسمتم من قبل مالكم من زوال" والإسراء 105
"وبالحق
أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا ". وتبليغ الرسول عليه صلاة الله وسلامه
القرآن هو الذي جعل منه سراجا منيرا لأن القرآن الكريم فعلا سراج منير يخرج الناس
من الظلمات إلى النور من طريق جهنم إلى طريق الجنة والعودة إلى الله تعالى. وفاطر
23-24 "إن
أنت إلا نذير إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير"
والأنعام 130 "يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي
وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على
أنفسهم أنهم كانوا كافرين" البقرة 213 "كان الناس
أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين
الناس فيما اختلفوا فيه..." والنحل 35 "فهل على
الرسل إلا البلاغ المبين" الصافات 72-74 "ولقد
أرسلنا فيهم منذرين فانظر كيف كان عاقبة المنذرين إلا عباد الله المخلصين"
الكهف 56 "وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ويجادل الذين كفروا
بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزؤا" القصص 46
"وما
كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوما ما آتاهم من نذير من قبلك
لعلهم يتذكرون"
وهذه الآية تتعلق برسول الله موسى عليه وعلى كل الرسل صلاة الله وسلامه لما كلمه
الله تعالى من وراء حجاب. ونوح 1-2 "إنا أرسلنا نوحا إلى
قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم قال يا قوم إني لكم نذير مبين"
يونس 2 "أكان
للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق
عند ربهم"
يس 11 "إنما
تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمان بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم"
الشورى 7 "وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها
وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير"
الفرقان 51 "ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا" والشعراء
208-209 "وما
أهلكنا من قرية إلا لها منذرون ذكرى وما كنا ظالمين" الشعراء
192-194 "وإنه
لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين"
والفرقان 1 "تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا"
والفرقان 56 "وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا" إبراهيم 52
"هذا
بلاغ للناس ولينذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولوا الألباب"
وسبأ 28 "وما
أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون"
البقرة 119 "إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم" وهم
الذين أعرضوا عن القرآن وكذبوا به رغم تبلغهم به. القصص 59 "وما كان
ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلوا عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى
إلا وأهلها ظالمون" فالذين تبلغوا بالقرآن وفهموا أحكامه إذا خالفوها
يعتبرون ظالمين وفاسقين ومجرمين وعاصين الله وكفارا ومستحقين لعذاب الله تعالى في
الدنيا الذي يحدد له الله تعالى أجلا ولعذاب نار جهنم بعد البعث يوم القيامة.
والمائدة 67 "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما
بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين" مريم 97 "فإنما يسرناه بلسانك
لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا" السجدة 3 "أم يقولون
افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما آتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون". يس
2-6 "والقرآن
الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم تنزيل العزيز الرحيم لتنذر قوما ما أنذر
آباؤهم فهم غافلون" ص 65 "قل إنما أنا منذر وما
من إله إلا الله الواحد القهار" فصلت 13 "فإن أعرضوا فقل
أنذرتكم صـاعقة مثل صاعقة عاد وثمود" الدخــان 3 "إنا
أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنـا منـذرين" الدخان 13-14
"أنى
لهم الذكرى وقد جــاءهم رسول مبين ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنــون"
الذاريات 50-51 "ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين ولا
تجعلوا مع الله إلاها آخر إني لكم منه نذير مبين" والاحقاف 3
"والذين
كفروا عما أنذروا معرضون" الأعراف1 - 2 "المص كتاب
أنزل إليك فلا يكن في صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين"
الأعراف 188 "قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله واو كنت
أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون"
الأعراف 68 "أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين"
2-من
عدل الله الصدق في وعده: لا أحد يمنع رحمة الله أو عقابه
إن
قضاء الله وقدره مطلق لا يشاركه فيه أحد ولكنه عادل لأن الله تعالى لا يظلم أحدا
أبدا. وجزاء الله تعالى على أعمال الجن والإنس مطلق وعادل، لا يمنعه أحد سواء
بالنسبة لرحمة الله وثوابه للمؤمنين الصالحين المتقين أو بالنسبة لعقاب الله
وعذابه للكفار والمجرمين. وأبين بعض الآيات الكريمة الدالة على أن عقاب الله
المخصص لمن يستحقه لا أحد بإمكانه منعه أبدا ولا إعفاء المذنب من العذاب ولو الرسل
والملائكة. فكل من يستحق عذاب الله يناله في الدنيا والآخرة.
هناك
عذاب الدنيا وهو الأدنى يضع له الله تعالى أجلا لعل المذنب يتوب لله ويلتزم بالقرآن
بدون رجعة السجدة 21 "ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم
يرجعون" " الأعراف 168
"
"وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون" وهناك عذاب الآخرة بعد
البعث من الموت عندما يحيي الله تعالى الميت في جسد آخر ويعيد إليه الروح. ق
43-44"
إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير. يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير"
الواقعة 60-61 "نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين على أن نبدل
أمثالكم وننشئكم فيما لا تعلمون" الأعراف 24-25 "قال اهبطوا
بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين قال فيها تحيون وفيها تموتون
ومنها تخرجون"
ق 15"
أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد". عندما يموت
الإنسان يقبض الملك المكلف به روحه ثم يعيدها بأمر من الله تعالــى إلى جســده
الثاني الذي يخلقه الله من بدرة الجــسد الأول الميت. الفجر 27-30 "يا أيتها
النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي"
ق42-44 "يوم
يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج. إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير. يوم تشقق
الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير" المطففين 4-6 " "ألا
يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين" " الأحقاف 33 "أو لم يروا
أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى
إنه على كل شيء قدير" عندما يحيي الله الجسد الثاني ويعيد إليه روحه كل
نفس يقودها الملك المكلف بها إلى الله من أجل الحساب والجزاء فإما الجنة أو النار
في أرض أخرى بالسماوات الحديد 13 "فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه
الرحمة وظاهره من قبله العذاب" ق 20-21 "ونفخ في الصور ذلك يوم
الوعيد وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد" ق 42 "يوم يسمعون
الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج" النجم 44-47 "وأنه هو
أمات وأحيا وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى وأن عليه النشأة
الأخرى"
المجادلة 6 "يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه
والله على كل شيء شهيد" المستحقون لنار جهنم لا يرون الله مثل
المستحقين للجنة المطففين 15-16 "كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم
إنهم لصالوا الجحيم" المعارج 43-44 "يوم يخرجون من الأجداث
سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون" نوح
17-18 "والله
أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا" النازعات 13-14
"فإنما
هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة" والنبأ 17-20 "إن يوم
الفصل كان ميقاتا يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا وفتحت السماء فكانت أبوابا
وسيرت الجبال فكانت سرابا". هذه الآيات تدل على أن الله تعالى يحيي
جسدا آخر لكل نفس ماتت في الدنيا وتنتهي مهمة أرض الدنيا بعد البعث ويحول
المبعوثون إلى أرض بالسماوات فيها الجنة والنار. إبراهيم 48 "يوم تبدل
الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا الله الواحد القهار" الطلاق 12
" "الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا
أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما" " إبراهيم 51
"ليجزي
الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب" الشورى 29
"" ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم
إذا يشاء قدير".
فأرض
الدنيا تنتهي مهمتها وتزلزل بأمر الله تعالى. الزلزلة "إذا زلزلت
الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان مالها يومئذ تحدث أخبارها بأن
ربك أوحى لها يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره
ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره" الحاقة 14 "وحملت
الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة" الفجر 21 "كلا إذا
دكت الأرض دكا دكا" تسير الأرض مستوية بعد الزلزال ويزول كل ما بني
الإنسان من قصور فخمة وفيلات وضيعات فلاحية ومصانع ومعامل وكل ما أنتج الإنسان
يزول ويترك كل شيء ويسوقه الملائكة إلى الله للحساب عن الأعمــال في أرض أخرى
بالسماوات الذاريات 22 "وفي السماء رزقكم وما توعدون" أي
ما وعدكم الله من رحمة مقابل عملكم الصالح والتقوى أي الجنة وما وعدكم من عذاب
وعقاب مقابل كفركم وذنوبكم وسيئاتكم أي جهنم وذلك بعد الحساب أمام الله تعالى. لقد
بينت هذه الآيات الكريمة تفسيرا واضحا لمصير الإنسان بعد الموت وعدل الله في
الجزاء وفي رحمته وعذابه وهناك آيات مؤكدة لها لم أتعرض لها. والمهم أن المؤمنين
الصالحين المتقين والملتزمين بالقرآن الكريم يبدأون حياتهم الحقيقية الدائمة بعد
الموت عندما يحييهم الله في جسد آخر ويعيد إليه الروح ثم يدخلهم الله جنته في
الأرض بالسماوات بجواره تعالى فينعمون برضاه ورحمته والسعادة الدائمة. أما الكفار
والمذنبون المجرمون الذين أعرضوا عن القرآن وكانت سيئاتهم كثيرة حسب ميزان الأعمال
فإنهم وقود وحطب نار جهنم خالدين فيها. الذين ماتوا وهم
كفار يرميهم الملائكة بأمر من الله تعالى مباشرة في نار جهنم دون محاسبة النساء 18
"الذين يموتون وهم كفار أولئك اعتدنا لهم عذابا أليما ".
فلا
تبحث أيها الإنسان عن طعامك ومتاع الدنيا وزينتها إلا وأنت مؤمن مطيع لله متقي
مصلي ومؤدي لكل الفرائض ومبتعد عن المحرمات وكل ما نهى الله عنه وحرمه. إن ساعة
الفناء وموت كل من على الأرض والبعث لا يعلمها إلا الله تعالى وحده. الرحمان 26-27
"كل
من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام" النازعات 42-46
"يسألونك
عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها إنما أنت منذر من يخشاها
كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها" فراقب نفسك
أيها الإنسان وحكم ضميرك وعقلك في تصرفاتك وأقوالك وتفكيرك باستمرار، ولا تتبع
الهوى والشهوات الغير المشروعة. واجعل أحكام القرآن الكريم الموجهة لتفكيرك وقولك
وعملك في كل لحظة لأن ساعة الفناء والبعث قد تحل في أية لحظة ممكنة. الملك 24-25
"قل
هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل
إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين" يوسف 107
" أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا
يشعرون" " الأحزاب 63 " يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند
الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا".
علينا
أيها الناس أن نحمي أنفسنا من عذاب الله المؤجل بأجل في الدنيا وعذاب جهنم بعد
البعث والحساب ولا يمكن لأي أحد كيفما كان أن يحمي نفسه من عذاب الله في الدنيا
والآخرة إلا باجتناب أسباب هذا العذاب والعمل بأسباب الوقاية منه وهي الإيمان
الصادق والعمل الصالح والتقوى والالتزام بأحكام القرآن الكريم قولا وعملا سرا
وعلانية.
وأتعرض
للآيات الكريمة الدالة على أن عذاب الله المخصص لمن يستحقه لا أحد بإمكانه منعه
أبدا ولو الرسل والملائكة، فكل من استحق عذاب الله تعالى في الدنيا والآخرة
بأعماله المخالفة للقرآن الكريم ينال العذاب المخصص له حتما. ومنها: الرعد 34
"لهم
عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشق وما لهم من الله من واق"
والزمر 26 "فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر لو
كانوا يعلمون"
التوبة 2-3 "واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين "
فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا
بعذاب أليم".
والله تعالى قادر على التحكم في جسم الإنسان مباشرة دون أن يمنعه أحد نهائيا سواء
أراد بالإنسان خيرا كحماية المؤمنين الصالحين أو شرا كمعاقبة الظالمين والمجرمين.
قد يرفع شرير بندقية أو سكينا لقتل مؤمن صالح متقي وإذا أراد الله حماية هذا
المؤمن يوقف حركة جسم المعتدي ويشل أعصابه وشرايينه فلا يحقق هدفه. إبراهيم 27
"يثبت
الله الذين أمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين
ويفعل الله مــا يشاء" يونس 62-64 "ألا إن أولياء الله لا
خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون. لهم البشرى في الحياة الدنيا
وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم" فصلت30-31
"إن
الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا
وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون. نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم
فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون" يوسف 34 "
فاستجاب
له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم" محمد 7 "يا أيها
الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم" آل عمران160
"إن
ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده وعلى الله
فليتوكل المؤمنون" الروم 47 "ولقد أرسلنا من قبلك
رسلا إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر
المؤمنين".
لهذا قال الله تعالى عن رسوله محمد عليه وعلى كل الرسل صلاة وسلامه في سورة الحاقة
43-47 "تنزيل
من رب العالمين. ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه
الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين" فالرسل لا يشاركون الله في قدرته
وسلطانه أبدا فلا يمكنهم إعفاء المجرم من العقاب ولا منع المؤمن من رحمة الله
وثوابه وفضله. وهناك آيات كثيرة منها الأعراف 188 "قل لا أملك لنفسي نفعا
ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن
أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون" والأنعام 52 "ما عليك من
حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين"
الزمر 13 "قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم"
وقال الله تعالى لرسوله موسى عليه وعلى كل الرسل صلاة الله وسلامه: النمل 10-11
"يا
موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور
رحيم"
والزمر 65 "ولقد أوحي إليك وإلي الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك
ولتكونن من الخاسرين". فاعبدوا الله أيها الناس ولا تشركوا به أحدا ولو
رسوله محمد أو غيره مما في الكون لأن الرسل لا يملكون الشفاعة كما يدعي ذووا
النيات السيئة الذين طعنوا في قيم الإسلام الخالدة القائمة على العدل والحق
والمسؤولية. لقد وجهوا ضربة مؤلمة ومفجعة للإسلام حيث أطلقوا العنان للظلم
والطغيان والإعراض عن كتاب الله وأوهموا الناس أن الرسول سوف يشفع في الأمة وان
الله سوف يغفر لهم ويدخلهم الجنة بمجرد الصلاة كل جمعة بالمسجد والحج والعمرة وصوم
يوم عاشوراء وعرفة ورمضان. هذا الزعم كذب وزور وبهتان وتحريف لمقتضيات شرع الله
تعالى. كل إنسان مسؤول عن أعماله يجازيه الله بما يستحق الجنة أو جهنم حسب أعماله
المسجلة في كتابه سواء صغائر أو كبائر وحسب ميزان أعماله يوم الحساب. والرسول لا
يمكنه إعفاء أحد من العذاب أو الثواب. الملك 28 "قل أرأيتم إن أهلكني
الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم" والجن 21-22
"قل
إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه
ملتحدا"
سبأ 42 "فاليوم
لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم
بها تكذبون"
الرعد 40 "فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب" الأحزاب 17
"قل
من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من
دون الله وليا ولا نصيرا" الأنعام 147 "فإن كذبوك
فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين"لا شفاعة للرسل
قطعا فلا تركنوا إلى الذين ظلموا وحرفوا شرع الله بالكذب على رسوله وحتى ولو فسرت
السنة آية نسخها الله فيما بعد بآية لاحقة ملغية لها فالسنة المفسرة للآية
المنسوخة ملغاة هي أيضا بحكم القرآن. جاء في عدة آيات أن الله تعالى لا يقبل شفاعة
الرسل ومنها الأنعام 51 "وانذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس
لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون" الأنعام 70 "وذر الذين
اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس
لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا
بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون" " الزمر 44-99
" قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون" "
غافر 18 " وأنذرهم يوم الأزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من
حميم ولا شفيع يطاع"" السجدة 4 " الله الذي خلق السماوات والأرض وما
بينهما في ستة ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا
تتذكرون" المدثر 48 " فما تنفعهم شفاعة الشافعين " الإنفطار 17-19
" وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين يوم لا تملك نفس لنفس
شيئا والأمر يومئذ لله ". فالرسل هم أيضا مسؤولون عن أعمالهم أمام الله،
الأعراف 6 "فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين"
ورحمة الله تعالى لا يعطيها للناس إلا مقابــل التقوى وحدها. الأعراف 156 "ورحمتي
وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون".
والله تعالى عادل في الرحمة والعذاب ولا أحد بإمكانه منع رحمة الله أو عقابه.
فراقبوا
أعمالكم وأقوالكم وما في نفوسكم وتفكيركم إن الله يراقبكم ويحاسبكم، وتأكدوا من
كون الله تعالى عادل في الحساب والجزاء ولا يظلم ولو مثقال ذرة. ولا أحد بإمكانه
منع رحمة الله أو عذابه أبدا. ولا يجازيك الله إلا بما في كتابك الذي يشهد فيه
عليك الله تعالى والملائكة وأعضاء جسمك ينطقهم الله بقدرته لأداء الشهادة قبل
الموت، النور 24 "يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما
كانوا يعملون"
لم
تنفع شفاعة رسول الله نوح عليه صلاة الله وسلامه عن ابنه الكافر و زوجته الخائنة
المؤمنون 27 "فأوحينا إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا فإذا جاء أمرنا
وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم ولا
تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون" و التحريم 10 "ضرب الله
مثلا للذين كفروا امراة نوح وامراة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين
فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين" آل عمران
128
"ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون" أكد
الله تعالى بأن الرسل لا يشاركون الله في قضائه وقدرته وسلطانه وتدبير الكون.
الإسراء 74-75 "ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك
ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا" المنافقون 6
"سواء
عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم
الفاسقين"
التوبة 80 "استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن
يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين"
الزمر 19 "أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار" أكد
الله تعالى بأن عذابه لا يمنعه أحد أبدا. الأنعام 147 "فإن كذبوك
فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا يرد بأسه عن القوم المجرمين" الزمر 51"
فأصابهم سيئات ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم
بمعجزين " الرعد 11 "و إذا أراد الله يقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من
دونه من وال
" الأحزاب 17 "قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا
أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهــم من دون الله وليا ولا نصيرا"
غافر 21-22 "أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا
من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم
من الله من واق ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه قوي
شديد العقاب" والعنكبوت22 "وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما
لكم من دون الله من ولي ولا نصير" والأنعام 134 "إن ما
توعدون لآت وما أنتم بمعجزين" يونس 52-53 "ثم قيل
للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون ويستنبئونك أحق هو قل
إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزيــن" يـوسف 110 "ولا يرد
بأسنا عن القوم المجرمين" لقمان 33 "يا أيها
الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده
شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور"
المائدة 18 "و قالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم
يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق" الروم 57 "فيومئذ لا
ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون" الشعراء 87-89
"ولا
تخـزني يوم يبعثون يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم" قول
الله تعالى على لسان نبيه إبراهيم عليه صلاة الله وسلامه. وصاحب القلب السليم هو
المتقي والمؤمن الصالح الصادق. وقال الله تعالى على لسان الكفــار. الشعراء 99-102
"وما
أضلنا إلا المجرمون فما لنا من شافعين ولا صديق حميم فلو أن لنا كرة فنكون من
المؤمنين".
النساء 173 "وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا
يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا " النســاء 123 "من يعمل
سوءا يجـز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيـرا" غافر 21-22
"أو
لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم
قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق ذلك بأنهم
كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه قوي شديد العقاب"
لا
أحد بإمكانه إعفاء المذنب من عذاب الله وعقابه إلا الله تعالى إذا تاب المذنب طبقا
لشروط التوبة. ولا أحد يمنع رحمة الله التي يعطيها للمتقين. الأعراف 156 "ورحمتي
وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون"
العنكبوت 23 "والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي
وأولئك لهم عذاب أليم".
يتأكد
لنا من خلال هذه الآيات الكريمة حسب ما استطعت فهمه والعلم المطلق الحق لله وحده
أن من مظاهر عدل الله تعالى أنه لا يحاسب الناس ولا يعاقبهم قبل تبليغ شرعه إليهم
بواسطة رسله، والقرآن الكريم شرع الله الذي أنزله لكافة الناس بالكون مثلما أنزل
الشرائع السابقة التي نسخها القرآن وألغاها بأمر الله تعالى الذي أنزل كل الشرائع.
والقرآن حجة الله على الناس كافة بالعالم لأنه بلغ لهم بواسطة رسوله محمد عليه
وعلى كل الرسل صلاة الله وسلامه. وأهل الكتاب ومنهم اليهود والنصارى يعلمون أن
الله نسخ التوراة والإنجيل بالقرآن الذي بلغ إليهم وهو عليهم حجة لأن مصاحف القرآن
الكريم متوفرة في كل أنحاء العالم بالملايين. المائدة 15 "يا أهل
الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير.
قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين" والمائدة 19 "يا أهل
الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير
ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير". يجب على كل
الناس ومنهم أهل الكتاب عبادة الله طبقا لأحكام القرآن لأنه نسخ الكتب السابقة
وألغي مفعولها. وإذا لم يفعلوا ذلك فهم كفار. إن الذي أنزل التوراة والإنجيل هو
الذي أنزل القرآن وهو الله تعالى. فتدبروا القرآن لتتأكدوا أن دين الله واحد هو
الإسلام لله وحده. ليست هناك ديانات سماوية كما يدعي البعض خطأ أو عمدا. تعددت
الشرائع و الكتب ولكن هناك دين الله الحق وهو الإسلام أما أديان الكفر والشياطين
فهي ليست سماوية من الله بل من ابتكار الكفار وشياطينهم. فاعبدوا الله يا أهل
الكتاب طبقا لما في القرآن الكريم لأنه رسالة الله لكم ولكل الناس في الكون ومن لم
يستطع فهم القرآن فإنه ملزم بطلب معرفته وفهمه من أولي الأمر الصالحين المتقين
ومنهم العلماء والفقهاء الصادقون الذين هم أيضا ملزمون بالقيام بالدعوة الإسلامية
وشرح القرآن وتفسيره للناس في كل أنحاء العالم ويجب عليهم توفير الوسائل المادية
والمعنوية للدعوة. وهذا فرض من الله تعالى النحل 43 "فاسألوا
أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" وأذكر القراء والباحثين المحترمين بأن
خير وسيلة للدعوة الإسلامية هي وضع أحكام القرآن في صيغة قوانين وضعية واضحة محددة
يتفق عليها أهل الذكر الصالحون الصادقون في كل البلاد الإسلامية وتطبق بصرامة
وبعدل.
ويجب
تدريس القرآن وعلومه في كل المدارس والثانويات والكليات والمعاهد فلا يعذر أحد في
الكون بجهل أحكام القرآن ولا يعذر أحد بمخالفتها أمام الله تعالى لأنه بلغ شرعه أي
القرآن الكريم للناس وله حجة عليهم، وكل من جهل أحكام القرآن وخالفها خصص له عذابا
مؤجلا في الدنيا لإعطاء فرصة للتوبة الصادقة وعذابا في الآخرة أيضا هو نار جهنم
لمن استحقهما بأعماله الفاسدة. وذلك ما أبينه في النقطة التالية:
ب-يؤجل
الله تعالى العقاب لإعطاء فرصة للتوبة
الله
تعالى رؤوف رحيم بالناس يريد لهم اليسر والرحمة والفضل إلا من ظلم وعصى الله وأعرض
عن القرآن الكريم فإنه ينال عذاب الله في الدنيا و نار جهنم في الآخرة. الحديد 9
"وإن
الله بكم لرؤوف رحيم" والحج 65"إن الله بالناس لرؤوف
رحيم "
النساء 28 " يريد الله أن يخفف عنكم و خلق الإنسان ضعيفا " والأحزاب
43-44 "هو
الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما
تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما" وكل ما في
السماوات والأرض خلقه الله تعالى لصالح الإنسان الذي كرمه الله تعالى. لقمان 20
"ألم
تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة
ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير".
المائدة 6-7 "ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم
نعمته عليكم لعلكم تشكرون واذكروا نعمة الله عليكم... " النساء 147
"ما
يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما"
الإسراء 70 "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من
الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" غافر 61 "إن الله
لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون" ولكن الله
تعالى عادل في رحمته ومحاسبته للناس وشديد العقاب لمن يستحقه فصلت 43 "ما يقال لك
إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم".
الله تعالى شديد العقاب بالنسبة للمجرمين والظالمين الذين أعرضوا عن القرآن الكريم
وعصوا الله تعالى ولم يتوبوا توبة نصوحا لا رجعة فيها.
سوف
أبين في نقطة أولى الأحكام الشرعية الدالة على أن الله تعالى يؤجل العقاب لإعطاء
فرصة للتوبة وفي الثانية أبين شروط التوبة المقبولة عند الله تعالى كما حددها
القرآن الكريم.
1-من
رحمة الله وعدله تأجيل العقاب لإعطاء فرصة للتوبة
العقاب
هو العذاب الأليم الذي خصه الله تعالى لمن يخالف أحكام شرعه. السجدة 22 "ومن أظلم
ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون" الزمر 54-55
"وأنيبوا
إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون. واتبعوا أحسن ما أنزل
إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون".
الله تعالى لا يظلم أبدا بل هو العدل والحق نفسه. فلا يعاقب ولا يعذب إلا من يستحق
العذاب والعقاب.
وعذاب
الله الذي يخصصه للظالمين العاصين نوعان. عذاب أدنى في الدنيا يحدد الله له أجلا
لإعطاء فرصة للتوبة وعذاب أكبر هو
نار جهنم في الآخرة بعد البعث. ومن الآيات الكريمة الدالة على ذلك ما يلي: السجدة
21 "ولنذيقنهم
من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون" التوبة 126
"أو
لا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون"
الأعراف 168 "وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون"
الأنعام 42-45 "ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء
لعلهم يتضرعون. فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما
كانوا يعملون. فلما نسوا ما ذكروا فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما
أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون. فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب
العالمين".
الله
تعالى عادل ورحيم ولا يظلم بل يؤجل عذاب الدنيا لإعطاء فرصة للمذنب لكي يعود إلى
الله تعالى ويندم عن سيئاته ويستمر في التقوى الدائمة دون رجعة إلى المعصية
والذنوب. بل ينزل الله عذابه الأصغر في الدنيا بعد الأجل لعل المذنبين أيضا يعودون
للتقوى. الزخرف 48 "وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها و
أخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون" البقرة 85 "فما جزاء
من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما
الله بغافل عما تعملون" آل عمران 56-57 "فأما الذين
كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا و الآخرة وما لهم من ناصرين"
"وأما
الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين"
والرعد 34 "لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشق وما لهم من
الله من واق"
يونس 50 "قل
أرأيتم عن أتـاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون"
يونس 52-53 "ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إلا بما كنتم
تكسبون ويستنبؤونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين" وفصلت
16 "فأرسلنا
عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب
الآخرة أخزى وهم لا ينصرون" والبقرة 114 "لهم في
الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم". الأنعام 47 "قل أرأيتكم
إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون"
ويونس 11 "ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم
أجلهم فنذر اللذين لا يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون" لا يعذب الله
إلا من يستحق العذاب ولا يرحم الله إلا من يستحق رحمته وفضله بعمله الصالح والتقوى
والطاعة. الروم 14-16 "ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون فأما الذين
آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون. وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء
الآخرة فأولئك في العذاب محضرون" السجدة 18-20 "أفمن كان
مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى
نزلا بما كانوا يعملون وأما الذين فسقوا فمــأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا
منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكــذبون " سبأ
4-5 "ليجزي
الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم والذين سعوا في آياتنا
معاجزين أولئك لهم عذاب من رجز أليم".
الله
تعالى يؤجل العقاب عن الذنوب في الدنيا لإعطاء فرصة للتوبة النصوح النهائية. ولكن
يجب أن تقع توبة المذنب عن قريب من الذنوب قبل الموت بكثير بحيث تتجسد التوبة
الصادقة في الإيمان الصادق والعمل الصالح والتقوى بدون رجعة. وسوف أعطي الأدلة
الشرعية المنظمة والمحددة لشروط التوبة في النقطة الآتية رقم 2 .
ومن الآيات التي أكدت رحمة الله وعدله وتأجيله
للعذاب. العنكبوت 53-55 "ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم
العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون. يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة
بالكافرين. يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ويقــول ذوقوا ما كنتم
تعملون"
والكهف 58-59 "وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم
العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا. وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا
لمهلكهم موعدا"
والنحل 61 "ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن
يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون"
وإبراهيم 42 "ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم
تشخص فيه الأبصار" إبراهيم 44 "وأنذر الناس يوم
يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل
أو لم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال" فلنسارع أيها
الناس من الآن إلى التقوى والعمل الصالح لنفوز برضى اله ورؤيته والعودة إليه
ولقائه والحياة الدائمة السعيدة في جنته لأن أجل موت كل نفس محدد في كتاب عند الله
ولا يعلم الإنسان متى يكون هذا الأجل كما أن ساعة فناء كل ما في الكون وموت كل
المخلوقات قد تأتي في أية لحظة وذلك مؤكد في كثير من الآيات منها آل عمران 145
"وما
كان لنفس أن توت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا..." ونوح 4 "إن أجل
الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون " وأجل الله المحدد يكون للموت وقيام
الساعة والبعث والعذاب في الدنيا والآخرة. ولا أحد يمكنه منع أجل الله إذا حل وقته
وموعده أبدا. سبأ 30 "قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا
تستقدمون"
فاطر 45 "ولو
يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى
فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا" المزمل11-13
"وذرني
والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا
أليما"
الزمر 8 "قل
تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار" والقلم 33 "كذلك
العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا
يعلمون".
وهناك أمثلة كثيرة عن عذاب الله الذي أصاب به في الدنيا من يستحقه سواء في قصص
القرآن الكريم عن الأمم السابقة أو في الواقع الذي نعيشه ونلاحظه. وكمثال الأنفال
54 "كدأب
آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا آل فرعون
وكل كانوا ظالمين".
هذه
الآيات الكريمة قوانين إلهية ومعبرة عن إرادة الله تعالى. وهي أحكام ملزمة للناس.
إنها تؤكد بأن الله تعالى الذي أوجد كل ما هو موجود في الكون رغم قدرته المطلقة
على الخلق والفناء والموت والحياة والرحمة والعذاب، وإذا قضى أمرا فإنما يقول له
كن فيكون، فقضاؤه وقدره مطلق ولا يشاركه فيه أحد ولا يمنعه أحد أبدا، ورغم ذلك فإن
الله تعالى عادل ولا يظلم أحدا أبدا.
من
مظاهر رحمة الله وعدله أنه لا يعجل بالعذاب عن الذنوب والسيئات. ولكنه يؤجله
ويؤخره لإعطاء فرصة للتوبة فإذا تاب المذنب أعفاه الله من العذاب ولم يسجله في
كتابه المخصص لأعماله. ولكن إذا عاد مرة ثانية إلى الذنوب ينفذ عليه الله تعالى
العذاب المخصص لذنوبه ويسجل ذنوبه في كتابه المخصص لأعماله، ولا يغفر له الله
الذنوب مرة أخرى بعد التوبة الأولى، وهذا ما أبين أدلته الشرعية في النقطة الآتية.
2-شروط
التوبة المقبولة عند الله تعالى
التوبة
إلى الله تعالى تعني الندم عن الذنوب والسيئات والشعور بقدرة الله تعالى ومراقبته
ومحاسبته والإيمان الصادق بالله وملائكته وكتبه ورسله وبيوم القيامة حيث يحاسب كل
إنسان عن أعماله. الذي يصل إلى هذه المرحلة ويشعر بذنوبه وسيئاته ويعود على الله
تعالى ويتوب إليه ويلتزم بإتباع الصراط المستقيم وهدى الله أي التقوى والالتزام
بأحكام القرآن قولا وعملا سرا وعلانية دون رجعة إلى الذنوب ودون نفاق، فالذي يصل
إلى هذه الوضعية يعتبر قد تاب إلى الله تعالى. فالتوبة عقد وميثاق بين المذنب وربه
وعهد عاهد به المذنب الله تعالى على العودة إلى الله وطاعته وتنفيذ أوامره
والابتعاد عن نواهيه بصفة دائمة ومستمرة وبدون عودة إلى مخالفة شرع الله. إذا
تجسدت التوبة الصادقة فعلا في سلوك التائب وأعماله يعفيه الله تعالى من العقاب عن
ذنوبه السابقة للتوبة ولا يسجلها في كتاب أعماله. وإذا خان عهد التوبة وعاد إلى
الذنوب ينفذ الله تعالى عليه ما يستحق من عقاب. ولا يغفر له ذنوبه الأخرى أيضا. بل
يحاسب عن كل ذنوبه ويجازيه الله تعالى عنها بما يستحق من عذاب في الدنيا والآخرة.
إن الله تعالى هو الذي وحده دون سواه يغفر الذنوب إذا توفرت شروط التوبة التي سوف أحددها.
فلا يغفرها الرسل والأنبياء والمؤمنون ولا الملائكة أبدا. الزمر 53 "قل يا
عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا
إنه هو الغفور الرحيم" النساء 25 "والله غفور رحيــم" آل
عمران 135 "ومن يغفر الذنوب إلا الله" النساء 27
"والله
يريد أن يتوب عليكم ويريــد الذين يتبعون الشهوات أن تميلــوا ميلا عظيما"
غافر 2-3 "تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم. غــافر الذنب وقابل
التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير" والشورى 25
"وهو
الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون"
النساء 147 "ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا
عليما"
والأنعام 165 "وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق يعض درجات
ليبلوكم فيما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم"، التوبة 80
"استغفر
لهم أولا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا
بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين".
ولكن
الله تعالى طبقا لما بين وشرع في كتابه العزيز وحسب ما استطعت استنباطه وفهمه
والعلم الحق لله تعالى وحده لا يغفر الله الذنوب والسيئات ولا يقبل التوبة عنها
إلا إذا توفرت شروط محددة في القرآن كما سوف أبينها. المهم أن التوبة رحمة من الله
وعدل قررها للناس في كل الشرائع التي أنزلها وخاتمها وناسخها كلها القرآن الكريم.
فصلت 43 "ما
يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم".
من
آثار التوبة أن الله تعالى إذا قبلها وكانت طبقا لشروطها في القرآن يعفي التائب من
عذاب الدنيا والآخرة. الأنفال 33 "وما كان الله معذبهم وهو يستغفرون"
وإذا استمر التائب في توبته دون عودة إلى الذنوب وعمل بما أنزل الله واتقى يمحو
الله ذنوبه السابقة للتوبة ويدخله الجنة إذا استحقها بميزان أعماله يوم الحساب. آل
عمران 133 "وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت
للمتقين" والحديد
21
"سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا
بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم". لا يشاء
الله إلا الحق والعدل ولا يؤتي رحمته وفضله إلا لمن يستحقها بأعماله الصالحة
والتقوى. فالظالمون طبعا لا يؤتيهم الله رحمته وفضله. الشورى 8 "يدخل من
يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير" هذه الآية
وآيات أخرى تفسر المائدة 40 "ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض
يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء والله على كل شيء قدير". لا يغفر الله
تعالى إلا لمن تاب طبقا لشروط التوبة كما هي محددة في القرآن الكريم، ولا يعذب إلا
المجرمين والظالمين الذين استكبروا عن عبادة الله ولم يتوبوا إلى الله تعالى طبقا
لشروط التوبة في القرآن. الحجرات 11 "ومن لم يتب فأولئك هم
الظالمون" ولا يعذب الله المتقين أبدا بل يشاء لهم الرحمة والسعادة في الدنيا
والآخرة.
العنكبوت 23 " والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك
لهم عذاب أليم" " الأعراف 156 " ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين
يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون" الجاثية 30 "فأما الذين
آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين"
وفصلت 46 "من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد".
فلا تظن أيها الإنسان أن مجرد الاستغفار وطلب التوبة إلى الله تعالى والدعاء
والتضرع إليه في المسجد أو غيره كاف لمغفرة الذنوب وقبول الله تعالى للتوبة بل يجب
أن تتجسد التوبة وطلب المغفرة عن الذنوب من الله تعالى وحده في العمل الصالح
والتقوى فعلا وبدون رجعة إلى مخالفة أحكام القرآن الكريم.
