أحكام التوبة في القران

الدار البيضاء في 22 شعبان 1444/15 مارس 2023

 

دراسات استنبطتها من القران 

الرحلي احمد 

من هيئة التدريس بالتعليم العالي 

بالبيضاء سابقا متقاعد.

الموقع بالانترنيت : www.errahliahmed.com

الهاتف 06.28.28.99.11

 

و قد جمعت المعلومات و الأدلة المتعلقة بهذه الدراسات.

و سأكتبها و أطبعها و أنشرها في موقعي بالانترنيت المذكور بالتدريج.

 

قال الله تعالى في سورة البقرة 174 “إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب و يشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار و لا يكلمهم الله يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم“. و في سورة البقرة 159-160 “إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيم“.  و الأحكام الشرعية في الآيتين تأمر علماء الإسلام بشرح القران و تبليغه للناس بحق و دون تحريف. الله تعالى فرض على علماء الإسلام إنذار الناس و تفسير القران و تبليغه لهم. و جعلهم الله حجة له على الناس مثل الرسل. و من الأدلة على ذلك سورة البقرة 159-160 و 174 المذكورة و التوبة 122 “وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ” و فصلت 33 ” وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ“.

و قد فرض الله تعالى على الجاهلين لحدود القران بأن يسألوا أهل الذكر و علماء الإسلام لقوله تعالى في سورة النحل 43 ” فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ” و تضمنت حكما شرعيا غير منطوق و هو أن علماء الإسلام ملزمون شرعيا بأن يجيبوا عن أسئلة الناس حول الدين الإسلامي و علوم القران و حدوده  و من الأدلة كذلك ما جاء في العنكبوت 43 ” وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون” و المجادلة 11 “يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ” و الزمر 9 “قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ” خصص الله تعالى هذه المكانة للعلماء لدورهم في التوعية الدينية.

و قد فرض الله تعالى على كل زوج مسلم بأن يقوم بالدعوة الإسلامية في أسرته. و هذا أمر من الله تعالى إذا لم يقم به الزوج فقد عصا الله و فسق عن أمره و استحق عذاب الله تعالى في الدنيا و في جهنم بالآخرة. و الدليل على ذلك التحريم 6 ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا” و لا يمكن للزوج أن ينجو من النار و لا يمكنه أن ينجي أهله أي زوجته و أبنائه القاصرين من جهنم إلا بالتقوى. فالزوج مسؤول أمام الله تعالى بأن يكون مسلما متقيا و أن يفرض على زوجته و أبنائه القاصرين بأن يكونوا متقين. لهذا فرض الله تعالى على الزوجة طاعة زوجها في ما يطابق حدود القران. و الدليل التحريم 6 المذكورة و النساء 34 “فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ” و الممتحنة 12 “وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ” فلا يجوز للزوجة أن تعصي زوجها الا في ما يخالف حدود القران لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق و هو الله تعالى. الله تعالى أمر الزوج المسلم بأن يأمر زوجته و أبنائه بالصلاة و التقوى. و الدليل طه 132 “و أمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها“.

فلو أطاع الأزواج الله تعالى و التزموا بهذه الأحكام الشرعية لصلحت أسرهم و لصلح المجتمع و لصلح الحكام لأنهم ينبثقون من المجتمع. لذلك جعل الله تعالى الزوج المسلم مديرا لمؤسسته الأسرية و حاكما فيها  و سيدا مطاعا فيها. و الدليل الآيات المذكورة سابقا و سورة يوسف 25 ” وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ۚ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ” لهذا فإن حقوق الإنسان في الإسلام حددها القران و هي آمرة و ملزمة و لا علاقة لها بحقوق الإنسان عند الكفار لأنهم يحددونها حسب شهواتهم و حسب ميزان القوة بينهم. و تنفيذا لأمر الله تعالى و طاعته و للمساهمة في الدعوة الإسلامية و الدفاع عن دين الله تعالى الحق الإسلام قررت بحول الله تعالى و قوته إنجاز دراسات و أبحاث حول مواضيع مفيدة للناس من آيات الفران الكريم.

