أحكام الابتلاء في القرآن – الفصل الأول

 الدار البيضاء في 13 ربيع الأول 1444 موافق 29/09/2023

 

موضـــــــــــوع البحــــث

أحكـــــــام الابتـــــــــلاء فـــــي القــــــرآن

الفصل الأول

 

بحث أعده الرحلي أحمد 

من هيئة التدريس بالتعليم العالي 

بالدار البيضاء سابقا متقاعد .                                                    

الموقع بالانترنيت                        www.erahliahmed.com  

الهاتف : 06.28.28.99.11

 

المقدمة :

ابتلاء الإنسان معناه اختباره و امتحانه بوقائع معينة لإخراج أضغانه و معتقداته السرية في داخل نفسه و رد فعله إزاء هذه الوقائع لمعرفة هل هو مؤمن حقا آوکافر أو منافق، الله تعالى يبتلي الإنسان لأنه صاحب. القضاء والقدر والحكم المطلق في  الكون كله كما فرض الله تعالى على السلطة الإسلامية والمسلمين ابتلاء الناس في البلاد الإسلامية وهي دار الإسلام ليعلموا المسلمين الصادقين والكفار والمنافقين، والدليل الممتحنة 10 ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ۖ ” و النساء 6 ” وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۖ ” 

ومن الأدلة على أن الابتلاء ظاهرة خلقها الله تعالي مع خلقه الإنسان سورة الإنسان 2-3  ” إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا” و جعل الله تعالى مادة هذا الابتلاء شرائعه التي أنزلها للناس و ناسخها كلها . القرآن الذي هو أمر الله تعالى المنزل لكافة الناس في العالم من أطاع الله تعالى والتزم بحدود القرآن يفوز في الابتلاء وينعم بسعادة الدنيا والآخرة وبرحمة الله تعالى ومن عصا الله تعالى ولم يلتزم بحدود القرآن يخسر في ابتلاء الدنيا جزاؤه عذاب الله تعالى في الدنيا والآخرة . 

 وأول ابتلاء للإنسان حصل لآدم وزوجته في الجنة حيث أمرهما الله تعالى بعدم الأكل من شجرة معينة فأغواهما الشيطان. والنفس الأمارة بالسوء فأكلا من الشجرة عصيانا لأمر الله تعالى ، وبذلك خسر آدم وزوجته في ابتلاء الله تعالى فأنزلهما مع الشيطان وزوجته الشيطانة إلى أرض الدنيا في إطار ابتلاء ثاني لهما ولذريتهما التي نحن منها إلى أن تقوم الساعة النهائية. والدليل البقرة  38-39 ” قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” و الهدى هو شرع الله الذي ينزله الله تعالى  والقرآن ناسخ هذه الشرائع كلها ومنها التوراة و الإنجيل ، لهذا القرآن هو مادة ابتلاء الناس كافة في العالم. ومن الأدلة الكهف 7 “إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا” والأنعام 165 ” وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ”  وهود 7 ” وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۗ” . فالماء هو أساس الحياة والله تعالى هو الذي يخلقه ويتصرف ويتحكم في حركته . لهذا يستعمله في ابتلاء البشر. والبقرة 155 ” وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ” ، ومعنى الصابرين في الآية المستمرون في التقوى رغم الظروف السيئة والابتلاء .

والابتلاء من الله تعالى يكون للامتحان و الاختبار لإظهار الكفار والمنافقين ويكون للإقناع والعقاب  عن السيئات وللرحمة عن التقوى،  و يكون  الابتلاء بالشر والخير و المرض والصحة والفقر والغنى والدليل الأنعام 165 التي ذكرتها والأنبياء 135 ” وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ”.

وأهمية هذه الدراسة حول الابتلاء  وأحكامه في القرآن منها تحفيز الناس وتوجيههم لملاحظة ابتلاء الناس وآثاره بموضوعية وجدية ليستخلصوا الدروس والعبر وليستفيدوا منها و يتحكموا في الهوى والنفس الأمارة بالسوء ويضبطوها بلجام العقل القرائي ليكونوا في صراط الله تعالى المستقيم . وسوف أتناول هذا البحث في ثلاثة فصول بالتدريج أولها الفصل الأول: مشروعية الابتلاء. ويشتمل على ثلاثة مباحث .

الفصل الأول : مشروعية الابتلاء

مشروعية الشيء هي الدلالة على صحته ومطابقته للقانون والعدل والحق والصواب. ومشروعية الابتلاء هي بيان الأدلة الشرعية الدالة على الحق في الابتلاء والهدف منه. ولتأكيد مشروعية الابتلاء ، سأبينها في ثلاثة مباحث الأول أبين فيه الأدلة على أن الابتلاء حق الله تعالى ومن قضائه وقدره المطلق العادل . وفي المبحث الثاني أبين الأدلة على أن الله تعالى يتحكم في جسم الإنسان ويبتليه بما يشاء. وفي المبحث الثالث أتعرض للهدف الأساسي الشرعي من الابتلاء.

المبحث الأول : الابتلاء حق الله تعالى ومن قضائه وقدره

 في الفقرة الأولى من هذا المبحث أعرف بالله تعالى تعريفا موجزا لأن الأمر يتعلق بحقه سبحانه وتعالى في الابتلاء . والفقرة الثانية أبين فيها الأدلة الدالة على أن قضاء الله تعالى وقدره المطلق في الكون هو أساس مشروعية الابتلاء من الله تعالى . و في الفقرة الثالثة أبين عدل الله تعالى في الابتلاء . 

الفقرة الأولى: تعريف موجز بالله تعالى

المائدة التي نضع فوقها الطعام لم توجد صدفة بل صنعها النجار والكون الذي نعيش فيه وما فيه من مخلوقات حية وغير حية ومنها نحن البشر لم يوجد صدفة بل خلقه خالق وصنعه صانع وحيد هو الله تعالى الذي سمى نفسه بهذا الاسم الجليل والعظيم. 

الله تعالى  سابق في الوجود وهو قادر على خلق ما يريد  و إنهاء خلق ما يشاء والدليل إبراهيم 19 ” أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۚ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ” و المائدة 17 ” لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ۗ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”  و لو شاء الله لأنهى كل ما خلق و يبقى وحده في الوجود بذاته العظيمة  التي هي فوق الكون كله و هي فوق السماء السابعة . 

الله تعالى يدبر أمر الكون ويتصرف فيه مباشرة وبواسطة جنوده وملائكته. ويراقب الكون وما فيه ويعلم أقوال وأعمال كل إنسان في الكون وفي كل زمان ومكان باستمرار بسمعه وبصره وعلمه وتصرفه. وسأذكر الآيات القرآنية الدالة على هذه الحقائق وآيات الله تعالى في الكون والنفس البشرية الدالة على وجوده وصدق القرآن لقوله تعالى في سورة فصلت 53″ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ” وهذه الآيات. سأذكرها فيما بعد.

وأتعرض للآيات القرآنية الدالة على وجود الله تعالى وحقه في الابتلاء و منها الأنعام 3 

” وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ ۖ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ” والزخرف 84 ” وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَٰهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَٰهٌ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ” هذه الآية تدل على أن حكم الله تعالى المطلق وتصرفه يشمل الكون كله وما فيه تؤيد ذلك سورة مريم 65 ” رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ” وسورة الحديد  3 غافر 12 القصص 88 القصص 70 و الله  تعالى بذاته العظيمة أكبر من الكون كله وما فيه ليس كمثله شيء والدليل الشورى 11 ” فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا ۖ يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ ۚ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ”  لهذا لا يوجد  من هم أكبر وأعلى وأقوى من الله تعالى، لهذا قال الله تعالى في سورة العنكبوت 22 ” وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ۖ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ”  والمائدة 17 ” لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ۗ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ”  و الطلاق 12 ” اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا”  و الإسراء 99 ” أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَّا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا” .

الله تعالى بذاته العظيمة فوق السماء السابعة ، والدليل  الملك 16 ” أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ” و الملك 17 ” أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ۖ فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ ” و البقرة 255 ” اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ ” البقرة 255 ” وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ” كلمة وسع كرسيه في الآية تدل على أن كرسي الله تعالى أكبر من الكون كله الذي فيه  سبع سماوات وسبع أراضي و الشمس والقمر و باقي مخلوقات الله تعالى  و تؤيد هذه الحقيقة آيات أخرى منها الزمر 67 ” وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ”             و الأنبياء 104  ” يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ۚ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ۚ وَعْدًا عَلَيْنَا ۚ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ”  والله تعالى هو الذي خلق الكون وما فيه ومنه البشر حيث خلق آدم من تراب ومنه خلق زوجته حواء و منهما خلق الله  ذريتهما ونحن منها . والله تعالی يميت الناس ثم يحييهم بعد البعث للحساب في الآخرة عن أقوال و أعمال الدنيا ونيل الجزاء المستحق و من الأدلة الكثيرة  الروم 40 ” اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ۖ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُم مِّن شَيْءٍ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ” و الجاتية  26″ قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ” و البقرة 28 ” كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ” و الحديد 1-2 ” سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ”  والحديد 4 ” وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ”  الله تعالى بذاته العظيمة فوق السماء السابعة و فوق الكون كله يدبر أمر الكون باستمرار فلا ينزل لكن يكون مع الناس بذاته العظيمة أينما كانوا و لكن يكون مع الإنسان في الدنيا وفي الآخرة بسمعه حيث يسمع أقواله و ببصره  حيث يرى أعماله وبعلمه حيث يعلم ما تسر وما تعلى كل نفس الله تعالى مع کل إنسان في الكون كله بتصرفه حيث يتصرف في جسم كل إنسان كما يشاء و الله تعالى قادر على أن يكلم الإنسان بالوحي أو مباشرة من وراء حجاب . و الدليل الشورى 51 ” وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ”” من الأدلة على تصرف الله تعالى في جسم الإنسان كيف يشاء الحاقة 43-47 ” تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ” لا أحد أبدا يستطيع منع تصرف الله تعالى في أي مجال هذه الآية تهديد وتحذير من الله تعالى لكي لا يحرف أو يغير القرآن. لهذا كل حديث مخالف لنص في القرآن غير مشروع ومرفوض شرعا. وتؤيد هذا الحكم الشرعي في الحاقة سورة الليل 5-10 ” فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ” والطلاق 2-3 ” وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا”   

ومن الأدلة الشرعية على أن الله تعالى مع كل إنسان في الدنيا كلها وفي الآخرة كلها في كل زمان ومكان البقرة 115 ” وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ” و البقرة 77 ” أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ”  و البقرة 284 ” لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ۖ ” فعبارة وجه الله  في البقرة 115 لا تدل على أن الله تعالى ينزل من فوق السماء السابعة إلى أرض الدنيا ولكن تدل على أن حكم الله تعالى وتصرفه المباشر في الكون و ما فيه وهو مستوي على العرش فوق السماء السابعة بذاته العظيمة يتحقق ويتجلى في كل زمان ومكان في الدنيا والآخرة باستمرار  ويتصرف الله تعالى في الكون كله أيضا بواسطة ملائكته وجنوده سواء في الدنيا و الآخرة.

فاعلموا أیها الناس أننا جميعا خاضعون لقضاء الله تعالى وقدره وتصرفه وحكمه في كل زمان ومكان. ومن الأدلة: الأنعام 62 ” ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ۚ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ” و يوسف 67 ” إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۖ ” و يوسف 40 ” إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ” و هود 123 ” وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ” وهذا ما يؤكد حق الله تعالى المطلق في ابتلاء الناس.

 

الفقرة الثانية : قضاء الله تعالى وقدره في الكون أساس شرعية الابتلاء 

الله تعالى خالق الكون وما فيه ومالك الكون وما فيه سورة الناس”قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَٰهِ النَّاسِ مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ، والله صاحب النعم والفضل والإحسان على الكون كله وما فيه، وهو وحده المدبر لأمر الكون وما فيه ويتصرف في النفس البشرية وغيرها كيف يشاء ، والله تعالى هو الحاكم الفعلي في الكون و لا شريك لله تعالى في قضائه و قدره و حكمه و تصرفه و الله تعالى من حقه ابتلاء الناس بالخير و الشر إقناعا أو امتحانا أو عقابا أو رحمة.

و الابتلاء ظاهرة خلقها الله تعالى مع خلق الإنسان : و الدليل سورة الإنسان 2-3 ” إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا” و سورة البلد 10 ” وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ”و سورة الشمس 7-10 ” وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا” القرآن يبين فيه الله تعالى الأحكام الشرعية التي تبين للإنسان طريق الفجور و طريق الخير و طريق السعادة و الفوز و طريق الشقاء و الخسارة و العذاب. و ترك الله تعالى للإنسان حرية إتباع الطريق الذي يريده  في إطار ابتلائه في الدنيا.

فمن أطاع أمر الله تعالى و هو القرآن نجح في الابتلاء و فاز برحمة الله و سعادة الجنة الخالدة و من خالف أمر الله تعالى خسر في الابتلاء و نال عذاب الله تعالى و الشقاء الدائم في جهنم. و تؤكد هذه الحقيقة سورة البقرة 38-39 ” قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” . فمدلول هاتين الآيتين يؤكد لنا أن الله تعالى خلق الابتلاء منذ خلق آدم و زوجنه حواء في الجنة و اتخذ الله تعالى الابتلاء وسيلة دائمة و أساسية لإظهار ما في نفس كل إنسان و ما يخفي و ما يعتقد و هل يتغلب على نفسه الأمارة بالسوء و يتبع الحق أم ينهزم أمامها و يتبع هواه و شهواته بصفة غير شرعية . فأول ابتلاء و امتحان من الله تعالى هو ابتلاء آدم و حواء بعدم الأكل من شجرة  فغلبتهما نفسهما  الأمارة بالسوء و إغواء الشيطان فأكلا من الشجرة و عصيا أمر الله تعالى لهذا قرر الله تعالى إنزالهما مع الشيطان و زوجته الشيطانة إلى الأرض الدنيا في إطار ابتلاء ثاني لاختيار من يعود إلى الجنة و يستحقها إذا فاز و نجح في ابتلاء الدنيا  و هو طاعة الله و الالتزام بشرائعه المنزلة على رسله و ناسخها القرآن. أما الذين عصوا الله في الدنيا من ذرية آدم و حواء و نحن جميعا منها فإنهم خاسرون في الابتلاء و مصيرهم عذاب الله في الدنيا و جهنم و شقاؤها في الآخرة.

فاعلم أيها الإنسان انك في حالة ابتلاء و امتحان منذ بلوغك سن التكليف الشرعي حتى الموت. و الله تعالى هو الذي يحاسب الناس جميعا و يقرر لهم الجزاء حسب نتيجة هذا الابتلاء و الامتحان. الحياة الحقيقية الدائمة و الخالدة و الأبدية التي لأموت بعدها أبدا في الدار الآخرة بعد البعث . أما الحياة في الدنيا فإنها ليست حياة حقيقية و هي مؤقتة و لكن الحياة الدائمة و الأبدية في الآخرة على نوعين . و ابتلاء الدنيا هو الذي يحدد للإنسان نوع حياته الدائمة في الآخرة. إذا أطاع الله تعالى و  التزم بحدود القرآن حتى الموت يفوز بالحياة الدائمة في سعادة الجنة و إذا عصى أمر الله تعالى و أعرض عن القرآن فقد فشل في ابتلاء الدنيا و امتحانها و مصيره الحياة الدائمة في شقاء و عذاب جهنم.

لهذا فإن قضاء الله تعالى و قدره المطلق في الكون أساس شرعية حق الله تعالى في الابتلاء. و لتأكيد هذه الشرعية أبين كذلك بعض الآيات الدالة على قضاء الله و قدره في الكون و ما فيه. و هي أيضا أدلة على حق الله تعالى في ابتلاء البشر في الدنيا و الآخرة.هذه الآيات أبينها في نقطتين : أولا استخلاف الله تعالى  الإنسان في الدنيا من أسس شرعية الابتلاء . 

ثانيا : ضرورات الحياة البشرية خاضعة لمشيئة الله تعالى يستعملها في الابتلاء. 

 

أولا:استخلاف الله تعالى  الإنسان في الدنيا من أسس شرعية الابتلاء

الله تعالى بذاته العظيمة التي هي فوق الكون كله لم يخلقه أحد بل هو الذي خلق الكون و ما فيه و منه البشر و هو الذي يدبر أمور الكون كله و ما فيه. ليس كمثله شيء و ليس فوقه شيء و لا غالب له بل قضاؤه و قدره و تصرفه في الكون و ما فيه مطلق و لا يعجزه شيء أبدا. لهذا يخلق الله تعالى ما يشاء و ينهي خلق ما يشاء و هو فعال لما يريد.

خلق الله تعالى آدم من تراب في الجنة و منه خلق زوجته حواء و الدليل ص 71-72 ” إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ” و لما عصى آدم و زوجته الله تعالى حيث أكلا من شجرة أمرهم بعدم الأكل منها أنزلهما مع الشيطان و زوجته الشيطانة إلى الأرض الدنيا و من آدم و زوجته خلق الله تعالى ذريتهما التي نحن منها و الدليل الطارق 5-8 ” فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ” و الإنسان 2 ” إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا” و سورة المؤمنون 12-16 ” وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ  ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ” .

خلق الله تعالى الإنسان و استخلفه في الأرض الدنيا لأعمارها و لعبادته. و كل المخلوقات الأخرى مثل الملائكة و الجن و غيرها تعبد الله تعالى باستثناء الكفار و الشياطين و الدليل سورة البقرة 30 ” وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ ” و قول الله تعالى على لسان نبيه صالح في سورة هود 61 ” اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا” و الذاريات 56 ” وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” و لهذا من فرائض الإسلام عبادة الله تعالى أي الالتزام بحدود القرآن الذي نسخ الشرائع السابقة كلها بأمر من الله تعالى و قضائه و قدره. و من فرائض الإسلام أيضا العمل الحلال للكسب من فضل الله تعالى و رزقه و أعمار الأرض و تكوين القوة الضرورية للدفاع عن الإسلام و دار الإسلام و المسلمين في مواجهة أعداء الله تعالى و أعداء المسلمين و هم الكفار و المنافقون و سأتعرض لهذه المسألة فيما بعد.