فالتوبة
المقبولة عند الله تعالى والتي يمحو بها الذنوب لها شرطان أساسيان. الشرط الأول:
يجب أن يندم التائب عن ذنوبه ويؤمن إيمانا صادقا ويبدأ فعلا في عبادة الله بمحض
إرادته وبصدق. وعبادة الله ليست العبادات الشعائرية فقط مثل الصلاة والصوم والزكاة
والحج بل بالإضافة إلى هذه العبادات الشعائرية هناك العبادة الشاملة التي تهم
الالتزام بكل أحكام القرآن بما فيها من أوامر ونواهي وفرائض ومحرمات. يجب أن يندم
التائب عن ذنوبه ويعود إلى الله تعالى ويلتزم بالتقوى وهي طاعة الله والالتزام
بشرعه قولا وعملا سرا وعلانية. فالذي تاب إلى الله واتقى وأصلح يكون من أهل الجنة.
الدخان 51-52 "إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون".
والتقوى هي الخوف من الله والعمل بما أنزل الله. المائدة 9 "وعد الله
الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر عظيم" المائدة 39
"فمن
تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم" طه
82 "وإني
لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى" أما الذين لم يتوبوا من كفرهم
واستكبارهم عن عبادة الله والذين لم يتوبوا عن ذنوبهم فإن مصيرهم جهنم وعذاب
الدنيا إذا انقضى أجل العذاب الذي حدده الله تعالى. فسارعوا أيها الناس إلى التوبة
النصوح والنهائية قبل أن يأتيكم عذاب الله بغتة في الدنيا وقبل أن ترموا في نار
جهنم فتكونوا حطبا ووقودا لها.
فالشرط
الأساسي الأول للتوبة هو تجسيدها من طرف التائب بالعمل الصالح والندم والتقوى
المستمرة وليس بالكلام فقط كقول استغفر الله مئات المرات بعد الصلاة. فسورة
الأنفال 33 "وما كان الله معذبهم وهو يستغفرون" تدل على أن
الله تعالى لا يعذب التائبين المستغفرين ربهم استغفار صادقا نهائيا ومجسدا بالعمل
الصالح والتقوى أي الالتزام بالقرآن الكريم فعلا ودون رجعة. الفرقان 69-71 "يضاعف له
العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل
الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما. ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله
متابا. "
فالتوبة يجب أن تكون حقيقية وفعلية وصادقة بالعمل الفعلي والتقوى وليس بالاستغفار
قولا وبالدعاء فقط.
ومن
الآيات المؤكدة لهذا الشرط الأساسـي لقبول التوبـة هناك التحريم 8 "يا أيها
الذين آمنـوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم
جنات تجري من تحتهـا الأنهار" الأحزاب 70-71 "يا أيها
الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن
يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما" الطلاق 5 "ذلك أمر
الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا"
هكذا ترون وتلاحظون أيها الناس بأن الله تعالى حدد شرطا أساسيا لقبول التوبة
والإعفاء من العذاب عن الذنوب والسيئات وهو التقوى أي طاعة الله و الالتزام بأحكام
القرآن قولا وعملا سرا وعلانية بدون رجعة. بدون هذا الشرط الأساسي لا يقبل الله
تعالى التوبة والمغفرة أبدا. وهناك سورة مريـم 59-60 "فـخلف من
بعدهم خلف أضاعـوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب وآمن وعمل
صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا" والأنفال 29
"يا
أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم
والله ذو الفضل العظيم" والزمر 33-34 "والذي جاء
بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين ليكفر
الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون"
الصف 10-12 "يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب
أليم. تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم
إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة
في جنات عدن ذلك الفوز العظيم". الأعراف 153 "والذين
عملوا السيئات ثم تابوا من بعدها وآمنوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم" آل
عمران 89 "إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم" سبأ
4 "ليجزي
الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم" التغابن 9
"ومن
يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين
فيها أبدا ذلك الفوز العظيم" النساء 146-147 "إلا الذين
تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله
المؤمنين أجرا عظيما ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكرا عليما"
الشرط الأساسي لقبول التوبة والمغفرة والإعفاء من العذاب عن الذنوب والسيئات هو
العودة إلى الله والإيمان الصادق والتقوى بدون رجعة وبدون نفاق وتحايل. الله تعالى
يعلم ما تسر الأنفس وما تعلن. وقد سبقت الإشارة إلى الآيات المؤكدة لمراقبة الله
للناس ومعرفة ما يبدون وما يخفون. والله تعالى يعلم هل التوبة صادقة فعلا أم لا.
وسورة غافر 7 "ربنا وسعت كل شي رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا
سبيلك وقهم عذاب الجحيم". وإتباع سبيل الله يعني طاعة الله والالتزام
بالقرآن الكريم لأنه يحدد منهاج الله تعالى وصراطه المستقيم الذي يعيد من اتبعه أي
التزم بأحكام القرآن إلى الله تعالى ويبعده من صراط الجحيم ونارها. والتغابن 9
"يوم
يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته
ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم"
البقرة 103 "ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا
يعلمون"
ومحمد 2 "والذين
آمنوا وعملوا الصالحات وأمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم
وأصلح بالهم"
والأحزاب 35 "إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين
والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات
والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين
الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما" هذه الآية
وغيرها أكدت بوضوح أن الله يقبل التوبة ويعفي من العقاب والعذاب عن الذنوب
والسيئات بشرط العودة إلى الله والإيمان الصادق والالتزام بأحكام القرآن الكريم
بصدق وبدون رجعة أو نفاق. فلا ينفع الاستغفار بالكلام وحده في المساجد أو في
الكعبة المشرفة وأثناء الصلاة أو غيرها بل لا بد من الصدق في التقوى والعمل الصالح
والالتزام بأحكام القرآن الكريم فعلا وحقا دون رجعة لأنه قوانين الله التي شرعها
للناس في الكون. فتدبر أخي سورة التوبة 19 "أجعلتم سقاية الحاج
وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون
عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين". الله تعالى لا يغفر إلا لمن عاد
إلى التقوى بدون رجعة وبدون عودة إلى الذنوب ولو صلى طول حياته في الكعبة المشرفة
لا يغفر الله ذنوبه ولا يعفيه من العذاب في الدنيا والآخرة إلا إذا التزم التائب
بقوانين الله تعالى أي أحكام القرآن دون رجعة المائدة 39 "فمن تاب من
بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم" الحديد 28
"يا
أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا
تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم" آل عمران 157 "ولئن قتلتم
في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون" فالمؤمن الصالح
الذي يموت مجاهدا ومدافعا عن القرآن وبلاد الإسلام يغفر له الله ذنوبه ويدخله
الجنة. والتحريم
8 "يا أيها
الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم"
الله تعالى جعل التقوى والعمل الصالح فعلا دون نفاق ودون عودة إلى الذنوب والسيئات
شرطا أساسيا للإعفاء من العذاب في الدنيا والآخرة لقوله تعالى في عدة آيات منها
الزمر 54-55 "وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا
تنصرون واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا
تشعرون".
اشترط الله تعالى التوقف عن الذنوب وعدم الرجوع إليها والندم عنها والعمل الصالح
والتقوى فعلا وبدون رجعة لقبول التوبة والإعفاء من العذاب. آل عمران 135-136
"والذين
إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب
إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون. أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات
تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين" النحل 119
"ثم
إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها
لغفور رحيم"
الأنعام 54" وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم
على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم
".
لا
يقبل الله توبة من ذوي النيات السيئة الذين يدركون قوانين الله تعالى أي أحكام
القرآن الكريم ويستمرون في الاستكبار أو النفاق والتحايل رغم علمهم بها فتمادوا في
ارتكاب الذنوب والسيئات بعد التوبة الأولى. النساء 17-18 " إنما
التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله
عليهم وكان الله عليما حكيما وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم
الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك اعتدنا لهم عذابا أليما".
من
شروط قبول التوبة أن تكون صادقة وعن قريب من الذنوب دون تمادي عن علم في الاستمرار
في ارتكاب السيئات. لا تقبل توبة الذي يعلم أنه سيموت وأنه في حالة احتضار. ولو
شهد أن لا إله إلا الله واستغفر الله آلاف المرات. لأن التوبة يجب أن تكون عن حسن
نية وصدق وأن تتجسد فعلا في العمل الصالح والتقوى قبل الشعور بقرب الموت. كمثال لم
يقبل الله تعالى توبة فرعون عندما علم أنه سيغرق في البحر الأحمر ويموت لما طارد
موسى وبني إسرائيل الذين آمنوا به حيث فرق لهم الله بقدرته البحر ليمروا إلى الضفة
الأخرى يونس 90 "وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون
وجنوده بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا
إسرائيل وأنا من المسلمين". لم يقبل الله توبته ولم يعفه من العذاب
بل أغرقه فعلا مع جنوده. الإسراء 103 "فأراد أن يستفزهم من
الأرض فأغرقناه ومن معه جميعا". فإذا انتهى أجل التوبة وحل أجل عذاب
الله في الدنيا والآخرة فإن التوبة لا تنفع أبدا. غافر 84-85 "فلما رأوا
بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين. فلم يك ينفعهم إيمانهم لما
رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون"
لهذا يجب أن تكون التوبة صادقة ونهائية بدون عودة إلى الذنوب ومن قريب دون تمادي
وإصرار على عصيان الله تعالى.
الشرط
الثاني الأساسي لقبول التوبة:
لا
تجوز العودة إلى الذنوب بعد التوبة المستوفية لشرط التقوى. فإذا عاد التائب إلى
الذنوب فإنه أخل بميثاق التوبة وخان العهد الذي عاهد به الله وهو التوبة وطلب
المغفرة والإعفاء من العقاب المخصص للذنوب. فالذي عاد إلى الاستكبار عن عبادة الله
والإعراض عن القرآن وارتكاب السيئات والذنوب بعد التوبة الأولى يرفض الله تعالى
توبته ويؤاخذه بذنوبه كلها ويطبق عليه العذاب المخصص لها في الدنيا والآخرة. قد
يرجع العائد إلى الذنوب بعد التوبة الأولى على التقوى مرة ثانية أو ثالثة أو رابعة
ويلتزم بالقرآن الكريم، في هذه الحالة تبقى ذنوبه مسجلة كلها في الكتاب المخصص
لأعماله وهو برجوعه للتقوى يحفظ نفسه من ذنوب أخرى تجعل ميزان أعماله قليل الحسنات
وكثير السيئات فيرمى به في نار جهنم وقبل ذلك ينال عذاب الله في الدنيا. فالتوبة
لا يقبلها الله إلا مرة واحدة في العمر. إذا عاد التائب إلى الظلم والذنوب لا يغفر
له الله مرة أخرى. الأنفال 38 "قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما
قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين" النساء 137 "إن الذين
آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم". فالكفر الأول بعد الإيمان معصية وسيئة من
الكبائر. ولكن يقبل الله عنه التوبة إذا آمن التائب مرة أخرى بعد كفره الأول. وإذا
كفر مرة ثانية بعد التوبة لا يقبل الله تعالى توبته أبدا. بمعنى أن الله لا يعفيه
من العذاب عن ذنوبه في الدنيا والآخرة. الله تعالى لا يقبل التحايل والنفاق
والتقلب بخصوص التقوى بل يشترط الاستقامة والصدق في التقوى والعبادة فصلت 6 "فاستقيموا
إليه واستغفروه"
فصلت 30-32 "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة
ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة
الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور
رحيم"والأحقاف
13-14 "إن
الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون أولئك أصحاب الجنة
خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون".
لا
يقبل الله تعالـى توبة المنافق، الله تعالـى يعلم حقائق كل نفس بشرية ما تعلن ومـا
تخفي. الأحزاب 73 "ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين
والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما".
التوبة 119 "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين" وآل
عمران 76-77 "بلى من أوفى بعهده واتقى فإن الله يحب المتقين. إن الذين
يشترون بعهد الله وايمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم
الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم"
فالتائب عاهد الله على أن يعبده ويستمر في التقوى والطاعة دون رجعة ودون عودة إلى
الذنوب والسيئات. فهل يقبل العقل والمنطق والشرع أن يخون التائب عهد الله ؟ هل
يرضى الله تعالى أن ينافقه طالب التوبة فيعود إلى الفحشاء والمنكر والعصيان
والاستكبار؟ الإنسان له حق في التوبة مرة واحدة في العمر. وإذا عاد إلى المنكر
فإنه نافق الله تعالى ويستحق عذابه في الدنيا والآخرة النساء 140 " إن الله
جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا " النساء 145-146 "إن
المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا. إلا الذين تابوا وأصلحوا
واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا
عظيما"
فالذين استمروا في التقوى والوفاء لعهد التوبة دون رجعة إلى الذنوب يعفيهم الله من
الذنوب السابقة ويدخلهم الجنة. النساء 175 "فأما الذين آمنوا
بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمة منه وفضل ويهديهم إليه صراطا مستقيما"
فالاعتصام بالله شرط بعد الإيمان للحصول على رحمة الله وجنته. والاعتصام بالله
يعني طاعة الله وحبه والخضوع له باستمرار دون رجعة أو عودة إلى الذنوب. يس 11
" إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمان بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم
"
إن
آيات القرآن الكريم تؤكد بوضوح أن العودة إلى الذنوب بعد التوبة الأولى تلغي هذه
التوبة ولا تعفي من العقاب والعذاب عن الذنوب ولا تقبل التوبة مرة أخرى .التوبة 74
"فإن
يتوبوا يكن خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة وما
لهم في الأرض من ولي ولا نصير" هود 52 "ويا قوم استغفروا ربكم
ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين" أي
بشرط أن لا تعودا إلى مخالفة شرع وقوانين الله تعالى.
لا
يقبل الله تعالى التحايل والنفاق في التوبة والإيمان. ولنا مثل في قوم فرعون حيث
تحايلوا على موسى متظاهرين بالتوبة والإيمان الكاذب والمغرض فأغرقهم الله لأنهم
نكتوا توبتهم. الأعراف 135-136 "فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم
بالغوه إذا هم يكنثون فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا
عنها غافلين".
والتوبة 75-78 "ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من
الصالحين. فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون. فأعقبهم نفاقا في
قلوبهم إلى يوم يلقونه بما اخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون. ألم يعلموا أن
الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب". لهذا أكد الله
جل جلاله في سورة التوبة 3 "فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم
غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم". لهذا يجب أن
تكون التوبة صادقة ونهائية وبدون عودة إلى الذنوب. وهذا شرط أساسي لكي يقبلها الله
تعالى.
فاحذروا
أيها الناس الأقوال التي تنسب كذبا إلى السنة النبوية وهي مخالفة للقرآن الكريم،
والسنة النبوية التي فسرت آيات قرآنية قبل نسخها بآيات قرآنية لاحقة لها ألغتها
بأمر من الله تعالى. واعلموا أن الله تعالى لم يفوض للرسول عليه صلاة وسلامه سلطة
تشريع ما يخالف القرآن كما يدعي بعض المغرضين استنادا إلى سورة الحشر التي أخذوا
منها مقطعا خاصا فسروه حسب أهوائهم وهو: "وما آتاكم الرسول
فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا". فقالوا أن كل ما صدر عن الرسول من
أقوال وأفعال تشريع ملزم للناس استنادا إلى هذا المقطع من سورة الحشر 7. والحق أن
وظيفة الرسل كلهم هي تبليغ شرع الله وبيانه للناس دون زيادة أو نقصان أو تحريف.
وهناك آيات كثيرة أكدت أن السنة لا يجوز شرعا أن تخالف القرآن أبدا. وتفسير سورة
الحشر 7 لا يدل نهائيا على أن الله تعالى فوض للرسول تشريع ما أراد ولو كان مخالفا
للقرآن، طاعة الرسول وأولي الأمر لا تجب إلا فيما يطابق أحكام القرآن الكريم.
فتفسير سورة الحشر 7 " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا "
يجب أن يراعي المحور والسياق والوقائع التي وردت فيها. ويتعلق الحكم الشرعي فيها
بمسألة توزيع غنائم الحرب. فوض الله تعالى لرسوله تقسيم هذه الغنائم وفرض على
المؤمنين قبول قسمة الرسول عليه صلاة الله وسلامه. لهذا أذكر الآية كلها لإعطاء
الدليل على ما قلته. الحشر 7 "ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى
فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين
الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله
شديد العقاب".
الحشر 8 "للفقراء
المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون
الله ورسوله أولئك هم الصادقون".
فمن
قواعد تفسير القرآن أن الحكم الشرعي لا يستنبط من الآية إلا بعد عرضها على كل آيات
القرآن الكريم ومقارنتها ببعضها والمحور والسياق العام الذي وردت فيه وترتبط به.
فالقرآن بعضه يفسر بعضا. كما أن هناك آيات نسخت وألغت آيات أخرى سابقة لها في
النزول ومتعارضة معها كلها.
هذا
المقطع من سورة الحشر 7 لا يجوز الاستناد إليه للقول بأن السنة تخالف القرآن. هذا
كذب على الرسول وعلى الله تعالى لا يقبل العقل والمنطق والشرع بأن يقول المغرضون
أن الله فوض لرسوله سلطة تشريع ما يريد وإصدار ما يريد من أوامر وأحكام. فالمشرع
الأعلى والحقيقي هو الله تعالى. وكل الناس بما فيهم الرسل والأنبياء ملزمون
بالخضوع لشرع الله. الأعراف 6 "فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن
المرسلين"
والحاقة 43-47 "تنزيل من رب العالمين. ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا
منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين"
والممتحنة 12 "ولا يعصينك في معروف" و معنى ذلك ن
العصيان واجب في غير المعروف و المنكر.
هذه
الآيات الكريمة أكدت بأنه لا طاعة لأي مخلوق ولو الرسل في معصية الله أبدا. بل
الرسل عليهم صلاة الله وسلامه أمرهم الله بطاعته والالتزام بشرعه. الزمر 13 "قل إني
أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم". الأحزاب 2 "واتبع ما
يوحى إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرا" وهود 112
"فاستقم
كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير".
فلا
تتبعوا أيها الناس الأقوال والأفعال التي ينسبها المغرضون وأعداء الإسلام كذبا إلى
السنة النبوية وافهموا القرآن جيدا وتدبروا أحكامه واتبعوها لأن الله تعالى أمرنا
بذلك. فما أتاكم عن الرسول عليه صلاة الله وسلامه فاعرضوه على القرآن وقارنوه بشرع
الله فإن وافقه وفسره فهو صحيح وفي هذه الحالة فإننا التزمنا في الأصل بالحكم
الشرعي القرآني الذي فسرته السنة النبوية.
وأحيل
إخواني إلى دراسة أنجزتها ونشرتها في موقعي المذكور بالانترنيت حول موضوع:
"فهم القرآن الكريم" 18 صفحة. هناك من استند إلى سورة الأحزاب 36 "وما كان
لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص
الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا" فقالوا بان للرسول سلطة التشريع والقضاء
المطلق دون قيد. وهذا غير صحيح، لان سلطة الرسول في إصدار الأحكام والأوامر مقيدة
بالقرآن الكريم وهو ما قضى به الله تعالى وهو ملزم لكل الناس ومنهم الرسول وأولوا
الأمر في بلاد الإسلام. الأنعام 115 "وتمت كلمة ربك صدقا
وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم" والأعراف 181
"وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون".
وما
قضى به الرسول وأولوا الأمر لا يكون مفروضا وملزما للناس إذا كان مخالفا لما قضى
به الله تعالى وهو القرآن الكريم الذي أمر الناس بالحكم به لأنه عدل الله. المائدة
8 "يا
أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا
تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون"
والمائدة 49 "وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن
يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك". النحل 90 "إن الله
يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي...".
فالرسول عليه صلاة الله وسلامه ملزم في إصدار أحكامه وقراراته وأوامره بتطبيق القرآن
الكريم والالتزام به. والنساء 14 "ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله
نارا خالدا فيها وله عذاب مهين". خصص الله تعالى نار جهنم لكل من يخالف
أحكام القرآن الكريم ولم يتب توبة نصوحا صادقة ونهائية. وليس هناك استثناء سواء بالنسبة للرسل وأولي الأمر وغيرهم.
وهناك
من فسر سورة النجم حسب هواه وقال بأن كل ما قاله الرسول وحي من الله ولا يمكن
تكذيبه، حيث استدل بمقطع النجم 3-4 "وما ينطق عن الهوى إن
هو إلا وحي يوحى". وهذا التفسير غير صحيح، لأن الآيات التابعة من سورة
النجم 5-10 "علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا
فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى" تدل على أن الوحي الذي انزله الملك جبريل
عليه السلام على الرسول عليه السلام من الله تعالى هو القرآن. فعندما ينطق الرسول
بالقرآن فإنه لا ينطق عن الهوى بل بوحي الله تعالى وهو كلام الله وقوله أي القرآن
الكريم. وما ينطق به الرسول غير القرآن ليس وحيا من الله بل سنة خاصة بالرسول
وليست قرآنا.
لقد فتحت هذين القوسين حول السنة بإيجاز لأقول
لإخواني القراء والباحثين المحترمين أني حددت شروط التوبة كما هي محددة في القرآن
الكريم وحسب ما استطعت فهمه وإدراكه والعلم الحق والمطلق لله وحده. ولا يجوز تحريف
أحكام القرآن ولو بأقوال وأفعال منسوبة كذبا للرسول عليه صلاة الله وسلامه. فالسنة
خاضعة للقرآن الذي هو وحده وحي من الله تعالى ولا يجوز شرعا أن تكون السنة مخالفة
للقرآن الكريم وكذلك القوانين الوضعية في البلاد الإسلامية يجب أن تكون مطابقة
لأحكام القرآن ويجب أن تطبق بعدل وبصرامة. الأنعام 153 " وأن هذا
صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم
تتقون"
الأنعام 155 "وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون"
الأعراف 3 "اتبعوا ما أنزل إليكـم من ربكـم ولا تتبعوا من دونه أولياء"
الأعراف 157 "فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه
أولئك هم المفلحون" والجاثية 18 "ثم جعلناك على شريعة
من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون".
هذه
الآيات وغيرها مما لم أذكر تؤكد أن السنة لا يجوز شرعا أن تكون مخالفة لأحكام
القرآن الكريم أبدا. وكل ما نسب للسنة فهو كذب على الرسول إذا كان مخالفا للقرآن.
وأبين الآيات الدالة على أن التوبة تشمل كل الذنوب والسيئات سواء الصغائر أو
الكبائر. أي أن الصغائر هي أيضا تجب التوبة عنها لأن المذنب يحاسب ويعاقب عن
الصغائر أيضا. فالآية التي كانت قد أعفت من الصغائر قد نسخت بأمر من الله تعالى.
النساء 31 "إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم
مدخلا كريما"
هذه الآية نسخت بآيات أخرى جعلت الصغائر مثل الكبائر ذنوبا معاقبا عليها ولا بد من
التوبة عنها كلها. القرآن الكريم نزل في مدة 23 سنة وربع وأعطى تربية تدريجية
للمجتمع الإسلامي. والله تعالى من حقه نسخ ما شاء من الآيات والشرائع. وهناك قاعدة
شرعية في تفسير القرآن ومعرفة الناسخ والمنسوخ هي أنه في حالة تعارض آية مع أخرى
أي أن إحداهما تلغي الأخرى بكاملها فيجب الالتزام بالآية اللاحقة في النزول. والآية الملغاة لا نلتزم بها وإن
كانت في المصحف وهي الآية السابقة في النزول وهي منسوخة. والآية الناسخة هي
الملزمة.
هناك
آيات كثيرة نسخت الآيات المتعلقة بالصغائر واللمم. فكل الذنوب والسيئات سواء صغائر
أو كبائر تسجل في كتاب أعمال مرتكبها ويعاقب عليها في الدنيا والآخرة إلا إذا تاب
توبة شرعية طبقا للشروط التي بينتها سابقا. ومنها الزلزلة 1-8 "إذا زلزلت
الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان ما لها يومئذ تحدث أخبارها بأن
ربك أوحى لها يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره
ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره". فكل أعمال الإنسان وما فيها حسنات أو
سيئات ينال عليها الجزاء سواء صغائر أو لمم أو كبائر. القارعة 1-11 "القارعة ما
القارعة وما ادراك ما القارعة يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن
المنفوش فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية
وما أدراك ما هيه نار حامية". الأعراف 8-9 "والوزن يومئذ الحق
فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم
بما كانوا بآياتنا يظلمون" كل ذنوب الإنسان سواء صغائر أو كبائر توضع في
ميزان الحساب ويسأل عنها مرتكبها. النساء 123 "من يعمل سوءا يجز به"
سواء صغير أو كبير. الشورى 42 "إنما السبيل على الذين يظلمون الناس
ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم".
إذا حصل أن دفع شخص آخر عن غير قصد فسقطت من
يده بيضة وتكسرت هذا الذنب من الصغائر ولكن مرتكبه مسؤول لأنه تسبب في ضرر للغير
وظلم. فيجب عليه تعويض الضرر والتوبة للإعفاء من العذاب. والحجرات 12 "يا أيها
الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم..." فالظن من
الصغائر يعتبر من الذنوب التي تجب التوبة عنها وعدم العودة إلى ارتكابها. البقرة
225 "
يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم" البقرة 284 " وإن تبدوا
ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله".
من
الآيات التي ألغت الإعفاء من الصغائر واللمم وجعلتها مثل الكبائر يحاسب عنها
المذنب هناك الكهف 49 "ووضع
الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر
صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا"
ويونس 61 "وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون
من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض
ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين" وسبأ 3 "وقال الذين
كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى وربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في
السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين".
كل
ذنوب الإنسان تسجل في كتاب أعماله ويراقبه الله والملائكة وتشهد عليه أعضاؤه أمام
الله الذي ينطقها. الانفطار 10-12 "وإن عليكم لحافظين
كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون" والطارق 4 "إن كل نفس
لما عليها حافظ"
الإسراء 13-14 "وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا
يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا". فكل ما في
الكتاب من سيئات سواء كبائر أو صغائر أو لمم يحاسب عنه الإنسان وينال عنه الجزاء
في الدنيا والآخرة.
في
هذه النقطة ب تأكد لنا أن الله تعالى يؤجل العذاب عن السيئات في الدنيا والآخرة
بأجل محدد لإعطاء فرصة للتوبة والعودة إلى الله وطاعته والتقوى بدون رجعة. وإذا
حصل ذلك من المذنب يغفر له الله تعالى ويدخله الجنة ويعفيه من عذاب الدنيا والآخرة
الذي كان مخصصا له قبل التوبة.
وتأكد
لنا أن التوبة يجب أن تكون عن كل الذنوب سواء صغائر أو كبائر. والتوبة المقبولة
لها شرطان أساسيان: الإيمان الصادق والتقوى المجسدة فعلا بالعمل الصالح والالتزام
بأحكام القرآن قولا وعملا وسرا وعلانية. والشرط الثاني: عدم الرجوع إلى الظلم
والذنوب والاستمرار في التقوى إلى الموت.
فلنسارع
أيها الناس إلى التوبة النهائية والتقوى الدائمة لكي لا ننال عذاب الدنيا ونفوز
برضى الله ورؤيته وجنته.
جـ: عدل الله تعالى
في الرزق
الله تعالى خلق
الكون وما فيه ويدبر أموره بقدرته المطلقة العادلة والتي لا يشاركه فيها احد أبدا
ولو الرسل والملائكة والجن. وكل المخلوقات الحية ومنها الإنسان خلقها الله من
الماء وبه تحيى وتعيش. الأنبياء 30 :" وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا
يؤمنون". والماء يسقي الأرض فتنبت بأمر الله وخلقه مصادر طعام الكائنات الحية
ومنها الإنسان. فحياة هده المخلوقات متوقفة على الماء الذي لا يستطيع أحد إنزاله
وتوفيره إلا الله تعالى الذي يتحكم في دورته إن شاء أنزله وإن شاء منعه. والله
تعالى هو الذي خلق ما في الأرض من نباتات وفواكه وحيوانات وطيور وغيرها. وهدا ما
يسمى رزق الله تعالى الذي يخلقه بالماء، ويبسطه للناس أو يمنعه عنهم رحمة منه أو
عقابا أو ابتلاء وحسب ما يقرره الله تعالى الذي لا يظلم ولو مثقال ذرة.
سوف أبين في نقطة
أولى الأدلة الشرعية الدالة على أن الله تعالى هو وحده مصدر رزق الإنسان ويتحكم
فيه. وفي نقطة ثانية أبين الأدلة الشرعية الدالة على أن الله تعالى عادل في منح
الرزق. لدلك فرض العمل الحلال
للكسب من رزقه ولكن في إطار التقوى.
1- الله تعالى مصدر رزق الإنسان
الماء الذي هو مصدر حياة الإنسان ومصادر طعامه لا يستطيع توفيره أحد إلا
الله تعالى وهدا مؤكد في الواقع والتاريخ البشري مند خلق الله تعالى آدم وحواء.
الله تعالى هو الذي يعطي الرزق ويفتح بركات السماء وهي الماء وبركات الأرض وهي ما
ينبت الله فيها ويخلق فيها من مصادر طعام الإنسان ومن معادن تفيد الإنسان لتوفير
حاجياته. غافر 13 " هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب" والزمر 52
" أو لم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في دلك لآيات لقوم
يؤمنون" الشورى 19 " الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز" . يونس 31 " قل
من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر
فسيقولون الله فقل أفلا تتقون".
سوف أبين مجموعة من الأحكام الشرعية الدالة على أن الله تعالى هو المصدر
الوحيد لرزق الإنسان وهو الذي يوفر له مصادر طعامه. طبعا لا بد من عمل الإنسان
ومجهوده للكسب من رزق الله وصنع
الطعام مما خلق الله تعالى. وسوف أبين بعد دلك مجموعة ثانية للأحكام
الشرعية الدالة على قدرة الله تعالى على منع الإنسان من مصادر طعامه ولو أراد
العمل للكسب وإنتاج طعامه فلا يستطيع، وبالتالي يستسلم للموت المحتوم.
أبدأ بالمجموعة الأولى
من الأحكام: الله تعالى وحده مصدر الرزق
قال الله تعالى في
سورة فاطر3 " يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله
يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون" عبس24، 26 " فلينظر
الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا" والواقعة 68، 70
"أفرأيتم الماء الذي تشربون. أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون. لو
نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون" فاطر 15" يا أيها الناس أنتم الفقراء
إلى الله والله هو الغني الحميد" . فعلا كل الناس فقراء إلى الله
ويحتاجون إلى الماء الذي ينزله الله وحده. ما يكنز الأغنياء من أموال ودهب لا يسمن
ولا يغني من جوع إدا منع الله بركات السماء والأرض. لا يجد الناس كلهم مصادر الطعام فيموتون حتما. فكل الناس
أغنياء وفقراء محتاجون إلى الله تعالى. النحل 65 " والله أنزل من السماء ماء
فأحيا به الأرض بعد موتها إن في دلك
لآية لقوم يسمعون" يس33- 35 " وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون
وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره وما عملته
أيديهم أفلا يشكرون" والشورى 28 " وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا
وينشر رحمته وهو الولي الحميد". طبعا شكر الله على نعمه لا يكون بالكلام
والحمد والابتهال بل بالتقوى والاستقامة وعبادة الله تعالى أي الالتزام بالقرآن
الكريم قولا وعملا سرا وعلانية. إبراهيم 7 " وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم
لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد". ولا يكون شكر الله إلا بطاعته والابتعاد عن نواهيه وتنفيذ
أوامره.
الله تعالى وحده مصدر
رزق الإنسان والكائنات الحية الأخرى. الاعراف57 " وهو الذي يرسل الرياح بشرى
بين يدي رحمته حتى إدا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا
به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون" الروم 48 " الله الذي
يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج
من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إدا هم يستبشرون" . الله تعالى هو
الذي خلق الماء والدورة المائية. هو الذي خلق الشمس والبحار والأنهار وهو الذي خصص
ملائكة ساهرين بأمره على دورة الماء. الشمس تبخر مياه البحر والأنهار، ويتجمع
الماء المتبخر في السماء وعندما تتوفر له ظروف خاصة يتجمع ويتلقح ويبرده الريح
فيسقط الماء أينما شاء الله تعالى وأمر. وإذا شاء الله يتساقط بخار الماء المتبخر
من البحار فوق الأرض على شكل ضباب ولا يصعد إلى السماء ليكون سحبا لأن الله تعالى
لا يوفر له الهواء الكافي والريح
الذي يرفعه. فاطر 9 " والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت
فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور" العنكبوت 60 " وكأين من دابة
لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم" الروم 40 " الله
الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذالكم من شيء
سبحانه وتعالى عما يشركون" والروم
46 " ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات وليذيقكم من رحمته ولتجري الفلك بأمره
ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون" النمل 64 " أمن يبدأ الخلق ثم يعيده
ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين"
الذاريات 22-23 " وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق
مثل ما أنكم تنطقون" الذاريات 58 " إن الله هو الرزاق دو القوة
المتين" العنكبوت 17 " إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن
الدين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه
واشكروا له إليه ترجعون" السجدة 27 " أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى
الأرض الجزر فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون" يس 71-73
" أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون وذللناها
لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون" وغافر 13
" هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب"
سبأ 24 " قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله" الجاثية4-5 "
وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون واختلاف اليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض
بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون" إبراهيم 32 " الله الذي خلق
السموات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم" والإسراء
70 " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات
وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" البقرة 172 " يأيها الذين آمنوا
كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون" الأعراف 10
" ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون". الماء
الذي ينزل الله من السماء وما يخلق في الأرض وينبت فيها هو الذي يكون مصادر معيشة
الإنسان وطعامه شرط أن يعمل للكسب من رزق ومعيشة الله. ق9-11 " ونزلنا من السماء ماء مباركا فانبتنا به
جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا
كذلك الخروج" السماوات والأرض وما بينهما وكل ما يوجد من رزق والناس ملك لله
تعالى. استخلف الله تعالى الإنسان
لعمارة الأرض وعبادته في إطار نظام الاستخلاف الرباني والامتحان والاختبار
والابتلاء مادته القرآن الكريم، لقوله تعالى في عدة آيات منها الحديد 7 "
آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه. فالذين آمنوا منكم وأنفقوا
لهم أجر كبير" الملك 15 " هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في
مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور" البقرة 36 " ولكم في الأرض مستقر
ومتاع إلى حين" الأعراف 24 " ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين"
والروم 50 " فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن دلك لمحيي
الموتى وهو على كل شيء قدير" النحل 73 " ويعبدون من دون الله ما لا يملك
لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون" قريش 3-4 " فليعبدوا رب
هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف" البقرة 60 " وإذ استسقى
موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس
مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين" .
أكدت هده الآيات
الكريمة أن رزق الله الذي يوفره للناس هو الماء وبركات الأرض. ولا بد من عمل
الإنسان ليكسب من رزق الله. ولا أحد نهائيا يوفر الماء وبركات الأرض إدا منعه الله
تعالى.
وأشير إلى مسألة هامة
لها علاقة بالموضوع. الله تعالى لا يرزق الناس من الحرام أبدا. هناك من يجمع
الأموال الكثيرة من الحرام ويدعي أنها رزق من الله وأن الله تعالى هو الذي فضله
بهذه الأموال. وهدا اعتقاد خاطئ. لأن الله تعالى أحل الطيبات وحرم الخبائث. وكل مدخول
من إنتاج الخبائث والمحرمات حرام. وكل مال محصل عليه من الرشوة وبيع الخمر
والمخدرات والربا والبغاء والدعارة وأكل أموال الناس بالباطل كالسرقة والنصب
والاحتيال حرام وليس رزقا من الله. بل يحاسب عليه المحصل عليه وينال عذاب الله
تعالى المؤجل بأجل في الدنيا وعذاب جهنم في الآخرة إذا لم يتب توبة نهائية وصادقة.
