أحكـــــــام الابتـــــــــلاء فـــــي القــــــرآن – الفصل الثالث

  الدار البيضاء في فاتح شوال  1445/10/4/2024 

 

 

 

موضـــــــــــوع البحــــث

أحكـــــــام الابتـــــــــلاء فـــــي القــــــرآن

الفصل الثالث

 

بحث أعده الرحلي أحمد 

من هيئة التدريس بالتعليم العالي 

بالدار البيضاء سابقا متقاعد.                                                    

الموقع بالانترنيت                        www.erahliahmed.com  

الهاتف: 06.28.28.99.11

 

لقد أنجزت الفصلين الأول والثاني من هذا البحث ونشرتهما في موقعي المذكور بالانترنيت. و فيما يلي أقدم لكم الفصل الثالث و الأخير وعنوانه: التزام الإنسان بالقرآن والسنة المطابقة له شرط الفوز في الابتلاء. ولن أتناول مقدمة لهذا الفصل الثالث لأن الفصل الأول يتضمن مقدمة عامة لموضوع البحث. ويضم هذا الفصل الثالث مبحثين الأول أبين فيه الأدلة الشرعية المؤكدة بأن الالتزام بحدود القرآن هو الشرط الأساسي لفوز الإنسان في ابتلاء الدنيا و المبحث الثاني أبين فيه أيضا بأن الالتزام بالسنة المطابقة للقرآن شرط للفوز في الابتلاء. 

المبحث الأول: الالتزام بحدود القرآن شرط للفوز في الابتلاء 

وقبل تأكيد هذه الحقيقة أبدأ بتعريف وجيز للقرآن وبيان أدلة إلزام القرآن لكل الناس في العالم لأنه نسخ الشرائع السابقة. وهذا ما أتعرض له في الفقرة الأولى. وفي الفقرة الثانية أبين الآيات الواعظة وفي الفقرة الثالثة أبين الآيات الآمرة الملزمة المؤكدة بأن الالتزام بحدود القرآن شرط للفوز في الابتلاء.

الفقرة الأولى: تعريف القرآن وأدلة إلزامه لكل الناس في العالم.

 سوف أتناول تعريفا موجزا للقرآن لأن ذلك متداول بين الناس. ثم أبين الأدلة والبراهين المؤكدة شرعا بأن القرآن ملزم لكل إنسان في هذه الدنيا بقضاء الله تعالى وقدره المطلق العادل.

1- تعريف موجز للقرآن

لما خسر آدم وحواء زوجته في أول ابتلاء من الله تعالى للبشر في الجنة أنزلهما إلى الأرض الدنيا في إطار ابتلاء ثاني لهما و لذريتهما ونحن جميعا منها ومادة هذا الابتلاء الثاني في الدنيا هي شرائع الله تعالى المنزلة على رسله للناس. و الدليل البقرة 36 ” وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ” و البقرة 38-39 ” قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” و الأعراف 35-36 ” يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ”.

الله تعالى استخلف الناس في الدنيا لأعمارها و لعبادته و ابتلاهم بشرائعه المنزلة إليهم بواسطة رسله ليختار منهم من يستحق الجنة و من يستحق جهنم في الآخرة. هذه الشرائع التي أنزلها الله تعالى هي نظام استخلاف البشر في الدنيا و منهج الحكم بينهم. و الأدلة كثيرة منها الحديد 25 ” لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ” والبقرة 213 ” كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ” و تؤيد ذلك المائدة 44 ” وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ” و المائدة 48 ” وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ”.

لهذا أنزل الله تعالى لكل أمة منهجا للحكم و الحياة و نظاما للاستخلاف و الذي يجب أن يتبعه الناس و ذلك منذ رسول الله تعالى نوح إلى رسوله محمد بن عبد الله. والدليل الحديد 25 المذكورة “وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ” أي من يطيعه و يلتزم بأمره لأن الله تعالى ليس في حاجة لمن ينصره لأنه أقوى من كل ما في الكون. فالناس في الدنيا كلهم في حالة ابتلاء هل يطيعون أمر الله تعالى المنزل إليهم أم يعرضون عنه و يخالفونه. و لكل موقف جزاؤه. و القرآن شريعة الله تعالى و أمره المنزل للناس على رسوله محمد بن عبد الله منذ منتصف القرن السابع الميلادي بمكة المكرمة و المدينة المنورة خلال مدة ثلاث و عشرين سنة و ربع. و هو كل السور و الآيات التي يتضمنها المصحف. و قد بلغ الرسول محمد القرآن للناس بصدق و بتوفيق الله تعالى. و تتوفر من القرآن ملايين المصاحف في كل بقاع العالم و يحفظه الملايين من المسلمين في صدورهم. و القرآن نسخ به الله تعالى كل الشرائع السابقة و منها التوراة و الإنجيل. و الدليل على أن القرآن منزل من الله تعالى يس 1-6 “يس  وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ” و الأنبياء 50 “وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ” و الإنسان 23 “إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلا ” فالقرآن شرع الله و منهجه المنزل للناس. و تؤكد ذلك كثير من الآيات منها النمل 6 “وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ” و الشعراء 192-194 “وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ  نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ  عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ” و الروح الأمين في الآية هو جبريل الذي بلغ القرآن من الله تعالى لرسول الله محمد بن عبد الله. و الأعراف 52 “وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ” ويوسف 3 “نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ” و طه 2 “مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى” و السجدة 2 “تَنزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ” و الزمر 1-2 “تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ” و غافر 2 “تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ”.

و القرآن حكمة الله تعالى الحكيمة شرعه لمصلحة الناس في الدنيا و الآخرة. وفرض عليهم الالتزام به قولا وعملا سرا وعلانية من سن التكليف الشرعي حتى الموت. و الأدلة منها البقرة 187 “تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ” و البقرة 229 “تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” و البقرة 230 “وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ” فحدود القرآن هي أوامره و نواهيه و ما حرمه و ما أحله و خصص الله تعالى الجزاء للإنسان عن موقفه من القرآن. 

2- أدلة إلزام القرآن لكل الناس في العالم.

قضى الله تعالى الذي خلق الكون و ما فيه و يملك الكون و ما فيه و يدبر أمره بأن القرآن ملزم لكافة الناس في هذه الدنيا و في كل بقاع العالم.

و من أجل الالتزام بحدود القرآن يجب على كل إنسان فهم آياته و أحكامه إن كانت له استطاعة علمية أو يطلب ذلك من أهل الذكر و علماء الإسلام الذين هم أيضا ملزمون شرعا بتفسير القرآن و تبليغه للناس. و الدليل محمد 24 “أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا” و التوبة 122 ” وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ” و البقرة 174 ” إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ” و النحل 43 ” فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ” و من الآيات التي فرضت الالتزام بحدود القرآن الأعراف 3 و الزمر 55 و الجاثية 18 و الأنعام 153-155. و لا يعذر الإنسان عن جهله حدود القرآن و عن عدم الالتزام بها لقوله تعالى في غافر 52 “يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ ۖ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ” و هي جهنم. و لا يقبل الإيمان إلا في الدنيا قبل الموت بشرط أن يجسد فعلا في التقوى. وأحيلكم على بحث نشرته في موقعي المذكور بالانترنت حول “الأساس الشرعي لوجوب معرفة قواعد فهم القرآن وأمثلة تطبيقية لتوضيحها “.

القرآن ملزم لكل الناس بالعالم ومنهم اليهود والنصارى وغيرهم بقضاء الله تعالى وقدره و حكمه ولا راد لحكم الله تعالى وقضائه .فهل يستطيع أحد أن يثبت بأن اليهود و النصارى ليسوا بشرا لكي لا يطبق عليهم القرآن وهل يستطيع اليهود والنصارى منع قضاء الله تعالى و قدره وتصرفه في الكون و في أنفسهم وقد بينت الأدلة على خضوع اليهود والنصارى وكل الناس لمشيئة الله و قضائه في الفصل الأول من هذا البحث.

فكل الناس في أرض الدنيا ملزمون بالقرآن دون تمييز في اللغة و اللون و الجنس والقومية و المكان. والأدلة كثيرة منها يس 60-61 ” أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ” وهو صراط الله تعالى وهو القرآن الذي يهدي من اتبعه إلى الله تعالى والجنة. والأعراف 26 “ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ”.ولباس التقوى هو القرآن لأنه يحمي من اتبع حدوده من الأذى و العذاب. والبقرة 187 تفسر ذلك ” أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ” فكلمة لباس في الآية مجازية لان الزوجة لا تلبس زوجها وهو لا يلبسها. فكذلك القرآن لا يلبسه الإنسان . ولكن المقصود أن الزوجة والزوج يحميان بعضهما من الأذى و الأضرار ويحفظان أسرارهما. فكذلك القرآن يحمي من التزم به  من عذاب الله في الدنيا و الآخرة .

و القرآن نسخ به الله تعالى كل الشرائع السابقة و منها التوراة و الإنجيل و الأدلة منها المائدة 15-16 ” يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ” و المائدة 48 ” وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ”. فهذا أمر الله تعالى بالحكم بين الناس و منهم اليهود و النصارى بالقرآن. حتى و لو وجدت التوراة و الإنجيل كما انزلهما الله تعالى قبل تحريفهما فإن الله تعالى بقضائه و قدره نسخهما بالقرآن. فالقرآن هو الملزم لكافة البشر و اليهود و النصارى بشر. فمن يستطيع منع قضاء الله تعالى و قدره و تصرفه في الكون و النفس البشرية. الله تعالى أمر بعبادته وحده دون سواه فالذين يعبدون غير الله تعالى مثل المسيح وعزيز و غيرهما كالبقر و الأشياء كفار مصيرهم سجن جهنم و شبه الموت فيها و العذاب الدائم. و الدليل يوسف 40 ” إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ”  و البينة 4-5 “وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَة”. هذا الحكم الشرعي في الآية دليل قاطع على أن الله تعالى أمر اليهود و النصارى بعبادته وحده و الالتزام بالقرآن و لكنهم أعرضوا عن القرآن و عبدوا المسيح رسول الله تعالى فسوف يندمون عندما يكونون مكبلين في السلاسل وشبه أموات في سجن جهنم. فالإسلام هو دين الله تعالى الحق وغيره من الأديان الوضعية باطل و كفر. و الدليل الفتح 28 “هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ” و آل عمران 19 ” إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلامُ” و آل عمران 85 ” وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين”  و المائدة 3 “الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا” و الشورى 21 “أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ” فدين الله الحق الذي شرعه لكل الناس  في العالم هو الإسلام أي عبادة الله تعالى وحده الذي خلق الكون و ما فيه و يملك الكون و ما فيه و يتصرف فيه و هو صاحب الفضل و الإحسان و النعم على الكون و ما فيه . وأحيلكم على ما جاء في الفصل الأول من البحث ” ضرورات الحياة البشرية خاضعة لمشيئة الله تعالى يستعملها في الابتلاء”.

و من الأدلة على أن القرآن ملزم لليهود و النصارى و غيرهم من البشر آل عمران 20 “وَقُل لِّلَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَوْا” و البينة 4-5 المذكورة. فكل من لم يلتزم بحدود القرآن كافر و عدو الله تعالى و عدو المسلمين و لو آمن بالمسيح و عزيز وغيره. فلا إيمان و لا إسلام بدون الإيمان برسول الله محمد بن عبد الله. و الدليل محمد 2-3 “وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِن رَّبِّهِمْ” و هذا الحق الذي اتبعوه هو القرآن.

و من الآيات المؤكدة لإلزام القرآن لكافة الناس في العالم الزمر 41 “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُون” و آل عمران 138 “هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ” و الأعراف 158 “قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا” و يونس 57 “يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ” و الجاثية 20 “هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ” فالأعمى عضويا لا يبصر ما حوله و إذا لم يساعده من له بصر يقع في الأخطار و يموت. كذلك القرآن هو بمثابة أداة بصر لمن التزم بحدوده حيث ينقده من العذاب و الخطر و هو العذاب الشديد في سجن جهنم و شبه الموت و عذاب الدنيا أيضا. والقلم 52 “وَمَا هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ” و الذكر في الآية هو القرآن الذي أنزله الله تعالى لكافة الناس و الجن في العالم. والأنبياء 107 “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ” فالقرآن الذي بلغه الرسول للناس هو الرحمة لكل من اتبعه و التزم بحدوده في العالم. وليس الرسول في حد ذاته هو الرحمة لأن الرحمة لله تعالى وحده. و النساء 1 “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم” و النساء 170 “يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْرًا لَّكُمْ” و النساء 174 ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا”.

كل الشرائع السابقة و منها التوراة و النجيل و كل الرسل و منهم موسى و عيسى دعوا الناس للإسلام و عبادة الله تعالى وحده. و الدليل الأنبياء 25 “وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ” و المائدة 75 “مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ” و النساء 172 “لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّهِ وَلاَ الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا” فتدبروا قول عيسى بن مريم الذي ذكره الله تعالى في آل عمران 52 “فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ” فقد أكدوا إسلامهم و عبادتهم لله تعالى و ليس لعيسى بن مريم المسيح. و قول موسى لقومه الذي ذكره الله تعالى في يونس 84 “وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ”.

هذه الأدلة التي بينتها في آيات القرآن أكدت بصدق و بحق أن القرآن ملزم لكل إنسان في العالم. و لا يشفى كل إنسان من مرضه النفسي و غرور الدنيا و لا يفوز في ابتلاء الدنيا إلا إذا استعمل دواء العلاج و هو الالتزام بحدود القرآن قولا و عملا سرا و علانية من سن التكليف الشرعي حتى الموت الحتمي. و من أعرض عن القرآن فقد رفض استعمال دواء العلاج فيكون من الخاسرين و المعذبين.

 

الفقرة الثانية : آيات القرآن الواعظة.

سأبين الآيات الواعظة للإنسان إذا اتبعها يفوز في ابتلاء الدنيا و يشفى من مرضه النفسي الذي خلقه به الله تعالى ابتلاء له. فصيدليتك أيها الإنسان في منزلك و فيها الدواء الذي يعالجك و هو مصحف القرآن و ما فيه من آيات إذا اتبعتها تشفى من مرضك و تفوز في ابتلاء الدنيا. و الآيات الواعظة هي آيات القرآن التي وعظت الناس و أرشدتهم و بينت لهم أن الالتزام بحدود القرآن هو الشرط الأساسي لفوز الإنسان في ابتلاء الدنيا. و منها يونس57 ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ” و الإسراء 82 “وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا” و فصلت 44 “وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء” و طه 1-2 “طه مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى” فالحكم الشرعي المسكوت عنه أن الله تعالى أنزل القرآن ليسعد به الناس كافة في العالم إذا التزموا بحدوده. و الأعراف 26 ” يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ”.

