استعمل عقلك أيها الإنسان في كل مكان لتتأكد من صدق القرآن

بسم الله الرحمان الرحيم

15 رجب 1432   – 8/6/2011

بحث أعده الأستاذ الرحلي أحمد

من هيأة التدريس بالتعليم العالي بالدار البيضاء سابقا متقاعد.

العنوان :   910 شارع وادي سبو حي الوفاق الدار البيضاء.

الهاتف : 0668120774

الموقع بالانترنيت :                             زدت إضافة لهذا البحث يومه 29 ذو القعدة 1432

                                                              موافق 27 أكتوبر 2011

www.errahliahmed.com

 

الموضوع : استعمل عقلك أيها الإنسان في كل مكان لتتأكد من صدق القرآن .

المقدمة:

العقل ملكة خلقها الله تعالى في دماغ الإنسان. وهو الذي يدرك الظواهر و أسبابها و يميز بين الحق و الباطل وبين الخير والشر, ويتحكم في تفكير الإنسان و قوله وعمله, ولكن العقل قد يتأثر بالعواطف والجوارح وإحساس القلب والهوى الذي يمنعه من وظيفته الصحيحة.

وللعقل أهمية كبرى و أساسية في فهم القرآن وإدراك أدلة صدقه من خلال آيات الله وتصرفه في نفس الإنسان والكون. لان الله تعالى قرر في إطار قوانين و سنن خلقه عدم رؤية الناس له في الدنيا ابتلاء لهم. أما في الآخرة بعد البعث فان الإنسان يتأكد من صدق القرآن بالعقل والمشاهدة المادية في الواقع المجسد أمامه. فيرى الجنة وجهنم وحياة البرزخ وعملية الحساب عن أعمال الدنيا أمام الله تعالى والملائكة.

وإشكالية هذا الموضوع هي العلاقة بين عقل الإنسان وفهم آيات القرآن وتحديد مدى تطابقها مع واقع النفس البشرية والكون الذي خلقه الله تعالى. بمعنى أن العقل هو الأداة الوحيدة التي تمكن الإنسان من التأكد من صدق القرآن الذي انزله الله تعالى لكافة الناس في العالم ليلتزموا به قولا وعملا سرا و علانية حتى الموت. لهذا سأبين بالأدلة صحة هذه الفرضية وهي جواب الإشكالية.

ومن أسباب اختياري لهذا الموضوع أن أحد الأساتذة قال لي في حوار جرى بيني وبينه ما يلي: أنت كتبت أبحاثا في الدراسات الإسلامية فاعتبرت الناس متأكدين من صدق القرآن بينما هناك من ينكر هذه الحقيقة . فانقبض قلبي وشعرت بالغضب ودمعت عيناي. ومباشرة بعد انصراف الأستاذ من بيتي أدركت أنه يجب علي إتباث أدلة صدق القرآن وأنه فعلا كلام الله تعالى وشرعه المنزل لكافة الناس بالعالم. وعزمت على إبطال إدعاء كل الذين أنكروا صدق القرآن عن جهل أو عن قصد. فهناك الذين يجهلون لغة القرآن العربية وهم أميون لا يقدرون على فهم آيات القرآن ولا يقارنونها بتصرف الله تعالى في أنفسهم وفي الكون. وهناك من يتأثر بالهوى والشهوات ونزوات القلب ورغباتهم المغرضة فأنكروا صدق القرآن لأنهم استكبروا عن عبادة الله تعالى ورفضوا تنفيذ أوامره وهي الفرائض والمحرمات وحدود القرآن.

وأهمية هذا البحث كذلك أنه يبين أدلة صدق القرآن لكافة الناس في العالم كله رغم اختلاف ألوانهم ولغاتهم وأجناسهم وقومياتهم وأماكن إقامتهم في أرض الدنيا.

    ومن أهمية هذا البحث كذلك إنذار الناس وإنقاذ الأميين والغافلين لكي يتبعوا القرآن ويلتزموا بأحكامه. وبذلك ينجون من عذاب الله في الدنيا وجهنم في الآخرة ويفوزون بالحياة الدائمة الأبدية بعد البعث في سعادة الجنة.والدليل آيات كثيرة منها طه 74-76 «إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى. ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى، جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى» والسجدة 22 «ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون».

وسأحلل الموضوع وأعلل الجواب عن إشكاليته من خلال التصميم الآتي :

المبحث الأول :استعمال العقل شرط أساسي للتأكد من صدق القرآن.

أ-لماذا وجهت النداء لكل الناس في العالم.

ب-العقل البشري وأهميته لإدراك الحق وتمييزه عن الباطل.

1 – تعريف العقل البشري وعمله.

2 – العقل البشري هو الذي يدرك صدق القرآن.

المبحث الثاني : أدلة صدق القرآن المحققة في الكون.

1 – الذي بلغ القرآن وفسره للناس أمي لا يعرف القراءة والكتابة.

2 – إيمان الناس المتزايد بالقرآن دليل على صدقه.

3 – حماية الله تعالى للكعبة.

4 -إخبار القرآن عن مزايا ومساوئ الحديد قبل أربعة عشر قرنا.

5 – بين القرآن دوران الأرض قبل أربعة عشر قرنا

6 – أكد القرآن قبل اكتشاف العلم بأن العين لا تبصر بدون نور.

7 -أخبر القرآن عن اكتشاف وسائل الإنارة قبل أربعة عشر قرنا.

8 – أكد القرآن قبل العلم الحديث أن النوم لفترة كافية شرط أساسي لاستمرار الحياة.

المبحث الثالث: أدلة صدق القرآن المحققة في الإنسان.

1 – أخبار الأنبياء والرسل الواردة في القرآن دليل على صدقه.

2 – تأكد فعلا أن الله تعالى هو الذي يعطي الماء والهواء الضروريين للحياة.

3 – وجود كل إنسان في أرض الدنيا مؤقت حتما وبإرادة الله تعالى.

4 – في الصوم شفاء للصائم كما أكده القرآن.

5 – الحياة الزوجية آية من آيات الله تعالى أكدها الواقع في كل مراحل التاريخ الإنساني

6 – إتباث العلم لحكمة عدة المطلقة كما حددها الله تعالى دليل على صدق القرآن

7 – الله تعالى يسمع أقوال كل إنسان ويرى أعماله ويعلم ما يفكر فيه ويعتقده سرا.

8 – ثبوت أدلة صدق القرآن دليل على صدق آيات البعث والحساب في الآخرة.

المبحث الأول :استعمال العقل شرط أساسي للتأكد من صدق القرآن.

أنزل الله تعالى القرآن على رسوله محمد بن عبد الله عليه وعلى كل الرسل صلاة الله و سلامه ما بين سنة 611 و 633 ميلادية ليطبقه الناس ويلتزموا بأحكامه قولا وعملا سرا وعلانية حتى الموت . ولكن كثيرا من الناس لم يصدقوا بأن القرآن فعلا شرع منزل إليهم من الله تبارك وتعالى لأسباب منها جهل اللغة العربية والأمية وعدم رؤيتهم لله تعالى وعدم التأكد من وجوده، ومن هذه الأسباب عدم استعمال العقل لإدراك صدق القرآن من خلال تدبر وفهم آيات الله عز وجل في القرآن وفي الكون  والنفس البشرية. ومن الأسباب أيضا سوء نية البعض الآخر الذين رفضوا ما في القرآن من أحكام ملزمة وفرائض ومحرمات اعتبروها متعارضة مع هواهم وشهواتهم ورغباتهم ونزواتهم الغير المشروعة.

وإذا تفحصنا هذه الظاهرة نجد أن هذه الفئة الأخيرة قد أنكرت صدق القرآن وادعت تأليفه من طرف البشر. أما الفئة الأولى الجاهلة للحقائق فإنها لم تعلم أن الله تعالى عندما خلق الكون وما فيه ومنه البشر قرر عدم رؤيته من طرف كل إنسان في الدنيا ولو الرسل والأنبياء. ولا يراه إلا أصحاب الجنة بعد البعث في الآخرة. لهذا فإن أدلة وجود الله تعالى وصدق القرآن مستنتجة من تصرفه في هذا الكون وما فيه ومنه الإنسان نفسه.لهذا أكد الله تعالى في عشرات الآيات بالقرآن على وجوب استعمال الإنسان لعقله والتجرد من هوى النفس الأمارة بالسوء للتأكد من وجوده وصدق قرآنه. والأدلة كثيرة منها : فصلت 53 «سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق» والذاريات 20-21 «وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون» ويوسف 105 : «وكأين من أية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون»  والحديد 17 «قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون» أي لعلكم تفهمون بحق وصدق تصرف الله المعجز لكل مخلوق في كل ما في الكون الذي خلقه ومنه البشر، فتتأكدون فعلا وحقا أن القرآن كلام الله عز وجل المنزل لكافة الناس في العالم. لهذا سأبين في هذا المبحث محورين :

أ -لماذا وجهت النداء لكل إنسان في العالم.

ب -العقل البشري وأهميته لإدراك الحق وتمييزه عن الباطل.

لماذا وجهت النداء لكل إنسان في العالم.

هذا النداء الذي وجهته من أعماق قلبي لكل إنسان في العالم لكي يستعمل عقله ويتجرد من هوى النفس الأمارة بالسوء لإدراك صدق القرآن وهو موضوع هذا البحث أعلله بكون القرآن منزلا من الله تعالى على رسوله محمد عليه وعلى كل الرسل صلاة الله وسلامه وذلك لكافة الناس بالعالم ليلتزموا به قولا وعملا سرا وعلانية حتى الموت.

أنزل الله تعالى القرآن متفرقا من سنة 611 إلى 633 ميلادية بمكة المكرمة والمدينة المنورة ، وذلك بواسطة الملك جبريل عليه السلام. لقوله تعالى في النحل 102 «قل نزله روح القدس من ربك بالحق». والأنعام 155 « وهذا كتاب أنزلنا مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون» والزمر 55 « واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بفتنة وأنتم لا تشعرون» والأعراف 3 «اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء» ويونس 37 «وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين» والرعد 1 «المر تلك آيات الكتاب والذي أنزل من ربك الحق ولكن أكثر الناس لا يؤمنون». فالقرآن منزل من الله تبارك وتعالى مثل الكتب السابقة المنزلة على رسله. لقوله تعالى في الرعد  39-38 »وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب يمحو الله ما يشاء و يثبت وعنده أم الكتاب» ويونس 15 «وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله. قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم» ومن الأدلة الدالة على أن القرآن منزل لكافة الناس في العالم المائدة 15 «يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير. قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين». هذا دليل على أن القرآن نسخ الشرائع السابقة وهو منزل لكافة الناس بالعالم بما فيهم النصارى واليهود لأن الله تعالى أبطل مفعول هذه الشرائع السابقة ومنها التوراة والإنجيل. لقوله تبارك وتعالى في الأعراف 157 «الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل» والأعراف 158 «قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا» وسبأ 28 «وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون». هذه الآيات أكدت بأن القرآن منزل لكل إنسان في العالم لهذا وجهت النداء لكل إنسان باستعمال عقله لإدراك صدق القرآن من خلال فهم آيات الله تعالى في القرآن وتطابقها  مع تصرفه في الكون و الإنسان. ومن الأدلة كذلك سورة محمد 2-3 «والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم». فمن لم يؤمن بالقرآن ولم يعمل بأحكامه كافر وغير مسلم ولو آمن بالكتب السابقة. لقوله تعالى أيضا في آل عمران 19 «إن الدين عند الله الإسلام» وآل عمران 85 «ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين». وللمزيد حول هذه المسألة أحيلكم على البحث الذي نشرته بموقعي المذكور بالإنترنيت حول موضوع : “أدلة بطلان التوراة والإنجيل بالقرآن وأحكام الكفر والإيمان .” لذلك فكل دين غير الإسلام ليس دينا سماويا. فالشرائع السماوية المتعددة نسخها القرآن. ولكن كل دين غير الإسلام كفر وحرام مثل اليهودية والمسيحية والبوذية والهندوسية وغيرها. وهذا قضاء الله وقدره. فهو الذي نسخ كل الشرائع السابقة بالقرآن و فرض على كافة الناس في العالم الإيمان بالقرآن وعبادة الله تعالى طبقا لمناسكه وأحكامه.

فهذه الأدلة أكدت وعللت النداء الذي وجهته لكل إنسان في العالم بما في ذلك النصارى واليهود ليستعملوا عقولهم ويتجردوا من هوى النفس لأمارة بالسوء وليتأكدوا كما سوف أبين فيما بعد من صدق القرآن وأنه فعلا شرع الله تعالى منزل لكافة البشر ليعملوا بأحكامه. وقبل ذلك أبين أهمية العقل كأداة للتمييز بين الحق والباطل.

ب-العقل البشري وأهميته لإدراك الحق وتمييزه عن الباطل:

سأتناول مسألتين أساسيتين

1 – تعريف العقل البشري وعمله.

2 – العقل أداة ضرورية للتأكد من صدق القرآن.

– تعريف العقل البشري و عمله.

العقل ملكة خلقها الله تعالى في دماغ الإنسان ليفكر بها و يحدد ما يقوله ويعمله. هذه الملكة تتكون بالتدريج وتنمو لتكتمل وتقوم بوظيفتها المذكورة. عندما يزداد الطفل من رحم أمه لا يعمل عقله الذي خلقه الله عز و جل .وهذا مؤكد فعلا في الواقع والتجارب والدراسات الميدانية. ومؤكد أيضا في القرآن. لقوله تعالى في النحل 78 «والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون». ولكن عقل الطفل ينمو بالتدريج مع تقدم سنه وحسب التربية والمعرفة التي تلقاها من بيئته ومحيطه وأسرته.

     والعقل مشتق من فعل عقل الشيء ويعني منعه من الحركة وجعله ساكنا. عقل الفرس معناه ربط أرجله بحبل كي لا يتحرك. فالعقل البشري يفكر ويفهم الظواهر وأسبابها ويقرر ما يقوله ويعمله الإنسان. ويميز بين الحق والباطل ويتحكم  في نزوات القلب وشهواته وعواطفه ورغباته التي  تتكون عن طريق الحواس وهي السمع والبصر واللمس والشم والذوق.

فرغبات ونزوات القلب والهوى جارفة ولا حد لها. ولكن العقل هو الذي يكبح جماحها ويضبطها وينظمها طبقا لما يتوفر عليه من معرفة وثقافة ومبادئ وقيم ونمو. لهذا فالطفل الغير البالغ سن الرشد قد تتغلب نزوات وعواطف قلبه على عقله إذا لم يكتمل نموه، وكذلك لا يستطيع استخدام عقله. والذي تناول المخدرات والخمر لا يشتغل عقله بل ينهار أمام نزوات و عواطف قلبه.

     فإذا سيطر القلب بنزواته ورغباته وإحساسه وضغطه على العقل كان القول والعمل معبرا عن الهوى، ولا يميز بين الحق والباطل. لهذا وجهت نداء لكل إنسان في العالم بأن يستعمل عقله ويتحكم في الهوى ليدرك الآيات الدالة على صدق القرآن.

     لكن يجب توضيح الحقيقة العلمية التالية حول تكون العقل وقيمته. فالعقل البشري تتحكم في تكونه ظروف نموه الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، والبيئة التي ينمو فيها والمعرفة والتربية التي يتلقاها من محيطه والأسرة والمدرسة والمجتمع ووسائل الاتصال والإعلام كالفضائيات ووسائل الثقافة المعروفة المكتوبة والمسموعة والمرئية.

     فإذا تكون ونما عقل الإنسان في بيئة الكفر وتلقى معرفته من ثقافة الكفار ونظمهم وقيمهم الخاصة بهم فإنه يضبط ويعقل نزوات قلبه وهواه حسب هذا التكوين الذي تلقاه. فعقل الكافر لا يمنع النفس عن النظر المستمر للنساء أو ممارسة الزنا أو شرب الخمر مثلا ولو علانية لأن ذلك من مسلمات وقيم الكفار التي تكون فيها منذ الطفولة.

وإذا تكون ونما نفس عقل هذا الإنسان المذكور في بيئة إسلامية وتلقى تربية إسلامية صحيحة طبقا لقيم القرآن فإن عقله يكون عقلا قرآنيا مسلما له ثقافة ومعرفة إسلامية.هذا العقل يمنع النفس الأمارة بالسوء من ارتكاب المحرمات كالنظرة الثانية للمرة والزنا وشرب الخمر سواء علانية أو سرا. فالكمبيوتر أو الحاسوب يحلل كل المعلومات حسب معطيات البرامج التي أدخلت فيه. إذا طلبت منه الصور الخليعة المنافية لتعاليم الإسلام كصور النساء العاريات فإنه يستجيب لك. وإذا طلبت منه تحديد موقع كلمة واحدة في القرآن فإنه يبين لك السورة ورقم الآية. لهذا فالعقل البشري يعمل حسب المعرفة والثقافة التي يتوفر عليها لأنه بمثابة كمبيوتر الجسم الذي يصدر القول والعمل وقبلهما التفكير حسب معطياته ومكوناته التي تلقاها طيلة فترة نموه.

  من هنا تظهر أهمية تربية الشباب تربية إسلامية لتكوين العقل القرآني. وهذا واجب فرضه الله تعالى على كل زوج مسلم. وعلى الأمة الإسلامية التي فوض إليها الله تعالى الحكم والسلطة في الدولة الإسلامية. يجب أن تدرس علوم القرآن والتربية الإسلامية في كل مراحل التعليم وفي وسائل الاتصال والإعلام والثقافة والمعرفة فالعقل القرآني المسلم يعقل هوى القلب ونزواته وعواطفه ويضبطها، ولا يصدر إلا القول والعمل المشروع المطابق لشرع الله تعالى. وسأبين بعض الأمثلة :

قد تشتهي النفس الأمارة بالسوء الاستمرار في النظر إلى زينة امرأة التي تثير في قلب الناظر شهوة جنسية. ولكن عقل المسلم القرآني يكبح جماح القلب ونزوات فيأمر النفس بغض البصر مباشرة بعد النظرة الأولى المسموح بها شرعا وأمنيا. والأساس الشرعي الذي يجعل العقل القرآني يمنع النفس من النظرة الثانية للمرأة والدليل هو سورة النور 30 «قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون».

والعقل القرآني يمنع الإنسان من ممارسة الزنا رغم شدة حاجته ورغبته التي سيطرت على هواه. والسبب الشرعي الذي يستند إليه هذا العقل الإسراء 32 «ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا» والنور 3 «وحرم ذلك على المؤمنين» أي الزنا.

قد يشتهي إنسان صائم في شهر رمضان الأكل فيغلق عليه منزله ويضع الطعام فوق المائدة. ولكن يؤنبه عقله ويمنعه من الاستجابة لهواه وشهوته فيمنعه من الأكل والشرب استنادا إلى ما فرضه الله تعالى من صوم رمضان على المسلمين  والدليل البقرة 183 و 185 ولأن الله تعالى يراه وكذلك الملكان يكتبان أعماله وأقواله ولو اختفى عن الناس في منزله. وكمثال على أهمية العقل القرآني وتحكمه في الهوى والشهوات قد يكون زوج مضطرا للسفر عدة شهور خارج إقامة أسرته، ولما عاد إلى منزله واشتاق بشدة الجماع مع زوجته وتهيأ نفسيا لذلك، فإذا بزوجته تخبره أنها حائض. فقد تدفعه الرغبة والشهوة وحواسه ونزوات قلبه الذي يضغط على عقله فيمارس الجماع مع زوجته رغم الحيض نظرا لغيابه مدة طويلة. ولكن العقل القرآني يكبح جماح الهوى والشهوة، فيمنعه من مخالفة شرع الله تعالى الذي حرم الجماع في حالة الحيض. والدليل البقرة 222 «ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهن من حيث أمركم الله « وفي هذه الحالة تفوق العقل السليم على هوى القلب وشهواته. وجعل تفكير وقول وعمل الزوج سليما مشروعا ومنطقيا ومتحريا للصدق والحق ولو جامع هذا الزوج المذكور زوجته وهي حائض فعقله قد انهار أمام ضغط القلب وهواه وشهواته وبالتالي يكون على خطأ وبعيدا عن الصدق والحق فينال عذاب الله تعالى لانتهاكه حدود القرآن. فنقول بأن قلب هذا الزوج لم يعقل أي تغلب على العقل وسيطر عليه بالضغط الدموي في الدماغ وتوتر الأعصاب مما منع العقل من التحكم في التفكير والقول والعمل وهذا ما أكدته الحج 46 « أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور « معنى أن القلب إذا كان فيه مرض الحسد والحقد والشك وإتباع الشهوات والنزوات الغير المشروعة بسبب التربية التي تلقاها الإنسان فإنه أي القلب يتجاهل ما تصدر إليه الحواس من الحق وخاصة السمع والبصر فيؤثر على العقل ويمنعه من القيام بوظيفته. فاستعمل عقلك أيها الإنسان وتحكم في هوى قلبك ونزواته وشهواته لكي لا تظلم غيرك. ولا تفكر ولا تقل ولا تعمل إلا ما يرضي الله تبارك وتعالى.

وقد يرى إنسان فقير حقيبة مملوءة بالمال والذهب داخل سيارة فتدفعه نفسه الأمارة بالسوء لسرقتها، ولكن عقله القرآني يمنعه من السرقة خوفا من الله تعالى والتزاما بأحكام القرآن ومنها تحريم السرقة وأكل أموال الناس بالباطل والدليل البقرة 188 «ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل» والمائدة 38 «السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم».

فالعقل القرآني هو المختبر الذي يعالج المعرفة الآتية إليه عن طريق الحواس ويتحكم في القول والعمل حسب ما يسمح به القرآن ويأمر به. ولهذا فإن العقل إذا لم يتلق المعرفة عن طريق الحواس وخاصة السمع و البصر فإنه لا يشتغل. فالصم والعمي والبكم شبه ميت وليست له وسيلة التفكير والقول والعمل . لهذا صدق الجليل الحكيم الله تعالى حيث قال في البقرة 171 «صم بكم عمي فهم لا يعقلون « وفي الأنفال 22 «إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون». وهذه المسألة مؤكدة علميا وفي الواقع.

ولكن هناك من يتوفر على السمع والبصر ولكنه يتأثر بهواه فلا يدرك الحق بعقله ولا يميزه عن الباطل بسبب جهله أو كفره. والدليل الأعراف 179 «ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها. أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون». لهذا فإن الذي لا يستعمل بصره وسمعه بحكمة وموضوعية ينهزم عقله أمام هواه وشهواته ونزواته. بل يجب على المسلم أن يستعمل عقله القرآني لضبط تفكيره وقوله وعمله ليكونوا مطابقين لشريعة الله تعالى. إن العقل البشري يجب أن يتحكم في هوى النفس الأمارة بالسوء وشهوات القلب الغير المشروعة. فإذا سيطر القلب والهوى على العقل انهار فلا يفكر تفكيرا سليما ومشروعا ولا يضبط القول والعمل. ففي هذه الحالة لا يعمل العقل بموضوعية وبحق. والله تعالى نهى في آيات كثيرة عن انهزام العقل أمام الهوى، منها النجم 23 «إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس» والفرقان 43 «أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا» والقمر 3 «وكذبوا واتبعوا أهواءهم» والبقرة 87 «أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم». لهذا حذر الله تعالى من إتباع الهوى وأمر الإنسان باستعمال عقله لفهم آيات الله الدالة على وجوده وعلى صدق القرآن والدليل ص 26 «ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد»، والقصص 50 «فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن إتبع هواه بغير هدى من الله « والبقرة 145 «ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذن لمن الظالمين» ويوسف 53 «إن النفس لأمارة بالسوء «.