وفيما يلي أبين بعض
الأحكام الشرعية التي حرمت المال الحرام ومنعت أكل الخبائث لكي يتأكد الناس أن
المال الحرام والطعام الخبيث ليس من رزق الله تعالى. لأن الله لا يرزق مما حرم.
البقرة 168 " يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات
الشيطان إنه لكم عدو مبين" والبقرة 172 " يا أيها الذين آمنوا كلوا من
طيبات ما رزقناكم" المائدة 4 " يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم
الطيبات" وطه 81 " كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم
غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى" غافر 64 "ورزقكم من الطيبات ذالكم
الله ربكم فتبارك الله رب العالمين" البقرة 267 " يا أيها الذين آمنوا
أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث ..."
فإذا أعرض بعض الناس عن القرآن الذي بين الحلال والحرام واتبعوا هواهم ولم
يلتزموا بأحكام شرع الله فليس معنى هدا أن القرآن لا يساير تطور البشرية ولا يعالج
مشاكلها في كل زمان ومكان بل إن سلوك الناس الخاطئ وإعراضهم عن القرآن هو الذي
تسبب لهم في عذاب الله وعقابه فحلت بهم المشاكل والتدهور والانحطاط وعدم الاستقرار
وكثرة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والحروب لقوله تعالى في عدة سور نذكر منها سورة
طه 124 "ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى"
وسورة الزمر 55 السابقة الذكر "واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن
يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون" وسورة أل عمران 56 و 57 " فأما
الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين. وأما الذين
آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظالمين".
إن أغلب مشاكل الناس ناتجة عن مخالفة القرآن وخرقه بارتكاب المحرمات التي
حرمها الله في شرعه. وسأذكر بعضا منها لأن هذا البحث لا يمكن أن يتعرض لكل
المحرمات. فعلى سبيل المثال تنص سورة البقرة 275 "... وأحل الله البيع وحرم
الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك
أصحاب النار هم فيها خالدون".
والاقتصاد العالمي يقوم على الربا والنتيجة أن طبقات كثيرة تعيش وتستهلك
وتبدر الموارد من الربا الذي تحصل عليه دون القيام بعمل مشروع منتج . والإسلام
يأمر الناس بالعمل للمحافظة على صحتهم ولتقوية الإنتاج. وهناك آيات كثيرة في هدا
الشأن بالقرآن. فاستهلاك عائدات الربا ظلم للناس وعامل للتدهور الاقتصادي. وما
يقال عن الربا يقال أيضا عن الرشوة والميسر فعائداتهما ظلم للناس وتبذير وعرقلة
للإنتاج. وقد حرمهما الله تعالى في سورة النساء 29 " يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم
بالباطل" و النساء 30 " و من يفعل ذلك عدوانا و ظلما فسوف نصليه نارا و
كان ذلك على الله يسيرا " وسورة البقرة 188 " ولا تأكلوا أموالكم بينكم
بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم
تعلمون" وسورة المائدة 90 " يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر
والأنصاب والأزلام رجس من عمل
الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون" . فالرشوة والميسر أو القمار حرام لما لهما
من آثار سيئة ومخربة. والخمر طبقا للآية السابقة المائدة 90 حرام بأمر الله تعالى.
وطبعا هده الآية نسخت الآيتين السابقتين المتعلقتين بالخمر.
وهناك أيضا الزنا
والفساد وقد حرمهما الله نظرا لعواقبهما الوخيمة وأثارهما السيئة على الأسرة
والمجتمع ودلك في آيات عديدة منها سورة الإسراء 32 " ولا تقربوا الزنى إنه
كان فاحشة وساء سبيلا" وسورة النور30 و 31 " قل للمؤمنين يغضوا من
أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن
من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على
جيوبهن ولا يبدين زينتهن ..." . وحرم الله أيضا السرقة حيث قال جل جلاله في
سورة المائدة 38 و 39 "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا
من الله والله عزيز حكيم. فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله
غفور رحيم". فالسارق مثل المرتشي ولاعب القمار وصاحب الربا يستهلك المال بدون
حق ويبدر أموال الناس دون عمل مشروع. وفي دلك ضرر للناس والاقتصاد والإنتاج.
ومن أسباب الأزمات
والمشاكل الاجتماعية أيضا تفشي الظلم بين الناس. والله تعالى أمر بالعدل بين الناس
في آيات كثيرة منها سورة النحل 90 " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي
القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون" .وسورة النساء
58" إن الله يأمركم أن تؤذوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا
بالعدل" وسورة الحديد 25
" لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس
بالقسط". فإذا انعدم العدل بين الناس وانتشر الظلم فإن المشاكل الاجتماعية
والاقتصادية تتفاقم وتتعقد ويعم الظلم والفساد والاضطراب والفوضى والحروب. فالعدل
بين الناس من عوامل الاستقرار و الأمن و الازدهار و التقدم .
وقد أمر الله تعالى
بأداء الصلاة لأنها تربي المؤمن على طاعة الله ومحبته وإتباع شرعه وتنهاه عن
الفحشاء والمنكر العنكبوت 45 "و أقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و
المنكر" لكن الذي يصلي و يرتكب الفحشاء و المنكر منافق و لا صلاة له و مصيره
نار جهنم. وأمر الله بأداء الزكاة عن المال لأنها تطهر النفس والمال وتسد رمق
المحتاجين المحرومين لأسباب خارجة عن إرادتهم فالذي استهلك ما هو مستحق عليه من
زكاة ارتكب حراما. وتدل على أمر الله عدة سور منها سورة الحج 41 "الذين إن
مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله
عاقبة الأمور" وسورة الحج 78 " فأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة واعتصموا
بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير". وقد أكد الله بأن الصدقة والزكاة
حق مشروع للمحتاج المحروم الذي لا يجد موردا للعيش لأنه غير قادر على العمل لأسباب
خارجة عن إرادته كالمعاق مثلا لقوله
في سورة الذاريات 19 "وفي أموالهم حق للسائل والمحروم".
فعدم القيام بالصلاة وعدم أداء الصدقات والزكاة على الأموال وارتكاب
المحرمات من العوامل التي أدت إلى تفشي المشاكل والأزمات والمصائب التي حلت بالناس
ومنها قلة المطر والكساد الاقتصادي والحروب. ويؤكد ذلك قوله تعالى في عدة آيات
منها سورة طه 124 " ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة
أعمى" وسورة الأعراف 96 "
ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا
فأخذناهم بما كانوا يكسبون" وسورة الحج1 " يا أيها الناس اتقوا ربكم إن
زلزلة الساعة شيء عظيم" وسورة التوبة 119 " يا أيها الذين آمنوا اتقوا
الله وكونوا مع الصادقين". إن الله تعالى أمر الناس جميعا بالتقوى في آيات
كثيرة وتعني الخوف من الله وطاعته والالتزام بشرع الله والعمل بأحكامه قولا وعملا،
سرا وعلانية. والقوانين الوضعية يجب أن تكون مطابقة لأحكام القرآن الكريم. ويجب أن
تطبق بعدل وصرامة في بلاد الإسلام.
الله تعالى مصدر الرزق الحلال. النحل 10-11" هو الذي أنزل من السماء
ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك
لآية لقوم يتفكرون" طه 53-54" الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها
سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى كلوا وارعوا أنعامكم إن
في ذلك لآيات لأولي النهى" والنبأ 14-16 " وأنزلنا من
المعصرات ماء ثجاجا لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافا" فصلت 39 "
ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها
لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير" العنكبوت 63 " ولئن سألتهم من نزل من
السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا
يعقلون".
الله تعالى يفتح بركات السماء والأرض للناس ويرزقهم من الطيبات. ولا بد من
عملهم الحلال للكسب من رزق الله كما
سوف أبين في النقطة الثانية. فالمؤمنون يتمتعون برزق الله في
الدنيا والآخرة. أما الكفار فإنهم يتمتعون في الدنيا
مؤقتا وهم معرضون لعذاب الله المؤجل بأجل ويعيشون معيشة ضنكا رغم الأموال.
وفي الآخرة مصيرهم نار جهنم. والله تعالى يوفر للكفار مصادر طعامهم مؤقتا في
الدنيا في إطار عدله المطلق ورحمته على سبيل الابتلاء وإعطائهم فرصة للتوبة
والعودة إلى الله تعالى. وإذا تمادوا في كفرهم وحل أجل عذابهم في الدنيا قبل
الآخرة فإن الله تعالى ينفد أمره عليهم. الرعد 34 "لهم عذاب في الحياة الدنيا
ولعذاب الآخرة أشق وما لهم من الله من واق " آل عمران 108 " تلك آيات
الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين".
وقد أكدت عدة آيات هده
الفرصة التي خصصها الله تعالى للتوبة منها البقرة 36 " وقلنا اهبطوا بعضكم
لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين" البقرة 38-39 " قلنا
اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب
النار هم فيها خالدون" . فالكفار والظالمون ولو تمتعوا قليلا من رزق الله فإن ذلك في إطار أجل وفرصة التوبة
وعذاب الدنيا الذي ينتظرهم قبل نار جهنم في الآخرة. المرسلات 45-46 " ويل
يومئذ للمكذبين كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون". فإذا لم
يتوبوا في أجل التوبة والعقاب يعذبهم الله في الدنيا والآخرة. أما تمتع المؤمنين
الصالحين الصادقين المتقين في الدنيا فهو حق لهم في الدنيا و الآخرة.
رسول الله تعالى
إبراهيم عليه وعلى كل الرسل صلاة الله وسلامه نادى ربه ملتمسا الرزق للمؤمنين فقال
الله تعالى في سورة البقرة 126 " وإذ قال إبراهيم رب اجعل هدا بلدا آمنا
وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه فليلا
ثم اضطره إلى عذاب النار وبئس المصير" يونس 70 " متاع في الدنيا ثم
إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون" يونس 23 " يا
أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما
كنتم تعملون" لقمان 23-24 "ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم
بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ"
الكهف 105-106 " أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم
لهم يوم القيامة وزنا دلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي
هزؤا" القصص 60-61 " وما
أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا
وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن
متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين". فالذي يتمادى في
كفره وظلمه وعصيانه لله وإعراضه عن القرآن رغم فرصة التوبة التي أعطاها له الله
تعالى وتمتيعه من رزق الله في الحياة الدنيا ظلم نفسه ولم يظلمه الله تعالى أبدا لأنه معرض لعذاب الله في الدنيا
المؤجل ولنار جهنم التي سوف يكون حطبا ووقودا لها. لقد صدق الجليل الحكيم العادل الخالق والرازق
المحي والمميت في قوله : " وما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد" هود 15-16 " من كان يريد
الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون. أولئك الدين
ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما
صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون" كل أعمال الكفار باطلة ولا يقبلها
الله ولهم غضب الله وعذابه في الدنيا والآخرة" الأحقاف 20 " ويوم يعرض الذين
كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب
الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون " محمد 12 " إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات
تجري من تحتها الأنهار والذين كفروا
يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم " الشورى 20 "
من كان يريد حرث الآخرة نزد له في
حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب" فالله
تعالى يرزق بالحلال المؤمنين الصالحين بحق
في الدنيا والآخرة فيعيشون في سعادة في الدنيا والآخرة أما الكفار فلهم
متاع مؤقت من رزق الله في الدنيا فقط ولكنهم معرضون لعذاب الله في الدنيا والآخرة.
لهدا قال الله تعالى
في التوبة 85 " ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في
الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون"
السجدة 21 " ولنديقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم
يرجعون " الزخرف 32 " أهم
يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم
في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة
ربك خير مما يجمعون " . الله تعالى يرزق الكفار والمذنبين على سبيل الابتلاء لعلهم يستفيدون من
فرصة التوبة وأجل العقاب في الدنيا قبل عقاب الآخرة فيعودون إلى الله ويطيعونه
ويلتزمون بأحكام القرآن الكريم قولا وعملا سرا وعلانية. لهدا قال الله سبحانه
وتعالى في الزمر 8 " وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة
منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك
قليلا إنك من أصحاب النار " الأنعام 165 " وهو الذي جعلكم خلائف الأرض
ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم " فلا تغتر أيها المؤمن بمتاع
الدنيا فقد يبتليك الله به لينظر هل ستستمر في التقوى أم لا. والمرسلات 45-46 " ويل يومئذ للمكذبين كلوا وتمتعوا قليلا إنكم
مجرمون" يونس 69-70 " قل
إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم
نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون " فما فائدة نفس
تنعم وتتمتع في فترة مؤقتة بالدنيا في الخيرات والملذات والشهوات وبعد حين
ومدة قصيرة تلقى عذاب الله في الدنيا ( مرض مزمن- عمى- حادثة مؤلمة- جمود جزئي أو
كلي للجسم- نقص في الأموال وغيره من المصائب) ثم تكون حطبا لنار جهنم في الآخرة.
فيا أيها الناس تمتعوا بزينة الله التي جعلها على الأرض واعملوا لتنالوا من رزق
الله وفضله بالحلال لأن لنفسكم عليكم حقا. ولكن اتقوا الله وأطيعوه والتزموا
بالقرآن لأنه قوانين الله التي
سنها لكافة الناس في الكون فمن
التزم بقوانين الله فاز فوزا عظيما في الدنيا والآخرة ومن أعرض عن قوانين الله وخالفها خسر الدنيا ولو نال
من رزق الله وخسر الآخرة لأنه سيرمى في نار جهنم حتما.
وفيما يلي المجموعة
الثانية من الأحكام الشرعية المؤكدة أن الله تعالى قادر على منع رزقه كلا أو بعضا
مؤقتا أو نهائيا في إطار العقاب عن الذنوب والسيئات أو الابتلاء أو لأي سبب أراده الله تعالى كساعة فناء
الأرض والبعث.
ومن هذه الآيات ما يلي
: الملك 21 " أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور"
الملك 30 " قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين"
والمؤمنون 18 " وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب
به لقادرون" هود 52 " ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء
عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين" والأعراف 96 -98
" ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن
كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم
نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون" والجن 16 " و
ألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه
يسلكه عذابا صعدا" .
الله تعالى قادر على
منع الماء مؤقتا لإضعاف قوة من أراد كعقاب أو ابتلاء الشورى 27 "ولو بسط الله
الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير" .
والله قادر على إتلاف ما في الأرض وما عملته يد الإنسان في إطار العقاب او الابتلاء. يونس 24 " إنما مثل
الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخدت
الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناه حصيدا كأن لم تغن
بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون" والحديد 20 "اعلموا أنما الحياة
الدنيا لعب و لهو و زينة و تفاخر بينكم و تكاثر في الأموال و الأولاد كمثل غيث أعجب
الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد" القلم
19-20 " فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم" القلم 26-27
" فلما رأوها قالوا إنا لضالون بل نحن مجرمون" البقرة 266 " أيود أحدكم أن تكون له
جنة من نخيل و أعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر
وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم
تتفكرون" آل عمران 117 " مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح
فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم
يظلمون" والنحل 112 " وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها
رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا
يصنعون".
الله جل جلاله عادل
عدلا مطلقا في كل شيء. فلا يمنع بركات السماء والأرض إلا من أجل العقاب أو
الابتلاء. وقد يعطي ويفتح بركات السماء والأرض أيضا كابتلاء وإعطاء فرصة للتوبة.
الأنفال 53 " ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما
بأنفسهم وأن الله سميع عليم " ويونس 21 " وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد
ضراء مستهم إدا لهم مكر في آياتنا قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون
" والزمر 21 " ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض
ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك
لذكرى لأولي الألباب " والروم 50-51 " فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحي
الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى وهو على كل شيء قدير. ولئن أرسلنا ريحا فرأوه
مصفرا لظلوا من بعده يكفرون" والفجر 15-20 " فأما الإنسان إذا ما ابتلاه
ربه فأكرمه ونعمه فيقول رب أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول رب
أهانن. كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحضون على طعام المسكين وتأكلون التراث أكلا
لما وتحبون المال حبا جما " فاطر 2 " ما يفتح الله للناس من رحمة فلا
ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم " آل عمران 186
"لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن
الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور" .
الله تعالى قد يبتلي
الإنسان بنقص في الرزق ليظهر حقيقته النفسية للملائكة والناس. لهذا على الإنسان
المؤمن الصادق الاستمرار في حب الله والإيمان والتقوى مهما كانت الظروف خيرا أم
شرا. الحج 11 " ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته
فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين..." هود 9-11
" ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليؤوس كفور ولئن أذقناه
نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور. إلا الذين صبروا
وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير". والأعراف 130 " ولقد أخذنا
آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون" والروم 36 " وإذا أذقنا
الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون" والزمر
8 " وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان
يدعو إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب
النار".
لهذا أيها الأخوة يجب
أن يكون حبنا صادقا لمن خلقنا ويملكنا ونحن من روحه والذي بقدرته المطلقة العادلة
يتصرف مباشرة في عقولنا وأجسامنا خيرا أو شرا إن أراد والذي حياتنا بيده في كل
ثانية لأن مصدر طاقة الجسم ليبقى على قيد الحياة بيده وهو الله تعالى الجليل
الحكيم. يجب أن يكون إيماننا صادقا وثابتا لا يتأثر برشوة أو طمع أو امتيازات أو
خوف أو دعاء سواء استجاب له أم لم يستجب له الله تعالى. يجب أن نستمر في التقوى
ونتق في وعد الله الحق. لقد ضمن الله تعالى السعادة للمؤمنين الصالحين المتقين
الصادقين في الدنيا والآخرة. وهدا مؤكد فعلا في الواقع.
وأختم هده النقطة
المتعلقة بالأحكام الشرعية المؤكدة أن الله مصدر الرزق وانه قادر على منع الرزق أو إتلافه بتفسير الآية 26
من آل عمران : " قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن
تشاء وتعزمن تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير". الله تعالى
هو مالك الرزق أي الماء وبركات
الأرض ويعطي من رزقه للناس حسب ما أراد تبعا لأعمالهم في إطار التواب والرحمة أو
العقاب والعذاب أو الابتلاء حيث يمنع رزقه إدا شاء ولكن الله تعالى عادل ولا يظلم
أبدا. فالملك الذي يؤتيه الله للناس ليس الحكم أو ملك الناس فالله تعالى هو الحاكم
الأعلى في الكون وهو ملك الناس الذي يملكهم ويملك ما في الكون من رزق. فالملك الذي
يؤتيه الله حسب هذه الآية 26 من آل عمران
يتعلق بملك الرزق. وقد حددت بعض الآيات الكريمة التي تفسرها صراحة وبدقة
وهي : النساء 53-54 " أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من
فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما" أي رزقا
كثيرا. الحديد 7 " وأنفقوا مما
جعلكم مستخلفين فيه " . الله
تعالى هو وحده يملك الناس وهم مخلوقاته سورة الناس 1-6 " قل أعوذ برب الناس
ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة
والناس" وهده الآية حرمت ملكية المماليك كالعبيد والخدم والجواري سابقا ونسخت
كل الآيات المتعلقة بها لأن الإسلام
كرم الإنسان وضمن له حقوقه وكرامته لقوله تعالى " لقد كرمنا بني آدم
..." و الحجرات 12 " إن أكرمكم عند الله أتقاكم ". هناك آيات أخرى
تدل على أن الله تعالى هو مالك
الكون وما فيه ومنه الناس. طه 114 " فتعالى الله الملك الحق " الملك 1
" تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير " فالملك الذي يؤتيه الله
للناس هو ملك الرزق فقط. يس 71 " أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا
أنعاما فهم لها مالكون " والأنعام من رزق الله وملك لله يؤتيه من أراد. و
الإنسان 20 " وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا " الملك الرزق الذي
خلقه الله.
في هذه النقطة الأولى
حول عدل الله تعالى في الرزق تأكد لنا بالأدلة الشرعية والوقائع المؤكدة التي
عرفها التاريخ البشري أن حياة الإنسان والمخلوقات الحية الأخرى بيد الله تعالى
وقدرته وقضائه في أية لحظة. فالإنسان ولو أراد العمل لتوفير حاجياته من طعام وغيره
لا يستطيع، ولو توفرت كل الوسائل التقنية لأن المواد التي هي مصدر طعام الإنسان
الضروري لاستمراره على قيد الحياة
لا يوفرها أحد أبدا إدا منع الله تعالى الماء. كل ما يحتاج إليه الإنسان
أصله من الماء. والماء يخلقه الله وينظم له دورة وينزله أو يمسكه حسب مشيئته
وإرادته.
إدا لم ينزل الله
تعالى الماء لا تنبت الأرض الزرع والفواكه والخضر وتموت الحيوانات والطيور التي
يحتاج إليها الإنسان. فلا يجد الإنسان مصادر طعامه فيموت جوعا وعطشا بعد أن ينفد
ما يوجد من احتياط في الملابس والتغذية والأدوية وغيرها. وكل حركة للإنسان تتوقف.
فمن يستطيع إنقاذ البشرية وتمكينها من الحركة والبقاء. الله تعالى خالق الكون وما
فيه ومدبر أموره هو الذي يملك زمام حركة الكون والمخلوقات الحية ومنها الإنسان لأن
الماء الذي هو أصل الحياة والحركة يخلقه الله وحده ولا أحد يستطيع توفير الماء
بالقدر الكافي للكون. النمل 64 " أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من
السماء والأرض أإله مع الله قل
هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين". إدا كان الناس قد قاموا بتحلية بعض المياه من
البحر فالله تعالى قادر على جعل كل مياه البحر وغيره في جوف الأرض وفي غير متناول
الإنسان فيبقى بدون ماء. هود 44 " وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي
وغيض الماء وقضي الأمر...." والمؤمنون 18 " وأنزلنا من السماء ماء بقدر
فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون" .
أليست هده الحقيقة
الواضحة والمؤكدة في الواقع وعرفها التاريخ البشري من آيات الله تعالى ومن الأدلة
الدالة على وجود الله تعالى وقدرته المطلقة؟
أليس القرآن الكريم
مثل التوراة والإنجيل و الزابور والكتب السابقة شريعة الله تعالى التي أنزلها
للناس كافة بالكون على رسوله محمد بن عبد الله عليه وعلى كل رسل الله صلاة الله
وسلامه؟ بلى إن الله تعالى هو الذي أوجد كل ما هو موجود وبيده مصير الكون وما فيه
ومنه الإنسان في أية لحظة. فلنتدبر قوانين الله التي شرعها لنا في القرآن ولنفهمه
لنلتزم بأحكامه الشرعية. ولنطع الله الذي بيده مصيرنا في أية لحظة حيث يكفي منع
الله الماء والهواء لتموت كل المخلوقات ومنها الإنسان، ولنقم بالوظيفة التي خلقنا
الله من أجلها وهي إعمار الأرض وعبادة الله لضمان ورقة التأهيل والعودة الى الجنة
التي منها أصلنا وأبونا آدم وأمنا حواء. ولا نكون مؤهلين وجديرين ومستحقين للعودة
الى الجنة ولقاء الله تعالى إلا بالإيمان الصادق والعمل الصالح طبقا لأحكام القرآن
الكريم قولا وعملا سرا وعلانية ومنها واجب وفرض العمل الحلال للكسب من رزق الله
تعالى والتمتع بزينة الدنيا ومتاعها في إطار التقوى. وذلك ما أحلله وأبينه في النقطة الثانية.
2- فرض الله تعالى العمل الحلال للكسب من رزقه
في إطار التقوى
استخلف الله تعالى
الإنسان في أرض الدنيا لثلاثة أسباب
وهي أولا : إعمار الأرض والعمل والإنتاج لقوله تعالى هود 61 " هو أنشأكم من
الأرض واستعمركم فيها " الحديد
7 " وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه " التوبة 105 " وقل اعملوا فسيرى
الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم
تعملون" وقوله تعالى " ولا تنس نصيبك من الدنيا".
والسبب الثاني عبادة
الله والالتزام بشرع الله المنزل وطاعته وهو نظام الاستخلاف في أرض الدنيا الملزم
لكافة الناس. الداريات 56 " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" والبقرة 21-22 " يا أيها الناس اعبدوا
ربكم الذي خلقكم والدين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء
بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا
وأنتم تعلمون".
والسبب الثالث الذي
استخلف الله تعالى الناس في أرض الدنيا من أجله هو ابتلاؤهم واختبارهم وامتحانهم
بنظام الاستخلاف وهو الشرع المنزل لهم، لاختيار من يعود إلى الله تعالى ويلقاه في
الجنة ليحيى فيها الحياة الحقيقية في السعادة الدائمة وهم الملتزمون بالقرآن
الكريم المؤمنون الصالحون المتقون. أما المخالفون لنظام الاستخلاف والمعرضون عن
القرآن الكريم فيكونون حطبا ووقودا لنار جهنم. هده الحقيقة أكدتها آيات كثيرة في
القرآن الكريم لا داعي للبحث فيها. المهم أن سورة يونس 14 " ثم جعلناكم خلائف
في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون " والملك 2 " الذي خلق الموت
والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور " الكهف 7 " إنا
جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم
أيهم أحسن عملا " إذن لكي نطيع الله ونقوم بوظيفة استخلافه لنا في أرض
الدنيا علينا فرض وواجب فرضه الله تعالى هو أن نعمل في الحلال للكسب من رزق الله (
بركات السماء والأرض) وأن نوفر طعامنا وحاجياتنا المشروعة ونتمتع بزينة الدنيا ومتاعها في الحلال وفي إطار التقوى أي الالتزام بنظام الاستخلاف وهو شرع الله تعالى.
سوف أبين الأحكام
الشرعية الدالة على أن الله تعالى فرض على الإنسان القادر المستطيع العمل الحلال
للكسب من رزق الله والمساهمة في
إعمار الأرض طبقا للوظيفة التي خلقه واستخلفه في أرض الدنيا من أجلها. ثم أبين
الأحكام الشرعية الدالة على أن هذا العمل الذي فرضه الله تعالى على الإنسان يجب أن
يتم في إطار عبادة الله تعالى والتقوى والالتزام بالقرآن الكريم لأن الحياة الدنيا
مباراة لاختيار الذين يعودون إلى الله ويلقونه ويرونه ويعيشون حياة سعيدة دائمة في
الجنة. مادة هذه المباراة هي أحكام القرآن الكريم . فمن آمن إيمانا صادقا وأحب
الله حبا صادقا ودائما وعمل بأوامره وابتعد عن نواهيه أي أطاع الله والتزم بأحكام
القرآن قولا وعملا سرا وعلانية من بداية سن التكليف والمسؤولية إلى الموت هو الذي
يفوز في مباراة الاستخلاف في الدنيا.
أولا : الأحكام الشرعية المؤكدة أن الله تعالى فرض
العمل الحلال
إن الله تعالى فرض على
الإنسان إطعام نفسه وإمداد جسمه بالطاقة التي تمكنه من الاستمرار على قيد الحياة. الطائر لا يأتيه رزقه إلى عشه بل
يطير ويتجول بحثا عن مصادر طعامه. والإنسان الذي يجلس في فراشه لا تأتيه التفاحة
من الشجرة التي خلقها الله. بل لا بد أن يبدل مجهودا وعملا للحصول على مصادر طعامه. وكل الكائنات الحية إدا لم تحصل
على طعامها تموت ومنها الإنسان.
فرض الله العمل في
الحلال والطيبات وحرم العمل في الخبائث والمحرمات. البقرة 168 "يا أيها الناس
كلوا مما في الأرض حلالا طيبا " البقرة 172 " يا أيها الذين آمنو كلوا
من طيبات ما رزقناكم واشكروا الله إن
كنتم إياه تعبدون " والبقرة 267 " يا أيها الدين آمنوا أنفقوا من طيبات
ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا
أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد" . حرم الله تعالى الخبائث وحرم
العمل فيها أو إنتاجها وبيعها وتناولها. ومن الآيات الدالة على فرض العمل الحلال
على الإنسان ما يلي: الإسراء 12 " وجعلنا اليل والنهار آيتين فمحونا آية اليل
وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم" النبأ 11 " وجعلنا
النهار معاشا " والروم 23 " ومن آياته منامكم باليل والنهار وابتغاؤكم
من فضله إن في دلك لآيات لقوم يسمعون". الجمعة 10 " فإذا قضيت الصلاة
فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون "
أمر الله تعالى بالعمل الحلال لكسب المعيشة
بمجرد الانتهاء من الصلاة فالذي يشتغل بالصلاة وحدها ولا يعمل لكسب طعامه
ومعيشته رغم قدرته الصحية والعقلية أخل بفريضة أساسية فرضها عليه الله تعالى. وإذا
لم يعمل فإنه يعرض نفسه لخطر الموت فيكون بدلك قد ارتكب جريمة قتل نفسه بحرمانها
من الطعام. والله تعالى حرم قتل
النفس بغير حق . الفرقان 68-69 " ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق
ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه
مهانا".
فالمؤمنون يؤدون فريضة الصلاة ولكن يبتغون من فضل الله أي يعملون في الحلال
للكسب من رزق الله وفضله. بل خفف الله تعالى عن رسوله والصحابة بخصوص قيام الليل لأسباب المرض والجهاد في سبيل الله
والعمل الحلال لكسب الرزق والمعيشة. المزمل 20 " إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى
من ثلثي اليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر اليل والنهار علم أن لن
تحصوه فتاب عليكم فاقرؤوا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون
في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله..." .
أمر الله تعالى بالعمل
الحلال وجعله فرضا من فرائض الإسلام وعبادة من العبادات يس 33-35 " وآية لهم
الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون. وجعلنا فيها جنات من نخيل
وأعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا
يشكرون". أكد الله تعالى أنه ينزل الماء ويخلق في الأرض ما يشكل رزق الله
ولكن لا بد من عمل الإنسان ومجهوده للكسب من رزق الله وتوفير طعامه وحاجياته
المشروعة وطعام من هو مسؤول عن الإنفاق عليهم كزوجته وأبنائه ووالديه . لكن الدين
لا يستطيعون العمل لأسباب خارجة عن إرادتهم
كالمعاقين والمحرومين ودوي العاهات
التي تمنعهم من العمل يجب الإنفاق عليهم من طرف الدولة والأغنياء. وهنا تظهر أهمية الصدقة والزكاة التي
فرضها الله تعالى لفائدة الفقراء الغير القادرين فعلا عن العمل بشرط أن يكونوا مؤمنين لأن الكفار أعداء الله
تعالى وأعداء المسلمين لا تعطى لهم الزكاة والصدقة وأعمالهم باطلة بأمر الله تعالى
في القرآن الكريم و تدل على ذلك الكهف 105 " أولائك الذين كفروا بآيات ربهم و
لقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا " و هود 16 " أولائك
الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار و حبط ما صنعوا فيها و باطل ما كانوا يعملون
"
لقد أمر الله تعالى
بالعمل الحلال المنتج الصالح. القصص 77 " وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة
ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن
الله لا يحب المفسدين". كل
إنسان جعل الله تعالى له نصيبا من رزقه فعليه العمل الحلال للكسب من رزق الله. وقد
أمر الله بالإحسان وفعل الخير، ولا يمكن تنفيذ أمر الله إلا بالعمل الحلال لتوفير
الرزق الذي ينفق منه الإنسان .
فالدنيا مزرعة حصادها
في الآخرة. وما يكسب الإنسان من
عمله الحلال في الدنيا وينفقه في
إطار التقوى ينفعه يوم القيامة في ميزان أعماله. وينفعه في الدنيا كذلك حيث ينجو
من عذاب الله بأعماله الصالحة والتقوى.
الله تعالى يريد ويحب
أن يعمل الناس بجد وفي الحلال للحصول على متاع الدنيا وتلبية رغبات النفس المشروعة ولكن في إطار التقوى والالتزام
بالقرآن الكريم. وهناك سورة الأنفال 60 " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن
رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف
إليكم وأنتم لا تظلمون" هده الآية الكريمة مثل كثير من الآيات الأخرى جعلت
عمل المسلمين الحلال لكسب الرزق ومتاع الدنيا وتلبية حاجيات المجتمع الإسلامي
ضرورة واجبة وأمرا من أوامر الله تعالى التي يجب أن تطبق وتنفد. ومن خالف آوامر
الله وعصاه له عذاب الدنيا ونار
جهنم. في هده الآية أمر الله تعالى بالعمل الجدي الحلال المنتج في كل المجالات الاجتماعية والاقتصادية والعلمية
والتقنية والعسكرية وغيرها لكسب وتوفير ما يحتاجه المسلمون ولتكوين القوة
الاقتصادية والعسكرية والبشرية للدفاع عن الإسلام والمسلمين وبلاد الإسلام في
مواجهة الكفار والمنافقين الذين يكنون العداء لله والقرآن والمسلمين وهدفهم الأساسي تكفير المسلمين ونهب خيراتهم. القوة التي
أمر الله بتكوينها لم تعد فقط من الخيل كما كانت عند نزول الآية ولكن الحكم الشرعي
في الآية (الأنفال 60) يأمر بتكوين قوة الدفاع حسب تطورات العصر. وهي اليوم
الطائرات والسفن الحربية والصواريخ والدبابات والأسلحة الكيماوية والنووية وربما تظهر وسائل أخرى غيرها. فكيف نعد
القوة التي أمر بها الله للدفاع عن مساجد الله هل نضل معتكفين على صلاة النوافل في
المساجد ليلا ونهارا حتى يهجم علينا الكفار ويخربوها علينا؟ اعلموا أيها الناس
أن السنة لا يجوز شرعا أن تكون
مخالفة للقرآن فاحذروا ما ينسب للرسل كذبا وزورا ولا تفسروا آية من القرآن حتى
تقارنوها بالمحور والوقائع التي وردت فيها وقارنوها بكل آيات القرآن الأخرى لأن
القرآن يفسر بعضه بعضا.
الله تعالى يريد للمؤمنين الخير والسعادة والتقدم والازدهار والأمن فهل يرضى
الله تعالى أن يبقى الناس معتكفين ليل نهار بالمساجد أو في منازلهم مستمرين في
الصلاة ؟ إن الله فرض الصلوات الخمس واشترط أن تؤدى بإخلاص صادق وحب لله وخشوع له
ولكن فرض العمل الحلال لكسب الرزق ومتاع الدنيا وتحقيق التقدم والازدهار في كل
المجالات المشروعة وتوفير قوة الدفاع عن النفس وعن الإسلام حسب تطورات العصر وما
توصل اليه الكفار بخصوص وسائل الهجوم . لقد فرض الله تعالى العمل الحلال لإعمار
الأرض والكسب من رزقه وحماية دين الله من الأعداء وفرض تطبيق القرآن في دار
الإسلام. لهذا يجب العمل على كل قادر عليه صحيا وعقليا في كل المجالات المشروعة
وبشكل منظم وعلمي. وأولوا الأمر والمسلمون كافة في بلاد الإسلام يتحملون مسؤولية
كبرى أمام ضميرهم وأمام الله تعالى لتنفيذ أوامر الله تعالى ومنها واجب فرض العمل
الحلال. وإذا لم يقم أولوا الأمر بالواجب لأنهم يمارسون السلطة في دار الإسلام
فالمسلمون كافة مسئولون عن اختيار الأصلح والأكثر تقوى للقيام بواجب حراسة الدين والدنيا وسياسة الرعية طبقا لدستور
الإسلام وهو القرآن الكريم الذي حدد قواعد نظام الدولة الإسلامية ومؤسساتها.
