أحكام الابتلاء في القرآن – الفصل الثاني

  الدار البيضاء في 29 شعبان 1445/10 مارس 2024

 

موضـــــــــــوع البحــــث

أحكـــــــام الابتـــــــــلاء فـــــي القــــــرآن

الفصل الثاني

 

بحث أعده الرحلي أحمد 

من هيئة التدريس بالتعليم العالي 

بالدار البيضاء سابقا متقاعد.                                                    

الموقع بالانترنيت                        www.erahliahmed.com  

الهاتف: 06.28.28.99.11

 

هذا البحث أكملت به البحث السابق المنشور في موقعي المذكور بالأنترنيت وهو أحكام الابتلاء في القرآن. وقد تعرضت فيه لمقدمة عامة والفصل الأول وهو مشروعية الابتلاء. وفي هذا البحث اتناول الفصل الثاني وموضوعه أمثلة عن الابتلاء. وسوف أتعرض للفصل الثالث فيما بعد.

 

الفصل الثاني: أمثلة عن الابتلاء

 

لقد عرفت الابتلاء وأهميته وغاياته في مقدمة الفصل الأول وأضيف بأن الابتلاء امتحان للإنسان واختبار له بوقائع وأحداث معينة لمعرفة تصرفه ورد فعله سرا وعلانية للتعرف على حقيقة ما في نفسه وأضغانه وما يخفي في قلبه. فالابتلاء يبين هل الإنسان مسلم صادق أم كافر ومنافق. والابتلاء يكون أيضا للعقاب والإنذار والإقناع والرحمة. والله تعالى يبتلي الإنسان والإنسان هو أيضا يبتلي الإنسان لتحقيق الغايات المذكورة.

و بالابتلاء يبين ويؤكد الله تعالى الآيات والأدلة والبراهين الدالة على وجوده وقضائه وقدره المطلق العادل في الكون. والدليل عدة آيات منها فصلت 53 ” سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ” والعنكبوت 2-3 ” أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ”. والصف 2-3 “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ” ومحمد 29-31 ” أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ ۚ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ”. ولهذا بين لنا القرآن حالات ابتلاء كثيرة.

لهذا سأبين في هذا الفصل الثاني ما استطعت استنباطه وفهمه من حالات الابتلاء في القرآن وأنواعه وذلك في مبحثين الأول: حالات وأنواع الابتلاء والثاني ابتلاء المرض النفسي ومتاع الدنيا. هذا الابتلاء من أنواع الابتلاء الأخرى في القرآن ونظرا لأهميته البالغة خصصت له مبحثا خاصا.

 

المبحث الأول: حالات وأنواع الابتلاء في القرآن.

 

وقد حددتها في ثمانية أنواع على سبيل المثال لا الحصر كما يلي: 

1- ابتلاء آدم وحواء في الجنة بعد خلقهما وهو أول ابتلاء من الله تعالى للإنسان. أمرهما الله تعالى بعدم الأكل من شجرة معينة ابتلاء لهما. ولكن غرهما الشيطان والنفس الأمارة بالسوء فأكلا منها وبذلك خسر آدم وزوجته في ابتلاء الله تعالى لهما. فأنزلهما مع الشيطان إلى أرض الدنيا في إطار ابتلاء ثاني والأدلة منها البقرة 35 “وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ” والبقرة 36 “وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ”.

ومادة هذا الابتلاء الثاني لآدم وزوجته وذريتهما ونحن منها هي شرائع الله تعالى المنزلة على رسله والدليل البقرة 38-39 ” قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ”. وبقضاء الله تعالى وقدره المطلق نسخ القرآن كل الشرائع السابقة ومنها التوراة والإنجيل. وسأبين الأدلة على ذلك في الفصل الثالث. لهذا فالقرآن هو مادة ابتلاء كل الناس بالعالم وملزم لهم وينالون الجزاء عن الالتزام به أو الإعراض عنه في الدنيا والآخرة. ولهذا فمن عصا الله وأعرض عن القرآن خسر في الابتلاء الدنيوي ومصيره سجن جهنم لا يموت فيها ولا يحيى ويكون مكبلا بالسلاسل والأغلال وفي العذاب على الدوام.

وطبقا لقضاء الله تعالى وقدره القرآن هو أمر الله تعالى المنزل لكافة الناس بالعالم. و الدليل الطلاق 5 ” ذَٰلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ” و الزمر 55 ” وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ” الأعراف 158 ” قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا” و المائدة 15-16 “يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ” و آل عمران 20 “وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ ۚ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ “.

والنتيجة التي تؤكدها هذه الآيات هي أن كل ذرية بني آدم ذكورا وإناثا في حالة ابتلاء دائم في هذه الدنيا مادته القرآن. و الدليل الأعراف 35-36 ” يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي ۙ فَمَنِ اتَّقَىٰ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” و المائدة 48 ” وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ  ” و القرآن نسخ الشرائع السابقة فهو مادة ابتلاء كافة الناس في الدنيا. فابتلاء آدم الأول في الجنة والثاني بشرائع الله تعالى المنزلة على الناس.

2- وكمثال عن الابتلاء في الدنيا ابتلاء الله تعالى قوم ثمود ليبين أضغانهم وكفرهم لنبيه صالح. والدليل القمر 27-31 ” إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ ۖ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ “. الله تعالى في إطار ابتلاء قوم ثمود أمرهم بواسطة نبيه صالح بأن يحترموا الناقة ويخصصوا لها نصيبها من الأكل والشرب فعصوا الله تعالى فعذبهم في الدنيا قبل عذاب الآخرة. والدليل هود 64-68 ” وَيَا قَوْمِ هَٰذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ۖ ذَٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ ۗ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا ۗ أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ ۗ أَلَا بُعْدًا لِّثَمُودَ”. 

والنتيجة التي نستخلصها من ابتلاء الله تعالى لآدم وحواء ولقوم تمود وغيرهم أن الإنسان يجب أن يثبت ويصبر ويكون صادقا في أقواله واعتقاده وأن يبتعد عن النفاق والكذب والنصب ويستمر في التقوى مهما كانت ظروف الابتلاء فالمسلم هو من جسد إسلامه في القول والعمل المطابقين لحدود القرآن والدليل الصف 2-3 “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ”. واعلم أيها الإنسان أن أقوالك وأعمالك مراقبة باستمرار وفي كل زمان ومكان. يراقبها الله تعالى والملائكة الذين يسجلونها في كتاب أعمالك الذي تحاسب به عند البعث في الآخرة. وتشهد على أعمالك وأقوالك أعضاء جسمك التي ينطقها الله تعالى بقضائه وقدره وهي معك أينما كنت والله تعالى معك أينما كنت بسمعه وبصره وعلمه وتصرفه وكلامه إن شاء يكلمك والملائكة المكلفون من الله تعالى بكتابة أعمالك تتنقل معك أينما كنت. فهي تراك وأنت لا تراها.

 

3- ابتلاء فرعون وقومه: 

فرعون من حكام مصر القدامى تجبر و طغى و ظلم الناس و استعبدهم و احتقرهم و الدليل النازعات 15-26 ” هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَىٰ فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ فَحَشَرَ فَنَادَىٰ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَىٰ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ”.

ومن الأدلة على طغيان فرعون وظلمه للناس الأعراف 141 ” وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۖ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ”. ورغم ظلم فرعون وطغيانه وإهانته لقومه أطاعوه وعبدوه ولم يدافعوا عن حقوقهم وأعراضهم فعاقبهم الله تعالى على هذا التواطؤ والكفر والدليل الزخرف 54-56 ” فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِّلْآخِرِينَ” فقد ابتلى الله تعالى قوم فرعون فخسروا في هذا الابتلاء فنالوا عذاب الله تعالى و لهذا قال الله تعالى في سورة هود 133″ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ” و الشعراء 151- 152 ” وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ”. وفعلا ابتلى الله تعالى قوم فرعون فظلمهم وأطاعوه وركنوا إليه فنالوا نفس العذاب الذي خصصه له الله تعالى حيث أغرقهم في البحر الأحمر لما طاردوا موسى والذين آمنوا معه.

وقبل هذه النهاية المأساوية ابتلى الله تعالى قوم فرعون بالفقر لعلمهم يقتنعون بقضاء الله تعالى وسلطانه والدليل الأعراف 130 ” وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ” ولكنهم استمروا في الكفر فابتلاهم الله تعالى بعذاب آخر لعلمهم يرجعون. و الدليل الأعراف 133 ” فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ” و الأعراف 134-136 ” وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ ۖ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ”.

هكذا يتجلى نفاق فرعون وقومه وكفرهم بالله تعالى. فلما سلط الله تعالى العذاب على قوم فرعون تحايلوا على موسى وتظاهروا بتوبة كاذبة واستمروا في الكفر بعد أن رفع الله عنهم العذاب وخانوا العهد. ونتيجة هذا الابتلاء أن الإنسان يكون صادقا مستقيما مؤمنا مسلما متقيا مهما كانت الظروف المحيطة به والابتلاء ولو هدده أحد بالقتل فإذا قتل مظلوما فإن مصيره الحتمي الحياة السعيدة الدائمة في الجنة.

 

4- ابتلاء بني إسرائيل:

بين الله تعالى كثيرا من الآيات الدالة على وجوده وقضائه وقدره المطلق العادل لفرعون وقومه ومنهم بنو إسرائيل لعلهم يقتنعون ويؤمنون ويصدقون بشرع الله تعالى المنزل على نبيه ورسوله موسى. ولكنهم استكبروا وكفروا وقد نجا الله تعالى موسى والذين آمنوا من بني إسرائيل حيث فرق بهم البحر وأغرق فرعون وجنوده وأتباعه. ولكن الله تعالى ابتلاهم بالعجل في غياب موسى ومرة أخرى بمنع الصيد عليهم يوم السبت وذلك لامتحان إيمانهم وإظهار أضغانهم. وقبل أن أتعرض لهذين الابتلائين أبين بعض الآيات التي بينها الله تعالى لإقناعهم.

أولا: آية العصا: عصا موسى حولها الله تعالى إلى تعبان والناس ينظرون والدليل الأعراف 107 ” فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ” وبقضاء الله تعالى وقدره أبطلت عصا موسى سحر سحرة فرعون والناس ينظرون والدليل الأعراف 117-120 ” وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ”. 

ثانيا: يد موسى سوداء فحولها الله تعالى إلى يد بيضاء أمام الناس وفرعون والدليل النمل 12 ” وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ۖ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ” والأعراف 108 ” وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ”. 