فلباس التقوى في الآية المذكورة هو القرآن لأنه يحمي من اتبعه من عذاب الدنيا و جهنم بالآخرة. و تؤكد هذا التفسير البقرة 187 “هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ” و هذا أقوى وصف للعلاقة الزوجية فالزوج لا يلبس زوجته و الزوجة لا تلبس زوجها و لكن المقصود حماية الزوجين لبعضهما البعض. لذلك فالقرآن يحمي من التزم بحدوده و اتقى و هذه الحماية تؤكدها أيضا فصلت 30-31 ” إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ” فالاستقامة في الآية هي إتباع صراط الله تعالى المستقيم و هو الالتزام بالقرآن. فمن آمن و التزم بحدود القرآن فعلا و بصدق يكلف الله تعالى من ملائكته من يحميه في الدنيا و الآخرة. و الرعد 28 “الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” و ذكر الله في الآية ليس النطق بأسماء الله تعالى بل الالتزام بالقرآن. فالكافر قد يقول الله أكبر و لا يطمئن قلبه إلا إذا آمن بصدق و التزم بذكر الله تعالى و هو القرآن. وبذلك يشفى قلبه من المرض النفسي و غرور الدنيا ومن الشر و الطغيان. و الدليل على هذا الشفاء هو رحمة الله تعالى التي يشمل بها المتقين و الدليل يونس 62-64 ” أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ” و الأعراف 156 “وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ”. 

فعندما يشملك الله تعالى برحمته فإنك تشفى حتما من المرض النفسي و تنجح و تفوز في ابتلاء الدنيا. و لكن لا تفوز برحمة الله تعالى إلا إذا التزمت بحدود القرآن بصدق. و الأحزاب 70-71 “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ” إذ أصلح لك الله تعالى أعمالك و غفر لك ذنوبك فقد فزت في ابتلاء الدنيا. و لا يصلح لك الله أعمالك إلا إذا التزمت بحدود القرآن. والدليل يونس 81 “إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ و الأعراف 43 “وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ” فالمتقون يشفيهم الله تعالى من المرض النفسي الذي خلقهم به ابتلاء لهم. 

فالقرآن هو الدواء الذي يعالج المرض النفسي للإنسان و من الأدلة الإسراء 9 “إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا” لهذا قال الله تعالى في سورة طه 123 “فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى”. فهذه حكمة الحكيم الله تعالى أكدت و بحق أن الخير و الفوز و السعادة يحققها الالتزام بحدود القرآن قولا و عملا و سرا و علانية. و تؤكد ذلك سورة الجن 1-2 “قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا” و البقرة 38 “فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ” هذه الآية دليل على أن الذي يلتزم بحدود القرآن يشفى من مرضه النفسي و يفوز في ابتلاء الدنيا. و تؤكد ذلك الأعراف 35-36 ” يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ”.

و هناك سورة الأحزاب 70-71 ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا” هذه الآية دليل أن التقوى أي الالتزام بحدود القرآن شرط أساسي للفوز في ابتلاء الدنيا. فلا يمكن أن يصلح الله تعالى أعمال المتقي كما ورد في الآية دون أن يشفي قلبه من مرضه النفسي. و النمل 1-3 ” طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُّبِينٍ هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ” لا يمكنك الوصول إلى المكان الذي تريده إلا إذا اتبعت الطريق المؤدي إليه. كذلك لا يمكن أن يكون القرآن لك هدى إلا إذا اتبعت حدوده. و الطلاق 2-3 “وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ”. لا يمكن أن ييسر الله تعالى الإنسان لليسرى و يصلح أعماله و يرزقه إلا بعد أن يشفى قلبه من المرض النفسي و المائدة 15-16 “يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ”. فالقرآن منزل لكافة الناس بالعالم و نسخ به الله تعالى كل الشرائع السابقة و منها التوراة و الإنجيل. و إذا التزم الإنسان بحدود القرآن بصدق يخرجه الله تعالى من الكفر إلى الإيمان و من الظلام و الضلالة إلى النور و الهداية  و من طريق جهنم إلى طريق الجنة. و تؤيد ذلك سورة إبراهيم 1 “الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ” فالالتزام بحدود القرآن بصدق يجعل الإنسان سعيدا متوازنا صالحا في الدنيا قبل الآخرة. و علامة سعادة الجنة التي يستحقها تظهر عليه في الدنيا قبل الآخرة حيث يطمأن قلبه و تهدأ أعصابه وتشمله رحمة الله تعالى. و الدليل النحل 97 “مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ”. لهذا قال أحد علماء الإسلام بحق “أيها الناس ادخلوا الكهرباء إلى بيوتكم” و هو يقصد مصحف القرآن . و أقول أنا أيضا ” أيها الناس اجعلوا في بيوتكم صيدليات و ضعوا فيها دواء المرض النفسي و هو القرآن”. فإذا اتبع الناس القرآن يخرجون من الظلام أي الشك و الضلالة و الاضطراب و التوتر و المتاهة و الخسارة و الشر و الهلع إلى النور أي الاطمئنان و الهداية و الرشد و الفوز و الأمن و السعادة في الدنيا و الآخرة و تؤكد ذلك سورة الحديد 9 “هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ” و البقرة 257 “اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” و الحديد 28 “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ”. فالنور الذي يبين الطريق للإنسان و ينجيه من الأخطار و المصائب هو القرآن. و تؤيد ذلك سورة التغابن 8 “فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ” و سورة الأحزاب 45-46 “يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًاوَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا”. فالرسول ليس سراجا و لكن القرآن الذي بلغه للناس هو السراج الذي يبين الطريق لمن اتبعه. 

و صدق لله مولانا العظيم حيث سمى القرآن نورا. و فعلا فهو ينجي من اتبعه من الأخطار و الشقاء و العذاب و الخسارة و يشفيه من المرض النفسي الذي خلق به و من غرور الدنيا. أما الذي أعرض عن القرآن فلا نور له بل يتيه في الضلالة و العذاب و الاضطراب و الشك و يكون في صراط جهنم و سجنها الدائم و شبه الموت فيها مكبلا بالسلاسل و الأغلال.

و قد شبه لنا الله تعالى القرآن بآلة بصر أو نظارات بدونها لا يبصر الإنسان شيئا و يتيه في الظلام و يتعرض للأخطار فمن التزم بحدود القرآن فكأنه استعمل آلة البصر أو النظارات تمكنه من النظر لينقد نفسه من الأخطار و ليسير في طريقه الصحيح. و الدليل الأنعام 104 “قَدْ جَاءَكُم بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا” و الأعراف 203 ” قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِن رَّبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ”و الجاثية 20 “هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ”.

فالقرآن كآلة البصر أو نظارات يبين للإنسان ما ينفعه وما يضره وما هو محرم عليه و ما هو حلال له و ما يحقق له الفوز في ابتلاء الدنيا و هو العمل الصالح والتقوى وما يحقق له الشقاء و العذاب و هو الإجرام و العمل الفاسد المخالف لحدود القرآن.

و اعتبر الله تعالى  القرآن بمثابة الروح التي تحيي الإنسان حيث يطمئن قلبه و يشفى من المرض النفسي و الهلع و غرور الدنيا و الشر و الطغيان و الظلم إذ التزم بحدود و حكمة الله تعالى. و الدليل الشورى 52 “وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا”. فالروح في هذه الآية هي القرآن لأن الالتزام بحدوده يعطي للإنسان الحياة الحقيقية في الدنيا والآخرة. و تؤكد ذلك الأنفال 24 “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ” و ما يحيي الإنسان حقا هو القرآن لأن من التزم بحدوده هو الذي يحيي الحياة الحقيقية الدائمة في سعادة الجنة و من اعرض عن القرآن يكون شبه ميت في سجن جهنم مكبلا بالسلاسل و الأغلال”.

و اعتبر الله تعالى القرآن بمثابة حبل ممدود منه سبحانه و تعالى من فوق السماء السابعة إلى الناس في الدنيا لينقد به من تمسك به من العذاب و الشقاء إلى الحياة الحقيقية في سعادة الجنة و الدليل سورة آل عمران 103 ” وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ” و لتوضيح شرح هذه الآية أمثل لكم الدنيا كمستنقع فيه مياه راكدة مملوءة بالتماسيح و الأفاعي و الجراثيم و الأوحال و الأزبال و يستحيل على الناس الصعود بسبب علو الأرض المحيطة بالمستنقع. و لكن جاءت مروحية لانقاد الناس من الموت و أنزلت لهم حبالا ليصعدوا بها. فمن تمسك بحبل من حبال المروحية يصعد و ينجوا من الهلاك و من لم يمسك بالحبل تأكله التماسيح و تلدغه الأفاعي.

فالحبل الذي ينقدك من الهلاك و عذاب الله تعالى في الدنيا و شبه الموت في سجن جهنم في الآخرة هو القرآن إذا التزمت بحدوده في الدنيا.

لهذا قال أحد علماء الإسلام مشكورا ” أيها الناس اركبوا في سفينة النجاة لتنجوا من الغرق” هذه السفينة هي القرآن الذي ينقد من اتبعه من العذاب و الشقاء.

الفقرة الثالثة: آيات القرآن الآمرة الملزمة

أقصد بالآيات الآمرة الملزمة آيات القرآن التي أمرت بفعل شيء أو عدم فعله. و خصصت الجزاء الذي يستحقه الإنسان عن أعماله و هو الفوز أو الخسارة في ابتلاء الدنيا.

و في توضيح هذه الآيات فائدة مهمة حيث يقتنع و يتأكد الإنسان من صدق القرآن و لا يبقى في غفلة فيندم عن تفريطه و كفره و إجرامه إلا إذا قبل الله توبته إن كانت صادقة و دائمة حتى الموت. 

و سأكتفي بأمثلة من هذه الآيات الآمرة الملزمة لأن ذكرها كلها يحتاج إلى بحث شامل و مستقل مستنبط من آيات القرآن.

  1. إقامة العدل و الحكم بما أنزل الله تعالى

السلطة الإسلامية في بلاد الإسلام تنشئها الأمة الإسلامية و تراقبها باستمرار لكي تحكم بما أنزل الله تعالى أي بحدود  القرآن و لا تزيغ عن صراط الله تعالى  المستقيم و هو القرآن و لكي تحكم بالعدل بين الناس. و من الأدلة المائدة 44 “وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ” و النساء 58 “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ” و النحل 90 ” إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ”. لو التزم المسلمون بأمر الله تعالى و أقاموا العدل و الإحسان في بلاد الإسلام لزالت النزاعات و الشر و الحقد و الهلع و بذلك يشفى الناس من ابتلاء المرض النفسي و هلع الدنيا و غرورها. و تؤكد ذلك الأنعام 152 “وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَ” و النساء 135 “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ” و الأعراف 29 “قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ” و الشورى 15 “أُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ” و الحديد 25 ” لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ”. فكلمة الميزان في الآية هي العدل الذي أمر الله تعالى بالحكم به بين الناس و هذه الكلمة صفة لكتب الله تعالى المنزلة على رسله و ناسخها القرآن . فالقرآن عدل الله تعالى أمر الله بتطبيقه بين الناس. لهذا فالالتزام بحدود القرآن شفاء للناس من المرض النفسي و فوز في ابتلاء الدنيا لأنه يحقق العدل و السلم و التعاون و التكافل بين الناس. و البقرة 213 “كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ” و من باب العدل الذي أمر به الله تعالى عدم ظلم الناس و توزيع الثروة و الدخل الإجمالي في بلاد الإسلام بعدل بين الناس و فرض احترام حقوقهم المشروعة.

لهذا أمر الله تعالى المسلمين بالحكم بما أنزل وهو عدل مطلق وهو القرآن. ومن الأدلة المائدة 44 ” وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ” و المائدة 49 “وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ” فالحكم بما انزل الله تعالى أي القرآن هو تطبيقه و فرض الالتزام بحدوده و أحكامه. و إذا حصل ذلك فعلا و بعدل فإن الناس يكونون في صراط الله المستقيم و يشفون من المرض النفسي و غرور الدنيا. و هناك المائدة 2 “وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ الله” و التوبة 71 ” وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ”.

فالحكم بما في القرآن و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر يصلح الناس و يزكيهم و يعالجهم من المرض النفسي الذي خلقهم به الله تعالى ابتلاء لهم و بذلك يفوز الناس في ابتلاء الدنيا، و يصلح المجتمع و يصلح الحكام فالقرآن نظام استخلاف الإنسان في الدنيا و هو شامل لكل مجالات الحياة و يبين ما هو منكر و ما هو معروف و ما هو حلال و ما هو حرام و ما ينفع الناس و ما يضرهم في الدنيا و الآخرة. و أمر القرآن بفعل الخير و الإحسان و العمل الصالح. و الدليل الأعراف 33 ” قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ” و الأنعام 151 ” وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ” و المائدة 8 ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ”. 

و نظرا لخطورة قتل النفس بغير الحق و ظلما و آثارها السيئة و المضرة والمهلكة للأسر والمجتمع فإني أبين الأحكام الشرعية لهذه الظاهرة. لحماية النفس البشرية و الأسر والمجتمع. الله تعالى حرم قتل النفس بغير حق والدليل الأنعام 151 المذكورة “وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ” والإسراء 33 “وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا” الحكم الشرعي في الأنعام 151  والإسراء 33 حرم بأمر الله تعالى قتل النفس ظلما و عدوانا. و أمر الله تعالى بقتل و إعدام من قتل غيره ظلما أمام العموم لردعهم و منع طغيانهم فالظالم عندما يعلم أنه سيعدم و يقتل إذ قتل غيره ظلما يتراجع و يمتنع عن القتل عمدا أو ظلما خوفا على حياته. لهذا فإن عقوبة إعدام القاتل عمدا فريضة إسلامية و من عطل تنفيذها كفر و ظلم المجتمع فيستحق العذاب لأنه ظلم أسرة المقتول عمدا كذلك.

و لا يمكن لأي قانون وضعي وطني أو دولي أن يلغي عقوبة الإعدام بالنسبة للقاتل عمدا لأن القرآن حكمة الله تعالى و شرعه و هو أسمى من كل القوانين الأخرى كيفما كان مصدرها و الدليل المائدة 44 “وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ” و المائدة 49 “وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ” و هو القرآن و من ضمن أحكامه و أوامره الأنعام 151 و الإسراء 33.

فتطبيق عقوبة الإعدام إذا تأكدت المحكمة من القتل العمد يردع الأشرار و الطغاة و المجرمين و يحقق الشفاء من المرض النفسي و استقرار الأسر و المجتمع. فلا يمكن الإدعاء بأن القاتل عمدا إنسان له الحق في الحياة فيحكم عليه بالسجن المؤبد عوض الإعدام. فالمقتول عمدا هو أيضا إنسان له الحق في الحياة. و قد اعتدى القاتل عمدا على حياة إنسان وحرم زوجته من عطفه و عنايته و حرم الأبناء من تربيته و الإنفاق عليهم و حرم المجتمع من خدماته. لهذا فشرعية الإعدام بالنسبة للقاتل عمدا تؤيدها المائدة 32″ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا”. والبقرة 194 “فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ “.  لهذا لا يجوز شرعا تعطيل عقوبة إعدام من قتل غيره عمدا.

 

  1. الصلاة والزكاة و الصدقة 

من شروط الفوز في ابتلاء الدنيا و الشفاء من المرض النفسي و غرور الدنيا إقامة الصلاة وأداء الزكاة المستحقة و الصدقة من الفائض عن الحاجة . وأبين الأدلة على ذلك ومنها العنكبوت 45″اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ” . فأداء فريضة الصلاة بإيمان و صدق هو اللجام الذي يكبل النفس الأمارة بالسوء و الهوى الغير المشروع فيمنع الجوارح و أعضاء الجسم من ارتكاب الذنوب و السيئات و الجرائم. و من يصلي و يرتكب الذنوب و السيئات عمدا فإنه منافق و لا صلاة له بل يتظاهر بها لكسب ثقة الناس و إيهامهم و تغليطهم. و المنافقون في الدرك الأسفل من النار في جهنم.فالصلاة الصادقة تجسد الخشوع لله تعالى و عبوديته وحده و تدل على اعتراف المصلي بفضل الله تعالى و نعمه و إحسانه و تدل أيضا على الانقياد لله تعالى و الاستسلام له و الخضوع لقضائه و قدره.