وهنا أشير إلى ظاهرة التصوف والزهد في الحياة الدنيا والتخلي عن العمل
الحلال لكسب الطعام ومتاع الدنيا الحلال والتفرغ كليا للصلاة.
إن الذين زهدوا في الحياة الدنيا وتخلوا عن العمل الحلال رغم قدرتهم الصحية
والعقلية عليه عرضوا أنفسهم لخطر الموت ومن قتل نفسا بغير حق مصيره جهنم وعذاب
الله في الدنيا أيضا وعصوا الله
لأنهم لم يساهموا في إعداد القوة التي أمر بها الله للدفاع عن القرآن الكريم وبلاد
الإسلام بل إنهم يخربون اقتصاد المسلمين لأنهم لا ينتجون ويستهلكون مما ينتجه الآخرون بدون مقابل فهم عالة
مخربة على المجتمع الإسلامي.
ونفس الشيء يقال عن
ظاهرة الزوايا والأضرحة التي يتجمع فيها الذين يتخلون عن العمل الحلال للعيش على
حساب المريدين والمتبرعين رغم قدرتهم على العمل و يلجؤون إلى طرق الاحتيال و
الشعوذة و التضليل. فالعمل عبادة من عبادات الله تعالى مثل الصلاة والصوم لأن الله
تعالى أمر بالعمل وجعله فرضا من فرائض الإسلام على كل قادر عليه.
ومن الأحكام المؤكدة أن الله تعالى فرض العمل الحلال على كل قادر عليه صحيا
وعقليا ان الجهاد في سبيل الله للدفاع عن القرآن والمسلمين وبلاد الإسلام في
مواجهة اعتداء الكفار والمنافقين فرض من فرائض الإسلام. وتؤكد دلك عدة آيات كريمة
في القرآن منها المائدة 35 " يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه
الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون" والحجرات 15 " إنما المؤمنون الدين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا
وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون" والأنفال 74
" والدين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والدين أووا
ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم".
فكيف يمكن للإنسان أن يقوم بفرض الجهاد إذا لم يعمل في الحلال لكسب الرزق
وتوفير القوة التي تمكنه من الدفاع عن النفس ودين الله ودار الإسلام؟
فالإمساك عن العمل الحلال لكسب الطعام ومتاع الدنيا والمساهمة في تقوية
دولة الإسلام جريمة خطيرة في حق نفس الإنسان و في حق المجتمع
الإسلامي وفي حق الله تعالى الذي خلق الإنسان واستخلفه لإعمار الأرض وعبادة الله
طبقا لكتابه العزيز والدفاع عن دين
الله بالمال والنفس لكي يعود إليه والى جنته.
وأشير هنا بأن من يعطي الزكاة والصدقة للكافر يساهم في تقوية الكفار أعداء
الله تعالى وإضعاف قوة دولة الإسلام. وكل من لم يجسد إيمانه بالتقوى ومنها الصلاة
كافر أو منافق والكفار والمنافقون جميعا مصيرهم نار جهنم. النساء 140
" إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا".
فيا أيها المسلمون شمروا عن ساعد الجد واعلموا أن ما يقربكم إلى الله
ويمكنكم من رؤيته والعودة إليه والى
جنته الموجودة بأرض أخرى في السماوات ليس الاعتكاف على صلاة النوافل وحدها والزهد
في الدنيا بل بالإضافة إلى الصلوات الخمس المفروضة يجب الالتزام بكل أحكام القرآن
قولا وعملا سرا وعلانية ومنها العمل الحلال لكسب الرزق والدفاع عن الإسلام.
ولكن العمل الحلال لكسب الرزق ومتاع الدنيا وإن كان فرضا أساسيا من فرائض
الإسلام بل أولها وأهمها فإن الله تعالى فرض هدا الركن من أركان الإسلام الواجب
على القادر عليه صحيا وعقليا في إطار عبادة الله والتقوى أي
الالتزام بالقرآن الكريم وهو نظام استخلاف الله للناس في الدنيا وامتحانهم واختبارهم
لاختيار من يستحق العودة إلى الله تعالى والى جنته.
ثانيا : سأبين مجموعة الأحكام الثانية التي تفرض بأن
يكون العمل الحلال لكسب الرزق في إطار شرع الله القرآن الكريم.
إن الملاحظة الأساسية التي استخرجتها من خلال تحليل هده الآيات الكريمة
والله أعلم هي أن متاع الدنيا الحلال مهم ومفيد للناس ولكنه مؤقت ينتهي بأجل محتوم
هو موت الإنسان. وهناك مرحلة حتمية بعد الموت هي جزاء الله تعالى الذي خلقنا
واستخلفنا في الأرض لمدة مؤقتة البقرة 36 " ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى
حين" جزاء الله الحتمي يتم بناء على كتاب وسجل أعمال الإنسان التي قام بها قبل موته
في الدنيا. قرر الله تعالى السعادة والحياة الدائمة في الجنة للدين التزموا في
الدنيا بشرعه المنزل عليهم والدين كفروا به وأعرضوا عن شرعه المنزل يكونون وقودا
وحطبا لنار جهنم.
والنتيجة الحتمية لهده الملاحظة أن العمل الحلال لكسب الرزق ومتاع الدنيا فرض من فرائض الإسلام ولكن يجب
أن يتم في إطار الالتزام بشرع الله تعالى المنزل للناس. فاعمل أيها الإنسان لتكسب
رزقك مما خلق الله وعملته يدك ولتساهم في تطور المجتمع الإسلامي والدفاع عنه وعن
شرع الله ولكن اعمل كذلك لعبادة الله والتقوى والالتزام بالقرآن الكريم قولا وعملا
سرا وعلانية لتفوز بمتاع دائم هو سعادة الجنة الدائمة في الآخرة .
وفيما يلي أبين الآيات الكريمة المؤكدة لهذه الحقيقة الشرعية يونس 7-8
" إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والدين هم عن
آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون" والنازعات 37-41 "
فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى
النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى" فالإنسان لا يجب عليه أن يتبع الشهوات والنفس الأمارة بالسوء ويشتغل
بالعمل لمتاع الدنيا دون الالتزام
بشرع الله وعبادته وطاعة أوامره والابتعاد عن نواهيه. فإذا فعل دلك فمصيره نار
جهنم مهما بلغ متاعه في الدنيا كما انه معرض لعذاب الله تعالى في الدنيا أيضا قبل
عذاب النار في الآخرة يوسف53 " إن النفس لأمارة بالسوء " فتحكم أيها
الإنسان في نفسك و سيطر عليها.
لقد حصل قارون على
ثروة مالية هائلة فأراد البعض الحصول على مثل ثروته القصص 79-80 " قال الدين يريدون الحياة
الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لدو حظ عظيم. وقال الدين أوتوا العلم
ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون" فلما تجبر
قارون وطغى بماله عاقبه الله تعالى فابتلعته الأرض وماله القصص 81- " فخسفنا به وبداره الأرض
فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين" .
هناك قاعدة شرعية أزلية شرعها الله تعالى وبينها في شرائعه ومنها القرآن
الكريم وهي أن الذي لم يفضل الحياة الدنيا ومتاعها عن عبادة الله وطاعته والتقوى
أي أنه لم يعرض عن شرع الله بل التزم به في إطار العمل الحلال لمتاع الدنيا أيضا
مثل هدا الإنسان يفوز فوزا عظيما حيث ينعم بسعادة الدنيا وسعادة الآخرة الدائمة في
الجنة. الأعلى 14-19 "قد أفلح
من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى إن هدا لفي
الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى ".
فالتمتع بمتاع الحياة
الدنيا وزينتها مع الكفر والإعراض عن القرآن ومخالفته حرام ويجعل صاحبه معرضا
لعذاب الله في الدنيا بأجل ولعذاب الله الأكبر في الآخرة وهو نار جهنم. وتدل على
دلك آيات كثيرة منها : النحل 117 " متاع قليل ولهم عذاب أليم " المرسلات
45-46 " ويل يومئذ للمكذبين كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون" والقصص
60-61 " وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير
وأبقى أفلا تعقلون أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا
ثم هو يوم القيامة من المحضرين" والحجر 3-5 " ذرهم يأكلوا ويتمتعوا
ويلههم الأمل فسوف يعلمون وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم ما تسبق من أمة
أجلها وما يستأخرون" يونس 69-70 " قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا
يفلحون. متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا
يكفرون" العنكبوت 64 " وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار
الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون " النور 37-38 " رجال لا تلهيهم
تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه
القلوب والأبصار " ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من
يشاء بغير حساب " آل عمران 197-198 " متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس
المهاد. لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلا من
عند الله وما عند الله خير للأبرار" وإبراهيم 30 "وجعلوا لله أندادا
ليضلوا عن سبيله قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار " محمد12 " إن الله
يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار والذين كفروا
يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم" والزمر 8" قل تمتع
بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار " والبقرة 126 " ومن كفر فأمتعه قليلا
ثم اضطره إلى عذاب النار وبئس المصير" الأعراف 51 " الذين اتخذوا دينهم
لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هدا وما كانوا
بآياتنا يجحدون" النساء 77 " قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى
ولا تظلمون فتيلا" يوسف 109 " ولدار الآخرة خير للذين اتقوا أفلا
تعقلون" فالذي يريد الفوز
بسعادة الدنيا والآخرة الدائمة عليه بالعمل الحلال للكسب من رزق الله ولكن في إطار
التقوى أي عبادة الله وطاعته والالتزام بالقرآن الكريم. الشعراء 205-207 "
أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون. ما أغنى عنهم ما كانوا
يتمتعون" والأحقاف 20 " ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم
في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في
الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون". فاحذروا أيها الناس عذاب الدنيا المؤجل
ونار جهنم في الآخرة . ولا تتمتعوا بمتاع الدنيا إلا في إطار عبادة الله وطاعته
والالتزام بالقرآن. القصص 83 " تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا
في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين" الزخرف 74-75 " إن المجرمين في
عذاب جهنم خالدون لا يفتر عنهم وهم فيه مبليسون" آل عمران 185 " كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم
يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع
الغرور". فعلا لا فائدة من متاع مؤقت مهما كان في إطار الكفر والإعراض عن
القرآن يتبعه عذاب الدنيا الأدنى وعذاب الآخرة الأكبر في النار. الجاثية 21 " أم
حسب الذين اجترحوا السيئات أن
نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون"
الروم15-16 " فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون وأما
الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون ". وهناك
عشرات الآيات في القرآن الكريم أكدت وكررت نفس هدا الحكم الشرعي، وأذكر منها النساء 122 " والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات
تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا
" والأعراف 35 " فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم
يحزنون". المهم أنها أكدت أن
العمل الحلال للكسب من رزق الله والمساهمة في توفير القوة الشاملة لتقدم المجتمع
الإسلامي والدفاع عن دين الله ودلك في إطار التقوى وعبادة الله والالتزام بالقرآن
هو الذي يحقق للإنسان الفوز بسعادة الدنيا والحياة الدائمة في الجنة بعد البعث.
الطلاق 2-3 " ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل
على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا" الطلاق 4
" ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا" الرعد 26 " الله يبسط الرزق
لمن يشاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع
". الله تعالى هو مصدر الرزق كما بينت سابقا فإذا شاء بسطه للمتقين ومنعه عن
المجرمين. الأحزاب 17 " قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو
أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا " فاطر 2 " ما
يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز
الحكيم " والحاقة 43-47 "
تنزيل من رب العالمين ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا
منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين". فكل مخلوقات الله تعالى بما فيهم الرسل لا أحد يمنع تصرف الله
تعالى فيها خيرا أو شرا. الأنعام 147 " فإن كذبوك فقل ربكم ذو رحمة واسعة ولا
يرد بأسه عن القوم المجرمين"
والأنعام 130 "يا
معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا
قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين
" والأنعام 70 " وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة
الدنيا وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت ليس لها من دون الله من ولي ولا شفيع وإن
تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب
أليم بما كانوا يكفرون ".
فالمال والبنون ومتاع الدنيا بدون تقوى وبدون عبادة الله لا فائدة منه ولا
يعفي من عذاب الله في الدنيا ونار جهنم في الآخرة. وتؤكد ذلك عدة آيات كريمة منها
: آل عمران 10 " إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله
شيئا وأولئك هم وقود النار " المجادلة 17 " لن تغني عنهم أموالهم ولا
أولادهم من الله شيئا أولائك أصحاب النار هم فيها خالدون " الشعراء 88-90 " يوم لا ينفع مال
ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم وأزلفت الجنة للمتقين " سبأ 37 "
وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك
لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون" لقمان 33 " يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي
والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة
الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور" والحديد 20 " اعلموا أنما الحياة الدنيا
لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار
نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا
متاع الغرور " محمد 36 " إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا
يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم"
والتغابن 15 " إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم". وأجر الله العظيم يعطيه
للمتقين الدين تمتعوا بمتاع الدنيا في إطار التقوى وهو الحياة الدائمة في الجنة.
فاطر5 " يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم
بالله الغرور " والحشر 19
" ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون لا يستوي
أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون" والجمعة 11 " وإذا
رأوا تجارة أو لهوا انقضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن
التجارة والله خير الرازقين" التوبة 85 " ولا تعجبك أموالهم وأولادهم
إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون " آل عمران
14 " زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب
والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن
المآب" فالحكم الشرعي في هذه الآية الكريمة هو أن متاع الدنيا يجب أن لا يشغل
الإنسان عن عبادة الله والتقوى. فمتاع الدنيا قد تتغير وسائله حسب تطورات العصر.
كانت في فترة نزول الآية الكريمة حسب ما ذكر الله تعالى فيها. ولكن اليوم الكفار
يتفاخرون بالسيارات والطائرات الضخمة والقصور والحسابات والأوراق المالية والأسلحة
الفتاكة التي يستعملونها للسطو على المستضعفين. أل عمران 116 " إن الذين
كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك أصحاب النار هم فيها
خالدون " الكهف 46 " المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات
الصالحات خير عند ربك توابا وخير أملا " والمجادلة 17 " لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله
شيئا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" الهمزة 1-9 " ويل لكل همزة لمزة
الذي جمع مالا وعدده يحسب أن ماله أخلده كلا لينبذن في الحطمة وما أدراك ما الحطمة
نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة إنها عليهم موصدة في عمد ممددة
" المسد 1-5 " تبت
يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب
في جيدها حبل من مسد "
المنافقون 9-11 " يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم
عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي
أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فاصدق وأكن من الصالحين ولن يؤخر
الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون" المؤمنون 99-100 " حتى
إذا جاء أحدهم الموت قال رب أرجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو
قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون" وفاطر 37 " وهم يصطرخون فيها
ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر
وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير" والأنعام 27 " ولو ترى إذ
وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين
" هذه الآيات الكريمة أكدت بأن الإنسان عندما يلفظ أنفاسه الأخيرة ويقبض ملك
الموت بأمر من الله تعالى روحه ينتهي عمله في الدنيا ويغلق كتابه الذي كان
الملائكة يسجلون فيه أعماله وأقواله ولا يمكنه العودة للدنيا نهائيا للالتزام
بالقرآن الكريم. فإذا كان قبل موته مؤمنا صالحا متقيا مطيعا لله فإنه سوف يبعثه
الله تعالى ليحيى حياة دائمة في الجنة ويلقى الله تعالى. أما إدا كان قبل موته
كافرا ومجرما بحيث كان معرضا عن القرآن الكريم ومستكبرا عن عبادة الله وعاصيا لله
ومرتكبا للذنوب والمعاصي فإنه بعد موته سوف يكون حطبا لنار جهنم خالدا فيها.
فانتهزوا فرصة الحياة في الدنيا أيها الناس وافرحوا لأن أمامكم فرصة ملء كتاب
أعمالكم بالحسنات والعمل الصالح والتقوى قبل أن تودعوا الحياة الدنيا ويقام بينكم وبينها البرزخ وهو الحاجز
الذي يفصل بين الدنيا والآخرة
وتحاسبون حسب ما في كتابكم دون زيادة أو نقصان. بادروا أيها الناس من الآن إلى
طاعة الله فاعملوا في الحلال بجد لكسب معيشتكم من رزق الله وزينة الدنيا التي
خلقها لكم الله وتمتعوا في الحلال كما يريد لكم الله خالقكم. ولكن اعبدوا الله والتزموا بأحكام القرآن
الكريم فنفذوا ما أمر الله به وابتعدوا عن ما نهى الله عنه لتفوزوا بسعادة الدنيا
والآخرة. فسارعوا إلى الإيمان الصادق والتقوى لأن الموت يأتي صدفة طبقا للأجل الذي
حدد الله تعالى ولا يعلمه إلا الله المنافقون 11 " ولن يؤخر الله نفسا إذا
جاء أجلها والله خبير بما تعملون". وإبراهيم 31 " قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة وينفقوا مما
رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال" الجاثية 34 -35
" وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار وما لكم من
ناصرين ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزؤا وغرتكم الحياة الدنيا فاليوم لا يخرجون
منها ولا هم يستعتبون".
فالإنسان عليه أن لا يغتر بمتاع الدنيا لأنه مؤقت ومتاع الآخرة في الجنة هو
الدائم حيث يحيى المؤمن الصادق المتقي حياة حقيقية خالدة أبدية مع الله تعالى في
الجنة. فلنعمل لمتاع الدنيا الحلال ولمتاع الآخرة الدائم الحقيقي، ومن حقق دلك فقد
فاز فوزا عظيما. قال الله تعالى في سورة النجم 29 " فأعرض عن من تولى عن
ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا " هده الآية تدل دلالة صادقة على أن الذي
يريد الحياة الدنيا ومتاعها الحلال لم يأمر الله تعالى رسوله عليه صلاة الله
وسلامه بالإعراض عنه إدا كان عمله للدنيا ومتاعها موازيا لعمله للآخرة بحيث يلتزم
بالقرآن الكريم ويتقي الله ويعمل العمل الصالح بل أمر الله بالعمل الحلال لكسب
الرزق ومتاع الدنيا الحلال وجعل هدا العمل فرضا من فرائض الإسلام.
ولكي أعطي مزيدا من الأدلة على هده الحقيقة الشرعية أبين مدلول العبادة في
الإسلام لتوضيح فرض العمل الحلال لكسب الرزق في إطار التقوى.
أنزل الله تعالى آدم وزوجته والشيطان من الجنة في السموات إلى الأرض في
الدنيا التي نحن فيها مؤقتا، على سبيل استخلاف الله لنا فيها واختيار من يعود إلى
الله والفوز برؤيته وجنته وهم المؤمنون المتقون الصالحون البقرة30 " وإذ قال
ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة..." البقرة 36 " وقلنا اهبطوا
بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين " والعداوة بين الإنسان
والشيطان البقرة 38-39 " قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن
تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والدين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب
النار هم فيها خالدون" وطه 123 " فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن
أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى
وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى وكذلك نجزي من أسرف
ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى". الله تعالى يريد اختيار
وانتقاء الناس الدين يعودون إلى الأرض التي فيها الجنة في السموات حيث يسعدون فيها
ويستحقونها وينعمون برؤية الله تعالى ولقائه. ولكن هدا الاختيار والانتقاء حدد
الله تعالى مادته ومعاييره وهي الشرائع والكتب أو الهدى الذي ينزله ويبلغه بواسطة
رسله للناس. فمن التزم بهدى الله فاز في مباراة الاختيار والانتقاء التي ذكرتها
ومن اعرض عن شرع الله وهداه خسر في المباراة ولا يلقى الله تعالى ولا يعود إليه
ولا يحي الحياة الحقيقية في الجنة بل يكون حطبا ووقودا لنار جهنم.
وهدا ما تدل عليه عبادة الله وحده التي خلق الله الجن والإنس من أجلها
وأمرت بها كل الشرائع التي أنزلها الله. الأنبياء 25 " وما أرسلنا من قبلك من
رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون" والبقرة 21 " يا أيها
الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون " يوسف 40 "
إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا
يعلمون" والنور 55 " يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك
هم الفاسقون " الكهف 110 " فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا
يشرك بعبادة ربه أحدا "
الإسراء 23 " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه" والبقرة 83 "لا
تعبدون إلا الله" أمر الله تعالى بأن لا يعبد الناس الشيطان والهوى والشهوات
والمال والأشخاص والأشياء العنكبوت
17 " إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق
واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون" وقد بينت سابقا الأدلة على أن الله مصدر رزق
الناس لأنه هو الذي يتحكم في بركات السماء والأرض. النجم 62 "فاسجدوا لله
واعبدوا" غافر 60 " إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم
داخرين" النساء 36 " واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا " العنكبوت
56 " ياعبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون " والأنعام 102
" ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء
وكيل" غافر 65 "هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله
رب العالمين". تجب عبادة الله وحده دون سواه ولو الرسل والملائكة وحب الله
تعالى فوق كل مخلوق من مخلوقاته وتؤكد دلك عدة آيات منها آل عمران 79-80 " ما
كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من
دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون. ولا يأمركم
أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون" وآل
عمران 144 " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم
على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين"
والتوبة 30-31 "وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح بن الله ذلك
قولهم بأفواههم يضاهون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون. اتخذوا
أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا
إلاها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون " فاعبدوا الله وحده ولا تشركوا
به أحدا ولو الرسل والملائكة وكل مخلوق من مخلوقات الله تعالى.
لقد فرض الله تعالى
العمل الحلال لكسب الرزق وإعمار
الأرض ولكن بشرط الالتزام بالقرآن الكريم. فعبادة الله مجال شامل لكل ما فرض الله
من صلاة وصوم وزكاة وحج واجتناب المحرمات والقيام بكل ما أمر به الله ومنه واجب
القيام بالعمل الحلال على من تتوفر فيه الاستطاعة صحيا وعقليا. فالعمل الحلال لكسب
الرزق جزء من عبادة الله ومن كتابه العزيز فلا يجوز الإعراض عنه. لقوله تعالى في
عدة آيات منها" الأعراف 3 "اتبعوا ما انزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من
دونه أولياء قليلا ما تذكرون" الزمر 55 " واتبعوا أحسن ما انزل إليكم
من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون" الأنعام 155 "
وهذا كتاب أنزلنا مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون" البقرة 38-39 "
قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم
يحزنون. والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون"
والجاثية 18 " ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا
يعلمون" السجدة 22 " ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من
المجرمين منتقمون".
وأوجه نداء صادقا من
أعماق فؤادي لنفسي وللناس في الكون. علينا أن نتأكد من الدور والوظيفة التي خلقنا
الله واستخلفنا من أجلها في أرض الدنيا. علينا أن نعمل ونجتهد بصدق وإخلاص لله
لاجتياز مباراة اختيار أهل الجنة
والحياة الحقيقية السعيدة الدائمة مع الله تعالى في ارض بالسموات. فالقرآن المتوفر
للناس في المصاحف كلام الله وشرعه وقوله وقوانينه التي شرعها لنا وهي الحق والعدل
من الحق والعدل وهو الله تعالى. الأنعام 34 " ولا مبدل لكلمات الله" ق
29 " ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد" والأنعام 115 " وتمت
كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم" فاطر 5 " يا
أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور" . ولقمان 33 " يا
أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن
والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور
" فعبادة الله أي طاعته
والالتزام بأحكام القرآن الكريم قولا وعملا سرا وعلانية يجب أن تكون صادقة
وحقيقية ودائمة ومستمرة وأبدية. لا يجوز شرعا أن تكون عبادة الله متوقفة على شرط
معين بل يجب أن تكون خالصة لله وتنفيذا للوظيفة التي خلقنا الله واستخلفنا في
الأرض من أجلها. ومن الآيات الكريمة المؤكدة لدلك الروم 36 " وإذا أذقنا الناس
رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون" الروم 33
" وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق
منهم بربهم يشركون ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون".
الله تعالى خالق الكون
وما فيه ويملك الكون وما فيه وله قضاء وقدرة مطلقة لا يشاركه فيها أحد ولكن الله
تعالى عادل ولا يظلم مثقال ذرة بل هو العدل والحق. يعاقب الله المذنب في الدنيا
بأجل قبل الآخرة ومن حقه ابتلاء الناس بالخير والشر لإظهار حقيقة النفس وهل
الإنسان مؤمن حقا أم كافر أم منافق. لهذا فالمؤمن الصادق يحب الله تعالى بصدق
وإخلاص وإيمانه بالله وكتبه ورسله وملائكته واليوم الآخر إيمان صادق وتابث لا
يتأثر بأي مؤثر كالخوف والطمع والرشوة والامتيازات والشهوات. ومهما كانت الظروف
حسنة أم سيئة يستمر المؤمن الصادق في التقوى وعبادة الله والقيام بالوظيفة التي
وجد من أجلها. وهناك آيات أخرى مؤكدة لهده الحقيقة منها الحجرات 3 " أولئك
الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة واجر عظيم" الملك 12 " إن
الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير" البقرة 155-157 "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من
الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله
وإنا إليه راجعون. أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون".
البقرة 8-9 " ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين.
يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون" وآل عمران 167 "يقولون بأفواههم ما
ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون". الله تعالى يبين للملائكة والناس
المؤمنين حقا والمنافقين. وقد يبتليهم لعلهم يعودون إلى الله والتقوى. الأعراف 168
" وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون" الحج 11 " ومن الناس
من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر
الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين". فعبادة الله يجب أن تكون صادقة
وخالصة لله ولا تتوقف على طمع أو رشوة أو امتيازات أو استجابة الله تعالى لدعاء أو
عدم استجابة أو خير أو شر. فعبادة الله فرض على كل إنسان ومنها العمل الحلال للكسب
من رزق الله. التوبة 119 " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع
الصادقين" البقرة 94-95 " قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة
من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله
عليم بالظالمين" الجمعة 6-7 " قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم
أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين. ولا يتمنونه أبدا بما قدمت
أيديهم والله عليم بالظالمين".
المؤمن الحقيقي الصادق
المتقي يشتاق إلى رؤية الله تعالى والالتحاق به في الجنة ولا يخاف من الموت لأنه
بالنسبة إليه نهاية لحياة الدنيا المؤقتة وبداية للحياة الحقيقية الدائمة مع الله
تعالى في أرض الجنة بالسماوات و هو يعلم في قرار نفسه أنه من المتقين الصالحين و
أن الله تعالى صادق في وعده و جزائه.
وقد يبتلي الله الناس
بكثرة الرزق ليظهر ما في أنفسهم. هناك من يستمر في التقوى وحب الله وطاعته
والامتثال للقرآن الكريم ولو كثرت أمواله ومتاعه في الدنيا وحتى لو ضاعت ثروته
وأصبح محتاجا فقيرا.
وتؤيد هدا الابتلاء
عدة آيات منها الزخرف 32 " أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في
الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض
درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون" والأنعام 165
"وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم فيما آتاكم إن
ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم ". فلا تغتر أيها الإنسان بما حصلت عليه من
أموال وأملاك ورزق واستمر في عبادة الله الذي قد يهلكك أنت ومالك اذا خالفت أحكام
القرآن الكريم. وتصرف أيها الإنسان في رزقك طبقا لما يرضي الله تعالى وفي إطار
التقوى والعمل الصالح الذي يوفر لك السعادة في الدنيا وينجيك من عذاب الدنيا
ويسعدك في الجنة الدائمة يوم
القيامة. فقم بالواجب والفرض المقدس الذي فرضه عليك الله أيها الإنسان شمر عن ساعد
الجد والعمل الجدي الحلال لكسب الرزق ولكن في إطار التقوى أي الالتزام بكل أحكام
القرآن الكريم قولا وعملا سرا وعلانية.
استخلصت من هده الفقرة
الثانية من المبحث الأول من الفصل الثاني حول عدل الله تعالى ما يلي ":
1-
الله تعالى
عادل في رحمته وفضله ولا يريد للناس إلا الخير والنعم أصلا إلا من ظلم وكفر وارتكب
السيئات فإن الله شديد العقاب البقرة 243 " إن الله لدو فضل على الناس ولكن
أكثر الناس لا يشكرون " .
2-
لا يعاقب الله
قبل تبليغ شرعه ولا احد يمنع عقابه المستحق أبدا عن المجرمين. ولا أحد يمنع رحمة
الله وثوابه عن المؤمنين الصالحين.
3-
من رحمة الله
أنه يؤجل العقاب عن الذنوب لإعطاء فرصة للتوبة والعودة إلى التقوى والاستقامة دون رجعة. يقبل الله تعالى
التوبة النصوح مرة واحدة في العمر عن الذنوب والسيئات بشرط العودة إلى التقوى والاستقامة
بصفة نهائية. فالذين قالوا بأن صلاة الجمعة بالمسجد تغفر ذنوب أسبوع وأن كل صلاة
يوم الجمعة تغفر ذنوب الأسبوع السابق كذبوا على رسول الله وعلى الله تعالى لأنهم
حرفوا القرآن بصفة غير مباشرة وشجعوا الناس على ارتكاب الذنوب والمعاصي وهذا ما
حرمه الله تعالى. جاء في سورة العنكبوت 45 " وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن
الفحشاء والمنكر" فمن صلى وارتكب بعد الصلاة الفحشاء والمنكر فلا صلاة له بل
إنه منافق. والمنافقون في الدرك الأسفل من النار. النساء 145"إن المنافقين في الدرك الأسفل من
النار". وطبعا كل الذنوب سواء صغائر أو كبائر فحشاء ومنكر وإثم. فالصلاة
فريضة إسلامية والتوبة الصادقة النهائية التي تتجسد في التقوى الدائمة هي التي
يغفر بها الله الذنوب والسيئات.
4-
إدا قبل الله
تعالى التوبة النهائية والصحيحة التي عاد صاحبها بدون رجعة إلى التقوى يعفيه من
العقاب ويمحو ذنوبه من كتابه. ولكن إدا عاد إلى ارتكاب السيئات يلغي الله تعالى
توبته ويرفضها ولا يقبل التوبة مرة ثانية. ويؤاخذه عن ذنوبه السابقة كلها التي
تسجل في كتاب أعماله، ويحاسب عنها وينال العذاب الأدنى المخصص لها بأجل في الدنيا.
والعذاب الأكبر في جهنم إن كان مستحقا له حسب ميزان أعماله يوم القيامة. الأعراف
8-9 " والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت
موازينه فأولئك الدين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون " الزلزلة 1-8
" إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان مالها يومئذ
تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم فمن يعمل
مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره" القارعة 1-11 " القارعة
ما القارعة وما أدراك ما القارعة يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال
كالعهن المنفوش. فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه
هاوية وما أدراك ما هيه نار حامية" . فالتوبة مرة واحدة يستفيد منها المؤمن
الصالح الصادق الذي التزم بالتقوى مند توبته الصادقة إلى يوم انتقاله عند ربه أي
يوم الموت. التوبة امتياز من الله تعالى مرة واحدة في العمر.
5-
تأكد لنا في
هذه الفقرة كذلك أن الله تعالى وحده مصدر رزق وحياة الإنسان وكل المخلوقات الحية.
لا يستطيع الإنسان العيش بدون الماء الذي يتحكم فيه الله. وهده آية من الآيات
الدالة على وجود الله تعالى وقدرته وخلقه. ولكن من عدل الله تعالى أن الإنسان ينال
من رزق الله حسب عمله الحلال. فالعمل الحلال لكسب الرزق فرض أساسي من فرائض
الإسلام ومن العمل الصالح الذي جعله الله مع الإيمان شرطا من شروط دخول الجنة
والسعادة فيها. وفي القرآن الكريم عشرات الآيات الدالة على حكم شرعي واحد مكرر عدة
مرات هو أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يدخلهم الله تعالى الجنة خالدين فيها
أبدا. فالصلاة والصوم والزكاة والحج والعمل الحلال لكسب الرزق في إطار التقوى
عبادات من عبادة الله وأعمال صالحة. بالإضافة إلى كل الأوامر والنواهي الواردة في
كتاب الله العزيز. فعبادة الله تعالى هي الالتزام بكل ما في القرآن ومنه فرض العمل
الحلال لكسب الرزق وسوف أنجز بحول الله وقوته المبحث الثاني والأخير من هذا الفصل
حول عدل الله تعالى.
الجمعة 25
ربيع الثاني 1429 / 2 ماي 2008
بحث أعده
الرحلي أحمد
من هيأة
التدريس بالتعليم العالي بالدار البيضاء سابقا متقاعد
العنوان:910
شارع وادي سبو حي الوفاق الدارالبيضاء
الهاتف:
068.12.07.74
المبحث
الثاني: إقامة عدل الله واجب فرضه الله تعالى.
هذا
هو المبحث الثاني من الفصل الثاني حول عدل الله تعالى المكمل للفصل الأول المتعلق
بموضوع: قدرة الله تعالى وعدله الذي نشرته في موقعي بالانترنيت المذكور على شكل سلسلة
من الأبحاث. هذا المبحث الذي يشرفني أن أقدمه لإخواني القراء والباحثين هو الأخير
من هذه الدراسة المذكورة المكونة من فصلين.
قسمت
هذا المبحث الأخير إلى فقرتين الأولى أبين فيها بأن عدل الله تعالى الذي يجب
تطبيقه في الكون هو القرآن الكريم والثانية أبين فيها بأن تضامن المسلمين واجب
فرضه الله تعالى لإقامة عدله.
الفقرة
الأولى: القرآن الكريم عدل الله تعالى لكافة الناس بالكون:
استخلف الله
تعالى الناس في أرض الدنيا لإعمارها ولعبادته والعيش فيها طبقا لشرائعه التي
أنزلها للناس على التوالي. خاتمها وناسخها القرآن الكريم. شرع الله هو مادة
الامتحان والاختبار الذي على أساس نتيجته التي تظهر بعد الموت يختار الله تعالى
المستحقين للقائه ورضاه ورحمته وجنته وهم الذين أطاعوه في الدنيا وأدوا وظيفة
الاستخلاف والعبادة طبقا لشرع الله. أما الذين أعرضوا عن شرع الله وكذبوا به وعصوا
الله تعالى فقد خسروا في الامتحان وهم وقود وحطب نار جهنم بعد الموت. فكل شرائع
الله التي أنزلها منذ رسوله نوح إلى رسوله محمد عليهما وعلى كل الرسل صلاة الله
وسلامه هي النظام الشامل والعدل والحق الذي أوجب وفرض على الناس تطبيقه والإلتزام
به. وتؤكد هذه الحقيقة عدة آيات منها الأنعام 115 "وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا
لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم". البقرة 38-39 "قلنا اهبطوا منها
جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. والذين
كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون". والأعراف 35-36
"يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف
عليهم ولا هم يحزنون والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم
فيها خالدون" سوف أبين الأحكام الشرعية الدالة على أن كل الشرائع التي أنزلها
الله تعالى فرضت قوانين الله تعالى التي يجب أن تتبعها الأمم التي أنزلت لها هذه
الشرائع التي فرضت دينا واحدا مذ آدم إلى نزول القرآن الكريم وكل شريعة نسخت ما
قبلها. هذا الدين الحق هو الدين السماوي الوحيد دون غيره من الأديان التي أسسها
وكونها البشر. فدين الله الحق هو الإسلام وستكون هذه الأحكام الشرعية موضوع النقطة
الأولى (أ) حيث أبين بأن القرآن الكريم ملزم لكافة الناس بالكون. أما في النقطة
الثانية (ب) فأبين أن الله تعالى أمر المسلمين بإقامة عدله وحرم الظلم.