ثالثا: سلط الله تعالى العذاب الشديد على قوم فرعون ة ولما تضرعوا لموسى رفعه عنهم ولكنهم استمروا في كفرهم رغم تأكدهم من قضاء الله تعالى وقدره وإنه القاهر فوق الكون وما فيه والدليل الأعراف 133-134 وقد سبق ذكرها.

رابعا: نجا الله تعالى بني إسرائيل من طغيان وظلم فرعون وقومه الذين ركنوا إليه وعبدوه حيث جعل لهم طريقا يبسا في البحر الأحمر فمروا إلى الضفة الأخرى ولما تبعهم فرعون وجنوده واتباعه غمر البحر الطريق التي مر منها موسى وبنو إسرائيل فأغرقهم الله تعالى. والدليل البقرة 49-50 ” وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ”    و هذا ما تؤكده سورة يونس 90-92 ” وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ الْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ” و فعلا أخرج البحر جثة فرعون ميتا إلى الشاطئ ليلاحظها الناس ويتأكدوا من مصيره الذي حدده الله تعالى.

ورغم هذه الآيات والبراهين التي بينها الله تعالى لفرعون وقومه وبني إسرائيل فقد ابتلاهم الله تعالى ليظهر أضغانهم وكفرهم.

الابتلاء بالعجل: لما سافر موسى لتلبية نداء الله تعالى ترك بني إسرائيل مع أخيه هارون. الله تعالى ابتلى بني إسرائيل بالسامري الذي صنع لهم عجلا ليعبدوه وفعلا اتخذوه إلاها وأشركوا بالله تعالى. والدليل طه 85 ” فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَٰذَا إِلَٰهُكُمْ وَإِلَٰهُ مُوسَىٰ فَنَسِيَ أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا”. هذا الابتلاء بالعجل والسامري بين أن بني إسرائيل رغم الآيات التي عاشوها وشاهدوها تشبتوا بكفرهم ونفاقهم واستكبارهم.

والابتلاء بمنع الصيد عليهم يوم السبت: والدليل النساء 154 ” وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا” وفعلا منع الله تعالى على بني إسرائيل وجود السمك في البحر ما عدا يوم السبت. لقوله تعالى في الأعراف 163 ” وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ ۙ لَا تَأْتِيهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ”. اختبر الله تعالى بني إسرائيل بهذا الابتلاء هل يطيعون الله تعالى ويبقون بدون سمك أم يعصونه ويصطادوا السمك يوم السبت. وفعلا تحايلوا واصطادوا السمك مساء يوم السبت فعاقبهم الله تعالى عن عصيانهم وفسقهم حيث حولهم من بشر إلى قردة. والدليل الأعراف 166 ” فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ” نستخلص من هذا الابتلاء أن الله تعالى لا يظلم الناس نهائيا. ولكن طاعته واجبة شرعا. ومن عصاه ينال عقابه وعذابه.

 

5- ابتلاء قارون: ابتلى الله تعالى قارون بالأموال الطائلة امتحانا له ولكنه تجبر وطغى وفسق عن أمر الله تعالى وكفر بشرع الله تعالى. فعاقبه الله تعالى أشد العقاب حيث ابتلعته الأرض مع ماله وعقاراته. والدليل القصص 76 ” إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ” و القصص 79-82 ” فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ” و القصص 82 ” وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ۖ وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ”.

ابتلاء الله تعالى لقارون يؤكد أن الله تعالى يبسط الرزق للإنسان ويغنيه لينظر رد فعله ويبين ذلك للناس. فإذا التزم بحدود الله تعالى وأطاعه فإنه من الفائزين بسعادة الدنيا والآخرة. أما إذا استكبر وطغى وأعرض عن حدود الله تعالى فإنه من الخاسرين وله عذاب جهنم وسجنها الدائم. وابتلاء الله تعالى لقارون تؤكده الأنعام 165 ” وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ ” و النحل 112-113 ” وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ” و الشورى 27 ” وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ”. الله تعالى يبتلي الإنسان بالغنى والفقر بالصحة أو المرض لينظر رد فعله وتصرفه هل يؤمن ويتقي ويصبر أم يتجبر ويطغى ويكفر.

6- ابتلاء نبي الله إبراهيم: هناك ابتلاء من الله تعالى لنبيه إبراهيم وابتلاء لقومه بإبراهيم نفسه. وابتلاء الله تعالى لنبيه إبراهيم هو أمره بذبح ابنه إسماعيل.

وأبين ابتلاء الله تعالى الكفار بإبراهيم ثم أبين ابتلاء الله تعالى إبراهيم بذبح ابنه إسماعيل.

قوم نبي الله إبراهيم كانوا يعبدون الأصنام من دون الله تعالى ورفضوا الإيمان بالله تعالى وبالشريعة التي أنزلها لهم على إبراهيم. ابتلاهم الله تعالى فسلط عليهم نبيه إبراهيم الذي حطم الأصنام التي كانوا يعبدونها فأرادوا الانتقام من إبراهيم ورموه في النار الملتهبة الحارقة لكن الله تعالى بقضائه وقدره المطلق العادل نجاه من النار فلم تحرقه نهائيا وخرج منها سالما ولم يلحقه آذى. والدليل الأنبياء 68 ” قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ” والعنكبوت 24 ” فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ” النار لم تحرق إبراهيم بأمر من الله تعالى. والدليل الأنبياء 69-71 ” قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ” فعلا الله تعالى يكلم الإنس والجن والملائكة والأنبياء. والدليل فصلت 21 ” وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ”.

فتذكر أيها الإنسان وكأنك تشاهد نبي الله إبراهيم وهو يبتسم في النار الملتهبة التي لم تحرقه بأمر الله تعالى وخرج أمامك سالما لم يلحقه أذى. أليست هذه الواقعة آية من آيات الله تعالى الدالة على وجوده وقضائه وقدره. وأذكركم بسورة فصلت 53 ” سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ ” فقد بين الله تعالى آياته للكفار ولكنهم تشبثوا بكفرهم وهواهم فكانوا من الخسرين المعذبين.

وقد ابتلى الله تعالى نبيه إبراهيم بذبح ابنه إسماعيل ليمتحن إيمانهما معا. وفعلا شرع إبراهيم بذبح ابنه امتثالا لأمر الله تعالى وطاعته رغم حبه لابنه فلذة كبده. كما أن ابنه إسماعيل امتثل لأمر الله تعالى فقبل أن يذبحه أبوه واستسلم لأمر الله تعالى. والدليل الصافات 102 ” فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ”. ولكن الله تعالى لم يظلم إبراهيم وابنه إسماعيل لأنه قادر على منع إبراهيم من ذبح ابنه حيث كف يديه عنه و الدليل الصافات 103-112 ” فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ”. هذا الابتلاء يبين لنا أن طاعة أمر الله تعالى واجبة شرعا ولا تجوز مخالفة أمر الله تعالى نهائيا. والقرآن أمر الله تعالى المنزل لكل إنسان في العالم فيجب الالتزام بحدوده قولا وعملا سرا وعلانية من تاريخ بلوغ سن التكليف الشرعي حتى الموت للفوز بالحياة الحقيقية الدائمة في سعادة الجنة والنجاة من سجن جهنم وشقائها وعذابها ويجب العمل الصالح كيفما كانت ظروف الابتلاء المحيطة بك سواء الفقر أو الغنى الصحة أو المرض السعادة أم الشقاء وبذلك تفوز في الابتلاء.

 

7- ابتلاء الله تعالى نبيه سليمان: الله تعالى بين آية من آياته لسليمان والناس دالة على وجوده وقضائه وقدره المطلق العادل في الكون وما فيه. الله تعالى علم نبيه سليمان منطق الطير والكلام معه. أخبره هدهد أن حاكمة سبأ باليمن وقومها يعبدون الشمس من دون الله تعالى والدليل النمل 22-24 ” فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ” عرض عليها سليمان أي حاكمة سبأ وقومها الإسلام فرفضوا فأمر سليمان الجن الذين سخرهم الله له بإحضار حاكمة سبأ وعرشها. والدليل النمل 39-40 ” قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ۖ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ” فلما رأت حاكمة سبأ أنها بين يدي نبي الله تعالى سليمان في رحلة دامت دقائق معدودة و عرشها أمامها انبهرت و انفعلت و علمت ان هناك قدرة و قضاء لا يعلوه شيء فقالت مرتبكة النمل 44 “رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ”. واقعة حاكمة سبأ أكدت لنا أن الله تعالى ابتلى نبيه سليمان وامتحنه ليبين إيمانه الصادق للملائكة والناس وقد رفض الأموال الطائلة التي أرسلتها له حاكمة سبأ وعرض عليها وعلى قومها الإسلام والدليل النمل 35 ” وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ” وقد سبق أن طلب سليمان من حاكمة سبأ وقومها الإسلام لله وحده. والدليل النمل 31 ” أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ”.

وقد نجح سليمان في ابتلاء الله تعالى له لأنه لم يغتر بمتاع الدنيا بل فضل الدعوة الإسلامية على أموال حاكمة سبأ. بل سليمان تعجب عندما رأى أمامه حاكمة سبأ وعرشها بعد دقائق معدودة فتأكد بأن الله تعالى ابتلاه بأموال حاكمة سبأ ولكن صبر واستمر في التقوى فنجح في الابتلاء.

وحاكمة سبأ هي أيضا ابتلاها الله تعالى بنبيه إبراهيم. بمجرد أن علمت ان هناك قدرة قاهرة أحضرتها مع عرشها من اليمن إلى سليمان في دقائق معدودة آمنت بالله تعالى واعتنقت الإسلام. والدليل النمل 44  المذكورة هذه الواقعة دليل و تأكيد لقضاء الله تعالى في الكون و ما فيه و تؤكدها آيات كثيرة في القرآن منها القمر 50 ” وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ” و البقرة 117 ” بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ” و الزلزلة 1-5 ” إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا”  عندما يحدث زلزال مكان معين في الأرض بأمر الله تعالى تصبح الآلاف من البشر تحت الأنقاض في دقائق معدودة و لا أحد يستطيع معرفة وقت حدوث الزلزال.

نتيجة هذا الابتلاء أن من يصبر ويستقم ويثبت على التقوى مهما كانت ظروف الابتلاء ينال رضى الله تعالى ورحمته والحياة السعيدة في الدنيا والآخرة.

 

8- ابتلاء في عهد الرسول محمد بن عبد الله: 

هناك ابتلاء تغيير قبلة الصلاة. القبلة الأولى التي كان يتوجه إليها المسلمون للصلاة كانت قبلة المسجد الأقصى بفلسطين فغيرها الله تعالى إلى قبلة المسجد الحرام بمكة المكرمة لامتحان إيمان المسلمين. و الدليل البقرة 144 ” قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ ” و بين الله تعالى بأن القبلة ابتلاء الرسول و المسلمين و الدليل البقرة 143 ” وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ”.