وأمر الله تعالى بتغليب العقل على نزوات القلب والهوى، لقوله تعالى في عدة آيات منها البقرة 242 «كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون» والنور 61 «كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون» والنازعات 40-41 «وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى». والملك 10 «وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير». هذه الآية دليل على ندم أصحاب جهنم لأنهم لم يغلبوا عقولهم على هواهم في الدنيا. وقد بين الله تعالى أهمية متاع الآخرة الدائم وسعادة الجنة بالنسبة لمتاع الدنيا المؤقت المنتهي بنهاية الموت الحتمي،فأمر الإنسان باستخدام عقله لإدراك هذه المقارنة. والدليل آيات كثيرة منها الأنعام 32 «وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو و للدار الآخرة خير للذين يتقون. أفلا تعقلون  » أي أفلا تستعملون عقولكم وتتجردون من هواكم لإدراك الحق. والبقرة 44  »أتامرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون «.هذه الآية أكد فيها الله تعالى على وجوب استعمال الإنسان لعقله للتمييز بين الحق والباطل وإتباع الحق. فأي إنسان عاقل مجرد عن الهوى لا يقبل أن يدعو الناس إلى فعل الخير والفضيلة والحسنى ثم يفعل هو الشر والسوء والرذيلة. فإنه يعلم بنفسه أنه منافق قبل أن ينعته الناس بذلك. لهذا قال الله تعالى في الصف 2-3 «يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون». والعقل البشري هو الذي يميز بين الحق والباطل وبين الشر والخير والصدق والكذب.

وكمثال عن كيفية عمل العقل وأهميته لتوجيه تفكير وقول وعمل الإنسان نحو الصواب والحق والصدق نجد موقف المنافقين الذين رفضوا المشاركة في الجهاد والحرب الدفاعية في تبوك لمواجهة اعتداء كفار قريش على المسلمين. فقد ادعوا كذبا أن سبب عدم مشاركتهم الخوف من حرارة الجو. فأجابهم الله عز وجل بأنهم لو استعملوا عقولهم لأدركوا أن نار جهنم أشد من حرارة الجو بالدنيا وذلك لأنهم يستحقون عذاب جهنم بسبب نفاقهم. والدليل التوبة 81 « فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر. قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون «.وكمثال عن أهمية العقل نجد الحشر 13 « لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون «. فالمنافقون يخافون من الرسول (ص) ومن المسلمين ولايخافون من الله تعالى. لم يدركوا بعقولهم أن الله تعالى أقوى من الرسل و الأنبياء و سائر البشر والمخلوقات الأخرى . ونجد كثيرا من الناس يخافون من الحكام ويعبدونهم مقابل الامتيازات و المال و لا يخافون من الله تعالى القوي و القاهر فوقهم كافة . وهذا شرك بالله تعالى. بل جعل الله تعالى من شروط الإيمان عدم الخوف إلا منه. والدليل آل عمران 175 «إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم و خافون إن كنتم مؤمنين». ولكن الخوف من الله تعالى يجب أن يتجسد في طاعته والتقوى.

وكمثال عن أهمية العقل و دوره لإدراك الحق و الصدق نجد أن بني إسرائيل ادعوا بأن نبي الله إبراهيم كان يهوديا. و مما يؤكد كذبهم أن التوراة التي حرفوها لم تنزل من الله تعالى إلا في عهد موسى عليه السلام الذي ولد بعد موت ابراهيم بقرون.والدليل آل عمران 65 «يا أهل الكتاب لم تحاجون في ابراهيم وما أنزلت التوراة و الإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون» و آل عمران 67 «ما كان ابراهيم يهوديا و لا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين».

و كمثال آخرأذكر لكم واقعة مسابقة ثقافية بين عدد من الشباب قبل تحليلها وبيان دور العقل في فهمها.وضع المسؤولون عن تنظيم المسابقة حيوانات صغيرة كالقط والفأر و الأرنب في صناديق صغيرة حسب حجمها. وطلبوا من المتسابقين إخفاء العينين بمنديل وذكر اسم الحيوان المعروض أمامهم في الصندوق بعد لمسه بأيديهم. تفاجأ الجمهور الحاضر لما نطقت إحدى المتباريات بعد لمسها الحيوان الموجود داخل الصندوق بأنه حمار في حين أنه أرنب. أفسر هذه الظاهرة بما يلي : المتبارية كذبت رغم استخدامها لعقلها و حواسها إما لكونها لم يسبق لها أن شاهدت الحمار والأرنب لكي تميز بينهما.فيكون الجهل سبب الخطأ. وإما أنها أدركت الحق وعلمت أن في الصندوق أرنبا و لكنها أنكرت الحق إرضاء لهواها و نزواتها لتحقيق نتيجة ترغب فيها مثل إضحاك الجمهور أو تحقيق مصلحة معينة أخرى.

كذلك فالعقل الأمي لا يستطيع فهم القرآن وآيات الله تعالى في الكون و النفس البشرية و القرآن ليتأكد من صدقه, ولكن العقل العالم يتوفر على قدرة فهم القرآن و آيات الله عزوجل الدالة على صدقه. لكن العالم قد يتأثر بهوى النفس ونزوات وشهوات القلب فينكر صدق القرآن ويحرف آياته أو يتجاهلها عمدا استجابة لهواه و حقدا على الإسلام. وهذا ما يفسر كفر أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بالقرآن. ولهذا قال الله سبحانه وتعالى في القصص 50 «فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه» والنجم   23 «إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس» والبقرة 75 «أفتطمعون أن يؤمنوا لكم و قد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون». فرغم أنهم فهموا الثوراة والإنجيل بعقولهم و أدركوا أنها حق وصدق ومنزلة من الله تعالى فإن العلماء النصارى واليهود حرفوها إٍرضاء لهواهم ونزواتهم ولتحقيق امتيازات ومكاسب سياسية واقتصادية. وكتموا الإخبار الوارد في التوراة والإنجيل بخصوص نزول القرآن من الله تعالى لقوله تعالى في الأعراف 157 «النبي الأمي الذين يجدونه مكتوبا عندهم في الثوراة والإنجيل» والصف 6 «وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي» ورغم أنهم أدركوا بعقولهم أن القرآن منزل من الله تعالى لتطابق آياته مع آيات الله عز و جل في الكون وفي النفس البشرية فإنهم لم يؤمنوا به ولم يسلموا استكبارا منهم ورفضا لما حرم عليهم الله تعالى في القرآن ولما أمرهم فيه من فرائض. والدليل البقرة 89 «ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين».

وفي إطار بيان تفاعل العقل مع القلب والهوى استدل بواقعة يتجلى فيها تأثير القلب وضغطه المرتفع وانفعالاته ونزواته على الجهاز العصبي مما يؤدي إلى شلل العقل الذي يعجز عن كبح جماع النفس الأمارة بالسوء، فلا يتحكم العقل في القول والعمل . هذه الواقعة تتعلق بنزاع بين أبناء الجيران أدى إلى جرح أحدهما الآخر، لما عاد أب الطفل المجروح من عمله إلى بيته صاحت زوجته في وجهه وأخبرته بما وقع قبل أن يضع حذائه، اشتد غضب الزوج فأخذ سكينا في يده وخرج يتصارع مع الجيران فقتل جاره وأصاب ابن جاره بجراح خطيرة. حكم على القاتل بثلاثين سنة سجنا نافذا. والذي نستخلصه من هذه الواقعة أن الزوج القاتل لم يمتلك أعصابه بل انهزم عقله أمام عواطفه وغضبه وانفعال قلبه وارتفاع ضغطه الدموي, ولو تذكر بعقله القانون الذي يعاقب على القتل وأن الله تعالى حرم قتل النفس بغير حق وخصص لمن فعل ذلك عذاب جهنم لما ارتكب هذه الجريمة، ولاكتفى برفع شكاية للقضاء لإنصاف ولده المجروح.

من خلال هذا البحث حول النقطة المتعلقة بتعريف العقل البشري وعمله وأهميته يتأكد لنا أن العقل هو الذي يميز الإنسان عن الحيوان، وهو الآلة الضرورية المسيرة للجسم. قد تقوده إلى الخير والعمل الصالح وقد تقوده إلى الشر والعمل السيئ. هذه حكمة الحكيم الجليل السميع العليم في خلقه. الله تعالى خلق الناس واستخلفهم كلهم في الدنيا لإعمارها ولعبادته في إطار الابتلاء ليختار منهم من يستحق الحياة الدائمة معه في سعادة الجنة بعد تجربة الحياة المؤقتة في الدنيا وبعد البعث والحساب. إذن هذا العقل أو هذا الكمبيوتر المستقر في رأس كل إنسان هو الذي يقرر تصرف الجسم قولا وعملا سرا وعلانية. بين الله تعالى للعقل البشري الآيات والحجج والأدلة والبراهين المؤكدة لوجوده ولصدق القرآن، وترك له حرية الاختيار بين الكفر والإيمان بين إتباع طريق الجنة أو طريق جهنم لقوله تعالى في الشمس 7-10 «ونفس ما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها» والنور 61 «كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تعقلون» و ص 29 «كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب» والألباب هي العقول التي يجب أن تفهم القرآن. والأنعام 98 «قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون» ويونس 5 «يفصل الآيات لقوم يعلمون» والعنكبوت 43 «وتلك الأمثال نضر بها للناس وما يعقلها إلا العالمون» يعقلها بمعنى يدرك حقيقتها ويفهمها بصدق وحق. والبقرة 269 «وما يذكر إلا أولوا الألباب» و آل عمران  190 «إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب» وهي العقول المتغلبة على هوى القلب ونزواته وانفعاله وشهواته الغير المشروعة.

الله تعالى أمر المسلمين بالعمل الصالح والإنتاج الحلال والبناء والتشييد والتقدم في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية. و الاقتصادية والعلمية والتقنية لتحقيق الازدهار والمنفعة والخير لكافة المسلمين ولتوفير القوة الضرورية للدفاع عن الدولة الإسلامية ودين الله تعالى الإسلام. والدليل الأنفال 60 «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة» والتوبة 105 «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون». ولكن بجانب فريضة التكوين العلمي للعقل في المجال الدنيوي أمر الله عز و جل بالتكوين القرآني للعقل أيضا ليفهم آيات الله تعالى في القرآن ويلتزم به قولا وعملا سرا وعلانية حتى الموت كما فرض الله تعالى.

لهذا قال الله تعالى في فاطر 28 «إنما يخشى الله من عباده العلماء» فالعلماء الصالحون المتقون الصادقون أدركوا وفهموا بعقولهم النيرة آيات الله و تصرفه وتأكدوا من وجوده ومن صدق القرآن. لهذا أمر الله تعالى رسوله موسى وأخاه هارون عليهما السلام في يونس 89 «ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون» وأمر رسوله محمد عليه وعلى كل الرسل صلاة الله وسلامه بأن يحكم بالقرآن وأن لا يتبع الهوى في عدة آيات منها المائدة 48 «وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم». وبين الله تعالى أهمية العقل العالم بقوله في المجادلة 11 «يرفع الله الذين آمنوا منكم  والذين أوتوا العلم درجات» والزمر 9 «قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب».

لهذا جعل الله تعالى مسؤولية كبرى على العلماء وفرض عليهم تفسير القرآن وتبليغه للناس وخاصة الذين لا يعلمون مثل الأميين والجهلاء. كما فرض على الذين لا يعلمون ولا يفهمون القرآن بأن يطلبوا ذلك من العلماء الصالحين المتقين وليس من عملاء الحكام المأجورين والمنافقين لأنهم يسكتون عن الحق ويحرفون كلام الله لتأييد الظلم والاستبداد.

فالدليل الذي يفرض على العلماء تكوين العقل القرآني وتربيته الإسلامية لدى الناس النحل 43 «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون» والبقرة 159-160 «إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون. إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم». والبقرة 174 «إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمنا قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم». وهناك مسؤولية أخرى على كل زوج مسلم بأن يكون العقل القرآني في نفسه وزوجته وأبنائه. والدليل التحريم 6 »يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون». لا يمكن للزوج المسلم أن يقي ويحمي نفسه وزوجته وأبناءه من عذاب جهنم إلا بالتقوى والالتزام بأحكام القرآن قولا وعملا سرا وعلانية حتى الموت. وهذا يتطلب تكوين العقل القرآني وتربيته تربية إسلامية صادقة. هذه أوامر الله تعالى فرضها على المسلمين كافة وعلى رأسهم العلماء. لهذا يجب على كل المسلمين التضامن والتوحد والتعاون بمختلف الوسائل لإقامة المجتمع الإسلامي والدولة الإسلامية التي يحكم فيها الشعب المسلم  ويطبق فيها القرآن تنفيدا لأمر الله تعالى الوارد في البقرة 213 والحديد 25 كما ينتخب كل الحكام الذين يطبقون القرآن ويدبرون الشأن العام بما في ذلك رئيس الدولة ومجلس الأمة والحكومة والقضاة. وكل دستور لا يعطي الحكم للشعب المسلم و الأمة ليس دستورا شرعيا وهو غير إسلامي.

إن من عوامل تخلف المسلمين وابتعادهم عن القرآن أن العلماء لم يقوموا بالدور الذي فرضه عليهم الله تعالى، بالإضافة إلى عامل الاستعمار الغربي وتواطئه مع عملائه في دار الإسلام.

فاستجيبوا أيها العلماء والدعاة والباحثون الصالحون الصادقون لأوامر الله عز وجل وقوموا بالدعوة والتربية الإسلامية لتكوين العقل القرآني لأن الأميين لا يمكنهم فهم وإدراك أدلة وجود الله تعالى وصدق القرآن وما فيه من أحكام وفرائض ومحرمات ملزمة لكل إنسان في العالم كله. وقاوموا أيها العلماء الصادقون التيارات والحركات التي تظلل الناس وتشوه الإسلام وتكذب على الله تعالى والرسول حيث تحرف القرآن والسنة عمدا أو عن جهل.

2 -العقل هو الذي يدرك صدق القرآن :

لما خلق الله تعالى الكون وما فيه ومنه الإنسان حدد السنن والقوانين التي يدبره بها. ومنها عدم رؤيته في الدنيا من طرف الناس ولو الرسل والأنبياء. فموسى عليه السلام كلمه الله تعالى من وراء حجاب، وقال له لن تراني.هذه الحقيقة عن عدم رؤية الله عز وجل في الدنيا مؤكدة في عدة سور منها: الأنعام 102 و 103 «ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار» والشورى 51 «وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم».

لهذا عاتب الله عز وجل الذين لم يدركوا بعقولهم الآيات والأدلة الدالة على وجوده وصدق القرآن عمدا أو بسبب الجهل و الأمية في عدة آيات منها الفرقان 21 «وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا. لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا» والبقرة 118 «وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم. قد بينا الآيات لقوم يوقنون».

     أجاب الله تعالى هؤلاء المرتابين والمنكرين لوجوده بأن عليهم استخدام عقولهم والتجرد من هوى النفس الأمارة بالسوء وملاحظة تصرفه جل جلاله في أنفسهم وفي الكون حتى يؤمنوا ويتأكدوا من وجوده وصدق قرآنه.

      ولما طلب بنوا إسرائيل من موسى عليه السلام رؤية الله تعالى كشرط للإيمان، أماتهم الله عز وجل ثم أحياهم لإعطائهم البرهان عل وجوده وتصرفه في النفس البشرية والكون، والدليل البقرة 56-55 «وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون. ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون».

     في إطار ابتلاء الناس قرر الله تعالى بأن لا يراه إلا المستحقون للجنة بأعمالهم بعد البعث. والدليل القيامة 22-23 «وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة» أما المستحقون جهنم بأعمالهم السيئة فإنهم محجوبون عن رؤية الله تعالى. والدليل المطففين 15 «كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون»

     فإذا كان العلمانيون والذين لا يصدقون ولا يؤمنون إلا بما يلمسون ويرون مثل الأشياء المادية المتوفرة والمجسدة أمامهم، فإنهم لم يفهموا الواقع الكوني ولم يستخدموا جيدا عقولهم ولم يتجردوا عن الهوى ليدركوا الأدلة القاطعة والبراهين المؤكدة في أنفسهم وفي الكون الدالة على وجود الله عز وجل وعلى صدق القرآن، وأنه معهم جميعا بسمعه وبصره وعلمه وكلامه وتصرفه. بل الله تعالى قادر على أن يكلم من يشاء ويتصرف فيمن يشاء رغم كونه مستويا على العرش فوق السماء السابعة. فادرسوا أيها المرتابون هذه الأدلة والمعطيات بموضوعية ومنطق. ألبست آيات الله سبحانه وتعالى في الكون والنفس البشرية وتصرفه وقضاؤه وقدره المطلق العادل دليلا قاطعا وبرهانا صادقا ونتيجة علمية أساسية دالة على وجود الله تعالى وصدق القرآن.

      فالعقل البشري الذي يلاحظ التجربة العلمية ويستخرج منها النظريات والقوانين التي تحكم الظاهرة المدروسة هو نفسه الذي يدرس تصرف الله تعالى في الإنسان والكون ويستنتج النتيجة المترتبة حتما على هذه المعطيات وهي وجود الله تعالى وصدق القرآن.

      فالعالم المختص في علوم الفيزياء والكيمياء والصيدلة يكتشف النظرية العلمية باستعمال عقله المتجرد من هواه فيلاحظ تفاعل المواد المستعملة في التجربة. فهو يقوم بعدة تجارب مثلا لاكتشاف الدواء الذي يقتل الفيروس, بناء على ملاحظة عقله, فتصبح هذه النتيجة العلمية متداولة في كل أنحاء العالم نظرا لصدقها وتحقيقها في الواقع.

     أليست ملاحظة العقل لآيات الله وتصرفه في الإنسان والكون والتي سأبينها في المبحثين الثاني والثالث نتيجة علمية صادقة وقطعية استنتجها العقل البشري بالملاحظة والتدبر الموضوعي مثل ما يفعل العلماء في التجارب العلمية الأخرى ؟

     إن هذه حقيقة مطلقة, ولهذا وجهت نداء لكل إنسان في العالم لاستعمال عقله لكي يتأكد من وجود الله تعالى ومن صدق قرآنه. لأنه ليس هناك مجال للشك والتكذيب بالغيب مادامت الملاحظة العلمية والمنهج العلمي الذي يعتمد على النتائج التي استنبطها واستنتجها العقل البشري من التجربة أو الوقائع المشاهدة الموجودة قد أكدت وجود الله تعالى وصدق القرآن، وهي تصرف الله تعالى وآياته في الإنسان والكون.

      ولكن أدلي بالملاحظة الآتية: إن الجهل والأمية وعدم الإلمام باللغة العربية وقواعدها بالنسبة لكثير من الناس من عوامل الكفر وعدم الإيمان بوجود الله تعالى وبصدق قرآنه. كما أن سوء النية وانهزام العقل أمام هوى النفس الأمارة بالسوء ورفض النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي شرعه الله تعالى في القرآن ليطبق بين الناس من عوامل كفر كثير من الناس.

      فعدم رؤية الله عز وجل في الدنيا ليس دليلا على عدم وجوده أبدا. لأنه قرر عدم رؤيته في الدنيا من طرف الناس، ولأن بصر الإنسان لا يستطيع النظر إلى الله تعالى وهو مستوي فوق العرش بالسماء السابعة. والموجود يدل عليه تصرفه رغم عدم رؤيته. وأعطى أمثلة مؤكدة لهذه الحقيقة :

     وجدت الشرطة القضائية وعموم الناس طفلا ميتا يسيل منه الدم تحت عجلة سيارة واقفة في الشارع بدون سائق.هذا التصرف دليل على أن السائق الذي قتل الطفل قد اختفى لأن السيارة لا تتحرك وحدها بدون سائق. فكل من رأى هذا التصرف والواقعة أو البينة يتخيل له في عقله حقيقة مؤكدة وهي أن سائق السيارة قد قتل نفسا بشرية ، وأنه موجود رغم عدم رؤيته.

     وقد أعطى ساعي البريد رسالة لصاحب مسكن أمام بابه. ولما فتحها وجد فيها تهديدا له بالقتل من طرف شخص مجهول لم يبين اسمه وعنوانه. وقد رفع شكاية للشرطة القضائية التي فتحت تحقيقا وبحثا عن صاحب الرسالة. فهذه الوثيقة أي الرسالة هي البينة والدليل والبرهان والتصرف الدال على وجود الذي هدده بالقتل رغم عدم رؤيته من طرف من توصل بها.

     فهذه الآيات والتصرف والوقائع التي نشاهدها ونفهمها بعقولنا في أنفسنا وفي الكون هي الدليل على وجود الله تعالى رغم كوننا لا نراه في الدنيا. لهذا قال الله تعالى في فصلت 53 «سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق. أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد» و الحديد 17 «قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون».أي لعلكم تستعملون عقولكم لتتأكدوا من وجود الله تعالى ومن صدق القرآن. ومن الأدلة أيضا النمل 93 «وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون» والبقرة 118 «قد بينا الآيات لقوم يوقنون» أي يصدقون بالحق.والبقرة 221 «ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون» والبقرة 242 «كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون» والأنعام 126 «وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون» الرعد 4  »إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون» فتصرف الله تعالى في نفوسنا والكون  المحيط بنا دليل على وجود ه وصدق قرآنه رغم عدم رؤيته في الدنيا.ولو شاء الله عز وجل لأمر ملائكته برفع المرتابين والملحدين إلى السماوات لرؤية الله تعالى ولو شاء لتنزل عندهم في الدنيا ليروه فعلا, ولكنه قرر عدم رؤيته في الدنيا ابتلاء للناس, وكلف العقل البشري بملاحظة الأدلة الدالة على وجوده.