أ-الأحكام
المؤكدة بأن القرآن ملزم لكافة الناس بالكون:
إن
الدليل القاطع الذي يؤكد لنا أن القرآن شرع الله الملزم والمنزل لكافة الناس
بالكون هو أن القرآن شرع الله حقا وخاتم شرائعه السابقة وأنه مثل شرائع الله
السابقة بين وحدد قوانين الله تعالى التي شرعها للناس كافة. فكل شرائع الله فرضت
دين الله الحق وعبادة الله تعالى وحده وحددت القوانين الإلاهية التي يجب أن يلتزم
بها الناس كافة في مرحلة الأمة الزمنية التي أرادها وحددها لها الله. وهذا ما
أبينه في النقطة الأولى. وفي النقطة الثانية أبين الأحكام الدالة على أن القرآن
شرع الله تعالى المنزل والملزم لكافة الناس في الكون بما فيهم النصارى واليهود دون
غيره من الشرائع السابقة التي ألغاها القرآن ونسخها كالتوراة والإنجيل.
1-كل شرائع
الله فرضت عدل الله ودين الله الحق الإسلام.
الله
تعالى هو الذي أوجد كل ما هو موجود. وهو الذي خلق الناس واستخلفهم في الأرض ليختار
منهم من يلقاه ويراه ويعيش حياة الخلود بجواره بالجنة. وهم أولياء الله المؤمنون
الصالحون المتقون الصادقون الذين ثقلت موازينهم يوم الحساب بالحسنات والأعمال
الصالحة. القارعة 6-11 "فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت
موازينه فأمه هاوية وما أدراك ماهية نار حامية" وهناك آيات كثيرة مؤكدة لهذا
الحكم الشرعي سبق ذكرها. الأعراف 8 و 9 "والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه
فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا
يظلمون".
لهذا
فإن شرائع الله تعالى المنزلة للناس على رسله اشتملت على أحكام ومبادئ مشتركة
ثابتة باستثناء الأحكام التي شرعها الله في كل كتاب من كتبه السماوية حسب ما
اقتضته ضرورات التطور البشري وما أراده الله تعالى للبشرية من قوانين وأحكام
ملائمة لكل أمة من الناس عبر الزمن.
وأذكر
بعض الأحكام المشتركة بين شرائع الله المنزلة من خلال ما أخبرنا الله تعالى عنه في
القرآن الكريم. فكل شرائع الله تعالى بما فيها القرآن الكريم فرض فيها الله تعالى
إقامة العدل بين الناس لأن شرع الله تعالى عدل وحق من العدل والحق لأن الله هو
العدل والحق. وتؤكد هذه الحقيقة عدة أحكام شرعية منها البقرة 213 "كان الناس
أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين
الناس فيما اختلفوا فيه...". هذه الآية تؤكد أن الناس ملزمين بتطبيق شرع الله
والالتزام به لأنه قوانين الله التي تنظم جوانب حياة الناس في كل المجالات كما
أرادها الله. وهناك الحديد 25 "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم
الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط...". فكل شرائع الله أكدت بأن الإنسان حر
في اعتقاده ولكنه مسؤول أمام الله وأمام الأمة الإسلامية عن أعماله. فإن كانت هذه
الأعمال موافقة ومطابقة لشرع الله يكون جزاء الله السعادة في الدنيا والآخرة وإذا
كانت مخالفة لشرع الله تعالى يكون الجزاء عذاب الله في الدنيا بأجل وعذاب الله في
نار جهنم بعد البعث. وتدل على ذلك آيات منها الروم 47 "ولقد أرسلنا من قبلك
رسلا إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر
المؤمنين" غافر 70-72 "الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف
يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون"
وفصلت 43 "ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب
أليم" وغافر 49-50 " وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف
عنا يوما من العذاب قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا
وما دعاء الكافرين إلا في ظلال".
الله
تعالى خلق الكون وما فيه ويملك الكون وما فيه ومنه الناس وله سلطة تشريع ما أراد
من قوانين للبشر لتفرض عليهم. وتؤكد ذلك عدة آيات منها غافر 78 :ولقد أرسلنا رسلا
من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا
بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون" والأنعام 42-44
"ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون فلولا
إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون فلما
نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة
فإذا هم مبلسون" والنحل 43 "وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي
إليهم..." والكهف 56 "وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين ويجادل
الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزؤا"
والإسراء 77 "سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا"
فاطر 24 "إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير"
غافر 51 "إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم
الأشهاد" والحج 52 "وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى
ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم
حكيم" والصافات 171-173 "ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لهم
المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون". هذه الآيات تؤكد بحق أن محمد بن عبد الله
رسول من رسل الله عليهم جميعا صلاة الله وسلامه، وتؤكد بحق أن القرآن شريعة خاتمة
وناسخة للشرائع السماوية السابقة. وأذكر بأن هناك دين سماوي واحد هو الدين الحق
الإسلام. أما الأديان الأخرى فهي ليست إلاهية سماوية بل بشرية من صنع الكفار.
إن
القاعدة الشرعية الأساسية في كل شرائع الله المنزلة هي عبادة الله وحده وتعني
إقامة الشعائر والمناسك التي حددها الله لكل أمة في الشريعة التي أنزلها لها بصفة
خاصة. تؤكد ذلك المائدة 48 "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم
أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما أتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا
فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون". والحج 67 " لكل أمة جعلنا منسكا هم
ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر وادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم".
وتؤكد
ذلك آيات منها النحل 36 "ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا
الطاغوت" والذاريات 56 "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون". بين
لنا الله تعالى في كل شرائعه المنزلة للناس أن وظيفة استخلافه للناس في الدنيا هي
عبادة الله تعالى وتعني حبه جل جلاله والاعتراف بوجوده وسلطانه وقضائه وقدرته في
الكون والتصديق بحتمية الحياة في جسد آخر للحساب والجزاء عن أعمال الدنيا. وعبادة
الله هي الالتزام بشرعه والعمل بمقتضاه سرا وعلانية قولا وعملا يس 60-61 "ألم
أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا
صراط مستقيم". والبقرة 21 "يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين
من قبلكم لعلكم تتقون" وفصلت 14 "إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن
خلفهم ألا تعبدوا إلا الله..". فالالتزام بشرع الله واجب فرضه الله في كل
الشرائع السماوية التي بلغها الرسل. ولهذا فالعمل الحلال من أجل متاع الدنيا وحاجيات
الإنسان المشروعة يجب أن يتم في إطار عبادة الله المفروضة أي تنفيذ ما في شرع الله
من قوانين. الأعلى 14-19 "قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون
الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى إن هذا لفي الصحف الأولى صحف ابراهيم
وموسى". لهذا فرض الله تعالى في شرائعه المنزلة الجهاد بالمال والنفس للدفاع
عن دين الله الحق الإسلام في مواجهة الكفار أعداء الله وأعداء المسلمين. التوبة
111 "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في
سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن..".
قطع
الله تعالى الناس مخلوقاته البشرية إلى أمم متتابعة آخرها أمة القرآن الكريم. كل
أمة جعل الله تعالى لها فترة زمنية. وتشمل الأمة كل المؤمنين حقا من الناس بالكون
كافة باستثناء الكفار. هود 118 "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون
مختلفين" والشورى 8 "ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء
في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير".
وكل
شريعة سماوية تنتهي مدة صلاحيتها بانتهاء أجل الأمة التي أنزلها الله لها. ولا
يكون شرع الأمة السابقة ملزما للأمة اللاحقة لأن هذه الأمة الأخيرة أنزل الله لها
كتابها وشرعها الملزم لها. ويتأكد لنا ذلك من عدة آيات منها الأعراف 38 "قال
أدخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار" فلكل أمة شرع ورسول.
ولها فترة زمنية حددها الله سبحانه وتعالى يونس 47 "ولكل أمة رسول فإذا جاء
رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون" والجاثية 28 "وترى كل أمة جاثية
كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون" والمؤمنون 43-44
"ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون ثم أرسلنا رسلنا تترا كل ما جاء أمة
رسولها كذبوه فاتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث فبعدا لقوم لا يؤمنون"
والحجر 4 "وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم" الحجر 5 "ما
تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون" والأعراف 34 "ولكل أمة أجل فإذا جاء
أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون".
وقال
الله سبحانه وتعالى لرسوله محمد عليه وعلى كل الرسل صلاة الله وسلامه مؤكدا نسخ
القرآن لكل الشرائع السابقة في الرعد 30 "كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من
قبلها أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك" والبقرة 252 "تلك آيات الله
نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين" الأنبياء 92 "إن هذه أمتكم أمة
واحدة وأنا ربكم فاعبدون" وهي أمة القرآن التي نحن منها. وتضم كافة المؤمنين من
الناس في الكون كله، لأن القرآن انزله الله للناس كافة بما فيهم أهل الكتاب.
الأعراف 158 "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك
السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي
يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون". فالتوراة والإنجيل نسخهما القرآن
بأمر من الله تعالى وانتهى مفعولهما مثل الشرائع السابقة لأنها خاصة بالأمم التي
نزلت من أجلها.
فلما
أنزل الله تعالى التوراة على نبيه موسى انتهى مفعول الشرائع السابقة ولما أنزل
الله تعالى الإنجيل على نبيه عيسى بن مريم انتهى مفعول الثوراة والشرائع السابقة
ولما أنزل الله تعالى القرآن على محمد بن عبد الله عليه وعلى كل الرسل صلاة الله
وسلامه انتهى مفعول الإنجيل والشرائع السابقة لأن كل كتاب ينتهي أجله مع انتهاء
أجل الأمة التي أنزل إليها بأمر من الله تعالى.
لهذا
أيها الناس في كافة أنحاء العالم تأكدوا أنكم ملزمون بالامتثال لأحكام القرآن
الكريم وعبادة الله تعالى طبقا لشريعة القرآن. وبالإضافة إلى سورة الأعراف 157-158
المؤكدة لهذه الحقيقة هناك أحكام أخرى منها سبأ 28 "وما أرسلناك إلا كافة
للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون" والبقرة 121 " الذين
آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم
الخاسرون" ويتعلق الأمر بالقرآن الكريم. والزمر 55 "واتبعوا أحسن ما
أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون". وهذا أمر
الله تعالى الملزم لكافة الناس بالكون.
الله
تعالى هو صاحب السلطة والقدرة على نسخ شريعة بأخرى حسب ما يريد للناس. الرعد 38-39
"وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب يمحو الله ما يشاء
ويثبت وعنده أم الكتاب" والنحل 101 "وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم
بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون". لهذا أقول للباباوات
والكرادلة والنصارى واليهود أطيعوا الله تعالى الذي خلقكم وبيده مصادر طعامكم
والتزموا بشرعه وقوانينه المنزلة إليكم في القرآن الكريم الذي نسخ الله به التوراة
والإنجيل.
وكل
أمة مسؤولة عن أعمالها حسب الكتاب المنزل إليها. البقرة 134 "تلك أمة قد خلت
لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون" والبقرة 141
"تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا
يعملون". والجاتية 28-29 "وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها
اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم
تعملون" هذا دليل قاطع على أن لكل أمة كتابها وشرعها المنزل عليها وينتهي
مفعول كل كتاب منزل بانتهاء أجل الأمة المنزل إليها. والقرآن هو الكتاب الوحيد
الملزم لكافة الناس بالكون بعد إلغاء الشرائع السابقة ومنها التوراة والإنجيل. فكل
أمة لها أجلها وشرعها ومنهاجها الذي أراده لها الله تعالى.
كل
أمة تتكون من مجموع سكان العالم كلهم ولكن الذين آمنوا بشرع الله المنزل لهم.
والله جل جلاله لم يجعل الناس بالكون أمة واحدة منذ آدم حتى الآن بل قسم وقطع
الناس إلى أمم وحدد لكل أمة أجلا ومدة زمنية معينة يعلمها الله تعالى. الأنعام 42
"ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون"
وكل الأمم التي أمنت بشرع الله المنزل عليها وعملت به أمم إسلامية. لأن كل الشرائع
التي أنزلها الله على الناس منذ رسول الله نوح إلى رسول الله محمد عليه وعلى كل
الرسل صلاة الله وسلامه فرضت على الناس دينا واحدا هو دين الله الحق الإسلام لله
وحده وعبادته وحده، هذه العبادة يجب أن تتجسد وتتحقق في الالتزام بشرع الله المنزل
على كل أمة عملا وقولا سرا وعلانية. ومن الأحكام الشرعية الدالة على ذلك ما يلي:
الشورى 13 "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به
إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه". كل شرائع الله
المنزلة للناس فرضت دينا واحدا هو الإسلام لله وحده أي طاعة الله والخضوع لشرعه
دون سواه وعبادته وحده. الأنعام 130 "يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم
يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة
الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين" والزمر 65-66 "ولقد أوحي
إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين بل الله فاعبد
وكن من الشاكرين". فعبادة الله سبحانه وتعالى أي الالتزام بشرعه المنزل فريضة
فرضها الله على الناس في كل الشرائع وعلى كل الأمم. ومن عبد غير الله تعالى ولو
الرسل والحكام فقد أشرك بالله وسينال عذاب الله وعقابه في الدنيا والآخرة. فلماذا
تعبدون المسيح والباباوات والرهبان أيها النصارى واليهود وتنسون من خلقكم وخلق
الباباوات والرهبان ومن بيده حياتكم وموتكم في كل لحظة وهو الله تعالى. فإذا آمنتم
بالله تعالى وبشرعه المنزل والناسخ للشرائع السابقة فتدبروا القرآن وافهموه
لتتأكدوا أنكم ملزمون به.
حرم
الله تعالى عبادة الشياطين والشهوات وهوى النفس الأمارة بالسوء وحرم عبادة الأشخاص
والأصنام والأشياء والحيوانات وغيرها من دون الله خالق الكون وما فيه والمدبر
لأموره بقضائه وقدره المطلق والعادل الذي لا يشاركه فيه أحد أبدا. فالذين ابتدعوا
وأسسوا أديانا خاصة بهم كفروا بالله ولهم عذاب الله في الدنيا بأجل محدد ونار جهنم
في الآخرة. الشورى 21 "أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله
ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم". فاليهود والنصارى
حرفوا التوراة والإنجيل لامتلاك سلطة دينية وسياسية والحصول على امتيازات
اقتصادية. أكد لنا الله تعالى هذا التحريف في عدة آيات منها التوبة 30-31
"وقالت اليهود عزير بن الله وقالت النصارى المسيح بن الله ذلك قولهم بأفواههم
يضاهون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنا يؤفكون. اتخذوا أحبارهم ورهبانهم
أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلاها واحدا لا إلاه
إلا هو سبحانه عما يشركون". لهذا قال الله تعالى لرسوله محمد عليه الصلاة
والسلام في سورة الكافرون" قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم
عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي
دين" ويونس 104 "قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من دينيي فلا أعبد
الذين تعبدون من دون الله ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم وأمرت أن أكون من
المؤمنين". والنساء 171 "يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا
على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى بن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم
وروح منه فآمنوا بالله ورسله ولا تقولوا ثلاثة انتهوا خيرا لكم إنما الله إلاه
واحد سبحانه أن يكون له ولد له ما في السماوات وما في الأرض وكفى بالله
وكيلا" والمائدة 17 "لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم قل
فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح بن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا
ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير".
لهذا من الخطأ أو الكفر المقصود القول أن أديان الكفار سماوية فهل يسمح الله تعالى
بأن يعبد الناس المسيح مثل الباباوات والرهبان واتباعهم الذين اعتبروا المسيح
إلاها. إن الدين السماوي الوحيد هو دين الله الحق الإسلام وإن كانت هناك شرائع
وكتب سماوية متعاقبة أنزلها الله. فهل تعترفون بأديان الكفر وتقولون أنها سماوية.
من كذب على الله ينال عذابه في الدنيا وجهنم في الآخرة. المائدة 72-73 "لقد
كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إلاه إلا إلاه واحد وإن لم ينتهوا عما
يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم" المائدة 75 "ما المسيح بن
مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين
لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون" المائدة 116-117 "وإذ قال الله يا عيسى
ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلاهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي
أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك
إنك أنت علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت
عليهم شهيدا مادمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء
شهيد". هذا حوار بين الله سبحانه وتعالى وبين رسوله عيسى بن مريم بعد أن مات
وأحياه الله في جسد آخر وأسكنه الجنة مع المؤمنين من أمته التي انتهى أجلها وحوسبت
حسب كتابها الإنجيل. وأشير إلى أنه من باب الخطأ أو الكذب على محمد رسول الله وعلى
الله الادعاء بأن رسول الله عيسى سيعود إلى الدنيا. فهذا كذب ودعاية يراد بها
التقليل من أهمية رسالة القرآن وتضليل الناس.
لقد
أكد لنا الجليل الحكيم الله تعالى موت عيسى بن مريم كموت كل الأنبياء والرسل فهو
ليس غائبا كما يدعي البعض. فتدبروا سورة النساء 158-159 "بل رفعه الله إليه
وكان الله عزيزا حكيما. وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيامة
يكون عليهم شهيدا". فكل الرسل أحياهم الله تعالى في أجساد أخرى أعاد إليها
أرواحهم ورفعهم إليه ليسكنهم جنته مثل المستحقين لها من الأمم السابقة التي حاسبها
الله تعالى طبقا لكتبها. ألم يشهد عيسى بن مريم عن نفسه في حواره مع الله تعالى
بعد أن مات وأحياه الله ورفعه إليه بأنه فعلا مات كما يموت كل الناس. تدبروا
إخواني المائدة 117" ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم
وكنت عليهم شهيدا مادمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء
شهيد". فهل هناك من هو أصدق من الله قولا وحديثا. بلى أن قول الله وقرآنه
وشرائعه السابقة هي الحق من الحق والعدل وهو الله تعالى.
فدين
الله الحق الذي أنزل الله من أجله كل الشرائع هو الإسلام لله وحده وعبادته وحده
وطاعته وذلك بالالتزام بشرعه المنزل. هذا الدين الرباني السماوي تقابله أديان
الكفر التي يعبد فيها غير الله كالشياطين والهوى والشهوات الغير المشروعة. الجاتية
23" أفرأيت من اتخذ إلاهه هواه..." والفرقان 43 " أرأيت من اتخذ
إلاهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا". فدين الله السماوي دين واحد هو الإسلام.
وتدل على ذلك آيات منها التوبة 33:" هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق
ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون". وكل دين غير الإسلام باطل وكفر. وكل
من لم يلتزم بشرع الله المنزل لكافة الناس في فترته الزمنية التي حددها الله كافر
ومعرض لعذاب الله في الدنيا بأجل ونار جهنم بعد البعث. الأعراف 35-36 "يا بني
آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم
يحزنون. والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها
خالدون".
لقد
نادى كثير من المغرضين والكفار في قنوات تلفزية عديدة بما سموه ضرورة إجراء حوار
بين ما سموه الأديان السماوية. فهذا خطأ فادح وكذب على الله تعالى. ليس هناك سوى
دين الحق السماوي الوحيد منذ آدم إلى شريعة القرآن وهو الإسلام. هناك شرائع سماوية
متعلقة بدين الله السماوي الإسلام وهناك أديان الكفر التي أسسها وكونها الكفار
لتحقيق مصالحهم وشهواتهم الغير المشروعة. إنهم يعبدون عزير والمسيح وهناك من يعبد
الشمس والقمر والنجوم والحيوانات والأشخاص. وكل من لا يعبد الله ويلتزم بشرعه
كافر. فلا تكذبوا على الله تعالى فتقولوا بأن أديان الكفار سماوية. فالإسلام
بشريعته الناسخة لكل الشرائع السماوية القرآن هو دين الله الحق.
ومما
يدل على أن دين الله الحق هو الإسلام منذ آدم إلى يومنا الآيات القرآنية المتضمنة
لشهادات الرسل والأنبياء واعترافهم بالإسلام. ومنها: يونس 71-72 "واتل عليهم
نبأ نوح إذ قال لقومه يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله
توكلت فاجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون
فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من
المسلمين". وقول رسول الله يوسف يوسف 101 "أنت وليي في الدنيا والآخرة
توفني مسلما وألحقني بالصالحين" وقول نبي الله سليمان عليهم جميعا صلاة الله
وسلامه النمل 31 "ألا تعلوا علي واتوني مسلمين" وذلك في رسالته التي
بعثها إلى قوم سبأ الذين كانوا يعبدون غير الله. ولما حضرت حاكمة سبأ عند سليمان
أسلمت لله وحده. النمل 44 "قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب
العالمين". كل الناس من آدم إلى يومنا أمرهم الله تعالى باعتناق دين الله
الحق الإسلام. النساء 1 "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس
واحدة" كل الناس أمرهم بالتقوى وتعني طاعة الله والإسلام له وعبادته وحده
ويتجلى ذلك ويتجسد ويتحقق بالالتزام بشرع الله المنزل لكل أمة في فترتها الزمنية
التي أرادها لها الله تعالى. لهذا نجد آيات مؤكدة لهذه الحقيقة الشرعية منها الزمر
14 و 15 "قل الله أعبد مخلصا له ديني فاعبدوا ما شئتم من دونه. قل إن
الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين"
والزخرف 68-69 "يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون الذين آمنوا
بآياتنا وكانوا مسلمين" والجن 14 "فمن اسلم فأولئك تحروا رشدا"
والفتح 28 "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى
بالله شهيدا" والصف 9 "هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على
الدين كله ولو كره المشركون" وآل عمران 19 "إن الدين عند الله الإسلام"
وآل عمران 85 "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من
الخاسرين" والمائدة 3 "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت
لكم الإسلام دينا".
إن
شريعة القرآن نعمة الله تعالى التي أكمل بها شرائعه السابقة ونسخ منها ما شاء.
وبالقرآن أكمل الله تعالى كل ما يتعلق بدينه الحق الإسلام. فلا يكون الإنسان مسلما
حقا إلا إذا التزم بالقرآن قولا وعملا سرا وعلانية لهذا حرم الله تفرقة الناس
وأمرهم بالتوحد حول دين الله الحق وهو الإسلام منذ آدم إلى شريعة القرآن. فتدبر
أخي الشورى 13 "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا
به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تفرقوا فيه كبر على المشركين ما
تدعوهم إليه" والروم 31-32 "منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا
تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم
فرحون".
لقد
دعا كل رسل الله الناس إلى دين الله الحق الإسلام الذي نزل الله تعالى كل شرائعه
لتنظيم مناسكه وشعائره وما ينظم حياة الأمم حسب مراحلها الزمنية الخاصة بكل أمة.
قال نبي الله ابراهيم عليه السلام البقرة 128 "ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن
ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم" والبقرة
131 "إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين". وقال الله تعالى عن
نبيه ابراهيم عليه السلام آل عمران 67 "ما كان ابراهيم يهوديا ولا نصرانيا
ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين" البقرة 132 "ووصى بها
ابراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم
مسلمون" البقرة 133 "أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما
تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلاهك وإلاه آبائك ابراهيم واسماعيل وإسحاق إلاها واحدا
ونحن له مسلمون" وقال الله على لسان سحرة فرعون الذين أبطل الله سحرهم أمام
فرعون بواسطة نبيه موسى عليه السلام حيث تأكدوا من قدرة الله تعالى وآيات وجوده
فآمنوا به حينا:الأعراف 125-126 "قالوا إنا إلى ربنا منقلبون وما تنقم منا
إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين".
وقال الله تعالى على لسان رسوله موسى عليه السلام يونس 84 "وقال موسى يا قوم
إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين".
وقال
سبحانه وتعالى عن رسوله عيسى بن مريم عليه السلام المائدة 111 "وإذ أوحيت إلى
الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا وأشهد بأننا مسلمون". وقد أنزل
الله تعالى شريعة القرآن الكريم الناسخة للتوراة والإنجيل والملغية لكل الشرائع
السابقة على رسوله محمد بن عبد الله عليه وعلى كل الرسل صلاة الله وسلامه بمكة
المكرمة والمدينة المنورة منذ أكثر من أربعة عشر قرنا. فجاءت هذه الشريعة كاملة
ومتكاملة ومنظمة لكل جوانب حياة الإنسان الدينية والاجتماعية والسياسية
والاقتصادية حيث وضعت لذلك الأحكام والمبادئ الأساسية الثابتة والآمرة والصالحة
لكل زمان ومكان. النحل 89 "ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة
وبشرى للمسلمين" وآل عمران 19-20 "إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين
أوتو الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله
سريع الحساب فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب
والاميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا" والقصص 53 "وإذا يتلى عليهم
قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين".
فالقرآن
شريعة الإسلام وهو دين الحق منذ خلق الله آدم. آل عمران 83 "أفغير دين الله
يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون" والنساء 125
"ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محس واتبع ملة إبراهيم حنيفا..."
والنصر 1-3 " إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا
فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا". وآل عمران 85 "ومن يبتغ غير
الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" وقد كررت هذه الآية
نظرا لأهمية حكمها الشرعي.
وكل
شرائع الله تعالى بلغها رسله للناس لتكون كل أمة ملزمة بشرعها وكتابها المنزل لها.
وهو حجة الله عليها تحاسب طبقا لمقتضياته. النساء 163-165 "إنا أوحينا إليك
كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب
والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا ورسلا قد قصصناهم
عليك من قبل ورسلا لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما رسلا مبشرين ومنذرين لئلا
يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما" والنساء 150-153
"إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن
ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا واعتدنا
للكافرين عذابا مهينا والذين آمنوا بالله ورسله ولم يفرقوا بين أحد منهم أولئك سوف
يؤتيهم أجورهم وكان الله غفورا رحيما" والبقرة 136-137 قولوا آمنا بالله وبما
أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى
وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فإن آمنوا
بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا" والشورى 13 "شرع لكم من الدين ما وصى به
نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا
تتفرقوا فيه..." والبقرة 285 "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه
والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله..."
فالدين المشروع هو الذي فرضه الله على الناس دون سواه. إنه الإسلام لله وقد استخلف
الله الناس في الأرض على أساس هذا الدين القيم. فتدبر معي أخي القارئ والباحث في
كل أنحاء العالم سورة النور 55 "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات
ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم
وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني ولا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك
هم الفاسقون". وسورة الروم 43 "فأقم وجهك للدين القيم من قبل أن يأتي
يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون" والدين القيم الذي فرضه الله على الناس
هو الدين الحق الإسلام. والقرآن الكريم شريعة الإسلام الناسخة لكل الشرائع السابقة.
لهذا قال الله تعالى في سورة فاطر 31 "والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق
مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير" والفتح 28 "هو الذي أرسل
رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا" والصف
9:" هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره
المشركون".
لهذا
فإن عبادة الله ودين الحق الإسلام منظم في القرآن الكريم الذي بلغه للناس رسول
الله محمد بن عبد الله عليه وعلى كل الرسل صلاة الله وسلامه. وكل من لم يؤمن
بالقرآن وأعرض عنه كافر ولو بقي مؤمنا بالشرائع الأخرى التي نسخها القرآن كالثوراة
والإنجيل. أكدت ذلك عدة أحكام منها الحديد 16 "ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع
قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال
عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون". كل عبادة مخالفة لأحكام القرآن
ليست عبادة الله وليست دين الله الحق الإسلام وهي محرمة على الناس كافة بالكون
وكفر وشرك بالله. فالكنائس وغيرها من أماكن وأدوات عبادة غير الله التي تخالف
القرآن الكريم محرمة في دار الإسلام وغيرها لأن القرآن الكريم منزل لكافة الناس
بالكون ويجب على كافة الناس عبادة الله طبقا لأحكامه. هناك أحكام شرعية كثيرة
مؤكدة لهذه الحقيقة أذكر منها ما يلي: الأعراف 158 "قل يا أيها الناس إني
رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إلاه هو يحيي ويميت فآمنوا
بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون"
وسبأ 28 "وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا
يعلمون" والأنبياء 107 "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" والفرقان 1
"تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا" الجاثية 20
"هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون" وهو القرآن الكريم. الزمر 41
"إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق" النحل 44 " وأنزلنا إليك
الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون" الإسراء 106 " وقرآنا
قرأناه لتقرأه على الناس على مكت ونزلناه تنزيلا" إبراهيم 1 "الر كتاب
أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور إلى صراط العزيز الحميد"
وإبراهيم 52 "هذا بلاغ للناس" والبقرة 185 " شهر رمضان الذي أنزل
فيه القرآن هدى للناس" والنساء 79 "وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله
شهيدا" والنساء 174 "يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا
إليكم نورا مبينا" وهو القرآن الكريم الذي يخرج من اتبعه من الظلام والضلالة
إلى النور والهداية ومن الشقاء إلى السعادة.
وأقول
للنصارى واليهود وغيرهم أليست هذه الآيات أدلة قاطعة على أنكم مثل كافة الناس
بالكون ملزمون بعبادة الله والقيام بمهمة استخلافه لكم في الدنيا طبقا للقرآن
الكريم ؟ إذا أمنتم فعلا بأن الله تعالى موجود وأن القرآن شرع الله وأنكم من الناس
فعلا، فتدبروا آيات الله في الكون وآيات القرآن. هل يستطيع أحدكم إنزال الماء بعد
الجفاف للملايير من البشر والأفواه الجائعة، هل منكم من ينبت في الأرض مصادر طعام
الإنسان دون ماء ؟ فاطر 3 "يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق
غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إلاه إلا هو فأنى تؤفكون" الملك 21
"أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور" والملك 30
"قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين" من يستطيع غير
الله تبديل جو بارد جدا بجو دافئ معتدل في مدينة أو قارة في أية لحظة بل من يستطيع
تكوين الأكسجين الضروري للحياة إذا منعه الله تعالى ؟ ومن يضيء الكون إذا أخفى
الله الشمس ؟ واذكر إخواني القراء والباحثين المحترمين بما ورد في الفصل الأول حول
قدرة الله تعالى. وهي مطلقة لا يشاركه فيها احد أبدا ولكنها عادلة عدلا مطلقا.
كلنا أبناء آدم وحواء ومخلوقات الله تعالى وملك له. والقرآن كلام الله وشرعه وهو
حجة علينا من الله تعالى.
2-القرآن
الكريم نسخ وألغى الشرائع السابقة ومنها الثوراة والإنجيل:
وكما
بينت سابقا الأمة التي ينزل لها الله شرعه ويبعث لها رسوله تضم كل الناس الذين
آمنوا في الكون بشرع الله المنزل للناس كافة في المدة الزمنية التي أرادها الله
تعالى. فمنذ خلق الله آدم وتكاثر الناس قطعهم الله تعالى وقسمهم إلى أمم آخرها أمة
القرآن التي نحن منها وهذا مؤكد في كثير من الآيات ومنها الأعراف
168"وقطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات
والسيئات لعلهم يرجعون". لكل أمة رسول وكتاب. صلاحية الرسول تنتهي بموته
وصلاحية شرع الله المنزل على الرسول للأمة تنتهي بنزول شرع آخر على رسول آخر
للناس. وشرع الله المنزل ملزم للأمة التي أنزل لها في مرحلتها الزمنية التي أرادها
الله تعالى لأنه متعلق بكل جوانب الحياة الإنسانية وهو مادة الامتحان والاختبار
والابتلاء التي قررها الله للناس الذين استخلفهم في الدنيا. شرع الله هو القوانين
الملزمة للناس. البقرة 229 "تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله
فأولئك هم الظالمون" والبقرة 213 "كان الناس أمة واحدة فبعث الله
النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا
فيه" والروم 47 "ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات
فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين". كل شريعة أنزلها
الله على أمة معينة تكون ملزمة لكافة الناس بالكون لأنها عدل الله ونظامه الذي يجب
تطبيقه والالتزام به. وكل الشرائع فرضت عبادة الله وحده. الذاريات 56 "وما
خلقت الجن والإنسن إلا ليعبدون" والأنبياء 25 "وما أرسلنا من قبلك من
رسول إلا نوحي إليه أنه لا إلاه إلا أنا فاعبدون" والنحل 36 "ولقد بعثنا
في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" والبقرة 21 "يا أيها
الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون" ولقمان 33
"يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو
جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله
الغرور". ولا تتحقق التقوى وعبادة الله إلا بطاعته والالتزام بشرعه المنزل
للناس في فترة صلاحيته الزمنية التي حددها الله تعالى. أكدت ذلك عدة آيات منها
الرعد 38 "ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية وما كان لرسول
أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب" والأعراف 35 "يا بني آدم إما
يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون
والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون".
والله
تعالى بحكم قدرته المطلقة العادلة وحقه في التصرف في الكون وما خلق فيه له القدرة
على إنزال ما شاء من الشرائع وتقطيع الناس إلى أمم. وتدل على ذلك عدة آيات منها
النحل 101 "وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل" والبقرة 106
"ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل
شيء قدير" والبقرة 107 "ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض ومالكم
من دون الله من ولي ولا نصير" والرعد 39 "يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده
أم الكتاب".
زالت
أمة الإنجيل والأمم السابقة بحكم الله تعالى وانتهى مفعول التوراة والإنجيل
وغيرهما من شرائع الله تعالى. فأصبح كل الناس ملزمين بعبادة الله وبدين الله الحق
الإسلام طبقا لمقتضيات القرآن الكريم. وأعطي دليلين فقط من بين الأدلة الكثيرة.
الرعد 30 "كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا
إليك" والأعراف 156-158 "ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون
ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي
يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل
لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين
آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون"
والنور الذي أنزل هو القرآن الكريم الملزم لكافة الناس والملغي للتوراة والإنجيل.
الأعراف 158 "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا" واعتذر عن
تكرار هذه الآيات نظرا لأهميتها ولكونها آمرة ومفسرة لكثير من الآيات السابقة. وقد
بينت سابقا الآيات المؤكدة بأن القرآن شرعه الله لكافة الناس ومنهم النصارى
واليهود. النساء 170 " يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من ربكم فآمنوا
خيرا لكم" والنصارى واليهود من الناس ولا يمكنهم إنكار هذه الحقيقة. كما أنهم
لا يمكن أن ينكروا الخبر الذي ذكره الله تعالى في التوراة والإنجيل الذي أكد فيه
سبحانه وتعالى إلغاء التوراة والإنجيل بالقرآن الكريم. راجع أخي الأعراف 157
السابقة والصف 6 "وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم
مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي". وفعلا أنزل الله
تعالى القرآن على رسوله بعد الإنجيل الملغى بأمر الله عز وجل. ولهذا قال الله
تعالى عن اليهود والنصارى في سورة البقر 42 "ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا
الحق وأنتم تعلمون" لأنهم يعلمون هذه الحقيقة المنصوص عليها في التوراة
والإنجيل لهذا نصت المائدة 47 "وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه"
أي الإخبار في الإنجيل عن بعتة رسول بعد عيسى بن مريم. وعاتب الله تعالى أهل
الكتاب أيضا عن إنكار الخبر الوارد في التوراة والإنجيل في سورة آل عمران 99
"قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم شهداء
وما الله بغافل عما تعملون" والأنعام 114 "أفغير الله ابتغي حكما وهو
الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا والذين آتايناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك
بالحق فلا تكونن من الممترين".
وأبين
بعض الآيات الدالة حقا على أن القرآن الكريم الذي نسخ وألغى كل الشرائع السابقة هو
شريعة إسلامية أنزلها الله تعالى فعلا على رسوله محمد بن عبد الله عليه وعلى كل
الرسل صلاة الله وسلامه ومنها: الإنسان 23 "إنا نحن نزلنا عليك القرآن
تنزيلا" والزخرف 78 "لقد جئناك بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون"
والأحقاف 2 "تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم" والحاقة 43-47
"تنزيل من رب العالمين ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم
لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين" والشعراء 192-195 "وإنه
لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي
مبين" والأنبياء 10:" لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا
تعقلون" والأنبياء 50 "وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون"
والمائدة 48 "وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب
ومهيمنا عليه فأحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق"
والعنكبوت 47 "وكذلك أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به ومن
هؤلاء من يؤمن به وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون" ويونس 37 "وما كان هذا
القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه
من رب العالمين" والزمر 1 و 2 "تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم إنا
أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين" والسجدة 2 و 3
"تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك"
وفصلت 41-42 "إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه
الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد". الرعد 1 "المر تلك
آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون".