وفعلا منذ الأمر الذي وجهه الله تعالى لرسوله يؤدي المسلمون صلواتهم متجهين إلى قبلة المسجد الحرام أينما كانوا في أرض الدنيا.

وهناك ابتلاء آخر للمسلمين من الله تعالى فقد حرم الله تعالى على المحرمين للحج والعمرة صيد الطيور والحمام وغيره أثناء الاحرام. والدليل المائدة 94 ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۚ” والمائدة 94 ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ ۚ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ”. وبإذن الله تعالى وقضائه وقدره يأتي الصيد إلى أيدي المحرمين للحج والعمرة ابتلاء من الله تعالى. فمن اتقى الله تعالى وأطاع أمره فإنه لا يمس ولا يؤدي الصيد وهو محرم ومن اتبع هواه ونفسه الأمارة بالسوء وقتل الصيد الذي يأتي عنده فإنه يتعرض لعذاب الله تعالى وقد أفسد عمرته وحجه ولا يقبل منه.

وفعلا عندما كنت محرما لأداء العمرة والحج بمكة المكرمة شاهدت حقا الحمام وهو يأتي إلى أيدي المحرمين ليأكل القمح الذي يقدمونه له. الله تعالى يعلم ما في نفس كل محرم ونواياه ولكن يبين بهذا الابتلاء المنافقين للمسلمين.

وابتلى الله تعالى كذلك المسلمين بعدم رفع أصواتهم فوق صوت النبي. حيث قال سبحانه في الحجرات 2 ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ” وفعلا التزم المسلمون بأمر الله تعالى وغضوا أصواتهم عند رسول الله فنجحوا في ابتلاء الله تعالى لهم. والدليل الحجرات 3 ” إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ ۚ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ” فهذا امتحان وابتلاء من الله تعالى للمسلمين.

 

الفقرة الثانية: أنواع الابتلاء

 

حسب ما استطعت استنباطه من آيات القرآن فقد صنفت أنواع الابتلاء في القرآن حسب ما يلي: الابتلاء للاختبار والامتحان والابتلاء للإقناع والابتلاء للعقاب وابتلاء الإنسان للإنسان.

 

1- الابتلاء للاختبار والامتحان

جعل الله تعالى الحياة الدنيا المؤقتة فترة ابتلاء ثاني لآدم وحواء وذريتهما التي نحن جميعا منها بعد أن أنزلهما الله تعالى من الجنة إلى أرض الدنيا بعد فشلهما في الابتلاء الأول بالجنة. والدليل البقرة 38-39 ” قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ”.

لهذا فكل إنسان في الدنيا في حالة ابتلاء من الله تعالى هل يطيع أمر الله تعالى ويفوز برحمة الله تعالى والحياة السعيدة الدائمة في جنته أم يعصي الله تعالى ويخالف حدود شرائعه و ناسخها القرآن بأمر الله تعالى فينال عذاب الله تعالى والشقاء الدائم في جهنم.

لهذا فإن الله تعالى يراقب أعمال كل إنسان مباشرة في كل زمان ومكان وبواسطة ملائكته وأعضاء الإنسان نفسه. وأذكركم بآيات منها يونس 14 ” ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ” و الأعراف 129 ” قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ” و المائدة 48 ” لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ ” و الحديد 25 ” لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ” فكلمة الميزان في الآية هي العدل و قد وصف الله تعالى شرائعه و كتبه المنزلة للناس على رسله بأنها عدل. فهي ابتلاء للناس كافة في الدنيا. والدليل عبارة في الآية المذكورة ” وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ” الله تعالى أقوى من كل الكون وما فيه ولا يعجزه شيء ولا غالب له أبدا. ولكن المقصود بنصر الله تعالى تأييده وطاعته والإيمان به والالتزام بحدود شرعه. ولهذا فالقرآن مادة ابتلاء الناس كافة في الدنيا.

وكل الأمم التي خلقها الله تعالى ابتلاها بوقائع وأحداث لاختبارها وامتحانها وإقناعها بقضائه وقدره المطلق العادل. والدليل سورة الحديد 25 المذكورة و الأعراف 94 ”  وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ” و فصلت 53 ” سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ” و العنكبوت 2-3 ” أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ” و آل عمران 166-167 ” وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ ” الله تعالى يعلم المؤمنين و الكفار و المنافقين و لكن يبتلي الناس ليخرج أضغانهم و يبين ما في أنفسهم للمسلمين. والدليل محمد 4-6 ” وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ”. الله تعالى قادر على هزم الكفار ونصر المسلمين ولكن سلط الكفار على المسلمين ليبين من يجاهد في سبيل الله تعالى بحق وبصدق دون خوف ومن ينافق ويتخلى عن الجهاد. لهذا فالابتلاء قد يكون للاختبار والامتحان. فاحذر أيها الإنسان ابتلاء الله تعالى لك ولا تتأثر بظروف الابتلاء بل اصبر واستمر في التقوى ولا تغتر بالمال ومتاع الدنيا. الله تعالى يختبر ويمتحن إيمانك ليبين حقيقة ما في نفسك لغيرك وللملائكة. والدليل البقرة 155-157 ” وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ “. الله تعالى يمتحن الإنسان ليبين هل يصبر ويستمر في التقوى أم يطغى ويتجبر ويكفر. والدليل الأنعام 165 ” وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ “. الله تعالى يرزق من يشاء ويغنيه ليبين أضغانه هل يستمر في التقوى أم يطغى ويخالف حدود القرآن وقد يسلط الله تعالى الناس على بعضهم البعض في إطار الابتلاء للاختبار والامتحان وتؤكد ذلك الفرقان 20 ” وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا”.

ومن الآيات المؤكدة لابتلاء الله تعالى الإنسان لامتحانه هناك الفجر 15-20 ” فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ كَلَّا ۖ بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا” يغني الله تعالى الإنسان لامتحانه و اختباره فإن اتبع هواه و شهواته و متاع الدنيا و زينتها و أعرض عن القرآن فإنه من الخاسرين. أما إذا استمر في التقوى والالتزام بحدود القرآن حتى الموت فإنه من الفائزين بمتاع وسعادة الدنيا والآخرة. و الدليل النازعات 37-41 ” فَأَمَّا مَن طَغَىٰ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ” و الليل 5-11 ” فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ كَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ” و العصر 1-3 ” وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ” و التين 4-6 ” لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ”. فهناك آيات كثيرة تؤكد هذا الحكم الشرعي ولا داعي لذكرها كلها. فالمهم أن أي إنسان في الدنيا سيكون من الخاسرين المعذبين الذين لا حياة حقيقية لهم بل مصيرهم سجن جهنم وعذابها الدائم الأبدي إلا من آمن واتقى والتزم بحدود القرآن سواء كان في الدنيا غنيا أم فقيرا فإنه يكون من المفلحين والفائزين بالحياة الحقيقية الدائمة في سعادة الجنة.

وكمثال عن ابتلاء الله تعالى الإنسان لإخباره وامتحانه الحجرات 2-3 ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ ۚ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ”. فالذين لم يرفعوا أصواتهم فوق صوت الرسول فازوا في ابتلاء الله تعالى وامتحانهم واختبارهم فخصص لهم الله تعالى المغفرة والأجر والجنة.

والله تعالى يبتلي الإنسان بالخير والشر ليمتحنه ويبين أضغانه. والدليل الأنبياء 35 ” كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ” والزمر 49 ” فَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِّنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ ۚ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ” فالإنسان يجب أن يستمر في التقوى مهما كانت ظروف الابتلاء لكي لا يتعرض لعذاب الله تعالى في الدنيا والآخرة. وتؤيد ذلك آل عمران 166-167 ” وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا ۚ “.

و هناك ابتلاء هام أساسي من الله تعالى للناس لامتحانهم و اختبارهم نصت عليه عدة آيات في القرآن منها آل عمران 14-15 ” زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَٰلِكُمْ ۚ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ”. هذا ابتلاء هام للإنسان. فإذا اهتم الإنسان بحب الشهوات واستكبر عن عبادة الله تعالى وأعرض عن القرآن فإنه يتعرض لعذاب الله تعالى في الدنيا ولا حياة حقيقية له في الآخرة بل مصيره سجن جهنم والعذاب الدائم فيها ولا حياة زوجية له فيها والدليل الزمر 15 ” قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ” أما أهل الجنة وهم المتقون فلهم أزواج مطهرة ويلحق بهم الله تعالى أزواجهم وأبنائهم إن كانوا مستحقين للجنة. فالحكم الشرعي في آل عمران 14 المذكورة يتعلق بكل الشهوات وليس فقط ما ذكر في الآية. فحسب التطور الاقتصادي والاجتماعي والصناعي والعلمي في مختلف العصور فهناك شهوات من الأموال الورقية والمعدنية والنقدية والقصور والفيلات الفخمة والعمارات والسيارات والقطارات والطائرات والحسابات البنكية التي تكدس فيها الأموال الطائلة والضيعات الفلاحية والشركات والمصانع والمعامل وغيرها. الله تعالى أمر بالعمل الجدي الحلال لكسب الرزق من متاع الدنيا الذي خلقه للناس ولكن في إطار الاستمرار في التقوى حتى الموت لهذا قال الله تعالى في سورة الملك 1-2 ” تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ”. فتفسير هذه الآية أن الله تعالى خلق حياة مؤقتة في الدنيا وخلق الحياة الدائمة بعد الموت بالدنيا في الدار الآخرة. فهي الحياة الدائمة في سعادة الجنة أو في سجن جهنم وعذابها وشقائها الأبدي. وابتلاء الدنيا هو الذي يحدد الحياة في الآخرة. والأحسن عملا وهو الذي له الحق في الحياة الحقيقية الدائمة في الجنة. هذه الآية في سورة الملك 1-2 تؤيدها هود 7 ” وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۗ ” و الكهف 7 ” إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا” و الكهف 46 ” الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا” و المنافقون 9 ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ”. فالأموال والأولاد وكل متاع الدنيا ابتلاء من الله تعالى وامتحان للإنسان.