و أول هذه الدراسات هي أحكام التوبة في القران. و أهميتها تتجلى في كونها تبين للناس كل ما يتعلق بالتوبة لإقناعهم باعتناق الإسلام و الاستمرار في الايمان و التقوى حتى الموت للفوز بسعادة الدنيا و الآخرة و النظر إلى ذات الله تعالى العظيم و هي أكبر من الكون كله و الكلام المباشر معه و هو فوق الجنة بعد البعث في الآخرة. 

الدراسة الأولى : أحكام التوبة في القران.

لقد تعمدت بعض التكرار لتسهيل فهم الناس و إقناعهم.

 

أحكام التوبة في القران

 

التوبة هي طلب المغفرة من الله تعالى وعدم العقاب عن الذنوب و السيئات التي ارتكبها التائب. فالتوبة رحمة من الله تعالى للناس و فرصة للمذنبين لكي يعودوا إلى صراط الله المستقيم و عبادته و طاعته و الإلتزام بحدود القرآن و هو أمر الله تعالى الذي أنزله لكافة الناس في العالم. فعندما يرتكب الإنسان الذنب قد لا يعاقبه الله تعالى عنه في الحين. و لكن يضع أجلا للعقاب لعل المذنب يتوب توبة صادقة من الذنوب و يتبع حدود القرآن. و الدليل النحل 61 ” ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة و لكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون” و إبراهيم 46 ” و لا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار“.

و إذا لم يتب الظالم و المذنب في فترة الأجل الذي حدده الله تعالى يعاقبه و يعتبره ظالما و عنيدا و الدليل الحجرات 11 ” و من لم يتب فأولئك هم الظالمون” و البروج 10 ” إن الذين فتنوا المؤمنين و المؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم و لهم عذاب الحريق.” 

و الله تعالى هو الذي يغفر الذنوب و السيئات إذا التزم التائب بشروط التوبة التي سوف أبينها في هذا البحث. و الأدلة منها الشورى 25 ” و هو الذي يقبل التوبة عن عباده و يعفو عن السيئات و يعلم ما تفعلون” النصر 1-3 ” إذا جاء نصر الله و الفتح و رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك و استغفره إنه كان توابا” ﻭ هود 90 ” ﺩﻭﺩﻭ ﻢﻴﺣﺭ ﻲﺑﺭ ﻥﺇ ﻪﻴﻟﺇ ﺍﻮﺑﻮﺗ ﻢﺛ ﻢﻜﺑﺭ ﺍﻭﺮﻔﻐﺘﺳﺍ ﻭ”.  و الأنعام 54 “كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سوءا بجهالة ثم تاب من بعده و أصلح فإنه غفور رحيم“. و الزمر 53 ” قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم” و غافر 2-3 ” تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب قابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إلاه إلا هو إليه المصير“. و آل عمران 135 “و من يغفر الذنوب إلا الله” و الحجر 49-50 ” نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم و أن عذابي هو العذاب الأليم” و النساء 110 ” و من يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما” و فصلت 43 ” ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة و ذو عقاب أليم” و الرعد 6 ” و إن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم و إن ربك لشديد العقاب“.

هذه الآيات و غيرها مما لم أذكر وعد صادق من الله تعالى و رحمة منه بأن يغفر ذنوب التائب توبة صادقة أبدية دون رجعة حتى الموت. و بأن يدخله الجنة و يشمله برحمته. و لأشجع المذنبين و لأحفزهم على التوبة الصادقة النهائية أبين لهم الأدلة عل صدق الله تعالى و صدق وعده و منها الرعد 31 ” إن الله لا يخلف الميعاد” و النساء 122  “وعد الله حقا و من أصدق من الله قيلا ”  و إبراهيم 47 ” فلا تحسبن الله مخلفا وعده”  ق 29 ” ما يبدل القول لدي و ما أنا بظلام للعبيد” و يونس 55 ” إن وعد الله حق و لكن أكثرهم لا يعلمون” و الكهف 21 ” و كذلك أعترنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق ”  و القصص 13 ” فرددناه إلى أمه كي تقر عينها  و لا تحزن و لتعلم أن وعد الله حق و لكن أكثرهم لا يعلمون” و لقمان 33 ” أن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا و لا يغرنكم بالله الغرور” .