أيها
الناس وخاصة النصارى واليهود الذين يكنون العداء للقرآن إذا آمنتم فعلا بأن الله
تعالى موجود وهو الخالق للكون وما فيه والمدبر لأموره فتأكدوا أن القرآن شرع الله
وكتابه أنزله لكافة الناس بالكون.
وتأكدوا
أن القرآن ألغى صلاحية كل الشرائع السابقة ومنها الثوراة والإنجيل بعد أن أبقى
الله تعالى على كثير من الأحكام الشرعية المشتركة بين الشرائع السماوية في القرآن
الكريم. واستنادا إلى شرع الله كل من لم يؤمن بالقرآن ويعمل بأحكامه ويعبد الله
طبقا لمقتضياته كافر مصيره عذاب الله في الدنيا ونار جهنم في الآخرة.
وأذكركم
بسورة البقرة 136-137 "قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم
وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا
نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا..."
وقد بين الله تعالى العذاب الذي ينتظر الكفار في كثير من الآيات منها النساء 56
"إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا
غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزا حكيما" والبقرة 39 "والذين
كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" والمائدة 10
"والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم". فتجنبوا عذاب الله
في الدنيا المؤجل بأجل وعذاب النار في الآخرة وآمنوا بالقرآن الكريم واعبدوا الله
طبقا لأحكامه الشرعية. المائدة 65 "ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا
عنهم سيئاتهم ولأذخلناهم جنات النعيم".
وأمام
كل هذه الآيات الكريمة ألا يستحيي الباباوات والكرادلة وأتباعهم من الله تعالى
الذي يراهم ويسمعهم وهو معهم أينما كانوا ويعلم ما يسرون بإشارات وغيرها وما في
قلوبهم وعقولهم وما يعلنون. ألا يستحيون من الله تعالى الذي له القدرة المطلقة على
التصرف في أجسامهم ولا أحد يمنعه أبدا وله ملائكة ينفذون أوامره. فمن يستطيع
مقاومة قضاء الله وملائكته ؟ أمام كل هذا كيف تدعون كذبا أن المسيح بن مريم هو
الله والرب وتدعون سلطة مغفرة الذنوب مقابل المال بينما الله تعالى هو الذي يحاسب
عن الأعمال يوم القيامة ويغفر ويتوب حسب شروط التوبة النصوح التي لا رجعة فيها.
ألا
يستحيي هؤلاء بتحريف الثوراة والإنجيل والقرآن نسخهما وألغاهما بأمر من الله
تعالى. تذكروا مصير كثير من الذين كذبوا على الله وأشركوا به ألم يكن البابا ما
قبل الأخير كالجثة الهامدة يحمله أتباعه من مكان إلى آخر وهو عديم الحركة كالدمية
؟ أليس ذلك من عقاب الله المؤجل في الدنيا قبل أن يكون وقودا وحطبا لنار جهنم في
الآخرة ؟ الأعراف 36 "والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار
هم فيها خالدون".
ب-أمر الله
تعالى المسلمين بإقامة عدله وحرم الظلم
الله
تعالى هو الحق والعدل. خلق الكون وما فيه بحق وعدل ويدبر أمور الكون وما خلق فيه
بعدل ولا يظلم أبدا ولو مثقال ذرة بل يجازي كل إنسان عن أعماله بعدل. ولهذا أنزل
شرائعه للأمم المتتابعة وأمر الناس بإقامة عدل الله واجتناب الظلم الذي حرمه.
فإقامة عدل الله تعني تطبيق القرآن الكريم بصرامة وبعدل بين الناس لأن أحكام
القرآن وقوانينه هي العدل نفسه شرعها العادل والحق للناس وهو الله سبحانه وتعالى.
وتدل على ذلك
عدة أحكام منها الحديد 25 "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب
والميزان ليقوم الناس بالقسط" والبقرة 213 "كان الناس أمة واحدة فبعث
الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما
اختلفوا فيه". السلطة الإسلامية في دولة الإسلام ملزمة بالحكم بما أنزل الله
وبالنسبة لمرحلة أمة القرآن يجب الحكم بما في القرآن الكريم من أحكام وقوانين
منظمة لمختلف جوانب حياة الإنسان. فتكون القوانين الوضعية مطبقة ومطابقة لشرع الله
تعالى.
وقد
خصص الله تعالى السعادة في الدنيا والآخرة لمن أقام عدل الله والعذاب في الدنيا
وجهنم في الآخرة لمن خالف عدل الله وذلك بالنسبة لكل الأمم بجانب سورة البقرة 213
وهي حكم شرعي أساسي هناك الأعراف 35-36 "يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم
يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كذبوا
بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" هذا أمر من الله
إلى كل بني آدم في الكون عبر مختلف مراحل الزمن والأمم. كل الناس من آدم إلى أن
يرث الله الأرض ومن عليها ملزمون بإقامة عدل الله وعدم ظلم الناس وذلك بالتزام كل
أمة بالشريعة التي أنزلها لها الله سبحانه وتعالى. فإقامة العدل واجتناب الظلم
قاعدة آمرة ملزمة وفرض من الله في كل شرائع الله المنزلة للناس. والقرآن هو آخر
هذه الشرائع. وهو الملزم للناس بحكم إلغائه للشرائع السابقة بأمر من الله تعالى.
وتدل على هذا الإلزام عدة آيات أذكر منها: الأعراف 3 "اتبعوا ما أنزل إليكم
من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون" والزمر 55 "واتبعوا
أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون"
والبقرة 38-39 " فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا
وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" وطه 123-124 "فمن
اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم
القيامة أعمى" والأنعام 48-49 "وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين
فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما
كانوا يفسقون".
أمر
الله تعالى الناس كافة في الكون بالالتزام بالقرآن الكريم لأن فيه عدل الله والحق.
وأمر الناس بعبادته طبقا للمناسك والشعائر التي فرضها فيه دون سواه ولكن قبل توضيح
الأدلة الدالة على أن إقامة عدل الله فريضة من فرائض الإسلام أوضح مسألة تتعلق
بتحديد مفهوم العدل في الإسلام وفي دول الكفار لأبين الفرق الشاسع بين عدل الله
تعالى وبين العدل البشري في دول الكفار والفرق بين قوانين الله في دولة الإسلام
وقوانين البشر المبنية على الشهوات والطغيان والتي يريد الكفار فرضها على العالم
في إطار حركة التكفير والتسلط والسطو على الموارد الاقتصادية للشعوب.
وأعطى
أمثلة عن أفعال محرمة في قوانين الله الواردة بالقرآن ولكنها من حقوق وحرية
الإنسان الكافر يحميها قانونهم وقضاؤهم في دولهم. واترك تحديد كل الأفعال المذكورة
ومقارنتها لبحث آخر متخصص. فالمرأة الكافرة من حقها أن تلبس ما شاءت وأن تتبرج وأن
وتظهر زينتها لمن شاءت ولو في الشارع العام باستثناء دار الإسلام فالنظام الإسلامي
يحرم عليها ذلك بحيث لا يقيم فيها إلا المسلمون. وسأعطي الأدلة الشرعية على ذلك
فيما يأتي. فالمرأة في دار الإسلام ملزمة بإخفاء زينتها وبوضع الحجاب. وهذا حكم
شرعي وفرض إسلامي من خالفه ليس مسلما. طبعا لا يعني أن من ارتدت الحجاب مسلمة لأن
المسلمة هي من التزمت بكل فرائض الإسلام وأحكام القرآن وليس فقط الحجاب لذر الرماد
في العيون والنفاق. والدليل الذي يفرض إخفاء المرأة لزينتها النور 31 "وقل
للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها
وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء
بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو
نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين
لم يظهروا على عورات النساء ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وتوبوا
إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون". والرجل الكافر يجلس مع النساء
وهن عاريات متبرجات وينظر إليهن ويستمتع بنظره كيف يشاء، ويعتبر الكفار ذلك من
حقوق وحرية الإنسان عندهم. أما في المجتمع الإسلامي فلا يجوز ذلك شرعا وأخلاقا.
النور 30:"قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله
خبير بما يصنعون". منع الله النساء من فتنة الرجال بزينتهن ولكن أمر الرجال
كذلك بغض بصرهم عن المرأة وضبط أنفسهم لكي لا يستحوذ عليهم الشيطان فينهزموا أمام
الشهوات التي حرمها الله إلا في الحلال. ومنع الله كذلك نظر المرأة الثاني
والاستمرار في النظر لكي تضبط هي كذلك نفسها. فإذا فعلت ذلك فإنها تحرض الرجل على
الفساد ويعاقبها الله عن ذلك الإثم.
في
مجتمعات الكفار هناك حرية الجنس أما في دولة الإسلام فكل علاقة جنسية لا تستند إلى
عقد زواج مشروع ودائم تعتبر زنى ومحرمة. الإسراء 32:"ولا تقربوا الزنا إنه
كان فاحشة وساء سبيلا" والنور 2 و 3 "الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد
منهما مئة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم
الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين. الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة
والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين". فزوجة المؤمن
إذا زنت تطلق منه طلاقا بائنا لا رجعة فيه وزوج المؤمنة إذا زنى تطلق منه طلاقا
بائنا لا رجعة فيه لأن الزنا محرم على المؤمنين والمؤمنات وعقابه جهنم مثل الشرك
بالله. بينما في مجتمعات الكفار هناك دور وأماكن منظمة بقوانينهم لممارسة الدعارة.
وهناك مثل آخر يتعلق بالخمر والمسير. فهو محرم في المجتمع الإسلامي المائدة 90
"يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل
الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون" هذه الآية حرمت الخمر ونسخت الرخصة الضمنية
السابقة في آيتين منسوختين سابقتين هما البقرة 219 والنساء 43.
في
المجتمع الإسلامي كما حدد الله في القرآن الرشوة محرمة وكل نصب وتزوير لأكل أموال
الدولة والناس بالباطل. النساء 29 "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم
بينكم بالباطل" النساء 30 "ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا
وكان ذلك على الله يسيرا" والبقرة 188 "ولا تأكلوا أموالكم بينكم
بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم
تعلمون". وهنا أتحدث عن المجتمع الإسلامي المثالي الذي يطبق فيه شرع الله.
ونلاحظ
كذلك أن مجتمعات الكفار تعتبر التعامل بالربا من حقوق وحريات الإنسان أما في
الإسلام فإن الربا حرام. ولا تقرض الأموال مقابل فائدة أبدا ويجب أن لا يتعدى
الربح ثلث الرأسمال لقوله تعالى في عدة آيات منها البقرة 275 "وأحل الله
البيع وحرم الربا" والبقرة 278-280 "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله
وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فاذنوا بحرب من الله ورسوله
وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة
وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون" اقتصاد دول الكفار يقوم على الربا حيث
هناك طبقات تعيش على عائدات الربا التي تحصل عليها على الصعيد العالمي بحكم رؤوس
أموالها وشركاتها متعددة الجنسيات. هذه الطبقات لا تنتج بل تستهلك وتبذر على حساب
الآخرين الذين ينتجون وهذا ظلم حرمه الله بتحريم الربا في القرآن وهو عدل الله فرض
الله تعالى الزكاة والصدقة الحج 78 " فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة"
والذاريات 19 "وفي أموالهم حق للسائل والمحروم" والمعارج 24-25
"والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم". لهذا تفرض السلطة
الإسلامية إعطاء الزكاة على من تجب عليه وهذا من النظام العام الإسلامي أما في دول
الكفار فمن حقوق وحرية الإنسان أن لا يمس أحد أمواله. وفي مجتمع الكفار تزوج أب
بابنته وأنجب معها أولادا وتسابقت وسائل إعلامهم لنشر الوقائع والخبر واعتبر ذلك
من حقوق وحريات الإنسان عندهم بينما عدل الله والقرآن وحكم الله حرم مثل هذا
الزواج. النساء 23 "حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم
وبنات الأخ وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات
نسائكم وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم
بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا
ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما".
وفي
مجتمعات الكفار تزوج رجال برجال وتم الاحتفال بهم في كنائسهم أمام العموم. وهذا
حرام في القرآن. الأعراف 80-81:" ولوطا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم
بها من أحد من العالمين. إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم
مسرفون" الأنبياء 74 " ولوطا آتيناه حكما وعلما ونجيناه من القرية التي
كانت تعمل الخبائث إنهم كانوا قوم سوء فاسقين" الشعراء 165-166 "أتأتون
الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون"
واعتذر إن بينت نقطة هامة شرعية وهي أن المرأة هي أيضا حرم الله تعالى دبرها لقوله
تعالى:" البقرة 222 "ويسألونك عن المحيض قو هو أدى فاعتزلوا النساء في
المحيض قل ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله "أي من
قبلها مكان التناسل. والبقرة 223 "نساؤكم حرث لكم فآتوا حرثكم أنى شئتم
وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين" فإن كلمة أنى
ظرف زمان أي آتوا نسائكم متى أردتم.
وطبقا
لشرع الله تلزم السلطة الإسلامية المسلمين بصوم شهر رمضان كل سنة البقرة 183
"يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم
تتقون" والبقرة 185 "شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات
من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من
أيام أخر" أما في مجتمع الكفار فعدلهم لا يفرض عليهم الصوم والمهم أن عدل
الكفار وقوانينهم تحمي قيم الشهوات والهوى والظلم وحرية كل شيء، أما عدل الله
وحكمه الذي يحب أن يطبق في دار الإسلام فإنه محدد ومنظم بما شرعه الله وأراده
للناس في القرآن الكريم الذي لا يجوز نهائيا أن تكون القوانين الوضعية في دار
الإسلام مخالفة لأحكامه ومبادئه. لقد أوردت هذه الأمثلة القليلة عن بعض ما هو محرم
في المجتمع الإسلامي وما هو من حقوق وحريات الكفار يضمنه لهم قانونهم. وذلك لإعطاء
الفرق بين عدل الله الذي يجب على الأمة الإسلامية إقامته وعدل الكفار المبني على
شهواتهم وهواهم وما تمليه شياطينهم. وهنا تظهر أهمية الواجب المفروض على أولي
الأمر والأمة الإسلامية ومنهم العلماء الأكفاء الصادقون المؤمنون الصالحون
والمتقون للاتفاق حول القوانين والأحكام الشرعية المستنبطة من القرآن الكريم لكي
توضع القوانين المطبقة لها بعدل وصرامة. ولهذا التمس من علماء الإسلام التوحد
والتضامن والاتفاق حول ما يوجد في القرآن الكريم من فرائض أمر الله بالقيام بها
ومن محرمات أمر الله تعالى بعدم ارتكابها حتى يعلمها الناس ويلتزموا بها. فأكثر من
نصف المسلمين في العالم أميون لا يفهمون القرآن ويمارسون الشعائر بالتقليد دون فهم
وبعد هذه المقارنة التي ميزت فيها عدل الله عن عدل الكفار أواصل إعطاء الأدلة
الشرعية على أن إقامة عدل الله فرض من فرائض الإسلام.
لا
عدل ولا حق ولا إنصاف بدون تطبيق حدود الله الواردة في القرآن. فهي العدل والحق
الذي أراده الله لمخلوقاته البشرية لأنها صادرة من العدل والحق وهو الله تعالى
المؤمنون 71 "ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن بل
آتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون " الحجر 64 "وآتيناك بالحق وإنا لصادقون"
ولا حكم في الدنيا إلا حكم الله المحددة أحكامه في القرآن. فتدبر معي أخي المحترم
الأنعام 115 "وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع
العليم" والمائدة 50 "ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون" الممتحنة
10 "ذالكم حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم" وحكم الله هو القرآن
الكريم والزخرف 30 "ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون"
الأنعام 57 " إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين" والأعراف 181
"وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون" والمائدة 49 "وأن أحكم
بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم" والنحل 90 "إن الله يأمر بالعدل
والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي". فلو طبقت الأمة
الإسلامية هذه الفريضة التي فرضها الله في هذه الآية الكريمة لعمت السعادة والأمن
والهناء والأخوة والرحمة في المجتمع الإسلامي. وتؤكد ذلك النساء 58 "إن الله
يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا
بالعدل..." ولا عدل ولا حكم إلا بعدل وحكم الله الوارد في شرعه. وهو ما أمر
به الله رسوله الشورى 15 "قل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل
بينكم" وأمر به الله كذلك المؤمنين. الحجرات 9 و 10 "فاصلحوا بينهما
بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين. إنما المؤمنون إخوة فاصلحوا بين أخويكم
واتقوا الله لعلكم ترحمون" والمائدة 8 "يا أيها الذين آمنوا كونوا
قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب
للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون".
هناك
الآيات الدالة على أن القرآن عدل الله وحق يجب الحكم به وأنه حكم الله المفصل
والمحدد للناس في الكون يجب أن ينفذوه ويطبقوه في الدنيا البقرة 26 "فأما
الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم" والبقرة 91 "وإذا قيل لهم آمنوا
بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق"
والبقرة 176 "ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذيـن اختلفوا في الكتاب
لفي شقاق بعيد" وآل عمران 3"نزل عليك الكتاب بالحق" وآل عمران 62
"إن هذا لهو القصص الحق وما من إلاه إلا الله وإن الله لهو العزيز
الحكيم" وآل عمران 108 "تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد
ظلما للعالمين" والنساء 170 "يا أيها الناس قد جاءكم الرسول بالحق من
ربكم فآمنوا خيرا لكم وإن تكفروا فإن لله ما في السماوات والأرض وكان الله عليما
حكيما". والأنعام 5 "فقد كذبوا بالحق لما جاءهم فسوق يأتيهم أنباء ما
كانوا به يستهزئون" والمائدة 83-84 "وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى
أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين
ومالنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين"
الأعراف 43 "لقد جاءت رسل ربنا بالحق" والأعراف 53 "قد جاءت رسل
ربنا بالحق" والحديد 16 "ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله
وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست
قلوبهم وكثير منهم فاسقون" فصلت 53 "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم
حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد" سبأ 6 "ويرى
الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز
الحميد" والمؤمنون 70 " أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق
كارهون" والمؤمنون 90 "بل آتيناهم بالحق وإنهم لكاذبون" السجدة 3
"أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك
لعلهم يهتدون" والقصص 53 "وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من
ربنا إنا كنا من قبله مسلمين" والقصص 70 "وهو الله لا إلاه إلا هو له
الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون". حكم الله هو الأحكام
الشرعية المحددة في القرآن الكريم. ويجب على الأمة الإسلامية فرض تطبيقها والحكم
بحكم الله وعدله، في دار الإسلام.المائدة 47 "ومن لم يحكم بما أنزل الله
فأولئك هم الفاسقون" القصص 75 "ونزعنا من كل أمة شهيدا فقلنا هاتوا
برهانكم فعلموا أن الحق لله وضل عنهم ما كانوا يفترون" هود 45 "وإن وعدك
الحق وأنت أحكم الحاكمين" يونس 76 "فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا إن
هذا سحر مبين" يونس 82 "ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون"
يونس 108 "قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي
لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها" والشورى 24 " أم يقولون افترى على الله
كذبا فإن يشأ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم
بذات الصدور" والحجر 64 "وآتيناك بالحق وإنا لصادقون" النحل 102
"قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى
للمسلمين" والفرقان 33 "ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن
تفسيرا" والجاتية 6 "تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد
الله وآياته يؤمنون". فالقرآن الكريم هو آيات الله وهو الحق والعدل الذي يجب
الحكم به بين الناس في دار الإسلام. وغيره باطل وكفرا وظلم. الزمر 2 "إنا
أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين" الزخرف 78 "لقد
جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون" فاطر 31 "والذي أوحينا إليك من
الكتاب هو الحق" وهذا دليل قاطع من الأدلة المؤكدة بأن الله تعالى نسخ وألغى
التوراة والإنجيل وما سبق من الشرائع السماوية. فالقرآن هو الكتاب المنزل لكافة
الناس بالكون والملزم لهم. وتدل على ذلك وتؤيده آيات أخرى منها الرعد 19
"المر تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربك الحق" والرعد 9
"أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولوا
الألباب" والحاقة 51 "وإنه لحق اليقين" هود 17 "إنه الحق من
ربك" فتدبروا إخواني القراء والباحثين المحترمين كل هذه الآيات التي بينتها
لكم أليست دليلا قاطعا على أن المصحف الموجود لدينا بحروفه ونقطه وكلماته وآياته
حق وفعلا كلام الله وشرعه المنزل لكافة الناس بالكون. هذا المصحف الذي حددت آياته
ورتبت بأمر من الله الذي بلغه الملك جبريل إلى رسول الله محمد بن عبد الله عليهما
السلام. هذا القرآن نظم مختلف جوانب الحياة البشرية. وهو عدل الله وحكمه الذي يجب
أن يطبق في دار الإسلام بعدل وصرامة. والقرآن الكريم هو الحق وكل ما يخالف القرآن
باطل وملغى ولو كان سنة منسوبة للرسول أو غيره. فالقرآن الكريم هو الحق والعدل
وحكم الله الذي يجب أن يحكم به المسلمون ويطبقونه. وقد حرم الله الظلم استنادا إلى
أمر الله الذي فرضه على الناس وهو إقامة عدل الله من خلال تطبيق القرآن وما فيه من
قوانين شرعها لهم. وهناك آيات كريمة أخرى فرضت إقامة عدل الله وحرمت الظلم ومنها
ما يلي: الأنعام 152 "وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها
وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون"
والنحل 76 "هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم" ص 26
"يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى
فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم
الحساب" النساء 135 "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله
ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا
تتبعوا الهوى أن تعدلوا" آل عمران 21-22 "إن الذين يكفرون بآيات الله
ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم
أولائك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين" النساء 127
"أن تقوموا لليتامى بالقسط وما تفعلوا من خير فإن الله كان به عليما"
والأعراف 28-29 "قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله مالا تعلمون
قل أمر ربي بالقسط" والنحل 90 "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي
القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون" الله تعالى حرم
الظلم وأمر بالعدل ليس فقط في القرآن الكريم بل في كل الشرائع السابقة التي ألغاها
القرآن. الحديد 25 "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان
ليقوم الناس بالقسط" سورة البقرة 213 "كان الناس أمة واحدة فبعث الله
النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس" والمائدة 8
"يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهدا بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على
ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون".
ولكن هناك فرق بين عدل الكفار فيما بينهم حيث يطبقون شرائعهم المبنية على الهوى
والشهوات الغير المشروعة وما حرم الله وبين عدل الله الذي أمر به وهو تطبيق عدل
وحكم الله الواردة أحكامه في القرآن الكريم. لهذا قال الله تعالى والمائدة 50 "وأنزلنا
إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما
أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق". فالقرآن هو الحق الذي نسخ
وألغى الثوراة والإنجيل وباقي شرائع الله الأخرى وهو الشرع الذي فرض الله إقامة
عدله على كافة الناس لهذا أكد الله تعالى على هذا الفرض في كثير من الآيات منها
المائدة 49 "وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن
يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك" والنساء 105 "إنا أنزلنا إليك الكتاب
بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما" والشورى 15
"فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من
كتاب وأمرت لأعدل بينكم ..." هود 112 "فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا
تطغوا إنه بما تعملون بصير". إن إقامة العدل وتحريم الظلم أمر صادر من الله
تعالى ويجب على المسلمين والسلطة الإسلامية التي اختارتها وانتخبتها الأمة
الإسلامية تنفيذ هذا الأمر الذي هو شرط أساسي من شروط الإيمان والإسلام. الطلاق 5
"ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا"
والبقرة 229 "تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم
الظالمون" كل أحكام القرآن الكريم حدود الله التي شرعها والقوانين التي حددها
وبينها فلا تجوز مخالفتها أبدا في دار الإسلام وهي من النظام العام الإسلامي.
حدود
الله وقوانينه القرآنية ملزمة للرسول والمؤمنين وأولي الأمر منهم كذلك. الجاتية 18
"ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون"
ومن الآيات المؤكدة لفرض إقامة عدل الله بين الناس تلك التي حرمت الظلم ومنها ما
يلي: الفرقان 19 "ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا" وعذاب الله تعالى
نوعان عذاب أصغر في الدنيا يحدد له الله تعالى أجلا وعذاب أكبر هو نار جهنم في الآخرة.
والأنعام 82 "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم
مهتدون". لقد جعل الله عدم الظلم أي العدل من شروط الإيمان والهداية والحصول
على حماية الله وأمنه. فالذي يظلم الناس عن علم وإدراك بظلمه لا إيمان له ولا آمان
له. إن الله تعالى لا يظلم الناس أبدا وقد أنجزت بحثا سابقا في هذا الفصل حول هذا
الموضوع. وهناك الأنفال 51 "ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام
للعبيد" النساء 29 "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم
بالباطل" والنساء 30 "ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان
ذلك على الله يسيرا" والنساء 10 "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما
إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا" والمائدة 87 "يا أيها الذين
آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين"
والبقرة 190 "ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" والمائدة 2
"وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن
الله شديد العقاب" وأقول لإخواني الباحثين والقراء والعلماء الصادقين المتقين
بأن هذه القاعدة الشرعية المتعلقة بفرض إقامة العدل أي تطبيق منهج الله وقوانينه
شرط أساسي من شروط الإسلام. فالحكام الظالمون الذين لا يحكمون بما أنزل الله ولا
يعدلون كفار ولو أدعوا الإسلام. فلا إسلام بدون احترام إرادة الله وأوامره بل
أمرنا الله تعالى بمحاربة الحكام الذين يظلمون أي لا يحترمون شرع الله. هود 113
"ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ومالكم من دون الله من أولياء ثم
لا تنصرون". فطاعة الحاكم الظالم المخالف لشرع الله واتباعه وتأييده مشاركة
في الظلم نستوجه نفس العقاب. وهناك قاعدة شرعية مستنبطة من طاعة الظالم فرعون حيث
عاقب الله تعالى الذين أطاعوه رغم ظلمه. الزخرف 54-56 "فاستخف قومه فأطاعوه
إنهم كانوا قوما فاسقين فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين فجعلناهم سلفا
ومثلا للآخرين" بل الرسول عليه صلاة الله وسلامه أمر الله بعدم طاعته إذا
خالف شرع الله. الممتحنة 12 "ولا يعصينك في معروف" بمعنى أن من الواجب
عليهن عصيانك في المنكر وهو كل ما يخالف القرآن الكريم. فالذي ينصر الظالم ويؤيده
على ظلمه ظالم هو أيضا وينال نفس العقاب. المائدة 72 "وما للظالمين من
أنصار" هود 18 "ألا لعنة الله على الظالمين" الزخرف 65 "فويل
للذين ظلموا من عذاب يوم أليم" الأعراف 55 "ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه
لا يحب المعتدين" السجدة 22 "ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها
إنا من المجرمين منتقمون" الفرقان 19 "ومن يظلم منكم نذقه عذابا
كبيرا"الشورى 42 "إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض
بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم" سبأ 42 "فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا
ولا ضرا ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون" ويونس 44
"إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون" وآل عمران 108
"تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين" أي أن
الله أمر بالعدل بين كل الناس كيفما كان لونهم وجنسهم ولغاتهم وعقائدهم. النساء 40
"إن الله لا يظلم مثقال ذرة" فالناس هم الذين يظلمون أنفسهم بمخالفة شرع
الله وقوانينه القرآنية.
والنتائج
التي استخلصها من هذه الفقرة الأولى أجملها فيما يلي: القرآن الكريم ألغى كل
الشرائع السابقة ومنها الثوراة والإنجيل. وهو شرع الله وقوانينه لكافة الناس
بالكون وليس تراثا أو ثقافة إنسانية أو حضارة خلقها وكونها الإنسان كما يدعي البعض
بل ثقافة وحضارة القرآن من صنع الله تعالى وخلقه للناس كافة يجب عليهم تكييف
واقعهم وسلوكهم وتصرفهم حسب ثقافة وحضارة القرآن الذي شرع فيه الله تعالى كل ما
يهم جوانب الحياة الإنسانية. والقرآن شرع به الله الدين السماوي الوحيد والحق وهو
الإسلام أما باقي الأديان الأخرى فهي من صنع وخلق البشر وهي كفر بالله تعالى. وما
يسمى أديان المسيحية واليهودية وغيرها دون دين الله الحق الإسلام تعتبر كفرا بالله
وحراما.
وهناك
نتيجة أساسية وهي أن الدعوة الإسلامية ليس الهدف منها دعوة الناس إلى الحصول على
مصاحف القرآن وحفظه في الصدور وقراءته صباح مساء للتبرك أو للحصول على أجر وحسنات
عند الله تعالى بل بالإضافة إلى ذلك يجب فهم القرآن الكريم ومعرفة ما فيه من أحكام
شرعية وقوانين إلاهية من أجل العمل والالتزام بها قولا وعملا سرا وعلانية.
الفقرة
الثانية: تضامن المسلمين واجب فرضه الله لإقامة عدله
لابد
من وحدة المسلمين وتضامنهم ولابد من المحافظة على النظام الإسلامي الذي شرعه الله
في القرآن الكريم لضمان استمرار المجتمع الإسلامي ودولة الإسلام في دار الإسلام
ولإقامة عدل الله وهو شرع الله الحق وفرض تطبيق منهج الله كما أراده الله عز وجل.
وسأبين
هذه الحقيقة من خلال نقطتين أ: وحدة المسلمين من شروط إقامة عدل الله تعالى ب:
المحافظة على النظام الإسلامي من شروط إقامة عدل الله تعالى.
أ-وحدة
المسلمين من شروط إقامة عدل الله:
المسلمون
يجب أن يكونوا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا وكالجسد الواحد إذا مرض أحد أعضائه
تأرت بمرضه الأعضاء الأخرى. أمر الله المسلمين بهذه الوحدة وعدم التفرقة حول دستور
واحد وشريعة واحدة وقوانين واحدة أصلها القرآن الكريم الذي شرعه الله للناس كافة
وفرض عليهم تطبيقه والالتزام به في الحياة الدنيا التي استخلفهم فيها لإعمار الأرض
وعبادة الله التي تتجسد وتتحقق بطاعة الله وتطبيق منهجه. وسأعالج مسألة وحدة
المسلمين كشرط أساسي لإقامة عدل الله تعالى من خلال ثلاث نقط 1 الأحكام الشرعية
التي تفرض وحدة المسلمين 2 الدعوة الإسلامية تقوي وحدة المسلمين 3 الأمة الإسلامية
صاحبة السلطة الإسلامية بأمر من الله عز وجل لإقامة عدل الله تعالى.
1-الأحكام
الشرعية التي تفرض وحدة المسلمين:
هناك أحكام
شرعية في القرآن الكريم وهي آمرة وملزمة تفرض وحدة المسلمين في كيان واحد ونظام
واحد وتمنع وتحرم تفرقتهم ومنها الأنعام 153 "وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه
ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلك وصاكم به لعلكم تتقون" والأنعام 159
"إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم
ينبئهم بما كانوا يفعلون" وآل عمران 105 "ولا تكونوا كالذين تفرقوا
واختلفوا من بعدما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم" والمجادلة 22
"رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون"
فكل المؤمنين الصالحين المسلمين المتقين الصادقين في المجتمع الإسلامي بدار
الإسلام يشكلون أمة الإسلام وحزبا واحدا وتنظيما اجتماعيا وسياسيا ودينيا
واقتصاديا واحدا. لأن وليهم الله وحاكمهم الأعلى والحقيقي الله تعالى. كلهم خاضعون
لقوانين الله المنظمة لمختلف جوانب حياة الإنسان. هذا الحزب الوحيد الذي يضم كافة
المسلمين الصالحين له رئيس وولي يجب أن تطاع أوامره الواردة في القرآن وأن تجتنب
نواهيه هو الله تعالى آل عمران 150 "بل الله مولاكم وهو خير الناصرين"
ومن الأحكام الدالة على تكوين حزب واحد يضم الأمة الإسلامية أي كافة المؤمنين
الصالحين آل عمران 101 "ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم" وآل
عمران 103 "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ
كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا..."ونعمة الله عز وجل التي
وحدت المسلمين وجعلتهم إخوانا ونظاما واحدا هي القرآن الكريم الذي التزم المسلمون
به وطبقوه في عهد الرسول عليه صلاة الله وسلامه فأصبحوا إخوانا. لهذا حرم الله
تعالى تفرقة المسلمين وانقسامهم إلى فرق وأحزاب مختلفة. وهذا أمر الله الوارد في
عدة آيات منها الروم 31-32 "منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من
المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون" المجادلة
19 "استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب
الشيطان هم الخاسرون" فيا أيها المسلمون لا تخلعوا عنكم إسلامكم ولا تشركوا
بالله أحدا من شياطين الجن والإنس ولا تتفرقوا حول كتاب الله ولا تكونوا سوى فرقة
واحدة ونظاما واحدا وحزبا واحدا رئيسه الله تعالى ودستوره القرآن الكريم المحددة
فيه أوامر الله ونواهيه وهي ثابتة وموحدة لا تتغير في الزمان والمكان أبدا ولا
تحتمل غير وجه واحد لتفسيرها. وهنا يتجلى دور أولى الأمر المؤمنين والعلماء
المؤمنين الصادقين في توحيد استنباط قوانين الله تعالى من القرآن وعليهم أن لا
يتأثروا بما نسب كذبا إلى الرسول عليه السلام من أقوال وأفعال لتحريف القرآن
والقضاء على وحدة المسلمين ليسهل عليهم تكفيرهم والسيطرة على خيراتهم ومواردهم.
إن
قوانين الله المشرعة في القرآن واحدة وتابثة وصالحة لكل زمان ومكان ولا مبدل
لكلمات الله أبدا إلا الله وحده الأنعام 115 "وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا
مبدل لكلماته وهو السميع العليم" والحياة في المجتمع الإسلامي هي التي يجب أن
تكون مطابقة وملائمة لقوانين الله القرآنية وليس العكس. ولا تفسر أحكام القرآن حسب
الزمان والمكان وحسب هوى الناس وعاداتهم وتقاليدهم ورغباتهم بل إن عادات الناس
وتقاليدهم ورغباتهم يجب أن تكون خاضعة لما أراد الله تعالى وما حلل وحرم في
القرآن. لقد اعتبركم الله أيها المسلمون إخوة فلا تخالفوا أمر الله وأنتم تعلمون
لأن من عصى الله وظلم كفر بالله واستحق عقابه في الدنيا والآخرة. فتدبروا إخواني
سورة الحجرات 10 "إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم
ترحمون". فالإخوة بين المؤمنين شرط للإيمان وفرض فرضه الله تعالى. وطبعا
الأخوة ليست في النسب ولكن في الدين والاعتصام بالله وبحبله المتين وهو القرآن
الكريم. وتؤكد لنا ذلك آيات منها الأحزاب 5 "ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله
فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين" والتوبة 11 "فإن تابوا وأقاموا
الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون" فالكفار
إذا آمنوا فعلا وأصلحوا واتقوا وعملوا بأحكام القرآن فعلا وبصدق يصبحون إخوانا
للمسلمين ومن أعضاء وأفراد الأمة الإسلامية. والأخوة بين المسلمين التي أمر بها
الله عز وجل تفرض المحبة المتبادلة والتكافل والتضامن والتعاون على البر والتقوى
والمصلحة المشتركة ومنها حب الله والدعوة إليه وطاعته.
بل
أمر الله تعالى بالدفاع عن الأخوة الإسلامية في حالة ظلم الحكام وغيرهم للمسلمين
النساء 75 "ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء
والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها وأجعل لنا من لدنك
وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا".