فعندما يصلي المسلم فإنه يتكلم مع الله تعالى مباشرة من وراء حجاب لأن الإنسان في الدنيا ليس له بصر يستطيع رؤية ذات الله العظيمة فوق السماء السابعة و فوق الكون كله. و لكن الله تعالى ينظر للمصلين و يسمع أقوالهم و يقيم صلواتهم هل هي صادقة أم مجرد نفاق.

فحوار المصلي مع الله تعالى خمس مرات في اليوم أثناء صلواته يطمئن قلبه و يهذب أخلاقه و يثبته عل العمل الصالح و التقوى. و من الأدلة الرعد 28 “الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ” و العنكبوت 45 المذكورة فالإنسان عندما يصلي يخشى الله تعالى و يخاف من عقابه فيتحكم في نفسه الأمارة بالسوء. لهذا قال الله تعالى في النازعات 40-41 “وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى” و في ذلك شفاء من المرض النفسي الذي خلق به الله تعالى الإنسان ابتلاء له.

فالصلاة عماد الدين الإسلامي و بدونها لا تقبل الفرائض الأخرى كالصوم، الزكاة، الصدقة و الحج و بدونها لا يكون الإنسان مسلما، و الدليل التوبة 11 “فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ” فالحكم الشرعي المسكوت عنه في هذه الآية أن من لا يصلي و لا يؤدي الزكاة الواجبة عليه عمدا ليس مسلما.

و الصلاة من عبادة الله تعالى لقوله في الذاريات 56 “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ” و طه 14 “إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي” و هذا قول الله تعالى لنبيه موسى و البقرة 152-153 “فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ” فالصلاة تثبت الإنسان في صراط الله المستقيم و تهذب النفس باشتغال اللسان بذكر الله تعالى و الدليل الأحزاب 41-42 “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا” و الجمعة 10 “وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” فإذا اشتغل اللسان بذكر الله تعالى فإنه يعرض عن قول السوء و المنكر و باطمئنان القلب بالصلاة تمتنع الجوارح عن ارتكاب السيئات و الذنوب فمن شروط الفوز في ابتلاء الدنيا و الفلاح و الفوز بالحياة الدائمة في سعادة الدنيا و الآخرة إقامة الصلوات بصدق و خشوع لله تعالى. و الدليل المؤمنون 1-11 “قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ…”. فالمؤذن ينادي للصلاة خمس مرات في اليوم و يقول حي على الصلاة حي على الفلاح. فالصلاة فلاح و فوز للإنسان برحمة الله تعالى و يثبته بالقول الثابت و العمل الصالح في الدنيا و الآخرة. و الدليل إبراهيم 27 “يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاء” الليل 5-11 “فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى”. و من شروط التقوى إقامة الصلاة و إيتاء الزكاة، التي تخول من أداها بإخلاص رحمة الله تعالى و حمايته. و الدليل النور 56 “وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ” و الحج 78″فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ ” و النساء 103″فَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا”. فلا إيمان و لا إسلام بدون الصلاة و إيتاء الزكاة المستحقة و الصدقة من الفائض عن الحاجة و الدليل الأنفال 3-4 “الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ” و التوبة 11 المذكورة “فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ”. فأداء الصلاة و الزكاة و الصدقة المستحقة من شروط الإسلام. و لا تقبل هذه الفرائض إلا من المتقين و التقوى هي الالتزام الصادق بحدود القرآن و العمل بها. و من الأدلة الأنعام 72 “وَأَنْ أَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ” فالله تعالى أمر في هذه الآية بإقامة الصلاة و التقوى، فلا صلاة بدون تقوى والتوبة 53 “قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ” و المائدة 27 “قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ” فرائض الإسلام لا تقبل إلا من المسلمين المتقين و التقوى هي الشرط الأساسي لصدق الإيمان و الإسلام. و الصدقة فريضة من الله تعالى و الدليل النور 22 “وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ” و التوبة 60″إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ” و النساء 11 “آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا”. هذه الآية دليل على وجوب النفع المتبادل حسب الإستطاعة ماديا و معنويا بين الآباء و الأبناء و الصدقة فريضة من الله تعالى على من يتوفر له فائض عن حاجياته و لكن حرم الله تعالى إعطاء الصدقة و الزكاة لغير المسلمين الفقراء و المحرومين. فلا تعطى للكفار و المنافقين لأنهم أعداء الله تعالى و أعداء المسلمين. فلا يقبل الشرع و العقل أن تعطي السلاح لعدوك ليضربك به.

و من الآيات التي فرضت الصدقة الإسراء 26 “وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا”و المعارج 24-25 “وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ” و الذاريات 19 “وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ”.

و الصلاة و الصدقة و الزكاة و الالتزام بحدود القرآن أهم العلاج لمرضى الهلع و الشر و الطمع و الطغيان. كيف يجوز للإنسان أن يتعشى بأطباق مختلفة من اللحوم و الخضر و الفواكه و جيرانه لم يجدوا ما يأكلون لأسباب خارجة عن إرادتهم و أبناؤهم يبكون من شدة الجوع. و تخيل أيها الإنسان أن جارك مريض بداء السكري فهبط له مستوى السكر في الدم إلى أدنى مستوى و ليس لديه ما يأكله لإنقاذ نفسه من الغيبوبة ثم الموت. فإذا أنقدت حياته بمده بالطعام الكافي فكأنما أحييت الناس جميعا كما أكد الله تعالى في المائدة 32 “وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا” فيجب إنقاذ المسلم الفقير من الموت و لو باقتسام وجبة الطعام معه و الدليل الحشر 9 “وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”.

هذه الآيات القرآنية  الآمرة الملزمة تؤكد بأن الالتزام بها يؤدي إلى شفاء المسلمين من المرض النفسي و غرور الدنيا و فوزهم في ابتلاء الدنيا و إلى تكافلهم و تعاونهم و تضامنهم فيسود الأمن و الاستقرار و التلاحم في المجتمع و تسود الأخوة بين المسلمين كما أمر الله تعالى في القرآن.

فاعمل أيها المسلم لكسب نصيبك من متاع الدنيا بالحلال و لكن أزرع ما تحصد ثماره في الآخرة و ينفعك يوم الحساب و من هذه الزراعة في الدنيا العمل الصالح و أداء الزكاة و الصدقة و الإحسان للمسلمين المحتاجين. فمهما بلغت أموالك أيها الإنسان كما و كيفا فلا تنال منها إلا ما تنفقه على طعامك و حاجياتك الأساسية و لا يمكن أن تحمل معك الباقي منها إلى الآخرة. و الذي ينفعك في الآخرة هو كتاب أعمالك و ما فيه من عمل صالح و تقوى . أما الباقي من أموالك فإنك تتركه للورثة او غيرهم و الذين هم ملزمون بالعمل الحلال لكسب الرزق و المساهمة في إعداد قوة الدولة الإسلامية لمواجهة أعداء الله و أعداء المسلمين و هم الكفار و المنافقون . كما أن العمل الحلال شرط للمحافظة على صحة الجسم. و قد يظلم الإنسان أبناءه و المجتمع إذا ترك لهم ثروة مالية كبيرة حيث لا يعملون العمل الحلال و يبذرون الأموال و يفسدون في الأرض.

فلتفوز أيها الإنسان في ابتلاء الدنيا ازرع ما تحصد ثماره بالآخرة. و تؤكد ذلك سورة البقرة 277 “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ” و البقرة 272 “وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ”. أما الذي اهتم بمتاع الدنيا و زينتها و لم يزرع للآخرة فإنه من الخاسرين في ابتلاء الدنيا و الدليل هود 15-16 “مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ” و الشورى 20 “مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ”.

فاعمل أيها المسلم للدنيا و الآخرة بالحلال لتتمتع بمتاع الدنيا الذي خلقه الله تعالى للناس كافة و لتنال نصيبك من متاع الآخرة الدائم و ذلك بالالتزام بحدود القرآن. و الإسراء 18-19 “مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا”. فالذي كفر و أعرض عن القرآن و لو تمتع بمتاع الدنيا كلها فإن متاعه مؤقت منتهي بموته و مصيره الحتمي إن لم يتب سجن جهنم و شبه الموت فيه و السلاسل و الأغلال على الدوام. و الذي سعى للآخرة سعيها أي التزم بحدود القرآن و عمل صالحا و اتقى فإن مصيره الحياة الدائمة في سعادة الجنة بالآخرة.

3- التزام الزوج المسلم بحكم سورة التحريم 6 شرط لفوزه في الابتلاء.

قال الله تعالى في سورة التحريم 6 “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ”. لا يمكن أن يقي المسلم نفسه من جهنم إلا بالتقوى أي الالتزام بحدود القرآن. و لا يمكن أن يقي الزوج المسلم أهله و هم زوجته و أبناؤه القاصرون من النار إلا بإرغامهم بالعمل الصالح و التقوى أي الالتزام بحدود القرآن. أما الأبناء الذين بلغوا سن الرشد فقد أصبحوا مسؤولين عن أنفسهم و أبوهم ليس مسؤولا عنهم.

هذه الآية أي التحريم 6 وضعت فريضة إسلامية جسيمة على الزوج المسلم إذا لم يقم بها  يتعرض لعذاب الله تعالى. و هي أي الآية تعطي للزوج سلطة شرعية على زوجته و على أبنائه القاصرين لتربيتهم تربية إسلامية و إلزامهم بالتقوى. فقد جعله الله تعالى بقضائه و قدره مدير مؤسسة الأسرة. و لهذا فرض الله تعالى على الزوجة طاعة زوجها المسلم في الحلال و فرض على الأبناء طاعة أبيهم أيضا في الحلال. و الدليل النساء 34 “فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا”. طاعة الزوجة لزوجها في الحلال فرضها الله تعالى لحكمة يعلمها. فهو الذي خلق الزوجين و يعلم الخصائص الجسدية و النفسية و العقلية لكل واحد منهما. لهذا فطاعة الزوجة لزوجها من خلق الله تعالى و قضائه و قدره و حكمته. و إذا لم تلتزم الزوجات بطاعة أزواجهن في الحلال أي المعروف تنهار الأسر و تتفكك و يسود الفساد و الإجرام في المجتمع.

وأبين الأساس الشرعي لوجوب طاعة الزوجة لزوجها في المعروف كما حدده القرآن. هذه الطاعة من قضاء الله تعالى وقدره المطلق العادل  لأنه خلق الأنثى والذكر مختلفين من حيث التكوين الجسدي والنفسي والعقلي وحدد لكل من الزوجين دوره ومهمته في الحياة الاجتماعية والأسرية. والدليل آل عمران 36 ” وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ”. وفضل الله تعالى الرجال على النساء لحكمة يعلمها، لهذا جعل الرجال قوامين على النساء لأنهم الأقوى بدنيا وعقليا ونفسيا. ولذلك فرض على الرجال الإنفاق على النساء. والدليل النساء 34 “ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ” و البقرة 228 “و للرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم” لهذا فرض الله تعالى على الزوج أداء الصداق أو المهر للزوجة كشرط لعقد الزواج و الإنفاق الكلي عليها.

وفرض الله تعالى طاعة الزوجة لزوجها في المعروف. والدليل النساء 34″ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا”، والتحريم 6″ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ”. فالحكم الشرعي في هذه الآية يفرض على الزوج المسلم أن يفرض على نفسه وزوجته وأبنائه القاصرين التقوى أي الالتزام بحدود القرآن وهذا أساس شرعي لوجوب طاعة الزوجة والأبناء القاصرين للزوج المسلم في المعروف.

 

ومن أسس شرعية سلطة الزوج على زوجته في الحلال والمعروف سورة الممتحنة 12 “ولا يعصينك في معروف” والحكم الشرعي المسكوت عنه في هذه الآية أن من الواجب شرعا على الزوجة أن تعصي زوجها ولا تطيعه في غير المعروف وهو المنكر وما يخالف حدود القرآن كأن يرغمها على إتيانها من دبرها أو في فترة الحيض والنفاس أو في يوم صيام رمضان فيجب على الزوجة شرعا أن تعصي زوجها. وإذا أطاعته في المنكر مثل الحالات المذكورة فإنها مشاركة له في الإثم وتنال نفس العذاب من الله تعالى.

 

ومن الأسس كذلك سورة الطلاق 1 ”لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه” هذه الآية سند شرعي أساسي لسلطة الزوج على زوجته التي خولها له الله تعالى للمحافظة على كرامة الأسرة وشرفها وإسلامها. فإذا ارتكبت الزوجة فاحشة مبينة مثل الزنا فمن الواجب شرعا على الزوج طردها من بيت الزوجية وطلاقها يكون بائنا لا رجعة فيه ولو في فترة عدة الطلاق لأن سورة النور 2-3 حرمت زواج المسلم بالزانية وزواج المسلمة بالزاني.

 

وسورة البقرة 228 ” وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ” فالمطلقة خاضعة لسلطة الزوج في فترة عدة الطلاق. و من حقه مراقبتها ولا يجوز لها الزواج بغيره إلا بعد انقضاء عدة الطلاق وبشرط ألا يرجعها زوجها لبيت الزوجية.

 

ومن أسس شرعية سلطة الزوج على زوجته أن الله تعالى أعطى للزوج سلطة الطلاق إن شاء. والدليل الطلاق 1 ” يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن واحصوا العدة ” والبقرة 226-227 ” للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم “. فإذا لم يتم حل النزاع بين الزوجين فمن حق الزوج الطلاق إن شاء. و البقرة 237 ” وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ” وقد جعلها الله تعالى بيد الزوج.

 

لكن سلطة الزوج على زوجته مقيدة شرعا حيث لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وهو الله تعالى. ومقيدة كذلك بحسن معاملة الزوج لزوجته والإحسان إليها ومعاشرتها بالمعروف طبقا لحدود القرآن. والدليل النساء 19 ” وعاشروهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف ” و الطلاق 2 ” فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف ” و البقرة 229 ” الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ” وقد فرض الله تعالى شرطا مهما لتعدد الزوجات وهو عدل الزوج بينهن من حيث الإنفاق والمعاشرة النفسية. لهذا أمر الله تعالى بعدم التعدد إذا لم يتحقق العدل من طرف الزوج والدليل النساء 129 ” ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم” والنساء 3 “وإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة” هذه الأحكام الشرعية قيدت سلطة الزوج على زوجته المسلمة المتقية وفرضت عليه معاملتها بإحسان ومعروف واحترام وتكريم وبعدل في الإنفاق والمعاشرة النفسية ما دامت مسلمة متقيه صالحة. وأحكام الأسرة آمرة وملزمة ومن النظام الإسلامي. ولا يجوز المس بها او تعديلها والدليل الطلاق 5 ” ذلك أمر الله أنزله إليكم” والبقرة 229 ” تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون” وطاعة الزوجة لزوجها في المعروف من حدود الله تعالى التي لا تجوز مخالفتها أبدا.