 

2- الابتلاء للإنذار والإقناع 

الله تعالى فوق السماء السابعة بذاته العظيمة وفوق الكون كله وجهنم والجنة في الأرض السابعة تحت السماء السابعة وبصر الإنسان هنا في الدنيا يستحيل عليه رؤية ذات الله تعالى ولا الجنة وجهنم إلا بعد البعث عندما يصعد به الملكان المكلفان. والدليل سورة ق 20-21 ” وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ۚ ذَٰلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ”. فالذين بعثوا بعد الموت وحشروا في الآخرة يتأكدون حقا وصدقا من وجود الله تعالى وما أخبرنا عنه في القرآن أما الأحياء في الدنيا فإن بصرهم عاجز عن ذلك. فأهل الجنة يكلمهم الله تعالى مباشرة وهم ينظرون إليه فوقهم بذاته العظيمة. والآيات المؤكدة لذلك في القرآن.

لهذا يقنع الله تعالى الناس في الدنيا بوجوده وقضائه وقدره المطلق والعادل في الكون وحكمه له بتصرفه والابتلاء. والدليل فصلت 53 ” سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ” لهذا الله تعالى يتصرف في الكون والنفس البشرية كيف يشاء وأدعوكم لمراجعة الفصل الأول من هذا البحث.

لهذا يبتلي الله تعالى الناس لإنذارهم وإقناعهم بقضائه وقدره وحكمه ومن الأدلة الأعراف 94-95 ” وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلَّا أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَوا وَّقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ”. وقد أنذر الله تعالى قوم فرعون الكافرين حيث سلط عليهم العذاب لعلهم يؤمنون ولكنهم نقضوا التوبة وعادوا للكفر بعد أن رفع عنهم الله تعالى العذاب الإنذاري فأغرقهم في البحر الأحمر. و الدليل الأعراف 133-136 ” فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ ۖ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ”  والأعراف 130 ” وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ” و الأعراف 168 ” وَبَلَوْنَاهُم بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ” و التوبة 126 ” أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ ” و الأنبياء 35 ” كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ”.

الله ابتلى الناس بالشر أو الخير بالسيئات او الحسنات لإنذارهم وإقناعهم لعلهم يؤمنون ويتقون. ومن الأدلة فصلت 53 المذكورة والسجدة 21 ” وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَىٰ دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ” و الروم 41 ” ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ” و الأنعام 42-44 ” وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَٰكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ” و الأعراف 174 ” وَكَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ”  و البقرة 155-157 ” وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ” الله تعالى قد ينذر الناس بمصيبة معينة لإقناعهم لعلهم يؤمنون ويتقون. فافتح عينيك أيها الإنسان واستعمل بصرك وسمعك بموضوعية وتجرد وتأمل ابتلاء الله تعالى للناس وآياته في الكون وفي النفس البشرية لتتأكد من قضاء الله تعالى وقدره المطلق العادل في الكون وما فيه ولتتأكد بأن القرآن شرع الله تعالى وكلامه وحديثه وقوله وأمره المنزل لكافة الناس في العالم لأن الله تعالى نسخ بالقرآن التوراة والانجيل وكل الشرائع السابقة. وهذا النسخ من قضاء الله تعالى وقدره.

 

3- الابتلاء للعقاب

الله تعالى يبتلي الظالمين والمعرضين عن القرآن بوقائع معينة لمعاقبتهم في الدنيا والآخرة. ففي الآخرة يبتليهم بسجن جهنم وعذابها وشقائها الدائمين. والدليل الذاريات 13-14 ” يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ” وهناك آيات أخرى مؤكدة لهذا الابتلاء في الآخرة. وسأكتفي بالبحث في ابتلاء الدنيا.

وابتلاء الله تعالى للعقاب له مبرراته الشرعية. الله تعالى يراقب أعمال الناس وتشهد عليها أعضاء الإنسان نفسه والملائكة. وكل البشر خاضعون لقضاء الله تعالى وقدره وحكمه وسلطانه وكل الناس مسؤولون عن أعمالهم أمام الله تعالى والسلطة الإسلامية الدنيوية. والدليل النحل 61 ” وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ” والأنفال 25 “وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ” فالفتنة ابتلاء للعقاب. والنور 63 ” فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ” والفرقان 20 “وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا”. الله تعلى يسلط الظالمين على بعضهم البعض في إطار ابتلاء العقاب. والدليل محمد 4 ” وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ ۗ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ” والأنعام 53 “وَكَذَٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لِّيَقُولُوا أَهَٰؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا ۗ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ” والأنعام 65 ” قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ” والله تعالى عادل في الابتلاء ولا يظلم الناس بل يبتليهم بالعقاب بسبب ظلمهم وإعراضهم عن القرآن. والدليل الشورى 48 ” وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ” و الشورى 30-31 ” وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ ۖ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ” و الرعد 11 ” إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۗ ” و الأنفال 53 ” ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ۙ ” فإذا خالفوا حدود القرآن و عصوا الله تعالى يسحب عنهم نعمه و يسلط عليهم عذابه و إذا تابوا إلى الله تعالى و تجسدت توبتهم فعلا في طاعة الله تعالى و التقوى يكرمهم الله تعالى بنعمه و رحمته.

هناك أمثلة كثيرة مذكورة في القرآن عن ابتلاء العقاب وأذكر منها ابتلاء قوم نوح وزوجته وابنه الكافرين بعذاب شديد حيث أغرقهم جميعا في الماء الذي جمعه بقضائه وقدره في منطقة صحراوية وأنقد نبيه نوح والذين آمنوا معه في سفينة أمره بصنعها. والدليل المؤمنون 28-30 ” فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ”. فعقاب الكفار من قوم نوح حيث أغرقهم بالماء ابتلاء من الله تعالى بسبب كفرهم.

وأذكر كذلك ابتلاء المسلمين بانهزامهم في معركة أحد حيث لم ينصرهم الله تعالى لأنهم خالفوا أمر الرسول واتبعوا الهوى ومتاع الدنيا ومصالحهم الخاصة حيث اندفع بعض المحاربين إلى جلب الغنائم وخالفوا أمر الرسول الذي أمرهم بالبقاء فوق الجبل لضرب كفار قريش المعتدين على المسلمين. وبذلك خسروا الحرب لأن الأعداء عادوا إلى فوق الجبل لضرب المسلمين في الأسفل. والدليل آل عمران 152-153 ” حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَىٰ أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِّكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ ۗ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ”. فاحذر أيها الإنسان ابتلاء الله تعالى لك واستمر في التقوى والصبر ولا تخالف حدود القرآن مهما كانت ظروف الابتلاء.

ومن مظاهر ابتلاء العقاب عن الذنوب والسيئات هناك الابتلاء بالمرض والفقر. ولكن رحمة الله تعالى ولطفه أنه لا يعجل بابتلاء العقاب. بل يترك فرصة للمجرمين لعلهم يتوبون توبة صادقة لقوله تعالى في النحل 61 ” وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ”. لعد هذا الأجل مسمى فإذا لم يتب المجرم يعتبره الله تعالى من الظالمين. والدليل الحجرات 11 ” وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” ويبتليه بالعقاب والعذاب الذي يستحقه. وكمثال عن هذا الابتلاء النحل 70 ” وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ ۚ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ” ويس 68 ” وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ ۖ أَفَلَا يَعْقِلُونَ” فالمقعد والأعمى والأصم والأبكم والمجنون أصابهم الله تعالى بابتلاء العقاب بسبب الذنوب والسيئات التي ارتكبوها في الدنيا ومصيرهم سجن جهنم وعذابها الدائم في الآخرة. لهذا قال الله تعالى في الأنعام 147 ” فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ” و هم الذين لم يتوبوا أو نقضوا شروط التوبة الصادقة و الأنفال 25 ” وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ” والله تعالى قد يبتلي المجرمين في الدنيا بحرمانهم من نعمة السمع والبصر والدليل البقرة 20 ”  وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ “.

ولتأكيد ابتلاء العقاب الوارد في سورتي النحل 70 ويس 68 المذكورتين أدلي بشهادتي الصادقة وأقسم بالله العظيم أني أعرف كثيرا من الأشخاص ضلوا سنوات عديدة طريحي الفراش مقعدين وفاقدين للبصر والعقل وعالة على غيرهم لتنظيفهم وإطعامهم. وبالرجوع لأعمالهم وتصرفاتهم قبل ابتلاء الله تعالى لهم تأكدت حسب ما في ذاكرتي بأنهم كانوا معرضين عن القرآن ويزنون ويتناولون الخمر والمخدرات ويأكلون أموال الناس بالباطل ويظلمون الناس. وأشهد وبحق بأن الله تعالى العادل لم يظلمهم بابتلاء العقاب في الدنيا قبل الآخرة.

ويبتلي الله تعالى المجرمين بالفقر بعد أن كانوا أغنياء. وأعطى بعض الأمثلة من القرآن. استجاب الله تعالى لدعاء موسى فافقر فرعون بعد أن كان غنيا في مصر بسبب طغيانه واستكباره. والدليل يونس 88 “وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ” ويونس 89 ” قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ” والنحل 112 ” وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ”. هذا ابتلاء من الله تعالى بالعقاب بالفقر لمن كفر وظلم واستكبر عن عبادة الله تعالى وطاعته. تؤكد ذلك سورة الفجر 15-20 ” فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ كَلَّا ۖ بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَّمًّا وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا” فابتلاء الفقر بعد الغنى سببه مخالفة حدود القرآن. وتؤكد ذلك أيضا سورة الليل 5-11 ” فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ” و القلم 17-20 ” إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ” و الشورى 27 ” وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ”. الله تعالى يخلق الرزق للناس إن شاء وكل إنسان ينال نصيبه من رزق الله بعمله الحلال. وقد لا يبسط الله تعالى الرزق عقابا للإنسان عن ظلمه.

فاستقم أيها الإنسان والتزم بحدود القرآن ولا تغتر بالهوى والشهوات لتنجو من ابتلاء العقاب في الدنيا والآخرة ولتفوز بسعادة الدنيا والآخرة. 

 

4- ابتلاء الإنسان للإنسان

هذا الابتلاء من الأنواع التي ذكرها القرآن. ومعناه أن إنسانا يمتحن ويختبر إنسانا آخر بوقائع وأحداث معينة ويواجهه بتصرف معين لامتحانه واختباره ومعرفة اعتقاده السري وأضغانه ومستوى ونوع تفكيره.

وابتلاء الإنسان للإنسان يكون بالابتلاء السري والعلني وبالمراقبة العلنية والخفية والاختبار والتجريب وهل الإنسان على علم بحدود القرآن أم لا. وهل يلتزم بها قولا وعملا سرا وعلانية أم لا. هذا الابتلاء وإجراءاته فريضة على السلطة الإسلامية والمسلمين. والفتنة ابتلاء واختبار وامتحان أو عقاب. ومشروعية ابتلاء الإنسان للإنسان أساسها تحريم ولاية الكفار والمنافقين على المسلمين في دار السلام وتحريم زواج المسلم بالكافرة وزواج المسلمة بالكافر وحماية قيم الإسلام والثقافة الإسلامية والنظام الإسلامي من جراثيم الكفر وقيمة الفاسدة. وأحيلكم على الأدلة في الفصل الأول من هذا البحث. 