فلا تخجل أيها المذنب من ذنوبك و سيئاتك فالله تعالى يغفر لك و يقبل توتبتك  إذ جسدتها بالعمل الصالح و التقوى دون رجعة حتى الموت.

والرسل  و الملائكة لا يغفرون الذنوب نهائيا، و الدليل المنافقون 6 ” سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم أن الله لا يهدي القوم الفاسقين” و التوبة 80 ” إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم” .و الزمر 19 ” أفأنت تنقد من في النار” و التوبة 113 ” و ما كان للنبي و الذين أمنوا أن يستغفروا للمشركين و لو كانوا أولي قربى من بعدما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم“. الله تعالى هو الذي يقبل التوبة أو يرفضها لأنه يعلم ما تسر و ما تعلن كل نفس بشرية و يعلم ذنوبها و سيئاتها و أعمالها الصالحة و تقواها.

باب التوبة مفتوح أما الله تعالى. فكلما تاب المذنب إلى الله تعالى و التزم بشروط التوبة يغفر له الله تعالى و الدليل الأعراف 133 ” و سارعو إلى مغفرة من ربكم و جنة عرضها السماوات و الأرض أعدت للمتقين”.

فالتوبة دعاء إلى الله وطلب من التائب موجه لله لكي يغفر له ذنوبه. ولكن الله لا يقبل الدعاء ولا يستجيب إلا للمتقين. والدليل البقرة 186 ” إذا سألك عبادي عني فإني قريب  أجيب دعوة الداع إذا دعاني فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون” والرعد 18 ” للذين استجابوا لربهم الحسنى والذين لم يستجيبوا له لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به أولئك لهم سوء الحساب ومأواهم جهنم و بئس المهاد”.    فلا يقبل الله تعالى دعاء الظالمين و الفاسقين و يقبل دعاء المتقين إذا كان مشروعا و منه طلب المغفرة و التوبة . فالتوبة عهد يعاهد التائب به الله على التقوى فلا يجوز شرعا نفض عهد الله تعالى و الدليل آل عمران 77 ” إن الذين يشترون بعهد الله و إيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة و لا يكلمهم الله و لا ينظر إليهم يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب اليم” . الله تعالى رؤوف و لطيف بعباده و يغفر للتائبين لقوله تعالى : البقرة 185 “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر” والمائدة 6: ” ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج “. فكل من تاب توبة صادقة نصوحة يغفر الله تعالى ذنوبه إذا جسد توبته بالتقوى. بل قد يبدل الله تعالى سيئاته بالحسنات في كتاب أعماله.

و يقبل الله تعالى توبة المذنب و لو عدة مرات في عمره و لكن إذا خالف شروط التوبة و عاد إلى ارتكاب الذنوب و السيئات لا يغفر الله له و لا يقبل توبته إلا إذا استمر في التقوى حتى الموت دون رجعة. و الدليل آل عمران 135 ” و لم يصروا على ما فعلوا و هم يعلمون“. وقال الله تعالى  على لسان نبيه هود في سورة هود 52 ” ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين ”  الحج 38  و آل عمران 102 ” يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون” و النساء 18 ” و ليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن و لا الذين يموتون و هم كفار أولئك اعتدنا لهم عذابا أليما“.

يجب على التائب أن يندم عن ارتكاب الذنوب و يقلع عنها و لا يعود لارتكابها و أن يحقف توبته فعلا و حقا بالتقوى و العمل الصالح باستمرار و دون انقطاع حتى الموت لكي تقبل توبته و ليغفر الله تعالى ذنوبه.