 

ومن أسس شرعية سلطة الزوج المسلم على زوجته وأبنائه القاصرين أن الله تعالى حرم الزواج بغير المسلمة المتقية والدليل البقرة 221 ” وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ” والكافرات مثل المشركات. والنساء 25 “ مَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلًا أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ”، والنور 3″ الزَّانِي لَا يَنكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ ۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ”. هذه الآيات تلزم الزوج المسلم بمراقبة زوجته وتحصينها ومنعها من الزنا للمحافظة على تماسك وصلاح أسرته وشرعية استمرارها في الدنيا والآخرة. وقد أكد الله تعالى أن المرأة تتأثر بعاطفتها وتنسى بسرعة ويسهل إغراؤها والدليل النساء 282″ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ”. فهذه الآية دليل قاطع على اختلاف التكوين الجسدي والعقلي  والنفسي بين الرجال والنساء. فراقب زوجتك أيها الزوج المسلم وافرض على نفسك  وعليها التقوى لكي لا تتشرد أسرتك وتنهار وتكون ملزما  شرعا بالطلاق طبقا لمقتضيات سورة النور 2-3 المذكورة. 

هذه الآيات حكمة الله تعالى. فإذا قام الزوج بهذه الفريضة الإسلامية المشروعة التي حددتها سورة التحريم 6 و قام باقي الأزواج بنفس الفريضة فأصلحوا أسرهم و جعلوها بحق أسرا مسلمة فإن المجتمع يصلح و يكون مسلما لأنه يتكون من مجموع الأسر كما أن الحكام يكونون متقين صالحين لأنهم ينبثقون من المجتمع بشرط أن تختارهم الأمة الإسلامية من أجل الحكم بما أنزل الله تعالى و هو القرآن تحت مراقبتها و سلطتها.

فإذا تهاون الأزواج و لم يفرضوا على أهلهم أي الزوجة و الأبناء القاصرين التقوى كما أمرهم الله تعالى في سورة التحريم 6 فإن الفساد و الشر و سوء الأخلاق يسود و ينتشر في الأسر ثم المجتمع ثم الحكام و يزداد المرض النفسي في الناس تفاقما وحدة و يخسر الفاسقون عن أمر الله تعالى في ابتلاء الدنيا و يكون مصيرهم شبه الموت في سجن جهنم بالآخرة، و عذاب الله تعالى في الدنيا كذلك. لهذا لا يقبل العقل و الشرع أن زوجا يؤدي فرائض الإسلام و منها الحج و الصلاة و الصوم و الزكاة و الصدقة و زوجته متبرجة أمام العموم و تتعاطى الزنا و الخمر و الفساد. فلا يقبل منه الله تعالى أداء فرائض الإسلام إلا إذا التزم بالفريضة الإسلامية الأساسية المنصوص عليها في التحريم 6 و النساء 34 لأنها حكمة الله تعالى و قضاؤه يؤدي الالتزام بها إلى صلاح الأسر و المجتمع. و الدليل التوبة 53 “قُلْ أَنفِقُواْ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ” ومن لم يلتزم بحكم التحريم 6  فاسق عن أمر الله تعالى لا تقبل منه فرائض الإسلام الأخرى. و المائدة 27 “إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ”. فلا يكون الإنسان متقيا إلا إذا التزم بكل فرائض الإسلام و بكل حدود القرآن و منها التحريم 6 و النساء 34. لهذا فالزوجة تتحمل آثار فسخ عقد الزواج وجوبا و شرعا إذا لم تلتزم بمقتضيات التحريم 6 و النساء 34. فراقب زوجتك وأبناءك القاصرين و أفرض على نفسك و عليهم الالتزام بحدود القرآن لتفوزوا في ابتلاء الدنيا و لتنجوا من شبه الموت في سجن جهنم و عذابها الدائم.

4- أمر الله بفعل الخير و الإحسان.

إذا التزم الناس بهذا الأمر الإلهي يحصل التعاون و التضامن و التكافل بين المسلمين و يسود الأمن و السلم في المجتمع. فإذا تمت تلبية الحاجيات الضرورية للمحتاجين لأسباب قاهرة فكأنما أطفأنا نار الفتن و النزاع و الصراع من أجل الحياة و منعنا انفجار المرض النفسي في الإنسان و قتلنا الجرثومة المعنوية المتسببة في هذا المرض. و من الأدلة الشرعية التي فرضت على المسلمين فعل الخير و الإحسان على من له استطاعة مادية و معنوية هناك النحل 90 “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ” الله تعالى أمر المسلمين بإقامة العدل في تعاملهم و الإحسان إلى المحتاجين. و من الأدلة الحج 77 “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” من شروط الفوز في ابتلاء الدنيا عبادة الله تعالى و فعل الخير و الإحسان للمسلمين المحتاجين لأسباب 

قاهرة كذوي العاهات و المعاقين و الفقراء و المحرومين. و من لم يقم بفريضة فعل الخير و الإحسان رغم قدرته و استطاعته ماديا و معنويا فإنه يعتبر بخيلا و يتعرض لعذاب الله تعالى و الدليل النساء 37 “الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا” و قول الله تعالى على لسان قوم قارون القصص 77 “وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ” و الرحمن 60 “هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ” الله تعالى يحسن إلى من يستحق إحسانه و في ذلك ابتلاء. و يجب على من أحسن الله إليه و حصل على رزق من فضل الله تعالى أن يحسن هو أيضا للمسلمين المحتاجين. لهذا قال الله تعالى في سورة الحديد 7 “وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ”.

و من فرائض الّإحسان يجب الإحسان إلى الوالدين . و هذه فريضة إسلامية و حكم الله تعالى و قضاؤه و قدره. من أخل بحكم الله تعالى و لم يحسن لوالديه عمدا رغم قدرته المادية و النفسية فقد ارتكب كبيرة من الكبائر و استحق عذاب الله تعالى في الدنيا و الآخرة و لو صلى و صام و حج البيت الحرام بمكة و الدليل الإسراء 23 “وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا” هذا قضاء و حكم الله تعالى الذي لا يجوز شرعا لأي إنسان معارضته في الدنيا و الآخرة.

5- أمر الله تعالى بإقامة علاقات السلم و الصلح بين الناس.

إذا تحقق السلم و الصلح و التعاون بين المسلمين تنعدم الصراعات و النزاعات و الشر بين المسلمين و بذلك يشفون من مرضهم النفسي و غرور الدنيا و يفوزون في ابتلاء الدنيا. و الأدلة منها الأنفال 1 “فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ” فالحكم الشرعي في هذه الآية جعل إقامة الصلح بين الناس من شروط الإيمان. و الأنفال 46 “وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ” و البقرة 208 “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ”. و كذلك يجب وضع لجام للنفس الأمارة بالسوء لكي لا تجبر الجوارح على الإجرام. و الدليل يوسف 53 “نَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ”.

من شروط الإيمان إقامة علاقات المودة و الرحمة بين المسلمين و الدليل الحجرات 10 ” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ” و الحجرات 9 “وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ” و النساء 128 “وَالصُّلْحُ خَيْرٌ” و النساء 114 “لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا”.

فتأمل الأجر العظيم الذي تناله من الله تعالى أيها المسلم إذا أصلحت بين الناس و منعت قيام النزاع و الاقتتال بينهم و ساهمت في السلم و الاستقرار و المحبة بين الناس. فإذا منعت إنسانا من قتل آخر حسب استطاعتك فإنك أنقذت نفسا من الموت و كأنك أحييتها و أحييت الناس جميعا. لهذا أمر الله تعالى المسلمين فعلا بتجنب النزاعات و الصراع. و الدليل البقرة 83 “وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا” و الإسراء 53 “وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا” و الأحزاب 70-71 “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا” و الحج 24 “وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ” و هو صراط الله تعالى و هو القرآن. و الحج 35 “الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ” و البقرة 45 “وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ” و آل عمران 133-134 “وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” فالعفو و التسامح من الإحسان بين المسلمين و هو من شروط التقوى طبقا للحكم الشرعي في هذه الآية.

فلو التزم المسلمون بهذه الآيات الآمرة و الملزمة التي أمرت بإقامة علاقات الأخوة و التسامح و القول السديد الطيب و قول الحسنى لساد السلم و الأمن و الاستقرار في المجتمع الإسلامي و شفي الناس من المرض النفسي و لفازوا في ابتلاء الدنيا.

6- وحدة المسلمين و تعاونهم و تضامنهم فريضة إسلامية.

القرآن حكمة الله تعالى و أمره المنزل لكافة الناس في العالم. أمر الله تعالى المسلمين في القرآن بالوحدة و التضامن و التعاون و إقامة علاقات السلم و الأخوة فيما بينهم و العمل الصالح و التقوى ليكونوا سعداء في الدنيا و الآخرة. و إذا تحققت هذه الوحدة و الأخوة يشفى المسلمون من مرضهم النفسي و يفوزون في ابتلاء الدنيا إذا التزموا بحدود القرآن.

و قبل أن أبين الأدلة على هذه الفريضة الإسلامية أقول بأن حل مشكلة الحروب و النزاعات و الظلم و القتل و الصراع في العالم و لإقامة مجتمع دولي يسوده العدل بين الناس و السلم و الاستقرار و السعادة و الأخوة بين بني آدم كافة هو اعتناق الدين الإسلامي و عبادة الله تعالى وحده و التزام كل الناس بحدود القرآن التي هي حكمة الله تعالى لمصلحة الناس كافة فهذه الوحدة و الأخوة و التعاون و التضامن بين سكان العالم هي التي تشفي مرضهم النفسي الذي ابتلاهم به الله تعالى و يسعدون في الدنيا و الآخرة.

و فيما يلي أبين لكم الأدلة الدالة على هذه الحقيقة و هي آل عمران 103 “وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا”. فنعمة الله التي وحدت المسلمين هي القرآن لأنه دواء المرض النفسي للإنسان و غرور الدنيا و شرط أساسي للفوز في ابتلاء الدنيا.

لهذا حرم الله تعالى تفرقة المسلمين إلى شيع و فرق و مذاهب و أحزاب متعارضة و مختلفة و متصارعة فيما بينها و خصص الله تعالى العقاب الشديد لمن فرق المسلمين و عرقل وحدتهم و تضامنهم و تعاونهم. و الدليل آل عمران ” وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ” و هو العذاب الشديد و شبه الموت في سجن جهنم. و الأنعام 159 “إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ” و الشورى 13 “أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ”. فهذا أمر واضح و ملزم و أمر من الله تعالى بوحدة المسلمين في كل زمان و مكان و حرم تفرقتهم و تنازعهم لأن نصوص القرآن محفوظة في كتاب الله تعالى و ليس للنص القرآني إلا معنى واحد. و ما تتفق الأغلبية المطلقة لعلماء الإسلام كلهم في دار الإسلام يتبعه المسلمون دون تفرقة أو تنازع. فلا يجوز الاختلاف حول مدلول النص القرآني لأن إرادة الله تعالى واحدة. و النص القرآن حكمة و إرادة الله تعالى فمن غيرها ينال عذاب الله تعالى الشديد، و قد كفر و كذب على الله تعالى. و أذكركم سورة آل عمران 105 المذكورة و الأنعام 21 “وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ” و النساء 50 “انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا”.

إن أعداء الإسلام هم الذين زرعوا بذور تفرقة المسلمين إلى فرق و شيع و مذاهب و مدارس مختلفة و متعارضة عمدا للمس بقيم الإسلام و تنويم المسلمين و منع تقدمهم و تنميتهم للسيطرة عليهم و استعمارهم. و طبعا من عوامل تخلف المسلمين و تفرقتهم الأحاديث التي نسبت كذبا للسنة النبوية و التي زادت في تفرقتهم عمدا و تخلفهم.

و سوف أبين الأدلة على ذلك في المبحث الثاني من هذا الفصل الثالث و من عوامل تخلف المسلمين و تشتتهم و انقسامهم إلى فرق متصارعة و متنازعة و متحاربة عدم إقامة العدل بين الناس و عدم الحكم بما أنزل الله تعالى و هو القرآن.

و من الأحكام التي أمرت بوحدة المسلمين و تعاونهم المائدة 3 “وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبَرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ” و إبراهيم 27 ” يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاء” و محمد 7 “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ” و من ينصر الله تعالى هو من يطيع الله تعالى و يلتزم بحدود القرآن. و الدليل الليل 5-11 “فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى” فإذا التزم المسلمون بحدود القرآن تتحقق وحدتهم و يشفون من المرض النفسي و يفوزون في ابتلاء الدنيا. و قد أقسم الله تعالى على هذه الحقيقة في سورتي التين و العصر. سورة التين 1-8 “وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ” و العصر 1-3 “وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ” أقسم الله تعالى في الآيتين ووعده حق لا يخلفه أبدا أن من يلتزم بحدود القرآن يجعله من الفائزين في ابتلاء الدنيا و يشفيه من المرض النفسي و يسعده في الدنيا و الآخرة. و أقسم الله أيضا بأن من يخالف حدود القرآن و يعرض عنه يكون حتما من الخاسرين إذا لم يتب في الدنيا توبة صادقة مجسدة بالتقوى. و الدليل الأعراف 9 “وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ” و الزمر 15 “إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ”. فالتزام المسلمين بحدود القرآن يحقق وحدتهم و تضامنهم و أخوتهم و سعادتهم في الدنيا و الآخرة و هذا فضل من الله تعالى و رحمته.

7- حرم الله تعالى الزنا و الخمر و المخدرات و التدخين

في القرآن و هو أمر الله تعالى المنزل للناس في العالم كافة آيات آمرة و ملزمة أمرت بفعل ما ينفع الإنسان و حرمت ما يضره فهي حكمة الله تعالى التي لا يخسر من التزم بها. و من هذه الآيات تلك التي حرمت الزنا و الخمر و المخدرات و التدخين. و طبعا ارتكاب المحرمات فسق عن أمر الله تعالى و جزاؤه عذاب الله تعالى في الدنيا و جهنم في الآخرة إذا لم يتب المجرم توبة صادقة أبدية. 

فالزنا هو كل ممارسة جنسية بين ذكر و أنثى لا يربط بينهما عقد زواج شرعي و دائم و الدليل النور 2-3 “الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ الزَّانِي لا يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ” فطبقا لهذا الحكم الشرعي الآمر و الملزم يجب تعذيب الزانيين بشدة أمام العموم و لو أدى بهما العذاب إلى الموت و إذا زنا أحد الزوجين المؤمنين يفسخ شرعا ووجوبا عقد زواجهما و من زنا كفر. و الدليل عبارة “و حرم ذلك على المؤمنين” الواردة في الآية المذكورة. و الفرقان 68 “وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا”. فالزاني كمن قتل نفسا بغير حق جزاؤه عذاب السلطة الإسلامية و عذاب الله تعالى في الآخرة. لهذا أمر الله تعالى بتعذيبه بشدة و لو أدى به العذاب إلى الموت.

و قد حرم الله تعالى أيضا الاقتراب من الزنا حتى و لو لم يقع فعلا. و الدليل الإسراء 32 “وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً” و مقدمات الزنا محرمة طبقا لهذا الحكم الشرعي. راجع الفصل الأول.