     والأدلة على هذا الابتلاء كثيرة منها: الأعراف 129 « ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون» ويونس 14 «تم جعلناكم خلائف  في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون». فلما أنزل الله تعالى آدم وزوجته والشيطان من الجنة إلى أرض الدنيا قرر ابتلاءهم و ذريتهم بشرائعه المنزلة عليهم ليعلم من يلتزم بها ومن يعرض عنها. و الدليل البقرة 39-38 «قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون». فوجود الناس وهم من سلالة وذرية آدم في الدنيا وجود مؤقت كما بينت سابقا وعلى سبيل الاختبار والامتحان والابتلاء.لأن الله تعالى يختار من بينهم الذين يستحقون الحياة الدائمة معه في سعادة الجنة وهم المتقون الذين التزموا بالقرآن قولا وعملا سرا وعلانية حتى الموت. والذين أعرضوا عنه مصيرهم جهنم والأدلة على الابتلاء الحديد  25 «لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز». إذن الله تعالى هو الذي قرر عدم رؤيته في الدنيا ابتلاء للناس ليعلم من يستعمل عقله ويتأكد من وجوده من خلال آياته و تصرفه ويلتزم بالشريعة المنزلة عليه.وهي مادة الامتحان والابتلاء والقرآن ناسخ هذه الشرائع كلها فهو مادة ابتلاء الناس كلهم في العالم. والعنكبوت 3-2 «أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون. ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين» والكهف 7 «إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا». وفر الله تعالى متاع الدنيا للإنسان ولكن الذي يتمتع به في إطار الالتزام بحدود القرآن هو الذي يفوز في مباراة الابتلاء الدنيوي  أما الذي يتمتع به وهو معرض عن حدود الله مخالف لها فإن مصيره عذاب الله تعالى في الدنيا وجهنم في الآخرة. ومن أدلة الابتلاء الملك 2-1 «تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير. الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور». ومحمد 4 «ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض». الله تعالى قادر على تحطيم الحكام الظالمين وتخريب بيوتهم عليهم كما فعل بقارون وغيره ولكن يبتلي المحكومين ليعلم هل منهم المؤمنون الصالحون الصادقون الذين يجاهدون في سبيل الله تعال ويدافعون عن دين الله الإسلام  ويفرضون تطبيق القرآن وإقامة الحكم الإسلامي الّذي يمارسه الشعب المسلم عن طريق انتخاب أولي الأمر كلهم ومراقبتهم وعزل ومعاقبة من يخالف منهم القوانين التي يجب أن تكون مطابقة للقرآن. ولا يجوز شرعا أن يستبد شخص أو أسرة أو جماعة بالحكم والسلطة بل الحكم للشعب المسلم وكل الحكام وأولي الأمر مسؤولون أمامه لهذا لايجوز شرعا أن يورث الحكم ولا أن يعهد به الحاكم للغير لأن الشعب هو الذي له حق اختيار وانتخاب من تتوفر فيه الكفاءة والأهلية والتقوى لممارسة الحكم والسلطة.

     ومن الأدلة على الابتلاء المائدة 94 «يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب».والأنبياء 49-48 «ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرى للمتقين الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون» والملك 12 «إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير». فرغم عدم رؤية الناس لله تعالى في الدنيا فالفائز بالدنيا والآخرة هو من يؤمن به وبكتبه ورسله وملائكته وبيوم البعث والحساب عن أعمال الدنيا في الآخرة ويلتزم بحدود القرآن.

    لقد بينت في هذا المبحث الأول كيف يعمل العقل البشري. وأكدت بالأدلة العلمية أنه الأداة الأساسية والضرورية لإدراك وجود الله تعالى و صدق قرآنه لأنه قرر سبحانه وتعالى عدم رؤيته في الدنيا ابتلاء للناس . فاستعمل عقلك أيها الإنسان لتدرك صدق القرآن وتلتزم بأحكامه قبل فوات الأوان, ولكي لا تلقى في النيران. وسوف أبين حسب استطاعتي بعض آيات القرآن التي تحققت فعلا في الكون وذلك في المبحث الثاني, وبعض الآيات الأخرى التي تحققت فعلا في الإنسان وذلك في المبحث الثالث و الأخير من هذا البحث .

المبحث الثاني : أدلة صدق القرآن المتحققة في الكون

حسب رؤية الإنسان المجردة فإننا نعيش في كون خلقه الله تعالى يضم السماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم والليل والنهار المتعاقبين والهواء والماء الضروريين للحياة, ويضم الكون ما على الأرض من مخلوقات أخرى كالحيوانات والطيور بجانب الإنسان طبعا هناك عالم الآخرة الذي يضم جهنم و الجنة وضرورات البعث من الموت. إذن هناك ظواهر متعددة وكثيرة في هذا الكون لها أسباب وقوانين وسنن تحكمها وتدبرها. لهذا أكد علماء الفيزياء والكيمياء قانون المادة الذي بين أن أي مخلوق لابد له من خالق وأي مصنوع لابد له من صانع وأي فعل لابد له من فاعل. لهذا فالكون وما فيه من صنع الله تعالى وحده.

والعلماء عندما اكتشفوا أسباب الظواهر الكونية والإنسانية لم يخلقوا شيئا ولكنهم اكتشفوا ما هو مخلوق. فإنهم استنبطوا بعقولهم ما خلق الله تعالى و اكتشفوا أسباب الظواهر وقوانينها التي خلقها الله عز وجل. والدليل القاطع على أن الله تعالى هو الخالق للكون وما فيه ومدبر أموره تطابق آيات القرآن مع الواقع و تحققها فعلا في الكون و الإنسان باستثناء آيات عالم الآخرة التي يتأكد من صحتها وتحققها في الواقع المبعوثون بعد الموت.

لهذا فإن الله تعالى الذي يسمي نفسه بهذا الاسم الجليل والعظيم في القرآن والشرائع السابقة هو خالق الكون و ما فيه ومنه الإنسان, وهو منزل القرآن و الشرائع السابقة التي نسخها القرآن.

وليس هناك من علماء العالم كله من أثبت خالقا لهذا الكون غير الله تعلى أبدا.وتصرف الله تعالى في الكون و ما فيه دليل على وجوده.لهذا صدق الله الجليل الحكيم حيث قال في الأنعام 102 «ذلكم الله ربكم لا إله إلا الله هو خالق كل شيء» والسجدة 5-4 «الله الذي خلق السماوات والأرض و ما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش مالكم من دونه من ولي و لا شفيع أفلا تتذكرون يدبر الأمر من السماء إلى الأرض» ويونس 3 «إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر», والرعد 2 «الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر. يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون».

     إذن الكون وما فيه من خلق الله الواحد القهار. وما يصنعه وينشئه الإنسان أصله من خلق الله عز وجل, ولم يتم إلا بإذنه وموافقته . ولهذا سأبين أدلة صدق القرآن المحققة في الكون للجواب على الإشكالية حسب ما استطعت تدبره وفهمه وذلك بالتتابع من رقم 1 إلى رقم  .8

      1 -الذي بلغ القرآن للناس أمي لا يعرف القراءة والكتابة

أنزل الله تعالى القرآن مثلما أنزل الشرائع السابقة. وقد بعث محمدا بن عبد الله من قريش بمكة المكرمة رسولا لكافة الناس سنة 611 ميلادية و هاجر إلى المدينة المنورة سنة 622 ميلادية واستمر نزول القرآن عليه إلى أن مات سنة 633 ميلادية.

ولكن الدليل القاطع على صدق القرآن و أنه كلام الله تعالى و شرعه أن الذي بلغه أمي لا يعرف القراءة والكتابة ورغم ذلك بلغ للناس القرآن الذي عجز كل الناس في عصره وبعده عن الإتيان بمثل آياته ورغم ثقافة أهل قريش كثير من كتب التاريخ الإسلامي و مؤلفات الصحابة و السيرة النبوية و ما شهد به سكان مكة والمدينة يؤكد أن محمدا بن عبد الله الذي اختاره الله تعالى رسولا مبلغا للقرآن كان يتيما فقيرا أميا لا يعرف القراءة والكتابة. ومنذ صغره كان يعمل في رعاية الغنم للناس لكسب قوته.وفيما بعد اشتغل في مجال تجارة القوافل كعامل مقابل أجر إلى أن بلغ سن الأربعين حيث بعثه الله تعالى رسولا.لهذا لم تتح له الفرصة للتعلم ولم تكن له إمكانيات مثل باقي أبناء قريش. ولهذا أكد الله تعالى هذه الحقيقة في الضحى 8-6 «ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى» والعنكبوت 48  »وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون» ويوسف 3 «نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين» ويونس 16 «قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون» والشورى 52  »وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان»  والأعراف 157 «الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل» والأعراف 158 «فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته و اتبعوه لعلكم تهتدون».وأكد الله تعالى بأنه بقدرته وقضائه المطلق العادل قد علم رسوله ومكنه من القدرة على تبليغ القرآن للناس. ومن الأدلة النساء 113 «وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما» والشرح 4-1 «ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي انقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك». وفعلا الرجل الذي كان أميا لا يعرف القراءة والكتابة بلغ القرآن للناس. والدليل أن القرآن الذي بلغه موجود بين أيدينا بملايين النسخ في العالم كله, وشهادة الصحابة والذين عاصروا نزوله وحفظوه عن ظهر قلب وطبقوه. فذلك الأمي هو الذي قرأ القرآن على الناس وشرجه وفسره لهم بحكمة الله تعالى. وقد شهد الله تعالى على ذلك ي عدة آيات منها البقرة 151 «كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون « والنحل 44 «وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون « وآل عمران 164 «لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين» والإسراء 106 «وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكت ونزلناه تنزيلا» والجمعة 2 «هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين».

لقد بلغ الرسول عليه الصلاة والسلام القرآن للناس رغم أميته بحيث لم يكن يعرف القراءة والكتابة. وهذه حكمة الله تعالى حيث مكن رسله السابقين عليهم جميعا صلاة الله وسلامه من القدرة على تبليغ شرائعه. وخير دليل وأقواه أن الله تعالى بقدرته وقضائه المطلق مكن عيسى بن مريم عليه السلام من الكلام وهو رضيع في المهد لقوله تعالى في المائدة 110 «إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب  والحكمة و التوراة و الإنجيل» وقد شهدت والدته مريم وقومها على هذه الواقعة. وهي مثبتة في كتب التاريخ. وقد أخبرنا الله تعالى وهو الصادق الحق بذلك في مريم 30-29 «فأشارت إليه. قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا. قال إني عبد الله أتاني الكتاب وجعلني نبيا».

وأصرح لكم إخواني الباحثين والدعاة المحترمين وسائر القراء بشهادة أشهد بها حول صحة نطق رسول الله عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام وهو في المهد. فالذي أنطقه هو الذي أنطق طفلا عمره سنتان بكلمات حكيمة ومقصودة لا ينطق بها من هو في سنه أبدا.فقد كنت أشكو من ألم في جسمي, ولما استيقظت في منتصف الليل بسبب هذا الألم كان الطفل المذكور وهو ابن بنتي نائما فسمعته يقول بصوت مرتفع وفصيح لا يتناسب نهائيا مع سنه (الدواء, الدواء).فأدركت أن الله تبارك وتعالى هو الذي أنطقه ليرشدني لتناول دواء كان في حقيبتي. فتناولته وشفيت في الحين. وقد نطق نفس الطفل بكلمات حكيمة وبليغة في حالات أخرى لا ينطق بها إلا الكبار. وقد صحت قائلا الله أكبر, الله أكبر إن عيسى بن مريم صدق وحق والله قادر على فعل ما يريد.

هذه إخواني شهادة حية صادقة أكدتها لكم وتأكدت فيها من صحة نطق عيسى بن مريم وهو في المهد كما  ذكره الله تعالى في القرآن. وهذا دليل على صدقه. والله تعالى قادر على إنطاق أطفالكم الرضع ليصدر إليكم أوامره. وأطلب منه سبحانه وتعالى أن يفعل ذلك لتوطيد الإيمان في قلوبكم وليغلب عقولكم على هواكم. لأن العقل هو الذي يدرك الأدلة الدالة على وجود الله تعالى و على صدق القرآن.

الله تعالى هو الذي مكن رسله من القدرة على تبليغ شرائعه رغم أميتهم وجهلهم القراءة والكتابة.بل كل إنسان مات جاهلا أميا لا يعرف القراءة والكتابة يمكنه الله عزوجل بعد البعث من القدرة على قراءة كتاب أعماله. والدليل الإسراء 14-13 «وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا. إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا».

ومن الأدلة على صدق القرآن أن أسلوبه ومعانيه وبلاغته وحكمه خاصة لا يستطيع أحد الإتيان بمثلها. وفعلا أكد الله عز وجل هذه الحقيقة في عدة آيات منها الإسراء 88 « قل لئن اجتمعت الإنس والجن عل أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولوكان بعضهم لبعض ظهيرا». والبقرة 24-23 «وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين. فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين». أكد الله تعالى بأن لا أحد يأتي بسورة مثل سور القرآن أبدا بقوله في الآية السابقة «ولن تفعلوا».

والقرآن ليس من كلام الرسول, والدليل أن أسلوبه في خطبه بالمسجد ومحاضراته الدعوية أمام الناس كان مخالفا تماما لأسلوب القرآن. ويمكنكم الاطلاع عليها في كتب السيرة النبوية ومؤلفات الصحابة لمقارنة الاختلاف بين قول وحديث الرسول عليه الصلاة والسلام وبين أسلوب القرآن الذي أنزله عليه الله تعالى.

فالقرآن حكمة الله تعالى وفوق العقل البشري ومعجز له لأنه من خلق الله تعالى وحده ولا دخل للرسول فيه سوى التبليغ الصادق للناس. ومن الأدلة الأحقاف 9 «قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين» والمائدة 67 «يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك» والكهف 27 «واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا».

والله تعالى وهو الصدق والحق شهد أنه أنزل القرآن على رسوله محمد بن عبد الله عليه وعلى كل الرسل صلاة الله وسلامه في آيات كثيرة منها النساء 166 «لكن الله يشهد بما أنزل إليك أنزله بعلمه والملائكة يشهدون وكفى بالله شهيدا» ويونس 37 «وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين «والبقرة 252 «تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق و إنك لمن المرسلين» والزمر 41 «إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق». وفعلا بلغه للناس, والدليل شهادة الصحابة الذين شاهدوا نزول الوحي عليه وحفظوا القرآن وطبقوه وكتبوه بعد موافقة الرسول بأمر من الله تعالى كما هو متوفر في ملايين المصاحف بالعالم كله.

     هذه معجزة أساسية دالة على صدق القرآن لأن رجلا في سن الأربعين لا يعرف القراءة والكتابة بلغ للناس ما عجز كبار العلماء والمثقفين عن الإتيان بسورة واحدة مثله وفسره لهم وطبقه حتى موته.

    لهذا فإن واقعة تبليغ القرآن وتفسيره للناس من طرف رجل أمي لم يكن يعرف القراءة والكتابة دليل على صدق القرآن. وبما أن أي أحد حتى الآن لم يستطع الإتيان بسورة مثل سور القرآن ولو الرسول نفسه فإن ذلك دليل أيضا على صدق القرآن وأنه من خلق الله تعالى وحده.

2 -إيمان الناس المتزايد بالقرآن دليل على صدقه.

في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كان الناس يتلقون منه القرآن في شكل سور وآيات. وكانوا يشاهدون الملك جبريل عليه السلام وهو يحدثه بالقرآن مدة تزيد عن عقدين من الزمن. وكانوا يكتبون الآيات والسور التي يبلغها لهم الرسول عليه الصلاة والسلام على أوراق النخيل وعظام الحيوانات وجلودها ويحفظونها و يطبقون أحكامها في حياتهم وتعاملهم ويعلمونها الناس ويمارسون الجهاد والدعوة في سبيل الله تعالى, ويقنعون الناس بصدق القرآن في كل مكان, لأنه القانون الأسمى الذي يجب أن تكون القوانين في العالم مطابقة لأحكامه ومبادئه لأن القرآن منزل لكافة الناس في أرض الدنيا ليطبق بينهم. والأدلة كثيرة منها الحديد 25 «لقد أرسلنا رسلنا  بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط» والبقرة 213 «كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس» لهذا فإن أي قانون وضعي في أي مجتمع لا يكون مشروعا إلا إذا كان مطابقا لأحكام ومبادئ القرآن. وكل دستور لا يعطي الحكم والسلطة للشعب المسلم الذي ينتخب كل الحكام وأولي الأمر لممارسة هذا الحكم تحت مراقبته ومحاسبته فإن هذا الدستور غير مشروع ومخالف للقرآن لأن الحكم في الدولة الإسلامية وجد لتطبيق القرآن الذي هو الدستور الأسمى للشعوب الإسلامية.وفيه نظام شامل لكل جوانب الحياة البشرية الدينية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية. هذا النظام الشامل حدد الله عز وجل أحكامه ومبادئه في القرآن.

فمنذ بداية نزول القرآن سنة 611 ميلادية بدأ الناس يقتنعون بصدقه. وتأكدوا بعٌقولهم المجردة عن هوى النفس الأمارة بالسوء من صدق وأهمية النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي شرعه الله عزوجل للناس كافة في القرآن. وتأكد الناس بعقولهم النيرة من تطابق آيات القرآن مع الواقع الكوني و الإنساني. ومنذ العقد الثاني من القرن السابع الميلادي كان عدد المؤمنين بالقرآن والمعتنقين للإسلام في تزايد مستمر حتى الآن وإلى ما شاء الله تعالى رغم اختلاف ألوانهم و لغاتهم وأجناسهم وقومياتهم في أنحاء العالم.

فلو قمنا بإحصائيات من خلال وثائق كل الذين ماتوا منذ بداية نزول القرآن حتى الآن لوجدنا أن عدد المسلمين منهم يقدر بالملايير. ولو أجرينا دراسة ميدانية الآن في كل أنحاء العالم لتحديد عدد المسلمين لوجدنا أنه يقدر بمئات الملايين.فالدراسات الميدانية والإحصائية لعدد المسلمين عبر التاريخ وفي عصرنا تؤكد حتما وبصدق أن عددهم في تزايد مستمر رغم ما ينقصه الموت منهم. فهذا التزايد المؤكد لعدد المسلمين دليل على صدق القرآن وصلا حيته للبشر في كل زمان ومكان.

لقد كان العرب قبائل متصارعة ومتحاربة قبل نزول القرآن حيث يسود الظلم والاستبداد والعدوان. كان الغني يقود ما يملك من عبيد من البشر إلى السوق ليبيعهم مقابل الربح مثل الحيوانات. وكان الحكام قبل نزول القرآن يملكون البشر والدليل النمل 23 «إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم» وتعلق الأمر بملكة سبأ التي حطم عرشها نبي الله سليمان. ولكن القرآن حرر الإنسان من عبودية البشر والأصنام و الأوثان, وحرم ملكية البشر للبشر, و اعتبر من يدعي ملكية البشر والحكم مشركا بالله تعالى لأنه هو وحده ملك الناس وما في الكون كله. ولا شريك لله تعالى في هذا الملك أبدا ويتصرف فيه كيف يشاء. ومن يؤيد المشركين بالله فهو مثلهم مشرك بالله تعالى, والأدلة كثيرة منها : الفرقان 2 «ولم يكن له شريك في الملك» والمؤمنون 116 «فتعالى الله الملك الحق لا إلاه إلا هو رب العرش الكريم» و طه 114 «فتعالى الله الملك الحق»   وسورة الناس «قل أعوذ برب الناس ملك الناس إلاه الناس» والكهف 110 «فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربه أحدا». فالذي ادعى الملك أي ملكية الحكم والبشر مشرك بالله ومن أيده ودعا له مشرك بالله. ومن الأدلة  التوبة 113 «ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم» وهود 113 «ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون» والشرك بالله ظلم كبير.

أما ملكية المال والعقار والحيوانات فإنها جائزة على سبيل الانتفاع المؤقت لقوله تعالى في الحديد 7 «وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه» والنساء 53 «أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا» ولأن الإنسان لا يمكنه حمل ما يملك إلى القبر الذي هو آخر مستقر لعظام جسمه حتما بعد الموت. لهذا فعبارات الملك الواردة في القرآن لا تعني أبدا ملكية الحكم والبشر ولكن ملكية المال والعقارات.

الله تعالى ذم الملوك في سورة النمل 34 «إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذالك يفعلون».كما أنه عز وجل جعل من عقوبة الكفارة تحرير إنسان مملوك. والدليل آيات كثيرة منها المجادلة 3 «والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا» والنساء 92 «فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله» والمائدة 89 «لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الايمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم«. هذه الآيات رغم أنها غير مرتبطة بالموضوع فإنها أكدت صدق القرآن وسمو نظامه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي القائم على مساواة المسلمين وأخوتهم وتضامنهم ووحدتهم وتعاونهم على إقامة العدل والحق وتطبيق شرع الله في الدنيا لقوله تعالى في الحجرات 13 «إن أكرمكم عند الله أتقاكم» والإسراء 70 «ولقد كرمنا بني آدم  « ولكن عندما ابتعد كثير من المسلمين وخاصة العرب عن القرآن وتعاليمه الحقيقية واتبعوا التحريف الذي دسه أعداء الإسلام بأحاديث مزورة في السنة النبوية, وتفسير القرآن المحرف عمدا أو عن جهل فإنهم تخلفوا عن التطور والتقدم وتدهورت أوضاعهم الاجتماعية فتسلط عليهم استعمار الكفار.فتأثروا بالفكر العلماني الغربي المعادي للإسلام وتخلو عن الفكر القرآني والتربية الإسلامية, وأهملوا أمر الله تعالى الوارد في التحريم 6 «يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا». وبذلك تفرقوا وانهاروا وزالت قوتهم وتسلط عليهم الاستعمار الغاشم وفرض عليهم ثقافة وقيم ومؤسسات الكفر وحارب قيم الإسلام وكفر كثيرا من المسلمين ,ونصب عليهم من يحكمهم من عملائه.

ولكن رغم ذلك تزايد عدد المسلمين في العالم.وهذا التزايد دليل على صدق القرآن. وسأذكر لكم  وقائع دالة على هذه الحقيقة بعد أن تأكدت منها وأرجوكم أن تقوموا بدراسات ميدانية لتتأكدوا منها أيضا وهي التالية: في كل أنحاء العالم وخاصة البلاد العربية توجد مساجد ذات صوامع شامخة يرفع منها الآذان للصلاة. لأن القرآن فرض فيه الله تعالى خمس صلوات في اليوم على المسلمين. والدليل النساء 103 «إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا» و المجادلة 13 «فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة».

وإذا تجولت أيها الإنسان بين المساجد يوم الجمعة تجدها مملوءة بالمصلين بل منهم من يصلي فوق الأرض بجوار المسجد لعدم قدرته على استيعاب كل المصلين.والدليل في القرآن الجمعة 10-9 «يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون. فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون». طبعا هناك من المصلين من يتظاهرون بالإيمان في حين أنهم منافقون ومؤيدون لظلم الحكام والشرك بالله تعالى.

فهذه الملايين من المسلمين الذين يعمرون المساجد للصلاة بالإضافة إلى الملايين الذين يصلون في بيوتهم أو أماكن عملهم لأعذار مشروعة أكدوا إيمانهم بالقرآن وما فيه من أحكام لأنهم تأكدوا بعقولهم من صدقه باستثناء المنافقين منهم والمقلدين بدون اقتناع.