إن مخالفة شروط التوبة و العودة إلى الكفر ردة عن الإسلام و خرق لعهد الله تعالى، خصص له الله تعالى العذاب في الدنيا و الآخرة. و الأدلة كثيرة منها السجدة 22 ” و من أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون” و طه 99-101 ” و قد آتيناك من لدنا ذكرا من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا خالدين فيه و ساء لهم يوم القيامة حملاـ و البقرة 217 ” و من يرتدد منكم عن دينه فيمت و هو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا و الأخرة و أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون“.

من عاد إلى الذنوب و الكفر فقد خالف حدود القرآن و بذلك يستحق عذاب الله تعالى و الدليل الزمر 55 ” و اتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة و أنتم لا تشعرون“. و عذاب الله تعالى قد يأتي المجرمين في أية لحظة و لا يعلم اجله إلا الله تعالى.

و من فضل الله تعالى و رحمته و رأفته أنه يقبل التوبة عن الكفر و الشرك و النفاق و الردة عن دين الله تعالى الحق الإسلام. و سأبين الأدلة على ذلك لاحقا.

فالشرط الأساسي لقبول التوبة و مغفرة الله تعالى للذنوب و السيئات هو الأسلام حقا و التقوى دون انقطاع و باستمرار حتى الموت. ومن الأدلة الحديد 28 ” يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وأمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته و يجعل لكم نورا  تمشون به و يغفر لكم و الله غفور رحيم” و الأحزاب 70-71 ” يا أيها الذين امنوا اتقوا الله و قوولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم و يغفر لكم ذنوبكم و من يطع الله و رسوله فقد فاز فوزا عظيما“. و النحل 119 ” ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك و أصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم” و فاطر7″ الذين كفروا لهم عذاب شديد و الذين أمنوا و عملوا الصالحات لهم مغفرة و أجر كريم” و يس 11 ” إنما تنذر من اتبع الذكر و خشي الرحمان بالغيب فبشره بمغفرة و أجر كريم“. والذكر في هذه الآية هو القران فمن التزم بحدود القران حتى الموت يقبل الله تعالى توبته و يغفر له ذنوبه.

و من الأدلة أيضا محمد 34 ” إن الذين كفروا و صدوا عن سيبل الله ثم ماتوا و هم كفار فلن يغفر الله لهم” و النساء102 ” يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون” و الأنفال 29 ” يا أيها الذين أمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا و يكفر عنكم سيئاتكم و يغفر لكم و الله ذو الفضل العظيم” و سورة الصف 10-12 ” يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله و رسوله و تجاهدون في سبيل الله بأموالكم و أنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم و يدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار و مساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم“. و الملك 12 ” إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة و أجر كريم“. 

فالتائب الذي يلتزم بشروط التوبة و بالتقوى و العمل الصالح حتى الموت يستفيد من رحمة الله تعالى و مغفرته و الحياة الدائمة في سعادة الجنة. و من الأدلة الحج 40 ” و لينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز” و محمد 7 ” يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم و يثبت أقدامكم“. الله أقوى من الكون كله و ما فيه و لا يحتاج إلى من ينصره أو يدافع عنه. و لكن المراد في الأيتين هو طاعة الله و عبادته و الدعوة الإسلامية و الدفاع عن دين الله الحق الإسلام.