المهم أن الله تعالى خلق الكون و ما فيه و منه البشر و من قضاء الله و قدره أنه قادر على إنهاء خلق الإنسان و غيره فيخلق ما يشاء و يبقى وحده في الوجود و الدليل فاطر 15-17 ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ” هذا حق مطلق لله تعالى في الكون الذي خلقه و خلق ما فيه و منه البشر و يملكه و يتصرف فيه. و من بين ما يملك الله تعالى الإنسان و لهذا سأتعرض لبعض الآيات الدالة على أن الله تعالى يملك الكون و ما فيه و منها سورة الناس 1-3 ” قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَٰهِ النَّاسِ” هذا دليل على ان كل إنسان في الكون ملك الله تعالى وحده و المالك من حقه التصرف المشروع في ما يملك شرعا. و من الأدلة الآيات التالية: المائدة 18 ” وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۖ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ” و المائدة 17 ” لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ۗ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” و المائدة 120 ” لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” أليس الإنسان من ضمن ما في السماوات و الأرض . إنك أيها الإنسان في كل زمان و مكان من بين ما يملك الله تعالى و هذا من أسس شرعية ابتلاء الله تعالى  للناس لامتحانهم أو إقناعهم أو معاقبتهم  عن ظلمهم . و الإنسان يتصرف في ملك الله تعالى على سبيل النيابة و الاستخلاف المؤقت لأنه ميت حتما و لا يمكن أن يحمل معه عقاراته و منقولاته و أمواله إلى القبر بل يرافقه كتاب أعماله الذي يحاسب به أمام الله تعالى بعد البعث في الآخرة. 

من الأدلة على الملكية بالنيابة الحديد 7 ”  آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ” و النور 33 ” وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ۚ ” و الأنعام 165 ” وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ ”  الله تعالى يرزق الناس من ملكه ليمتحنهم هل يلتزمون بحدود القرآن أم يعرضون عنها و يستكبرون و يطغون و الدليل يس 71 ” أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ ” و النساء 53 “أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَّا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا” الملك هو ما خلق الله تعالى من رزق. فالناس يملكون ما يملك الله تعالى على سبيل الاستعمال و الانتفاع و النيابة. و الملك في الأصل لله الواحد القهار و يستخلف فيه من يشاء . و الدليل آل عمران 26 ” قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” فطبقا لهذه الآية و ما يؤيدها من آيات أخرى في القرآن كل ما في الكون الذي خلقه الله تعالى ملك لله تعالى يؤتي منه ما يشاء و لمن يشاء ، و هو قادر على نزع ملكه ممن يشاء ابتلاء له، و لا يعني ذلك ملك الناس لأنهم ملك لله وحده دون سواه و الدليل سورة الناس المذكورة سابقا طه  120″ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ” و الإسراء 111 ” وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ” فالملك الذي يؤتيه الله الناس على سبيل النيابة و الاستخلاف هو الرزق و يتصرف فيه كيف يشاء و في إطار ابتلاء الناس و الدليل الإسراء 30 ” إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا” و الشورى 27 ” وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ” و من الأدلة على أن ما عند الناس من رزق و ملك لله تعالى في الأصل يملكونه بالنيابة و الاستخلاف المؤقت النساء 54 ” أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا” أي رزقا كثيرا من العقارات و المنقولات و الأموال . و قال الله تعالى عن متاع الجنة و ما فيها من رزق و هو أحسن مما في الدنيا كما و كيف في سورة الإنسان 20 ” وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا” فالملك و هو الرزق في الدنيا و الآخرة ملك مطلق لله تعالى يتصرف فيه كيف يشاء و يبتلي به من يشاء. و أنهى هذه النقطة الأولى حول شرعية الابتلاء بتوضيح الأدلة على أن مسؤولية الإنسان عن أقواله و أعماله في الدنيا و مراقبة الله تعالى لها تبرر ابتلاء الله تعالى للناس و ابتلاء المسلمين أيضا للناس لأهداف شرعية سأبينها فيما بعد.

لقد انعم الله تعالى على آدم و زوجته حيث خلقهما في الجنة و ما فيها من نعيم و رزق كثير و سعادة مطلقة و لكن فشلا في الامتحان الذي امتحنهم به الله تعالى حيث عصيا أمر الله تعالى لهذا حرمهما من نعيم الجنة و انزلهما مع الشيطان و زوجته إلى الأرض الدنيا و أكد لآدم و حواء بأنه سيمتحنهما  و ذريتهما و نحن منها بابتلاء و امتحان ثاني في الحياة الدنيا و من ينجح في الابتلاء أي يطيع أمر الله تعالى المنزل للناس و هو شرائعه و ناسخها القرآن هو الذي يعود إلى سعادة الجنة و نعيمها و من فشل و خسر في الابتلاء و هو من يعرض عن أمر الله تعالى يعود إلى عذاب جهنم و شقائها الدائم.

لهذا فكل إنسان و في كل زمان و مكان مسؤول عن أقواله و أعماله أمام الله تعالى و يسجلها الملائكة في كتاب أعماله و يحاسب عنها أمام الله تعالى و ملائكته في الآخرة و ينال الجزاء الذي يستحقه، و من الأدلة الأنبياء 94 ” فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ” و الطور 21 ” ۚ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ” و المدثر 38 ” كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ”.

الله تعالى يراقب أعمال الناس باستمرار و يجازيهم عنها هناك أدلة كثيرة و أبين بعضا منها احتراما لوحدة الموضوع هناك مثلا الأعراف 129 ” ۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ”  و يونس 14 ” ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ”  و الملائكة تسجل أعمال و أقوال كل إنسان في كتاب أعماله الذي يحاسب به. و الدليل الانفطار 10-12 ” وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ” والزخرف 80 ” أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم ۚ بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ”.

الله تعالى يعلم ما تسر و ما تعلن كل نفس و في كل زمان و مكان و باستمرار و هناك آيات كثيرة دالة على ذلك منها البقرة 77 ” أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ” و البقرة 284 ”  وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهَ “.

استخلاف الله تعالى للإنسان في الدنيا برره ابتلاء الله تعالى الثاني لآدم و زوجته حواء في أرض الدنيا لقوله تعالى في البقرة 38-39 ” قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” و القرآن مادة ابتلاء الله للناس كافة في العالم لأنه نسخ الشرائع السابقة و منها الثورات و الإنجيل و من الأدلة على ذلك الطلاق 5 ” ذَٰلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ ۚ”  و محمد 2 ” وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۙ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ” و المائدة 15-16 ” يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚقَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ”

الله تعالى يعلم من هو مؤمن و من هو كافر و من هو منافق من الناس في العالم كافة و في كل زمان و مكان و باستمرار، لهذا يبتلي الإنسان ليظهر أضغانه  و معتقداته للملائكة و للمسلمين و لإقناعه لكي يؤمن و يعود إلى دين الله تعالى الحق و هو الإسلام.

إن علم الله تعالى بأعمال الإنسان ثابت بدقة و بصدق لأن الله تعالى يشهد على أعمال الإنسان و من الأدلة يونس 61 ” لَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ۚ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ” و ق 16-18 ” وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ” و التوبة 78 ” أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ” و الزخرف 80 ” أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم ۚ بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ”.

و أعضاء الإنسان هي أيضا تشهد أمام الله تعالى عن أعمال و أقوال الإنسان لقوله تعالى قي النور 24 ” يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” و يس 65 ” الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ” و فصلت 20 ” حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” و فصلت 21 ” وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ”. 

لقد بينت هذه الآيات وأطلت فيها نظرا لأهميتها. فاعلم أيها الإنسان في كل زمان ومكان أن أعمالك وأقوالك  مسجلة   في كتاب أعمالك وتحاسب عليها وتنال الجزاء المقابل لها. ويشهد عليها ثلاثة شهود هم الله تعالى وملائكته وأعضاء جسمك. وقد بينت الآيات الدالة على هذه الحقيقة الشرعية. وأضيف إليها سورة النساء 108 ” يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ” المجادلة 7 ” مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ”  وطبعا كما بينت سابقا الله بذاته العظيمة فوق السماء السابعة وفوق الكون كله. لهذا فالله تعالى مع كل إنسان وفي كل زمان ومكان بسمعه وببصره وعلمه وتصرفه وكلامه حيث يكلم من يشاء وهو فوق السماء السابعة.

 

ثانيا : يستعمل الله تعالى ضرورات الحياة البشرية الخاضعة لمشيئته في الابتلاء.

هناك حقيقة علمية وطبية مؤكدة في الواقع وهي أن المخلوقات الحية ومنها الإنسان تتوقف حياتها وحركتها ووجودها على الطاقة التي تستمدها من مصادر الطعام والماء والهواء. الله تعالى هو الذي يتحكم في خلق ضرورات الحياة البشرية . إن شاء خلقها ووفرها وإن شاء لا يخلقها وقد يتلفها ويمنعها عقابا أو ابتلاء للإنسان لعله يتوب ويؤمن ويتقي الله تعالى. وسأبين أدلة خلق الله تعالى لضرورات الحياة البشرية ثم أدلة إتلاف الله تعالى لها إن شاء.

بالنسبة لخلق مصادر طعام الإنسان فإن الله تعالى يخلق ضرورات الحياة البشرية بالماء. والدليل هو سورة هود7 ” وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۗ ” والأنبياء 30 ” وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ” و لقمان 10 ” وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ” والسجدة 27″ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ ۖ أَفَلَا يُبْصِرُونَ” والنحل 10-11 ” هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ۖ لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ ۗ “وغافر 13 ” هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقًا ۚ وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ” والداريات 22 ” وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ” والملك 21″ أَمَّنْ هَٰذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ ۚ ” وفاطر 3 ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ” والشورى 19 ” اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ” والزمر 21 ” أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ” والشورى 28 ” وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ”.

الله تعالى هو الذي يخلق مصادر طعام الإنسان التي بدونها وبدون الماء تموت كل الكائنات الحية ومنها الإنسان. ومن الأدلة سورة البقرة 22″ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ” والمائدة 88 ” وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ” و سبإ 15 ” ۖ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ ۚ ” ولله تعلى  في السموات خزائن من كل ما يرزق به الله تعالى مخلوقاته ومنها الإنسان. والدليل سورة الحجر 21 ” وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ” والمنافقون 7 ” وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ” والأعراف 96 ” وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ” ولكن عمل الإنسان الحلال فريضة إسلامية وضرورة مطلقة شرعية لكي يحصل الإنسان على ضرورات حياته. فالذي لا يأكل الطعام لمدة معينة لا يستطيع أداء الصلاة بل يموت. لهذا فالعمل الحلال لكسب القوت أول فريضة إسلامية. الله تعالى يوفر الرزق لمخلوقاته الحية ومنها الإنسان. ولكن لا بد من العمل الحلال للكسب من رزق الله تعالى. فالطائر يموت جوعا إذا بقي في عشه. بل لا بد أن يطير ويبحث عن مصادر طعامه التي خلقها الله تعالى .

لهذا أمر الله تعالى بالعمل الحلال للكسب من رزقه، ومن الأدلة: سورة الجمعة 10 فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ  ” والتوبة 105 ” وَقُلِ اعْمَلُوا” والأنفال 60 ” وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ” هذا أمر من الله تعالى للمسلمين بإعداد القوة للدفاع عن المسلمين وعلى دين الله الحق الإسلام في مواجهة أعداء الله تعالى وأعدائهم. ولا يتحقق ذلك إلا بالعمل الحلال المستمر.

ومن الأدلة على وجوب العمل للكسب من رزق الله تعلى سورة يس 35 ” ليأكلوا م ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون” والروم 23 ” وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ” والإسراء 12 ” وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ” فالابتغاء من فضل الله تعالى لا يكون بالقول بل لا بد من العمل الحلال للكسب من رزق الله تعالى الذي يخلقه لعباده ، ومن الأدلة سورة المزمل 20 ” وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ” هذه الآية تأكيد للآيات السابقة. فالابتغاء من فضل الله تعالى يتحقق بالعمل الحلال. والإسراء 66 ” رَّبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا”

الله تعالى صاحب الفضل والإحسان  والنعم على الكون وما فيه ومنه الإنسان، وهو الذي يخلق ضرورات الحياة البشرية ويتحكم فيها. ومن الأدلة سورة يونس 60″إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ” والبقرة 29 ” هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا” والإسراء 70 ” وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا” ولقمان 20 ” أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ ” وإبراهيم 34 ” وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ ” والنحل 18 ” وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ” وهود 6 ” وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا ۚ كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ” هذا دليل قاطع على أن الله تعالى هو الذي يخلق مصادر رزق المخلوقات الحية ومنها الإنسان.

لهذا قال الله تعالى في سورة الملك 21 ” أَمَّنْ هَٰذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ ۚ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ” والنمل 73 ” وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ” العنكبوت 17 ” ومن ضروريات الحياة البشرية الهواء. فإذا لم تستنشق المخلوقات الحية الهواء فإنها تموت حتما. والله تعالى هو الذي خلق الهواء وهو الريح ويتحكم في حركته وإن شاء الله تعالى أوقف حركته فتموت المخلوقات الحية لأنها لم تستنشق الهواء. والدليل سورة الشورى 33 ” إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ” والهواء هو أساس حياة وحركة الإنسان، ووسائل نقل وحركة الإنسان تتوقف حركتها وعملها على الهواء. فالسيارة لا تشتغل ولا تتحرك إذا لم تتوفر على مصفي الهواء في محركها. والطائرة لا تطير إلا بفضل الهواء والزوارق الشراعية لا تتحرك في البحر إلا بفضل الريح. والسفينة هي أيضا لا تتحرك في البحر إلا بفضل الهواء الذي يصل إلى محركها حيث يمكن الوقود من الاشتعال وعمل المحرك الذي يدفع السفينة .فأحمد الله تعالى وأشكره أيها الراكب في طائرة  لو منع عنها الله تعالى الريح وجعلها ساكنة تسقط في البر أو البحر فيموت كل من فيها.

وهناك ضرورة أساسية من ضرورات الحياة البشرية وهي الروح التي بها يحيى الإنسان ويتحرك وبدونها يموت ويزول من الوجود مؤقتا الروح نفخة من روح الله تعلى ينفخها في فرج الأم عندما يبلغ  الجنين مدة أربعة أشهر. وتدخل الروح من فم الجنين إلى رئته فيشتغل قلبه الذي يحرك الدورة الدموية فتبدأ الحياة في الجنين. ومن الأدلة سورة الحجر 28-29″ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ” و سورة ص 71-72 ” إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ” وطبعا كل نفس وكل إنسان أنثى  وذكر يموت حتما في هذه الدنيا طبقا للأجل الذي حدده له الله تعالى. والدليل سورة آل عمران 145 “وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا ۗ ” والسجدة 11″ قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ” وآل عمران 185″ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ ” .فهل تعلم أيها الإنسان الأجل الذي حدده الله تعالى في الكتاب لموتك وهل تعلم متى سيقبض ملك الموت الروح من جسدك؟، استعد أيها الإنسان لمغادرة الدنيا للحساب في الآخرة والجزاء في كل زمان ومكان. فليس هناك إنسان يخلد في الدنيا نهائيا، والله تعالى قادر على أن يعيد الروح للميت في الدنيا إن شاء، والدليل سورة البقرة 55-56 ” وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُون ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ” البقرة 243 ” أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ۚ ” وسورة البقرة 72-73 ” وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ۖ وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ۚ كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ” هذه مجرد أمثلة والله أعلم بالأرواح التي أعادها إلى الأموات في الدنيا من دون أصحاب القبور الذين يبعثهم الله تعالى.

إذن فالروح من ضرورات الحياة البشرية مثل مصادر الطعام والماء والهواء يستعملهما الله في الابتلاء الذي هو حق شرعي له سبحانه وتعالى.

وفيما يلي أبين الأدلة الدالة على أن من مشيئة الله تعالى وقضائه وقدره إتلاف مصادر طعام الإنسان أو عدم خلقها أصلا، عقابا للإنسان أو ابتلاء له وإنذارا له لعله يؤمن ويتقي.

وأول دليل ما جاء في سورة النحل 112 وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ” لم يظلم الله تعالى هذه القرية بل رزقها الله تعالى كل ما تحتاج إليه. ولكن لما كفرت بالله تعالى و بشرعه المنزل إليها لتلتزم به عاقبها الله تعالى بحرمانها من مصادر الطعام لتجويعها ومعاقبتها. وهذا ابتلاء من الله تعلى على شكل عقاب. يتحكم الله في مصادر طعام الإنسان كيف يشاء وتؤكد ذلك عدة آيات منها سورة الشورى 27″وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ” والزمر 21 ” أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ” والشورى 12 ” لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ”.وسورة القلم 17-20 “إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ” والروم 51 “وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَّظَلُّوا مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ” والروم 37 ” أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ” وفاطر 2 ” مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ”

إذا خلق الله تعالى مصادر الطعام والماء للناس لا يستطيع أحد من الإنس والجن والملائكة وغيرهم منع رزق الله تعالى. وإذا أمسك الله تعالى رزقه ورحمته عن الناس فلا أحد يستطيع توفير مصادر الطعام والماء والهواء للناس إلا الله تعالى. 

إذا منع الله نزول المطر تموت مصادر طعام الإنسان وتموت الكائنات الحية ومنها الإنسان والله تعالى قادر على إتلاف الماء الموجود في الدنيا والدليل سورة الحج 45 ” فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ” والله تعالى يعطل كذلك مياه الأمطار والعيون المائية حيث تبتلعها الأرض ولا يستطيع الإنسان الوصول إليها. كما أن مياه البحار قد يأمر الله تعالى الأرض فتبتلعها كلها ولا يجد الإنسان الماء فيموت الناس بسبب الجوع والعطش. والهواء الذي يعيش به الإنسان والكائنات الحية الأخرى خاضع لمشيئة الله تعالى إن شاء جعله راكدا أولا يخلقه فتموت الكائنات الحية وقد ذكرت الآية الدالة على ذلك سابقا.