و أدلة تحريم الخمر و المخدرات و التدخين منها المائدة 90 “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” هذا الحكم الشرعي في المائدة 90 ألغى رخصة تناول الخمر التي جاءت في النساء 43 “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى….” لأن المائدة نزلت بعد سورة النساء. و من قواعد تفسير القرآن أنه إذا تعارض حكمان شرعيان في آيات القرآن يكون الحكم اللاحق ملغيا للحكم السابق له و هو ملزم للناس و الحكم الملغي لا يلزم الناس و لو بقي  في مصحف القرآن.

لهذا فالخمر حرام بصفة مطلقة مثل المسير و الأنصاب و الأزلام و المخدرات و التدخين من المحرمات أيضا مثل الخمر و الدليل القاطع المائدة 4 “يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ”. فالحكم الشرعي المسكوت عنه في الآية أن الله تعالى حرم غير الطيبات و هي الخبائث. و كل ما يضر بصحة الإنسان و يغيب عقله فيرتكب أبشع الجرائم من الخبائث التي حرمها الله تعالى و الدليل الأعراف 157 “وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ” و النور 26 “الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ”. و الزنا و تناول الخمر و المخدرات لا يفعله إلا الخبيثون و الخبيثات و يعذبهم الله تعالى في الدنيا و الآخرة لأنهم يساهمون في فساد المجتمع و اضطرابه و انهياره و تخلفه. لهذا قال الله تعالى في سورة آل عمران 179 “مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ” فالخمر و المخدرات و التدخين تضر بالصحة الجسدية و العقلية و تتسبب في ارتكاب أبشع الجرائم. و لو قمنا بدراسة تحليلية لأسباب جرائم الزنا و القتل و السرقة لوجدنا بأن أغلب هذه الأسباب الخمر و المخدرات و المرض النفسي للمجرمين لأنهم أعرضوا عن القرآن و فسقوا عن أمر الله تعالى.

فالمرض النفسي الذي خلق به الله تعالى الإنسان ابتلاء له و عبادة الهوى و الشهوات لا يشفى منه الإنسان إلا إذا التزم بحدود القرآن و لا يتحقق الأمن و الاستقرار و السلم و السعادة في المجتمعات بل في العالم كله إلا بإقامة العدل و الحكم بما أنزل الله تعالى و هو القرآن. و هذا قضاء الله تعالى و قدره.

8- أول فريضة إسلامية هي العمل الحلال للكسب من فضل الله تعالى.

الله تعالى خلق الإنسان و استخلفه في الأرض لأعمارها و لعبادته و اختبار من يعود للحياة الدائمة في سعادة الجنة بالآخرة. و من الأدلة الذاريات 56 “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ” و البقرة 21 “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ” و هود 61 “هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا”. فلا يمكن إعمار الأرض إلا بالعمل الحلال و لا يمكن عبادة الله تعالى إلا بالعمل الحلال.

و سأبين الأدلة الشرعية التي جعلت العمل الحلال أول فريضة إسلامية الله تعالى يخلق الرزق من خزائنه في السماوات و الأرض و بالماء الذي يتحكم فيه. فرزق و معاش و ضرورات الحياة البشرية خاضعة لمشيئة الله تعالى كما بينت ذلك في الفصل الأول من هذا البحث. و الله تعالى هو الذي يخلق رزق كل مخلوقاته الحية في الدنيا و الآخرة. و الدليل هود 6 “وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا” و البقرة 22 “وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ” ولكن لا يمكن أن يحصل الإنسان و لا المخلوقات الحية الأخرى على نصيب من رزق الله تعالى إلا بالعمل الحلال.

فالإنسان إذا لم يحصل على طعامه يموت جوعا و لا يؤدي فرائض الإسلام التي أمره الله تعالى بها. لهذا فأول فريضة إسلامية هي العمل الحلال لكسب مصادر العيش للاستمرار في الحياة و القيام بفرائض الإسلام كالصلاة و الصوم و الحج و الزكاة و الصدقة. لهذا أمر الله تعالى الإنسان بالعمل الحلال. و من الأدلة الجمعة 10 ” فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” بمجرد الانتهاء من الصلاة المفروضة يجب على المسلم استئناف عمله للكسب من رزق الله تعالى و فضله لتوفير مصادر طعامه و حاجياته و من هو مكلف بالإنفاق عليهم من أجل الاستمرار في الحياة و عبادة الله تعالى و المساهمة في إعمار الأرض. و هناك التوبة 105 “وَقُلِ اعْمَلُواْ” و يس 35 “لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ” فالإنسان ينال رزقه و نصيبه من فضل الله تعالى و رزقه بعمله الحلال. و القصص 77 “وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا” و هذا قول الله تعالى على لسان قوم قارون. و القصص 73 “وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” و فاطر 12 “وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” فالإنسان لا يمكن أن يجلس بجانب البحر و ينتظر قدوم الأسماك و غيرها من ثروات البحر بل لابد أن يعمل و يستعمل شبكة أو صنارة للحصول على نصيب من رزق الله تعالى الذي خلقه للناس. و الروم 23 ” وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ” و الجاثية 13 “وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”. و البقرة 22 “وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ” و البقرة 29 “هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا”. الله تعالى يخلق الرزق و لكن لابد للإنسان من العمل الحلال ليكسب نصيبه من فضل الله تعالى و العمل الحلال عمل صالح لكسب مصادر الطعام و باقي الحاجيات و قد نصت عليه عشرات الآيات في القرآن أذكر منها البروج 11 “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ” و غافر 40 “مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ”. فالعمل الحلال لكسب الطعام صالح و له جزاء عند الله تعالى إذا قام به المسلم.

لابد من عمل الإنسان الحلال لكسب الرزق من رزق الله تعالى و الدليل سبأ 24 “قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ”. فالطائر لا يأتيه رزقه إلى عشه إذا بقي فيه بل يموت جوعا. فلا بد أن يطير للبحث عن رزقه. و هذا عمل واجب عليه. و الأعمى و المقعد و الطفل الصغير إذا لم يطعمهم غيرهم يموتون جوعا.

و لهذا قال الله تعالى في سورة النبأ 11 “وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا” فالإنسان ملزم شرعا بأن يعمل بالحلال للحصول على معاشه و لينقد حياته هناك أمر من الله تعالى للمسلمين بالعمل الحلال الجدي المنتج في الأنفال 60 “وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ” فالكفار أعداء الله تعالى و أعداء المسلمين و يسعون دائما للقضاء على الإسلام و السيطرة على المسلمين و نهب مواردهم و أموالهم و الاعتداء على أعراضهم. لهذا أمر الله تعالى المسلمين بالعمل الجدي الحلال لإعداد القوة الاقتصادية و العسكرية و التقنية الملائمة لقوة الكفار في كل زمان و مكان للدفاع عن دار الإسلام و المسلمين و دين الله تعالى الحق الإسلام.

و لا يتحقق ذلك إلا بعمل المسلمين الجدي لتحقيق التنمية الاقتصادية و الاجتماعية و العسكرية الضرورية. و لكن المسلمين أصابهم الهوان و الظلم من الكفار لأنهم لم ينفذوا أمر الله تعالى و لم يحكموا بالعدل و بما أنزل الله تعالى وهو القرآن فاعتدى عليهم الكفار و أضاقوهم شرهم و طغيانهم.

و الأمة الإسلامية و السلطة الإسلامية التي ينشئها المسلمون تتحملان مسؤولية تنظيم العمل و التشغيل الدائم المنتج لكسب الرزق و إنقاذ الناس من الموت و لكي يشفوا من المرض النفسي الذي ابتلاهم به الله تعالى و ليفوزوا في ابتلاء الدنيا و يواجهوا عدوان الكفار الدائم و لكن في إطار إقامة العدل و التوزيع العادل للثروة و الدخل العام و الحكم بما أنزل الله تعالى و هو القرآن.

فالإنسان الذي يشتغل يعمل حلال تتقوى صحته البدنية و العقلية و أتذكر ما قاله لنا أستاذنا في إعدادية سيدي بنور سنة 1965 ” العمل هو الصحة كلما عملت تزداد قوة” و الذي لا يعمل يصاب بالأمراض و منها انسداد الشرايين في الجسم.

و الذي يشتغل بالعمل الحلال تهدأ أعصابه و يحصل له الاستقرار و الطمأنينة لأنه يشيع حاجياته المشروعة و حاجيات من هو مكلف بإعالتهم و بذلك يشفى من نزعة الشر و الإجرام الذي يرتكبه إذا اضطر لإنقاذ حياته و حياة أعضاء أسرته من خطر الموت جوعا. لهذا فالأمة الإسلامية و السلطة الإسلامية عليهما واجب شرعي فرضه الله تعالى لتوفير موارد العيش للمعاقين و المحرومين و ذوي العاهات و المقعدين و الذين فقدوا أبصارهم و المرضى عقليا إذا لم تكن لهم موارد خاصة بهم. والأدلة الشرعية التي فرضت لهم هذا الحق بينتها في النقطة الثانية المتعلقة بالصلاة و الزكاة و الصدقة و منها الروم 38 “فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ” طبقا للحكم الشرعي في هذه الآية و ما يؤيدها من الآيات الأخرى لا ينظر الله تعالى في الآخرة و لا يدخل الجنة البخلاء الذين لم يؤذوا عمدا واجب الزكاة المستحقة في أموالهم و لا يؤدون الصدقة من الفائض عن حاجياتهم المشروعة رغم أن ذلك فريضة من الله تعالى. و الدليل التوبة 11 “فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ” أي مسلمون. و الحكم الشرعي الغير المنطوق في هذه الآية أن من لم يصل و لم يؤد الزكاة المستحقة في أمواله ليس مسلما بل كافر و السلطة الإسلامية التي تنشئها الأمة الإسلامية و تراقبها ملزمة شرعا بجمع الزكاة و الصدقات و توزيعها على المسلمين المستحقين لها. و الدليل  أمر الله تعالى بهذا الواجب و فعلا كان الرسول يطبقه. و الدليل التوبة 103 ” خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” و التوبة 60 “إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا…”. فالعاملون عليها هم الذين تكلفهم السلطة الإسلامية  بجمع الزكاة و الصدقات و توزيعها على المسلمين المستحقين لها لأن الزكاة و الصدقة من الفرائض  التي فرضها الله تعالى على المسلمين الذين تتوفر فيهم الشروط و بما أن السلطة الإسلامية ملزمة بالحكم بما أنزل  الله تعالى و هو القرآن فلا بد شرعا من تطبيق فريضتي الزكاة و الصدقة لأن البخلاء و الهلوعين يكتمون ما لديهم من أموال للتهرب من أداء الزكاة و الصدقة و الضريبة.

كما أن سورة النساء 11 أمرت بفريضة أساسية و ملزمة لو طبقت لتحققت السعادة و الاستقرار و الأمن و السلم في المجتمع و لشفي الناس من مرضهم النفسي و هلع و غرور الدنيا. و تنص هذه الآية على ما يلي: “آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ”. فالمجتمع يتكون من الأسر و الأسر تتكون من الآباء و أبنائهم لو التزم الناس بهذه الآية أي سورة النساء 11 و هي حكمة الله تعالى و التزم الآباء  و الأبناء ينفع بعضهم ماديا و معنويا يحصل الاستقرار و الأمن و السعادة في المجتمع و لزالت النزاعات و المشاكل و الاضطرابات و الجرائم. و رغم ذلك نجد أبناء مشردين في الشوارع و آباؤهم أغنياء و نجد الآباء مشردين في الشوارع و أبناؤهم أغنياء. و المسؤولية تقع على السلطة الإسلامية و الأمة الإسلامية التي أنشأتها لأنها لم تنفد أمر الله تعالى الواردة في القرآن و منه الإسراء 23 “وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا”. لهذا يجب الحكم بما أنزل الله تعالى. و فرض الالتزام بحدود القرآن لأنه حكمة الله تعالى و دواء يعالج ابتلاء المرض النفسي و غرور الدنيا و هلعها.

لقد بينت في المبحث الأول من الفصل الثالث من البحث الأدلة الشرعية المؤكدة بأن الالتزام بحدود القرآن هو الشرط الأساسي لفوز الإنسان في ابتلاء و امتحان الدنيا. و لكن يجب الصبر و الاستمرار في التقوى حتى الموت كيفما كانت ظروف و آثار الابتلاء. و الدليل الحج 11 “وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ” و محمد 31 “وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ” و الأنفال 46 “وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ” و الزمر 10 “إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ”.

و لكن يجب الالتزام بالسنة النبوية الصحيحة المطابقة للقرآن و يجب الحذر شرعا من خطر الأحاديث المخالفة للقرآن و التي نسبها أعداء الإسلام كذبا للسنة النبوية و عمدا التحريف القرآن و تدمير الأمة الإسلامية و تنويمها و إبعادها عن قيم الإسلام الحقيقية. لهذا فإن الفوز في ابتلاء الدنيا و سلامة الأمة الإسلامية يفرض على المسلمين الالتزام بالسنة النبوية الصحيحة أي المطابقة لحدود القرآن و يفرض عليهم بصفة قطعية عدم الالتزام بالسنة النبوية الغير الصحيحة المخالفة للقرآن. و هذا ما سأبينه بدقة و موضوعية في المبحث الثاني. 

المبحث الثاني: الالتزام بالسنة المطابقة للقرآن شرط  للفوز في الابتلاء

من أسند حديثا للسنة النبوية كذبا فقد كفر إذا كان متعمدا و من التزم به عمدا و عن علم فهو أيضا قد كفر. و من كفر خسر في ابتلاء الدنيا و مصيره العذاب الدائم في سجن جهنم إن لم يتب توبة صادقة مجسدة فعلا بالتقوى.

لهذا سأساهم بحول الله تعالى حسب استطاعتي في إنقاذ المسلمين من خطر الالتزام بالسنة المخالفة للقرآن لكي لا يخسروا في ابتلاء الدنيا لذلك سأبين متى تكون السنة النبوية صحيحة و شرعية حيث يجب الالتزام بها و متى تكون غير صحيحة حيث يجب شرعا عدم الالتزام بها للفوز بسعادة الدنيا و الآخرة و في الابتلاء. لهذا سأبين هذه الحقيقة الشرعية المطلقة في فقرتين الأولى أدلة وجوب الالتزام بالسنة المطابقة للقرآن و الثانية أدلة وجوب عدم الالتزام بالسنة المخالفة للقرآن للفوز في الابتلاء.

الفقرة الأولى: أدلة وجوب الالتزام بالسنة المطابقة للقرآن للفوز في الابتلاء.