فتحكم أيها المذنب في النفس الأمارة بالسوء و استعد بالله تعالى من الشياطين و إغوائهم. و لا يغرنك متاع الحياة الدنيا و زينتها. إنها ابتلاء من الله تعالى لاختيار أهل الجنة و هم المتقون و الدليل الكهف 7 ” إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم احسن عملا“. فاعمل أيها التائب لكسب رزقك الحلال .و لكن في إطار الإلتزام بشروط التوبة و حدود القرآن و الإستمرار في ذلك إلى أجل الموت. لكي تقبل التوبة و يغفر الله الذنوب. و الأدلة على ذلك كثيرة منها الطلاق 5 ” ذلك أمر الله أنزله إليكم و من يتق الله يكفر عنه سيئاته و يعظم له أجرا“. و القصص 67 ” فأما من تاب و آمن و عمل صالحا فعسى أن يكون من المفلحين” و طه 82 “و إني لغفار لمن تاب و آمن و عمل صالحا ثم اهتدى” و العنكبوت 7 ” والذين أمنوا و عملوا الصالحات لنكفرن عنهم سيئاتهم و لنجزينهم أحسن الذي كانوا يعملون” و مريم 59-60 ” فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة و اتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب و آمن و عمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة و لا يظلمون شيئا” . و التغابن 9 ” و من يؤمن بالله و يعمل صالحا يكفر عنه سيئاته و يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم” و الحج 50 ” فالذين أمنوا و عملوا الصالحات لهم مغفرة و رزق كريم”  و الفتح 29 ” وعد الله الذين آمنوا و عملوا الصالحات منهم مغفرة و أجرا عظيما“. و قال الله تعالى على لسان ملائكته في سورة غافر 7 ” ربنا وسعت كل شيء رحمة و علما فاغفر للذين تابوا و اتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم“.

فلا يغفر الله تعالى الذنوب إلا  لمن اتبع سبيل الله و هو صراطه المستقيم و هو القرآن. و الدليل الأنعام 153 ” و أن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه و لا تتبعوا السبل فتغرق بكم عن سبيله“. لا يغفر الله تعالى الذنوب إلا لمن تاب و استمر في التقوى و العمل الصالح حتى الموت و لو تاب مئات المرات. إذا عاد التائب إلى الذنوب يرفض الله تعالى توبته و لا يغفر له و تبقى ذنوبه مسجلة في كتاب أعماله و يعاقب عنها. و الدليل أل عمران 135-136 ” ولم يصروا على ما فعلوا و هم يعلمون أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم و جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها و نعم أجر العاملين“. و قال الله تعالى على لسان نبيه هود في سورة هود 52 ” و يا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا و يزدكم قوة إلى قوتكم و لا تتولوا مجرمين“. فمن خالف شروط التوبة مجرم مستحق لعذاب الله تعالى و غضبه لأن شروط التوبة في القرآن من حدود الله تعالى و الدليل البقرة 187 ” تلك حدود الله فلا تقربوها” و الطلاق 1 ” و تلك حدود الله و من يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه”.

و اعلم أيها التائب أن الله تعالى رحيم بعباده و يستجيب لدعاء من استجاب إليه و أطاعه و التزم بحدود القرآن. ومن الأدلة النحل 7 ” إن ربكم لرؤوف رحيم” و الحج 65 ” إن الله بالناس لرؤوف رحيم” و الحج 78″ وما جعل عليكم في الدين من حرج” و المائدة 6 ” ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج” و الشورى 11 ” الله لطيف بعباده ” و لقمان 16 ” إن الله لطيف خبير” .

و اعلم أيها الإنسان أن الله تعالى يحاسب عن صغائر الذنوب مثل الكبائر. الله تعالى نسخ فعلا سورة النساء 31 التي أعفت المذنبين من الصغائر. و الأدلة على هذا النسخ هي الزلزلة ” فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره و من يعمل مثقال ذرة شرا يره” و القارعة 6-11 ” فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية و أما من خفت موازينه فأمه هاوية و ما أدراك ماهية نار حامية”. فكل ذنوب المبعوث توزن ويخصص  لها الجزاء يوم الحساب في الأخرة سواء الصغائر أو الكبائر. وتؤيد  ذلك الأنعام 120 ” و ذروا ظاهر الإثم و باطنه إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون” و الصغائر من الذنوب التي يقترفها المجرم. فلابد لها من التوبة. فالجبال و صخورها مكونة من تجمع الحصي. وكذلك الصغائر فإنها تؤثر على ميزان الأعمال عند الحساب. والأنعام  120 المذكورة حرمت كل إثم صغير أو كبير.