وإذا تجولت أيها الإنسان في البلاد الإسلامية وخاصة العربية في شهر رمضان أثناء أذان صلاة المغرب وهو وقت تناول فطور الصيام فإنك لا تجد من يتجول في شوارع المدن وفي القرى والطرقات الرابطة بينها لأن كل الناس في بيوتهم أو في المقاهي والمطاعم لتناول فطور الصيام. طبعا هناك من لا يصوم رغم كونهم في بيوتهم أثناء الإفطار. فالآيات القرآنية التي التزمت بها وطبقتها الملايين من المسلمين في أنحاء العالم منها  البقرة  183 «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون» والبقرة 185 «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه».وتطبيق آيات القرآن دليل على صدقه وصلاحيته للبشر.

وطيلة شهر رمضان تمتلئ جميع المساجد كل ليلة بعد صلاة العشاء لأداء صلاة التراويح. وفي ليلة القدر يقيم المسلمون الصلاة من صلاة التراويح حتى صلاة الفجر. لقوله تعالى في سورة القدر «إنا أنزلناه في ليلة القدر. وما أدراك ما ليلة القدر. ليلة القدر خير من ألف شهر.تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر. سلام هي حتى مطلع الفجر». ويوم عيدي الفطر والأضحى تتوجه جماهير المسلمين الغفيرة إلى المساجد وأماكن الصلاة الأخرى في الهواء الطلق لأداء صلاة العيدين. وفي يوم عيد الأضحى يذبح المسلمون ملايين الأغنام.

هذه الوقائع التي ذكرتها لكم شاهدتها وتأكدت منها سنوات عديدة. فلا يمكن أن تتوقف حركة السير والتجول في وقت واحد في البلاد الإسلامية أثناء الإفطار في رمضان عبثا. بل إيمان المسلمين وتأكدهم من صدق القرآن وطاعتهم لله تعالى هو سبب هذه الوقائع. وللأمانة العلمية فإني أقصد أغلبية المسلمين الصادقين المتقين لأن المنافقين يصومون احتراما للتقاليد أو خوفا من الآباء والقانون والدليل أنهم لا يصلون فلماذا يصومون. فالمهم أنهم غير مسلمين لأن الصلاة شرط أساسي للإسلام والدليل عدة آيات منها التوبة 11 «فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون» و مريم 59 « فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة و اتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا» و المدثر 42 – 43 « ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين» و سقر هي جهنم التي يدخلها تارك الصلاة .وقد قمت بدراسة ميدانية حول هذه الظاهرة فاستجوبت بعض الصائمين في أماكن مختلفة خلال شهر رمضان فتأكد لي هذا النفاق. بل هناك من يتظاهر بالصلاة أمام الناس يوم الجمعة وفي رمضان فقط.

    ومن الأدلة على صدق القرآن واقتناع الناس وإيمانهم بدين الله تعالى الحق الاسلام أنهم يذبحون أضحية عيد الأضحى يوم عاشر ذي الحجة من كل سنة في مكة المكرمة وكل بلاد المسلمين وذلك تقربا إلى الله تعالى حسب الاستطاعة المادية لقوله تعالى في الحج 36 «والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير» والحج 37 «لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم» ومما يدل على احترام المسلمين وتقديسهم لشعائر الله تعالى تسابق الناس لشراء أضحية العيد منذ بداية شهر ذي الحجة من الغنم والبقر أو الجمال. وقد لاحظت بصدق عدة سنوات فراغ شوارع المدن والقرى والطرق الرابطة بينها وخلوها من الناس بعد أداء صلاة العيد صباحا حيث يشتغل المسلمون بذبح الأضحية والإحتفال بالعيد في منازلهم ولا يخرجون إلا في المساء لتبادل الزيارات مع الأقارب وكل حركة للإنتاج والتنقل والعمل تتوقف يوم عيد الأضحى في البلاد الإسلامية ولكن من الأمانة العلمية أشير إلى أن المنافقين يذبحون أضحية العيد لمجرد التقليد والحصول على اللحوم وإرضاء الأبناء لأنهم لا يصلون ولا يلتزمون بحدود القرآن. فظاهرة احتفال المسلمين بعيد الأضحى من الأدلة على صدق القرآن واقتناع الناس بحدوده وممارستهم لمناسك وشعائر الإسلام.

ولاحظوا أيها الناس في كل مكان ملايين الحجاج الذين يؤدون فريضة الحج والعمرة في بيت الله الحرام بمكة المكرمة. فالطواف حول الكعبة مستمر خلال اليوم والليل دون توقف منذ أكثر من أربعة عشرة قرنا من الزمن إلا وقت أداء الصلوات الخمس المفروضة. فلو وقع تسجيل أسماء كل الذين طافوا بالكعبة خلال أربعة عشرة قرنا فإن عددهم قد يصل إلى مئات الملايين. فهذه الملايين من المسلمين الذين أدوا فريضة الحج والعمرة أطاعوا الله تعالى حيث فرض عليهم ذلك في القرآن والدليل آل عمران 97 «ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا.ومن كفر فإن الله غني عن العالمين».

ويمكنكم أيها القراء والباحثون والدعاة المحترمون استجواب عينة من الحجاج ومتابعة عملية أداء الحج والعمرة بواسطة التلفاز والفضائيات التي تنقلها مباشرة لتتأكدوا أن هذه الفريضة تمر في إطار الأخوة والتعاون والـتضامن والتكافل بين المسلمين باستثناء المنافقين منهم رغم اختلاف لغاتهم وألوانهم وأجناسهم والبلدان التي أتوا منها. فكل بلد من بلدان العالم بما فيها ذات الأغلبية من الكفار تجد منها من يؤدي فريضة الحج والعمرة. وقد لاحظت بنفسي هذه الحقيقة  لما أديت فريضة الحج والعمرة سنة 2005/1425 و قد قدر عدد الحجاج في تلك السنة بأكثر من ثلاثة ملايين نسمة.

هذه الوقائع التي ذكرتها وتأكدت من صحتها ويمكن لكل باحث التأكد منها. تعتبر من أدلة صدق القرآن. فاستعمل عقلك أيها الإنسان في كل مكان لتتأكد من صدق القرآن والتزم بأحكامه وحدوده قولا وعملا سرا وعلانية لتفوز بسعادة الدنيا والحياة الدائمة في سعادة الجنة في الآخرة ولتنجو من عذاب الله تعالى في الدنيا و العذاب الدائم في جهنم.

3 -حماية الله تعالى للكعبة المذكورة في القرآن الكريم محققة في الواقع

الكعبة المشرفة بمكة المكرمة هي أول بيت بنته الملائكة لعبادة الله تعالى قبل نزول آدم وزوجته والشيطان من الجنة إلى أرض الدنيا التي نحن فيها. والدليل آل عمران 97-96 «إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين.فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا. ومن كفر فإن الله غني عن العالمين». وكل الأنبياء والرسل صلوا في الكعبة بالمسجد الحرام. وقد رفع بناءها نبي الله إبراهيم بمساعدة ابنه إسماعيل منذ أربعة آلاف سنة تقريبا.

جعل الله تعالى الكعبة بالمسجد الحرام قبلة لأداء الصلاة بالنسبة لكافة المسلمين أينما كانوا بأنحاء العالم كله.والدليل البقرة 144 «قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره» ومن فرائض الإسلام فريضة حج بيت الله الحرام بمكة مرة واحدة في العمر على من تتوفر فيه الاستطاعة المالية والصحية و الأمنية. والدليل آل عمران  97 «ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين». فمن كانت له الاستطاعة المالية والصحية والأمنية فلا يقبل منه أي عذر عن عدم القيام بفريضة الحج والعمرة. والقرآن حدد مناسك أداء فريضة الحج التي بينها الرسول عليه صلاة الله وسلامه عمليا للناس أثناء قيامه بهذه الفريضة. ويمكن للباحثين التأكد من أداء هذه المناسك من طرف ملايين الحجاج كل سنة عبر شاشات التلفاز والفضائيات.وهذا دليل على صدق القرآن.

ومما يؤكد أيضا صدق آيات القرآن وتحققها في الواقع أن حماية الكعبة ومن يكون في المسجد الحرام تكلف بها الله تعالى في القرآن. وفعلا لم تصب الكعبة والمسجد الحرام والناس الذين يؤدون فيه الحج والعمرة بأي أذى أو ضرر طيلة قرون من الزمن حتى الآن.

ومن الأدلة على ذلك أنه قبل البعثة النبوية بأربعين سنة حاول حاكم الحبشة تحطيم الكعبة وجهز جنوده لذلك, ولكن الله تعالى قضى عليها حيث رمتهم طيور بالحجارة فدمرتهم كلهم بأمر من الله تعالى. هذه الواقعة شهد عليها الذين عاصروها من أهل قريش وذكروها شفويا وفي مؤلفاتهم.وذكرها الله تعالى في سورة الفيل «ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول» فهذه الواقعة المذكورة في القرآن الكريم محققة فعلا في الواقع. فهي من أدلة صدق القرآن وأنه كلام الله تعالى وشرعه.

فالحجاج والمعتمرون في داخل المسجد الحرام آمنون لا يصابون بأذى أو ضرر. ولا تقع حوادث الازدحام فيه ولا السرقة ولا النزاع بين الناس بل يكونون إخوة مختلطين نساء ورجالا محترمين بعضهم البعض متكافلين ومتعاونين بفضل عناية الله تعالى وحمايته ووعده الحق.والدليل البقرة 125 «و إذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا» وآل عمران 97-96 «إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين.فيه آيات بينات مقام ابرهيم ومن دخله كان آمنا» والقصص 57 « أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون».

وقعت حوادث الازدحام في منى وانهارت منازل بمكة بجوار المسجد الحرام بسبب العواصف والفيضانات ولكن لم يصب المسجد الحرام بأذى بل تحطمت بنايات المسجد النبوي وحمى الله تعالى الكعبة المشرفة. ويمكنكم أيها الباحثون و الدعاة المحترمون التأكد من هذه الحقائق بمراجعة كتب تاريخ الإسلام واستجواب عدد من الحجاج والمعتمرين و إدارة تدبير شؤون المسجد الحرام.

وفي إطار حماية البيت الحرام ضمن الله تعالى لأهل مكة رزقهم جزاء لهم على تقديم الخدمات الضرورية للحجاج والمعتمرين. والدليل القصص 57 «أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون»وسورة قريش «لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف».

وفعلا هناك مداخيل مهمة لأهل مكة بسبب الحج والعمرة طيلة السنة كلها وفي كل يوم ولحظة دون انقطاع ومنذ أربعة عشرة قرنا وإلى ما شاء الله تعالى. هذه المداخيل لها أهمية كبرى بخصوص معيشة أهل مكة لأن الأموال والسلع والهدي تأتيها من كل أنحاء العالم وفي كل دقيقة و باستمرار. وقد ازدهرت فيها الحركة التجارية وحركة النقل الجوي والبري والبحري وخدمات الفنادق والمقاهي والمطاعم والمحلات التجارية. فهذه الحماية الأمنية التي وعد بها الله تعالى المسجد الحرام والرزق الذي ضمنه لأهل مكة و المذكوران في القرآن قد تحققا فعلا في الواقع منذ أربعة عشرة قرنا. فهذا دليل على صدق القرآن وأنه فعلا كلام الله تعالى وشرعه لكافة الناس في العالم. فمن خولت له نفسه أن يفجر قنبلة في المسجد الحرام فليجرب تجربته. ولكن نطلب منه أن يعترف حقا ويصرح بقضاء الله تعالى وقدره الذي يمنعه من ذلك.

4 -أخبر القرآن عن مزايا ومساوئ الحديد قبل أربعة عشرة قرنا

كل المعادن الموجودة في الأرض وبذور النباتات والأشجار الأولى أنزلها الله تعالى من خزانته بالسماوات لفائدة الإنسان. الله تعالى هو الذي خلق المادة والظواهر وقوانينها وأسبابها لقوله تعالى في الحجر 21 «وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم « والمنافقون   7 «ولله خزائن السماوات والأرض» والحديد من بين المعادن التي أنعم بها الله على الإنسان كالغاز والنفط الذي هو شريان الاقتصاد العالمي وحركة تنقل الإنسان. والدليل سورة الحديد 25 «وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس». فتدبروا إخواني القراء والباحثين والدعاة المحترمين هذه الآية الكريمة. لقد أخبرنا الله تعالى عن مزايا ومساوئ الحديد التي لم يعرفها الناس إلا بعد أربعة عشرة قرنا من الزمن, بعد نزول القرآن. ولم يكن الرسول عليه الصلاة والسلام ولا العرب و لا غيرهم من سائر البشر يستخرجون معدن الحديد أو يصنعون منه ما يصنع في عصرنا, وأكد الله تعالى في القرآن أن للحديد فوائد ومزايا ومنافع للإنسان ولكن له أيضا مساوئ وأضرار وبأس شديد.فقد صنعت من الحديد قنابل نووية فتاكة تقتل الملايين في وقت وجيز, والصواريخ الحربية والراجمات والدبابات والطائرات العسكرية وسائر الأسلحة القاتلة وأدناها الخنجر والسكين.

وتذكروا أيها الناس ملايين القتلى والمعطوبين التي تسببت فيها الحروب ومنها الحربان العالميتان الأولى والثانية والقنبلة النووية التي ألقتها طائرات الولايات المتحدة الأمريكية على مدينة هيروشيما اليابانية سنة 1945 وغير ذلك من ضحايا الحروب الأخرى. كل هذا القتل والمآسي كانت أدوات ارتكابها الحديد. لهذا صدق الله تعالى والقرآن فعلا وحقا كلامه وشرعه لأن ما أخبرنا به عن البأس الشديد للحديد قد تحقق.

    وفي المقابل ذكر الله تعالى أن للحديد منافع للإنسان منها وسائل النقل الفعالة والسريعة كالسيارات والقطارات والطائرات والحافلات والرافعات العملاقة وآلات الحفر التي تزيل الجبال وتفتح فيها أنفاقا لمصلحة الإنسان ومن الحديد استطاع الإنسان صنع ناقلات البضائع الضخمة والسفن العملاقة التي تنقل آلاف المسافرين في مرة واحدة.

وبفضل الحديد صنع الإنسان المركبات الفضائية والأقمار الاصطناعية ومختلف الأجهزة الإلكترونية ووسائل الاتصال بمختلف أنواعها. لهذا صدق الجليل الحكيم الله تعالى حيث قال في سورة الرحمان 33 «يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان». عندما نزلت هذه الآية لم يكن العرب وكل سكان العالم يعرفون أقطار السماوات والأرض, ولم تكن تتوفر لهم الوسائل التي ينتقلون بها حتى ولو عرفوا هذه الأقطار لأن وسائل النقل التي كانت متوفرة في العالم كله هي البغال والحمير والجمال والخيل. ولكن بعد أربعة عشرة قرنا من الزمن مكن الله تعالى الإنسان من العلم والمواد الضرورية حيث اكتشف الحديد وغيره من المعادن الأخرى, فصنع العلماء المركبات الفضائية المتطورة والأقمار الاصطناعية التي تصور من الفضاء ما يجري في الأرض وترسل الصور إلى أماكن تحليلها. وهذه الاكتشافات تمت بفضل الحديد. واستطاع الإنسان الانتقال بين أقطار السماوات والأرض فعلا بعد مرور أربعة عشرة قرنا من الزمن على هذا الإخبار الإلهي في سورة الحديد 25 والرحمان 33 .فتذكروا إخواني المحترمين نزول السوفياتي ( كاكارين) على سطح القمر الذي شاهده ملايين الناس في العالم عبر شاشة التلفزة. وقد انتقل الإنسان إلى أقطار أخرى مثل المريخ.ولا يعلم ما ستصل إليه الإنسانية من اكتشافات أخرى بفضل الحديد إلا الله تعالى.

ما أخبرنا به الله تعالى في سورة الرحمان 33 منذ أربعة عشرة قرنا قد تحقق فعلا. فهو دليل قاطع على صدق القرآن. وهناك إخبار من الله تعالى عن وسائل النقل واللباس الحديثة في القرآن قد تحقق منه ما شاء الله عزوجل ولا نعلم ما سوف يتحقق منه مستقبلا. والدليل النحل 8 «والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون».

فعندما نزل القرآن كانت وسائل النقل في العالم كله هي الخيل والبغال والجمال والحمير. إذن فإن وسائل النقل الحالية المتطورة قد أخبرنا عنها الله عزوجل في القرآن. فبعد أن كان السفر لأداء فريضة الحج من موريتانيا إلى مكة يستغرق سنة كاملة ذهابا وإيابا فإنه في عصرنا لا يتعدى نصف يوم. وقد ذكرت سابقا وسائل النقل المعاصرة التي أخبرنا عنها في القرآن في سورة النحل 8 المذكورة, فلا داعي لتكرارها. فالمهم أن هذا الإخبار الإلهي الذي تحقق فعلا في الواقع دليل على صدق القرآن.

    وهناك إخبار آخر في القرآن حول مسكن الإنسان وأثاثه ولباسه. والدليل النحل 80 «والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم  ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين». فعند نزول القرآن كان الناس في مختلف أنحاء العالم يصنعون بيوتهم من أشعار الماعز وجلود الحيوانات . وكانوا يصنعون لباسهم من صوف الغنم وأشعار الماعز وأوبار الجمال وجلودها. ولكن بعد قرون عديدة وخاصة في عصرنا وبفضل التقدم العلمي واكتشاف الحديد شيد الإنسان العمارات الشاهقة ذات المائة طابق والمنازل المتحركة مع حركة الشمس والمدارس والمعاهد والكليات والمستشفيات. وبفضل اكتشاف القطن والحرير صنع الإنسان ملابسه مستغنيا عن صوف الحيوانات وأشعارها وأوبارها. طبعا القطن أنزل الله تعالى بذوره الأولى ودودة القز التي تصنع الحرير خلقها الله تعالى الذي يعلم هذه التطورات التي وصل إليها الإنسان قبل أن تتحقق لأنه عالم الغيب والشهادة. ولهذا وردت في النحل 80 عبارة «إلى حين».

فقارنوا إخواني المحترمين الوضعية التي كانت عليها البشرية عند نزول القرآن سنة 611 ميلادية وبين ما هي عليه بعد أربعة عشر قرنا من الزمن.وكتب التاريخ الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للشعوب تمكنكم من هذه المقارنة. وسوف تتأكدون من التطور الهائل الذي عرفه قطاع السكن والألبسة والنقل, أليس الحديد وما خلق الله تعالى من مواد ومعادن أخرى هو العامل المحدد لهذا التطور بجانب تقدم العلم الذي وهبه الله عزوجل للعلماء.

والذي نستنتجه من هذه النقطة الرابعة في هذا المبحث هو أن الإخبار الإلهي الوارد في سور الحديد 25 و الرحمان 33 والنحل 80 والنحل 8 قد تحقق فعلا بعد أربعة عشرة قرنا من الزمن. والنتيجة العلمية المستخلصة هي صدق القرآن وأنه فعلا وبصدق كلام الله تعالى وشرعه لكافة الناس بالعالم.

5 -أكد الله تعالى دوران الأرض قبل أربعة عشرة قرنا من الزمن

قال الله تعالى في سورة النمل 88 «وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون» فالجبال ثابتة فوف الأرض ومرتبطة بها. ولا أحد يثبت أنها تتحرك وحدها فوق الأرض وتتحول من مكانها كما جاء في الآية المذكورة بل إن الجبال تتحرك مع تحرك الأرض كلها. فالأرض تدور حول نفسها مقابل الشمس خلال مدة أربع وعشرين ساعة. وقد أثبت العلماء هذه الحقيقة العلمية بعد أربعة عشرة قرنا من نزول القرآن. وعندما نزل القرآن سنة 611 ميلادية لم يكن أي إنسان في الكون يعلم دوران الأرض. والرسول محمد بن عبد الله عليه وعلى كل الرسل صلاة الله وسلامه لم يكن يعلم هو أيضا دوران الأرض. ورغم ذلك أخبر الله تعالى الناس بهذه الحقيقة أي دوران الأرض وتعاقب الليل والنهار بسبب هذا الدوران مقابل الشمس. هذه الحقيقة لم يدركها الإنسان إلا بعد مرور أربعة عشرة قرنا من الزمن بعد نزول القرآن.

وسورة النمل 88 المذكورة أعلاه تؤيدها الفرقان 62 «وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا» فالجهة المقابلة للشمس يكون فيها النهار وعندما تدور الأرض وتختفي هذه الجهة عن الشمس يكون فيها الليل ويكون النهار في الجهة المقابلة للشمس. وعندما تدور الأرض وتصبح الجهة التي كان فيه الظلام سابقا مواجهة للشمس يصبح فيها النهار وهكذا يتعاقب الليل والنهار على كل جهة من جهات الأرض بحكم دورانها مقابل الشمس.

ولتتأكد أيها الإنسان من دوران الأرض لاحظ الشمس قبل أذان المغرب بدقائق وأمعن النظر جيدا لتتأكد من حكمة الله تعالى وصنعه وخلقه ونعمه وفضله وإحسانه على بني آدم وباقي المخلوقات الحية الأخرى, فلا تحول نظرك إلى أن تختفي الشمس نهائيا عنك و يبدأ الظلام في الانتشار.والواقع أن الأرض تدور ببطء نحو الشرق أي في الاتجاه المعاكس لنظرك عندما كنت تشاهد المرحلة الأخيرة من اختفاء الشمس. وهناك حقيقة أخرى دالة على دوران الأرض مقابل الشمس. ويمكن لكل إنسان التأكد منها شخصيا مثلما جربتها عندما كنت بالمسجد الحرام بمكة المكرمة وبعد أن أديت صلاة العشاء اتصلت بابني المقيم بالمغرب بواسطة الهاتف فأكد لي أن النهار لازال قائما آنذاك, هذا دليل قاطع على صدق القرآن وأنه كلام الله الذي أخبر الناس عن دوران الأرض قبل أن يكتشف العلماء ذلك حقا بأربعة عشرة قرنا من الزمن.

ومن حكمة الله تعالى أنه رغم دوران الأرض البطيء فلا يسقط ما عليها بحكم الجاذبية التي خلقها الله تعالى والرواسي التي ثبت الله تعالى بها الأرض. والدليل لقمان 10 «خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم» وفاطر 41 «إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا» هذه الحقيقة عن دوران الأرض وتعاقب الليل والنهار بحكم هذا الدوران لم يكن أحد يعلمها عندما أخبر بها القرآن. وبعد مرور أربعة عشرة قرنا من الزمن اكتشف العلماء بفضل الله تعالى هذه الحقيقة.

6 -العين لا تبصر بدون نور

قال الحكيم الجليل الرحمان الرحيم الله تعالى في سورة الإسراء 12 «وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم» والنمل 86 «ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون» وغافر 61  »الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون».

هذه الآيات القرآنية الحكيمة أكدت أن الليل مظلم لا تكون فيه الرؤيا والنهار مبصر تكون فيه. فالنهار تكون فيه أشعة الشمس مضيئة لمحيط الإنسان. ولكنها تختفي في الليل فيعم الظلام,  في هذه الآيات أكد الله تعالى بأن العين تبصر بحكم ضوء الشمس, ولا تبصر في الظلام عندما تغيب الشمس.