الله تعالى يتحكم في مصادر طعام الإنسان وفي أساس حياته لأن الماء الذي يخلقها يتحكم في وجوده وعدمه الله تعالى. وهناك آيات دالة على هذه الحقيقة منها المؤمنون 18 ” وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ ۖ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ ” والكهف 41 ” أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا” ،و الملك 30 ” قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاءٍ مَّعِينٍ”  والواقعة 68 – 70 ” أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ” فالماء من بركات الله تعالى في السموات والأرض ومن خزائن الله تعالى في السموات. والدليل الأعراف 96 ” وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ” و الأنفال 53 و الرعد 11، والإسراء 100 ” قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا” والملك 21 ” أَمَّنْ هَٰذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ ۚ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ” و فاطر 3 ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ۚ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ”

لهذا فإن ضرورات الحياة البشرية والتي بدونها يموت الإنسان خاضعة لمشيئة الله تعالى يستعملها في العقاب والابتلاء والرحمة، ويؤيد ذلك ما جاء في آيات كثيرة منها الكهف 42-44 ” وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ ۚ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا” والطور 37 ” أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ” والواقعة 64-65 ” أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَأ َأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا” والبقرة 266 ” أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ” وآل عمران 117 “مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هَٰذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ ۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَٰكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ “. الله تعالى عادل عدلا مطلقا فلا يتلف مصادر طعام الإنسان إلا إذا عصى الله تعالى وأعرض عن القرآن. وتؤيد ذلك عدة آيات منها الفجر 15-20 ” فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ” وسورة النحل 112 ” التي سبق ذكرها والحديد 20 ” كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ ” والحجر 21 وقد سبق ذكرها و فيها ” وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ” وهذا من الأدلة القاطعة على أن مصادر طعام الإنسان وهي من ضرورات الحياة البشرية خاضعة لمشيئة الله تعلى وقضائه وقدره يستعملها في الرحمة والعقاب والابتلاء. وتؤيد ذلك سورة يونس 24 ” إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ” فعندما تتناول طعامك وشرابك أيها الإنسان فاشكر الله تعالى واحمده على نعمه وفضله وإحسانه ورزقه. واشكر الله على روحك التي هي نفخة من روح الله تعالى تحيى بها واشكره على الهواء الذي تستنشقه وبدونه تموت. فاشكر الله تعالى أيها الإنسان لأنه عندما يرزقك ويوفر لك ضرورات حياتك فإنه سبحانه وتعالى قد أنقذك من الموت وأطال عمرك.

وإذا ابتلاك فاصبر واستمر في التقوى حتى الموت لتنجح في ابتلاء وامتحان الدنيا ولتفوز بالجائزة الكبرى لهذا الامتحان، وهي الحياة الدائمة في سعادة الجنة والنجاة من الشقاء والعذاب في جهنم بالآخرة. و الفوز برؤية ذات الله العظيمة و الكلام المباشر معه و الدليل سورة الحج11 ” وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ” . 

الفقرة الثالثة : عدل الله تعالى في الابتلاء 

منذ خلق الله تعالى الإنسان قرر ابتلاءه بالحسنات والسيئات والمصائب لامتحانه واختباره هل يستحق النظر إلى ذاته العظيمة والكلام المباشر معه سبحانه وتعالى والعيش في السعادة الدائمة بالجنة وهل يقوم بمهمة استخلافه في الأرض وعبادته وطاعته والالتزام بأمره. والدليل سورة الإنسان 2-3 ” إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا”.

أول ابتلاء من الله تعالى للإنسان هو ابتلاؤه لآدم وزوجته حواء وللشيطان وزوجته الشيطانة. الشيطان أمره بأن يسجد لآدم مثل الملائكة فرفض وآدم أمره بأن لا يأكل من شجرة معينة فعصا الله تعالى وأكل منها مع زوجته. أنزلهم الله تعالى جميعا من الجنة إلى أرض الدنيا في إطار ابتلاء ثاني لأن الله تعالى قرر بأن لا يدخل الجنة إلا من أطاع الله والتزم بأمره وهو شرائع الله تعالى المنزلة للناس وناسخها كلها القرآن. والدليل البقرة 38-39 ” قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” من أطاع أمر الله تعالى في الدنيا يعود إلى الجنة في الآخرة ويفوز برؤية الله تعالى والكلام معه. ومن عصى أمر الله تعالى يعود إلى عذاب جهنم وشقائها الدائم.

عندما ابتلى الله تعالى الإنسان بالشر والخبر لإقناعه وامتحانه فإنه قد رحمه وأراد به خيرا لأنه لم يسارع بعقابه وعذابه بل أعطاه فرصة هامة لكي يؤمن ويتقي فينجو من العذاب ويفوز برضى الله تعالى ورحمته والدليل الأعراف 168 ” وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ” والزخرف 48 ” وَمَا نُرِيهِم مِّنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا ۖ وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ” والروم 41 ” ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ”والأنعام 42 ” وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ” والنحل 61 ” وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ ” الله تعالى رحيم ولا يعجل بعذاب المجرمين عن ظلمهم لعلهم يتوبون، ومما يؤكد أن الابتلاء لمصلحة الإنسان، الأنبياء 35 ” كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ” والأنعام 165″ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ “. الله تعالى يسهل على الإنسان الرزق فيصبح غنيا عمدا ليمتحنه هل سيستمر في التقوى والالتزام بحدود الله تعالى في الدنيا أم يتجبر و يطغى بماله و قوته فينال عذاب الدنيا وجهنم في الآخرة. 

وسأبين عدل الله تعالى في ابتلاء الإنسان بمرض نفسي منذ خلق آدم وحواء وذلك بإيجاز لأني سأتناول ذلك فيما بعد.

مرض آدم وحواء النفسي يتجلى في طمعهما وهلعهما وإتباعهما لنفسهما الأمارة بالسوء حيث أكلا من شجرة عصيانا لله تعالى، فأنزلهما من الجنة إلى الدنيا في ابتلاء ثاني. ومن الأدلة على المرض النفسي للإنسان ما يلي : المعارج 19-35 “إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ …… ” والعلق 6 ” كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ” والعاديات 6-8 ” إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ لَشَهِيدٌ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ” ويوسف 53″ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي “

لهذا فكل إنسان ملزم بتناول الدواء الذي يعالجه ويشفيه من المرض النفسي الذي خلقه به وهو الالتزام بحدود القرآن، والدليل يونس 57 ”  يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ” و الإسراء 82 ” وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ” فالذي لم يستعمل الدواء الذي أنزله الله تعلى وهو الالتزام بالقرآن يزداد مرضه ويتفاقم ومصيره عذاب الدنيا و الآخرة.

لهذا فإن الله عز وجل لم يظلم الإنسان بل قرر سبحانه ابتلاءه بالمرض النفسي وأنزل له الدواء وهو القرآن ليتأكد من صدقه أو نفاقه.

ومن الأدلة على عدل الله تعالى في ابتلاء الإنسان أن الله تعالى لا يظلم في تسليط المصائب  على الإنسان  والأدلة منها: آل عمران 166-167 وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِين وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا”. فمشروعية هذا الابتلاء هي امتحان  الله تعالى للناس. لهذا قال الله تعالى في نفس الآية وهي آل عمران 167 : ” يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ”. وسورة محمد 4 ” وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ” والشورى 30: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير”. الله تعالى لا يظلم ولا يقدر  المصيبة والمضرة على الإنسان ظلما نهائيا ولكن عندما يستحق الظالم العقاب يسلط عليه المصيبة عقابا أو ابتلاء له ويأذن بها للملائكة الذين ينفذون العقاب. والدليل  التغابن 11″ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ”  فالله تعالى هو الذي يأذن بمصيبة العقاب للملائكة، ويسجل هذا الاذن للملائكة في كتاب محدد، والدليل الحديد 22 “مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ” والتوبة 51 “قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا”.

الله تعالى عادل عدلا مطلقا ولا يظلم أحدا. فلا يقدر المصيبة على الإنسان  ظلما ولكن مقابل إجرامه. وهناك آيات كثيرة مؤكدة لهذه الحقيقة منها سورة ق 29″مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ”، ويونس 44″ إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون”.

فالمجرم عند ما يظلم الناس يستحق شرعا المصيبة من الله تعالى. وفي هذه الحالة فقد ظلم المجرم نفسه ولم يظلمه الله تعالى بتسليط المصيبة عليه، والدليل النساء 40″إنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ” لهذا قال الله تعالى في النساء 79 “وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ ” والأنفال 50-51 ” وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ” و يونس 44 ” إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ” و فصلت 46 ” مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ ۖ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ۗ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ” و هود 101 ” وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ۖ” و هود 117 ” وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ” و النحل 33 ” وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ” و الكهف 49 ” وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا” و العنكبوت 40 ” مَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ” و آل عمران 108 ” تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۗ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ” الله تعالى عادل عدلا مطلقا و لا يظلم أي مخلوق في الكون كله و في الدنيا و الآخرة. 

و من عدل الله تعالى أنه لا يحاسب الناس إلا بعد تبليغهم الشريعة. و الدليل القصص 59 ” وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۚ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ” و النساء 165 ” رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ”. و التوبة 115 ” وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ” و الشعراء 208-209 ” وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ ذِكْرَىٰ وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ”.

الله تعالى جعل القرآن الذي نسخ به الشرائع السابقة و منها التوراة و الإنجيل جعله حجة على كل الناس في العالم. و قد بلغه رسول الله محمد بن عبد الله و ساعده في ذلك العلماء و أهل الذكر الذين كلفهم الله تعالى بعد الرسول بتفسير القرآن و تبليغه للناس في العالم كله. و توجد ملايين مصاحف القرآن في كل بقاع العالم. لهذا لا يعذر الله تعالى أحدا بجهله للقرآن و مخالفته لأحكامه وحدوده و أحيلكم على الآيات المؤكدة لذلك و منها سورة محمد 24، الأنفال 122 و البقرة 159 و 174 و النحل 43 و الأحزاب 39 و غافر 52 ” يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ ۖ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ” و القيامة 14-15 ” بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ” الروم 57 ” فَيَوۡمَئِذٖ لَّا يَنفَعُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَعۡذِرَتُهُمۡ وَلَا هُمۡ يُسۡتَعۡتَبُونَ ” و قد سمعت كثيرا من الناس يقولون بالدارجة ” الله يدوزنا من فضله” بمعنى الله يدخلنا الجنة بفضله. و قال آخرون لا يدخل الإنسان الجنة بأعماله و لكن برحمة الله تعالى. فالإنسان يدخل الجنة فعلا برحمة الله تعالى و يدخل جهنم بعذاب الله تعالى. و لكن من عدل الله تعالى المطلق أنه لا يظلم الناس أبدا. لهذا يعطي رحمته مقابل عمل الإنسان فيدخله الجنة و يعطي عذابه مقابل عمل الإنسان فيدخله جهنم. فالذي التزم بحدود القرآن في الدنيا يدخله الجنة و الذي اعرض عن القرآن يدخله جهنم. و الدليل الجاثية 28 ” الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ”و الأعراف 43 ” تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” و التحريم 7 ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ ۖ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” و النحل 32 ” ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ”.

هذه الأدلة الشرعية الواضحة تؤكد بطلان الكذب على رسول الله تعالى في السنة النبوية، و أعداء الإسلام يريدون تحريف القرآن بالكذب على الرسول في السنة للمس بقيم الإسلام و الطعن فيها لتكفير المسلمين و تنويمهم و تخلفهم تمهيدا للسيطرة عليهم و استعمارهم و نهب مواردهم و التفوق عليهم اقتصاديا و عسكريا و القضاء على الإسلام. إن الله تعالى عادل عدلا مطلقا في ابتلاء الناس بالشر و الخير لهدف شرعي هو إقناعهم أو امتحانهم و إظهار أضغانهم أو لرحمتهم.

 

الله تعالى جعل العمل الحلال لكسب الرزق أول فرائض الإسلام لأن من فقد مصادر الطعام لا يستطيع عبادة الله تعالى بل يموت. و فريضة إقامة العدل بين الناس من فرائض الإسلام لأنه إذا ساد الظلم  يضطرب المجتمع و ينهار. 

و يتحقق العدل بالحكم بما أنزل الله و هو القرآن. و هو حكمة الله تعالى التي تحقق السلم و الأمن و الاستقرار و التضامن و التعاون بين الناس كافة دون تمييز إذا التزموا بحدود القرآن لان المسلمين طبقا للقرآن إخوة في الدين الإسلامي و ينحدرون جميعا من رحم حواء و من صلب أب واحد هو آدم. فلو آمن و أسلم كل سكان العالم و التزموا بحدود القرآن لعمت الأخوة بينهم و الدليل  التوبة 11 ” فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ۗ ” آل عمران 103 ” وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا” و نعمة الله تعالى التي وحدت المسلمين هي القرآن. و يس 60-61 ” أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ”. و سكان العالم أبناء آدم. فإقامة العدل بين الناس من حدود الله تعالى و من تعدى حدود الله فقد كفر و يستحق عذاب الله تعالى و من الأدلة النحل 90 ” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ” و النساء 58 ” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ”، فكل من لا يحكم بالعدل بين الناس فقد كفر لأنه عصا أمر الله تعالى و فسق عنه و يستحق عذاب الله تعالى. و تؤكد ذلك الأعراف 29 ” قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ۖ” و النساء 135 ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ”و الأنعام 82 ” الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ”

المبحث الثاني : الله تعالى يتحكم في جسم الإنسان و يبتليه بما يشاء.

 لقد بينت بالأدلة المؤكدة أن ضرورات الحياة البشرية خاضعة لمشيئة الله تعالى و قضائه وقدره. و يستعملها الله تعالى للتحكم في جسم و حياة الإنسان و ابتلائه مباشرة و هناك وسائل أخرى غير الماء و الهواء و الروح و مصادر الطعام يتحكم بها الله تعالى في جسم الإنسان و يبتليه بها بصفة غير مباشرة و سأبين تصرف الله تعالى المباشر في جسم الإنسان و تصرفه غير المباشر.

أ- تصرف الله تعالى المباشر في جسم الإنسان.

الله تعالى هو الذي خلق الكون و ما فيه و منه الناس. و هو المتصرف في الكون كله و ما فيه، و هو الذي يدبر أمر الكون كله و ما فيه و إليه يرجع الأمر كله.

لهذا فحياة الإنسان و جسمه خاضعان لإرادة الله تعالى و تصرفه المطلق المشروع. و لهذا يبتلي الله تعالى الإنسان بما يشاء ليبين المؤمنين المتقيين و الكفار و المنافقين. و الأدلة الشرعية المؤكدة لهذه الحقيقة كثيرة و اذكر منها ما يلي: فاطر 44 “وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ ” و الأنعام 18 ” وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ” و الأنعام 61 ” وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۖ  ” و الحج 76 ” يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ۗ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ” و هود 123 ” وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ ” و فاطر 44 ” أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا” و فاطر 16 ” إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ” و النساء 133 ” إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ قَدِيرًا” و الكهف 23-24 ” وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ ۚ “.

جسم الإنسان خاضع لمشيئة الله تعالى يتصرف فيه حسب ما يعمل الإنسان نفسه، و الدليل الأنفال 70 ”  إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا” و البقرة 284 ” وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ۖ” و الطلاق 2-3 ” وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ” و الليل 5-11 ” فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ  وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ”.

هذه الآيات و غيرها كثير تدل على أن الله تعالى يتحكم في جسم الإنسان و عقله و قلبه و دورته الدموية . و هو قادر على أن يوجه تفكير الإنسان و حركته كيف يشاء و متى يشاء بصفة عادلة و تبعا لموقف  الإنسان من القرآن و هل هو مؤمن أو كافر أو منافق. لهذا يبتليه بالخير و الشر و الدليل الأنبياء 35″ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ “، لهذا قال الله تعالى لرسوله محمد بن عبد الله في سورة المائدة 67 “وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ ” أي يحميك من البشر و يونس 103 ” ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا ۚ كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ” و الله يتصرف في جسم الإنسان خيرا أم شرا حسب ما يستحقه. و الدليل الأحزاب 17 ”  قُلْ مَن ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُم مِّنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً ۚ وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا” و فاطر 2 ” مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” و الفتح  11 ” فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا ۚ بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا” و يونس 107 ” وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ ۚ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۚ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ” فالمريض لا يشفى من مرضه إذا حل أجل موته الذي حدده الله تعالى و لو اجتمع أطباء العالم لمعالجته  و لهذا قال الله تعالى في عدة سور منها البقرة 117 “بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ” و يس 82-83 “إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ” و غافر 68 و النحل 40، و مما يدل على قضاء الله تعالى و قدره و حكمه في الكون و ما فيه و منه الإنسان المائدة 17 “لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ۗ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ” و الحاقة43-47 ” تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ” فهذا تحذير من الله تعالى لرسوله محمد بن عبد الله لكي لا يغير آيات القرآن. و أكد الله تعالى أنه من فوق السماء السابعة يقطع وتين من يزور القرآن و يقتله مباشرة و لا أحد يمنعه من تصرفه في جسم الإنسان إذا ظلم. 