فالأخوة
الإسلامية فرضها الله تعالى لأنها عامل من عوامل وحدتهم وقوتهم وتضامنهم. لهذا فرض
الله تعالى حل النزاعات التي قد تنشأ بين المسلمين بعدل ومنع قيام الحروب بين
المسلمين لكي لا تضعف قوتهم. وتدل على ذلك عدة أحكام منها الحجرات 9 وإن طائفتان
من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي
حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب
المقسطين" والأنفال 1 "فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله
ورسوله إن كنتم مؤمنين" والأنفال 46 "ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم
واصبروا إن الله مع الصابرين". أمر الله بالاخوة والسلم والمحبة بين المسلمين
والتعاون لكي يتوحدوا ويتقووا وتكون لديهم وسيلة الدفاع عن الإسلام ودار الإسلام
في مواجهة الكفار الذين يتربصون بهم لتكفيرهم والاستيلاء على ثرواتهم ومواردهم.
وتؤيد ذلك عدة آيات قرآنية منها: البقرة 208 "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في
السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين" والمجادلة 9 "يا
أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا
بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون" والنساء 114 لا خير في كثير م
نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة
الله فسوف تؤتيه أجرا عظيما" والمائدة 2:" وتعاونوا على البر والتقوى
ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب" والحج 24
"وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد" والإسراء 53
"وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان
للإنسان عدوا مبينا" والأحزاب 70-71 "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله
وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز
فوزا عظيما" والنساء 9 "فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا" والبقرة
83 "وقولوا للناس حسنا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة". أمر الله بقول
الكلام الطيب والصالح والمفيد لتجنب النزاعات والخصام وحرم الكذب. المجادلة 14-15
"ويحلفون على الكذب وهم يعلمون أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا
يعملون. الصف 2-3 "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند
الله أن تقولوا ما لا تفعلون" كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون"
وآل عمران 167 "يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما
يكتمون" فأين الوحدة والأخوة والتعاون والتضامن الذي أمر به الله تعالى أيها
المسلمون. ألستم أصحاب السلطة الإسلامية بأمر من الله. لقد فرقكم الشياطين والكفار
وعملاؤهم ومنعوا وحدتكم وأخوتكم واتباعكم لمنهج الله لإضعافكم فحرموكم وحرمتم
أنفسكم من القوة والمناعة والعزة والكرامة التي تكونت لأسلافكم في عهد رسول الله
عليه الصلاة والسلام فعودوا أيها المسلمون إلى منهج الله
ولا تخشوا أحدا غير الله تعالى الذي قال بحق آل عمران 103 "واعتصموا بحبل
الله جميعا ولا تفرقوا" وحبل الله هو القرآن الكريم والروم 47 "وكان حقا
علينا نصر المؤمنين" ومحمد 7 "يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله
ينصركم ويثبت أقدامكم" ونصر الله معناه الدفاع عن القرآن والعمل بأحكامه قولا
وعملا سرا وعلانية والدعوة إلى الله بتبليغ وشرح القرآن للناس. فالله لا يحتاج إلى
من يدافع عنه لأنه صاحب القدرة المطلقة في الكون.
2-الدعوة
الإسلامية فرض من الله لتقوية وحدة المسلمين:
هل
يمكن لمسلم أو مسلمين ممارسة السلطة الإسلامية في مجتمع يتكون من ملايين الكفار ؟
لا يمكنهما ذلك ولو تمكنوا من زمام السلطة في الدولة لأن قوة الكفار تعرقلهم
وتمنعهم من تطبيق منهج الله تعالى. من هنا تظهر أهمية تكوين الأمة الإسلامية
والدعوة الإسلامية لتقوية وزيادة عدد المسلمين في أرض الله تعالى. لهذا أمر الله
تعالى بالدعوة الإسلامية وتفسير وتبليغ القرآن الكريم للناس وإقناعهم باعتناق
الإسلام دين الله الحق. ومن الأحكام الشرعية التي تفرض الدعوة لله النحل 125
"ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"
والعنكبوت 46 " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا
منهم" فإذا طعنوا في الإسلام أو اعتدوا على دار الإسلام يواجههم المسلمون
بالقوة بمختلف أشكالها وفصلت 33 "ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا
وقال إنني من المسلمين".
إن
واجب الدعوة لله مفروض على كل المسلمين حسب استطاعتهم الفكرية والصحية والمالية.
ويجب على السلطة الإسلامية تنظيم الدعوة وتوفير وسائل القيام بها المادية
والمعنوية والأمنية. بل جعل الله تعالى الجهاد للدعوة الإسلامية من شروط الإيمان.
الأنفال 74 "والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين أووا ونصروا
أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم" والحجرات 15 "إنما المؤمنون
الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله
أولئك هم الصادقون" وآل عمران 169 "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله
أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون" والتوبة 88-89 "لكن الرسول والذين
آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون أعد
الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم".
تدبروا
إخواني المحترمين هذه الآية الكريمة: لولى جهاد رسول الله ولولى جهاد المؤمنين معه
ومن بعده بالمال والنفس حيث مات الشهداء في سبيل الله فلولى هذه التضحيات لما
انتشر الإسلام دين الله الحق في العالم ولما وصلنا كتاب الله العزيز القرآن.
علينا
أيها الإخوة المسلمون الجهاد بالنفس والمال كل حسب استطاعته الفكرية والمالية
والصحية لحمل رسالة الأمة الإسلامية والقيام بالدعوة لله لتلبية أمر الله
والاستجابة إليه ولتقوية المسلمين بشريا. ومن الأحكام الشرعية المؤكدة لذلك ما
يلي: التوبة 122 "وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم
طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون".
فالأمة الإسلامية وأولوا الأمر الذين اختارتهم لممارسة السلطة الإسلامية ملزمون
بتكوين الدعاة والمرشدين والوعاظ الصادقين والمتقين، لأن تبليغ القرآن للناس واجب
فرضه الله تعالى. والنحل 43 "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" هذه
الآية الكريمة حددت واجبين متقابلين الأول مفروض على الذين يجهلون أحكام القرآن.
فعليهم واجب طلب معرفتها من الذين لهم إلمام بعلوم القرآن وفهمه. وعلى هؤلاء وهم
أولوا الأمر المؤمنون الصادقون الصالحون والعلماء المتقون الصالحون أن يبينوا
أحكام القرآن ويشرحوها للناس وإذا لم يفعلوا ذلك خصص لهم الله تعالى عذابا شديدا.
البقرة 174-175 "إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا
قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا
يزكيهم ولهم عذاب أليم أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فما
أصبرهم على النار" والبقرة 159-160 "إن الذين يكتمون ما أنزلنا من
البينات والهدى من بعدما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم
اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب
الرحيم" وآل عمران 77 "إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا
أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا
يزكيهم ولهم عذاب أليم".
يا
أيها المسلمون علموا أبناءكم وزوجاتكم وأسركم القرآن الكريم وفسروه لهم.واعملوا
على أن يلتزموا بأحكامه قولا وعملا سرا وعلانية. لأن هذا الالتزام واجب. ولا يمكن
للإنسان أن يلتزم بالقرآن وهو يجهله. لا يمكن لإنسان تجديد محرك سيارة إلا إذا كان
متقنا لعلوم الميكانيك ولا يمكن لإنسان أن يجري عملية جراحية على مريض إلا إذا كان
ملما بعلوم الطب.لهذا أنقدوا أيها الناس أنفسكم وأهلكم، وافهموا القرآن الكريم
والتزموا به لكي لا تكونوا حطبا ووقودا لنار جهنم ولا تتعرضوا لعذاب الله في
الدنيا أيضا. وعلى السلطة الإسلامية وأولي الأمر في دار الإسلام فرض تدريس علوم
القرآن وتفسيره وحفظه أو على الأقل ما تيسر منه في المدارس والإعداديات والثانويات
والمعاهد والكليات وفرض تربية المجتمع الإسلامي بتربية وأخلاق القرآن الكريم
وحمايته من تقليد الكفار فيما يخالف شرع الله، وذلك بمراقبة وسائل الاتصال
والإعلام لكي لا تنتقل جرثومة الكفر ومحاولات التكفير إلى عقول وقلوب المسلمين.
وأذكر إخواني القراء والباحثين المحترمين بالدراسة التي نشرتها حول موضوع:"
فهم القرآن الكريم" بموقعي بالأنترنيت. 18 صفحة.
3-الأمة
الإسلامية صاحبة الحق في السلطة الإسلامية:
القرآن
ليس تراثا ولا عقيدة ضمير داخلي خاص بالمسلم بل عقيدة وعمل وسلوك شرعه الله تعالى
للناس كافة في الكون وفرض عليهم الالتزام بأحكامه قولا وعملا سرا وعلانية. الله هو
الذي خلق الكون وما فيه ومنه الإنسان. وكل ما خلق الله له وظيفة في الكون. ووظيفة
الإنسان إعمار الأرض وعبادة الله طبقا لما في القرآن. ليس للناس حرية تحديد السلوك
الذي أرادوه في الدنيا أو اعتقاد ما أرادت شهواتهم وهواهم بل كل الناس ملزمون
بأحكام القرآن ونظامه الشامل لمختلف جوانب حياة الإنسان. ولكن الكفار همشوا الدين
الإسلامي وأبعدوه عن الحكم والسياسة والاقتصاد. ونادوا بفرض سيطرتهم الفكرية
والسياسية والعسكرية على المسلمين وتطبيق قوانين الغرب عليهم في بلاد الإسلام.
وهناك من يطالب بالحداثة وتجديد الإسلام ليكون في نظرهم مطابقا للعصر حتى يقلد
مؤسسات وقوانين الدول الغير الإسلامية. وهذا مخالف لشرع الله لأن أحكام القرآن
تابثة ولا تتغير ولا تتجدد بل هي صالحة لكل زمان ومكان. وعلى الواقع الاجتماعي في
بلاد الإسلام أن يكون متلائما مع أحكام شرع الله الذي حدد فيها كل ما يهم جوانب
الحياة البشرية الدينية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية. وتؤكد ذلك آيات منها الزمر 27
"ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون" الكهف 54
ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا"
والنحل 89 "ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى
للمسلمين" الطلاق 11 "رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين
آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله
جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا" المائدة
16 "يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور
بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم" إبراهيم 1 "الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج
الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد" الأحزاب 43
"هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين
رحيما" الحديد 9 "هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات
إلى النور وإن الله بكم لرؤوف رحيم" والروم 58 "ولقد ضربنا للناس في هذا
القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون".
فالدولة الإسلامية ونظامها الدستوري والقانوني جزء من القرآن وأحكام السلطة
الإسلامية محددة في القرآن الكريم. ومن لم يتأكد من هذه الحقيقة فليدرس القرآن
الكريم. لا يمكن أن يطبق شرع الله وينتظم المجتمع الإسلامي إلا بالسلطة الإسلامية.
بل
إن القرآن عدل وحكم الله الذي يجب أن يطبق على الناس في الدنيا. فلا يمكن أن يطبق
إلا بقيام سلطة إسلامية حدد الله تعالى نظامها الدستوري في القرآن. ولكن من له
الحق في ممارسة السلطة الإسلامية ؟
لا
يمكن تطبيق النظم الدستورية لدول الكفار وقوانينهم على المسلمين بدار الإسلام. لأن
نظام الدولة الإسلامية ودستورها وقوانينها لها مبادئ وأحكام آمرة وملزمة حددها
الله عز وجل في القرآن. والدولة الإسلامية تقام بدار الإسلام التي تكونت فيها
الأمة الإسلامية وهي مجموع المؤمنين الصادقين الصالحين المتقين. والأمة الإسلامية
هي التي فرض عليها الله تعالى ممارسة السلطة الإسلامية أو اختيار وانتخاب من
يمارسها تحت مراقبتها بحيث إذا زاغ الذين يمارسون هذه السلطة وخرقوا شرع الله
فالأمة الإسلامية ملزمة بعزلهم ومعاقبتهم واختيار أو انتخاب من يحل محلهم لأن شؤون
الدولة وقضايا المجتمع الإسلامي من اختصاص الأمة الإسلامية تقرر فيها بنفسها ودون
سواها. الشورى 38 "والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى
بينهم". هذه الآية الكريمة قاعدة دستورية أساسية آمرة وسامية وملزمة فلا يكون
من الأمة الإسلامية وأولي الأمر إلا المسلمون الصادقون الملتزمون بمنهج الله تعالى
قولا وعملا سرا وعلانية بل هناك أحكام دستورية أخرى في القرآن أكدت مسؤولية الأمة
الإسلامية عن الدولة الإسلامية وسلطاتها. ومنها التوبة 71 "والمؤمنون
والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة
ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم"
والتوبة 112 "التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون
بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين". فالأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر من اختصاص المؤمنين والمؤمنات بل من الواجب المفروض
عليهم لحماية دين الله وإقامة عدله. بل وضع الله تعالى تدرجا في سلطة الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر بين المؤمنين والمؤمنان. فتدبروا إخواني المحترمين
عبارة" والحافظون لحدود الله" في الآية الأخيرة التوبة 112. لقد كلف
الله الأمة الإسلامية بحفظ حدود الله أي الأحكام الشرعية التي شرعها الله للناس في
القرآن. لا يمكن حفظ حدود الله وتطبيقها والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا
بقيام دولة وسلطات عمومية. وهذا ما فرضه الله على الأمة الإسلامية أي مجموع
المؤمنين الصالحين الصادقين دون المنافقين والكفار.
وهناك
أحكام دستورية أخرى منها آل عمران 104 "ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير
ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون" وآل عمران 110
"كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون
بالله" والحج 41 "الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة
وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور". فكل هذه الآيات
الدستورية أكدت الواجب الذي فرضه الله على المسلمين المكونين للأمة وهو أن يأمروا
بالمعروف وينهوا عن المنكر ولابد للأمر والنهي من سلطة ودولة. ومن لم ينفذ أوامر
الله فقد ظلم وعصى الله واستحق عقاب الله. فتدبروا إخواني آيات القرآن كلها ستجدون
أن أوامر الله ونواهيه صادرة من الله تعالى إلى الرسول تارة وإلى المؤمنين تارة
أخرى وأحيانا إلى كافة الناس. فالمؤمنون والمؤمنات فرض الله عليهم مهمة إدارة
الدولة الإسلامية وممارسة السلطات الإسلامية أو اختيار من يمارسها تحت مراقبتهم
إذا توفرت فيهم الكفاءة العلمية والصحية والعقلية والإلمام بشرع الله وحسن تدبير
وسياسة الدولة الإسلامية، وحماية دين الله وحدوده دون أي اعتبار للمال والنسب أو
غيره.
ومن
الأحكام الدستورية القرآنية التي فرضت على المؤمنين ممارسة السلطة الإسلامية
النساء 59 "يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم
فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك
خير وأحسن تأويلا". في هذه الآية جعل الله تعالى طاعة أولى الأمر الذين
يمارسون السلطة الإسلامية واجبا مفروضا على المؤمنين وجعل هذا الواجب شرطا من شروط
الإيمان لأن الذي عصى السلطة الإسلامية المشروعة المطابقة للقرآن الكريم مس
بإيمانه وارتكب إثما كبيرا. ولكن إذا لم يكن ولي الأمر مؤمنا متقيا صادقا صالحا
وملتزما بشرع الله فلا طاعة له بل يجب عصيانه وعزله ومعاقبته. فتدبروا إخواني
عبارة "أولي الأمر منكم" في الآية النساء 59 إنها تعني أولي الأمر من
المؤمنين لأن أمر الله موجه للمؤمنين. وهناك أحكام دستورية مؤكدة ومدعمة ومفسرة
للنساء 59 ومنها الشعراء 151-152 "ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في
الأرض ولا يصلحون" فالإسراف هو مخالفة شرع الله وعصيانه. ومن خالف شرع الله
من أولي الأمر يجب عصيانه وعزله ومعاقبته. المائدة 55-56 "إنما وليكم الله
ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتول الله
ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون". لا تجوز ممارسة السلطة
الإسلامية إلا من طرف المؤمنين الصالحين المتقين. والمجادلة 22 "لا تجد قوما
يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم
أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات
تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن
حزب الله هم المفلحون". كل من استكبر عن آيات الله وأعرض عنها وخالفها عن علم
وقصد حاد الله ورسوله، فلا تجوز طاعته ومواداته أبدا. ولا يمكنه ممارسة السلطة
الإسلامية. وعصيان من عصى الله شرط من شروط الإيمان. وتؤكد ذلك أيضا سورة هود 113
"ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم
لا تنصرون". من أطاع الذي عصى الله وظلم ينال نفس العقاب المخصص له وهو جهنم.
وهناك الممتحنة 12 "ولا يعصينك في معروف" هذه قاعدة دستورية آمرة
وملزمة. فالرسول عليه صلاة الله وسلامه أكد له الله تعالى بأن من واجب المؤمنات أن
يعصينه في المنكر وهو ما يخالف القرآن. والنور 52 "ومن يطع الله ورسوله ويخش
الله ويتقه فأولئك هم الفائزون". أكد الله تعالى بأن طاعة الله والتقوى فوق
طاعة الرسول. بمعنى لا يطاع الرسول إلا في إطار تقوى الله وطاعته.
ومن
الأحكام الدستورية التي تأمر بعصيان الحكام إذا خالفوا شرع الله الفرقان 52
"فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا" أي بالقرآن الكريم. وآل
عمران 28 "لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك
فليس من الله في شيء" والممتحنة 1 "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي
وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق..." فالذي
خالف شرع الله بعلم وقصد كفر بالقرآن ولا ولاية ولا سلطة له على المسلمين.
والمائدة 57 "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزؤا ولعبا
من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين"
والنساء 138-139 "بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما الذين يتخذون الكافرين
أولياء من دون المؤمنين" المائدة 72 "من يشرك بالله فقد حرم الله عليه
الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار" فإذا عصى أولوا الأمر الله تعالى
وكفروا بآياته عن علم وقصد فمصيرهم نار جهنم. ولا يجوز شرعا نصرهم وتأييدهم. ومن
نصرهم وأيدهم مصيره النار كذلك. والسلطة الإسلامية في دولة الإسلام ليست حقا لأولي
الأمر ولا يمكنهم إسنادها إلى غيرهم لأنها تفويض من الأمة الإسلامية تحت المراقبة.
والله تعالى هو الذي أسندها وفرضها عليها. السلطة الإسلامية حق للأمة الإسلامية
وحدها فلا يمكن لأولي الأمر توريتها لمن أرادوا بل السلطة الإسلامية حق للأمة
الإسلامية تمارس تحت مراقبتها. وكلام الله أي القرآن تابت ولا يبدله إلا الله إن
شاء. الأنعام 115 "وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع
العليم". لهذا فإن أحكام النظام الدستوري والسياسي والاقتصادي والديني في
القرآن ثابتة وصالحة لكل زمان ومكان. والأمة الإسلامية هي التي تشرع القوانين
التفصيلية المطابقة للقرآن.هكذا يتبين لنا في هذه النقطة (أ) من الفقرة الثانية أن
وحدة المسلمين أساسية لإقامة عدل الله تعالى. لذلك تجب الدعوة لله لتدعيمها وتبليغ
وتفسير القرآن للناس وممارسة الأمة الإسلامية للسلطة الإسلامية لتطبيق منهج الله
وتدعيم وحدة المسلمين.
وسوف
يتأكد لنا أيضا بأن المحافظة على النظام الإسلامي من شروط إقامة عدل الله واستمرار
الدولة الإسلامية وهذا ما أتعرض له في النقطة ب من هذه الفقرة الأخيرة.
ب-المحافظة
على النظام الإسلامي من شروط إقامة عدل الله تعالى
الأمة
الإسلامية ملزمة بأمر الله تعالى بالمحافظة على النظام الشامل الذي شرعه في القرآن
الكريم. هذا النظام يهم الجانب الديني والسياسي والاقتصادي والأخلاقي والاجتماعي.
والقواعد والأحكام الشرعية المحددة والمنظمة لهذا النظام الإسلامي ثابتة في
القرآن. لهذا فرض الله تعالى على الناس تطبيق القرآن والإلتزام به وإقامة عدله.
ولكي
يقوم المسلمون بهذا الواجب الشرعي لابد لهم من تكثيف جهودهم للمحافظة على النظام
الإسلامي لكي يقيموا عدل الله. وهذه الجهود أحددها في ثلاث نقط على التوالي: 1
تطبيق منهج الله 2 التكافل الاجتماعي 3 الاستقلال الديني والسياسي والاقتصادي
للدولة الإسلامية بدار الإسلام.
1-تطبيق منهج
الله تعالى من شروط المحافظة على النظام الإسلامي:
تطبيق
منهج الله أساسي للمحافظة على النظام الإسلامي. وأبين ذلك من خلال ثلاثة محاور.
الأول يشتمل على الأحكام التي تفرض تطبيق منهج الله تعالى والثاني: منهج الله تعالى يحرم إقامة الكفار وكنائسهم بدار
الإسلام والثالث: منهج الله يفرض العدل في معاملة غير المسلمين.
وأبدأ بالمحور
الأول: الأحكام التي تفرض تطبيق منهج الله تعالى.
هناك
آيات كثيرة في كتاب الله الصادق والحق أمر فيها الله تعالى المسلمين بتطبيق القرآن
الكريم في دار الإسلام. ومنها الجاتية 6 "تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق
فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون" والأعراف 3 "اتبعوا ما أنزل إليكم من
ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء" والأنعام 155 "وهذا كتاب أنزلناه مبارك
فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون" والأنعام 153 "وأن هذا صراطي مستقيما
فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون"
والأعراف 156 "فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه
أولئك هم المفلحون" والنور الذي أنزل الله ويفلح من اتبعه هو القرآن الكريم
لأنه يخرج المؤمنين الصادقين من الظلمات إلى النور ومن الضلالة على الهداية ومن
الطريق المؤدي إلى نار جهنم إلى الطريق المؤدي إلى الله تعالى لرؤيته والفوز
برحمته والحياة الدائمة السعيدة في جنته. وهناك أيضا الجاثية 18 "ثم جعلناك
على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون" وهي شريعة ومنهج
القرآن الذي يتضمن أوامر الله تعالى وما فيها من محرمات وفرائض. الطلاق 5
"ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا"
والسجدة 22 "ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين
منتقمون" والكهف 57 "ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما
قدمت يداه إنا جعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه" والزخرف 36-37 "ومن يعش
عن ذكر الرحمان نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم
مهتدون". لقد أمر الله تعالى كل الناس بالكون بطاعته وطاعة الله تعالى لا
تتحقق إلا بالالتزام بالقرآن الكريم قولا وعملا سرا وعلانية. ومن أطاع الله يفوز
برحمة الله ورضاه ورؤيته والحياة الدائمة في جنته بل ينال رحمة الله وأمنه حتى في
الدنيا.
لم
يأمر الله تعالى بإقامة شعائر الصلاة والصوم والزكاة والحج فقط بل أمر بتطبيق
منهجه الكامل. بالإضافة إلى هذه الشعائر والمناسك يجب الالتزام بكل أحكام القرآن
الكريم.
فالأحكام
الشرعية والقوانين التي يتضمنها القرآن الكريم حدود الله التي شرعها للناس بالكون
فلا تجوز شرعا مخالفتها أبدا. ومن خالفها كافر يستحق عذاب الله في الدنيا وعقاب
السلطة الإسلامية في دار الإسلام وعذاب نار جهنم في الآخرة. البقرة 229 "تلك
حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون" والبقرة 187
"تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله آياته للناس لعلهم يتقون"
والتقوى هي طاعة الله والالتزام بشرع الله. والنساء 14: "ومن يعص الله ورسوله
ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين". فالتزموا بالقرآن منهج
الله أيها الناس في كل أنحاء الكون إنكم مراقبون من الله وملائكته وتحاسبون حسب
الكتاب الذي تسجل فيه أعمالكم. والله تعالى معكم أينما كنتم ويجازي كل إنسان عن
أعماله بعدل. طه 123-124 "فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري
فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى".
إن
واجب الالتزام بالقرآن المفروض على الناس قاعدة شرعية فرضها الله تعالى بالنسبة
لكل شرائعه السابقة. الأعراف 35 "يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون
عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا
عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون" والبقرة 38-39 فإما يأتينكم مني هدى
فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك
أصحاب النار هم فيها خالدون". فكل أمة مسؤولة عن أعمالها طبقا للشرع الذي
أنزله لها الله تعالى والذي تنتهي صلاحيته وإلزامه بانتهاء الأمة المنزل لها ونزول
شرع لاحق لأمة أخرى حددها الله وعلى رسول آخر من اختيار الله تعالى. البقرة 134
"تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا
يعملون" والروم 47 "ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات
فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين". إن تطبيق منهج الله
شرط أساسي من شروط المحافظة على النظام العام الإسلامي. الله تعالى يحمي المسلمين
إذا التزموا بشرعه وأطاعوه. فصلت 30-31 "إن الذين قالوا ربنا الله ثم
استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم
توعدون. نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم
فيها ما تدعون" والأحقاف 13-14 "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا
فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا
يعملون". يونس 62-64 "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون
الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكمات
الله ذلك هو الفوز العظيم".
القرآن
الكريم رحمة وسعادة وأمن لمن اتبعه. ابراهيم 1 "الر كتاب أنزلناه إليك لتخرج
الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد" والنحل 89
"ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين" والحديد
9 "هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله
بكم لرؤوف رحيم" والإسراء 9 "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر
المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا" فتدبر أخي آيات القرآن
الكريم وستجد عشرات الآيات التي أكدت وكررت نفس الحكم الشرعي ومحتواه أن من آمن
بالله ورسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر وعمل بأحكام القرآن قولا وعملا سرا
وعلانية ينال رحمة الله وسعادته وأمنه في الدنيا وفي الآخرة. وكمثال من هذه الآيات
الكثيرة النحل 97 "من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة
ولنجزيينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون" وغافر 40 "من عمل سيئة فلا
يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون
فيها بغير حساب" والأعراف 156 "ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون
ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون" فلا يكفي الإيمان وحده بل يجب أن
يتجسد بالتقوى والعمل الصالح أي الإلتزام بالقرآن الكريم وهو منهج الله تعالى.
إذا
التزم المسلمون بمنهج الله وحافظوا على النظام الإسلامي وأقاموا عدل الله وجاهدوا
في سبيل الله بالنفس والمال يصلح الله أحوالهم ويجازيهم بالجنة والرحمة. الطلاق
2-3 "ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب" والطلاق 4
"ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا" والأعراف 96 "ولو أن أهل
القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما
كانوا يكسبون". ومن جهة أخرى فإن الأساس الذي يلزم المسلمين بالقرآن وتطبيق
منهج الله تعالى أن فيه العدل والحق والنظام الذي أراده للناس في الدنيا. ومن
الآيات الدالة على ذلك المائدة 49 "وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع
أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك" والمائدة 50
"أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون" والقصص 70
"وهو الله لا إلاه إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه
ترجعون" والأنعام 57 "إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين"
ويوسف 40 "إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن
أكثر الناس لا يعلمون" والأنعام 62 "ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا
له الحكم وهو أسرع الحاسبين".
فالسلطة
الإسلامية ملزمة بالحكم بمنهج الله القرآن الكريم. ومن لم يحكم بالقرآن ظالم وفاسق
وكافر ولا ولاية له على المسلمين بدار الإسلام نهائيا بل يجب شرعا على الأمة
الإسلامية خلعه ومعاقبته واختيار وانتخاب من هو أصلح وأكثر كفاءة لولاية أمر
المسلمين.
فالنظام
الإسلامي له جوانب دينية واقتصادية وسياسية دستورية واجتماعية وأصوله وأحكامه في
القرآن الكريم. لهذا فإن تطبيق القرآن شرط أساسي من شروط المحافظة على النظام
الإسلامي وإقامة عدل الله. وألتمس من إخواني المسلمين في كل أنحاء العالم أن
يجاهدوا بالمال والنفس لتطبيق منهج الله تعالى كما أراد الله عز وجل. فلا تتأثروا
بالأقوال والأفعال التي نسبها أعداء الإسلام كذبا إلى رسولنا محمد عليه وعلى كل
الرسل صلاة الله وسلامه وذلك رغبة منهم في تحريف القرآن الكريم. فلا تكونوا
كالنصارى واليهود الذين حرفوا التوراة والإنجيل ولم يلتزموا بهما كل شريعة في
فترتها الزمنية التي أرادها لها الله. الجمعة 5 "مثل الذين حملوا التوراة ثم
لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله
لا يهدي القوم الظالمين".
لهذا
لا يكفي حفظ القرآن عن ظهر قلب وقراءته صباح مساء كما أمر الله في سورة المزمل 20
" فاقرؤوا ما تيسر من القرآن"، ولا يكفي الحصول على مصاحف القرآن
وترتيبها في المساجد والمكتبات والمنازل بل يجب أيضا تدبر القرآن وفهمه والالتزام
بأحكامه قولا وعملا سرا وعلانية. محمد 24 "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب
أقفالها". وأحيل إخواني المحترمين إلى الدراسة التي نشرتها في موقعي
بالأنترنيت حول فهم القرآن الكريم 18 ص.
2-المحور
الثاني: التكافل الاجتماعي بين المسلمين واجب فرضه الله
إن
تضامن المسلمين وتعاونهم وتكافلهم ومساعدة بعضهم البعض شرط أساسي من شروط المحافظة
على النظام الإسلامي وإقامة عدل الله عز وجل. ويؤدي إلى السلم والأمن والازدهار
والمحبة والمودة في المجتمع الإسلامي. وأدلي ببعض الأحكام الشرعية التي تفرض تكافل
المسلمين تاركا التعمق في دراستها لبحث آخر.
فرض
الله تعالى الزكاة والصدقات لإنقاذ المحتاج المضطر لأسباب خارجة عن إرادته من خطر
الجوع المؤدي إلى الموت ولمنع تكدس الثروات الذي يدفع إلى التجبر والطغيان والظلم،
ولدفع الناس وحثهم على العمل والمزيد من الإنتاج لتقوية الدولة الإسلامية وإعداد
القوة التي أمر بها الله تعالى للدفاع عن دار الإسلام ودين الله وإقامة عدله لأن
العمل الحلال فرض من فرائض الإسلام. والله تعالى استخلف الناس في الأرض ليعمروها
وليعبدوه. والعمل الحلال عبادة كذلك مثل العبادات الأخرى. واستغفر الله تعالى إن
أخطأت في هذا التدبر والتأويل لآيات الله تعالى الذي له العلم المطلق.
ومن
الآيات القرآنية التي أستدل بها البقرة 110 "وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما
تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير" والإسراء
26-27 "وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا، إن المبذرين
كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا" والروم 38 "فآت ذا
القربى قهه والمسكين وابن السبيل ذلك خير للذين يريدون وجه الله وأولئك هم
المفلحون". لهذا فرض الله صلة الرحم في إطار التكافل الاجتماعي البقرة 27
"ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولائك هم الخاسرون"
الرعد 19-21 "إنما يتذكر أولوا الألباب الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون
الميثاق والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء
الحساب" والرعد 25 "والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما
أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار" فرض
الله تعالى الزكاة والصدقة أولا لذي القربى واعتبرها حقا لهم إذا كانوا مؤمنين
محتاجين لأسباب خارجة عن إرادتهم كالمعاقين والمحرومين وذوي العاهات الذين ليست
لهم موارد للعيش. المعارج 24-25 "والذين في أموالهم حق معلوم للسائل
والمحروم" النور 22 "ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي
القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله" والبقرة 215 "يسألونك ماذا
ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل
وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم" والطلاق 7 "لينفق ذو سعة من سعته
ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل
الله بعد عسر يسرا". والمنافقون 10:" وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن
يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ولن
يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون" والرعد 22-23-24
"والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا
وعلانية ويذرؤون بالحسنة السيئة أولئك لهم عقبى الدار جنات عدن يدخلونها ومن صلح
من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما
صبرتم فنعم عقبى الدار" وآل عمران 92 "لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما
تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم" والبقرة 254 "يا أيها الذين
آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة
والكافرون هم الظالمون" ابراهيم 31 "قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة
وينفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلال".
لا تعطى الصدقة والزكاة للكفار أبدا لأنهم أعداء الله والمسلمين والقرآن الكريم،
ولأنها تقويهم على المسلمين، والله تعالى أمر بإعداد القوة وللدفاع عن الإسلام
والمسلمين، الأنفال 60 "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون
به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في
سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون" والتحريم 9 "يا أيها النبي جاهد
الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير" والفتح 29
"محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم" المجادلة 22.
"لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا
آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أوعشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح
منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه
أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون" الممتحنة 1"يا أيها الذين
آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من
الحق".هذه الآيات أكدت بصراحة أن الزكاة والصدقة لا تعطى نهائيا للكفار. لا
يمكن للمسلم أن يزيد في قوة عدو الله وعدوه ولا يجوز له شرعا أن يرحمه بأية وسيلة
أو يساعده ومن فعل ذلك ارتكب سيئة وإثما كبيرا وجريمة في حق الدولة الإسلامية
والإسلام لأنه ساهم في تقوية العدو وهو الكافر والمنافق. ولا تجوز الزكاة إلا من
المال الحلال لأن كل ما يحصل عليه الإنسان مما حرم الله باطل. وأموال الكفار لا
تقبل منها الصدقة لأن أعمالهم باطلة ومصيرهم نار جهنم وتدل على ذلك آيات كثيرة سبق
البحث فيها. هود 16 "أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا
فيها وباطل ما كانوا يعملون" البقرة 217 "من يرتدد منكم عن دينه فيمت
وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها
خالدون" فلو طبقت أحكام الصدقة والزكاة بجد وصدق لما وجد المحتاج في دار
الإسلام. ولو طبقت الأحكام الشرعية التي تفرض العناية بالوالدين لما وجد كذلك
المحتاج في المجتمع الإسلامي الإسراء 23-24 "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه
وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا
تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما
ربياني صغيرا" والبقرة 83 " وإذا أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا
الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسنا وأقيموا
الصلاة وآتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون" والأحقاف 15
"ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا". ولقمان 14-15 "ووصينا الإنسان
بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن أشكر لي ولوالديك إلي المصير
وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا
معروفا...". فتدبروا إخواني هذه الآية لقد جعل الله تعالى شكره وحمده في
مرتبة شكر الوالدين. الله تعالى هو الذي وفر مصادر طعام كل إنسان ولكن الفضل بعد
الله يعود للوالدين الذين بدلا مجهودا جبارا لإطعام أبنائهما وتربيتهم حتى أصبحوا
قادرين على إعالة أنفسهم. لهذا فرض الله الإحسان بالوالدين والإنفاق عليهم إذا
كانوا محتاجين. الرحمان 60 "هل جزاء الإحسان إلا الإحسان" أليس ما أنفقه
الوالدان من مال وجهد على أبنائهما إحسانا ؟ من لم يحسن لوالديه المحتاجين إليه
وهو يتوفر على المال لا صلاة له وإن صلى وهو آثم إثما كبيرا. بل يعتبر عاصيا لله
وظالما لقوله تعالى في سورة النحل 90 "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء
ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي" والوالدان أقرب الأقارب ويجب
الإحسان إليهما والإنفاق عليهما والعناية بهما وتكريمهما هذه الآية الكريمة شرعت
حكما آمرا ملزما محكما هو أساس التضامن والتكافل الاجتماعي في دولة الإسلام وهو
أداة قانونية إذا طبقتها السلطة الإسلامية في دار الإسلام كما أمر الله عز وجل تزدهر
دولة الإسلام وتتقوى ويعم بها الأمن والاستقرار والتكافل والتضامن الاجتماعي
والأخوة بين المسلمين، وتزداد الدولة الإسلامية تلاحما وقوة ومناعة. إن هذه الآية
90 من سورة النحل تتضمن فلسفة وتفكيرا عميقا أيها الإخوة المسلمون. فتدبروها جيدا
وأعيدوا قراءة "إن الله يأمر" هل هناك من يعصي أمر الله إلا الكفار
والمنافقون ؟ وهناك البقرة 215 "يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير
فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن الله
به عليم" فالسلطة الإسلامية ملزمة بفرض تطبيق منهج الله ومنه هذه الأحكام
المتعلقة بالتكافل الاجتماعي لحماية النظام الإسلامي وإقامة عدل الله عز وجل. على
هذه السلطة أن تتدخل لإرغام الأبناء على الإحسان لوالديهم والعناية بهم ولو بالقوة
والاقتطاع من أموالهم لصالح آبائهم. وإذا لم تفعل السلطة الإسلامية ذلك فقد عصت
الله بعدم فرض تطبيق منهجه.