ابتلاء الإنسان للإنسان من خلق الله تعالى ومعاملات الناس فيما بينهم تؤكد ابتلاء بعضهم البعض. والناس في حالة ابتلاء دائم بينهم في كل زمان ومكان. والله تعالى يراقب ابتلاء الناس لبعضهم البعض مباشرة وبواسطة الملائكة وأعضاء الإنسان نفسه ويحاسب الناس ويجازيهم عن أعمالهم. وابتلاء الإنسان للإنسان يبين الصالحين والفاسدين والفجار والمتقين والمطيعين الله والعاصين له. 

والدليل على أن ابتلاء الإنسان للإنسان من خلق الله تعالى الفرقان 20 “وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ۗ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا” والإنسان 2 ” إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا” ولهذا جعل الله تعالى معاملات الناس فيما بينهم فتنة وابتلاء لبعضهم البعض. الفتنة ابتلاء للامتحان أو للعقاب والعذاب. والدليل النور 63 ” لَّا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا ۚ قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا ۚ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ” و البروج 10 ” إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ” و يونس 83 ” فَمَا آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ ۚ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ” لهذا جعل الله تعالى الحياة الدنيا ابتلاء و فتنة بين الناس في كل زمان و مكان إلى أن تقوم الساعة الكبرى الختامية حيث تموت كل المخلوقات و منها الإنسان و سأبين الأمثلة عن ابتلاء إنسان لإنسان حدث فعلا أو يمكن أن يحدث في الواقع. سلف شخص لآخر مبلغا من المال ولكن الذي أخذ السلف أنكر ما أخذه ولم يرد المبلغ الذي سلفه إياه. هذه الواقعة ابتلاء للذي لم يرد السلف لصاحبه وسينال عذاب الله تعالى لأنه فسق عن أمره. والدليل النساء 58 ” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ ” والسلف أمانة يجب ردها لصاحبها. وكمثال كتمان الشهادة. قد يرى شخص رجلين يتشاجران فقتل أحدهما الآخر وعندما حضرت الشرطة القضائية أنكر الشهادة. هذه الواقعة ابتلاء له وينال عن انكاره العذاب الذي يستحقه لأن الله تعالى علم أنه أنكر الشهادة. والدليل البقرة 283 ” وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ” و النساء 135″ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ۚ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَىٰ بِهِمَا ۖ فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَىٰ أَن تَعْدِلُوا ۚ وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا” الله تعالى يعاقب عن كتمان الشهادة لأنه يعلم هذا الكتمان في كل زمان و مكان و الدليل البقرة 284 ” وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ۖ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” فالذي خان الأمانة و لم يردها لصاحبها  قد أكل مال الناس بالباطل و هذا من أكبر الكبائر. والدليل النساء 29 ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ ” والنساء 30 “وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ” 

وكمثال خيانة العهد. عاهد طبيب مريضا بمعالجته ولكنه لم يفعل ذلك تهاونا أو عمدا. هذه الواقعة ابتلاء للطبيب الذي استحق عذاب السلطة الإسلامية وعذاب الله تعالى لأنه أخل بالوفاء بالعهد المشروع. والدليل النحل 91 “وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلَا تَنقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ۚ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ” وآل عمران 77 ” إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَٰئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ”.

وكمثال إعطاء الحاكم رشوة لعالم مقابل إحلاله حراما أو تحريم حلال وذلك بتحريف معاني آيات القرآن أو إصدار حديث ينسبه للسنة النبوية كذبا أو مخالف لحدود القرآن. هذا ابتلاء للعالم الذي استحق عذاب الله تعالى والدليل البقرة 159 ” إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ” والبقرة 174 ” إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۙ أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ”.

وكمثال مهم عدم الإحسان بالوالدين. معاملة الأبناء للآباء ابتلاء لهم. إذا أصاب أحد الوالدين أو كلاهما المرض أو الفقر أو اعتداء عليهما أو أي مكروه فإن رد فعل الأبناء وموافقتهم ابتلاء لهم وامتحان. فإن أحسن الأبناء لآبائهم واعتنوا بهم ماديا ومعنويا فقد فازوا في الابتلاء وإن أهملوهم وتخلوا عنهم ولم يحسنوا إليهم فإن مصيرهم عذاب الله تعالى ولو أرادوا الصلاة والحج. والدليل الإسراء 23-24 ” وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا” والنساء 11 ” آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا “. هذه الآية فرضت أمرا من الله تعالى يجب القيام به وهو النفع المتبادل بين الآباء والأبناء ماديا ومعنويا حسب الاستطاعة. لو طبق أمر الله تعالى في الإسراء 23-24 المذكورة والنساء 11 لما وجدنا الآباء والأبناء المتشردين والمتخلي عنهم والذين يصارعون الأمراض والجوع والتشرد.

أختم هذه النقطة المتعلقة بابتلاء الإنسان للإنسان بأمثلة في القرآن. لاحظ نبي الله تعالى إبراهيم تصرفات أبيه وقد هدده أبوه بالرجم إن لم يكفر فتخلى عن الاستغفار له وابتعد منه وبهذا الابتلاء تأكد إبراهيم أن أباه كافر والدليل التوبة 114 ” وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ”. والدليل على ابتلاء إبراهيم بأبيه هو كلمة “تبين” في الآية المذكورة.

وكمثال ابتلاء رسول الله عيسى بن مريم لقومه والدليل على الابتلاء عبارة ” فَلَمَّا أَحَسَّ ” في آل عمران 52 ” فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ”.

وكمثال أمر الله تعالى رسوله محمد بابتلاء الناس قبل الإذن لهم بعدم المشاركة في الحرب لمواجهة عدوان الكفار لكي يعلم المؤمنين الصادقين من المنافقين الكاذبين. والدليل التوبة 43 ” عَفَا اللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ”

وكمثال أمر الله تعالى النبي والمؤمنين بعدم الاستغفار للمشركين لأنهم تأكدوا أن مصيرهم جهنم من خلال ابتلائهم لهم. والدليل التوبة 113 ” مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ”.

وكمثال ابتلاء المؤمنين للمهاجرات من مكة إلى المدينة لمعرفة المؤمنات والكافرات منهم. وأمرهم الله تعالى بقبول المؤمنات منهن وطرد الكافرات من دار السلام. والدليل الممتحنة 10 ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ ۖ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ ۖ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ۖ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ۖ وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ۚ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ۚ ذَٰلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ ۖ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ ۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ” و من حكم الله تعالى أن أمر المسلمين بابتلاء و امتحان و اختبار المهاجرات لمعرفة المؤمنات و الكافرات و لو تظاهرن بالإيمان فالابتلاء و الامتحان هو الذي يبين الحقيقة في القلب. والأجور في الآية تدل على صداق المرأة عند الزواج بها. وكمثال ابتلاء من حدث الناس بخبر معين للتأكد من صدقه أو كذبه قبل نقل هذا الخبر للغير أو العمل به. والدليل الحجرات 6 ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ” وكمثال جاء شخص عند جاره فقال له إني شاهدت زوجتك في السوق وهي تضحك مع شاب يقف بجانبها غضب الجار وذهب يتعقب زوجته لينتقم منها ولكنه أدرك أن الشخص الذي كانت تضحك معه هو أخوها من محارمها. لهذا يجب التأكد من صحة أو عدم صحة الخبر قبل العمل به وقبل تبليغه للآخرين.

وآخر مثال عن ابتلاء الإنسان للإنسان هو ابتلاء من تسند له المسؤولية للتأكد هل له مؤهلات وصلاحية للقيام بها. كمثال ابتلاء من تسند إليه الوصاية على أموال اليتامى وابتلاء اليتيم هل له أهلية التصرف في أمواله إذا بلغ سن الرشد. والدليل النساء 6 ” وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۖ ” لأن السفيه لا تعطى له الأموال والدليل النساء 5 ” وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ”.

الله تعالى أمر بحماية مال اليتيم حتى يبلغ سن الرشد وأمر بالعناية باليتامى الذين ليست لهم أموال والأدلة كثيرة منها النحل 90 ” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ”. فإذا كان أحد أقاربك يتيما فقد أمر الله تعالى بالإحسان إليه والعناية به. لأنه له الحق في أموالك والدليل الإسراء 26 ” وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا” والذريات 19 ” وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ” واليتيم الفقير سائل ومحروم من الوالدين وليس له من ينفق عليه قبل أن يبلغ سن الرشد أو يكون قادرا على كسب الحلال. و البقرة 220 ” فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۗ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ ۖ قُلْ إِصْلَاحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِن تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ” و النساء 10 ” إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا”  و النساء 2 ” وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا”.

وأختم هذا المبحث الأول من الفصل الثاني بما يلي: إن ابتلاء الله تعالى للإنسان وابتلاء الإنسان للإنسان فيه مصلحة شرعية لأنه يبين الحقائق. ويجب علينا الاستفادة من الابتلاء وملاحظة آيات الله تعالى التي جسدت القرآن في الكون والنفس البشرية للتأكد من صدق القرآن فعلا والالتزام بحدوده قولا وعملا سرا وعلانية. وفعلا قال الله تعالى في فصلت 53 ” سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ” لهذا قال الله تعالى في الرعد 19 ” أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ” الأعمى في هذه الآية ليس أعمى عضويا ولكنه تجاهل آيات الله تعالى في الكون والنفس البشرية ولم يصدق بها واستهزأ بها. والحج 46      ” فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ” فالكافر يتوفر على بصره لكن قلبه أعمى أي لم يصدق بالحق ولم يؤمن به. وفصلت 17 ” وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ”. قوم تمود هداهم الله حيث أنزل عليهم هداه هو شرعه الذي بلغه لهم نبيه ولكنهم كفروا وبذلك فضلوا الضلالة على الهداية والضلالة عمى لأنها تبعد الكافر عن سراط الله تعالى المستقيم.

يا أيها الإنسان في كل زمان ومكان إنك في ابتلاء وامتحان فتدبر القرآن والتزم بحدوده بإتقان تحي وتسعد على الدوام في الجنان وتنج من عذاب سجن النيران. فاغتنموا الفرصة أيها الأنام قبل فوات الأوان عندما يخف الميزان.