انظر أيها الإنسان ماذا فعل الله تعالى في جسم الإنسان. فعندما كفر بنوا إسرائيل أماتهم الله ثم أحيياهم ليبين لهم حكمته و قضاءه و قدره لعلهم يؤمنون و الدليل البقرة 55-56 ” وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” و أحيا الله تعالى رجلا أمام بني إسرائيل البقرة 73 “فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ۚ كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ” و البقرة 243 ” أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ” و لما عصا بنوا إسرائيل أمر الله تعالى و اصطادوا السمك يوم السبت عاقبهم الله تعالى و الدليل البقرة 65 ” وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ”  

و الله قادر على حماية المسلمين من أعدائهم الكفار و المشركين و المنافقين لأنه يعلم ما تسر و ما تعلن كل نفس و يعلم شر أعداء المسلمين و و ما يريدون فعله. و بما أن الله تعالى قادر على التحكم في جسم الإنسان فإنه يبطل شر أعداء المسلمين الصادقين و الدليل آل عمران 120 “إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ۖ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ” “. لهذا قال الله تعالى في سورة الروم 47 ” وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ” و غافر 51 ” إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ”  و الفتح 24 ” وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا” و الفتح 20 ” وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا” و يوسف 34 ” فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ” وإبراهيم 27 ” يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ”  و الطلاق 4 ” وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا”. هذه  الآيات دليل قاطع على أن جسم الإنسان خاضع لحكم الله تعالى و تصرفه. و من الأدلة أيضا الطلاق 2-3 ” وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ” و محمد 4 ” وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗ”. لم ينصر الله تعالى في هذه الحرب المسلمين و ذلك ليبين المنافقين الذين خافوا من القتال و لم يجاهدوا في سبيل الله بأنفسهم و أموالهم. 

و مما يدل على أن الله تعالى يتصرف في جسم الإنسان الآيات التالية: الأنفال 24 ” وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ” و الصف 5 ” فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ” و القصص 10 ” وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ”. 

إن تصرف الله تعالى في قلب الإنسان و كافة جسمه دليل على قضاء الله تعالى و قدره المطلق في الكون و ما فيه و من الآيات المؤكدة لذلك الأنعام 107 ” وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا ۗ” فلو شاء الله تعالى لجعلهم مؤمنين و لكن ترك للإنسان حرية الاختيار بين الإيمان و الكفر و بين له جزاء الإيمان و التقوى و هو رحمة الله تعالى و الحياة الدائمة و الخالدة في سعادة الجنة و جزاء الكفر و هو عذاب الله تعالى الدائم و الخالد و شقاء جهنم. و هذا ابتلاء من الله تعالى للإنسان في الحياة الدنيا و الأدلة منها سورة الإنسان 2-3 ” إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا” و الشمس 7-10 ” وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا” و البلد 10 ” وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ” بمعنى يبين الله تعالى للإنسان طريق جهنم و طريق الجنة. فمن آمن و اتبع حدود القرآن يكون في الجنة و من يكفر و يخالف حدود القرآن يكون في جهنم. بين الله تعالى للإنسان طريق الرحمة و السعادة الدائمة و طريق العذاب و الشقاء الدائم، لهذا فإن الله تعالى يتحكم في جسم الإنسان و مصيره خيرا أم شرا لمعاقبته أو إقناعه او امتحانه و من الأدلة الأعراف 168 ” وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ” و الأنبياء 35 ” كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ “و الأنعام 165 ” وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ” الله تعالى يبتلي الإنسان بالغنى أو الفقر و بالصحة و المرض ليمتحنه و يبين للمسلمين و الملائكة هل هو مؤمن متقي أم كافر أم منافق. فلما أراد الكفار قوم لوط الاعتداء على ضيوفه من الملائكة أعماهم مباشرة من فوق السماء السابعة و الدليل القمر 37 ” وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ”و انظر أيها الإنسان إلى قدرة الله تعالى على التصرف في جسم الإنسان و هو فوق السماء السابعة أي فوق الكون كله حيث عاقب قرية كافرة بمجرد صيحة منه سبحانه و تعالى و الدليل يس 28-29 ” وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ” حطم الله تعالى قرية  بكاملها و أمات سكانها في لحظة واحدة بمجرد صيحة منه سبحانه و تعالى. و إذا شاء الله تعالى بأمر الأرض فتبلع ما فوقها في ثانية واحدة و فيكل مكان و زمان . و قد عاصرتم و شاهدتم أيها الناس كثيرا من الزلزال و آثارها المدمرة و القاتلة و هذا من قضاء الله تعالى و قدره المطلق في الكون حيث يجازي الناس حسب أعمالهم و تصرفاتهم. و الدليل الزلزلة 1-5 ” إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا” و فعلا أوحى الله تعالى إلى النار و أمرها بأن تكون بردا و سلاما على إبراهيم لما أراد الكفار حرقه فنجاه الله تعالى من شرهم و الدليل الأنبياء 69 ” قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ” و مما يدل على أن الله تعالى يتحكم في جسم الإنسان في كل زمان و مكان سورة يونس 22 ” هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ” فعلا لا يستطيع الإنسان الحياة و الحركة إلا بفضل الروح التي نفخها الله تعالى في رئته و الطاقة التي يستمدها جسمه من مصادر الطعام و الماء الذي يشربه و الهواء الذي يستنشقه و بما أن ضرورات الحياة البشرية المذكورة خاضعة لمشيئة الله و يتحكم فيها فالنتيجة المنطقية ان الله تعالى يتصرف في جسم الإنسان كما يشاء بل أن وسائل تنقل و تحرك الإنسان متوقفة على الهواء الذي يخلقه الله تعالى و يتصرف فيه قد بينت سابقا هذه المسألة. و المهم أن الله تعالى خلق الماء و يتصرف في حركته و نزوله وسع نزوله و الدليل هود 7 ” وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۗ” الله تعالى يبتلي الإنسان و يتحكم في جسمه بتصرفه في الماء الذي بدونه تموت الكائنات الحية ومنها الإنسان و الرعد 11 ” لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ” و  سورة النحل 112 ” وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ” و الأعراف 130 ” وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ” لهذا فضرورات الحياة البشرية خاضعة لمشيئة الله تعالى يستعملها في ابتلاء الإنسان عقابا أو إقناعا أو إنذارا أو رحمة  و من الأدلة على ذلك الفجر 15-20 ” فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ كَلَّا ۖ بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا” فمخالفة الإنسان حدود القرآن هي التي تتسبب له في عقاب الله تعالى و منه منع ضرورات الحياة البشرية. و يؤكد ذلك ما جاء في الأنعام 42-44 ” وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ” الله تعالى يتحكم في جسم الإنسان فيبتليه بما يشاء و الأعراف 162 ” فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ” و الأنفال 12 ” سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ”  و التوبة 14-15 ” وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ ۗ ”  و الله تعالى يسلط بعض الناس على آخرين لحكمة يعلمها و من الأدلة سورة الأنعام 53 ” وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ” و النساء 90 ” وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ ” و محمد 4 ” وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗ” و قد سبق ذكر هذه الآية و بملاحظة كثير من جرائم الضرب و الجرح و القتل و السرقة و المخدرات و الخمر و الزنا نجد أن الله تعالى يسلط الظالمين على بعضهم البعض في إطار معاقبتهم عن مخالفة حدود القرآن و الفسق عن أمر الله تعالى.

ب- تصرف الله تعالى الغير المباشر في جسم الإنسان 

الله تعالى قادر على التصرف و التحكم في جسم و حياة الإنسان بصفة غير مباشرة بعدة وسائل يعلمها الله تعالى. و حسب الملاحظة و دراسة الواقع و الاستنباط من آيات القرآن الكريم أبين بعض هذه الوسائل التي يتحكم الله تعالى بها في جسم و حياة الإنسان و يبتليه بها و هي على التوالي: ملائكة الله تعالى و جنوده ثم الشياطين ثم تسليط الإنسان على الإنسان ثم الإصابة بالمرض و الشفاء منه و أخيرا أبين تحكم الله تعالى في جسم و حياة الإنسان بالظواهر الطبيعية الخاضعة لقضاء الله تعالى و قدره.

و أبدأ بملائكة الله تعالى و جنوده: الملائكة من عباد الله تعالى و مخلوقاته مستقرون في السماوات و منهم من ينزل إلى أرض الدنيا بأمر من الله تعالى و لتنفيذ أوامره في الدنيا و الآخرة. و الأدلة منها: التحريم 6 ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ” و الأنبياء 26-27 ” وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا ۗ سُبْحَانَهُ ۚ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ” و الملائكة خاضعون لقضاء الله و قدره و حكمه مثل مخلوقاته الأخرى و منها البشر. لهذا قال الله تعالى في سورة الأنبياء 29 “وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَٰهٌ مِّن دُونِهِ فَذَٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ”.

يكلف الله تعالى الملائكة بحماية المسلمين المتقين و تعذيب الكفار و المنافقين. و الدليل فصلت 30-32 ” إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ” هذه الآية تؤكدها سورة يونس 62-64 ” أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ” و الأحقاف 13-14 ” إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”. 

و يكلف الله تعالى ملائكته كذلك بتعذيب الكفار و المنافقين في الدنيا و الآخرة . و من الأدلة الذاريات 32-34 ” قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ”و هذا قول الملائكة لرسول الله إبراهيم لما أنزلهم عليه. العنكبوت 31 ” وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ ۖ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ” و الصافات 22-23 ” احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْجَحِيمِ” و الدخان 47-48 ” خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَىٰ سَوَاءِ الْجَحِيمِ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ” و غافر 46 ” أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ” و الملائكة يتوفون من حل أجل موتهم بـأمر من الله تعالى و الدليل الأنفال 50 ” وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا ۙ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ” و الأنعام 61 ” وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ۖ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ” و السجدة 11 ” قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ”. 

عندما يحيي الله تعالى الميت حيث يسقى ملك مكلف بذرة في أسفل عظام ظهره و بأمر الله الأرض بأن تتشقق عليه يصعد به ملكان سائق للمركبة و مساعد له و ذلك عير السماوات إلى الأرض السابعة التي فيها الحساب و الجزاء جهنم و الجنة و الدليل ق 21 ” وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ” و النبإ 18-19 ” يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا”. هذه الآيات تؤكد لنا أن الله تعالى يتصرف في جسم الإنسان بواسطة ملائكته بصفة غير مباشرة. و لكن الملائكة و غيرهم من المخلوقات من الجن و الشياطين و الإنس لا يشاركون الله تعالى في حكمه و قضائه و قدره. بل الملائكة عباد الله تعالى و الدليل آل عمران 80 ” وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا ۗ أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ”  و النساء 172-173 ” لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ۚ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ ۖ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلَا يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا”. 

و يتحكم الله تعالى في الإنسان بواسطة الملائكة الذين يبلغون له وحي الله تعالى و أوامره لقوله تعالى في النحل 2 ” يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ” و آل عمران 45 ” إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ”.

و الله تعالى يحمي المؤمنين مباشرة بتصرفه المباشر من فوق السماء السابعة و قد بينت ذلك سابقا. و يحميهم كذلك بواسطة جنوده و ملائكته و من لأدلة الأنفال 9-10 ” إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ۚ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” و الأنفال 12 ” إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا ۚ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ” فقد أمر الله تعالى ملائكته بمساعدة المسلمين في حربهم ضد كفار قريش و أكد لهم أنه معهم و لكن ليس بذاته العظيمة التي هي فوق السماء السابعة و فوق الكون كله و لكن كما بينت سابقا الله تعالى مع الملائكة و الإنس و الجن و كل الكون و ما فيه بسمعه و بصره و علمه و تصرفه و كلامه و حماية الملائكة للمسلمين أكدتها آل عمران 123-126 ” وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيَكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُنزَلِينَ بَلَىٰ ۚ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ ۗ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ” . 

و أذكر بسورة فصلت 30-32 و سورة الأحقاف 13-14 و قد سبق ذكرهما للتأكيد على حماية الملائكة للمسلمين المتقيين بأمر من الله تعالى . و هذا تصرف غير مباشر في جسم و حياة الإنسان و لله جنود من الجن و الإنس و جنود لا يعلمها إلا الله تعالى يستعملها الله تعالى للتحكم في جسم و حياة الإنسان و الابتلاء مثل الملائكة و الدليل المدثر 31 ” وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ” و الفتح 4 ” وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا” الله تعالى يستعمل جنودا من الملائكة و الجن و الإنس و من كل ما يشاء من مخلوقاته و الدليل أن الذين أرادوا تحطيم الكعبة بمكة سلط عليهم الله تعالى جنوده من الطيور و الدليل الفيل 1-5 ” أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ” و هود 82-83 ” فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ۖ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ” و هذا عذاب سلطة الله تعالى على قوم لوط المجرمين.

و تذكروا الحرب الصامتة التي قادها جندي من جنود الله تعالى لا يرى بالعين المجردة و لا يلمس باليد في السنتين الأخيرتين حيث قتل مئات الملايين من البشر و هو فيروس كوفيد 19 بالإضافة إلى فيروسات الطاعون و الملاريا و السيدا و غيرها التي أهلكت الملايين من البشر. و قد عذب الله تعالى قوم فرعون ابتلاءا لهم لما استمروا في الكفر رغم إنذارهم و الدليل الأعراف 133 ” فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ”. الله تعالى يتحكم في جسم و حياة الإنسان بمن يشاء  من مخلوقاته و لو بالإنسان نفسه و الأدلة منها النساء 90 ” وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ” و الأنعام 65 ” وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ” و الفرقان 20 ” وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً” و التوبة 14 ” قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ” و الإسراء 6 ” ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ” و البقرة 251 ” وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ.

و يحمي الله تعالى المسلمين المتقين بجنوده من غير الملائكة و الدليل التوبة 40 ” إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا” و التوبة 25-27 ” لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ” و الأحزاب 9 ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا”.

و الله جل جلاله يستعمل كل ما يشاء من مخلوقاته في الكون كجنود يتصرف بهم بصفة غير مباشرة في جسم و حياة الإنسان و الدليل المؤكد فيروس كوفيد 19 الذي ذكرته و لولا رحمة الله تعالى و لطفه لقتل هذا الجندي الخفي الضعيف كل رجال و نساء و أطفال العالم الذين عجزوا عن مقاومة جندي الله تعالى الذي ابتلى به البشر كافة و انذرهم به لعلهم يقتنعون بقضاء الله تعالى و قدره و يتقون.

فلما أراد الكفار إحراق إبراهيم أمر الله تعالى النار بأن تكون بردا و سلاما على إبراهيم و فعلا لم تحرقه النار طاعة لربها لأنها من جنوده و الدليل : الأنبياء 69 ” قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ” و الشياطين و أن كانوا مثل الكفار أعداءا لله تعالى و أعداء المسلمين فإنه سبحانه و تعالى يستعملهم لابتلاء الإنسان و امتحان إيمانه فالشياطين يغوون الناس بأقوالهم. لهذا قال الله تعالى في سورة سبأ 21 ” وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ ۗ وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ” و قد حذر الله تعالى الناس من شر الشياطين و إغوائهم للإنسان و الدليل يس 60-62 ” أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ”.

فالشياطين مثل كل المخلوقات في الكون كله خاضعون لقضاء الله تعالى و للتحكم في أجسامهم و حياتهم و من الأدلة الزخرف 36-37 ” وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ” و مريم 83 ” أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ” و الأعراف 27 ” إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ” و قرر الله تعالى العذاب في الدنيا و الآخرة لمن اتبع الشياطين لقوله تعالى في سورة ص 84-85 “قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ” و النور 21 ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۚ” و الحج 3-4 ” وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ” و الفرقان 29 ” لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا “ فذكر الرحمان في الآية هو القرآن فمن يعرض عن القرآن و يفسق عن أمر الله تعالى يسلط عليه الله تعالى شيطانا يغويه و يضله و يجعله في صراط جهنم. و تؤكد ذلك سورة النساء 119 ” وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا” و فاطر 5-6 ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۖ وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ” و البقرة 168-169 ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ  إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ” و المائدة 91 بينما كنت جالسا في مسجد أنتظر إقامة الصلاة سألني رجل كان جالسا بجانبي قائلا ” هل يشارك الشيطان الزوج في إتيان زوجته” و قد استند إلى سورة الإسراء 64 ” وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا” و قد أكدت له بأن ذلك غير صحيح. و أبين لكم الأدلة و منها الكهف 50 ” وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا”.

فعندما خلق الله تعالى آدم خلق منه زوجته حواء و عندما خلق الله تعالى الشيطان خلق منه زوجته الشيطانة. و الدليل كلمة ذريته الواردة في الكهف 50 الله تعالى حرم كل ممارسة جنسية إذا لم تقع بين زوجين مرتبطين بعقد زواج شرعي.

فالمقصود من مشاركة الشياطين الإنسان في  الأموال و الأولاد أن الله تعالى خلق الشياطين و الشيطانات للتناسل و التكاثر مثلما خلق الرجل و زوجته للتناسل و التكاثر. و كما خلق الله تعالى للإنسان موارد رزقه و مصادر طعامه فقد خلق للجن و منهم الشياطين موارد رزقهم و المقصود من المشاركة أن الشيطان يكون له أولاد و أموال مثل الإنسان.

فمن ادعى أن الشيطان يشارك الإنسان في زوجته فقد كذب على الله تعالى و كذب بالقرآن و كفر. فآيات القرآن و هي آمرة و ملزمة للجن و الإنس حرمت كل ممارسة جنسية إلا إذا وقعت بين زوجين مرتبطين بعقد زواج مشروع و نظرا لأهمية هذه الحقيقة الشرعية أبين الأدلة الشرعية ليلتزم بها الناس و لتزول ظاهرة الزنا و الفساد و منها ما يلي: الإسراء 32 ” وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ ” و النور 3 ” الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ” فإذا زنا أحد الزوجين فسخ عقد زواجهما شرعا و بأمر من الله تعالى و من الأدلة الأحزاب 35 ” وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ” و المؤمنون 5-6 ” وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ” طبعا رخصة إتيان ما ملكت الإيمان كانت مؤقتة لأسباب اجتماعية و إنسانية و قد ألغاها الله تعالى بسورة النساء 25  و سورة النور 32-33 و فرض الله تعالى إقامة عقد النكاح بالنسبة لما ملكت الإيمان بشرط أن لا يتعدى عدد الزوجات أربع زوجات و النور 33 ” وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ” هذا أمر الله تعالى يمنع و يحرم الممارسة الجنسية التي لا تكون بين زوجين مرتبطين بعقد زواج دائم شرعي و مستمر في الآخرة أيضا بالنسبة للزوجين المستحقين  للجنة.

و من الأدلة المحرمة للزنا سورة المعارج 29 ” وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ”. هذه الآيات دليل قاطع على أن الشياطين لا يتعدون على أعراض الناس لأنهم ملزمون بالقرآن مثل الجن و الإنس و لأن الله تعالى حمى أعراض الناس  بشريعته الحكيمة الصادقة.