وفي
إطار التكافل الاجتماعي الذي فرضه الله على المسلمين أمر الله بالسلم والتعاون
والتضامن في دار الإسلام. البقرة 208 "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم
كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين" والمائدة 2 "وتعاونوا
على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد
العقاب". هذا التعاون والتضامن والأخوة والعدل بين المسلمين من عوامل القوة
التي تمكنهم من الدفاع عن دار الإسلام والمسلمين ودين الله الحق الإسلام. لهذا على
المسلمين التعاون في كل المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعلمية
والتقنية والعسكرية.
ومن
جهة أخرى وللمحافظة على النظام الإسلامي الذي تعد السلطة الإسلامية مسؤولة عنه تحت
مراقبة الأمة الإسلامية المكونة من المؤمنين الصادقين المتقين. فلا يمارس السلطة
الإسلامية إلا المسلمون الصادقون الشورى 38 "والذين استجابوا لربهم وأقاموا
الصلاة وأمرهم شورى بينهم" هناك نظام الأسرة الذي شرعه الله في القرآن
الكريم. فالأسرة هي الخلية الأساسية التي يتكون منها المجتمع الإسلامي. وأدعو
إخواني الباحثين المحترمين إلى تخصيص دراسة علمية شاملة لنظام الأسرة كما شرعه
الله تعالى في القرآن الكريم وتخصيص ندوات كثيرة حول هذا الموضوع وتفسيره وتبليغه
للناس بمختلف وسائل الإعلام نظرا لدور الأسرة والمدرسة في تربية الأطفال تربية
إسلامية صحيحة. وفي هذا الصدد أبين الأحكام الشرعية التي تمنع إقامة الكفار في دار
الإسلام حتى لا تنتقل جراثيم الكفر والإلحاد إلى المجتمع الإسلامي ويتم تكفير
المسلمين. ومن هذه الأحكام أن الله تعالى حمى الأسرة المسلمة من الكفار بمنع زواج
المسلم بالكافرة وزواج المسلمة بالكافر. لقد رخص الله بالزواج بالكتابية ولكن بعد
إسلامها. فتدبروا معي إخواني البقرة 221 "ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة
مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من
مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين
آياته للناس لعلهم يتذكرون". فكل زواج بين مسلم وكافرة حرام بأمر الله تعالى
وكل زواج بين مسلمة وكافر حرام أيضا. إن الزواج بالكفار والكافرات يعطي أسرا كافرة
ولا تلد ولا تربي إلا الكفار يعطون مثلا في تربية الكفر للآخرين وبذلك ينهار
النظام الإسلامي الذي أمر الله بحمايته وفرض ذلك على الأمة الإسلامية.
وهناك
أحكام شرعية أخرى تحرم زواج المسلم بغير المسلمة وزواج المسلمة بغير المسلم ومنها
النور 3 "الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو
مشرك وحرم ذلك على المؤمنين". أبطل الله تعالى زواج المسلم والمسلمة إذا زنى
أحدهما لأن الزاني منهما قد خلع على عنقه الإيمان إلا إذا تاب لله توبة نصوحا بدون
عودة إلى الزنا نهائيا، وأبين الحكم الشرعي حول هذه المسألة الفرقان 68-71
"والذين لا يدعون مع الله إلاها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا
بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه
مهانا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا
رحيما ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا". فتدبروا هذه الآية
المحكمة. فالزانية والزاني لهما عذاب الله في الدنيا ونار جهنم في الآخرة ولو صلى
وصام وحج البيت الحرام، إلا إذا تاب توبة نصوحا صادقة لا رجعة فيها إلى الزنا
نهائيا. فالزنا كفر بالله وعصيان له. لقد حرم الله الزواج بين المسلمين والكفار.
فبالإضافة إلى الآيات المحكمة السابقة هناك النساء 25 "ومن لم يستطع منكم
طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله
أعلم بإيمانكم بعضكم من بعض فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات
غير مسافحات ولا متخذات أخذان..." والأحزاب 49 "يا أيها الذين آمنوا إذا
نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها
فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا". لقد أوردت هذه الآبيات المتعلقة بنظام الأسرة
للتأكيد على أن الله تعالى شرع القرآن لحماية دين الإسلام ودار الإسلام والنظام
الإسلامي وسعادة المسلمين في الدنيا والآخرة.
لهذا
أكدت هذه الآيات تحريم إقامة الكفار في دار الإسلام. وهناك آيات أخرى منها التوبة
11-12 "فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين وتفصل
الآيات لقوم يعلمون وإن نكتوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة
الكفر إنهم لا إيمان لهم لعلهم ينتهون" أي لعلهم يعودون إلى الإسلام.
والأنفال 39 "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.." آل
عمران 85 "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من
الخاسرين". كل من كفر وارتد عن الإسلام إذا لم يتب يطرد من دار الإسلام التي
لا يجوز شرعا وبأمر من الله أن يقيم فيها إلا المسلمون والمسلمات. وهذا شرط من
شروط المحافظة على النظام الإسلامي وإقامة عدل الله تعالى. وسوف أبين أحكاما أخرى
تمنع إقامة الكفار في دار الإسلام في ما يلي حول الحذر من الكفار. (انظر المحور
الثالث الآتي).
لا
يمكن حماية النظام الإسلامي وإقامة عدل الله إلا بفرض تطبيق القرآن الكريم بدار
الإسلام واتخاذ القوانين الوضعية المطبقة لقوانين الله تعالى بعدل وصرامة وتحقيق
التكافل والتضامن والتعاون بين المسلمين في دار الإسلام والعمل الحلال الجدي
والبحث العلمي والتقني لتقوية دولة الإسلام في مواجهة أعداء الله وأعداء القرآن
الذين يتربصون بنا لتكفيرنا حتى يسهل عليهم التحكم فينا بقوانين الكفر ومؤسساته
والاستيلاء على مواردنا وخيراتنا.
لهذا
جعل الله تعالى الجهاد بالمال والنفس في سبيل الله أي الدعوة الإسلامية والدفاع عن
دار الإسلام والقرآن من شروط الإيمان والإسلام. فتدبر معي أخي المسلم الحجرات 15
"إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم
وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون" والأنفال 74 "والذين آمنوا
وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة
ورزق كريم" آل عمران 169 "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل
أحياء عند ربهم يرزقون". إن الله أقوى ما في الكون وقدرته مطلقة عادلة وهو
القاهر فوق عباده لهذا فهو ليس في حاجة إلى جهاد الناس للدفاع عنه ولكن هذا امتحان
وابتلاء من الله حيث أمر المؤمنين بالجهاد بالنفس والمال للدفاع عن دين الله الحق
الإسلام وشريعته القرآن. فجاهدوا أيها الإخوة المسلمون بالمال والنفس كل حسب
استطاعته الفكرية والصحية والمالية لحماية القرآن الكريم والدعوة لله تعالى وتقوية
الدولة الإسلامية وإقامة عدل الله عز وجل في دار الإسلام ومن هنا تظهر أهمية
النقطة الأخيرة من هذا المبحث الأخير.
3-المحور
الثالث: الاستقلال الديني والسياسي والاقتصادي من شروط الدفاع عن القرآن الكريم
هناك
فرق شاسع بين مؤسسات ونظام المسلمين المستند إلى القرآن وبين نظام ومؤسسات الكفار
المستندة إلى رغبات وهوى وشهوات البشر. الكفار كفروا بالله ورسوله والقرآن الكريم.
ويكنون العداء للمسلمين ولله ودين الحق الإسلام. فهم والشياطين خطر على المسلمين.
وقد حذرهم الله تعالى من هذا الخطر في عدة آيات كريمة. لهذا يجب على المسلمين
تأكيد وتدعيم استقلالهم الديني والسياسي والاقتصادي عن الكفار وإعداد القوة
الملائمة لكل عصر للدفاع عن النظام الإسلامي والقرآن الكريم الذي هو دستور ونظام
الدولة الإسلامية. وذلك طبقا لأوامر الله التي أمرت بالجهاد وقد سبق ذكرها وأوامر
الله بالتكافل والأخوة والتضامن والعمل الحلال الجدي. الأنفال 60 "وأعدوا لهم
ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم
الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون".
هناك آيات كثيرة تفرض الحذر من الكفار لضمان الاستقلال الديني والسياسي والاقتصادي
أبين منها ما يقنع المسلمين وغيرهم بهذه الحقيقة. النساء 101 "إن الكافرين
كانوا لكم عدوا مبينا" والأنفال 60 المذكورة سابقا. والنساء 45 "والله
أعلم بأعدائكم وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا" البقرة 98 "فإن الله
عدو للكافرين" البقرة 39 "والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب
النار هم فيها خالدون" وفصلت 27-28 "فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا
ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون. ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد
جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون". الكفار أعداء الله ومصيرهم النار فلا يجوز
التعاون والمودة معهم المجادلة 22. "لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر
يوادون من حاد الله ورسوله..." ومن أيدهم ونصرهم واتبعهم له نفس المصير وهو
النار. هود 113 "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار". لا تجوز
إقامة الكفار في دار الإسلام حفاظا على دين الله الحق الإسلام والنظام الإسلامي
لكي لا تنتقل جراثيم الكفر إلى قلوب المسلمين. ولكن إذا أسلم الكافر فعلا وتأكد إسلامه
بعمله الصالح والتقوى والالتزام بالقرآن يصبح مسلما وله الحق في كل حقوق المسلمين
ومنها الإقامة بدار الإسلام. التوبة 11 "فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا
الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون" آل عمران 89 "إلا
الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم" ولكن كل من ارتد عن
الإسلام وكفر ولم يتب توبة نهائية
بدون رجعة للكفر يطرد من دار الإسلام. التوبة 12 "وإن نكتوا أيمانهم من بعد
عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم" والأنفال 39
"وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله" والمائدة 33
"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو
يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا
ولهم في الآخرة عذاب عظيم". هذا الحكم الشرعي في الآية والمؤكد بآيات أخرى
منها ما ذكرته وما لم أذكره يؤكد صراحة بأن الكفار وهم أعداء الله وأعداء القرآن
الذين يعملون العمل الفاسد المخالف لمنهج الله لا تجوز إقامتهم في دار الإسلام
نهائيا إلا إذا أسلموا حقا بدون رجعة. وهذه الأحكام مؤيدة بسورة البقرة 217
"ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن
دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم
فيها خالدون".
والقتال
في الدين يكون بالسلاح وبالوسائل السلمية كالدعاية ضد الإسلام بوسائل الاتصال
والإعلام كالقنوات التلفزية والفضائيات والأنترنيت والمجلات والصحف والكتب وغيرها
والإغراءات المالية والامتيازات التي تغوي الكثير. ولا يقبل العقل والمنطق والشرع
أن يوجد الكفار بنظمهم ومؤسساتهم المخالفة للقرآن في دار الإسلام والقائمة على
المحرمات كالتبرج والربا والخمر والشرك بالله والفساد. إن ذلك اعتداء على النظام
الإسلامي ويفسد التربية الإسلامية للشباب في المجتمع الإسلامي. لهذا قال الله
تعالى في سورة الحجر 94 "فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين" والنجم 29
"فأعرض عن من تولى عن ذكرنا"والأنعام 68 "وإذا رأيت الذين يخوضون
في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد
الذكرى مع القوم الظالمين" والنساء 140 وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم
آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا
مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا" والتوبة 73 "يا
أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير"
الفرقان 52 "فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا" أي بالقرآن.
الفتح 29 "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم".
يجب تكافل وتضامن وأخوة المسلمين وتعاونهم وتوحدهم حول القرآن الكريم لمواجهة
أعداء الله وأعدائهم. أكد الله تعالى وهو الحق والصادق أن الكفار يكنون العداء
للمسلمين ويتربصون بهم لتكفيرهم ونهب موارد دار الإسلام. البقرة 105 "ما يود
الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم" وآل
عمران 99 "قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا وأنتم
شهداء وما الله بغافل عما تعملون". آل عمران 100 "يا أيها الذين آمنوا
إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين" فهل يلتقي
من يدعو إلى الله والإيمان بالله والعمل الصالح والتقوى مع الكفار الذين يدعون إلى
الكفر والفساد فوق أرض الإسلام. إن إقامة الكفار في دار الإسلام محرمة شرعا إلا
إذا أسلموا حقا.
وبخصوص
علاقة المسلمين بغيرهم وعلاقة الدولة الإسلامية بغيرها من دول الكفار نجد أحكاما
شرعية حددها الله تعالى في القرآن الكريم وهي آمرة وملزمة للأمة الإسلامية وأولي
الأمر الذين يمارسون السلطة الإسلامية بتفويض منها وتحت مراقبتها. فلا يقبل العقل
والمنطق وشرع الله أن تقام علاقات مودة ومحبة وتعاون وتحالف مع دول الكفار. ومن
الأمثلة عن هذه الأحكام الشرعية فمن أقام علاقات تعاون ومحبة ومودة مع الكفار عصى
أمر الله. فلا تقام هذه العلاقات إلا مع المسلمين. آل عمران 73 "ولا تؤمنوا
إلا لمن تبع دينكم". الممتحنة 4 "قد كانت لكم أسوة حسنة في ابراهيم
والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا براؤوا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم
وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول ابراهيم
لأبيه لاستغفرن لك ..." والممتحنة 6 "لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن
كان يرجو الله واليوم الآخر ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد". منع الله
علاقات المودة والمحبة والتعاون مع الكفار. ولكن الله تعالى أمر المسلمين بعدم ظلم
الكفار. الشورى 42 "إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير
الحق أولئك لهم عذاب اليم" حرم الله عز وجل الظلم سواء بالنسبة للمسلمين أو
غيرهم. لا يجوز للمسلم شرعا ظلم أي إنسان ولو كان كافرا. ولا تجوز الحرب في
القانون الإسلامي إلا على المعتدين. البقرة 190 "وقاتلوا في سبيل الذين
يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" والبقرة 193 "فلا عدوان
إلا على الظالمين" والبقرة 194 "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما
اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين". وإذا لم يقاتل الكفار
المسلمين فإن المسلمين ملزمين بأمر الله تعالى بعدم مقاتلهم. الأنفال 61 "وإن
جنحوا للسلم فاجنح لها..." النساء 90 "فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا
إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا" والنساء 91 "فإن لم يعتزلوكم
ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم
عليهم سلطانا مبينا" والتوبة 7 "فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله
يحب المقسطين. وطبعا القتال في الدين لا يكون فقط بالحرب بل أيضا بوسائل الاتصال
والإعلام والدعاية وغيرها.أما الممتحنة 8 "لا ينهاكم الله عن الذين لم
يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم". فإنها
نسخت وألغيت بأمر من الله تعالى بآيات كثيرة فرضت على المسلمين الحذر من الكفار
وعم التعاون معهم وحرمت مودتهم فلا يقبل العقل والشرع بأن يساهم المسلمون في تقوية
أعداء الله وأعدائهم بالبر إليهم ومساعدتهم. وفي هذه الحالة يجب على المسلمين
الدفاع الشرعي بمختلف الوسائل الممكنة.
هذه
الآيات الكريمة التي أمرت بعدم ظلم الكفار وحرمت الحرب العدوانية ومنعت إقامة
الكفار في دار الإسلام نسخت الآية 29 من سورة التوبة" قاتلوا الذين لا يؤمنون
بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من
الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون". هناك الآيات التي
حذرت المسلمين من الكفار ومنعت إقامتهم بدار الإسلام حفاظا على النظام الإسلامي
والتربية الإسلامية للشباب المسلم. لا تجوز التضحية بدين الله وأوامره مقابل
الجزية. ومن الآيات الأخرى التي منعت العدوان على دول الكفار النحل 125 "ادع
إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" والعنكبوت 46
"ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم...".
أمر الله تعالى بالدعوة الإسلامية بالإقناع والسلم وإعطاء الأدلة على وجود الله
تعالى وتبليغ القرآن للناس وشرحه لهم لأن الله تعالى أنزله لكافة الناس بالكون.
ولكي
أبين بأن علاقات المودة والتعاون لا تكون إلا بين البلدان الإسلامية ولا تكون مع
دول الكفار أفسر سورة الحجرات 13 "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى
وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم
خبير". هذه الآية الكريمة فرضت تعاون وتعارف القبائل والشعوب التي اتقت الله
تعالى أي التزمت بشرع الله القرآن الكريم. فتدبروا إخواني المحترمين ما جاء في الآية
الكريمة المذكورة" إن أكرمكم عند الله أتقاكم" هذا دليل على أن خطاب
الله تعالى وأمره موجه للمتقين فهم الذين يتعارفون بينهم وهم المسلمون. أما أعداء
الله الكفار فلا تعارف معهم حتى يسلموا حقا. وتفسر لنا هذه الآية سورة الحج 18
"ومن يهن الله فما له من مكرم". الكفار أعداء الله وخصص لهم الله عز وجل
عذاب الدنيا ونار جهنم في الآخرة. فهل يكرم المسلم عدو الله الذي أهانه الله تعالى
بسبب كفره وإعراضه عن القرآن ؟ لهذا نسخت الممتحنة 8 وألغي حكمها الشرعي وقد سبق
ذكرها في الصفحة أعلاه وهناك المائدة 2 "وتعاونوا على البر والتقوى ولا
تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب" فالآية 13 من
سورة الحجرات التي فسرتها أمرت بالتعارف والتعاون والمودة والمحبة والأخوة ولكن
فقط بين القبائل والشعوب المسلمة المتقية. والتقوى هي الالتزام بالقرآن قولا وعملا
سرا وعلانية.
لقد
بينت آيات كريمة وأحكاما شرعية أكدت بأن الله تعالى أمر المسلمين بالحذر من الكفار
للحفاظ على الاستقلال الديني والنظام الإسلامي لإقامة عدل الله تعالى والدفاع عن
دين الله الحق الإسلام وشريعته القرآن الكريم. ولكن الاستقلال السياسي والاقتصادي
شرط أساسي كذلك من شروط تحقيق هذه الأهداف التي أمر بها الله تعالى.
فرض
الله الاستقلال الديني والسياسي والاقتصادي للمسلمين عن الكفار. هناك آيات كثيرة
منها آل عمران 28 "لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن
يفعل ذلك فليس من الله في شيء" والمائدة 51 "يا أيها الذين آمنوا لا
تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن
الله لا يهدي القوم الظالمين" والنساء 144 "يا أيها الذين آمنوا لا
تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا
مبينا" والممتحنة 1 "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء
تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق...".
طبقا
لهذه الأحكام وغيرها مما يؤيدها في القرآن الكريم يجب على المسلمين أن يستقلوا
دينيا وسياسيا واقتصاديا عن الكفار ومؤسساتهم وقوانينهم ومنظماتهم لأن فيها
الولاية والرئاسة والسلطة للكفار. مثلا ما يسمى منظمة الأمم المتحدة المؤسسة سنة
1945 طبقا لميثاقها تسيرها سياسيا واقتصاديا الدول الخمس الكبرى الولايات المتحدة
الأمريكية وفرنسا وبريطانيا والصين وروسيا لأنها استحوذت على سلاح الفيتو في اتخاذ
القرارات بحيث لا يصدر قرار عن مجلس الأمن إذا عارضته واحدة من هذه الدول. ومجلس
الأمن هو المسير لسياسة واقتصاد العالم. انظر المواد 23-27 من ميثاق هذه المنظمة
"تصدر قرارات مجلس الأمن في المسائل الأخرى كافة بموافقة أصوات تسعة من
أعضائه يكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة" وهي الدول الغربية التي
ذكرتها. والقانون الدولي الغربي وضعه الكفار لفرض سيطرتهم على العالم سياسيا
واقتصاديا وثقافيا. والمؤسسات المالية والاقتصادية للغرب المفروضة على العالم
كصندوق النقد الدولي والبنك العالمي للإنشاء والتعمير ومنظمة التجارة الدولية
والشركات متعددة الجنسيات كلها مؤسسات يسيرها الكفار لفرض السيطرة السياسية
والاقتصادية على العالم وفرض ثقافة وأديان الكفار. لهذا نادت دول الكفار بسياسة
العولمة لفتح حدود الدول أمام توسعها الاقتصادي والمالي والتكفيري.
لهذا
فإن ارتباط البلدان الإسلامية بمؤسسات الكفار الاقتصادية والمالية والسياسية غير
مشروع طبقا لكتاب الله تعالى ويضعف قوة المسلمين ويؤثر على قيمهم الدينية
الإسلامية. حرم الله ولاية الكفار على المسلمين وحرم خضوع المسلمين لقوانين
ومؤسسات الكفار. فهي مثلا تقوم على الربا والمحرمات الأخرى. لهذا يجب أن تكون
القوانين الوضعية في البلدان الإسلامية مطابقة لأحكام القرآن. ولا يقتبس المسلمون
من القوانين المقارنة ما يتعارض مع القرآن أبدا. ولا يمكن الادعاء بحقوق وحرية
الإنسان إلا في حدود ما حدده القرآن الكريم ولا يمكن التحديث والديمقراطية كما
يدعي بعض المعاصرين إلا في إطار ثوابت وأحكام القرآن الكريم وفيما يلي أقترح حلولا
بكل تواضع لحماية الاستقلال الديني والسياسي والاقتصادي لدار الإسلام والنظام
العام الإسلامي لإقامة عدل الله تعالى:
سارعوا
أيها المسلمون والعلماء المتقون الصادقون الذين لا يخشون إلا الله ولا يبدلون حب
الله تعالى والإيمان به بطمع أو رشوة وامتيازات أو خوف من الحكام أو غيرهم سارعوا
إخواتي المحترمين إلى الدعوة لله وشرح وتبليغ القرآن الكريم للناس لتوسيع رقعة
الأمة الإسلامية والزيادة في قوتها البشرية وحفظ دين الله الحق الإسلام. واعلموا
أن هذه الدعوة لله فرض أساسي من فرائض الإسلام على من تتوفر فيهم الاستطاعة
الفكرية والصحية والمالية، وفرض على أولي الأمر كذلك لكونهم يمارسون السلطة
الإسلامية بتفويض من الأمة الإسلامية تحت مراقبتها.
حافظوا
أيها الإخوة المسلمون على الوحدة السياسية والدينية والاقتصادية والاجتماعية. وخير
سلاح تواجهون به أعداء الله والقرآن تربية الأطفال والمجتمع تربية إسلامية حقيقية
وحمايتهم من وسائل التكفير التي يستعملها الكفار كالفضائيات والأنترنيت والقنوات
التلفزية وكل وسائل الإعلام والاتصال والبعثات التكفيرية. لهذا يجب فرض تدريس
القرآن وعلومه وتحفيظه وتفسيره على كل أطفال المسلمين. ويجب وضع قوانين مطبقة
لأحكام القرآن تطبق بعدل وبصرامة في دار الإسلام وهي خير وسيلة لإقامة عدل الله
وتطبيق منهجه خاصة وأن الأغلبية الساحقة من المسلمين أميون ويمارسون شعائر الإسلام
بالتقليد فقط ولا يفهمون أحكام القرآن الكريم.
لا
تنضموا إلى أحزاب الشياطين وأتباعهم بل إن المسلمين المتقين الصادقين لا يجوز لهم
شرعا سوى الانضمام إلى حزب واحد في دولة الإسلام هو حزب المتقين ودستوره القرآن
الكريم حزب المؤمنين الصالحين له رئيس أعلى وحاكم أعلى ووالي أعلى هو الله تعالى.
ومن خرج عن حزب الله كافر ولا حق له في الإقامة بدار الإسلام. المجادلة 22
"أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون" والروم 31-32
"منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا
دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون" هذا أمر الله تعالى الذي حرم انقسام
المسلمين إلى أحزاب غير حزب الله. والمؤمنون 53 "فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل
حزب بما لديهم فرحون" والمائدة 55-56 "إنما وليكم الله ورسوله والذين
آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون. ومن يتول الله ورسوله والذين
آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون" . إن هذه الآيات الكريمة وغيرها مما لم أذكر
تحرم صراحة انضمام المسلمين المؤمنين الصالحين إلى أحزاب يترأسها الكفار
والمنافقون ويسيرونها. فمن تبعهم وأيدهم فهو منهم وينال نفس العذاب الذي خصصه الله
لهم. فكونوا أيها الإخوان المسلمون حزب الله الذي يشمل دار الإسلام وكل المسلمين
المؤمنين حقا. إن أحكام منهج الله المحددة في كتابة الحكيم القرآن الكريم واحدة
وتابتة صالحة لكل زمان ومكان بأمر من الذي خلق الكون وما فيه ويدبر أمور الكون وما
فيه وهو الله عز وجل. فلا تتبعوا الأقوال والأفعال التي نسبت كذبا إلى رسول الله
بهدف تفرقتكم إلى فرق وشيع وتحريف شرع الله لتحقيق مصالح مالية وسياسية غير مشروعة
كالاستيلاء على السلطة وتهميش دور الأمة الإسلامية. واعلموا أن الديمقراطية عند
دول الكفار المستندة إلى المال لا يمكن تطبيقها بدار الإسلام لأن الحكم في دولة
الإسلام فرضه الله تعالى على الأمة الإسلامية فهي الملزمة بممارسته أو تفويضه إلى
من يمارسه تحت مراقبتها. الديمقراطية في دار الإسلام تكون بين المسلمين المكونين
للأمة الإسلامية دون غيرهم وتقوم على مدى التقوى وليس المال كما هو في الغرب.
توحدوا
أيها المسلمون حول كتاب الله. أما السنة فليست من شرع الله وكتابه ولا يجوز شرعا
أن تكون سنة الرسل مخالفة لشرائع الله. وسارعوا أيها المسلمون إلى العمل الجدي
الحلال لتلبية حاجياتكم وحاجيات أسركم من جهة وللمساهمة في تقوية الدولة الإسلامية
اقتصاديا وماليا واجتماعيا وعسكريا للدفاع عن النظام الإسلامي وإقامة عدل الله
والدفاع عن دين الله الحق الإسلام في مواجهة الكفار الذين يتربصون بكم ينتظرون
فرصة تكفيركم والانقضاض والاستيلاء على مواردكم.
فالذي
تتوفر فيه القدرة الصحية والعقلية على العمل الحلال ولم يعمل ارتكب جريمة في حق
نفسه وأسرته والدولة الإسلامية. الأنفال 60 "وأعدوا لهم ما استطعتم من
قوة..." هل نعد هذه القوة بالجلوس في المقاهي طول النهار وإنفاق الأموال
وضياع الوقت في قطاعات الملذات والشهوات والترفيه أو بصلاة النوافل طول النهار
بالمساجد ؟ إن إعداد القوة التي أمر بها الله تعالى تتحقق بعدم التبذير والتخطيط
المحكم والعمل الجدي والإنتاج والاهتمام بالقطاعات المنتجة كالفلاحة والصناعة
وبقطاع التعليم والتكوين والبحث العلمي والتقني والعسكري وقطاع الصحة وتطبيق منهج
الله وإقامة عدله.
إن
أخطر ما يعرقل قوة دولة الإسلام التبذير والظلم والغش. الإسراء 26-27 "ولا
تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفروا"
والنساء 29-30 "يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ومن
يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا" والبقرة 188
"ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال
الناس بالإثم وأنتم تعلمون" والبقرة 275 "وأحل الله البيع وحرم
الربا" تدبروا معي إخواني المحترمين هذه الآيات التي شرعها لنا الحكيم العليم
الله عز وجل. كيف تتقوى دولة الإسلام وطبقات عريضة تعيش بعائدات الربا والرشوة
والسرقة وتزوير الميزانيات والنصب والاحتيال وتبذر الأموال في الملذات والرفاهية
والإسراف في الإنفاق وذلك بدون المساهمة في عملية الإنتاج بالدولة ؟ كيف نقلد
الكفار فيما يخالف القرآن وننفق الأموال الطائلة على قطاعات الترفيه والتبذير
بينما قطاعات الإنتاج عاجزة بسبب ضعف ميزانيات الاستثمار ؟ كيف تصرف الملايير على
إقامة ملاعب رياضية وأطرها واللاعبين والمدربين والتجهيزات والتنقلات من أجل هدف
واحد وتحقيق نتيجة واحدة تهتز لها الجماهير في الملاعب والمقاهي وغيرها هذه
النتيجة التي صفق لها الجميع هي إدخال كرة في شبكة. يا ليت ويا حبذا لو كان هذا
التصفيق وهذا الإنفاق بالأموال الطائلة على نتيجة توصل إليها المسلمون تفيد في
إعداد قوة الدولة كصناعة طائرة أو دبابة أو دواء ينقد الناس من الأمراض. وليت هذا
التصفيق وإنفاق الأموال الباهضة كان على تقدم البحث العلمي والتقني والتعليم
وقطاعات الصحة والفلاحة والصناعة والتجهيز العسكري كما أمر الله تعالى. إن الرياضة
والنشاط الجسمي ضروري للإنسان لكن يمكن ممارسة تمارين رياضية والمشي والجري
للمحافظة على الصحة دون تكاليف مالية، كما أن العمل الحلال للإنتاج في حد ذاته
نشاط جسمي مفيد للصحة لهذا ولتنفيذ أمر الله بالمحافظة على دين الإسلام والنظام
الإسلامي وذلك بتطبيق منهج الله وإعداد القوة التي أمر بها الله اقترح بكل تواضع
ما يلي:
1-إنشاء
منظمات إسلامية خاصة بدار الإسلام لحل النزاعات بين المسلمين طبقا لشرع الله
والاستقلال عن مؤسسات الكفار وعدم الارتباط بها لأن الله تعالى حذرنا من الكفار
وحرم ولايتهم على المسلمين وحرم المودة والتعاون معهم حتى يؤمنوا بالله وبالقرآن
الكريم ويعملوا بأحكامه. الحجرات 9-10 "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا
فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيئ إلى أمر
الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنون
إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون" والأنفال 1 "فاتقوا
الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين" والأنفال 46
"وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع
الصابرين" ريحكم تعني قوتكم التي تضعف بالحروب والنزاعات بين المسلمين.
والنساء 114 "لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح
بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما". لقد أمر
الله تعالى بإقامة صلح بين المسلمين وعلاقات سلم وتعاون وأخوة وتضامن بينهم، وهذا
هو الدور الذي يجب أن تقوم به المنظمات الإسلامية التي اقترحت إنشاءها ولا تقوم
على أساس اللغة والجنس واللون والقومية العربية أو الفارسية أو الأمازيغية أو
غيرها بل على أساس الأخوة في الدين الإسلامي والرئيس والوالي الوحيد وهو الله عز
وجل وحبله المتين القرآن الذي يجب أن يعتصم به المسلمون كلهم.
2-التضامن
والأخوة والتعاون بين كافة المسلمين ولو اختلفت لغاتهم وألوانهم وجنسياتهم. ولكن
يجب الحذر من المنافقين وعملاء الكفار وعدم التساهل أو التهاون في تطبيق شرع الله
القرآن الكريم. وجنسية الدولة الإسلامية هي اعتناق الدين الإسلامي والعمل بالقرآن.
3-سياسة مالية
ونقدية خاصة بالبلدان الإسلامية ومستقلة عن الكفار وتوحيد عملة دار الإسلام وإنشاء
بنك دار الإسلام للإنشاء والتعمير والاستثمار وصندوق النقد الإسلامي الذي يحدد
سياسة نقدية عادلة مستقلة عن دول الكفار لحماية الاقتصاد الإسلامي ولكن بدون تعامل
بالربا لأنه محرم في القرآن. إن دول الكفار تستعمل مؤسساتها النقدية والبنكية
لتخريب اقتصاد الدول الأخرى. فكلما لاحظت مثلا عجز ميزانها التجاري لفائدة دول
أخرى تخفض من سعر عملاتها لإضعاف اقتصاد الدول الأخرى ظلما ولحل مشاكل اقتصادها
الخاص بدول الكفار. لهذا يجب أن تكون مؤسسات المسلمين النقدية والتمويلية
والاستثمارية مستقلة عن دول الكفار وخاصة بالمسلمين في دار الإسلام.
4-التبادل
التجاري الذي تفرضه حالة الضرورة والمصلحة المشروعة للدولة الإسلامية مع الدول الغير
الإسلامية يجب أن يكون في الإنتاج الحلال وبالمقايضة فقط أي سلع مقابل سلع لأن
الكفار يخربون اقتصاد المسلمين بسياساتهم النقدية والمالية والاقتصادية وشركاتهم
متعددة الجنسيات.
5-الاعتماد
على التمويل الذاتي للإنتاج وإنشاء شركات ومؤسسات إنتاجية إسلامية بدار الإسلام
دون غيرها من شركات ومؤسسات الكفار. ولا يجوز شرعا استثمار المسلمين في دول الكفار
ولا يجوز أن يودعوا أموالهم في دول الكفار لأن في ذلك تقوية لهم على المسلمين.
6-إحداث سوق
مشتركة وعملة واحدة مع حرية المسلمين والبضائع في التنقل في دار الإسلام أي الدولة
الإسلامية.
7-تخصيص
ميزانية مهمة ولو بتضحية المسلمين لإعداد القوة العسكرية التي أمر بها الله للدفاع
عن النظام الإسلامي ودين الله الحق الإسلام، لأن ذلك يدخل في إطار أمر الله تعالى
الوارد في عدة آيات ومنها الأنفال 60 "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة".
وأذكر إخواني المحترمين بسورة الحجرات 15 "إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله
ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم
الصادقون" والأنفال 74 "والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله
والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا لهم مغفرة ورزق كريم" وآل عمران
169 "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم
يرزقون". فالمؤمنون الصالحون الصادقون المتقون عندما يموتون تبدأ حياتهم
الحقيقية الدائمة الأبدية في رحمة الله وجنته عندما يحييهم في جسد آخر تعود إليه
أرواحهم بقدرة الله ويصعد بهم الملائكة عند الجليل الحكيم العادل الله عز وجل
فماذا تساوي الحياة المؤقتة في الدنيا أمام الحياة الخالدة في سعادة الجنة ؟
في
هذه اللحظة وقد أكلمت المبحث الأخير من الدراسة التي بدأت نشرها في موقعي المذكور
بالأنترنيت حول موضوع:" قدرة الله تعالى وعدله" أشعر إخواني القراء
والباحثين والعلماء المحترمين بسعادة وطمأنينة بهذه المساهمة المتواضعة في الدعوة
الإسلامية والدفاع عن النظام الإسلامي ودين الله الحق الإسلام ومنهج الله تعالى
القرآن الكريم.
وفي
الختام أدلي لكم أيها الناس في كل أنحاء العالم بشهادة لا يجوز شرعا أن أكتمها
نهائيا. وأقسم لكم بالله العلي العظيم الذي يراقبني ويعلم ما أسر وما أعلن ومن
قدرته المطلقة العادلة التصرف في جسمي خيرا أم شرا متى شاء، أقسم لكم أن الله تعال
أكد لي بعدة آيات كونية من آياته الدليل القاطع على وجوده فعلا وعلى أن القرآن
الكريم فعلا كلام الله وشرعه لكافة الناس. والسلام على من اتبع هدى الله تعالى
والحمد لله رب العالمين.