 

المبحث الثاني: ابتلاء الإنسان بمرض نفسي ومتاع الدنيا

 

هذا الابتلاء من حالات الابتلاء وأنواعه المذكورة في القرآن. ونظرا لأهميتهما وخطورتهما خصصت المبحث الثاني من هذا الفصل الثاني لابتلاء المرض النفسي وابتلاء متاع الدنيا. الله تعالى ابتلى الإنسان بمرض نفسي ومتاع الدنيا ولكن لم يظلمه لأنه أنزل الدواء والعلاج إذا استعمله يشفى من مرضه النفسي ومن غرور وهلع الدنيا. هذا الدواء الفعال هو الالتزام بالقرآن. فإذا لم يستعمل الإنسان هذا الدواء وغرته الحياة الدنيا وزينتها ومتاعها أي أعرض عن القرآن ولم يلتزم بحدوده فإنه لا يشفى من المرض النفسي وغرور الدنيا ويكون من الخاسرين في الدنيا والآخرة ومصيره عذاب وشفاء سجن جهنم الدائم والأبدي في الآخرة.

ولهذا سأتناول في هذا المبحث فقرتين الأولى ابتلاء المرض النفسي والثانية ابتلاء متاع الدنيا.

 

الفقرة الأولى: ابتلاء المرض النفسي للإنسان أنثى أم ذكر.

 

سوف أبين أدلة هذا المرض النفسي الذي ابتلى به الله تعالى الإنسان وخلقه به وأبين كيفية الشفاء من هذا المرض والفوز في الابتلاء في الفصل الثالث الموالي.

وأدلة المرض النفسي الذي ابتلى به الله تعالى الإنسان كثيرة في القرآن. وسأبين منها ما استطعت فهمه واستنباطه. واستغفر الله تعالى إن أخطأت. الله تعالى أنزل آدم وزوجته إلى الدنيا سورة البقرة 36 ” وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ” هذه العداوة ليست مطلقة بل تزول بالشفاء من المرض النفسي أي باتباع حدود القرآن حيث يصبح المسلمون إخوانا و تزول العداوة التي خلقهم بها الله تعالى و الدليل آل عمران 103 ” وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا” و الحجرات 10 ” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ” الله تعالى خلق الإنسان بمرض العداء و العدوان على غيره و اتباع الهوى و الشهوات و لو كانت غير مشروعة و الطمع و الهلع. والدليل المعارج 19-35 ” إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ……” فمهما بلغ الإنسان من ثروة وأموال فإنه يريد الحصول على المزيد ولو بطرق غير مشروعة.

ولهذا فالإنسان تطغى عليه نزعة الظلم والشر والعدوان لتحقيق مصالحه ولو بصفة غير شرعية. والدليل إبراهيم 34 ” إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ” والعاديات 6-8 ” إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ لَشَهِيدٌ وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ” فالكفار لم يؤمنوا بالله تعالى وبالقرآن ولذلك لم يشفوا من مرض الهلع والشر والدليل البينة 6 ” إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ” والمسلمون يشفون من هذا المرض النفسي المجسد بالهلع والشر والظلم. والدليل البينة 7 ” إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ” والأعراف 43 ” وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ ” هذا النزع بالنسبة للمسلمين المتقين أما الكفار فإنهم مستمرون في الغل والحقد والحسد الذي خلقهم به الله تعالى لأنهم لم يستعملوا دواء العلاج من المرض وهو الالتزام بحدود القرآن.

ومما يدل على مرض الشر والبخل وعدم فعل الخير في الإنسان التغابن 16 ” وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ” و الإسراء 100″ قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنفَاقِ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ قَتُورًا” و التوبة 75-76 ” وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ” و يونس 21 ” وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا ۚ قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا ۚ إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ” و يونس 22-23 ” دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ” فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ” و الحج 11 ” وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَىٰ حَرْفٍ ۖ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ۖ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَىٰ وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ” و الزمر 8 ” وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ ۚ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا ۖ إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ” و العنكبوت 65-66 ” فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ”. والشورى 48 ” فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا ۖ إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ ۗ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ” الإنسان ذكر أم أنثى لا يشكر الجميل و الخير بل يتبع هواه وهلعه وطمعه ونفسه الأمارة بالسوء وينافق ويكذب ويخالف الوعد والعهد. والدليل يوسف 53 ” إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ” وهو قول الله تعالى على لسان زوجة حاكم مصر. أكد الله تعالى بأن السبب الرئيسي للنفاق هو المرض النفسي للمنافق لأنه لم يؤمن صدقا ولم يلتزم حقا وصدقا بحدود القرآن والدليل البقرة 10 ” ي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ” ومحمد 29 ” أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ”. 

ومن مظاهر المرض النفسي للإنسان والذي خلقه به الله تعالى ابتلاء له الكيد والنصب والاحتيال. ولكن الإنسان يخفي أضغانه وكيده وحيله إلا المسلم الصادق فإنه لا يكذب ولا ينصب ولا يحتال ولا يأكل أموال الناس بالباطل. والأدلة منها آل عمران 120 ” إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ۖ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ” وقول الله تعالى على لسان نبيه يعقوب يوسف 5 ” قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ “. وقال الله تعالى على لسان حاكم مصر يوسف 28 ” فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ” وهذا دليل على أن الإنسان ذكر وأنثى يحتال ويكيد لغيره لإشباع رغباته وتحقيق مصالحه ولو بظلم الآخرين.

فأبناء يعقوب جسدوا كيدهم حيث رموا أخاهم يوسف في بئر وادعوا أمام أبيهم أنه أكله الذئب، وزوجة حاكم مصر جسدت كيدها باعترافها أن يوسف صادق ولم يراودها عن نفسها، بعد أن اتهمته بمحاولة اغتصابها. ومن مظاهر المرض النفسي للإنسان أن يطغى ويتجبر على غيره. والدليل العلق 6 ” كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَىٰ” وهود 112 ” فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ” نهى الله تعالى الرسول والمسلمين عن الطغيان والتجبر لأنه يعلم مرض الإنسان النفسي الذي خلقه به ابتلاء له. وتؤكد ذلك سورة الشورى 27 ” وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَٰكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ ۚ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ” ويونس 11 ” فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ” وفعلا كل العقلاء والمثقفين والسياسيين يعلمون أن كبار الأغنياء الذين حصدوا ثروات هائلة وأموال طائلة بصفة شرعية أو غير شرعية يتجبرون ويطغون على غيرهم سواء على الصعيد الوطني أو الدولي. ولو درستم أيها الناس الوقائع والأحداث بموضوعية لتأكدتم من هذا المرض النفسي للإنسان ولو حللتم العلاقات البشرية في العالم كله لتأكدتم أن الأقوياء يسيطرون على الضعفاء بدنيا وماليا وعسكريا في مختلف مراحل التاريخ البشري. ولو التزم الناس بحدود القرآن وهو حكمة الله تعالى لعم العدل والسلم والأمن والاستقرار والمساواة في الحقوق والواجبات والأخوة بين المسلمين والتضامن والتكافل. 

الله تعالى خلق الإنسان واستخلفه في الأرض لابتلائه وامتحانه. لذلك خلقه مريضا نفسيا وأنزل له الدواء والعلاج وهو شرعه وحكمته. والدليل البقرة 30 ” وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ” فالمرض النفسي للإنسان من قضاء الله وقدره قبل أن يخلف الإنسان لابتلائه وامتحانه في الحياة الدنيا المؤقتة. ولهذا خلق الله تعالى الإنسان شريرا ابتلاء له. لكنه أنزل له الدواء الذي يعالجه إذا استعمله وهو الالتزام بحدود القرآن. والدليل الأنفال 55 ” إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ” فأكثر المخلوقات الحية شرا وطغيانا هو الإنسان الكافر وهو الذي لم يستعمل الدواء والعلاج وهو الالتزام بكلمة الله تعالى القرآن. وتؤيد ذلك سورة البينة 6 ” إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ”.

ولهذا أقسم الله تعالى مؤكدا أن كل إنسان في الدنيا من الخاسرين والأشقياء والمعذبين في سجن جهنم الأبدي بسبب هذا المرض النفسي إلا الذين استعملوا الدواء ليشفوا من مرضهم وهو الالتزام بحدود القرآن والدليل العصر 1-3 “وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ”. والله تعالى لم يظلم الإنسان بخلقه مريضا نفسيا ولكن ابتلاه بهذا المرض ليعلم الصادقين والكاذبين الصالحين والمفسدين. ولم يظلم الله تعالى الإنسان لأنه أنزل له الدواء والعلاج وهو القرآن. فإذا لم يستعمل المريض الدواء الذي كتبه له الطبيب ومات فإنه ظلم نفسه ولم يظلمه الطبيب.

هذا المرض النفسي الذي خلق به الله تعالى الإنسان ابتلاء له شهد عليه وشخصه كثير من العلماء والباحثين ومنهم العالمان الأوروبيان هوبز وماكيفلي.

هوبز أكد في القرن السابع عشر الميلادي بعد دراسته للعلاقات البشرية وملاحظته أن الإنسان ذئب لأخيه الإنسان. هذه النتيجة التي أكدها في أبحاثه دليل قاطع على المرض النفسي الذي خلق به الله تعالى الإنسان ابتلاء له. والعالم الإيطالي ماكيفلي ألف كتاب “الأمير” ونصح فيه الحاكم الإيطالي بأن يستعمل الدهاء والخداع والاحتيال والكذب والقوة للسيطرة على البشر. ولو درس هذان العالمان وغيرهما حكمة القرآن لتأكدوا من الأدلة الدالة على أن الله تعالى هو الذي خلق الإنسان بهذا المرض النفسي ابتلاء له. وقد بينت للناس حسب استطاعتي هذه الأدلة التي لم ينتبهوا إليها بسبب كفرهم وعدم ملاحظتهم بصدق وموضوعية لآيات الله تعالى التي بينها للناس في الكون والنفس البشرية. ويؤكد ذلك في سورة فصلت 53 ” سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ ” وأضيف لما سبق ملاحظاتي شخصيا أثناء تدريسي لمادة العلاقات الدولية في الجامعة للطلبة والوقائع التي عرفتها كثير من المجتمعات أكدت أن القوانين تفرض من طرف الأغنياء والأقوياء ماليا وعسكريا ولا تطبق عليهم ومنها القوانين الوطنية والدولية. ولا داعي لذكر الأمثلة لأنها كثيرة عرفتها كل عصور التطور البشري. فالمختصون في علم الاجتماع والمثقفون والسياسيون على علم بهذه الحقائق الدالة على المرض النفسي للإنسان والذي خلقه الله تعالى به ابتلاء وأنزل له الدواء والعلاج وهو القرآن. ومن الأدلة على ذلك أيضا الحروب والأزمات والصراع بين المجتمعات والدول وهي ملازمة للتطور البشري من أجل المصالح والأموال. هذا الصراع بين الدول وهي تجمعات بشر يدبرها الدبلوماسيون بدهائهم وتحايلهم وعندما يفشلون يدبرها الجنود حسب ما لديهم من قوة عسكرية وبشرية ومالية وتقنية. ولو التزم الناس بالدواء والعلاج وهو الالتزام بحدود القرآن لساد العدل والسلم والأمن والاستقرار والتضامن والاخوة بين كل بني آدم في العالم كله. 