وفعلا قمت بتجربة مؤكدة لما جاء في هذه الآيات, وهي كما يلي: دخلت بيتا في منزلي وأغلقت الباب والنوافذ في النهار فعم الظلام في هذا البيت ولم أر شيئا بعيني أبدا لأن أشعة الشمس حجبت عن المكان. ولما أشعلت ضوء الكهرباء شاهدت كل ما في البيت. وقمت بتجربة أخرى ليلا بسيارتي في طريق خاص لا يمر منه الناس فأطفأت ضوء السيارة لمدة دقيقة وهي سائرة, فلما أشعلته وجدتها تسير نحو مجموعة من الأحجار, خارج الطريق لأني لم أر شيئا في الظلام.

فالنتيجة العلمية المؤكدة بكثير من التجارب أن العين لا تبصر إلا بانعكاس الضوء عليها وعلى الأشياء التي تبصرها. لهذا صدق الله تعالى حيث قال في البقرة 20 «يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير». هذه الآية أكدت هي أيضا مثل الآيات السابقة أن العين لا تبصر في الظلام.

وهذه الحقيقة المؤكدة في القرآن والدالة على صدقه لا ينكرها إلا من لم يفهم القرآن أو العلماء الذين أخطؤوا في أبحاثهم أو أعداء الإسلام الذين أخفوا الحق عمدا ليصدوا عن سبيل الله تعالى ويطلقوا الدعايات المغرضة إرضاء لهواهم وشهواتهم وحقدا على الإسلام ونظامه الاجتماعي والديني والاقتصادي والسياسي.

لهذا فالقرآن ليس قولا للبشر بل كلام الله تعالى وحكمته ومنهجه الذي شرعه لكافة الناس في العالم ليلتزموا به.

7 -اكتشاف وسائل الإنارة ومنها الكهرباء أخبر عنه القرآن

قبل أربعة عشرة قرنا من الزمن أخبر القرآن أن الناس سيكتشفون وسائل الإنارة المعاصرة ومنها الكهرباء. والدليل الروم 23 «ومن آياته منامكم بالليل والنهار  وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون». الحكم الشرعي في هذه الآية يؤكد أن الله تعالى بقدره وقضائه المطلق العادل خلق الإنسان وخلق له مصادر طعامه الضرورية لاستمراره على قيد الحياة, وفرض عليه العمل لكسب المعيشة لأن الطائر لا يأتيه رزقه إلى عشه بل لابد أن يطير للبحث عنه وكذلك التفاحة الناضجة في الشجرة لا تأتي عند الإنسان النائم على سريره بل لابد أن يبذل مجهودا لقطفها وأكلها. وجعل الله تعالى من شروط استمرار الحياة الخلود إلى مدة زمنية للراحة والنوم حتما.

وقد أكد العلم بأن العين لا تبصر إلا في ضوء الشمس أو وسائل الإنارة الأخرى. فعند نزول القرآن لم يكن الرسول عليه الصلاة والسلام وكل الناس في العالم يعلمون وسائل الإنارة المكتشفة بعد أربعة عشرة قرنا ومنها الكهرباء والغاز والبطاريات. ولكن الله تعالى أكد بأن الإنسان سوف يعمل لكسب معاشه في الليل والنهار. بمعنى أنه سيكتشف بفضل الله وسائل الإنارة في الليل. وسوف ينام كذلك في النهار إذا عمل في الليل. وهذا ما تحقق فعلا, ففي عصرنا حركة الإنتاج والبحث عن المعاش لا تتوقف في الليل, وهناك معامل ومصانع تشغل مجموعات من العمال في النهار وأخرى طيلة الليل, وذلك بفضل اكتشاف الكهرباء والغاز. وشوارع المدن والقرى تستمر فيها الحركة البشرية والتجارية ليل نهار بفضل الإنارة العمومية الكهربائية. والطرق مملوءة بالسيارات والشاحنات والحافلات والقطارات ليلا بفضل الكهرباء والبطاريات. فتعاقب ظاهرة النوم والعمل في الليل والنهار أخبرنا عنها الله تعالى لأنه يعلم أن الناس سيكتشفون الكهرباء ووسائل الإنارة الأخرى.

هذا الإخبار كان في بداية القرن السابع الميلادي, وفعلا تحقق في الواقع, وهذا دليل على صدق القرآن لأن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن يعلم الغيب, فاستعمل عقلك أيها الإنسان في كل مكان لتتأكد من صدق القرآن.

واعلم أيها الإنسان فضل الله تعالى ونعمه وإحسانه علينا فإذا أوقف دوران الأرض وحجب عنا ضوء الشمس فإننا لا نستطيع إنارة الكون رغم اكتشاف الكهرباء كما أن ضوء الشمس هو الذي ينمي الإنسان والحيوان والنبات كما أكد العلماء, والدليل القصص 71 «قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إلاه غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون».فهل هناك من له أدلة على ما يخالف هذه الحقيقة الكونية التي خلقها الله تعالى. فاستعمل أيها الإنسان في كل مكان  عقلك لتتأكد من صدق القرآن.

8 -النوم لفترة كافية شرط أساسي لاستمرار حياة الإنسان

قال الله تعالى في سورة يونس 67 «هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون» والنمل 86 «ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون» والأنعام 96 «وجعل الليل سكنا» والنبأ 11-9 «وجعلنا نومكم سباتا وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا» والفرقان 47 «وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا». هذه الآيات الكريمة أكدت أن الإنسان يحتاج حتما إلى فترة راحة وسكون أي توقف عن العمل والحركة وهي فترة النوم الضرورية للجسم البشري.

فكما أن الجسم لا يتحرك ولا يعمل بدون الطاقة التي يستمدها من مصادر الطعام والماء والهواء فإنه لا يستطيع الحركة والعمل بصفة مستمرة أكثر من طاقته. فالقلب الذي لا تتوقف نبضاته طيلة عمر الإنسان يحتاج للنوم ليستريح من المجهود الذي يبذله خلال اليقظة والعمل, والعقل البشري يحتاج هو كذلك للراحة من التفكير المتعب وضغط الأعصاب والتوتر والاضطراب هذه الراحة يحصل عليها القلب والعقل والأعصاب خلال النوم الكافي للإنسان. والدليل أن الإنسان الذي لم ينم طيلة الليل والنهار ينهار وقد ينام رغم إرادته, وإذا لم ينم بعد ذلك يموت. فالنوم إذن حاجة أساسية لراحة الجسم وتجديد نشاطه واستمراره على قيد الحياة. وسأبين آيات القرآن المحققة في الإنسان نفسه. وأختم بها المبحث الثالث والأخير.

 المبحث الثالث: أدلة صدق القرآن المحققة في الإنسان.

قال الله تعالى في سورة فصلت 53 «سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق» والروم 8 «أولم يتفكروا في أنفسهم» والذاريات 20\21 «وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون». أكد الله عز و جل في هذه الآيات الثلاث أنه سوف يبين باستمرار للناس تصرفه وأدلة  وجوده في الكون وفي نفس الإنسان وجسمه أيضا والله تعالى هو الذي يتحكم في حركة الشمس والقمر والأرض وما خلق فيها ونزول المطر والهواء والعواصف والزلازل وهو الذي يتحكم في حركة الإنسان وخلقه والموت والحياة والبعث والجزاء والحساب.

في هذا المبحث الثالث سأبين أدلة صدق القرآن المحققة في الواقع وذلك بالبحث عن بعض الآيات التي تأكدت فعلا في الإنسان. وسأرتبها حسب استطاعتي وتدبري للقرآن من رقم 1 إلى رقم 8.

1 أخبار الأنبياء والرسل السابقين في القرآن دليل على صدقه:

احتج الله تعالى على أصحاب القلوب المريضة الذين لهم شك في القرآن بكتبه السابقة التي أنزلها على رسله قبل نبوة محمد بن عبد الله عليه وعليهم صلاة الله وسلامه والدليل طه 133 «وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه. أولم تأتهم بينة ما في الصحف الأولى « والأنعام 91 «قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم، قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون».

الله تعالى هو الصادق الحق بقضائه وقدره أكد أنه أنزل القرآن مثلما أنزل الشرائع السابقة ومنها التوراة والإنجيل. ولكن القرآن نسخ به الله تعالى كل الشرائع السابقة وجعله ملزما لكافة الناس بالعالم بما فيهم النصارى واليهود. وهذه الحقيقة مؤكدة في الواقع وفي القرآن، وهذا دليل على صدق القرآن.

والأدلة كثيرة منها : الحديد 25 «لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز». والبقرة 213 «كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه» والمائدة 48 «فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم»

هذه الآيات القرآنية أكدت بأن وجود الإنسان في أرض الدنيا مؤقت لأنه ينتهي حتما بالموت. والحياة الدنيا مرحلة ابتلاء مادته شرع الله المنزل لكل أمة في مدتها الزمنية الخاصة بها، فمن التزم بشرع الله قولا وعملا سرا وعلانية نال رحمة الله تعالى في الدنيا والحياة الدائمة في سعادة الجنة في الآخرة. والذي أعرض عن شرع الله عز وجل المبلغ بواسطة رسوله نال عذاب الله في الدنيا والحياة الدائمة في عذاب جهنم في الآخرة، والدليل البقرة 38 – 39 «قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون» والأعراف 35 – 36 «يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون» والأنعام 48 – 49 «وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون». والرعد 38 – 39 «ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية. وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله لكل أجل كتاب يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب».

فهذه الآيات أكدت بأن الله تعالى بعث كثيرا من الرسل والأنبياء وأنزل عليهم كتبه وشرائعه للناس. والدليل أيضا غافر 78 «ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك. وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون»

والغاية الأساسية من ذكر الرسل السابقين وما حدث لهم مع الكفار وكيف عاقبهم الله تعالى وحمى رسله هو إعطاء دروس وموعظة للناس من الماضي وتأكيد قضاء الله تعالى وقدره المطلق العادل وصدق كتبه المنزلة على رسله وآخرها القرآن. والدليل الروم 47 «ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين». ويوسف 111 «لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب» أي دروسا وموعظة لذوي العقول المجردة من تأثير القلب ونزواته وهوى النفس الأمارة بالسوء.

فتأكد أيها الإنسان في كل مكان من صدق القرآن لأن الذي أنزل الكتب السماوية السابقة ومنها الثوراة والإنجيل هو الله تعالى الذي أنزل أيضا القرآن على رسوله محمد بن عبد الله عليه وعلى كل الرسل صلاة الله وسلامه.

عندما بدأ نزول القرآن كان كثير من الناس ملتزمين بأحكام الثوراة والإنجيل رغم تحريفها من طرف المتحايلين. ولكن القرآن نسخهما مثل سائر الكتب السماوية الأخرى، فاعتنق الكثير من هؤلاء الناس الإسلام وآمنوا بالقرآن وعملوا بأحكامه.

وهناك مؤلفات كثيرة عن الأنبياء والرسل السابقين. كما أن قبورهم وآثارهم مازالت قائمة حتى الآن مثل مقام إبراهيم عليه السلام في المسجد الحرام بمكة المشرفة، والكعبة التي رفع بناءها نبي الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام ، ولا زالت بعض قبور الأنبياء والرسل في فلسطين وسوريا والعراق شاهدة على بعثهم من الله تعالى كما يشهد قبر الرسول محمد عليه و على كل الرسل صلاة الله وسلامه بالمدينة المنورة على صدق القرآن.

ومن أدلة صدق القرآن كذلك إخبار الله تعالى في الثوراة والإنجيل عن نزول القرآن. وقد حرف اليهود والنصارى هذه الحقيقة في الثوراة والإنجيل عن نزول القرآن وأنكروها حسدا منهم وكفرا. والدليل الأعراف 157 «الذين يتبعون الرسول  النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في الثوراة والإنجيل» والأنعام 114 «أفغير الله ابتغى حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا والذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين « والصف 6 «وإذ قال عيسى بن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من الثوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي».

فالنصارى واليهود منهم من  آمن بأن الثوراة والإنجيل منزلين من الله تعالى فلماذا لا يؤمنون بأن القرآن هو أيضا منزل منه عز وجل وهو مذكور في الثوراة والإنجيل. إن الله تعالى بقضائه وقدره المطلق العادل هو الذي نسخ الثوراة والإنجيل وألغى مفعولهما وصلاحيتهما بالقرآن.

هكذا بينت في هذه النقطة الأولى من المبحث الثالت والأخير على أن ذكر الأنبياء والرسل الذين بعثهم الله تعالى وقصصهم في القرآن مؤكد في الواقع والتاريخ وشهد عليه من عاصروه وكتبهم ومؤلفاتهم. فهذا دليل قاطع على صدق القرآن وأنه فعلا كتاب الله تعالى المنزل على رسوله محمد بن عبد الله عليه وعلى كل الرسل صلاة الله وسلامه.

2تأكد فعلا أن الله تعالى هو الذي يعطي الماء والهواء الذين بدونهما يموت الناس جميعا.

أكد العلماء في مجال الطب والبيولوجيا وعلم الحياة بأن حركة جسم كل إنسان واشتغاله سواء عند التفكير أو البصر أو السمع والشم والذوق واللمس والكلام والمشي تتوقف على الطاقة التي توجد فيه والتي مصدرها الطعام والماء الذي يتناوله الإنسان فتهضمه معدته وتمتص منه الأمعاء الفيتامينات والمواد النافعة فتحولها إلى مختبر الجسم وهو الكبد الذي يصنع منها الدم ويصبه إلى القلب الذي ينظم دورته في سائر أجزاء الجسم وخلاياه. كما أن الدم ينقل الهواء أي الأكسجين الذي يستمده من الرئتين. هذا الهواء شرط أساسي لاشتغال القلب ودوران الدم في الجسم.

كل إنسان إذا لم يأكل الطعام ولم يشرب الماء لمدة معينة يموت حتما عندما ينتهي مخزون جسمه، وأي إنسان إذا أغلقت فمه وأنفه ومنعته من استنشاق الهواء يموت حتما. ليس هناك من يكذب هذه الحقيقة أبدا. والدليل ما يلاحظه الناس هذا الأسبوع في دول القرن الإفريقي إثيوبيا والصومال وأرتريا عبر شاشات التلفزة والفضائيات. والجفاف أي عدم نزول الأمطار أدى إلى موت الحيوانات لعدم وجود النبات والماء. والناس لم يجدوا ما يأكلون ولا ما يشربون. فترى الناس بمختلف أعمارهم مستلقين على الأرض يصارعون الموت إلا الذين نزحوا إلى أماكن أخرى فيها الماء والطعام أو حصلوا على مساعدات أجنبية. وهذه مجرد حالة معاصرة من الحالات الكثيرة من الجفاف التي عرفها العالم عبر التاريخ.

فمن يستطيع إنزال الماء اليوم أو غذا في منطقة القرن الإفريقي أو غيرها، ومن يستطيع توفير الهواء الذي نستنشقه إذا أمسكه الله تعالى. لا أحد من الجن والإنس والملائكة وغيرهم يستطيع توفير الماء والهواء إلا الله تعالى.

إن مصادر طعام الإنسان أغلبها من الزرع والقطانيات والخضر والفواكه ولحم الحيوانات والطيور والدواجن. هذه المصادر منها ما أنزل الله عز وجل بذورها الأولى من خزائن السماوات. والدليل المنافقون 7 «ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون» والحجر 21 «وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم» ومنها ما خلق الله عز وجل أصله الذي تكاثر بالتناسل. لكن كل هذه المصادر تحتاج إلى الماء، وإذا لم يتوفر الماء تموت، وبالتالي لا يجد الإنسان مصادر طعامه وشرابه فيموت هو أيضا.

إذن الماء والهواء شرطان أساسيان لاستمرار حياة الإنسان والمخلوقات الحية الأخرى. ولا أحد غير الله تعالى بيده الماء والهواء أبدا. بل لا أحد يستطيع توقيف نزول المطر في حالة الفيضانات المدمرة ولا أحد يستطيع توقيف الرياح القوية والعواصف المدمرة. والدليل أن الفيضانات الأخيرة في باكستان سنة 2010 حطمت المباني والإنتاج الزراعي وشردت سبعة عشر مليونا من الناس منهم القتلى والمعطوبون. لم يستطع علماء العالم رغم ما لديهم من تقنيات توقيف نزول المطر لمنع الفيضانات.

وقد شاهدتم مباشرة في الفضائيات الرياح القوية التي صاحبت تسونامي اليابان في مارس 2011  وهي تحطم السفن والسيارات والمباني وتغرق البشر بمياه البحر فقتل منهم مئات الآلاف. لم يستطع علماء العالم توقيف هجوم البحر على اليابس ولا الرياح المدمرة. وقد وقع تسونامي آسيا السابق سنة 2003، ورغم التدمير الذي خلفه لم يستطع أحد توقيفه أبدا. الماء والهواء خاضع لإرادة الله عز وجل يتصرف فيه كيف يشاء حسب العقاب أو الرحمة أو الابتلاء الذي يريده للناس. هذه الحقائق لا يكذب بها أحد ولو الكفار والمنافقون. وسأبين الآيات الدالة عليها في القرآن. وبذلك تأكد أيها الإنسان في كل مكان من أدلة صدق القرآن الذي أنزله الرحمان.

وأعتذر عن التطويل لأن هذه الآيات مهمة وكثيرة وهي كما يلي: فصلت 39»ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت.  إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير « ويس 33 – 35 «وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون» والحديد 17 «اعلموا إن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون « والبقرة 164 «إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون»

الله تعالى وفر مصادر طعام الإنسان من خزائنه بالسماوات والأرض ووفر الهواء الضروري للحياة والماء. ولكن فرض على الإنسان العمل لكسب قوته. والدليل الجمعة 10 «فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون». فالتفاحة بذرة شجرتها الأولى منزلة من الله من خزائنه بالسماوات، وهو الذي سقاها بالماء. ولكن إذا نضجت فلا تأتي عند الإنسان إلى سريره الذي هو نائم عليه. بل يجب أن يبذل جهدا لأخدها من الشجرة. والطائر لا يأتيه طعامه إلى عشه بل يجب عليه أن يطير للبحث عنه.

إن فضل الله تعالى ونعمه وإحسانه على الإنسان كثير. هذا مؤكد في الواقع كما بينت الأدلة العلمية على ذلك. هذه الحقيقة أكدت صدق آيات القرآن. ومنها إبراهيم 32 «الله الذي خلق السماوات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم» والجاثية 12 – 13 «الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون. وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون»

والبقرة 29 «هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم» وفاطر 3 «يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون» ولقمان 20 «ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة « النمل 73 «و إن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون « والفرقان 48 – 49 «وهو الذي أرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا لنحيي به بلدة ميتا وتسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا». فالماء من خلق الله تعالى وحده، والدورة المائية بأمره. فأشعة الشمس تبخر ماء البحر والأنهار فتكون السحب في السماء. وإذا شاء الله تعالى لقحها بالرياح فتثير السحب وتبردها فينزل منها الماء حسب ما يقدره ويريده سبحانه وتعالى، والدليل الروم 48 «الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون «. والعنكبوت 63 «ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيى به الأرض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون» والسجدة 27 «أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون». والمؤمنون 18 – 19 «وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون. فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون». والأعراف 57 «وهو الذي يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات» هذه الآيات متضمنة لنفس الحكم الشرعي وهو أن الله تعالى هو الذي يوفر للإنسان مصادر طعامه والماء الذي يشربه. إذن حياة كل البشر بيد الله تعالى. إذا أمسك الله تعالى الماء تزول كل مصادر طعامهم فيموتون حتما وبما أن هذه الظاهرة قد وقعت مرات عديدة في أماكن مختلفة فعلا في الواقع فإنها دالة قطعا على صدق القرآن.

والهواء مثل الماء الخاضع لتصرف الله تعالى الذي خلقه وحركه وإن شاء أسكنه وأمسكه. فتموت كل المخلوقات التي تستنشقه ومنها الإنسان. والأدلة كثيرة منها الجاثية 5 «وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون» والنمل 63 «ومن يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته أإله مع الله تعالى الله عما يشركون» والشورى 32 – 33 «ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام. إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور».

هذه الآيات تؤكد ما هو محقق في الواقع. لا أحد يعطي الهواء إذا أمسكه الله تعالى ولا أحد يمسكه إذا أعطاه عز وجل. ومن حرمه الله تعالى من الهواء يموت حتما ولو توفر له الماء والطعام.

لهذا صدق الله الجليل الحكيم حيث قال في يونس 22 «هو الذي يسيركم في البر والبحر». فالسيارة إذا لم يكن فيها نفط أو غاز أو بطارية كهرباء لا تتحرك. وإذا أغلقت مصفي الهواء بمحركها لا يشتغل. وكذلك محركات الطائرات والحافلات وغيرها.

كذلك الإنسان لا يتحرك إلا بفضل طاقة الطعام والهواء الذي يستنشقه. فسواء أراد الإنسان التحرك بمفرده أو بواسطة وسائل النقل فإن تحركه يتم بفضل الله تعالى وإحسانه وهو الماء والهواء والطعام. فالجمل أو الحصان الذي يتحرك به الإنسان تتوقف حركتهما على الطعام والماء والهواء.

هل يستطيع أحد تكذيب هذه الحقائق. هل هناك أدلة تتبث عدم صحتها. لا يمكن أن يجادل أحد في ثبوتها. إذن هذه الآيات القرآنية التي بينتها محققة في الواقع. وهذا دليل قاطع على صدق القرآن. فاستعمل عقلك أيها الإنسان في كل مكان لتتأكد من صدق القرآن.

وكيف تكفر بالله تعالى والقرآن أيها الإنسان وهو الذي يوفر لك هذا الشرط الأساسي لحياتك وحركة لسانك ويدك ورجلك وهو الماء والهواء والطعام. هل جزاء الإحسان إلا الإحسان.

وسأبين الآيات القرآنية التي أكدت بأن الله قادر على منع الإنسان من الطعام الضروري ومن الماء. وبما أنها أي الآيات القرآنية قد تحققت في الواقع مرارا فإنها دليل على صدق القرآن.

وأعطي بعض الأمثلة حسب ملاحظاتي للواقع. شاهدت سنوات عديدة متتابعة من الجفاف حيث انقطع سقوط المطر فكانت الأرض قاحلة خالية من النباتات والأشجار وماتت الحيوانات وكثير من الناس بسبب الجوع والعطش إلا من كان له مخزون أو تلقى مساعدات أجنبية، وأذكركم بالحالة التي ذكرتها سابقا عن جفاف ومجاعة القرن الإفريقي حيث بينت الفضائيات صورا للناس ممدودين على الأرض يصارعون الموت ويحتضرون، ومنهم القوافل البشرية النازحة بصعوبة إلى أماكن أخرى بحثا عن الطعام والماء.