لم يحرم الله تعالى الزنا فقط بل حرم أيضا مقدمات الزنا للوقاية مثل القبلة و اللمس و التحرش الجنسي و التحريض على الفساد والنظرة الثانية للمرأة لقوله تعالى في سورة النور 30 ” قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ّۚ” والنور 31 ” وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ” و الإسراء 32 المذكورة ” وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ” هذا أمر الله تعالى حرم مقدمات الزنا والزنا معا.

هذه الآيات أطلت فيها لهدف شرعي هو حماية المجتمع من الصراع والقتل بين الرجال من أجل النساء وبين النساء من أجل الرجال. فكم من رجل قتل زوجته من أجل عشيقته وكم من امرأة قتلت زوجها من أجل عشيقها، فلو التزم الناس بحدود القرآن لعمت الفضيلة والعدل والسلم والأمن والأخوة بين الناس لأن المؤمنين أخوة. فالتزم أيا الإنسان بهذه الأحكام الشرعية الربانية وتحكم في نفسك الأمارة بالسوء ولا تغتر بإغواء الشياطين وأوليائهم.

وأختم هذه النقطة المتعلقة بالشيطان بما يلي: إن الله تعالى يتحكم في جسم الإنسان بصفة غير مباشرة حيث يسلط الشياطين على من يشاء ابتلاء لهم أو عقابا لهم. ولكن تأكدت بأن كثيرا من الناس يدعون بغير حق عمدا أو جهلا بأن الشياطين هم الذين يؤثرون على الإنسان لارتكاب الجرائم مدعين بأن الشيطان يجري في مجرى دم الإنسان فيؤثر عليه. 

هذا الإدعاء غير صحيح والشيطان لا يجري في مجرى دم الإنسان، بل أعداء الإسلام أرادوا من هذا الإدعاء الكاذب نفي المسؤولية عن الجرائم، قد يختطف مجرم زوجة من زوجها بالقوة ويغتصبها ويدعي  أمام الشرطة القضائية أن الشيطان هو الذي أمره بذلك وينفي عن نفسه المسؤولية – وقد يقتل رجل أباه وأمه ويدعي أن الشيطان هو الذي غرر به وحرضه على القتل. هذا التبرير  لا أساس له من الصحة.

فالشياطين لا يدخلون جسم الإنسان ومجرى دمه نهائيا ولا يشاركون الله تعالى في قضائه وقدره بل جعلهم الله من أدوات ابتلاء الناس. وسأبين الأدلة الشرعية على عدم صحة هذا الادعاء الكاذب الذي تبرر به الجرائم لنفي المسؤولية الجنائية عن المجرمين وهي ما يلي : 

الشيطان كائن حي بذاته المستقلة عن المخلوقات الأخرى مثل الإنسان. وهناك آيات كثيرة تؤكد هذه الحقيقة منها الشعراء 221- 223 ” هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ  تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ” هذا دليل على أن إغواء الشياطين للناس يكون بإلقاء القول والكلام لهم في محيطهم . فهم مخلوقات مثل الإنسان يتكلمون مع  من يشاؤون، والشيطان يرى الناس ولكن الناس لا يرونه. وهذا من خلق وقضاء الله تعالى. والدليل سورة الأعراف 27″ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ “هذه الآية دليل على أن الشيطان لا يدخل في جسم الإنسان بل هو كائن مستقل بذاته.

ومما يدل على ذلك الحوار الذي جرى بين الله تعالى والشيطان في الجنة، الأعراف 11-13  قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ . قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ  قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ” و الأعراف 18 ” قَالَ اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا ۖ لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ” الله تعالى أمر الشيطان بالخروج من الجنة و ليس من مجرى دم آدم و حواء.

والحوار الذي جرى بين الشياطين والمنافقين في سورة البقرة 14″ وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ” وسورة الناس 1-6 ” قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَٰهِ النَّاسِ مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ ” فالشيطان والإنس لا يدخلان في صدر الإنسان للوسوسة لأن ذلك مستحيل. فالوسوسة في الصدر أي القلب تكون من الخارج بالقول، والدليل سورة طه 120 ” فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ ” هذا دليل على أن الشيطان يوسوس في قلب وعقل الإنسان بالقول والكلام.

وهناك دليل آخر على أن الشيطان مستقل بذاته ولا يجري في دم الإنسان كما يدعي أعداء الإسلام لتشجيع الجرائم والخراب في المجتمع وتنص عليه سورة الكهف 50 “وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ۗ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ۚ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا” 

فاعلم أيها الإنسان أن الله تعالى خلق الإنسان مريضا نفسيا ابتلاء له، وسأبين ذلك فيما بعد. وخلق الله تعالى النفس البشرية أمارة بالسوء. والدليل سورة يوسف 53 ” إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي” فاحذر نفسك وهواك وتحكم فيها قبل أن تحذر إغواء الشياطين. ولا تخف أيها الإنسان من الشياطين، فالله تعالى جعل عدم الخوف من الشياطين من شروط الإسلام والدليل سورة آل عمران 175 ” إِنَّمَا ذَٰلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ”.

الالتزام بحدود القرآن هو اللجام الذي يكبل النفس الأمارة بالسوء ويشفي الإنسان من المرض النفسي الذي خلقه به الله تعالى ابتلاء له. والدليل سورة يونس 57 ” يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم و شفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين” وسأتعرض لهذه المسألة فيما بعد. ولكن القرآن يكون شفاء لمن التزم بحدوده بصدق وليس لمن يقرأ آياته ويعلق المصحف في البيت أو السيارة.

وأتعرض لتحكم الله تعالى الغير المباشر في جسم وحياة الإنسان وابتلائه بالظواهر الطبيعية التي يخلقها ويضع لها أسبابها ويتصرف فيها كيف يشاء سبحانه وتعالى.

وهذه الظواهر هي الزلازل والفيضانات والثلوج والبرد القارص والصواعق والعواصف والشمس، فهي تقع في ما يسمى الطبيعة أي الكون، والله تعالى هو الذي خلقها ويتصرف في حركاتها وآثارها. ومن الأدلة سورة البقرة 29 ” هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا” والقمر 49 ” إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ” والمائدة 120 ” لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ” وهود 123 ” وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ”

لهذا فالظواهر الطبيعية ملك لله تعالى مثل الكون كله وأمرها يرجع لله وحده. ومن العلماء من يفسر هذه الظواهر بأسباب خاصة وهو الذي يلهمهم أي العلماء معرفة هذه الأسباب لقوله تعالى في سورة الإسراء 85 ” وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا” فما توصل إليه العلماء من نظريات علمية وتفسير للظواهر فإنه بإذن الله تعالى وتوفيقه وإلهامه.

فالعلماء عندما اكتشفوا أن الماء مكون من ذرتين من الهيدروجين وذرة الأوكسجين لم يخلقوا الماء ولم يتحكموا في نزوله أو منع نزوله بل الماء من خلق الله تعالى يتحكم في حركته وكميته. ولم يدرك كثير من العلماء الكفار أن الله تعالى هو الذي خلقهم ويحيون ويتحركون بفضل نفخة من روح الله تعالى أسكنها في رئتهم ويأخذها متى يشاء وخلق كذلك الكون وما فيه ومنه هذه الظواهر التي يستعملها للعقاب والابتلاء.

وقد شاهدتم أيها الناس ما وقع في الدول المتقدمة علميا وتقنيا واقتصاديا من كوارث وفيضانات وزلازل وإعصار وعواصف وهجوم البحر على البر وغير ذلك كالثلوج القاتلة. ولم تستطع هذه الدول وغيرها منع حدوث هذه الظواهر ولم تستطع منع آثارها لأن ذلك من خلق الله تعالى وقضائه وقدره المطلق العادل لأن الله تعالى لا يظلم الناس ولكن يسلط عليهم هذه الظواهر الطبيعية عقابا عن الذنوب والسيئات والإعراض عن القرآن أو لإنذارهم وإقناعهم لعلهم يؤمنون ويتقون . فلا يمكنك أيها الإنسان أن تضمن استمرار حياتك لمدة دقيقتين فقط. قد يقع زلزال مفاجئ في أي وقت وقد يوقف الله تعالى حركة الهواء في لحظة وجيزة وقد يأخذ منك الروح فتصبح جثة هامدة.

وفيما يلي أبين الأدلة الدالة بصفة قطعية على خلق الله تعالى للظواهر الطبيعية المذكورة  وتحكمه في حركتها وآثارها ويستعملها من أدوات التحكم في جسم الإنسان بصفة غير مباشرة وابتلائه ومنها : الزمر 62 ” اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ”  والبقرة 29 ” هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ” والقمر 49 المذكورة  ” إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ” الله تعالى هو الذي يخلق الفيضانات والثلوج والعواصف لأنه يتحكم في خلق الماء وينزله بالقدر  الذي يريد فتتكون منه الثلوج والفيضانات المدمرة القاتلة. فهو الذي يتصرف في الماء والدليل هود 7 ” وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۗ ” فالماء مادة أساسية لحكم الله تعالى في الكون وتصرفه في حياة المخلوقات الحية ومنها الإنسان. 

والقرآن يؤكد لنا أن الله تعالى سلط هذه الظواهر على أفراد وأمم سابقة. وبين لنا آثارها المدمرة. وهذا دليل قاطع على أن ما عرفته البشرية في العصور السابقة وفي عصرنا من كوارث وزلازل وفيضانات وعواصف ورياح وإعصار وثلوج قاتلة كل ذلك من قضاء الله وقدره.

ومن الأمثلة في القرآن سورة النور 43″ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ ۖ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ” والبقرة 266″ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ” و الأحقاف 24-25 ” رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ  تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَىٰ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ” فتأمل أيها الإنسان عبارة ” بأمر ربها” في الآية، فالظواهر الطبيعية جعل الله تعالى لها أسبابا يكتشفها العلماء ولكنها خاضعة لقضاء الله تعالى وقدره.

و الذاريات  41-42 ” وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ  مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ ” و الذاريات 43-45 ” وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّىٰ حِينٍ  فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ  فَمَا اسْتَطَاعُوا مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنتَصِرِينَ ” الحاقة 6-8 ” وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ” ،الله تعالى يسلط هذه الكوارث عقابا عن مخالفة حدود القرآن وإنذارا للناس لعلهم يؤمنون ويتقون، وتؤكد ذلك الإسراء 69 ” فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِّنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ” فإذا شاهدت أيها الإنسان هذه الكوارث فاستعذ بالله تعالى وعد إليه واعبده بصدق.

ومن الأدلة على أن الله تعالى يتحكم في الكوارث ، البقرة 164 ” وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ” والشورى 33 ” إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ ” وآل عمران 117 ” كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ ۚ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَٰكِنْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ” والأعراف 57 ” وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ “.

ومن الظواهر الطبيعية التي يتحكم فيها الله تعالى الزلازل ، وقد عرف العالم الكثير منها في مختلف العصور منها زلازل مدمرة في الشهر الماضي. 

الله تعالى هو الذي يأمر الأرض ليقع فيها زلزال في مكان معين حسب القوة التي يريدها بما في ذلك الهزات الأرضية. والله تعالى هو الذي يخلق أسباب وعوامل هذه الظاهرة. والدليل سورة الزلزلة 1-5 ” إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا  وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا ” والله تعالى قادر على تحطيم أي منزل بواسطة الفيضانات والرياح والثلوج وغيرها. والدليل سورة النحل 26 ” قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ ” وقد شاهدت  في قناة تلفزية عمارة من عدة طوابق وهي تسقط على الأرض بسبب الفيضانات. ولنا مثل آخر في الطاغية المتجبر قارون وهو كافر من قوم موسى حيث ابتلعته الأرض مع أمواله وداره بأمر من الله تعالى. والدليل العنكبوت 39 ” وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم مُّوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ ” والقصص 81″ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ “

ويتصرف الله تعالى في جسم الإنسان بصفة غير مباشرة عقابا وإنذارا له بإسقاط أكوام صلبة من الثلوج والحجارة، والدليل سورة الفيل 1-5 ” أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ” والطور 44-45 ” وَإِن يَرَوْا كِسْفًا مِّنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا يَقُولُوا سَحَابٌ مَّرْكُومٌ فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ” والكسف في الآية هو الحجارة الصلبة الكبيرة.

وأختم هذه النقطة من البحث بظاهرة الشمس التي خلقها الله تعالى لمصلحة الكون كله وما فيه ومنه المخلوقات الحية ومنها الإنسان. وهي المصدر الأساسي والرئيسي لحياة الكائنات الحية ومنها الإنسان بعد الروح التي يسكنها الله تعالى في رئة الإنسان منذ أربعة أشهر من عمره والهواء الذي بدونه تموت المخلوقات الحية ومنها الإنسان.

فالشمس هي الأداة الأساسية التي يتحكم بها الله تعالى في جسم وحياة الإنسان ويبتليه بها. وسأبين أهمية الشمس وفائدتها بالنسبة للإنسان ثم أبين الأدلة على أن الشمس مثل الكون وما فيه خاضعة لقضاء الله وقدره، والله تعالى قادر على التحكم فيها ومنعها عن الناس وبذلك تترتب عن غيابها آثار وخيمة قاتلة بالنسبة للمخلوقات الحية والنباتات. وأتذكر ما أحفظه من الدرس الذي تلقيته في مادة الجغرافيا في التعليم الابتدائي سنة 1960 وهو كما يلي “الشمس كوكب عظيم يلتهب نارا وتدور حوله كواكب أخرى مثل المريخ وزحل وأورانوس، وهي تنمي الإنسان والحيوان والنبات” فمصادر طعام الإنسان لا تتوفر ولا تنضج إلا بالشمس وبدوه هذه المصادر يموت الإنسان. لهذا تظهر أهمية الشمس بالنسبة لطعام الإنسان ومنها الماء أيضا لأن الشمس هي التي تبخر ماء البحار الذي تتكون منه السحب. وعندما تلقح بالريح وتبرد ينزل منها المطر بإذن الله تعالى فالماء ضروري للحياة لقوله تعالى في سورة الأنبياء 30 “و جَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ” ولكن دورة الماء متوقفة على إرادة الله تعالى الذي يسخر الشمس فتبخر مياه البحار والأنهار الذي يتحول إلى مطر كما بينت سابقا. فالماء الذي بدونه تموت الكائنات الحية تتحكم في دورته الشمس بإذن الله تعالى. فالشمس تحيي وتميت بإذن الله تعالى. فإذا كانت أشعة الشمس حارقة فإنها تقتل المخلوقات الحية ومنها الإنسان وتقتل مصادر طعامه فيموت جوعا. ومن فوائد الشمس التي يسخرها الله تعالى لمخلوقاته الحية ومنها الإنسان أنها تعطي النور الكافي والمجاني للناس جميعا ليعملوا في الحلال ولكسب الرزق.

والدليل النبأ 9-11 ” وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا” والإسراء 12 ” وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ” معنى محونا آية الليل أن الله تعالى جعل الليل للنوم وسكون النفس وتوقف حركة الإنسان فكأنه ميت لأنه يفقد وعيه وشعوره ويتوقف عقله ولا يكتب الملائكة شيئا عن النائم. فمدة نوم الإنسان كأنها منقوصة من عمره. لهذا قال تعالى في الآية المذكورة ” فمحونا آية الليل” وتؤيد ذلك سورة النمل 86 ” أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ” فالنهار جعله الله تعالى للعمل الحلال لكسب الرزق من فضل الله تعالى، والليل جعله فلسكون والاستراحة والجمود ليستعد الجسم عافيته وقوته التي أنهكتها حركة عمل النهار.

الله تعالى هو الذي خلق الشمس مثلما خلق الكون و ما فيه و الدليل فصلت 37 “وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ۚ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ” والأعراف 54 ” إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ” والأنبياء 33 ”  وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ”.

الشمس أعظم وأهم ما خلق الله تعالى لمصلحة الكون وما فيه ومنه الإنسان بعد الروح التي يحيى بها الإنسان والهواء، فالشمس تؤدي وظيفتها الأساسية العظيمة في الكون بأمر من الله تعالى لأنه يخلق بها وبالريح الماء الذي جعل الله تعالى منه كل شيء حي وهي تنمي الإنسان والحيوان والنباتات وتعطي النور الضروري للحياة والعمل الحلال. وبدون الشمس يفنى الكون وما فيه من مخلوقات.

لهذا قال الله تعالى في سورة إبراهيم 33 ” وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ” فالنهار للعمل وكسب الرزق والليل للراحة والسكون. والنهار دليل على اختفاء الشمس عن جهة من الأرض بحكم دورانها حول الشمس. لهذا قال الله تعالى في سورة الشمس 1-4 ” وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا” وسورة المدثر 33-34 “وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ ” فهناك تعاقب وتتابع لفترتين زمنيتين الليل والنهار فترة العمل وفترة السكون والراحة وتجديد القوة الجسمانية. وهذه نعمة من الله تعالى كبرى، الله تعالى قد يستعمل الشمس أداة ابتلاء الإنسان ولمعاقبته وإنذاره. وإذا منع الله تعالى الشمس عن الكون لمدة معينة يفنى ويزول الكون لأن الشمس هي أساس الحياة و الدليل القصص 71 ” قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ ۖ أَفَلَا تَسْمَعُونَ”. إذا منع الله تعالى الشمس و أشعتها يستمر الظلام ولا أحد يستطيع إنارة العالم إلا الله تعالى.

وقد يوقف الله تعالى دوران الأرض فتستمر الشمس في وظيفتها ولا يقع الليل. والدليل سورة القصص 72 ” قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ” والفرقان 45-46 ” أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا” يتكون الظل عندما يحجب كائن من الكائنات ومنهم الإنسان أشعة الشمس عن محيطه. فإذا زالت أشعة الشمس يزول الظل لهذا في الليل ليس هناك ظل. ولهذا قال الله تعالى في الآية ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا” أي في فترة الليل. والله تعالى قادر على توقيف دوران الأرض فتكون جهة منها مظلمة وأخرى فيها استمرار للنهار والدليل” ولو شاء لجعله ساكنا” أي الظل في الآية السابقة.