 

الفقرة الثانية: ابتلاء متاع الدنيا وجزاؤه بالآخرة

 

أبدأ هذه الفقرة بتعريف متاع الدنيا ومضمونه وبعد ذلك أتعرض للابتلاء بمتاع الدنيا وهو كل ما على الأرض وتحتها مما ينفع الإنسان ويلبي رغباته وحاجياته وجزائه بالآخرة.

الله تعالى هو الذي يخلق مصادر متاع الدنيا ويتحكم فيها حسب مشيئته وابتلائه للناس. والإنسان لابد أن يقوم بالعمل الحلال لكسب نصيبه من رزق الله تعالى وأحيلكم على ما بينته في الفصل الأول من هذا البحث ” ضرورات الحياة البشرية خاضعة لمشيئة الله يستعملها في الابتلاء”.

خلق الله تعالى متاع الدنيا لكي يستمر الإنسان في الحياة إلى أن يحل أجل موته وليؤدي مهمة الاستخلاف في الأرض وعبادة الله تعالى والدليل الكهف 7 ” إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا” وهود 7 ” وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۗ ” فالماء هو شرط الحياة وبدونه تموت المخلوقات الحية ومنها الإنسان. لهذا فالماء أهم مكونات متاع الدنيا بل هو مصدرها. والدليل الأنبياء 30 ” وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ” والملك 1-2 ” تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ “. 

خلق الله تعالى متاع الدنيا وزينتها لمصلحة الإنسان. ومن الأدلة البقرة 36 ” وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ” والأعراف 10 ” وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ ۗ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ” والإسراء 70 ” وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ” ومما كرمهم به الله تعالى متاع الدنيا ورزقه. وإبراهيم 34 ” وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ” ويونس 60 ” إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ”.

ومتاع الدنيا حق مطلق للناس ذكورا وإناثا لأن الله تعالى خلقه لهم. ومما يؤكد هذا الحق أن الله تعالى لا يعاقب عن الاهتمام بمتاع الدنيا ولكن عن مخالفة حدود القرآن. والدليل الأحقاف 20 

“فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ” والأنعام 93 ” الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ”. يونس 70 ” مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ” ويونس 7-8 ” إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ”.

هذه الآيات أكدت أحكامها الشرعية أن متاع الدنيا حق مطلق للإنسان والدليل القصص 77      ” وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ” ولكن الذي يتمتع به ويعرض عن القران مصيره عذاب الله تعالى في سجن جهنم وشقاؤها الأبدي. لأن الله تعالى خلق الإنسان لعبادته أي طاعة أمره وهو القرآن. والدليل الذاريات 56 ” وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” والطلاق 5 ” ذَٰلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ ۚ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا”. أمر الله تعالى المنزل للناس هو القرآن.

والله تعالى خلق متاع الدنيا للناس تكريما لهم ولإنقاذ حياتهم. والدليل آل عمران 14-15 “زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَٰلِكُمْ ۚ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ” و لكن افتح قوسين لشرح مسألة مهمة تتعلق بالاجتهاد في استنباط الأحكام الشرعية من آيات القرآن. فالحكم الشرعي لا يكون خاصا بالوقائع والأحداث المذكورة في الآية بل يكون مجردا ويمكن تطبيقه في حالات أخرى. وأعطي أمثلة توضيحية منها آل عمران 14 المذكورة فما زين للناس في هذه الآية ليس ثابتا بل زين للناس في عصرنا أكثر من ذلك مثل العقارات والعمارات والسيارات الفخمة والطائرات والقطارات والسفن والأموال النقدية والورقية المكدسة في الحسابات البنكية وغيرها. فمتاع الدنيا يتطور كما وكيفا وفي كل زمان ومكان. والمهم أن الاهتمام بمتاع الدنيا دون الالتزام بحدود القرآن خسارة وشقاء وعذاب في الدنيا والآخرة.

وهناك مثال آخر في التوبة 34 ” وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ” فالحكم الشرعي أن الله تعالى حرم الكنز وعدم الإنفاق في سبيل الله وخصص له العذاب الأليم ولكن هذا الحكم عام بحيث لا يطبق فقط على الذهب و الفضة بل على كل ما يكنز الإنسان من غير الذهب والفضة مثل البضائع والأموال والعقارات والمنقولات.

وهناك مثل في الأنفال 60″ وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ” فالحكم الشرعي الأساسي في الآية هو أمر الله تعالى بإعداد القوة التي يواجه بها المسلمون أعداءهم الكفار عندما يعتدون عليهم. وقد كانت الخيل هي أداة الحرب في عهد الرسول محمد بن عبد الله على صعيد العالم كله. ولكن مع التطور الاقتصادي والعلمي والتقني تطورت وسائل الحرب فشملت الدبابات والمدافع والطائرات والبندقيات والأسلحة الكيماوية والقنابل الذرية النووية وغيرها.

وكمثال الانفال 66 ” فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ ۚ ” بمعنى أن جنديا واحدا يغلب جنديين من الأعداء. هذا الحكم الشرعي كان مطابقا لظروف حربية كانت فيها وسائل الحرب متشابهة بين المسلمين وأعدائهم الكفار. أما في عصرنا وبعد تخلف المسلمين وتقدم الكفار بسبب تهاون المسلمين ومخالفتهم أمر الله تعالى فإن الحكم الشرعي في الأنفال 66 لا ينطبق على الظروف الحالية. فالجندي المسلم الواحد لا يستطيع أن يغلب جنديا واحدا من الأعداء وهو في دبابته. لهذا يجب استنباط الحكم الشرعي العام والأساسي دون التقيد بألفاظ الآية والوقائع المذكورة فيها لأنها تتغير مع تغير الظروف الاجتماعية والاقتصادية والتقنية. وغيرة مني على الأمة الإسلامية ولإعداد القوة التي أمر بها الله تعالى وحسب فهمي للواقع فإن هذه القوة بكونها الرأسمال البشري في دار الإسلام. ولا يتحقق ذلك إلا بازدهار التعليم والتكوين في كل المجالات وبازدهار قطاع الصحة. فرجال التعليم يكونون عقل الرأسمال البشري والأطباء والممرضون يحافظون على صحة الرأسمال البشري الذي يكون القوة التي أمر بها الله تعالى لمواجهة الكفار والدفاع عن دار الإسلام ودين الله تعالى الحق الإسلام وأموال وأعراض المسلمين. ولكن هذا الرأسمال البشري لا يكون فعالا ومنتجا ومستقرا إلا بإقامة العدل بين الناس والتوزيع العادل للدخل والثروة في بلاد الإسلام. فالإضرابات والتوقف عن العمل يساهم في التخلف لأن الأعداء مستمرون في التنمية والتقدم. وأغلق القوسين حول استنباط الأحكام الشرعية من آيات القرآن وقد سهل ذلك فهم متاع الدنيا. و أحيلكم على بحث أنجزته حول موضوع: “الأساس الشرعي لوجوب معرفة قواعد فهم القرآن وأمثلة تطبيقية لتوضيحها” وهو منشور في موقعي المذكور بالإنترنت.

متاع الدنيا ابتلاء وامتحان من الله تعالى للإنسان في الدنيا نتيجته تظهر في الدار الآخرة بعد البعث عندما يحاسب المبعوث عن اعماله من بلوغه سن التكليف الشرعي حتى وفاته. وينال الجزاء الذي يستحقه. لهذا سأتعرض لهذا الجزاء عن ابتلاء متاع الدنيا في الآخرة ليعلم الناس مصيرهم الحتمي الدائم والأبدي في الآخرة وليقرروا المصير الذي يريدونه بعملهم في الدنيا قبل أن تنتهي فرصة الابتلاء في الدنيا التي ينهيها الموت.

وسأبين الأدلة الشرعية على أن الله تعالى خصص متاع الآخرة للمبعوثين الذين كانوا في الدنيا مؤمنين متقين صالحين. ولكن منعه الله تعالى عن المبعوثين الذين كانوا في الدنيا مجرمين وكفار ولم يتوبوا في الدنيا قبل الموت. لكن متاع الدنيا جعله الله تعالى مشتركا وحقا لكل بني آدم. وكل إنسان ذكر وأنثى ينال نصيبه منه حسب عمله الحلال. والأدلة منها الإسراء 18-20 ” مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا  وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا” و هود 15-16 ” مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ ۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ” فكل إنسان في الدنيا ذكر و أنثى له الحق في العمل الحلال لكسب نصيبه من رزق الله تعال في الدنيا. فلما طلب إبراهيم نبي الله تعالى من ربه أن يمنع الرزق عن الكفار، أكد له الله تعالى بأن متاع الدنيا فضل من الله تعالى لكل إنسان. لأن الله تعالى أعطى للكفار فرصة التوبة ولم يحرمهم من عطائه. والله تعالى حرم المبعوثين الذين كانوا في الديا كفارا معرضين عن القرآن من متاع الآخرة وخصصه فقط للمتقين الذين آمنوا وعملوا الصالحات في الدنيا. والأدلة منها القصص 83 ” تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ” و الزخرف 35 ” وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ” فمتاع الدنيا خصصه الله تعالى لكافة الناس و متاع الآخرة جعله الله تعالى جائزة و مكافأة أنعم بها على المتقين وحدهم. وتؤكد ذلك الأنعام 32 ” وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۖ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ”. فالدار الآخرة خاصة بأصحاب الجنة وهم المتقون في الدنيا أما الكفار والمجرمون فلا دار لهم إلا سجن جهنم. ولا حياة لهم بل هم شبه اموات فأصحاب الجنة هم الفائزون بمتاع ودار الآخرة وأصحاب جهنم هم الخاسرون والدليل عدة آيات منها آل عمران 185 ” كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ” فمتاع الدنيا قليل ومؤقت وينتهي بقضاء الله تعالى وبموت الإنسان. والنحل 30 ” وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ ۚ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ” والنساء 77 ” قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَىٰ وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا” و التوبة 38 ” فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ” والقصص 60 ” وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا ۚ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ” والأعلى 16-17 ” بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ” والشورى 36 “فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ” هناك آيات كثيرة بينت متاع الآخرة في الجنة منها الزخرف 68-73 ” يا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ ۖ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ ۖ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ” والطور 17-19 ” إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” والشورى 22 ” ترَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ ۗ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ ۖ لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ” والحج 23 ” إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ۖ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ” والنحل 31 ” جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ” فانظر أيها الإنسان إلى الجزاء الذي خصصه الله تعالى للفائزين  في ابتلاء متاع الدنيا و استقم و التزم بحدود القرآن لتفوز عند الميزان و تنجو من النيران و تنعم بالرحمة في الجنان.