و الصغائر هي أيضا توزن في ميزان الأعمال يوم البعث. والدليل  الأعراف 8-9 ” و الوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون و من خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون” و المؤمنون 102-104″ فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون و من خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون تلفح وجوههم النار و هم فيها خالدون“. فالآية 31 من سورة النساء قد نسخها الله تعالى. فلابد من العقاب عن كل الذنوب سواء الصغائر أو الكبائر إلا من تاب توبة نصوحا صادقة و التزم بالتقوى حتى الموت. و من الأدلة كذلك الأنبياء 47 “ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ”.

و بالنسبة لظلم الناس فلا يقبل الله تعالى التوبة عنه و لا يغفره إلا إذا رد الظالم الحقوق إلى أهلها. فقد حرم الله تعالى ظلم الناس في أعراضهم و دمائهم و أموالهم. و إذا لم يرد الظالم الحقوق لأهلها فإن مصيره جهنم و عذاب الله تعالى. و الدليل النساء 29 ” ياأيها الذين آمنوا لاتأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم” و النساء 30 ” و من يفعل ذلك عدوانا و ظلما فسوف نصليه نارا و كان ذلك على الله يسير“. من يظلم الناس و يأكل أموالهم بالباطل مصيره جهنم و عذاب الله في الدنيا أيضا. ولا يقبل الله تعالى توبته إلا إذا رد الحقوق لأهلها و الدليل الشورى 42 ” إنما السبيل على الذين يظلمون الناس و يبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم“. و الإنسان 31 ” والظالمين اعد لهم عذابا أليما” و الحشر 17 ” و كان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها و ذالك جزاء الظالمين“. و الرعد 6 ” و إن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم و إن ربك لشديد العقاب ” و المائدة 39 ” فمن تاب من بعده ظلمه و أصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم“. فإذا رد الظالم الحقوق لأهلها و تاب إلى الله توبة نصوحا و التزم بالتقوى حتى الموت يتوب عليه الله تعالى و يغفر ذنوبه و يدخله الجنة إذا استحقها بأعماله. و الحكم الشرعي في سورة النساء 29-30 حرم كذلك أكل أموال  الدولة لأنها ملك للناس أي الشعب، و كذلك أموال المؤسسات العمومية و الشركات الخاصة و التهرب الضريبي و تزوير الفاتورات و غير ذلك مثل الرشوة بمختلف أشكالها. فكل من فعل ذلك جزاؤه عذاب الله تعالى في الدنيا و جهنم في الأخرة لقوله تعالى في النساء 29 ” لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم” و النساء 30 ” و من يفعل ذلك عدوانا و ظلما فسوف نصليه نارا و كان ذلك على الله يسيرا ” . فمن يأكل الأموال ظلما مصيره جهنم.

و إني لأنصح نفسي و الناس بعدم أكل أموال الدولة و المؤسسات و الشركات و سائر الناس بالباطل و دون حق مشروع للنجاة من عذاب الله تعالى و من جهنم بعد البعث. فالمجرم و الظالم ولو جمع مال الدنيا كلها لا يعفيه من عذاب الله تعالى إذا كان من الحرام.و الدليل النساء 30 المذكورة و المسد 1-3″ تبت يدا أبي لهب و تب ما أغنى عنه ماله و ما كسب سيصلى نارا ذات لهب”. و الهمزة 1-6 “ويل لكل همزة لمزة الذي جمع مالا و عدده يحسب أن ماله أخلده كلا لينبذن في الحطمة و ما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة” و قول الله على لسان نبيه إبراهيم  في سورة الشعراء 87-89 ” ولا تخزني يوم  يبعثون يوم لا ينفع مال و لابنون إلا من أتى الله بقلب سليم” و القلب السليم هو القلب المؤمن المتقي.