السنة النبوية هي مجموع أقوال الرسول و أعماله و إقراره. هذه السنة شهد عليها و علمها المسلمون الذين عاصروا الرسول بمكة و المدينة حيث كان يصدر إليهم الأوامر و يبلغ لهم القرآن و يشرح لهم ما تيسر منه و قد كان المسلمون متأكدين من سنة الرسول الصحيحة لأنهم شاهدوها و سمعوها منه مباشرة و التزموا بها. لكن بعد موت الرسول و كل الذين عاصروه وقعت مشكلة خطيرة أمام المسلمين الذين لم يعاصروا الرسول في المراحل الموالية. فهم ملزمون شرعا بالالتزام بسنة الرسول الصحيحة المطابقة للقرآن و لكن رواها آخرون. و من الرواة من صدقوا في رواية سنة الرسول و منهم من روى سنة غير صحيحة مخالفة للقرآن عن جهل أو عمدا لتحريف القرآن و تحقيق مصالح سياسية و اقتصادية. فإذا كان مسكنك في غابة مليئة بالحيوانات المفترسة فإذا لم تغلق بابك بإحكام فإن الأسود تهجم عليك و تأكلك. لهذا فإن أعداء الإسلام استغلوا باب السنة فطعنوا المسلمين بسكين الأحاديث المخالفة للقرآن و التي نسبوها للسنة كذبا لتدمير الأمة الإسلامية و تخلفها و إبعادها عن قيم الإسلام الحقيقية. لهذا فإني أناشد العلماء المتقين الصادقين بالتعاون على صعيد كل بلاد الإسلام لأحكام إغلاق هذا الباب الذي يستغله أعداء الإسلام لطعن المسلمين. فأقوال وأعمال الرسول انتهت بموته وقد رواها الرواة منهم من صدق و منهم من كذب أو أخطأ. فالعلماء ورثة الأنبياء وقد كلفهم الله تعالى بمتابعة تبليغ القرآن و شرحه للناس في العالم كله و في كل زمان و مكان لهذا يتحمل العلماء مسؤولية جسمية و عظيمة لتحديد السنة الصحيحة المطابقة للقرآن لكي يلتزم بها المسلمون و هذا واجب شرعي و تحديد السنة الغير الصحيحة لكي لا يلتزم بها المسلمون و هذا واجب شرعي لحماية دين الله تعالى الحق الإسلام و حماية المسلمين من تخذيرهم و تنويمهم و تخلفهم لاستعمارهم و الاعتداء على أموالهم و أعراضهم.

لهذا تتأكد ضرورة ووجوب معرفة المسلمين للأدلة الشرعية التي تبين متى تكون السنة النبوية صحيحة ليلتزموا بها من أجل الفوز في ابتلاء الدنيا. إن الدليل القاطع على وجوب التزام المسلمين بالسنة هو مطابقتها لحدود القرآن. فإن كانت مخالفة للقرآن فإنها غير شرعية ولا يجوز للمسلمين الالتزام بها.

و قد برأ الرسول محمد بن عبد الله ذمته فقال ” ما أتاكم عني فاعرضوه على القرآن فإن وافقه فأنا قلته” و معنى هذا الحديث الصحيح أن المسلمين يجب أن يعرضوا الحديث على القرآن و يقارنوه بآياته فإن كان مطابقا لها فهو صحيح و إن كان مخالفا للقرآن فهو غير صحيح و كذب على الله و الرسول و لتوضيح هذه المسألة أبين أمثلة تطبيقية توضيحية بمقارنة بعض أحاديث الرسول بالقرآن لمعرفة صحتها أو عدم صحتها. و هي على سبيل المثال فقط. مثلا قول الرسول ” صلوا كما رأيتموني أصلي” و بالبحث في آيات القرآن نجد بأن الرسول طبقا في هذه السنة ما جاء في القرآن بخصوص أركان الصلاة و شروطهما و الوضوء و التيمم و الاغتسال من الجنابة و لا داعي لذكر الآيات القرآنية التي طبقها الرسول في صلاته و هي التي اتبعا المسلمون و نحن منهم نصلي كما صلى الرسول. وهناك حديث ” خذوا عني مناسككم” فالرسول قام بأداء فريضة الحج و العمرة بمكة المكرمة. وما قاله و فعله في هذه الفريضة يقوله و يفعله المسلمون منذ قرون حتى اليوم. و ما قاله و فعله الرسول في أداء فريضة الحج و العمرة له سند في القرآن. 

و قد بين الرسول أيضا كيفية أداء زكاة الأموال و زكاة الفطر. و المسلمون يطبقون هذه السنة منذ قرون. و هناك حديث ينص على ما يلي ” لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق”. و فعلا هذا الحديث صحيح. و تؤكده الممتحنة 12   وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ”. فالحكم الشرعي المسكوت عنه في هذه الآية أنه من الواجب عصيان الرسول في المنكر و هو كل ما يخالف حدود القرآن. و النساء 59 ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ” فطاعة الرسول مقيدة و مشروطة بطاعة الرسول لله تعالى فإذا أطاع الله بسنته يطاع و إذا عصى الله في سنته يعصى وجوبا و شرعا. فطاعة الله تعالى أسبق في الوجوب من طاعة الرسول و أولي الأمر بمعنى أن طاعة الرسول و أولي الأمر لا تكون واجبة شرعا إلا إذا أطاع الرسول و أولوا الأمر الله تعالى أي إذا التزموا في قراراتهم بحدود القرآن و هو أمر الله تعالى المنزل لكل الناس و منهم الرسول و أولوا الأمر و الحكام لأنهم من الناس.

و هناك حديث فيه ” إذا تكلم ّأحدكم فليقل خيرا أو ليصمت” و بعرض هذا الحديث على القرآن تجد بأنه صحيح و ملزم للمسلمين و الدليل البقرة 83 ” وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا” و الحج 24 ” وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ” و الأحزاب 70 ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا”.

و هناك حديث ” صوموا تصحوا” و هو صحيح لأنه مطابق للقرآن و الدليل البقرة 184 ” وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ” و هناك حديث من ” غش ليس منا” هناك من يقول في هذا الحديث من غشنا. و لكن الصحيح هو من غش أي من غشنا نحن المسلمين أو غيرنا من الكفار. فالغش ظلم حرمه الله تعالى. و الدليل على صحة هذا الحديث الشورى 42 ” إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ” و الأنعام 82 ” الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ” و هناك حديث ” من أفطر صائما فله مثل أجره” و دليل صحته أن الصائم له أجر صومه و الذي أفطره له أجر مماثل هو أجر صدقه إفطار الصائم. و الدليل الحديد 11 ” مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ” و الصدقة يخصص لها الله تعالى الأجر في الآخرة و هو رصيد المتصدق من الحسنات الذي ينفعه يوم الحساب في الآخرة.

و أعطي الأمثلة عن أحاديث نسبت كذبا للسنة النبوية و هي غير صحيحة و يجب شرعا عدم الالتزام بها للفوز في ابتلاء الدنيا لأنها مخالفة لحدود القرآن. و منها حديث رواه البخاري في مؤلفه عن أبي داود قال فيه أن الرسول قال ” من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة” طبقا لهذا الحديث المزعوم و هو كذب على الرسول فالكفار و المجرمون الذين قضوا حياتهم بالدنيا في الإجرام و الفساد و الظلم إذا قالوا مباشرة قبل الموت لا إله إلا الله ثم ماتوا يدخلون الجنة. فتدبروا سورة النساء 18 ” وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا” فلا يقبل الله تعالى التوبة عند الشعور بالموت بل يجب أن تتجسد التوبة الصادقة بحسن نية في التقوى الفعلية قبل الشعور بأجل الموت و دون تحايل لأن الله تعالى يعلم ما تسر و ما تعلن كل نفس و في كل زمان و مكان. و التوبة لا تكون بالقول فقط بل بالعمل الصالح و التقوى المحققة فعلا في الواقع. فالميت يحاسب بعد البعث في الآخرة و ينال الجزاء الذي يستحقه حسب ما في كتاب أعماله منذ بلوغه سن التكليف الشرعي حتى الموت. و لا ينفعه النطق بالشهادة عند الموت. فالمسلم الصالح المتقي يدخل الجنة و لو لم ينطق بشهادة أن لا إله إلا الله عند موته إذا نسي ذلك أو جاءه موت مفاجئ كموت المسلمين المجاهدين في سبيل الله. و الدليل آل عمران 169 ” وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ” و محمد 4 ” وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ”.

و الدليل القاطع على عدم صحة هذا الحديث الذي رواه البخاري سورة يونس 90-92 ” وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ” الله تعالى نجا فرعون بجثته حيث رماه البحر إلى الشاطئ ميتا ليتأكد الناس من موته.

فرغم أن فرعون آمن و تاب عند بداية غرقه في البحر الأحمر و قال لا إله إلا الله فقد أدخله الله تعالى سجن جهنم في الآخرة. و هناك دليل على عدم صحة هذا الحديث في الأنعام 158 ” يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا” فلا ينفع الإيمان و قول لا إله إلا الله عند الموت و في الآخرة بل الإيمان يجب أن يكون بصدق و نية حسنة و أن يجسد فعلا في التقوى و العمل الصالح قبل الشعور بالموت.

فالمراد من هذا الحديث الغير الصحيح و المنسوب كذبا للسنة النبوية إحباط المسلمين و فتح الباب أمام الجرائم و الفساد و الظلم و الطغيان و الإعراض عن القرآن و الاكتفاء بتكرار قول لا إله إلا الله للفوز بالجنة. و هذا حلم لا يتحقق أبدا إلا بالعمل الصالح و التقوى حتى الموت. و قد برأ الرسول ذمته من أعداء الإسلام فقال ” ما أتاكم عني فاعرضوه على القرآن فإن وافقته فأنا قلته” فاحذروا أيها المسلمون أعداء الإسلام إنهم دسوا أحاديث كثيرة للسنة النبوية غير صحيحة لتحقيق أهدافهم و منها هذا الحديث الذي رواه البخاري عن أبي داود. و من الأدلة على عدم صحته الواقعة 24 ” جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” و الزخرف 72 ” وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” فالعمل الصالح و التقوى في الدنيا هو الذي يورثك الجنة و الحياة الحقيقية في سعادتها و ليس قول لا إله إلا الله عند الموت. فهذه الآيات بلغها الرسول للناس و ذلك دليل على علمه بها. فلا يجوز شرعا أن يقول ما يخالفها. فمن صدق عمدا بالأحاديث المخالفة للقرآن فقد استهزأ بالرسول و أهانه و يستحق عذاب الله تعالى في الدنيا و الآخرة. و قد قال الرسول بحق ” من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار” و من كذب على الرسول فقد كذب على الله تعالى لأنه حرف القرآن. و الدليل العنكبوت 68 ” وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ” فلا تصدق أيها المسلم بالحديث و لا تعمل به و لا تذكره لغيرك قبل عرضه على القرآن و التأكد من صحته لتنجو من عذاب الله تعالى.

و هناك حديث آخر منسوب كذبا للسنة النبوية لإحباط المسلمين و تشجيعهم على الفساد و إبعادهم عن منهج الله تعالى رواه البخاري في مؤلفة تحت رقم 6467 و نصه كما يلي : “لا يدخل أحدا الجنة عمله قالوا و لا أنت يا رسول الله قال و لا أنا إلا أن يتغمدني الله بمغفرة و رحمة”. و سأبين الأدلة على عدم صحة هذا الحديث و هو السكين الحاد الذي طعن به أعداء الإسلام المسلمين فتخلى جلهم عن العمل الصالح واكتفوا بالذكر و التسبيح و الصلاة على الرسول فأصابهم الهوان و التخلف و العذاب لأنهم خالفوا أمر الله تعالى.

و سأبين الأدلة الشرعية الدالة بصدق على عدم صحة هذا الحديث الذي رواه البخاري و منها سبأ 4-5 “ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ”. فتدبروا هذه الآية فالله تعالى أعطى مغفرته مقابل العمل الصالح و التقوى و أعطى عذابه مقابل العمل الفاسد و الأعراض عن القرآن. و رحمة الله تعالى لا يعطيها للإنسان إلا مقابل عمله الصالح و تقواه و الدليل القاطع الأعراف 156 ” وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ”. فرحمة الله تعالى هي التي تدخل للجنة و لكن يعطيها مقابل الإيمان و التقوى في الدنيا. لهذا يحرم الله تعالى الكفار و المجرمين من رحمته و يدخلهم جهنم مقابل أعمالهم المخالفة لحدود القرآن. الله تعالى عادل عدلا مطلقا و لا يظلم أحدا. و من الأدلة على ذلك الأنبياء 47 ” وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ” و الزلزلة 6-8 ” يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ” فأعمال المبعوث في الآخرة هي التي توزن في الميزان و نتيجة الميزان هي التي تخول الإنسان رحمة الله أو عذابه. فلا يوزع الله تعالى رحمته بالمجان بل مقابل الأعمال الصالحة و التقوى. و الدليل التوبة 71 ” وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” و تدبر القارعة 6-11 ” فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ نَارٌ حَامِيَةٌ” فما يوزن يوم القيامة هو أعمال الإنسان التي عملها في الدنيا.

هل يقبل العقل و المنطق و الشرع بأن يكون الإنسان فاسقا مجرما و مخالفا لحدود القرآن و في الآخرة يدخله الله تعالى الجنة برحمته. فمن قبل ذلك فقد كذب على الله و كفر. و الدليل يس 54 ” فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” و التحريم 7 ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” و السجدة 14 ” فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ”  لهذا قال الله تعالى في النحل 32 ” ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” و الأعراف 43 ” تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ” و المرسلات 43 ” كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ” و هذا قضاء الله تعالى و قدره. و من قال بأن الإنسان لا يدخل الجنة بعمله كذب بقضاء الله تعالـــى و قدره و كفر و لا يصدق العقل و المنطق بأن الرسول محمد بن  عبد الله الذي اصطفاه الله تعالى و علمه القرآن يقول هذا الحديث المخالف للقرآن. و الآيات المؤكدة لبطلان هذا الحديث و التي بينتها نزلت على الرسول و بلغها و بينها للناس بأمر الله تعالى و كمثال عن الأحاديث الغير الصحيحة ما رواه البخاري في مؤلفه رقم 614 و نصه كما يلي: ” من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة و الصلاة القائمة آتي محمد الوسيلة و الفضيلة وابعثه  مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة.

فهذا الحديث غير صحيح و كذب على الله و الرسول. لا يقبل العقل و الشرع أن مجرما قضى حياته في الفساد و الإجرام و الطغيان و الظلم و يكفيه أن ينطق بما جاء في الحديث المذكور ليعفيه الرسول يوم القيامة من العذاب و يدخل الجنة. هذا الحديث غير صحيح و كذب لأنه مخالف لحدود القرآن وضعه أعداء الإسلام عمدا لفتح الباب أمام التجبر و الطغيان و الإجرام. 

و أكبر دليل على عدم صحته أن الرسول لا يمارس اختصاصات الله تعالى فهو عبد الله و العبد لا يعصى سيده و الدليل البقرة 23 ” وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ…” و الزمر 11 ” قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ” و الزمر 66 ” بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ” و الرعد 36 ” قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ” و آل عمران 144 ” وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ” و الرسول ملزم شرعا بتبليغ ما كلفه المرسل بتبليغه لو كان للرسول حق الشفاعة أي الإعفاء من العقاب لكان له الحق أن يشفع لنفسه و أسرته ولكن حرم عليه الله تعالى الشفاعة لنفسه و لغيره. و الدليل القاطع  أن الله تعالى حاسبه مثل كافة الرسل عن أعماله. و الدليل الأعراف 6 ” فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ” و هود 112 ” فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ” و الأنعام 52 ” مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ” و الإسراء 13-14 ” وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا” الله تعالى يقول في الآية كل إنسان بما في ذلك الرسل فهل يثبت أعداء الإسلام أن الرسول محمد بن عبد الله إلاه و ليس إنسانا.