ولاحظت على شاشة التلفزة مثل باقي الناس الأحجار الثلجية تتساقط مع الأمطار الغزيرة فقتلت الحيوانات وهدمت المنازل وحطمت الإنتاج الفلاحي وقتلت كثيرا من الناس. شاهدت عدة مرات الزرع والخضر والفواكه في الأشجار على أحسن حال وقد حان موعد جني ثمارها، وفجأة أصابتها أشعة الشمس المحرقة والريح الساخنة والحشرات الكثيفة فأصبحت في العدم، ولم يستفد منها أصحابها بل ضاعت هباء منثورا. وشاهدت مرارا الفيضانات المدمرة التي أغرقت كل المحصول الزراعي وقتلت الحيوانات وهدمت المنازل فمات الناس وشرد الكثير منهم. هذه الفيضانات وقعت في كثير من الدول وخلال مراحل زمنية مختلفة.

وكمثال فيضانات أستراليا و باكستان سنة 2010 حيث قدر عدد المتشردين والمعطوبين والقتلى بسبعة عشر مليون نسمة. قد أتلفت كل المحصول الزراعي والإنتاج الحيواني. ومن مظاهر إتلاف مصادر طعام الإنسان الزلازل التي قد تدمر مدن وقرى بكاملها بما فيها من معامل ومصانع لإنتاج المواد الغذائية ومزارع إنتاج الخضر والفواكه والحيوانات ومصادر المياه في الأرض.

وقد عرفت كثير من بلدان العالم ظاهرة الزلازل التي أحدثت هذه الأضرار المذكورة بجانب الضحايا البشرية. هذه الزلازل خاضعة لإرادة الله تعالى والدليل الزلزلة «إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان مالها يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها..»

ولا أحد أبدا بإمكانه معرفة متى يحدث الزلزال ومكان حدوثه، ولا أحد يمنع وقوعه أبدا إلا الله تعالى. وهذه الحقيقة مؤكدة في الواقع وهي دليل على صدق القرآن. والدليل هو أن الكثير من الزلازل التي تأكد وقوعها لم يستطع أي أحد الإخبار عنها أو منع وقوعها.

وكمثال زلزال أكادير سنة 1961 والحسيمة وزلزال تركيا والصين سنة 2010 و قبله زلزال هايتي بالقارة الأمريكية والذي تسبب في مقتل مئتي ألف نسمة وتشرد مئات الآلاف من الباقين. بل حدثت أزمة غذائية كبرى في هايتي لأن مصادر طعام الإنسان وقع إتلافها بأمر من الله تعالى لأن الأرض لا تزلزل إلا بإذنه.

هذه الظواهر التي يتجلى فيها إتلاف مصادر طعام الإنسان ذكرتها على سبيل المثال وحسب تدبري. فهي دليل على قدرة الله تعالى على إتلاف مصادر طعام الإنسان والماء عقابا له أو ابتلاء. وسأبين آيات القرآن التي تبين قدرة الله تعالى على إتلاف مصادر طعام الناس. وبذلك يتأكد لك أيها الإنسان في كل مكان صدق القرآن. ومنها ما يلي:

الكهف 45 «واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح. وكان الله على كل شيء مقتدرا» والزمر 21 «ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب» و آل عمران 117 «مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون».

الله تعالى عالم الغيب والشهادة وهو المتصرف والمدبر للكون وما فيه. لهذا قال الله تعالى في الشورى 27 «ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير». فرزق الله تعالى هو الماء وما ينزل من خزائن السماوات والأرض. والله تعالى قادر على معاقبة المجرمين بإتلاف مصادر طعامهم أو حرمانهم من الماء، والدليل النحل 112 «وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون» والفجر 15-20»فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه يقول ربي أكرمني. وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانني. كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحضون على طعام المسكين وتأكلون التراث أكلا لما وتحبون المال حبا جما» والواقعة 63 – 65 «أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون. لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون» والواقعة 68 – 70 «أفرأيتم الماء الذي تشربون. أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون» والملك 30 «قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين» والحديد 20 «كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما» والبقرة 266 «أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت. كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون» والكهف 42 – 44 «وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا. ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وما كان منتصرا هناك الولاية لله الحق». وقد يتلف الله تعالى المحصول الزراعي والحيواني بالثلوج والبرد. والدليل النور 43 «وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء». ويونس 24» حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون».

إن الله تعالى قادر على إتلاف مصادر طعام الإنسان وحرمانه من الماء عقابا له أو ابتلاء. وليس للإنسان أية قدرة ليفلت من قدر الله وقضائه. والدليل عدة آيات منها الأحزاب 17 «قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم  من دون الله وليا ولا نصيرا»

إن بركان إسلندة ملأ أجواء أوروبا بالغبار وعرقل حركة النقل الجوي سنة 2010 وفي ماي 2011 وألحق أضرارا بليغة بالماشية والمزروعات. ولم يستطع علماء الغرب رغم التقنيات التي يتوفرون عليها منع هذا البركان وغيره من الإنفجار.

هذه الآيات التي بينتها في هده النقطة الثانية من هذا المبحث الأخير أكدت بصدق أن الله تعالى هو الذي يعطي الماء والهواء ومصادر طعام الإنسان التي يخلقها في الأرض. وهو قادر على إمساكها وعدم إعطائها بل قادر على إتلافها حتى بعد أن يعطيها. فحياة الإنسان وحركته متوقفة على عطاء الله تعالى وإرادته.

لهذا فقد صدق الله عز وجل حيث قال في فصلت 53 «سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق»، وفي البقرة 242 «كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تعقلون» أي لعلكم تستعملون عقولكم وتتجردون من هوى النفس الأمارة بالسوء للتأكد من صدق القرآن وأنه كتاب الله تعالى مثل باقي الكتب السماوية المنزلة للناس. فاستعمل عقلك أيها الإنسان في كل مكان لتتأكد من صدق القرآن.

3 وجود كل إنسان في أرض الدنيا مؤقت حتما وبإرادة الله تعالى:

الله تعالى هو الذي خلق ويخلق البشر ويوفر لهم مصادر طعامهم واستمرار حياتهم ومنها الماء والهواء. وكما بينت في النقطة السابقة إذا منع الله تعالى عن الإنسان الماء والهواء ومصادر طعامه يموت حتما. لهذا فوجود الإنسان في أرض الدنيا خاضع لإرادة الله تعالى.

فالواقع والأبحاث العلمية أكدوا بأن لا أحد غير الله تعالى يوفر الماء والهواء للناس. وسأبين الآيات القرآنية الدالة على أن وجود الإنسان في الدنيا مؤقت حتما وبإرادة الله تعالى وحده.

ومنها آيات خلق الإنسان. فكل المخلوقات الحية وجدت بإرادة الله عز وجل ومن خلقه، وجعل لها شروط تناسلها وتكاثرها. والأدلة كثيرة منها النور 45 «والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير». بدأ الله تعالى خلق الإنسان بآدم في الجنة من ماء وطين وبث فيه من روحه فكان بشرا ومنه خلق زوجته حواء. ولما أنزلهما مع الشيطان من الجنة إلى أرض الدنيا خلق الله تعالى سائر البشر من سلالة آدم وحواء التي نحن جميعا منها. والدليل النساء 1 «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء». والدليل على أننا كلنا من سلالة ونسل آدم وحواء أن قانون المادة العلمي وقانون التزايد العددي يدل حتما على أن هناك أصلا حصلت منه الفروع ووقع منه التزايد. وقانون التناقص يؤدي حتما إلى أصل التزايد، فإن بحثنا عن أجداد الطفل الذي يزداد عند كتابة هذه السطور فسنجد حتما بأن جده الأول هو آدم عليه السلام.

      بين لنا الله تعالى في القرآن كيف يخلق البشر. فتدبروا غافر 67 «هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون» والسجدة 7-9 «وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين. ثم سواه ونفخ فيه من روحه» والمؤمنون 12 – 14 «ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين» والمرسلات 20 – 23 «ألم نخلقكم من ماء مهين فجعلناه في قرار مكين إلى قدر معلوم. فقدرنا فنعم القادرون» والقرار المكين هو رحم الزوجة.

هذه الآيات حول إيجاد الإنسان في الحياة الدنيا أكدت لنا ما هو واقع فعلا لأن علماء الأجنة والوراثة الإنسانية والتشريح والأطباء وعلماء الكيمياء والفيزياء توصلوا إلى نتيجة علمية أساسية أكدت بأن خلق الإنسان خضع فعلا للمراحل والشروط التي حددها القرآن. فعندما يلتقي مني الزوج ببويضة زوجته في رحمها يتطور من علقة إلى مضغة أي قطعة لحم ثم تتكون فيها العظام ثم تغطى باللحم. وبعد ذلك ينفخ فيه الله تعالى من روحه فتدب فيه الحياة في بطن أمه، وبعد مدة تسعة أشهر غالبا يخرج الطفل من بطن أمه. فهذه الأبحاث العلمية حول خلق البشر ظهرت بعد مرور أربعة عشرة قرنا من الزمن بعد نزول القرآن. وقد أكدت ما جاء في آياته. لهذا فإنها دليل قاطع  على صدق القرآن.

ومما يؤكد قدرة الله عز وجل الوحيدة على خلق أو عدم خلق الإنسان أن الأطباء وسائر علماء العالم عبر التاريخ وحتى الآن لم يستطع أحد منهم خلق إنسان من غير بويضة الزوجة في رحمها ومني زوجها. كما أن الله تعالى هو الذي ينفخ في الجنين من روحه لتبدأ فيه الحياة. فبدون هذه الروح الربانية يبقى الجنين ميتا لا يتحرك في رحم أمه.

والعلم أكد بأن مني الزوج يتكون في عموده الفقري. وهذا ما جاء في الأعراف 172 «وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم» وإذا لم يوفر الله عز وجل للإنسان مصادر طعامه والماء والهواء لا يتكون المني لديه بل يموت حتما لهذا قال الله تعالى في الواقعة 58 – 59 «أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون». إذن خلق الإنسان خاضع لإرادة الله تعالى. لهذا فوجوده بالأرض الدنيا بإذنه سبحانه وتعالى. أليست هذه الحقيقة دليلا على صدق القرآن. والله تعالى قادر على منع خلق الإنسان ولو حصل التقاء مني الزوج مع بويضة زوجته في رحمها، فقد يحرم الزوجة من إنتاج البويضة أو يسقطها من رحمها كما أن مني الزوج قد يقذف في متانته وليس في رحم الزوجة. وقد يحرمه الله من إنتاج المني في ظهره. والدليل الطارق 5-8 «فلينظر الإنسان مم خلق. خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب. إنه على رجعه لقادر»، وفي الشورى 50 «ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير» لهذا صدق الجليل الحكيم حيث قال في سورة فاطر 11 «وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه» بمعنى أن الزوجة لا يتكون لها الجنين إلا بموافقته ولا تضح حملها إلا بموافقته. وفعلا ماتت الملايين من النساء دون أن ينجبن طفلا واحدا لأسباب متعددة ذكرها القرآن. ولم يستطع الأطباء والعلماء تمكين العاقر من الإنجاب الحتمي.

ومما يدل على تحكم الله تعالى وحده في خلق البشر أنه هو الذي يحدد جنس الجنين في بطن أمه حيث يجعله ذكرا أو أنثى. والآلة التي تكشف وتصور الجنين في بطن أمه فتبين هل هو أنثى أم ذكر لم تقم سوى بالكشف عما خلق الله تعالى، والدليل الشورى 49 «لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور» والنجم 45 – 46 «وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى». فهل يستطيع الزوج أن يفرض على زوجته أن تلد له ذكرا أو أنثى حسب اختيارهما. وهل يستطيع أن يحدد مسبقا اللون والصورة التي يريدها لمولوده. الله تعالى هو الذي يحدد جنس الجنين ولونه وصورته وسمعه وبصره. والدليل الإنفطار 6-8 «يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك» وآل عمران 6 « هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم «. هذه الآيات المتعلقة بخلق الإنسان وإيجاده في أرض الدنيا الواردة في القرآن تأكدت في الواقع وأكدها العلماء في أبحاثهم، فهي دليل على صدق القرآن.

وهناك آيات قرآنية أكدت أن سمع الإنسان وبصره وهما وسيلة للحياة من عطاء الله وحده. والدليل السجدة 9 «وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون» والنحل 78 «والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون» والملك 23 «قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون» والإنسان 2 «إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا». الله تعالى هو الذي أعطى الإنسان السمع والبصر. وهو قادر على حرمانه منهما.

والدليل البقرة 20 «ولو يشاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير». لا أحد يستطيع إعادة السمع والبصر لمن حرمه الله تعالى منه عند ولادته أو في فترة من حياته. إذن هذه الآيات القرآنية محققة في الواقع. فهي دليل على صدق القرآن.

فاشكروا الله تعالى أيها الناس في كل مكان على نعمة البصر والسمع التي أعطاها لكم ربكم. فإذا حرمكم منها تصبحون جثثا هامدة وتتوقف عقولكم وتكونون عالة على غيركم. فماذا تفعل في هذه الحالة بالأموال الطائلة التي حصدتها بمختلف الطرق أيها الإنسان، لا يمكن لهذه الأموال أن تعيد لك بصرك وسمعك وروحك إذا أمسكها ربك.

وهناك حقيقة أخرى تتعلق بمصير حتمي لكل إنسان هي أن مرحلة حياته تبدأ بالضعف عندما يكون رضيعا ويكون قويا في مرحلة الشباب. ولكنه يعود لضعفه في مرحلة الشيخوخة حتى الموت. هذه المراحل حددها القرآن في عدة آيات منها الروم 54 «الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير» وغافر 67 «هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون». ويس 68 «ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون» فكلما طال عمر الشيخ ازداد ضعفا حتى الموت.

هذه الآيات أكدت بحق المراحل التي يمر منها الإنسان في حياته بالدنيا قبل موته المحتوم. وهي سنة الله تعالى في خلقه. فإذا قمتم أيها الباحثون والدعاة المحترمون بدراسات ميدانية حول عينة من البشر وتتبعتم مراحل تطور حياتهم من الولادة حتى الموت فإنكم تتأكدون من تطابقها مع ما جاء في آيات القرآن المذكورة. فالرضيع في حالة ضعف، إذا لم توفر له أمه الطعام والماء يموت والشيخ الهرم المقعد أو الأعمى في حاجة لغيره من أجل إطعامه وتنظيف فضلاته لأنه عاد حتما إلى حالة الضعف الأولى قبل فترة القوة في الشباب. لهذا أمر الله تعالى بالإحسان للوالدين ورعايتهما. و الدليل لقمان 14 «ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير» والإسراء 23-24 «وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا. إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا» والأحقاف 15 «ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا». لقد ذكرت هذه الآيات التي أمر الله تعالى فيها كل إنسان بالإعتناء بوالديه والإحسان لهما لكي أذكر بها الناس لأنها من فرائض الإسلام مثل الصلاة والصوم والحج خاصة وأني تأكدت من أبناء طردوا والديهما من بيوتهم فأصبحوا مشردين في الشارع. ولاحظت عدة حالات حيث الإبن يأكل مختلف أصناف الأطعمة مع زوجته ولا يعطي شيئا منها لأمه أو أبيه العجوز الهرم بجانب مسكنه. فلا تستكبر أيها الإنسان عن تنظيف فضلات والديك العاجزين وإطعامهما لأنهما كانا ينظفان فضلاتك وأطعماك منذ صغرك. ووجودك في الدنيا تم بفضل الله ووالديك. واعلم أيها الإنسان أنك ستكون شيخا هرما ضعيفا محتاجا لرعاية أبنائك.

فهل يستطيع أطباء وعلماء العالم إعادة قوة الشباب للشيخ الهرم. هل يستطيعون إعادة الروح للميت أو تحصينه من الموت المحتوم. لا يمكنهم ذلك أبدا. لقوله تعالى في  المنافقون 11 «ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها» والواقعة 86-87 «فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين» فهذه سنة الله تعالى في خلقه عاشها ومر منها الملايير من البشر حاليا وأنا منهم حيث فقدت قوة شبابي وبدأت في مرحلة الضعف لأني في بداية عقدي السابع.

إذن ما جاء في هذه الآيات التي ذكرتها حول تطور حياة الإنسان في الدنيا دليل على صدق القرآن  لأنه محقق في الواقع الإنساني.

وأختم هذه النقطة الثالثة بآيات القرآن الدالة على أن موت كل إنسان حتمي وخاضع لقضاء الله تعالى وقدره. ومنها ما يلي: الأنبياء 34 – 35 «وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون. كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون» والعنكبوت 57 «كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون» والزمر 30 «إنك ميت وإنهم ميتون». وفعلا جميع الرسل والأنبياء والذين عاصروهم ماتوا. والجمعة 8 «قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون» فاطر11 «وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير» والملك 1-2 «تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير. الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا».

فعلا فإن فترة الحياة الدنيا مؤقتة لكل إنسان وهي مرحلة ابتلاء وامتحان واختبار مادته القرآن من التزم به حتى الموت نجح في الامتحان لأنه يفوز برحمة الله تعالى في الدنيا والحياة الدائمة في سعادة الجنة بعد البعث. والذي أعرض عنه خسر في الامتحان. لأنه ينال عذاب الله تعالى في الدنيا والحياة الدائمة في عذاب جهنم بعد البعث. والدليل هود 7 «وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا». والكهف 7 «إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا». ويونس 14 «ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون».

هذه الآيات القرآنية مؤكدة في الواقع الإنساني منذ موت آدم وحواء. فهي قانون وسنة الله عز وجل في خلقه. والدليل أن كل من بلغ سن الشيخوخة والضعف المحتوم يموت. ولم يفلت أي إنسان من الموت. ولو قمنا بدراسة سجلات الوفيات في كل دول العالم لوجدنا أن معدل سن الوفاة بين الرجال والنساء هو سبعون سنة تقريبا. ولو كانت هناك إحصائيات لكل الموتى منذ موت أصل البشر وهو آدم وحواء حتى الآن لتجاوز عددهم عشرات الملايير. بل إن سكان أرض الدنيا الذي يبلغ حوالي سبعة ملايير نسمة حاليا قد يموتون جميعا في دقائق معدودة إذا قامت الساعة الكبرى النهائية حيث تزلزل الأرض كلها وتنتهي مهمتها ويبعث الله تعالى الأموات للحساب أمامه في الآخرة. هذه الساعة الكبرى علمها عند الله تعالى وحده

هذه الآيات القرآنية مطابقة للواقع الكوني والإنساني. لهذا صدق الله تعالى حيث فال في فصلت 53 «سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق» وغافر 81 «ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون» والنمل 93 «وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربك بغافل عما تعملون».فاستعمل عقلك أيها الإنسان في كل مكان لتتأكد من صدق القرآن وذلك بمعرفة آيات الله تعالى الدالة على وجوده وتصرفه في كل ما خلق ومنه النفس البشرية. واستحي من ربك الذي له الفضل في خلقك وتوفير مصادر طعامك وطاقتك التي بها تتحرك وتتكلم وتحيى ومنها الماء والهواء، وأعطاك السمع والبصر. فلا تستعمل ما أعطاك الله تعالى وفضله وإحسانه ونعمه فيما لا يرضيه. والتزم بأحكامه المحددة في القرآن قولا وعملا سرا وعلانية حتى الموت لتفوز في مباراة وامتحان الحياة المؤقتة في أرض الدنيا.

 4- في الصوم شفاء للصائم كما أكده القرآن

من فرائض الإسلام صوم شهر رمضان. لقوله تعالى في سورة البقرة 183 «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون» والبقرة 185 «شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان. فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر». والصوم هو الإمساك عن شهوتي البطن والفرج طيلة أيام شهر رمضان من الفجر إلى المغرب. فالأكل والشرب والجماع من المحرمات في أيام الصيام.

الله تعالى شرع أحكام القرآن لفائدة الإنسان. وهي حكمة الله عز وجل لقوله في عدة آيات منها البقرة 231 «واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة» والأحزاب 34 «واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا». لهذا قال سبحانه وتعالى أن في الصوم شفاء وصحة للصائم. والدليل البقرة 184 «وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون».

هذه الحكمة الربانية أكدها الواقع الفعلي حيث شفي كثير من الصائمين وأنا منهم من بعض الأمراض بفضل الصوم. وفعلا أكد علماء التغذية والحياة والأطباء فائدة الصيام بالنسبة لصحة جسم الإنسان بعد أن أجروا تجارب وملاحظات علمية على الصائمين والمضربين عن الطعام. فأكدوا أن الصوم يساعد الجسم على استهلاك فائض الكليكوز أي السكر الموجود في الدم لكي لا يتجمع في شرايين الدورة الدموية فيؤدي إلى انسدادها. ويساعد الصوم الكبد على استهلاك ما فيه من فائض الدهنيات مما يمنعه من التشمع. وهو مرض خطير يؤدي إلى فشل الكبد عن القيام بوظائفه وبالتالي الموت.

إن فوائد الصوم التي بينها العلم في عصرنا أكدتها حكمة الله تعالى في القرآن منذ أربعة عشر قرنا. وهذا من الأدلة على صدق القرآن وأنه فعلا كلام الله تعالى وحكمته. والدليل البقرة 184 «وأن تصوموا خير لكم». وقد أكد الواقع والعلم هذه الحقيقة. لهذا لايكتفي المسلمون بصوم شهر رمضان فحسب بل هناك الكثير منهم يصومون الاثنين والخميس من كل أسبوع.

و لتأكيد حكمة القرآن أذكر آية تتعلق بالتربية الإسلامية ومنها التربية على الصوم الذي شرعه الله عز وجل لفائدة وصحة الإنسان وهي التحريم 6 «يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا…». لا يمكن للزوج المسلم أن يقي أي يحمي نفسه وزوجته وأبناءه القاصرين من جهنم كما أمر الله تعالى إلا بإلزام نفسه وزوجته وأبنائه بالتقوى أي الإلتزام بحدود القرآن حتى الموت. وهذه فريضة شرعية فرضها الله تعالى على كل زوج مسلم يحاسب عنها مثلما يحاسب عن الفرائض الأخرى.

والحكمة الربانية في هذه الآية أن المجتمع لايكون صالحا وسليما إلا إذا صلحت الأسرة لأنه مكون أساسا من سائر الأسر نفسها الموجودة فيه. وإذا فسدت فسد هو أيضا وانهار. فهذه الآية أي التحريم 6 وغيرها من آيات القرآن الأخرى من الأدلة والبراهين على صدق القرآن وأنه حكمة الله تعالى وشرعة الذي أنزله رحمة لكافة الناس في العالم.