إذا منع الله تعالى الشمس من أداء وظيفتها وزالت أشعتها ونورها يعم الظلام الكون ويفنى بالتدريج وتموت الكائنات الحية ومنها الإنسان، ومن الأدلة على قدرة الله تعالى لمنع الشمس من أداء وظيفتها العظيمة البقرة 117 “بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ” وعبارة ” ولو شاء لجعله ساكنا” في سورة الفرقان 45-46 المذكورة. والقصص 70 ” وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَىٰ وَالْآخِرَةِ ۖ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ” والأنعام 57 ” إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ” والزمر 67 ” وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ” والأنبياء 104 ” يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ۚ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ۚ وَعْدًا عَلَيْنَا ۚ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ” الله تعالى قادر على طي السموات السبع فكيف لا يستطيع طي الشمس نفسها أو إلغاء وجودها نهائيا.

فاشكر أيها الإنسان الله تعالى على نعمة الشمس وهي أساس حياتك في الدنيا والآخرة.

المبحث الثالث: من أسس شرعية الابتلاء، إظهار الكفار و المنافقين 

الابتلاء امتحان واختبار يراد منه الكشف عن حقيقة نفسية وإظهارها للغير. والابتلاء حق لله تعالى وفريضة على المسلمين لهدف شرعي هو إظهار الكفارو المنافقين للملائكة وللمسلمين في دار الإسلام.

في الفقرة الأولى أبين الأدلة على أن الله تعالى لا يحتاج إلى ابتلاء الناس لمعرفة هل هم مؤمنون أم كفار أم منافقون لأنه يعلم حقيقة ما في نفس كل إنسان وفي كل زمان ومكان .

وفي الفقرتين الثانية والثالثة أبين المصلحة الشرعية من إظهار الكفار والمنافقين للملائمة وللمسلمين.

الفقرة الأولى : الله تعالى يعلم إيمان أو كفر أو نفاق كل إنسان.

الله تعالى يتحكم في جسم الإنسان ومنه قلبه وعقله. وقد بينت الأدلة على ذلك سابقا. وسأبين الآيات القرآنية الدالة على أن الله سبحانه وتعالى يتحكم في قلب كل إنسان في الكون  ويعلم ما في نفس الإنسان هل هو مؤمن أم كافر أم  منافق باستمرار وفي كل زمان ومكان. ومن هذه الآيات : العنكبوت 10-11 ” أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ” وسورة ق 16 ”  وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ” والنحل 125إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ” وقال الله تعالى عن المنافقين الذين رفضوا المشاركة في حرب الدفاع عن دار الإسلام في مواجهة كفار قريش في سورة التوبة 42″ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ” والمائدة 41 ” يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ ۛ ” الله تعالى يعلم ما في قلب الإنسان وما تسر كل نفس. والدليل القلم 7 ” إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ” والبقرة 77 “أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ” والبقرة 284 ” وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ۖ “. والقصص 69 ” وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ” والنساء 63 ” أُولَٰئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ ” وآل عمران 167 ” يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ” والفتح 11 ” سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا ۚ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ ۚ ” والممتحنة 1 ” تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ ۚ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ” وسورة المنافقون 1 ” إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ” والممتحنة 10 ” اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ ” وهن المؤمنات المهاجرات من مكة إلى المدينة. والتوبة 101 ” وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ” والتوبة 64 ” يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ ” والبقرة 283″ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ” الله تعالى يعلم من كتم الشهادة فيعاقبه عن كتمانها.

والله تعالى قادر على التحكم في قلب الإنسان والتأثير عليه كما يشاء. وهذا دليل قاطع على أن الله تعالى لا يحتاج إلى ابتلاء الإنسان لمعرفة ما في قلبه. والأدلة كثيرة أبين منها ما يلي : سورة آل عمران 103 “وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا”. والأنعام 46 ” قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَىٰ قُلُوبِكُم مَّنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِهِ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ” والبقرة 6-7 “إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ”

منع الله تعالى الكفار من سماع آيات القرآن ومن النظر إلى آيات الله تعالى في الكون وفي النفس البشرية الدالة على صدق القرآن. وجعل في قلوبهم الشك والريب وأقفلها. والزمر 22 ” فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ” والحجرات 7-8 “وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ” والصف 5 فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ” والقصص 10 ” وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ” وآل عمران 151 ” سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ” والتوبة 93 ” إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ ۚ رَضُوا بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ” وهذا عقاب للذين رفضوا المشاركة في حرب الدفاع عن المسلمين في مواجهة كفار قريش. والأنفال 24 وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ” والأنفال 70 ” إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا ” الله تعالى قادر على التصرف في قلوب كل الناس في الدنيا والآخرة ولو شاء الله لجعل كل سكان العالم كافة مسلمين ولكن ترك للناس حرية الإيمان والكفر. والأدلة منها ” السجدة 13 ” وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ” ويونس 99 وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ” والأنعام  149 “قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ۖ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ” والشورى 24 ” أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ۖ فَإِن يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ ۗ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ” وآل عمران 151 ” سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ” والبقرة 72 ” وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ۖ وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ”

إن الآيات التي بينتها في هذه الفقرة الأولى تتضمن أحكاما شرعية دالة على أن الإنسان في الدنيا خاضع بجسمه وقلبه لمشيئة الله تعالى وقضائه وقدره. والله تعالى يعلم هل الإنسان مؤمن أم كافر أم منافق. ولا يحتاج إلى ابتلائه لمعرفة ذلك، والله تعالى يبتلي الإنسان لإقناعه بقضائه وقدره وبصدق القرآن ويبتليه لمعاقبته عن ظلمه أو لرحمته عن تقواه. ويبتلي الله تعالى الإنسان كذلك ليبين كفره أو نفاقه للملائكة وللمسلمين.

ولهذا سأبين في الفقرة الثانية من هم الكفار والمنافقون وفي الفقرة الثالثة أبين لماذا يبين الله تعالى الكفار والمنافقين للملائكة وأبين لماذا يظهر الله تعالى الكفار والمنافقين للمسلمين في الفقرة الرابعة.

الفقرة الثانية : من هم الكفار والمنافقون 

سأبين بإيجاز من هم الكفار والمنافقين 

أ- من هم الكفار: الكفار هم رجال ونساء أنكروا وجود الله تعالى الذي خلقهم ويعيشون بفضل نفخات من روحه ومصادر الطعام التي يخلقها لهم ولم يؤمنوا برسول الله تعالى محمد وبالقرآن الذي أنزله عليه الله تعالى ناسخا لشرائع الله السابقة ومنها التوراة و الإنجيل.

وسأبين الآيات القرآنية الدالة على وجوب إيمان كل إنسان في العالم بالقرآن والعمل بأحكامه ومن لم يفعل ذلك فهو كافر أو مشرك أو منافق. ومن هذه الآيات البقرة 177 ” وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ ” والبقرة 285 ” آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ” ومحمد 2″ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۙ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ” والنساء 136 ” وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا”. وآل عمران 19 ” إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ” وآل عمران 85″ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ” وآل عمران 20 ” وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ۚ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا ” و المائدة 3 ” الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ ” ويوسف 40 ” إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ” والأنبياء 25 ” وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ” وهذا دليل قاطع على أن عيسى ابن مريم المسيح بعثه الله تعالى رسولا لتبليغ شرع الله للناس ليعبدوا الله تعالى وحده.

ولكن النصارى واليهود وغيرهم من كافة الناس بالعالم ملزمون بالقرآن لأن الله تعالى نسخ به الشرائع السابقة ومنها الثوراة والإنجيل، والأدلة كثيرة منها سورة محمد المذكورة وسبأ 28 ” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا” والأعراف 158 ” قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا” ويونس 57 ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ” الله تعالى خلق كل إنسان مريضا نفسيا ولا يشفى من هذا المرض إلا إذا استعمل الدواء وهو الالتزام بحدود القرآن. ولهذا فالمسلمون المتقون هم الذين عولجوا من هذا المرض بينما الكفار والمنافقون تفاقم فيهم هذا المرض وهم لا يشعرون فلا سعادة لهم ولا أمن ولا استقرار في الدنيا ولا في الآخرة ولو توفرت لهم الأموال الطائلة.

ومما يدل على أن القرآن الكريم ملزم لكل إنسان في العالم ومنهم النصارى واليهود لأنهم بشر، المائدة 48 ” وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ” الله تعالى أمر بالحكم بين النصارى واليهود بالقرآن، فهذا دليل على أنهم ملزمون بالقرآن مثل سائر البشر في العالم. ومن الأدلة، سورة المائدة 15-16 ” يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ” والتوبة 33 ” هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ” والفتح 28 ” هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا” وهذا دليل على أن دين البشرية الشرعي الذي أراده الله تعالى هو الإسلام، لهذا قال الله تعالى في الأنفال 39 ” وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ۚ ” هذا القتال في دار الإسلام لأن الله تعالى حرم الاعتداء على الكفار وحرم فرض الإسلام عليهم بالقوة خارج دار الإسلام وهي البلدان الإسلامية.

لهذا لا يجوز شرعا أن يمارس في دار الإسلام إلا دين الله الحق الإسلام. ولكن الكفار والمنافقون بحكم عدائهم لله تعالى وللمسلمين وللقرآن أسسوا حركة خطيرة ومشروعا سياسيا استعماريا للسيطرة على العالم والقضاء على الإسلام والمسلمين وذلك تحت غطاء وإيديولوجيا دينية بقيادة الكنائس ورجال الدين الذين وضعوه وأسسوه لهذه الغاية وهو مخالف لدين الله الحق الإسلام. وقد أكد الله تعالى عدم شرعية أديان الكفار والدليل سورة الشورى 21 ” أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۗ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ” والكافرون 1-6 ” قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ” فدين الكفار هو الشرك بالله تعالى لأنهم يعبدون المسيح وعزير وغير ذلك من الأشياء والحيوانات لهذا حذر الله المسلمين من الكفار و الدليل البقرة 120 ” وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ”.

وقد شاهدت في قناة تلفزية أحد الرهبان وهو يخاطب أتباعه من المغفلين وسمعته يقول لهم دعاءه ” يا المسيح يا الله أنت وحدك لا شريك لك” وقد نسي هذا الرهبان الذي أشرك بالله تعالى وربما لم يعلم أنه حرك لسانه وتكلم بفضل الله تعالى لأن الروح التي يحيى بها نفخة من روح الله تعالى في جسده والطعام الذي يستمد منه الطاقة الله تعالى هو الذي يخلق مصادره. والله تعالى هو الذي خلق المسيح عيسى ابن مريم وبعثه رسولا لتبليغ الإنجيل للناس، سورة النساء 171 ” يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ۚ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۖ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ ۚ انتَهُوا خَيْرًا لَّكُمْ ۚ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ ۘ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا “وهو مثل سائر البشر خاضع لقضاء الله وقدره و الدليل المائدة 17 ” لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۚ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ۗ ” والنساء 133 ” إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ ۚ”  والنساء 172 ” لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ” هذه الحركة العنصرية الاستعمارية هدفها السيطرة على العالم ونهب موارده وخيراته وتقودها الكنائس والسياسيون الكفار للقضاء على دين الله تعالى الحق الإسلام لأنهم كرهوا قيم الإسلام المجسدة لحكمة الله تعالى الحكيمة، ويريدون فرض قيمهم الفاسدة على المسلمين وغيرهم.

لهذا يجب على المسلمين التضامن والتعاون والتحالف للدفاع عن دين الله الحق الإسلام وعن دار الإسلام والمسلمين لمواجهة طغيان وظلم وجشع وهلع الكفار والمنافقين. فتذكروا أيها المسلمون أمر الله الذي فرضه عليكم في سورة الأنفال 60 ” وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ” والتوبة 105 ” وَقُلِ اعْمَلُوا ” فلا تتحقق القوة الملائمة لمواجهة الكفار والدفاع عن النفس إلا بالعمل الجدي والتنمية الشاملة في كل المجالات  و مسايرة العصر و تطوراته و التاريخ يشهد بأن الكفار قادوا منذ قرون حتى الآن اعتداءات صليبية عسكرية على المسلمين.

وقد شهد الله تعالى على تحريف وتزوير الكفار للثوراة والإنجيل، ثم وضعوا أديانا خاصة بهم لتبرير العداء للإسلام والمسلمين. ومن الأدلة سورة البقرة 79 ” فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ ” والبقرة 75 ” أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ” والبقرة 211 ” سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ۗ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ” وآل عمران 187 ” وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ” و التوبة 34 ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ” والمائدة 15 ” يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ” هذه شهادة من الله تعالى بأن النصارى واليهود زوروا و حرفوا الثوراة والإنجيل ووضعوا أديانا غير شرعية  لتحقيق مشروعهم السياسي الاستعماري ضد الإسلام  و المسلمين.

ب من هم المنافقون : 

المنافقون أشد خطرا على المسلمين لأنهم يظهرون الإيمان  ويخفون الكفر ويتجسسون على المسلمين  ويتآمرون عليهم سريا. ويخدعونهم والدليل البقرة 8-9 ” وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ  يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ”  لهذا يجب على المسلمين الاستفادة من ابتلاء الله تعالى للكفار والمنافقين لأنه سبحانه وتعالى يبينهم لهم بالابتلاء كما أن السلطة الإسلامية والمسلمون ملزمون شرعا لامتحان  الناس وابتلائهم للكشف عن أعدائهم وهم الكفار والمنافقون . 

المنافقون يتظاهرون بالإيمان و الإسلام ولكنهم يكذبون لأنهم يخفون في أنفسهم الكفر ويخالفون حدود القرآن . المنافق يعلم ما في نفسه من نفاق  والله تعالى يعلم المنافقين من كل البشر في كل زمان ومكان لأنه يعلم ما في قلب الإنسان وما تسر وتعلن كل نفس . وقد بنيت الأدلة على ذلك سابقا . و لكن الناس والملائكة والجن والشياطين لا يعلمون ما في نفس الإنسان . و لذلك تظهر الأهمية البالغة والحكمة من الابتلاء لأنه يكشف عن أعداء المسلمين وأعداء الله تعالى وهم الكفار والمنافقون الذين يعلمهم الله تعالى والدليل العنكبوت 10-11 ” أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ  وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ ”  و العنكبوت 3 ” وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ”وهم المنافقون ويقولون ما لا يفعلون وقد حرم الله تعالى ذلك والدليل الصف 3 ” كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ” لهذا فالصدق في الإيمان والإسلام والتقوى من شروط الإيمان والإسلام والنجاة من عذاب الله تعالى في الدنيا وجهنم في الآخرة والفوز بالحياة السعيدة الدائمة في الجنة. ومن الأدلة المائدة 119 ” قَالَ اللَّهُ هَٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ ۚ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ “

فالمنافقون كاذبون وغير صادقين في إيمانهم والله تعالى يعلمهم ولا يقبل أعمالهم ولو قاموا بفريضة الصلاة والحج وغيره. وقد خصص لهم الله تعالى العذاب الشديد مثل الكفار. والدليل سورة النساء 145 ” إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ” والتوبة 68 ” وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ هِيَ حَسْبُهُمْ ۚ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ “.

فأقوال الإنسان وأعماله السرية والعلنية وتقواه حتى الموات هي التي تؤكد هل الإنسان مسلم ومؤمن صادق حقا أم منافق. والدليل التوبة 119 ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ “، والأحزاب 24 ” لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ ” والأحزاب 35 ” وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ ” جعل الله تعالى الصدق في الإيمان والعمل من شروط الإسلام. لهذا قال الله تعالى في المائدة 41 يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ ۛ ” والمائدة 41 ” لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ “

فلكي لا يكون الإنسان منافقا مستحقا لعذاب الله يجب أن يتجسد إيمانه وإسلامه في التقوى حتى الموت والالتزام بحدود القرآن قولا وعملا سرا وعلانية وصدقا. فلا يمكن الادعاء بالإيمان بدون تقوى مستمرة والأدلة منها المائدة 57 ” وَاتَّقُوا اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ” ويونس 62-64 أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ  الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ  لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ” وآل عمران 179 ” وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ” والأنفال 29 ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ” ومحمد 36 ” وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ” والأعراف 156 ” وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ” هذه الأدلة الشرعية أكدت أن الإيمان لا يكون شرعيا ومقبولا عند الله تعالى إلا إذا تجسد في العمل الصالح والتقوى حتى الموت وإلا فإنه نفاق يعاقب الله تعالى عنه.

الفقرة الثالثة : لماذا يبين الله الكفار والمنافقين للملائكة بالابتلاء

قبل أن أجيب عن هذا التساؤل أبين من هم الملائكة وما هو الدور الذي خلقهم الله تعالى للقيام به.

الملائكة مخلوقات من مخلوقات الله تعالى مثل الإنس والجن وغيرهم و الملائكة في السموات وينزلون إلى الأرض بأمر الله تعالى لتنفيذ أوامره الخاصة بتدبير الكون. وهم من عباد الله تعالى والدليل الأنبياء 19-20 ” وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ” والأنبياء 26-27 ” وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا ۗ سُبْحَانَهُ ۚ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ”.

الملائكة ينفذون أوامر الله تعالى لتدبير الكون والدليل التحريم 6 ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ” والأنبياء 27 ” لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ”.

لا يرى الملائكة في الدنيا إلا من شاء الله تعالى أن يراهم مثل الرسل وأولياء الله تعالى المتقين. ولكن الملائكة يرون الناس ويسمعون أقوالهم ويرون أعمالهم. لكنهم لا يعلمون ما في نفس الإنسان ولا يشاركون الله تعالى في قضائه وقدره. لهذا يبين الله تعالى للملائكة من هو مؤمن ومن هو كافر ومنافق بالابتلاء.فالملائكة من جنود الله تعالى والدليل الفتح 4″ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ” والمدثر 31 ” وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ۚ “.