وأكبر متاع في الآخرة هو متاع الحياة الدائمة الأبدية في سعادة الجنة وهي خاصة بالذين آمنوا وعملوا الصالحات واتقوا. وهذا قضاء الله تعالى وقدره وجزاء الفوز في ابتلاء الدنيا. والدليل الصافات 58-59 ” أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَىٰ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ” والدخان 56 ” لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَىٰ ۖ وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ ” فأصحاب الجنة لا يموتون أبدا في الآخرة.

أما أصحاب جهنم وهم الذين كانوا معرضين عن القرآن ومجرمين في الدنيا وقد خسروا في ابتلاء وامتحان الدنيا فلا حياة لهم في الآخرة بل هم شبه أموات في عذاب جهنم الدائم. والدليل الأعلى 11-13 ” وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَىٰ ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ” و فاطر 36 ” وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ” و السجدة 20 ” وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ۖ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ “. 

أصحاب جهنم يحرمهم الله تعالى من متاع الآخرة والحياة الحقيقية ويحرمهم من لبصر حرمانا دائما. والدليل طه 124 ” وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ” والإسراء 72 ” وَمَن كَانَ فِي هَٰذِهِ أَعْمَىٰ فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَىٰ وَأَضَلُّ سَبِيلًا” فالذي يعرض عن القرآن ويتجاهل آيات الله تعالى لم يستعمل بصره بموضوعية ليتأكد من صدق القرآن الذي تجسدت آياته في الكون والنفس البشرية فهو بمثابة أعمى ولو كان بصيرا عضويا في الدنيا ولكن في الآخرة يبعثه الله تعالى أعمى فعلا عضويا. فهل للأعمى حياة إنه يكون عالة على غيره وإلا فإنه يقع في الأخطار. فالتزم بحدود القرآن حتى الموت أيها الإنسان لكي لا تكون أعمى على الدوام في جهنم و قد لاحظت عذاب من هو أعمى في الدنيا.

وأهل جهنم لا حياة حقيقية لهم ولا حرية لهم ولا حياة زوجية لهم ولا يتصلون بأبنائهم. والدليل الشورى 45 ” إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ ” وأهل جهنم لا حرية لهم لأنهم في سجن جهنم شبه أموات. و الدليل إبراهيم 49-51 “وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ النَّارُ لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ” و طه 74 “إِنَّهُ مَن يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَىٰ” و إبراهيم 16-17 “مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ ۖ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ” و فاطر 36 ” وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ”

وأهل جهنم مكبلون في السلاسل و الأغلال على الدوام و الدليل الإنسان 4 ” إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا” و الحاقة 30-33 ” خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ” و النساء 56 ” إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا”.

وأهم متاع في الآخرة خصصه الله تعالى للمتقين وحدهم و هو اتصالهم بأبنائهم و والديهم الذين استحقوا الجنة و لهم حياة زوجية كذلك في الجنة، و الأدلة منها غافر 8 “رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” و الرعد 23-24 ” جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ” والطور 21 ” وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ ۚ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ”.

فالمؤمن المتقي الذي يموت مطلقا أو غير متزوج أو استحقت زوجته جهنم يزوجه الله تعالى في الجنة بحور العين. وهم زوجات خلقهن الله تعالى في الجنة. والدليل الدخان 54 ” كَذَٰلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ” والواقعة 22-24 ” وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ”. والمرأة المؤمنة المتقية التي استحقت الجنة إذا لم تتزوج في الدنيا أو كانت مطلقة أو استحق زوجها السابق في الدنيا جهنم فإن الله تعالى يزوجها بزوج مطهر في الجنة والدليل البقرة 25 ” وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” وآل عمران 15 “لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ”. أما أصحاب الجحيم وهم الكفار والذين أعرضوا عن القرآن فقد حرمهم الله تعالى من المتاع الذي خصصه فقط للمتقين وهم أهل الجنة. وأذكركم بالزمر 15 “قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ”.

فحكم عقلك أيها الإنسان أمامك طريقان وسبيلان وصراطان طريق الحياة الدائمة في سعادة الجنة مع زوجتك أو حور العين إن فقدتها ومع أبنائك وأبويك في النعيم والرحمة الأبدية وهناك طريق السجن في جهنم وشبه الموت والعمى الدائم والسلاسل والأغلال والحرمان من الزوجة والأبناء. 

واعلم أيها الإنسان أن أعمالك في الدنيا حتى الموت هي التي تحدد لك أحد الطريقين المذكورين. والله تعالى لم يظلم أهل جهنم ولم يمنعهم من متاع الآخرة ظلما بل حذرهم في الدنيا من ذلك وبين لهم في القرآن ما ينفعهم وما يضرهم. ومن الأدلة الإنسان 2-3 “إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا”. وسورة البلد 10 “وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ” والشمس 7-10 ” وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا” والأنعام 153 ” وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” فعمل الإنسان أنثى وذكر في الدنيا من بلوغ سن التكليف الشرعي حتى الموت هو الذي له يحدد طريق جهنم أو طريق الجنة. فالالتزام بحدود القرآن في الدنيا هو الذي يجعلك في طريق الحياة الدائمة في سعادة الجنة بالآخرة أما من أعرض عن القرآن فإنه حرم نفسه من الحياة واستحق شبه الموت والعذاب الدائم بجهنم. والدليل الشورى 52-53 ” وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ” والأنفال 24 “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ “. وما يحيي هو الالتزام بحدود القرآن قولا وعملا سرا وعلانية لأنه يخول المؤمن الصالح المتقي الحياة السعيدة في الدنيا والآخرة والتي يحرم منها المعرضون عن القرآن.

إن متاع الدنيا مهما كان كما وكيفا مؤقت وأقل من متاع الآخرة ومحدد بموت الإنسان الحتمي. ولا يعفي المجرمين من العقاب الذي يستحقونه. ومتاع الدنيا خاضع لمشيئة الله تعالى حيث يستعمله في الابتلاء. والأدلة منها العنكبوت 57 ” كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۖ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ” والملك 2 ” الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ” وآل عمران 145 ” وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُّؤَجَّلًا ۗ ” فلا أحد يعلم متى يحل أجل موته أبدا. والمنافقون 11 ” وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا ۚ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ” والجمعة 8 ” قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ۖ ” والنساء 78 ” أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ۗ ” وآل عمران 168 ” فَادْرَءُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ”. وينتهي متاع الدنيا كذلك بقيام الساعة الكبرى الختامية حيث يموت ويفنى كل البشر في الدنيا. والأدلة منها الأعراف 187 ” يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي ۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ۚ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ۗ ” و النحل 77 ” وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ” و طه 15 ” إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ” و الحج 1-2 ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ” و الرحمن 26-27 ” كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ”. هذا مصير حتمي لكل البشر وهو موتهم جميعا عندما تقوم الساعة النهائية الكبرى فهي كزلزال الأرض لا نعلم في أية لحظة تقع. فإذا حل أجل موتي الحتمي الذي حدده الله تعالى أو قامت الساعة الختامية الكبرى ولا يعلم وقتها إلا الله تعالى فلا يمكنني أن أحمل متاع الدنيا إلى الآخرة فاعمل بجد وبالحلال أيها الإنسان لتتمتع بنصيبك الذي جعله الله تعالى حقا مشروعا لك من متاع الدنيا وفضل الله تعالى. ولكن في إطار التزامك بحدود القرآن قولا وعملا سرا وعلانية لتفوز بسعادة الدنيا والآخرة أي متاع الدنيا المؤقت ومتاع الجنة الدائم والأحسن.

ولكن متاع الدنيا كيف ما كان كما وكيفا لا يعفي من العقاب عن الكفر والسيئات. فالالتزام بحدود القرآن في الدنيا حتى الموت هو الشرط الوحيد والأساسي للفوز بمتاع الآخرة الأحسن وبالحياة الحقيقية الدائمة في سعادة الجنة ونعيمها والنجاة من شبه الموت في سجن جهنم وشقائها الدائم. والأدلة منها السجدة 22 ” وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا ۚ إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ” والشعراء 205-207 ” أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ” ما يوعدون هو يوم الحساب في الآخرة عن أعمال الدنيا والشعراء 87-89 ” وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ”. والقلب السليم هو قلب المؤمن الصالح المتقي الخالي من الكفر والشك والطغيان. وغافر 82 ” أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ”. وسبأ 37 ” وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ”. فعمل الإنسان في الدنيا هو الذي يحدد له مصيره في جهنم أو في الجنة وليست الأموال. لهذا قال الله تعالى في سورة آل عمران 10 ” إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ” وآل عمران 133 ” وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ” لم يقل الله تعالى أعدت للأغنياء أو الفقراء بل أعدها الله تعالى للذين آمنوا وعملوا الصالحات واتقوا في الدنيا. لهذا قال الله تعالى في سورة المنافقون 9 ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ” و الزخرف 74-76 ” إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ” و النحل 107-109 ” ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ”. متاع الدنيا حق للإنسان أنعم به الله تعالى عليه ولكن الذي ينفعه وينجيه من العمى الدائم وشبه الموت والسلاسل والأغلال هو التزامه بحدود القرآن حتى الموت في الدنيا. ولهذا حذر الله تعالى الناس حيث قال سبحانه وتعالى في سورة إبراهيم 2-3 ” وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ” و فاطر 5 ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۖ وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ” و النازعات 37-39 ” فَأَمَّا مَن طَغَىٰ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ” و الهمزة 1-9 ” وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ كَلَّا ۖ لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ” و المسد 1-3 ” تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَىٰ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَىٰ نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ”.

وأترك لإخواني القراء والباحثين استخلاص نتائج هذا الفصل الثاني من البحث حول أحكام الابتلاء في القرآن وبحول الله تعالى سوف أنجز الفصل الثالث والأخير من موضوع البحث.

 

 

 

Copyright 2024, All Rights Reserved