5- الحياة الزوجية آية من آيات الله تعالى أكدها الواقع في كل مراحل التاريخ الإنساني

1 مساوئ الحياة بدون زواج

طبقا لملاحظة الواقع الإجتماعي والعلاقات البشرية والمقارنة بين حياة المتزوجين وحياة الغير المتزوجين والمطلقين يتأكد أن الحياة بدون زواج لها مساوئ وأضرار كثيرة تنعكس آثارها السلبية ليس فقط على الغير متزوج والمطلق ولكن كذلك على المجتمع برمته وألخصها حسب ما استطعت إدراكه فيما يلي: ممارسة الزنا والفساد والشذوذ تعم المجتمع والصراع والنزاع بين الرجال والنساء وكثرة جرائم القتل والعنف من أجل إشباع الرغبات الجنسية الغير المشروعة. وهذا يمس بأمن وحياة الأفراد والمجتمع، لأن انتشار الأمراض الجنسية المعدية بين الناس مثل السيدا والإضطرابات النفسية والعقلية بسبب عدم إشباع الرغبات الجنسية وعدم إنجاب الأبناء يؤدي إلى اضطراب اجتماعي ونقص في قوة الإنتاج والتنمية كما أن العلاقة الجنسية الغير المشروعة خارج إطار الزواج تؤدي إلى ولادة أبناء مشردين لاأسرة لهم ولا يتلقون التربية الصالحة اللازمة. وهذا ما يؤدي إلى تدهور المجتمع وانهياره وتخلفه.

ومن جهة أخرى فإن الغير المتزوج أو المطلق وحتى المتزوج والمتزوجة إذا مارس أحدهم العلاقة الجنسية بصفة غير مشروعة أي بدون الإستناد إلى عقد زواج مشروع فإنه معرض لعذاب الله تعالى في الدنيا والآخرة. والدليل النور 2 و 3 « الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلى زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين» والإسراء 32 «ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا» من هنا تظهر أهمية الزواج لحفظ الفرج ولتجنب العذاب المخصص للزنا في الدنيا والآخرة.

خلق الله تعالى الرجل و المرأة و جعلهما مكملين لبعضهما البعض و جعل كل واحد منهما بالفطرة في أشد الحاجة إلى الآخر بحكم التكوين الجسدي لكل منهما سواء فيما يخص إشباع الرغبة الجنسية و العاطفية و إنجاب الأولاد أو التعاون و التكامل و التضامن في شؤون و متطلبات الحياة الأخرى و السكينة و الأمن. فالمرأة لابد لها من رجل و الرجل لابد له من امرأة ليعيشا معا سواء في الحياة الدنيا أو الآخرة و لهدا أكد الله تعالى في الأعراف 189 « هو الدي خلقكم من نفس واحدة و جعل منها زوجها ليسكن إليها » و النبأ 8 « و خلقناكم أزواجا » و الروم 21 « و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها و جعل بينكم مودة و رحمة إن في دلك لآيات لقوم يتفكرون » و مما يدل على حاجة الرجل و المرأة إلى بعضهما البعض في إطار الزواج المشروع قوله تعالى في سورة البقرة 187 « هن لباس لكم و أنتم لباس لهن » بمعنى أن الزوجة تحمي عرضها لزوجها و تكتم أسراره و تحفظ ماله و بيته و تحمي صحته و أمنه و الزوج مكلف هو أيضا بنفس هده الواجبات المدكورة في حق زوجته. ولقد شاهدت مثل غيري حالات كثيرة يتجلى فيها التطبيق الفطري والتلقائي والعفوي لهذه الآية بين الزوجين منها أن الزوجات يساعدن أزواجهن المرضى بإسنادهم على أكتافهن وفعل كثير من الأزواج مثل ذلك لزوجاتهم المريضات.

الله تعالى بقضائه و قدره و حكمته خلق الرجل و المرأة و جعلهما لباسا لبعضهما البعض. فلا سعادة لرجل بدون زوجته و لا سعادة لإمرأة بدون زوجها مهما توفرت ظروف العيش. و هدا أمر مؤكد في الواقع عبر التاريخ فعيش رجل و امرأة في بيت واحد زوجين متحابين و متعاونين ضرورة من ضرورات الحياة الإنسانية و فريضة إدا توفرت الإستطاعة و الشروط. و ظاهرة اجتماعية بشرية خلقها الله تعالى بقضائه و قدره و هي فطرة و زينة الحياة الدنيا.

فحكمة الله تعالى من الزواج محققة في الواقع البشري في كل مكان و زمان لأنه بمجرد انعقاد الزواج المشروع بين رجل و امرأة تنشأ بينهما علاقات المودة و الرحمة و السكينة و المحبة و الثقة و الاحترام المتبادل و لو كان كل طرف من مكان بعيد و بينهما اختلاف في اللغة و اللون و القومية. بل كل من الزوجين ينام بجانب الآخر مند أول لقاء مستسلما مطمئنا في أمن و طمأنينة و سكينة. هده العلاقة الزوجية دائمة و خالدة بالنسبة للزوجين المؤمنين الصالحين المستحقين للجنة في الدار الآخرة. و الأدلة منها الرعد 23 _ 24 « جنات عدن يدخلونها و من صلح من آبائهم و أزواجهم و درياتهم و الملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار » و غافر 8 « ربنا و أدخلهم جنات عدن التي وعدتهم و من صلح من آبائهم و أزواجهم و درياتهم إنك أنت العزيز الحكيم » و الزخرف 68 _ 70 « يا عباد لاخوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون ». و لكن لا حياة زوجية للمستحقين لجهنم لأنهم مكبلون في السلاسل و العداب الدائم. بل يجمع الله تعالى الزوج و الزوجة المستحقين للجنة بأبنائهما في الآخرة و الدليل الطور 21 « و الدين آمنوا و اتبعتهم دريتهم بإيمان ألحقنا بهم دريتهم و ما ألتنا من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين».

فمن أراد استمرار سعادته الزوجية و عاطفته الأبوية لأبنائه و العيش معهم في الآخرة بعد البعث فلينفد أمر الله تعالى الوارد في التحريم 6 « يا أيها الدين آمنوا قو أنفسكم و أهليكم نارا » و لا يمكن أن يحمي الزوج زوجته و أولاده من جهنم إلا بإلزامهم و نفسه بالتقوى. إن حكمة الله تعالى التي حددها لنا في القرآن حول أهمية الزواج مؤكدة في الواقع البشري عبر مختلف مراحل التاريخ في كل مكان. وهذا دليل على صدق القرآن ويمكن لإخواني الباحثين والدعاة المحترمين والعلماء والمثقفين القيام بدراسات ميدانية وإحصائية للتأكد من هذه الحقائق حول حكمة العلاقة الزوجية التي أكدها الله تعالى في القرآن منذ أربعة عشر قرنا.

وفي هذا المجال أدلي بملاحظاتي التالية حول هذه الظاهرة وما يترتب عنها. انقطة الأولى أبين فيها مساوئ الحياة بدون زواج والنقطة الثانية أبين فيها مزايا وفوائد الحياة الزوجية:

2 مزايا وفوائد الحياة الزوجية

أهم هذه المزايا العفاف وحفظ الفرج وتجنب الزنا للنجاة من عذاب الله تعالى في الدنيا والآخرة والسكينة والهدوء والإطمئنان والإستقرار النفسي لكل من الزوج والزوجة وعيشهما في محبة ومودة وتعاون وتضحية متبادلة وإشباع الرغبة الجنسية بصفة مشروعة وتابثة ومستقرة وإنجاب الأبناء الذين هم زهرة الحياة  الدنيا والعناية المتبادلة بين الزوجين في مجال الصحة والأمن والتغذية واللباس وغير ذلك من متاع الحياة الحلال. ومن مزايا الحياة الزوجية بين المسلم والمسلمة تربية الأبناء تربية صالحة إسلامية مما يؤدي إلى رفع راية الإسلام واستقرار المجتمع وتقدمه لأنه بصلاح الأسر يصلح المجتمع المكون منها وبفسادها يفسد وينهار. ومما يدل على أن الحياة الزوجية ضرورة وفطرة اجتماعية منذ زواج آدم بحواء عليهما السلام أن عشرات الملايير من ذريتهما سواء الذين ماتوا أو الذين على قيد الحياة عرفوا الحياة الزوجية. ولو أجرينا عملية إحصائية لعدد المتزوجين في العالم اليوم لتأكدنا أنهم يشكلون الأغلبية المطلقة لسكان أرض الدنيا.

من خلال هذه الحقائق التي بينتها حول العلاقة الزوجية يتجلى لنا صدق القرآن وأنه فعلا حكمة الله تعالى وشرعه المنزل لكافة الناس بالعالم.

6 إتباث العلم لحكمة عدة المطلقة كما حددها الله تعالى دليل على صدق القرآن

رخص الله تعالى الطلاق أي إنهاء العلاقة الزوجية إذا تحققت الأسباب التي تبرره وموجباته كالخيانة الزوجية مثلا لأن الزنا محرم على المؤمنين طبقا لسورة النور 3 «الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين» والإسراء  32«ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا». والدليل على هذه الرخصة الطلاق 1 «يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم» وحدد الله تعالى عدة المطلقة بثلاثة أشهر والدليل البقرة 228 « والمطلقات يتربصن بأنفسهن تلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمنن بالله واليوم الآخر» فعدة المطلقة وحفظها لفرجها وتحريم زواجها داخل العدة من شروط إيمانها. وحكم العدة امتناع المطلقة عن الزواج أو الاتصال الجنسي بزوجها المطلق لكي يتبث خلو رحمها من الحمل وإذا تبث حملها داخل مدة العدة وهي تلاثة أشهر فإن عدتها تمتد إلى أن تضع حملها لقوله تعالى في الطلاق 4 « واللاتي يأسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللاتي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ». والمتوفى عنها زوجها هي أيضا عدتها 4 أشهر وعشرة أيام والدليل البقرة 234 «والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملون خبير». فالشهر وعشرة أيام الزائدة عن مدة عدة المطلقة هو من باب تمكين المتوفى عنها زوجها من نسيان ألم فراقه وتمكين أهله وأصدقائه وجيرانه أيضا من هذا النسيان لهدا فالحامل المتوفى عنها زوجها لابد لها من أربعة أشهر وعشرة أيام كعدة إذا وضعت قبل إنقضائها. فالغاية من عدة المطلقة أو المتوفى عنها زوجها هي تبوث خلو رحمها من الحمل المنسوب لزوجها والدليل أن الزوجة التي لم يدخل بها زوجها لا عدة لها شرعا لقوله تعالى في الأحزاب 49 « يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا ». لكن المتوفى عنها زوجها قبل الدخول بها لها عدة أربعة أشهر وعشرة أيام لتمكينها وتمكين أهله من نسيان فراقه والدليل أن المطلقة قبل الدخول هي التي تعفى من العدة كما جاء في الأحزاب 49 المذكورة. و المتوفى عنها زوجها و إن لم يدخل بها لا تخضع لحكم عدة المطلقة الغير المدخول بها. فحكمة الله تعالى من العدة تبوث الحمل أو عدم تبوثه قبل الزواج الثاني لكي لاتختلط الأنساب والدليل أن الله تعالى حرم ذكر نسب مولود لغير أبيه الشرعي لقوله تعالى في الأحزاب5  «ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله» فهذا أمر من الله تعالى بأن ينسب المولود لأبيه الشرعي ولو كان في حالة تبني أو كفالة. والدليل الآخر الأعراف 172 « وإذ أخد ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم ». فعلاقة الأبوة أبدية وخالدة في الدنيا والآخرة فلا يجوز شرعا أن ينسب الإبن إلا لصاحب المني الذي تكون منه. لهذا حرم الله تعالى زواج المطلقة أو المتوفى عنها زوجها إلا بعد إنقضاء مدة العدة وخلو رحمها من نسب الذي اعتدت منه. والدليل البقرة 235 « ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله » والمقصود من أجل الكتاب هو إنقضاء مدة العدة.

هذه الآيات أكدت حكمة الله تعالى من العدة وتحريم الزواج داخل العدة وهي تبوث الحمل من الزوج السابق أو عدم تبوثه وهذه الحكمة الربانية من العدة أتبثها علماء الأجنة والوراثة وعلماء الحياة والأطباء في عصرنا بعد أن ذكرها القرآن وبينها منذ القرن السابع الميلادي. وهذا دليل على صدق القرآن وأنه حكمة الله تعالى الذي صدق حيث قال في البقرة 231 «ولا تتخذوا آيات الله هزؤا واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة» وقوله تعالى في الأحزاب 34 «واذكرن ما مايتلى في بيوتكن من آيات الله و الحكمة ». لقد أكد العلم حكمة الله عز جل حيث تمت مناقشة نتائج البحوث العلمية يوم 16 شوال 1432 موافق 15/9/2011 خلال محاضرة عمومية أذيعت على شاشات الفضائيات مباشرة. والنتيجة العلمية التي  أكدها هؤلاء العلماء هي أن أقصى مدة لتفاعل الحيوانات المنوية للزوج مع بويضات الزوجة هي تلاثة أشهر. وإذا لم تنجح عملية اللقاح في هذه المدة تموت الحيوانات المنوية ولا يكون هناك حمل في رحم الزوجة. فلنفترض أن زوجا جامع زوجته يوم فاتح الشهر ثم سافر ولم يعد عند زوجته إلا بعد مدة تلاثة أشهر ففي مدة غياب الزوج كل شهر تتكون بويضة الزوجة وتحاول الحيوانات المنوية للزوج الموجودة في رحمها الدخول إليها فإذا تحقق اللقاح يبدأ الحمل وإذا فشلت العملية تسقط هذه البويضة مع الحيض. وتتكرر عملية التفاعل بين البويضة الثانية التي تتكون في الشهر الثاني. فإذا فشلت تسقط مع الحيض وتعاد عملية تفاعل الحيوانات المنوية للزوج المتبقية في رحم الزوجة مع البويضة الثالثة التي تتكون في الشهر التالث. وإذا لم تنجح عملية اللقاح لا يتكون الحمل و تسقط البويضة مع الحيض التالث. وبذلك يكون رحم الزوجة خاليا من نسب الزوج المعتدة منه بعد انقضاء تلاثة أشهر.

لهذا فالعلم والعلماء أكدوا بأن أقصى مدة لتفاعل بويضات الزوجة مع الحيوانات المنوية لزوجها هو تلاثة أشهر. وهذه النتائج توصلوا إليها بالدراسة والملاحظة والإحصاء. وقد سبقهم القرآن في بيان هذه الحقائق بأربعة عشر قرنا والدليل المرسلات 20 و 23 « ألم نخلقكم من ماء مهين فجعلناه في قرار مكين إلى قدر معلوم فقدرنا فنعم القادرون ». فالقرار المكين هو رحم الزوجة و القدر المعلوم في الآية هو ثلاثة أشهر و هي مدة وجود الحيوانات المنوية في رحم الزوجة. والإنسان 2 « إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا » والنجم 45 و 46 «وأنه خلق الزوجين الذكر والأنتثى من نطفة إذا تمنى» والآيات السابقة التي ذكرتها حول العدة. هكذا فالحقائق العلمية أكدت أن أقصى مدة لتكوين الحمل في رحم الزوجة بعد تفاعل بويضاتها مع الحيوانات المنوية لزوجها هي تلاثة أشهر. وهذا تأكيد لحكمة الله تعالى الواردة في القرآن. فاستعمل عقلك أيها الإنسان في كل مكان وتدبر جيدا آيات القرآن لتتأكد من صدقه.

7 الله تعالى يسمع أقوال كل إنسان ويرى أعماله ويعلم ما يفكر فيه ويعتقده سرا:

سأتعرض لآيات قرآنية أكدت بأن الله تعالى المستوي على العرش بذاته العظيمة فوق السماء السابعة يراقب الكون وكل ما خلق فيه ومنه كل الناس، ويدبر أموره حسب القوانين والسنن التي حددها. وسأعطي أمثلة أكدت فعلا بأن الله تعالى يسمع أقوال كل إنسان ويرى أعماله ويعلم ما  يفكر فيه ويعتقده سرا في نفسه. هذه الأمثلة ستكون دليلا على صدق القرآن لأنها أكدت تطابق آياته مع الواقع الكوني والإنساني.

ومن هذه الآيات ما يلي: التغابن 4 «يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون. والله عليم بذات الصدور» والأعلى  7  «إنه يعلم الجهر وما يخفى» وق 16 «ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه» والبقرة 284 « وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله» والبقرة 235 «واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه» والأنبياء 110 «إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون» والنساء 1 «إن الله كان عليكم رقيبا». الله عز وجل يعلم ما يفكر فيه كل إنسان ويعتقده في قلبه قبل أن يجسده في قول أو عمل. ويسمع ما يقوله كل إنسان ويرى كل ما يعمله. لهذا قال لرسوله موسى وأخيه هارون عليهما السلام لما بعثهما لفرعون وقومه في سورة طه 46 «إنني معكما أسمع وأرى». ويونس 61 «ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين». والزخرف 80 «أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتمون» والنمل 74 «وإن ربك ليعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون» والعنكبوت 10-11 «أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين. وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين».

الله تعالى يعلم ما تفكر فيه جميع مخلوقاته وما تقول وما تفعله سواء من عالم الجن والإنس والملائكة وعالم الحيوانات والطيور والحشرات وغيرها من المخلوقات. ويعلم الله عز وجل كل لغات هذه المخلوقات وإشاراتها ورموز إتصالها الشفوية والمكتوبة لأن الله تعالى يعلم ما تفكر فيه كل مخلوقاته ومنها الإنسان قبل أن تجسده في القول والعمل وفي مختلف وسائل وأشكال الإتصال الممكنة.

بعد أن بينت هذه الآيات أعطي بعض الأمثلة الدالة على تحقيقها في الواقع لتأكيد صدق القرآن. وهناك أمثلة كثيرة في قصص الشعوب القديمة والأنبياء والرسل المذكورة في القرآن، ولكني أقتصر على أمثلة بعد نزول القرآن.

والواقعة الأولى التي تأكد فيها علم الله تعالى هي إخباره بأن الروم الذين هزمهم الفرس في الحرب سوف ينتصرون على الفرس بعد سنوات. وبذلك يفرح المسلمون لأن إمبراطورية الفرس كانت تستعد للقضاء عليهم. والدليل سورة الروم 4-1 «ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين. لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون». وفعلا بعد تسع سنوات من نزول هذه الآية وقعت الحرب بين الروم والفرس فانتصر الروم وانهزم الفرس. وفرح المسلمون بتحطيم قوة أعدائهم آنذاك وهم الفرس. وكتب التاريخ أرخت هذه الحقيقة. وشهد عليها الصحابة والمسلمون الذين عاصروها. فلا أحد يتوفر على دليل يخالف هذه الحقيقة. بمعنى ليس هناك من يثبت عدم وقوع هذه الحرب بين الفرس والروم التي انتصر فيها الروم على الفرس بعد نزول الآية القرآنية المذكورة في الروم 1 – 4. هذه الآية المحققة الصادقة دليل على صدق القرآن وأنه فعلا كلام الله تعالى الصادق الحق.

ومثال آخر هو تخلف بعض سكان نواحي المدينة المنورة عن المشاركة في حرب الحديبية مع المسلمين مدعين أنهم ملزمون بحراسة أموالهم ونسائهم ومساكنهم. فأكد الله عز وجل نفاقهم وتحايلهم. وأخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله في سورة الفتح 11-12 «سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا. يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم. قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا بل كان الله بما تعملون خبيرا. بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا. وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا». هذه الآية أكدت لنا كذب هؤلاء المنافقين الذي علمه الله تعالى في تفكيرهم السري. والدليل أنهم لما تأكدوا من انتصار المسلمين في الحرب طلبوا من الرسول عليه الصلاة والسلام المشاركة لأخذ حصتهم من غنائم خيبر. والدليل الفتح 15 «سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذالكم قال الله من قبل». فلماذا لم تشغلهم أموالهم ونساؤهم ومساكنهم عن الذهاب مع المسلمين لأخذ غنائم الحرب مثلما ادعوا أنها شغلتهم عن المشاركة معهم في الحرب. وهذا دليل على علم الله تعالى بكل ما يفكر فيه ويعتقده كل إنسان ولو سرا. وهذه الواقعة شهد عليها الرسول عليه الصلاة السلام والصحابة وهي مضمنة في الوثائق والسيرة النبوية وما كتبه المعاصرون عنها.

وهناك مثال يهود بني النضير بالمدينة المنورة. فلما حضروا مجلس الرسول عليه الصلاة والسلام وهو يحدث الناس ويدعوهم للإسلام أكدوا أنهم اقتنعوا وآمنوا. ولكن الله عز وجل علم ما في قلوبهم وعقولهم. وبين نفاقهم وكذبهم في قوله تعالى في المائدة 61 «وإذا جاؤوكم قالوا آمنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون» والمنافقون 1 «إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله، والله يشهد إن المنافقين لكاذبون». والدليل على صدق علم الله تعالى أن يهود بني النضير المنافقين استمروا في معاداة المسلمين والتحالف ضدهم مع كفار قريش. وأرادوا قتل النبي ومن معه فأخبره الله بكيدهم ونجاهم والدليل المائدة 11 «يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم».

والدليل على استمرار كفر ونفاق يهود بني النضير أن الله تعالى أخرجهم من المدينة. والدليل الحشر 1-2 «سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم. هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم ما نعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقدف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار». هذه الوثائق مثبته في كتب الصحابة والذين عاصروا هذه الواقعة الدالة على علم الله تعالى بنفاق يهود بني النضير وكذبهم.

وكمثال آخر هناك امرأة اسمها خولة بنت ثعلبة جاءت عند الرسول صلى الله عليه وسلم مقدمة شكوى ضد زوجها الذي ظاهرها أي قال لها أنت علي كظهر أمي. وقد سمع لله تعالى الحوار الذي جرى بينها وبين الرسول محمد عليه وعلى كل الرسل صلاة الله وسلامه، فأنزل الحل الشرعي لمسألة مظاهرة الزوج لزوجته. والدليل المجادلة 1 «قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير». والحل الشرعي لمسألة مظاهرة الزوجات وارد في المجادلة 2-4. وهذه الواقعة شهد عليها الرسول وزوجته عائشة التي كانت حاضرة معه وشهدت عليها المشتكية خولة بنت ثعلبة. لقد أنزل الله عز وجل الحل الشرعي لظاهرة سمعها وشاهدها وعلمها. وهذا دليل على صدق آيات القرآن وتحققها في الواقع. وكمثال آخر عن صدق القرآن الإسراء بالرسول محمد عليه وعلى كل الرسل صلاة الله وسلامه في ليلة واحدة ذهابا وإيابا من مكة إلى القدس بواسطة الملك جبريل عليه السلام. وقد صلى في المسجد الأقصى، وأخبر الناس بالرحلة وبكل ما شاهده من آثار الأنبياء والرسل فتأكدوا من صحة رحلته لأنهم يعرفون هذه الآثار. والدليل عن هذا الإسراء سورة الإسراء 1 «سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير». الله سبحانه وتعالى بين لرسوله قدرته المطلقة على فعل ما يريد. وأكد له وجوده فعلا وصدق القرآن المنزل عليه ليبلغه للناس كافة، مثلما بين آياته للرسل السابقين وهي مذكورة في القرآن. وأذكر منها الطريق البري الذي فتحه الله تعالى في البحر الأحمر لإنقاذ موسى عليه السلام والذين آمنوا معه وأغرق فرعون وجنوده في البحر. والدليل الشعراء 61-67 «فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون. قال كلا إن معي ربي سيهديني. فأوحينا إلى موسى أن إضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم وأزلفنا تم الآخرين وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين». ووضع طريق بري تحت بحر المانش الرابط بين فرنسا وبريطانيا يسافر فيه الناس بسياراتهم وغيرها من وسائل النقل دليل على صدق هذه الآية لأن ذلك لم يتحقق لولا إرادة الله تعالى.