والملائكة من عباد الله تعالى المخلصين، والدليل الأعراف 206 ” إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ۩” وآل عمران 80 ” وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا ۗ أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ” والله تعالى يراقب أعمال الملائكة مثل الناس ويجازيهم عنها بالجنة أو جهنم، لقد كلف الله تعالى الملائكة بمراقبة أقوال وأعمال كل إنسان وتسجيلها في كتب أعمالهم التي يحاسبون بها بعد البعث في الآخرة. والأدلة منها الانفطار 10-12 ” وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ” والزخرف 80 ” أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم ۚ بَلَىٰ وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ” وق 16-18 ” وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ” الله تعالى مستوي على العرش فوق السماء السابعة وفوق الكون كله بذاته العظيمة ولكن المقصود من عبارة نحن أقرب إليه من حبل الوريد في الآية أن ملائكة الله تعالى تراقب الإنسان وهي معه أين ما كان. والله تعالى مع كل إنسان بسمعه وبصره وعلمه وتصرفه وكلامه كما فسرت ذلك سابقا في سورة الحديد الآية 4.

والله تعالى يجعل الملائكة في أية صورة وهيأة يشاؤها ومنها هيأة الإنسان. والدليل سورة الأنعام 9″ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ” فتأكد أيها الإنسان أن بجانبك ملائكة يراقبون أعمالك وأقوالك في كل زمان ومكان. واعلم أن معك أعضاء جسمك تشهد على أعمالك وأقوالك عندما ينطقها الله تعالى ويشهد عليك الله تعالى كذلك، والله تعالى يبين الكفار والمنافقين والمسلمين للملائكة بالابتلاء لكي يعذبوا من يستحق العذاب ويرحموا ويحموا من يستحق الرحمة والحماية. وسأبين الأدلة الشرعية على ذلك.

الملائكة يوقعون العذاب بأمر الله تعالى على الكفار والمنافقين والظالمين في الدنيا والآخرة. الله تعالى هو الذي يعلم حالات العذاب الذي تنفذه الملائكة تحت مراقبته. وأذكر بعض الأمثلة التي نص عليها القرآن لهذا يبتلي الله تعالى ويمتحن الناس لبين الكفار والمنافقين للملائكة.

وأعطي أمثلة عن توقيع الملائكة العذاب في الدنيا منها هلاك الملائكة لكفار قوم نبي الله إبراهيم والدليل العنكبوت 31 ” وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ ۖ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ” والذاريات 31-34 ” قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِينٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ”.

كما أنزل الله تعالى ملائكته لتعذيب كفار قوم نبيه لوط والدليل العنكبوت 33-34 ” وَلَمَّا أَن جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ ۖ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَىٰ أَهْلِ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ” وهود 81 ” قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ ۖ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ ۖ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ۚ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ۚ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ”. 

وأعطي أمثلة عن توقيع الملائكة العذاب على المستحقين له في الآخرة . والدليل الزمر 71 ” وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًا ۖ ” والصافات 22-24 ” احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْجَحِيمِ وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ” والدخان 47-48 ” خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَىٰ سَوَاءِ الْجَحِيمِ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ” والحاقة 30-35 ” خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ”  وكلما ألقى الملائكة فوجا من الكفار في جهنم سألوهم عن كفرهم والدليل سورة الملك 8 ” كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ” وغافر 46 ” أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ” ويبين الله تعالى الكفار والمنافقين والمسلمين المتقين للملائكة بالابتلاء والامتحان لحماية المسلمين المتقين الصادقين في الدنيا والآخرة. ومن الأدلة فصلت 30-32 ” إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ” ويونس 62-64 ” أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ” و الأحقاف 13-14 ” إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” ومدلول الاستقامة في القرآن هو الإسلام والتقوى أي الالتزام بحدود القرآن. والدليل سورة التكوير27-28 ” إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ” والشورى 52-53 ” وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله ” لهذا فالملائكة مكلفون من الله تعالى بحماية المسلمين المستقيمين أي المتقين في الدنيا والآخرة تؤكد ذلك الزمر 73 ” وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ ” فالملائكة هم الذين يدخلون المبعوثين للجنة أو جهنم طبقا لأمر الله تعالى ولأعمالهم بعد الحساب. والرعد 23-24 ” وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ “.

والملائكة يبلغون وحي الله تعالى للرسل والأنبياء والمسلمين المتقين من أجل الدعوة الإسلامية وعبادة الله تعالى وحده. ومن الأدلة النحل 2 ” يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ” والشعراء 192 ” وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ  نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ” فشرائع الله تعالى المنزلة على رسله بلغها لهم الملائكة وهي مادة ابتلاء للناس ناسخها كلها القرآن. لهذا فالملائكة يساهمون في تنفيذ ابتلاء الله تعالى للناس ولهذا يبين لهم الكفار والمنافقين والمسلمين.

الفقرة الرابعة : لماذا يبين الله تعالى الكفار والمنافقين للمسلمين بالابتلاء 

الكفار حرفوا الثوراة والإنجيل المنزلين من الله تعالى على رسوليه موسى وعيسى ووضعوا أديانا خاصة بهم لتحقيق مصالح اقتصادية وسياسية وللقضاء على الإسلام وقيمه السامية التي رفضوها تلبية لرغباتهم وشهواتهم وقيمهم الفاسدة المخالفة للإسلام. وقد شهد الله تعالى على تزوير الكفار للثوراة والإنجيل في آيات قرآنية كثيرة منها: البقرة 79″ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۖ فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ ” والشورى 21 ” أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ ۚ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ ۗ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ” والتوبة 30-31 وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَٰهًا وَاحِدًا ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ” والبينة 4-5 ” وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ”.

والبقرة 75 أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ” فكل دين لا يعبد فيه الله تعالى وحده طبقا لحدود القرآن فهو غير شرعي ودين كفر. والأدلة منها يوسف 40 إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ۚ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ”. وكل الرسل ومنهم موسى وعيسى كلفهم الله بالدعوة الإسلامية وعبادة الله تعالى وحده. والدليل النحل 36 ” وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ ” والأنبياء 25 ” وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ” وحتى ولو لم يزور الكفار الثوراة والإنجيل فإن الله سبحانه وتعالى نسخهما بالقرآن.

وكل من لم يؤمن بالقرآن ويلتزم بحدوده كافر والدليل محمد 2 ” وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۙ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ” آل عمران 19 ” إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ ” وآل عمران 85 ” وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ” وآل عمران 20 ” وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ۚ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ ” والقرآن نسخ كل الشرائع السابقة ومنها التوراة والإنجيل. وهناك أدلة كثيرة منها المائدة 15 ” يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ” والمائدة 48 ” وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ” والتوبة 33 ” هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ” فالإسلام أي عبادة الله تعالى وحده هو الدين الشرعي الذي شرعه الله تعالى للناس كافة في العالم كله.

ومن الأدلة التكوير 27-28 ” إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ  لِمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ ” وسبأ 28 ” وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ ” والأعراف 158 ” قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا” هناك أدلة أخرى لم أذكرها. والحقيقة الشرعية التي أكدها من خلق الكفار والمؤمنين وهو الله تعالى هي أن كل من لم يلتزم فعلا وصدقا بحدود القرآن فإنه كافر وعدو الله تعالى والمسلمين.

ولهذا تظهر أهمية الابتلاء والامتحان لمعرفة أعداء الله تعالى وأعداء المسلمين. وسأبين لماذا يبين الله تعالى الكفار والمنافقين للمسلمين بالابتلاء في ثلاث نفقط.

1– عداء الكفار لله وللمسلمين وثفاقم مرضهم النفسي 

الكفار والمشركون والمنافقون كلهم كفروا بالله تعالى وبالقرآن وكلهم أعداء الله تعالى والمسلمين. لهذا خصص لهم الله تعالى العذاب في الدنيا وجهنم في الآخرة. ومن الأدلة غافر 6 ” وَكَذَٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ” وفصلت 27-28 ” فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ  ذَٰلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ ۖ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ ۖ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ” والنساء 140 ” إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا” والبقرة 39 ” وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ”.

الكفار والمشركون والمنافقون يبغضهم الله تعالى لأنهم أعداؤه وأعداء المسلمين ويريدون القضاء على الإسلام والمسلمين بمختلف الوسائل السلمية والعسكرية. لهذا قال الله تعالى في سورة البقرة 98 ” فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ” والأنفال 36 ” إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ” والبقرة 105 ” مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۗ ” والتوبة 32 يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ” نور الله هو القرآن الذي يكرهه الكفار . الممتحنة 4 ” كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ” هذا قول الله تعالى على لسان نبيه إبراهيم. وآل عمران 99 ” قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ” لهذا يقود الكفار حملات خطيرة دعائية في وسال الإعلام والاتصال للتأثير على الناس وتكفيرهم ويقودون الحروب المدمرة على المسلمين في كل زمان ومكان بل يحرقون مصاحف القرآن ويهدمون المساجد ويغتالون علماء الإسلام لكي لا تنتشر الدعوة الإسلامية. ومن الأدلة التوبة 34 “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۗ ” والبقرة 217 ” وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ” والبقرة 105″ مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ ۗ ” و البقرة 109 ” وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ ”  والنساء 101 ” وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُّبِينًا “فالكفار |أعداء الله تعالى والمسلمين، وهم أشرار . والدليل البينة 6 ” إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ” والأنفال 55 ” إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ” فشرهم أخطر من شر الأسود والأفاعي والعقارب.

لهذا يبتلي الله تعالى الناس ليبين الكفار والمنافقين للمسلمين ليحتاطوا منهم و لينجوا من شرهم. ولهذا يجب على السلطة الإسلامية والمسلمين ابتلاء وامتحان الناس في دار الإسلام لمعفرة أعدائهم وهم الكفار والمنافقون ومنهم المشركون.

إن عداء الكفار للمسلمين ولله تعالى له سبب أساسي هو أنهم لم يستعملوا الدواء والعلاج من المرض النفسي الذي خلق به الله تعلى كل إنسان بدءا من أصل البشرية وهو آدم وحواء وذلك ابتلاء له.

وأذكر بالأدلة على هذا المرض النفسي نظرا لأهميتها في دراسة النفس البشرية. ومنها المعارج 19-34 ” إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ ….”ويوسف 53 ” إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ ” وهود 112 ” فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ ” حذر الله تعالى الرسول والمؤمنين من الطغيان لأنه يعلم المرض النفسي الذي خلق به الإنسان وسورة العلق 6″ كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ” والعاديات 6-8 ” إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ لَشَهِيدٌ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ ” و سورة العصر 1ـ3  “وَٱلۡعَصۡرِ (1) إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ لَفِي خُسۡرٍ (2) إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰالِحَٰتِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡحَقِّ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ (3) ” أقسم الله تعالى بأن كل إنسان لم يلتزم بحدود القرآن حتى الموت يكون من الخاسرين المعذبين، و لا يشفى من مرضه النفسي لأنه لم يستعمل الدواء و هو الالتزام بحدود القرآن والشورى 27 ” وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ” هذا دليل قاطع على أن الله تعالى خلق الإنسان مريضا نفسيا ابتلاء له – فكلما توفرت له الأموال الكثيرة والصحة والقوة فإنه يطغى ويفسد في الأرض ويظلم الآخرين ويسيطر عليهم إلا اللذين التزموا بحدود القرآن . فالكفار أشرار لا يستحيون من الله تعالى والدليل القيامة 5″ بَلْ يُرِيدُ الْإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ” والنساء 108 ” يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ ” طبعا الله معهم بسمعه وبصره وعلمه وتصرفه وملائكته والالتزام بحدود القرآن هو الدواء والعلاج الذي يشفي من المرض النفسي. والدليل يونس 57 ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ “. و الإسراء 82 ” وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا”  

القرآن أمر بالعدل والقسط والإحسان وهو حكمة الله التي تهذب النفس وتنمي الأخوة بين المسلمين والسلم والأمن والسعادة. ولكن الكفار رفضوا الالتزام بحدود القرآن وبذلك حرموا أنفسهم من دواء العلاج من مرضهم النفسي الذي تفاقم وتزايد.

ولهذا انقسم العالم إلى مجموعتين بشريتين هما مجموعة الأصحاء الذين استعملوا الدواء و هو الالتزام بحدود القرآن ومجموعة المرضى الذين رفضوا استعمال الدواء أي أعرضوا عن القرآن واتبعوا شهواتهم وأهواءهم والنفس الأمارة بالسوء.

فهناك صراع دائم وحروب بين معسكر الشر وهم الكفار ومعسكر الخير وهم المسلمون و الدليل سورة البينة 6-8  ” إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ” و الأنفال 55 ” إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ” هذا الصراع بين الكفار والمسلمين عرفه التاريخ البشري منذ بداية ذرية آدم حتى الآن والدليل عليه الحروب الصليبية التي قادها الكفار ضد المسلمين والاستعمار السياسي والاقتصادي الذي قاده الكفار على البلدان الإسلامية.

فهناك صراع بين المرضى نفسيا الذين رفضوا استعمال الدواء وهو الالتزام بحدود القرآن وبين الأصحاء الذين التزموا بحدود القرآن  فعولجوا من مرضهم النفسي، لهذا نص القرآن على آيات كثيرة يأمر الله تعالى فيها المسلمين بالتضامن والتعاون والتكافل والعمل الحلال الجدي لتحقيق التنمية الشاملة وإعداد القوة الضرورية للدفاع عن الإسلام والمسلمين ودار الإسلام في مواجهة معسكر المرضى نفسيا، والأشرار وهم الكفار والمنافقون المتحالفون مع الكنائس المدافعة عن أديان الكفر والراغبة في القضاء على الإسلام والمسلمين والدليل الأنفال 60 “وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ” و التوبة 105 ” وَقُلِ اعْمَلُوا”  فلا تتحقق هذه التنمية الضرورية للدفاع عن الإسلام والمسلمين إلا بالعمل الصالح الجدي في كل المجالات ومسايرة تطورات العصر والتقدم العلمي والتقني والعسكري وتحقيق التنمية الشاملة.

والكفار متحالفون ضد الإسلام والمسلمين، ومن الأدلة على ذلك عدوانهم على البلاد الإسلامية والحروب الصليبية الكثيرة التي قادها الكفار على المسلمين منذ قرون عديدة حتى اليوم، و الاستعمار السياسي والاقتصادي.

وأختم هذه النقطة حول عداء الكفار والمنافقين للمسلمين بتوضيح حول المرض النفسي الذي خلق به الله تعالى الإنسان والذي زاد في عدائهم للمسلمين، قد يواجهني أحد الباحثين في الدراسات الإسلامية بما جاء في سورة التين4″لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ” . وأقول بأن مدلولها  لا ينص على أن الإنسان لم يخلقه الله تعالى مريضا نفسيا وقد أكدت الآيات التي ذكرتها سابقا هذه الحقيقة، ولكن مدلول سورة التين أن الله تعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم بمعنى أن كتاب أعماله لم تسجل فيه السيئات وبذلك يستحق الإنسان الجنة منذ ولادته إلى حين اكتمال قدرته العقلية وبلوغ سن التكليف الشرعي. وإذا بلع الطفل سن التكليف الشرعي ولم يلتزم بحدود القرآن فإن مرضه النفسي الذي خلقه به الله تعالى ابتلاء له يتزايد فيصبح من الخاسرين ويرده الله تعالى أسفل السافلين بعد أن ولد في أحسن تقويم.

2- حرم الله تعالى ولاية الكفار والمنافقين على المسلمين 

هذه الولاية المحرمة من أهم أسباب ابتلاء الله تعالى للإنسان ليبين أضغانه وحقيقة ما في نفسه للمسلمين. ويجب على السلطة الإسلامية والمسلمين ابتلاء الناس وامتحانهم لنفس الغاية لكي لا يمارس  الكفار الولاية على المسلمين. ولذلك أبين بعض الأدلة الشرعية على هذا التحريم،  وطبعا من أسباب هذا التحريم وقاية المسلمين من شر الكفار وتكفيرهم لهم وفرض ثقافتهم وقيمهم الفاسدة عليهم. والدليل : البقرة 109 ” وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ ” والنساء 89″ وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ۖ “.

ولهذا قال الله تعالى في سورة الأنفال 73 ” وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ” إذا حصلت ولاية الكافر على المسلمين فإنه يلزمهم بأوامره التي تكفرهم وتلزمهم بانتهاك حدود القرآن فتسود الفتنة والفساد والظلم في المجتمع الإسلامي. وتنتشر فيه قيم الكفار ويتسلط عليه الاستعمار السياسي والاقتصادي وتنتهك حقوق المسلمين وأعراضهم وممتلكاتهم.

ومن الأدلة الشرعية التي حرمت ولاية الكفار على المسلمين المائدة 51 ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ “. هذه الآية دليل على أن من قبل ولاية الكفار كافر مثلهم. وتؤيد ذلك سورة هود 113 ” وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ” والشعراء 151-152 ” وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ” والممتحنة 1 ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ” والمائدة 80-81 ” تَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَٰكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ”. فمن شروط الإيمان عدم الخضوع لولاية الكفار ومن قبلها فهو كافر ولو صلى وحج البيت الحرام، فالوالدان  حرم الله ولايتهما على أبنائهما إذا كفرا . والدليل، التوبة 23 ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ”، وقد أعطانا الله تعالى مثلا بنبيه إبراهيم الذي اعتزل أباه الكافر والدليل سورة التوبة 114 ” فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ”.

الله تعالى حرم ولاية الكفار والمنافقين على المسلمين لكيلا تقع الفتنة والفساد، في دار الإسلام. ومن الأدلة، سورة الأنفال 73 ” وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ” فالولي يصدر أوامره لمن هو تحت ولايته، لهذا قال تعالى في سورة آل عمران 149:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ” لأن الكفار يصدون عن سبيل الله تعلى ويريدون تكفير المسلمين. والدليل سورة آل عمران 99:” قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ” والأنفال 36:” إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ” والتوبة 34:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۗ ” وآل عمران 100:” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ” فمن قبل ولاية الكفار كافر مثلهم. ومن الأدلة سورة آل عمران 28:” لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ” والنساء 144 :” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا ” والنساء 138-139 :” بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا”.