وأنذر المجرمين الذين يأكلون الأموال بالباطل بأن الله تعالى يعلم ما يسرون و ما يعلنون و آيات القرآن الدالة على ذلك كثيرة، منها النساء 77 “أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون و ما يعلنون “و الفرقان 58 ” و كفى به بذنوب عباده خبيرا” .

هناك الذين يستعملون مختلف الأساليب السرية والمعاني  و الرموز لكي لا تتبث مسؤولياتهم الجنائية عند أكل الأموال بالباطل. فهذه المسؤولية التي يخفونها عن الناس وعن  وسائل الرقابة يعلمها الله تعالى و تسجل الملائكة ذنوبهم و سيئاتهم في كتب أعمالهم و ينالون الجزاء عنها من  الله تعالى. 

الله تعالى يعلم ما تسر و ما تعلن كل نفس بشرية في كل زمان و مكان في آن واحد. فالإشارة و الرموز التي يستعملها الراشي و المرتشي و المزور تصدر عن تفكير في العقل و رغبة في القلب و الله تعالى يعلمها قبل أن تعبر عنها جوارح الظالم. فلا تفكر أيها الإنسان و لا تعتقد في نفسك إلا ما يرضي الله تعالى و يطابق حدود القرآن. و اعلم أيها الإنسان أنك مسؤول أمام الله تعالى، عما في نفسك و الدليل البقرة 284 ” و إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله” و البقرة 77 ” أولا يعلمون أن الله يعلم ما يسرون و ما يعلنون“.

فأعمال الإنسان و أقواله و إشارته و الرموز التي يتصل بها يعلمها الله تعالى و أعضاء جسم الإنسان تشهد يوم القيامة بأعمال الإنسان. والأدلة كثيرة منها الزخرف 80 ” أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم و نجواهم  بلى و رسلنا لديهم يكتبون” و الانفطار 10-12 ” وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون“. الله تعالى يشهد أيضا عما تسر و تعلن كل نفس. والدليل يونس 61 ” ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه و ما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض و لا في السماء و لا أصغر من ذلك و لا أكبر إلا في كتاب مبين”. وتشهد على الإنسان أعضاء جسمه أيضا حيث ينطقها الله تعالى فتشهد أمام الله تعالى بكل ما فعل الإنسان  من خير و شر. والدليل  النور 24 ” يوم تشهد عليهم ألسنتهم و أيديهم و أرجلهم بما كانوا يعملون”. فالرشوة التي أخذها المرتشي وأعطاها الراشي تشهد يداهما عن هذه الجريمة. وتشهد اليد عن التزوير و القتل و السرقة .

لقد أطلت في بحث هذه النقطة المتعلقة بظلم الناس و أكل أموالهم بالباطل و إني أعتذر .و لكن هدفي من ذلك توضيح خطورة ظلم الناس و أن الله تعالى لا يقبل التوبة عن ظلم الناس إلا إذا رد الظالم الحقوق لأهلها. واختم هذه الدراسة بمسألة التوبة من الكفر والشرك  والنفاق.

بالنسبة للتوبة من الكفر فقد قرر الله تعالى في القرآن العذاب الشديد للكفار والمشركين والمنافقين وذلك ما نصت عليه كثير من الآيات ولا داعي لذكرها لأن  الله تعالى قيدها بآيات أخرى لاحقة لها قرر فيها الله تعالى عفوه و رحمته و رأفته بالناس لأنه سبحانه و تعالى قرر التوبة للكفار و المشركين و المنافقين إذا توفرت فيهم شروط التوبة . و من الأدلة على ذلك الأنفال 38 “قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف و إن يعودوا فقد مضت سنت  الأولين” و التوبة 11 ” فإن تابوا و أقاموا الصلاة و أتوا الزكاة فإخوانكم في الدين“. فإذا تاب  الكفار و أمنوا و جسدوا توبتهم بالتقوى و بالعمل الصالح قبل الشعور بالموت و بنية صادقة ﻦﻴﻤﻠﺴﻣ ﻥﻮﻧﻮﻜﻳ ﻭ ﻢﻬﻟ ﻪﻠﻟﺍ ﺮﻔﻐﻳ.