وقد أكد الله تعالى بأن الرسول بشر والدليل الكهف 110 ” قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ” والرسول نفس مثل الناس يحاسبه الله تعالى وينال الجزاء الذي يستحقه. والدليل إبراهيم 51 ” لِيَجْزِي اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ” والمؤمنون 51 ” يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ” والجاثية 18 ” ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ”. وقال الله تعالى لرسوله موسى وهارون في سورة يونس 89 ” فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ”. ولا يجوز للرسول مخالفة ما كلفه الله تعالى بتبليغه للناس وهو القرآن. ولا يمكن للرسول أن يأمر الناس بالصلاة وهو لا يصلي. فقد حرم الله تعالى عليه ذلك. والدليل الصف 2-3 ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ” فمن أكبر الكبائر أن يكون الإنسان منافقا. قالوا في الحديث المذكور حلت له شفاعتي” لا يوجد نص في القرآن يعطي للرسول حق الشفاعة أبدا.

وسأبين الأدلة الشرعية على عدم صحة شفاعة الرسول و منها الزمر 19 “أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النار” لا يمكن نهائيا للرسول أن يعفي المجرمين من عذاب الله تعالى. فلا شفاعة له. و هناك سبأ 42 “فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ ”  فما الدليل على إن كلمة بعضكم في الآية تشمل الناس ولا تشمل الرسول ، فهو أيضا لا يملك للناس نفعا ولا ضرا والدليل الأعراف 188 “قُل لَّا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا ”  و الجن 21 “قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا ” . فالذي لا يملك لنفسه نفعا و لا ضرا و هو خاضع لقضاء الله تعالى و قدره و حكمه مثل كل الناس هل يملك ذلك لغيره. و هل يعفي من يشاء من عذاب الله تعالى. لو قال الرسول أن له حق الشفاعة فقد تقول على الله تعالى و حرف القرآن و استحق عذاب الله تعالى  المذكور في الحاقة 43-47 “تنْزِيلٌ مِنْ ربِّ الْعالمِين ولوْ تقول عليْنا بعْض الْأقاوِيلِ لأخذْنا مِنْهُ بِالْيمِينِ ثُمّ لقطعْنا مِنْهُ الْوتِين فما مِنْكُمْ مِنْ أحدٍ عنْهُ حاجِزِين”. إن الله عادل و صادق الوعد. لو ادعى الرسول حق الشفاعة فقد تقول على الله و حرف القرآن. و بما أن الله تعالى لم يطبق العقاب في الحاقة 43-47  فإن الرسول محمد بن عبد الله لم يحرف القرآن. كما أن الله تعالى وعده بالجنة و الدليل التوبة  88-89 ” لَٰكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ”.

هذه الآيات التي ذكرتها نسخت و ألغت ما جاء في سبأ 23 ” وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ۚ” و البقرة  255  ” مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ۚ”. و من الآيات التي أكدت بأن الرسول ليست له شفاعة البقرة 48 “وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ” و الأنعام 51 ” وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُوا إِلَىٰ رَبِّهِمْ ۙ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ” و الأنعام 70  ” وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ” و السجدة 4 ” اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ ۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ” فكلمة لكم في الآية تشمل الرسول أيضا.

و هناك حديث نسب كذبا للسنة النبوية ذكرته لخطورته و دوره في تخلف المسلمين. و معناه “من رابط في المسجد من الصلاة إلى الصلاة فتحت له أبواب الجنة” و الدليل على أن هذا الحديث غير صحيح الجمعة 10 ” فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” و ذكر الله يتم سرا أو جهرا أثناء القيام بالعمل للكسب من فضل الله تعالى. فالعمل الحلال أول فريضة إسلامية لكسب مصادر الطعام و الاستمرار في الحياة ماذا يأكل المرابطون في المسجد للصلاة و ماذا تأكل أسرهم. و إذا هجم عليهم الكفار بأسلحتهم الفتاكة فبماذا يدافعون عن أنفسهم و أموالهم و أبنائهم و زوجاتهم. أليس هذا الحديث المنسوب كذبا للسنة النبوية سكينا طعن به الكفار المسلمين تمهيدا لاستعمارهم و قد وقع ذلك فعلا. ألم يأمرنا ربنا بإعداد القوة الضرورية و المناسبة لأعدائنا للدفاع عن النفس و عن الإسلام. و الدليل الأنفال 60 ” وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ…..” و التوبة 105 ” وَقُلِ اعْمَلُوا”.

و هناك حديث غير صحيح نسب كذبا للسنة النبوية معناه أن الشيطان يجري في مجرى دم الإنسان. و قد بينت عدم صحته في الفصل الأول من هذا البحث فالمراد منه نفي مسؤولية المجرمين بالادعاء أن الشيطان هو الذي دفعهم للجريمة و هذا مجرد كذب على الرسول.

و هناك حديث صحيح فيه ” من كذب علي فليتبوأ مقعده في النار” و الدليل على صحته أن من كذب على الرسول و نسب له حديثا زورا حرف القرآن. و من حرف القرآن كذب على الله تعالى و استحق عذابه في الدنيا و جهنم في الآخرة و الدليل العنكبوت 68 ” وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ” فالكذب و الافتراء على الرسول كذب على الله تعالى لأنه يحرف حقائق القرآن.

و قد اكتفيت بهذه الأمثلة لا بين للناس كيف يميزون بين الحديث الصحيح و الحديث الغير الصحيح. فلا تهتم كثيرا أيها المسلم برواة الحديث فأمامك الحديث الأسمى و الحكيم و هو حديث الله تعالى أي القرآن. و بما أننا لم نسمع الرسول و لم شاهد أعماله فما نسب للسنة يجب أن يعرضه علماء الإسلام على القرآن لمعرفة صحته مهما كان الراوي للحديث. فالقرآن أمر الله تعالى ملزم لنا و للرسول لأن الآيات التي أكدت هذا الأمر موجهة للرسول كذلك و هي كثيرة، واذكر منها الطلاق 5 ” ذَٰلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ ۚ”.

فيا علماء الإسلام الصادقين المتقين إن كنتم تحبون الله تعالى و تعبدونه بحق و بصدق فتعاونوا في كل بلاد الإسلام و حددوا بصرامة الأحاديث الصحيحة و هي المطابقة للقرآن و ادفنوا السنة الغير الصحيحة و هي مخالفة للقرآن في قبور أعداء الإسلام. و أغلقوا باب السنة بإحكام لأنه دمرت به الأمة الإسلامية و أبعدت به عن قيم الإسلام الحقيقية.  وقودوا سفينته النجاة و التقدم بالأمة الإسلامية. و الله تعالى جعل العلماء ورثة النبي و كلفهم شرعا بتبليغ القرآن و شرحه للناس باستمرار. و من الأدلة على ذلك البقرة 159 ” إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ” و البقرة 174 “إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۙ أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ” و التوبة 122 “فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ” و النحل 43 ” فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ”.فهذا أمر من الله تعالى للذين لا يعلمون شؤون الدين الإسلامي بأن يسألوا العلماء و أهل الذكر أي القرآن. و هو كذلك أمر للعلماء بأن يجيبوهم ويشرحوا لهم ما يهم الدين الإسلامي و من الأدلة أيضا آل عمران 110 “كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ ” و التوبة 71 “وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ”. و من مهام الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر إلغاء الأحاديث الغير الصحيحة المخالفة للقرآن و تحديد الأحاديث الصحيحة المطابقة للقرآن للمسلمين ليلتزموا  بها و لكي يفوزوا في ابتلاء الدنيا.

 و من الأدلة على ذلك أن طاعة الرسول فيما يطابق حدود القرآن واجب شرعي و من شروط الإيمان و الإسلام و الفوز في ابتلاء الدنيا الأحزاب 71 “يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا” و المجادلة 9 “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ” و الأنفال 1 “فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ۖ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ”. و لكن طاعة الرسول مقيدة بطاعته لله تعالى أي التزامه بحدود القرآن في أقواله و أعماله و الدليل الممتحنة 12 ” وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ “. فالحكم الشرعي المسكوت عنه في الآية أنه من الواجب شرعا عصيان الرسول و عدم طاعته في غير المعروف أي المنكر و هو كل ما يخالف حدود القرآن. فإذا أمر الرسول مؤمنة بخلع حجابها أمامه  أو أمام غيره فيجب عليها عصيانه و عدم خلغ حجابها امتثالا لأمر الله تعالى الذي فرض عليها الحجاب. و النساء 13-14 ” تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ  وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ”. و هذا دليل على أن طاعة الرسول أي الالتزام بسنته الصحيحة شرط لدخول الجنة و عصيانه جزاؤه العذاب في سجن جهنم و لكن طاعة الرسول مقيدة و مشروطة بطاعته لله تعالى أي يجب أن تكون السنة مطابقة لحدود القرآن.

و من الأدلة المائدة 44 “وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ” و المائدة 49 “وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ” و الجاثية 18 “ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ” و يونس 15 “وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ۙ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ ۚ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۖ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ” و الأنعام 15-16 “قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ”. هذه الآيات تؤكد أن الرسول ملزم شرعا بطاعة الله تعالى. لهذا لا تكون سنته شرعية و ملزمة للمسلمين إلا إذا كانت مطابقة لحدود القرآن. و الدليل النور 52 “وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ” فالتقوى و طاعة الله تعالى أسمى من طاعة الرسول بمعنى أن السنة النبوية لا تكون ملزمة للمسلمين إلا إذا كانت مطابقة لحدود القرآن لأن الرسول عبد من عباد الله تعالى و ملزم بأن يخشى الله و يتقيه مثل المسلمين.

الفقرة الثانية: أدلة وجوب عدم الالتزام بالسنة المخالفة للقرآن

لا يجوز شرعا للمسلمين أن يلتزموا بالسنة المخالفة للقرآن لأن الله تعالى أمر الناس بالالتزام بحدود القرآن. و لا إيمان و لا إسلام بدون الالتزام بحدود القرآن قولا و عملا سرا و علانية من بلوغ سن التكليف الشرعي حتى الموت. و الأدلة على ذلك كثيرة في القرآن و قد بينتها في المبحث الأول من هذا الفصل الثالث. و لا يفوز المسلم في ابتلاء الدنيا إذا اتبع السنة المخالفة للقرآن بل ينال عذاب الله تعالى في الدنيا و الآخرة و الأدلة على عدم وجوب الالتزام بالسنة المخالفة للقرآن كما يلي: 

1- طاعة الرسول مقيدة و مشروطة بطاعة الله تعالى.

هناك قيد على طاعة الرسول و هو وجوب التزامه في سنته القولية و العملية و التقريرية بحدود القرآن و هو أمر الله تعالى الموجه له و لكافة الناس في العالم و الدليل النساء 59 “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن ” فطاعة الله تعالى هي الأسمى و هي واجبة على الرسول و أولي الأمر لأنهم من المؤمنين الذي وجه الله تعالى إليهم أمره بالطاعة. لهذا لا تكون طاعة الرسول و أولي الأمر و هم الحكام ملزمة إلا إذا أطاعوا الله و طاعة الله تعالى هي الالتزام بحدود القرآن. و لا يدخل الجنة و لا ينجو من سجن جهنم إلا من أطاع الله و الرسول أي التزم بحدود القرآن و السنة المطابقة له. و الدليل النساء 69 “وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا”و الجن 23 “وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا” الحكم الشرعي في هذه الآية مطلق. فالرسول هو أيضا لا يجوز له أن يعصي الله تعالى و قد حذره الله تعالى في الحاقة 43-47 المذكورة سابقا و في الزمر 11-13 “قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ”.

لهذا لا تجوز طاعة الرسول و أولي الأمر فيما يخالف حدود القرآن و الدليل الممتحنة 12 “وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ” فالحكم الشرعي في الآية أنه من الواجب شرعا عصيان الرسول في غير المعروف و هو المنكر و هو كل ما يخالف حدود القرآن. و نفس الحكم الشرعي يسري على قرارات و أوامر  الحكام فلا يلتزم بها الناس إلا إذا كانت مطابقة لحدود القرآن. و تؤكد ذلك الشعراء 151-152 ” وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ” و الزخرف 54-56 “فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ  فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِّلْآخِرِينَ”. فطاعة أي مخلوق فيما يحالف حدود القرآن جريمة يستحق مرتكبها عذاب الله تعالى في الدنيا و الآخرة. 

لهذا قال الله تعالى في سورة هود 113 “وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ” فطاعة الظالم و العاصي الله تعالى مشاركة له في ظلمه و عصيانه تستوجب نفس العقاب المخصص للظالم.

فالرسول ملزم بطاعة الله أي الالتزام بحدود القرآن. و من الأدلة الأنعام 15 “قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ” و يونس 15 “قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ۖ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ” و هود 63 ” فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ ۖ ” و الكهف 27 “وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا” و هود 112 “فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ” و الجاثية 18 “ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ” و الأنفال 24 “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ۖ “. فالقرآن هو الروح التي تحيي الناس إذا التزموا بحدوده. و الدليل الشورى 52 “وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ “. فاتباع القرآن هو الذي يجعل المسلم حيا في الدنيا و الآخرة لأنه يعيش حياة جيدة دائمة أبدية في سعادة الجنة و ينجو من شبه الموت و العذاب و الشقاء في جهنم. لهذا فالحكم الشرعي في الأنفال 24 المذكورة يأمر المسلمين بعدم الاستجابة للرسول إذا دعاهم لما لا يحييهم أي لغير القرآن لهذا يجب شرعا عدم الالتزام بالسنة النبوية إذا كانت مخالفة للقرآن سواء كانت صادرة عنه حقا أم نسبت إليه كذبا.

و مما يؤكد هذه الحقيقة الشرعية تحذير الله تعالى للرسول بعدم مخالفة القرآن و الدليل الإسراء 39 “ذَٰلِكَ مِمَّا أَوْحَىٰ إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ ۗ وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَتُلْقَىٰ فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَّدْحُورًا” فإذا اتخذ الرسول سنة مخالفة للقرآن فقد اتخذ نفسه إلاها وأشرك بالله تعالى و تدل على ذلك الشعراء 213 ” فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ” و الزمر 65 “وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ” و الإسراء 73-75 “وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ۖ وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا  وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا” و الحاقة 43-47 المذكورة. هذه الأحكام الشرعية أكدت أن السنة النبوية لا يجوز شرعا أن تخالف القرآن أبدا. و من كذب على الرسول و نسب إليه سنة مخالفة للقرآن فقد كذب على الله تعالى و جزاؤه سجن جهنم و عذابها. و الدليل العنكبوت 68 “وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ ۚ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ” و كل من أيد سنة مخالفة للقرآن ينال نفس العذاب. لهذا يجب شرعا عدم الالتزام بالسنة المخالفة للقرآن للفوز في ابتلاء الدنيا.