لهذا طبقا لهذه الأحكام الشرعية وهي حكمة الله تعالى وأمره المنزل للناس جميعا من قبل ولاية الكفار وخضع لها كافر مثلهم. لهذا قال الله تعالى في سورة المائدة 55:” إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ”. ولهذا فرض الله تعالى على المسلمين ابتلاء الناس وامتحانهم لمعرفة الكفار والمنافقين ويجب كذلك عليهم ملاحظة ابتلاء الله تعالى للناس لأنه يبين لهم أضغانهم ليعلموا المسلم والكافر والمنافق لأن الولاية على المسلمين لا تجوز إلا للمسلمين، والدليل سورة المائدة 55 السابق ذكرها والتوبة 71″ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ”.

3-فرض الله تعالى معرفة الكفار والمنافقين لحماية النظام الإسلامي 

الله تعلى يبتلي الناس ليبين أضغانهم ومعتقداتهم للمسلمين ليعلموا أعداءهم وهم الكفار والمشركون والمنافقون ليحذروهم ويحتاطوا من شرهم وعدائهم. ومن الأدلة سورة العنكبوت 2-3″أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ و لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ”  وسورة محمد 29 ” أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ” وآل عمران 154 ” وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ” الله تعالى يعلم ما في قلب كل إنسان وفي كل زمان ومكان، ولكنه يبين الكفار للمسلمين بالابتلاء . والله تعلى يبتلي الإنسان بالغنى والفقر وبالصحة والمرض وبالشر والخير وبالشقاء والسعادة ليظهر ما في قلبه للمسلمين. ومن الأدلة، سورة الأنعام 16:” وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ ” والأنبياء 35 :” وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ” والسلطة الإسلامية والمسلمون ملزمون بابتلاء وامتحان الناس لمعرفة الكفار والمنافقين لحماية النظام الإسلامي في البلاد الإسلامية وهي تشكل دار الإسلام.

وقبل أن أبين الإجراءات التي فرضها القرآن لحماية النظام الإسلامي في البلاد الإسلامية من الكفار والمنافقين أبين الأدلة الشرعية على أن الله تعالى لم يظلمهم وأمر المسلمين في القرآن بأن لا يفرضوا عليهم الإسلام بالقوة وأن لا يعتدوا عليهم ولكن أمر المسلمين بالتعاون كافة للدفاع عن بلاد الإسلام في حالة اعتداء الكفار عليهم وسأذكر الأحكام الشرعية المؤكدة لذلك فيما بعد. المهم أن المسلمين ملزمون بعدم فرض الإسلام على الكفار. ومن الأدلة، البقرة 256 ” لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ ” والكهف 29 ” فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ ” والروم 44 ” مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ۖ ” والزمر 7 ” إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ ۖ وَلَا يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ۖ ” ويونس 99 ” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ۚ أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ” والسجدة 13″ وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ”.

ولكن أمر الله تعالى بتبليغ القرآن وشرحه للكفار لعلهم يؤمنون ويقتنعون. وتؤكد ذلك سورة النحل 125 ” ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ”  والعنكبوت 46 ” وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ ” وسورة فصلت 33″ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ” والعلماء أمرهم الله تعالى بشرح القرآن وتبليغه للناس كافة. وأذكر لكم الآيات الدالة على ذلك ومنها : سورة البقرة 159-160 و 174 والتوبة 122 والنحل 43 وفصلت 33. طبعا يتعلق الأمر بالعلماء المسلمين.

الله تعالى فرض على المسلمين في كل بلاد الإسلام حماية النظام الإسلامي وقيم وثقافة الإسلام النبيلة الصالحة والدفاع عن دين الله تعالى الحق الإسلام. وسأبين ذلك في ثلاث نقط على التوالي:

أ- فرض الله تعالى تعاون المسلمين وتضامنهم وتعاونهم وتكافلهم في كل بلاد الإسلام وهي دار الإسلام لمواجهة أي اعتداء من طرف الكفار والمنافقين والمشركين. والدليل الشرعي على ذلك سورة المائدة 2 ” وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”، فالدفاع عن النفس والمال والعرض حق مشروع لكل إنسان للاستمرار في الحياة. لهذا فرض الله تعالى على المسلمين التعاون والتضامن لحماية أنفسهم وحماية النظام الإسلامي. هذا التعاون من البر والتقوى الذي أمر به الله تعالى، النساء 75 “وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا” فهذا أمر من الله تعالى بأن يتعاون المسلمون لحماية المسلمين المستضعفين من الطغيان والاستبداد والظلم ومن عدوان الكفار والمنافقين  والمشركين كذلك. وسورة الحجرات 9 ” وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ” هذا التعاون بين المسلمين لقمع المعتدين والمنتهكين لحدود القرآن هدفه حماية النظام الإسلامي ودين الله تعالى الحق الإسلام.

ب- فرض الله تعالى إعداد القوة الضرورية والمناسبة لحماية النظام الإسلامي

لهذا أمر الله تعالى المسلمين في كل مكان وزمان بإعداد القوة الضرورية المناسبة لقوة الكفار لمواجهة اعتدائهم المتواصل على بلاد الإسلام والمسلمين وتواطئهم للقضاء على الإسلام والدليل الشرعي على ذلك سورة الأنفال 60 ” وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ ” طبعا هذه الآية فيها حكم شرعي يأمر بإعداد القوة ولكن حسب تطور العصر وقوة الكفار، لهذا لا يمكن إعداد القوة من الخيل التي كانت أقوى وسيلة للحرب في عهد الرسول بل من الطائرات والدبابات والصواريخ والمدافع والقنابل وغيرها حسب تطور العصر وما توصل إليه الكفار ليكون دفاع المسلمين ممكنا.

لهذا أمر الله تعالى المسلمين بالعمل الجدي الحلال في كل المجالات والتنمية الشاملة والتقدم العلمي والتقني. هذا الأمر عبرت عنه سورة الأنفال 60 وسورة التوبة 105 “وَقُلِ اعْمَلُوا ” والتوبة 71 ” وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ” والعمل الحلال لتحقيق القوة الضرورية للدفاع عن النظام الإسلامي من المعروف الذي أمر به الله تعالى.

ولقد أصاب المسلمين الهوان وخضعوا لاستعمار وسيطرة الكفار لأنهم لم يلتزموا بأمر الله تعالى الذي فرض عليهم العمل الحلال لإعداد قوة الدفاع عن بلاد الإسلام والنظام الإسلامي كما أنهم خالفوا أمر الله تعالى واختلفوا وتفرقوا. بل أمر الله تعلى بوحدة المسلمين لحماية النظام الإسلامي والأدلة منها سورة |آل عمران 103 وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ” وآل عمران 105 ” وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ” والأنعام 159 ” إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ” والروم 31-32 ” وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا ۖ  ” لهذا يجب على المسلمين التعاون والوحدة والعمل الجدي الحلال لإعداد قوة الدفاع عن النظام الإسلامي والأموال والعرض.

 

ج- يجب منع إقامة الكفار في بلاد الإسلام لحماية النظام الإسلامي.

 إذا اجتمع الأصحاء مع المرضى في مكان واحد تنتشر العدوى من المرضى إلى الأصحاء. فإذا اختلط الكفار بالمسلمين تنتشر جراثيم الكفر إلى المسلمين لأن قيم وثقافة الكفار فاسدة، ومخالفة لقيم وثقافة الإسلام الصالحة النبيلة. ولا أصدق من شهادة الله تعالى على ذلك. ومن الأدلة سورة الأنفال 73 ” وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ”

وسأبين بعض الأمثلة عن قيم الإسلام التي تخالفها قيم الكفاروذلك يبرر منع إقامة الكفار والمشركين في دار الإسلام ويمنع ولاية الكفار على المسلمين ويحرم زواج المسلم بالكافرة وزواج المسلمة بالكافر.

حرم الله تعالى تبرج المرأة والدليل سورة النور 31 :” وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ” والكافرات يتجولن في الشوارع شبه عاريات بل حتى بعض الكفار فكيف يمكن قبول وجودهم مع المسلمين في بلاد الإسلام . لا يقبل العقل والمنطق و الشرع الإسلامي هذه الرذائل والمنكر. والكفار لهم حرية تناول الخمر والمخدرات و الزنا و يعتبرون ذلك من حقوق الإنسان بينما القرآن حرم الخمر والمخدرات والتدخين و الزنا  والدليل سورة المائدة 90 ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” والأعراف 157 ” وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ” فكل ما يضر بصحة الإنسان العضوية والنفسية حرمه الله تعالى ومن ذلك الخمر والمخدرات والتدخين.

ومن أخطر الجرائم التي تفسد المجتمع بجانب الخمر والمخدرات وتؤدي إلى اقتتال النساء من أجل الرجال واقتتال الرجال من أجل النساء هي جريمة الزنا الخطيرة التي تخرب المجتمع وتدمره. والقرآن حكمة الله تعالى حرم الزنا وخصص العذاب للزاني والزانية والدليل سورة النور 2-3  “الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ” بل حرم كذلك مقدمات الزنا  كالتحرش والقبلة وغيرها والدليل سورة الإسراء 32 ” وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا” في بلاد الكفار يمارس الزنا في كل مكان مثل تناول الخمر والمخدرات . 

لهذا لا يجوز شرعا إقامة الكفار في بلاد الإسلام لحماية النظام الإسلامي وقيمه وثقافته الحكيمة والنبيلة. ومن قيم الكفار الفاسدة أكل الربا الذي حرمه الله تعالى في سورة البقرة 275 ” الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ ” فالربا هو فائدة يأخذها المقرض مقابل سلف للمقترض. هذه الفائدة غير شرعية لأنها ليست مقابل عمل والله تعالى أمر بالسلف بدون فائدة على سبيل الخير والإحسان و الدليل النحل 90 ” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ” و البقرة 279 ” وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ” لأن السلف بدون ربا من الإحسان الذي أمر به الله تعالى. فالذي يأكل الربا أي المقرض هو الآثم أما المضطر للسلف بالفائدة فإنه غير آثم. المهم أن الربا يخرب الاقتصاد لأن المقرضين بالربا يجمعون ثروات مالية هائلة ويبذرونها دون مساهمة في الإنتاج الفعلي و هذه جريمة ضد الأمة الإسلامية.

وأختم هذه الأمثلة عن فساد قيم الكفار بالزواج المثلي الذي بررته قوانينهم وعاداتهم السيئة، ومعناه أن رجل يتزوج برجل و امرأة تتزوج بامرأة، ولا يجوز شرعا أن يكون ذلك في بلاد الإسلام لأن قيم الإسلام حرمت ذلك، ومن الأدلة سورة الشعراء 165 و 166″ أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ” وما خلق الله للزوج من زوجته هو فرجها وحرم الله تعالى إتيان دبر الأنثى والذكر. والدليل سورة الشعراء 165-166 المذكورة و سورة البقرة 187″بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ ” و البقرة 222 ” وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ” وقد شاهدت في قناة تلفزية الكفار وهم يعلنون زواج الرجال بالرجال في كنيستهم. وهناك مسألة هامة هي أن حقوق الإنسان عند الكفار يحددونها حسب شهواتهم وهواهم مثل الزواج المثلي والزنا والخمر حيث يعتبرون ذلك من حقوق الإنسان.أما حقوق الإنسان في بلاد الإسلام فقد حددها الله تعالى في القرآن الكريم وهي آمرة وملزمة بمعنى لا يجوز المس بها.

لهذا يجب على المسلمين حماية النظام الإسلامي وقيم الإسلام من الكفار والمنافقين والمشركين. ولهذا لا تجوز إقامة الكفار في بلاد الإسلام.

وسأذكر الآيات التي حرمت إقامة الكفار والمنافقين في بلاد الإسلام. هل تقبل أيها الإنسان بأن يبيت في منزلك عدوك الذي تعلم أنه يتربص بك ويريد لك الشر – لا يقبل ذلك إلا المغفل الساذج أو المجنون، لهذا لا تجوز إقامة الكفار والمنافقين في بلاد الإسلام وهي ما يسمى دار الإسلام. والدليل شهادة الله تعالى على خطر وشر عدائهم لله وللمسلمين. ومنها سورة الأنفال 36 ” إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ ” والأنفال 55 ” إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ” وقال الله تعالى عن  الكفار والمشركين في سورة البينة 6 ” أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ” وسورة البقرة 120 ” وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ ” والنساء 89 ” ودُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ۖ ” والبقرة 109 ” وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ ” والبقرة 217 ” وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ ” وسورة نوح 26 – 27 ” وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ” والممتحنة 4 قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ” وسورة الفتح 29 ” مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ ” والتوبة 73 ” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ” ومعنى جاهدهم اطردهم من بلاد الإسلام.

وهناك دليل مهم في سورة المائدة 33-34 ” إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ۖ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” فالذي يمارس دين الكفر ويشرك بالله تعالى في دار الإسلام يحارب الله ورسوله والذي يقوم بصد الناس عن الإسلام يحارب الله ورسوله وكل أشكال الفساد في بلاد الإسلام محاربة الله ورسوله. وكل ذلك جزاؤه العذاب المذكور في سورة المائدة 33-34  وأخفه الطرد من بلاد الإسلام لحماية النظام الإسلامي. وإذا طلب الكافر من السلطة الإسلامية الدخول إلى بلاد الإسلام يعرض عليه القرآن ويشرح له ولا يسمح له بالإقامة في دار الإسلام إلا إذا آمن وأسلم فعلا وحقا الدليل في سورة التوبة 6 ” وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ” ومعنى يسمع كلام الله في الآية حتى يؤمن بالقرآن ويلتزم به. وإذا استمر في كفره يطرد من بلاد الإسلام.

والدليل كذلك سورة التوبة 11 “فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ۗ ” بمعنى يكونون مسلمين مثلكم ولهم الحق في الإقامة في بلاد الإسلام وفي سورة الممتحنة 10 “وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ” ويتعلق الأمر بالنساء المهاجرات من مكة إلى المدينة. فقد أمر الله تعالى بطرد الكافرات من دار الإسلام واستقبال المؤمنات وقبولهن فيها و هذا الطرد يطبق على الكفار أيضا. 

وتمنع إقامة الكفار في بلاد الإسلام لأنه لا تجوز ممارسة أديان الكفار في دار الإسلام ولا يجوز شرعا أن توجد كنائسهم فيها. والدليل سورة الفتح 28″ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ۚ ” وآل عمران 19 ” إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ ” وآل عمران 85 ” وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ” والمائدة 3 ” الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ ” والنساء 91 ” فَإِن لَّمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ۚ وَأُولَٰئِكُمْ جَعَلْنَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا ” و المقصود بعبارة حيث  ثقفتموهم حيث  وجدتموهم في بلاد الإسلام.

فقد أمر الله تعالى المسلمين بالتضامن والتعاون لإعداد القوة الضرورية والقادرة على الدفاع عن بلاد الإسلام والمسلمين وأموالهم وأعراضهم في مواجهة الكفار والمنافقين والمشركين. وجعل الله تعالى هذه الحرب الدفاعية فريضة إسلامية أساسية. والأدلة كثيرة منها سور ة التوبة 111 “إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ” ليس هناك شراء للنفس والمال ولكن المقصود أن الله تعالى قدر وحكم بأن من جاهد في سبيل الله تعالى بماله ونفسه يدخله الجنة حتما إذا كان مسلما متقيا. وسورة البقرة 190 ” وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ ” البقرة 194 ” فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ ” والبقرة 193 ” وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ ۖ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ” هذا القتال داخل بلاد الإسلام للدفاع عن الإسلام والمسلمين وأموالهم وأعراضهم. وهذه الآية من الأدلة على أن بلاد الإسلام لا يقيم فيها إلا المسلمون ولا يمارس فيها إلا دين الله الحق الإسلام.

ولكن إذا جنح الكفار المعتدون إلى السلم وابتعدوا عن بلاد الإسلام ولم يقاتلوا المسلمين فالسلطة الإسلامية تجنح إلى السلم وتوقف القتال.

والدليل النساء 90″ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا” والأنفال 61 ” وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ ” والتوبة 7 “فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ” بشرط التزامهم بالمعاهدات.  المهم أن الله تعالى فرض على المسلمين القيام بالحرب الدفاعية لحماية النظام الإسلامي وأموال وأعراض المسلمين. والدليل سورة التوبة 36 ” وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ ” والتوبة 13 ” أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ۚ أَتَخْشَوْنَهُمْ ۚ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ” فطبقا لهذه الأحكام الشرعية كل من توفرت فيه القدرة على الجهاد والقتال للدفاع عن النظام الإسلامي والمسلمين ولم يفعل ذلك عمدا فقد كفر ولو صلى وحج البيت الحرام.

وفي الختام أقول بأنه يجب على السلطة الإسلامية والمسلمين مراقبة ابتلاء الله تعالى للناس فإنه يبين أضغانهم وخباياهم النفسية ليعلموا من هو مؤمن ومن هو كافر ومنافق ومشرك ليعاملوهم طبقا لحدود القرآن. ويجب على السلطة الإسلامية والمسلمين ابتلاء الناس في دار الإسلام لمعرفة المسلمين والكفار والمنافقين للحذر من عدائهم ومنع ولايتهم و منع إقامتهم في بلاد الإسلام ومنع الزواج منهم لحماية النظام الإسلامي.

ويتم هذا الابتلاء والامتحان بمراقبة أعمال الناس وأقوالهم وأعمالهم السرية والعلنية، وهل هي مطابقة لحدود القرآن أم مخالفة لها بدون أن يشعروا بهذه المراقبة لكيلا يخفوا الحقائق ووضعهم أمام حالات وظروف خاصة لمعرفة تصرفاتهم ولإخراج أضغانهم وتقييمهم. وهذا الابتلاء والامتحان شرعي وفيه مصلحة شرعية هامة للأمة الإسلامية.

وسأتابع البحث في باقي أحكام الابتلاء في القرآن بحول الله تعالى مستقبلا إن كان في عمري بقية. والسلام على كل مسلم صادق متقي.

 

Copyright 2024, All Rights Reserved