وهناك مثال آخر يتعلق بإثبات الله تعالى لبراءة زوجة الرسول عليه الصلاة والسلام عائشة من تهمة الزنا التي نسبت إليها كذبا من طرف أعداء الإسلام. الله تعالى يسمع ويرى كل إنسان ويعلم ما يفكر فيه سرا قبل تجسيد ذلك في القول والعمل. لهذا فالله تعالى علم بحق وصدق أن عائشة لم ترتكب ما نسب إليها كذبا. والدليل النور 11 «إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم» والنور 16 – 18 «ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم». طبعا لم يتأكد أي دليل يثبت ما نسب لعائشة زوجة الرسول عليه الصلاة والسلام. كما أنها نفت التهمة الموجهة إليها. وهذا دليل على صدق القرآن الذي أثبت براءتها.

وكمثال آخر الممتحنة 1 «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم. أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل». لقد كان بعض المسلمين بالمدينة ومنهم حاطب بن أبي بلتعة يبلغون أسرار المسلمين لأهلهم من كفار قريش ومنها استعدادهم لمعركة الفتح سنة ثمان هجرية. والدليل مراسلات حاطب المذكور لهم والتي كشف عنها المسلمون. وهي دليل على صدق القرآن وعلى علم الله تعالى بالغيب. لأن ما حذر به عن المنافقين المذكورين قد تأكد. وهذه الوقائع مثبتة في كتب الصحابة والتاريخ الإسلامي.

وكمثال آخر سورة آل عمران 165 «أو لما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير». يتعلق الأمر في هذه الآية بانهزام جيش المسلمين في معركة أحد أمام جيش كفار قريش لأنهم عصوا أوامر الرسول التي أوحى بها إليه الله تعالى ومنها بقاء المحاربين الرماة فوق الجبل لحماية جيش المسلمين. لكنهم تخلوا عن هذه المهمة ونزلوا من مكانهم إلى أسفل الجبل متسابقين لأخذ الغنائم، فأتيحت الفرصة لجيش الكفار فانقض على المسلمين الذين انهزموا في المعركة. لم يحمهم الله تعالى لأنهم عصوا أوامر رسوله ومنهم من فضل متاع الدنيا على الجهاد في سبيل الله ونصر دينه الإسلام. هذه الآية في آل عمران 165 المذكورة دليل على أن الله تبارك وتعالى يسمع ويرى أقوال وأعمال كل إنسان ويعلم ما يفكر فيه ويعتقده في نفسه. هذه الحرب والوقائع المتعلقة بها مدونة في كتب الصحابة والسيرة النبوية وكتب تاريخ الإسلام. وهي دليل على وجود الله تعالى وصدق القرآن.

وكمثال آخر تآمر جماعة من منافقي المدينة على تفريق المسلمين وقتل الرسول عليه وعلى كل الرسل صلاة الله وسلامه. لقد بنوا مسجدا على حافة واد بضواحي المدينة ودعوا المسلمين للصلاة فيه. علم الله تعالى مؤامرتهم فأمر رسوله بأن لا يصلي فيه. والدليل التوبة 107-108 «والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون». وفعلا تأكد أن هؤلاء المنافقين كانوا يريدون قتل رسول الله تعالى بحيلة سقوط مسجد الضرار عليه لأنهم تحالفوا مع أبي عامر الراهب الذي طلب من قيصر الروم التحالف معه لمحاربة المسلمين. هذه الحقائق مدونة في مؤلفات الصحابة وكتب تاريخ الإسلام.

وكمثال آخر النساء 102 «وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم. ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة …». كان الرسول عليه الصلاة والسلام مع جيش المسلمين في عسفان في انتظار خوض الحرب مع كفار قريش. ولما صلى بهم الظهر جماعة قرر كفار قريش الهجوم عليهم أثناء أدائهم صلاة العصر. علم الله عز وجل ما فكر فيه أعداء المسلمين والمؤامرة التي سينفذونها فانزل هذه الآية في النساء 102 المذكورة وبلغها جبريل للرسول عليهما السلام. وقد بين فيها كيف تؤدى صلاة العصر في حذر من العدو حيث تصلي طائفة من الجنود مع الرسول وطائفة أخرى تحرس المصلين بأسلحتها. ولا تصلي إلا بعد أن تنتهي الطائفة الأولى من الصلاة وتأخذ أسلحتها لتقوم بدور الحراسة للمصلين الباقين.

هذه الواقعة أكدت علم الله تعالى بما يفكر فيه كل إنسان. ويشهد عليها كل المسلمين الذين شاركوا في هذه المعركة وطبقوا أمر الله تعالى المنزل إليهم. وقد ذكرتها كثير من مؤلفات الصحابة وكتب تاريخ الإسلام.

وهناك مثال آخر في التحريم 3 «وإذا أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا. فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير».

هذه الآية تتعلق بسر حول عدم شرب العسل أدلى به الرسول عليه الصلاة والسلام لزوجته حفصة إرضاء لها ولزوجته عائشة. ولكن حفصة أفشت السر وأخبرت به عائشة. فأخبر الله عز وجل رسوله بما حصل. فلما أنبها زوجها عما فعلت أكدت له ما حصل فعلا. وهو ما علمه الله تعالى الذي يرى ما يفعله كل إنسان وما يقوله وما يفكر فيه في عقله وما يعتقده في قلبه. هذه الواقعة شهد بها الرسول عليه الصلاة والسلام وزوجتاه حفصة وعائشة.

وهناك مثال آخر في الأنفال 9 «إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين» والأنفال 12 «إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فتبثوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب. فأضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان». دعا الرسول عليه الصلاة والسلام ربه بأن ينصره على جيش كفار قريش المعتدي على المسلمين. فاستجاب له ونصره بجنوده من الملائكة. وهذا دليل على أن الله عز وجل مع كل إنسان بسمعه وبصره وتصرفه وعلمه. بل يكلم من يشاء مباشرة من وراء حجاب. وللمزيد حول هذه المسألة أحيلكم على البحث الذي نشرته  بموقعي بالإنترنيت المذكور خول موضوع “من هو الله تعالى وأين هو”.

والخلاصة أن هذه الآيات القرآنية المحققة في الواقع الكوني والإنساني دليل قاطع على صدق القرآن ووجود من أنزل وشرع القرآن وهو الله تعالى .

8 ثبوت أدلة صدق القرآن دليل على صدق آيات البعث والحساب في الآخرة.

لقد تأكد صدق القرآن في جانب الآيات المتعلقة بعالم الشهادة وهو العالم الذي نشاهده ونعيشه في الكون وفي أنفسنا حيث تأكدنا فعلا من الظواهر والوقائع التي تجلى فيها تصرف الله تعالى أمامنا حقا. وقد بينت أدلة قاطعة عنها في الكون وفي الإنسان.

واستنادا إلى صدق القرآن ووجود الله تعالى حقا لا يمكن نهائيا وأبدا عدم التصديق بآيات القرآن المتعلقة بالغيب الذي أخبرنا عنه الله تعالى وهو الصادق الحق. وهو ما يهم البعث بعد الموت والحساب والجزاء عن أعمال الدنيا أمام الله تعالى والملائكة في الآخرة حيث من التزم بأحكام القرآن وحدوده في الدنيا حتى الموت يفوز بسعادة الجنة والحياة الدائمة الخالدة فيها. ومن أعرض عن القرآن وخالف أحكامه ينال عذاب الله الدائم في جهنم وقبله عذاب الدنيا. فاستعمل عقلك أيها الإنسان لتتأكد من هذه النتيجة المترتبة على أدلة صدق القرآن ووجود الله تعالى، وهي صحة وصدق آيات القرآن المتعلقة بالبعث والحساب والجزاء عن أعمال الدنيا في الآخرة. فكيف تتأكد أيها الإنسان من حقيقة أساسية وهي أن حركتك وحياتك خاضعة في كل ثانية ودقيقة لإرادة الله تعالى الذي إن شاء أعطاك الماء والهواء ومصادر طعامك وإن شاء أمسكها عنك بل إذا تأكدت من هذه الحقيقة فعليك أن تصدق بآيات الغيب في القرآن. لهذا أكد الله تعالى بأن آيات الغيب أي ما يهم البعث والحساب في الآخرة لن تتأكد للناس في الدنيا ملاحظة تحققها في الواقع أمامهم مثل آيات القرآن الأخرى. بمعنى أن تأويل آيات الغيب في الدنيا غير محقق. ولكنه يتحقق في عالم الآخرة حيث يتجسد في الواقع أمام المبعوثين. والدليل الأعراف 53 «هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل. قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون». وآل عمران 7 «هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وآخر متشابهات. فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله. والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا». فما يهم البعث والحساب والجزاء وجهنم والجنة وما في الآخرة مذكور في آيات القرآن، ولكن الناس جميعا يجهلونه ولم يدركوه بعقولهم لأنه غائب عنهم وقد تشابه عنهم أي عجزوا عن معرفته وتأويله، والدليل البقرة 70 «إن البقر تشابه علينا». وهذا كلام بني إسرائيل الذين أمرهم الله تعالى بذبح بقرة. فهذه الآية تؤكد أنهم لم يعلموا ولم يعرفوا البقرة المراد ذبحها ولم يستطيعوا تمييزها من بين البقر. بمعنى أنهم لم يستطيعوا إدراك الحق والمراد. كذلك فالآيات المتشابهات في القرآن غير محققة في الواقع الدنيوي ولا يعلم تأويلها إلا الله تعالى وحده. والراسخون في العلم لا يعلمون تأويل المتشابه أبدا. ولكن يجب على كل الناس الإيمان بكل آيات القرآن بما فيها المتشابهة أي ما لم نعرفه ولم نفهمه ولم نعلم تأويله في الدنيا لأنه لم يتجسد أمامنا في الواقع مثل الآيات الأخرى. لهذا قال الله تعالى في يونس 39 «بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله» وهو المتشابه من آيات القرآن ومنها مثلا ذات الله العظيمة التي لا يدركها ويعلمها ويعرفها إلا أهل الجنة في الآخرة.

وبما أن القرآن قد تأكدت أدلة صدق آياته في الكون والنفس البشرية وفي عالم الشهادة الذي نراه، وبما أن الله عز وجل الذي تأكد وجوده حقا هو الذي أخبرنا عن المتشابه من القرآن وما يهم الغيب الذي لا نراه فإنه من المنطق والحق أن يصدق العقل البشري بالآيات التي تتعلق بمراقبة الإنسان ومحاسبته عن أعماله بالجنة أو جهنم بعد البعث في الآخرة. فالآيات المتعلقة بالبعث والحساب والآخرة جزء من القرآن الذي تأكد صدقه بالأدلة الواقعية والعقلية. فلا يجوز الإيمان بآيات من القرآن والتكذيب بأخرى.

وقد أكد علماء الفلك ومنهم الكوريون صدق ما جاء في سورة النبأ 18 و 19 «يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا وفتحت السماء فكانت أبوابا» هذه الآية تدل على أن المبعوثين بعد الموت يصعد بهم الملائكة من أرض الدنيا إلى أرض الجنة وجهنم بالسماوات للحساب والجزاء أمام الله تعالى عن أعمالهم التي عملوها بالدنيا وتفتح لهم أبواب في السماء للصعود والدليل إبراهيم 48 «يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار» و ق 21 «وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد» والذاريات 22 «وفي السماء رزقكم وما توعدون» وهو الحساب والجزاء بعد البعث.

وفعلا أكد علماء الفلك مشاهدتهم وتصويرهم بالمكبرات القوية السماء وهي تفتح بابا دخل منه نجم من النجوم. وأذيعت ونشرت هذه الصور التي شاهدتها فعلا مثل غيري على شاشات الفضائيات مساء يوم 8 شوال 1432 موافق 7 شتنبر 2011. وهذا تأكيد لقوله تعالى في سورة الطارق 1إلى3 «والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب» والإنشقاق 1و2 «إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت» وسورة الحجر 14و15 «ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون». فتدبروا إخواني الباحثين والدعاة والمثقفين المسلمين المحترمين هذه الواقعة الحقيقية التي شاهدنا فيها نجما يفتح بابا في السماء، ألم يخبرنا الله تعالى عنها منذ بداية نزول القرآن في القرن السابع الميلادي كما جاء في الآيات المذكورة؟ إن العلماء قد أكدوا صدق آيات الله عز وجل في القرآن وفي الكون والإنسان بعد أكثر من أربعة عشرة قرنا من نزوله على رسول الله محمد بن عبد الله عليه وعلى كل الرسل صلاة الله وسلامه. لقد أكد العلم صحة وصدق آيات القرآن المتعلقة بصعود المبعوثين من خلال أبواب تفتح في السماء للحساب والجزاء في أرض الجنة و جهنم في السماوات.

ولكي أساهم في الدعوة الإسلامية وأنذر الناس وأحفزهم على الإسراع في التصديق بالقرآن والإيمان به والعمل بأحكامه وحدوده أبين بعض الآيات المتعلقة بالغيب ومنها تلك التي أخبرنا الله تعالى فيها عن محاسبته لكثير من المبعوثين في الآخرة. ومن الأدلة الأعراف 38 «قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار». طبعا كل إنسان يحاسب عن أعماله التي عملها بالدنيا. وتكون مسجلة في كتابه المخصص له والدليل الزخرف 80 «أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون» والإنفطار 10-12 «وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون» والجاتية 28 – 29 «اليوم تجزون ما كنتم تعملون. هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون» والإسراء 13-14 «وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا. اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا». فالقرآن هو مادة امتحان الدنيا. والجزاء في الآخرة يتم حسب موقف الإنسان منه. فمن التزم بأحكامه وحدوده حتى الموت فاز بالحياة الدائمة في سعادة الجنة ومن أعرض عنه وخالف حدوده نال عذاب الله تعالى الدائم في جهنم. لقوله تعالى في آيات كثيرة منها البقرة 38-39 «فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون». والأعراف 35 – 36 «يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون».

ولكي أحذر الناس من عذاب جهنم الدائم وأقنعهم باتباع القرآن والالتزام بحدوده قولا وعملا سرا وعلانية أبين شهادات واعترافات وندم المبعوثين المستحقين لجهنم كما أخبرنا بذلك الله تعالى وهو الصادق والحق. ومنها ما يلي: الأنعام 27 «ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين. بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهو عنه وإنهم لكاذبون». وقد سأل أهل الجنة وهم في نعيمها أهل جهنم عن سبب دخولهم إليها فأجابوا بأنهم كانوا معرضين عن القرآن. والدليل المدثر 39 – 47 «إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين. ما سلككم في صقر. قالوا لم نك من المصلين. ولم نك نطعم المسكين. وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب  بيوم الدين حتى أتانا اليقين». لقد تأكد هؤلاء أن ما كان متشابها عليهم وغير مؤكد لهم في عالم الدنيا ولم يفهموه قد تحقق أمامهم في الآخرة بعد البعث وتم تأويله فعلا في الواقع. والدليل أيضا الأنعام 30 – 31 «ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق. قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون» والمؤمنون 104-108 «تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون. ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون. قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين. ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون. قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون». وفاطر 37 «وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل. أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير» والسجدة 12 «ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم  ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون». لقد أعطانا الجليل الحكيم الله عز وجل الدليل على أن آيات القرآن المتشابهات والتي تهم عالم الآخرة بعد البعث من الموت قد تأكدت فعلا في الواقع أمام المبعوثين والمحاسبين أمام الله تعالى في اللآخرة حيث تأكدوا منها بسمعهم وبصرهم وعقولهم. ومن الأدلة على ذلك أيضا الأنعام 130 «يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين» والأحقاف 34 «ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون». والزمر 56 – 59 «أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين. أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين. بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين». والملك 6 – 11 «وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم وبئس المصير إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور. تكاد تميز من الغيظ. كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير. قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء. إن أنتم إلا في ضلال كبير. وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير. فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير». وغافر 84-85 «فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين. فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون». فاستعمل عقلك أيها الإنسان في كل مكان لتتأكد من صدق القرآن وآمن به واعمل بأحكامه وحدوده في الدنيا حتى الموت قبل الندم الذي لا ينفعك نهائيا يوم الحساب في الآخرة. فالمستحقون لجهنم ندموا على عدم استعمال عقولهم في الدنيا للتأكد من صدق القرآن كما أخبرنا الله تعالى عنهم وهو الصادق الحق. والدليل قوله تعالى في الملك 10 «وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير»

هذه الآيات القرآنية أكدت قانون الله تعالى الذي حدد المصير الحتمي لكل إنسان بعد الموت. وقد أخبرنا الله عز وجل بشهادة من تحدد مصيرهم المذكور فعلا. وهذا دليل على صدق القرآن. وللمزيد حول مصير الإنسان بعد البعث أحيلكم على البحث الذي نشرته في موقعي المذكور بالأنترنيت حول موضوع «المصير الحتمي لكل إنسان بعد الموت كما بينه الله تعالى في القرآن».

الخاتـــــــــــمة:

النتيجة الأساسية التي نستخلصها من هذا البحث هي أن العقل البشري أداة أساسية وشرط ضروري لفهم القرآن والتأكد من صدقه وذلك بمقارنة آياته مع آيات الله تعالى في الكون و النفس البشرية. لأن الله تعالى قرر عدم رؤيته في الدنيا ابتلاء للناس ودعا الإنسان في عشرات الآيات القرآنية إلى استعمال عقله بحكمة وتجرد عن الهوى لإدراك تطابق آيات القرآن مع الحقيقة والواقع وللتأكد من وجود الله تعالى ومن صدق القرآن المنزل لكل إنسان في العالم.

فالجهل والأمية من عوامل الكفر. لهذا أمر الله تعالى الذين لا يعلمون ولا يفهمون القرآن بأن يسألوا أهل الذكر وهم العلماء الصادقون المتقون والمختصون في الدراسات الإسلامية وعلوم القرآن. وهم ملزمون أيضا بأمر الله تعالى في النحل 43 «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون» والبقرة 159 – 160 والبقرة 174 المذكورة سابقا. فقوموا أيها العلماء والأساتذة الباحثون وسائر المثقفين المسلمين والدعاة المحترمين بالواجب الذي فرضه الله تعالى عليكم بخصوص شرح وتبليغ وتطبيق القرآن. فلا تنفعكم صلواتكم وصيامكم وحجكم إذا لم تنفذوا أمر الله المذكور رغم توفركم على المؤهلات العلمية والصحية والمالية. وأمر الله تعالى كل زوج بأن يفرض على نفسه وزوجته وأولاده التقوى أي الالتزام بحدود القرآن، والدليل التحريم 6: «يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا …» فقم أيها الزوج المسلم بهذا الواجب الذي أمرك الله تعالى به لتقبل صلواتك وأعمالك الصالحة ولتنجو من عذاب النار.

لهذا أمر الله عز وجل الشعب المسلم والأمة الإسلامية بانتخاب كل المسؤولين عن ممارسة الحكم والسلطة تحت مراقبة كافة المسلمين الذين هم مصدر السلطة والحكم. وذلك لفرض تطبيق القرآن في دار الإسلام وتدبير الشأن العام. ولحل مسألة فهم القرآن يجب على الأمة الإسلامية فرض التربية الإسلامية وتدريس علوم القرآن في كل مراحل التعليم وعبر قنوات التلفزة والفضائيات وكل وسائل الاتصال والثقافة المرئية والمسموعة والمكتوبة وذلك لتكوين العقل القرآني وإقناع الناس بصدق القرآن.

وهناك نتيجة أساسية لهذا البحث ألخصها فيما يلي: بما أن الله تعالى قد أنزل القرآن ليطبق وليلتزم به كافة الناس في العالم لقوله تعالى في الحديد 25 «لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط» والبقرة 213 «كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس». والزمر 55 «واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون». وبما أن القرآن قد تأكدت أدلة صدقه في الكون والنفس البشرية كما بينتها في جوهر البحث فإنه يجب على الأمة الإسلامية وكافة العلماء الصالحين المتقين بأن يحددوا للناس ويبينوا لهم حدود القرآن والأفعال التي أمر الله بفعلها وهي الفرائض والأفعال التي أمر الله باجتنابها وتركها وهي المحرمات. ويجب أن تشرع أحكام القرأن في قوانين وضعية في البلدان الإسلامية تطبقها السلطة الإسلامية بعدل وبصرامة لأن أغلبية المسلمين أمية لا تفهم القرآن. فلا يجوز شرعا أن تكون القوانين الوضعية في بلاد الإسلام مخالفة لأحكام القرآن أبدا، لآته الدستور الأسمى للدولة الإسلامية.

وفي إطار خاتمة هذا البحث أوجه نداء صادقا لكل إنسان بالعالم وكل شعوب إفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا فأقول لهم بأن القرآن صدق وحق ومنزل لكم جميعا لتلتزموا بحدوده لأن الله تعالى نسخ به الثوراة والإنجيل. وقد بينت الأدلة القاطعة على ذلك. وللمزيد أحيلكم على بحث نشرته بموقعي المذكور بالأنترنت حول موضوع «أدلة بطلان صلاحية الثوراة والإنجيل بالقرآن وأحكام الكفر والإيمان». وسوف يحاسبكم الله تعالى عن موقفكم من القرآن بعد البعث في الآخرة، فآمنوا منذ الآن بالقرآن والتزموا بأحكامه وحدوده قولا وعملا سرا وعلانية حتى الموت لتفوزوا بسعادة الدنيا وبالحياة الدائمة في سعادة الجنة بالآخرة، وإذا أعرضتم عن القرآن وخالفتم حدوده فإنكم معرضون لعذاب الله تعالى المؤجل بالدنيا والعذاب الدائم في جهنم بالآخرة.

فلا تضيعوا أيها الناس في كل مكان بالعالم فرصة امتحان وابتلاء واختبار الحياة الدنيا المؤقتة الذي مادته القرآن، لأن الندم لا ينفع في الآخرة يوم الحساب بعد البعث ولأن الله تعالى لا يجامل ولا يظلم أبدا بل يجازي كل إنسان حسب أعماله التي عملها في الدنيا قبل الموت. والدليل الجاثية 28 – 29 «اليوم تجزون ما كنتم تعملون. هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون» والإسراء 13 – 14 «وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه و نخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا». والسلام على من اتبع الهدى والحمد لله رب العالمين.

Copyright 2024, All Rights Reserved