و لكن إذا مات الكافر أو المشرك أو المنافق دون توبة صادقة فإن مصيره جهنم حتما و لا يغفر له الله تعالى بعد البعث ، لقوله تعالى في البقرة 217 ” وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” و البقرة 161 “إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ “.

و من الأدلة  على التوبة من الكفر آل عمران 86-89 ” كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ، أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ، خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ” ، و مريم 59-60 ” فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ” . و التوبة 74 ” يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا ۚ وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ۚ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْرًا لَهُمْ ۖ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ” 

و بالنسبة للتوبة من الشرك فإن الآيات التي قررت التوبة على الكفر سائرة المفعول أيضا على التوبة من الشرك  لأن الشرك بالله هو أيضا الكفر بالله تعالى و الدليل المائدة 72 ” لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ” و المائدة 73 ” لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ” و المائدة 74 ” أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ” فالشرك أيضا كفر فالكافر ينكر وجود الله تعالى و المشرك يجعل مع الله شريكا في الألوهية ، فهو أيضا كافر بالله تعالى و قد خصص الله تعالى نفس الجزاء للكفار و المنافقين و الدليل التوبة 68 ” وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ هِيَ حَسْبُهُمْ ۚ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ” إلا الدين تابوا قبل الشعور بأجل الموت توبة صادقة و جسدوها فعلا بالتقوى و العمل الصالح .

و بالنسبة للمنافقين فإن الله تعالى يقبل توبتهم إن كانت مستوفية لشروطها التي سبق ذكرها. المنافق يخفي في نفسه الكفر و الحقد على الإسلام و المسلمين و لكنه يظهر للناس الإسلام و يختفي بين المسلمين ليتجسس عليهم و يتعاون مع الكفار ضدهم . فالمنافق أخطر من الكافر لهذا شدد الله تعالى العقاب على المنافقين و الدليل النساء 145 ” إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ” النساء 146 ” إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ” .

الله تعالى يقبل توبة المنافق إذا تاب توبة صادقة دائمة و جسدها بالعمل الصالح و التقوى الحقيقية دون نفاق . فالمنافقون يشكلون خطرا على الإسلام و المسلمين و الدليل البقرة 9 ” يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا ” و التوبة 67 ” الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ” و المنافقون 1 ” وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ” لهذا لا تغتر أخي بمن يتظاهر بالإسلام حتى تتأكد من إيمانه الصادق و ذلك بمراقبة أعماله السرية و العلنية و امتحانه . و الدليل الممتحنة 10 ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ۖ ” و الحجرات 3 ” إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ ۚ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ  ” فاحذر أخي المسلم نفاق المنافقين و لا تتأثر بالأقوال و المظاهر الخارجية.

  و نتيجة هذه الدراسة حول التوبة أن الإنسان يجب أن يستفيد من رحمة الله تعالى و لطفه و رأفته فيسارع إلى التوبة من الكفر و الشرك و النفاق و من سائر الذنوب قبل اقتراب أجل الموت الذي هو خاضع لقضاء الله و قدره و يأتي الإنسان في أية لحظة و ذلك للفوز بسعادة الدنيا و الآخرة و للنجاة من عذاب جهنم .

و لا يقبل الله تعالى التوبة و لا يغفر الذنوب إلا لمن استمر في توبته حتى الموت ، و لم يخالف شروطها التي حددها القرآن و منها الاستمرار دون انقطاع منذ قرار التوبة الصادقة في العمل الصالح و التقوى حتى الموت لأنه كلما خالف التائب شروط التوبة لا يغفر الله تعالى ذنوبه و سيئاته و السلام على من اتبع حدود القرآن .

Copyright 2024, All Rights Reserved