2- مهمة الرسول تبليغ القرآن و التحكيم بين المسلمين

الرسول كلفه الله تعالى بتبليغ رسالة القرآن للناس ليلتزموا به. و من الأدلة المائدة 99 “مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ” و الرعد 40 “فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ”  النحل 35 “فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ” فالرسول عبد من عباد الله تعالى و ليس ربا و لا يمكنه الزيادة أو النقصان أو تغيير الرسالة التي كلفه الله تعالى بتبليغها. و إذا فعل ذلك فقد خان الأمانة و أشرك بالله تعالى. و الدليل آل عمران 80 “وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا ۗ أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ”. فمن صدق عمدا سنة مخالفة للقرآن فقد أشرك بالله تعالى لأنه اعتبر الرسول ربا. و الله تعالى حرم خيانة الأمانة لقوله تعالى في الأنفال 27 “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ” و إذا لم يبلغ الرسول القرآن بصدق و دون تحريف فقد خان الأمانة و استحق عذاب الله تعالى و الدليل يونس 69-70 “إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ” و الحكم الشرعي في هذه الآية ملزم للرسول أيضا. لهذا فمهمة الرسول هي التبليغ الصادق للقرآن و ليس له سلطة تغيير ما كلفه الله تعالى بتبليغه. لهذا يجب عدم الالتزام بالسنة المخالفة للقرآن للفوز في ابتلاء الدنيا. 

و قد غير الله تعالى بقضائه و قدره مهمة الرسول في تبليغ القرآن. فلما انتشر الوازع الديني  و تكون علماء الإسلام و تقدمت الدعوة الإسلامية غير مهمة الرسول من التبليغ و الشرح و البيان إلى مهمة التحكيم بين المسلمين. و الدليل النحل 64 “وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ ۙ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ”. فقد اسند الله تعالى للعلماء المسلمين مهمة مساعدة الرسول في تبليغ القرآن وشرحه للناس. والآيات الدالة على ذلك سبق أن بينتها فلا داعي لتكرارها. و يجب على الأمة الإسلامية و السلطة الإسلامية المنبثقة عنها و الخاضعة لها توفير الوسائل الإدارية و المالية ليقوم العلماء بالدور الذي فرضه عليهم الله تعالى.

3- مهمة التبشير و الإنذار بالقرآن

الرسول كلفه الله تعالى بتوضيح و بيان الآيات التي تحقق لمن اتبعها السعادة و رحمة الله تعالى و هذه مهمة التبشير و توضيح الآيات التي تسبب لمن اتبعها الشقاء و العذاب و هذا هو الإنذار و الدليل آيات منها الكهف 56 ” وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ ۚ ” و الفرقان 56 “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا” و الفرقان 1 “تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا”. فالرسول كلفه الله تعالى بالتبشير و الإنذار بالقرآن. و لا يجوز للرسول أن ينذر أو يبشر الناس بغير القرآن . لهذا لا يجوز أن تكون سنته مخالفة للقرآن. فمهمة الرسول محددة في التبشير و الإنذار بالقرآن لأن القرآن هو المبشر و المنذر. و الدليل فصلت3-4 ” كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا” و الأنعام 19 ” وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الْقُرْآنُ لِأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ۚ “. و مهمة الإنذار و التبشير التي كلف بها الرسول حجة الله تعالى على الناس لكي لا يعتذروا بعدم التبليغ يوم الحساب والجزاء في الآخرة عن أعمال الدنيا. و الدليل النساء 165 “رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا” و القصص 59 “وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۚ وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَىٰ إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ” و هذا من عدل الله المطلق في الدنيا و الآخرة.

4- بطلان ادعاء أعداء الإسلام أن السنة ملزمة و لو كانت مخالفة للقرآن

سوف أبين الأدلة الشرعية على بطلان ادعاء أن السنة ملزمة للمسلمين ولو كانت مخالفة للقرآن

– بطلان الادعاء الأول: استند أعداء الإسلام إلى سورة الجمعة 2 ” هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ”. و قالوا بأن السنة ملزمة بصفة مطلقة و لو كانت مخالفة للقرآن لأنها في نظرهم حكمة خاصة بالرسول و بهذا الادعاء الذي لا أساس له من الصحة يريدون فتح الباب لتحريف القرآن بالسنة المنسوبة كذبا للرسول. و سأبين الأدلة على بطلان هذا الادعاء فالسنة الصحيحة المطابقة للقرآن ليست حكمة خاصة بالرسول بل هي مبينة لحكمة الله تعالى وهي القرآن. و من الأدلة فصلت 41-42 ” وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ” و يس 1-2 ” يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ” فالقرآن حكيم لأنه حكمة الله تعالى الحكيم أمر الله تعالى رسوله محمد بن عبد الله بتبليغه للناس. لهذا فالرسول بلغ للناس حكمة الله تعالى وليست له حكمة خاصة به. و الدليل القاطع على ذلك ما جاء في البقرة 231 “وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ” فالمختص في اللغة العربية يعلم جيدا أن عبارة يعظكم به في البقرة 231 المذكورة تدل على القرآن و ليس على الحكمة فكلمة الحكمة في الآية نعت و تأكيد للقرآن بأنه حكمة. و يؤكد ذلك ما جاء في آل عمران 58 “ذَٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ” و الذكر في الآية هو القرآن و لقمان 2-3 “تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ  هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ” و كل شرائع الله تعالى المنزلة على رسله و ناسخها القرآن بقضاء الله تعالى هي حكمة الله تعالى و ليست حكمة خاصة بالرسل و الدليل آل عمران 81 “وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ” و الزخرف 63 “وَلَمَّا جَاءَ عِيسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ”  و هي الإنجيل الذي نسخه الله بالقرآن. والأحزاب 34 “وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ ۚ ” فالذي كان يبتلى في بيوت زوجات النبي هو القرآن و هو حكمة الله تعالى و ليست السنة فهي لم تكن مسجلة في كتاب يتلى على الناس. هذه الأدلة الشرعية أبطلت إدعاء أعداء الإسلام بأن السنة حكمة ملزمة للناس ولو كانت مخالفة للقرآن.

بطلان الادعاء الثاني: هناك من فسر سورة الضحى ” وأما بنعمة ربك فحدث” على أنها تدل على الرزق الذي يسره الله تعالى لرسوله و لكن الحقيقة أن الله تعالى أمر رسوله في هذه الآية بأن يحدث الناس بالقرآن و هو نعمة من الله تعالى لخير البشر. و الدليل البقرة 211 “سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُم مِّنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ ۗ وَمَن يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ” فالمقصود بنعمة الله في الآية هي التوراة التي نسخها الله تعالى مثل الشرائع السابقة بالقرآن و هو نعمة الله أيضا. فلا يقصد الله تعالى من عبارة يبدل نعمة الله من يبدل رزق الله تعالى لأن الرزق لا يبدل و بنوا إسرائيل حرفوا التوراة و بدلوها و هي نعمة الله كما أن النصارى بدلوا و حرفوا الإنجيل و هو نعمة الله تعالى .

و لهذا فإن سورة الضحى أمر من الله تعالى للرسول بأن يحدث الناس بالقرآن و هو حديث الله الأسمى من أي حديث آخر. فالقرآن حديث الله تعالى و كلامه و قوله و سنته المنزلة لكافة للناس  و حكمته. و الدليل النساء 87 “وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا” و النساء 122 “وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا” و الأنعام 115 “وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ” و فاطر 43 ” فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا” فلا يقبل الله تعالى أن تبدل سنته بسنة الرسول أو اجتهاد العلماء و سنة الله و قوله و كلمته هي القرآن. و قد جاء في سورة ق 45 ” فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ” و هذا تأكيد لما جاء في سورة الضحى ” و أما بنعمة ربك فحدث” و الجاثية 6 “تلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ” و القلم 44 “فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا الْحَدِيثِ ۖ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ” و الكهف 6 “فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا” الله تعالى أمر رسوله بان يتلو القرآن و يحدث الناس به . والدليل النمل 91- 92″ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ” وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ” و تلاوة القران هي الحديث به و الرعد 30″ كَذَٰلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ” و هو القران.

الله تعالى أمر الرسول بأن يحدث الناس بالقرآن و ان يتلوه عليهم ليلتزموا بأحكامه فليس له حق بأن يحدث الناس  بما يخالف القرآن، لهذا يجب عدم الالتزام بالسنة المخالفة للقرآن 

– بطلان الادعاء الثالث : ويعتمد على ذرائع واهية لتبرير إلزام  السنة ولو كانت مخالفة  للقرآن عن جهل أو عمدا . وسأبين الأدلة الشرعية  على عدم صحة هذا الادعاء الكاذب

1- اعتمد أصحاب هذا الادعاء على تفسير خاطئ لسورة النجم 3 ” وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ” فسروها عن جهل أو عمدا فقالوا بأن السنة ملزمة للناس و لو كانت مخالفة للقرآن مدعين أن  الرسول لا ينطبق عن الهوى. و هذا غير صحيح لأن سورة النجم 3 تفسرها و تكملها النجم 4 و فيها ” إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ” فالرسول ينطق عن هواه عندما لا ينطق بالقرآن فإنه يتحدث عن مصالحه و ينطق عن هواه. فعندما يتكلم الرسول مع زوجاته فإنه ينطق عن هواه و مشاعره المشروعة. لهذا لا يكون نطق و حديث الرسول ملزما للناس إلا إذا كان مطابقا للقرآن.

2- اعتمد كذلك أعداء الإسلام على مقطع من سورة الحشر 7 ” وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ”. و قالوا خطأ بان السنة ملزمة للناس مهما كانت. المقطع تفسره سورة الحشر كلها و فيها ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله و الرسول و لذي القربى و اليتامى و المساكين و ابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم و ما أتاكم الرسول فخذوه و ما نهاكم عنه فانتهوا و اتقوا الله أن الله شديد العقاب” هذه الآية انزلها الله تعالى لحل النزاع بين المسلمين حول توزيع غنائم حرب تبوك حيث بين لهم عملية التوزيع و أمر المسلمين بالرضا بما أتاهم الرسول و أن يمتنعوا عن ما نهاهم عنه و هذا التفسير لسورة الحشر تؤيده الآية الثامنة منها ” للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم و أموالهم” و تؤكد هذا التفسير سورة التوبة 58-59 ” وَمِنْهُم مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِن لَّمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ”. فما آتاهم الرسول هو نصيب من الصدقات فقط و ليس سنة.

هذه الأدلة أكدت بأن هذا الادعاء غير صحيح ولا تكون السنة النبوية مشروعة و ملزمة للناس إلا إذا كانت مطابقة القرآن.

3- عدم صحة الادعاء بأن الرسول معصوم من الخطأ و سنته لا تخطئ و قد استندوا إل فهم خاطئ لسورة المائدة 67 ” وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ” هذه الآية لم تنص على أن الرسول معصوم من الخطأ بل تدل على أن الله تعالى تكلف بحماية رسوله من الناس لأن الله تعالى يتصرف في جسم كل إنسان و أعضائه كيف يشاء و في كل زمان و مكان و في الدنيا و الآخرة و الدليل الحاقة  43-47 ” تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ” فتصرف الله  تعالى من فوق السماء السابعة لا يمنعه أحد في الأرض و لا في الكون كله.

ادعى أعداء الإسلام بأن الرسول لا يخطئ لفرض السنة المخالفة للقرآن و تدمير الأمة الإسلامية. و الدليل على عدم صحة هذا الإدعاء الخطير أن الرسول محمد بن عبد الله ارتكب أخطاء أصلحها له الله تعالى و الدليل سورة عبس 1-10 ” عَبَسَ وَتَوَلَّىٰ أَن جَاءَهُ الْأَعْمَىٰ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَىٰ أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَىٰ فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّىٰ وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّىٰ وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسْعَىٰ وَهُوَ يَخْشَىٰ  فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ” و الأنعام 52 ” وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ” 

فالرسول مسؤول عن أعماله مثل باقي سائر الناس و الدليل الأعراف 6 ” فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ” و هود 112 ” فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ “. فلا تغتروا أيها المسلمون بإدعاء أعدائكم و أعداء ربكم ولا تلتزموا بالسنة المخالفة للقرآن فإنها كفر بالله تعالى يعرضكم للخسارة في ابتلاء الدنيا و شبه الموت في سجن جهنم الدائم بالآخرة.

4- ادعى أعداء الإسلام بأن السنة ملزمة للناس و لو كانت مخالفة للقرآن استنادا إلى أن الرسول في نظرهم رحمة للناس و سراج منير يخرجهم من الظلمات إلى النور و حجتهم الأحزاب 45-46 ” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا “

و الأدلة على عدم صحة هذا الادعاء المائدة 15-16 ” يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِين يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ” و إبراهيم 1 ” الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ”. لنفرض أن جماعة من الناس اضطروا لرؤية أحد أقاربهم على فراش الموت في البادية فحمل أحدهم مصباحا لينير لهم الطريق. فالمصباح هو الذي ينير الطريق للناس. و الدليل أنه إذا وقع عطب في المصباح و انطفأ نوره يعم الظلام أمام الناس. لهذا فالرسول ليس في حد ذاته نورا وسراجا. و لكن السراج الذي يبين الطريق هو القرآن الذي بلغه للناس فمن اتبع حدوده ينير له القرآن الطريق والصراط والسبيل المؤدي به إلى الجنة والسعادة وينجيه من سجن جهنم وعذابها.

لهذا لا يفلح ويفوز في ابتلاء الدنيا إلا من استعمل مصباح وسراج القرآن و هو من التزم بحدود القرآن وأعرض عن السنة المخالفة للقرآن.

واستند كذلك أعداء الإسلام إلى سورة الأنبياء 107 “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ”. فقالوا إن الرسول رحمة وبركة. لهذا في نظرهم يجب الالتزام بسنته ولو  كانت مخالفة للقرآن للفوز برحمته وبركته. وهذا الاعتقاد كذب وافتراء على الله تعالى. فالرسول ليس في حد ذاته رحمة للناس ولكن الرحمة هي القرآن الذي بلغه وهو رحمة لمن يتبع حدوده ويلتزم بها . ومن الأدلة: يونس 57″ياأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين”. والأعراف 52″ وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ” والأعراف 203 ” هَٰذَا بَصَائِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ” والنمل 77 ” وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ”. فالرحمة في الكون كله هي رحمة الله تعالى وحده خصصها للمؤمنين الذين يلتزمون بحدود القرآن في الديا و الآخرة. و الدليل الأعراف 156 ” وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ” و التوبة 71 ” وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” هذه الآيات أكدت بأن الرسول ليس رحمة للعالمين في حد ذاته و ليست له رحمة و لا بركة. و لكن القرآن هو رحمة الله تعالى لمن اتبع أحكامه و حدوده.لهذا فالالتزام بالسنة المطابقة للقرآن واجب شرعي مثل الالتزام بالقرآن و عدم الالتزام بالسنة المخالفة للقرآن واجب شرعي. 

و لقد بينت بالأدلة الشرعية في الفصل الأول من هذا البحث حول أحكام الابتلاء في القرآن مشروعية الابتلاء وفي الفصل الثاني بينت أمثلة عن الابتلاء و في الفصل الثالث و الأخير بينت بالأدلة الشرعية شروط الفوز في ابتلاء الدنيا و سعادة الجنة الدائمة و النجاة من عذاب سجن جهنم الدائم و شبه الموت فيها و هذه الشروط الأساسية هي الالتزام بحدود القرآن و السنة المطابقة له و الإعراض عن السنة المخالفة للقرآن و عدم الالتزام بها. و أطلب من إخواني القراء و الباحثين قراءة هذا البحث بفصوله الثلاثة جيدا و استخلاص النتائج الأساسية و السلام على جميع المؤمنين المتقين الصادقين.



Copyright 2024, All Rights Reserved