من هو الله تعالي و أين هو

بسم الله الرحمان الرحيم

   التاريخ: الخميس 22 صفر1430

    19/02/2009

بحث أعده الرحلي احمد من هيئة التدريس

بالتعليم العالي بالدار البيضاء سابقا متقاعد

عنوانه 910 شارع وادي سبو حي الوفاق

الدار البيضاء.

الهاتف 068.12.07.74  –  الموقع بالإنترنيت www.errahliahmed.com

من هو الله تعالي و أين هو

مقدمة: وفاء بالوعد الذي ذكرته سابقا و مساهمة منى في الدعوة الإسلامية يشرفني أن أقدم لإخواني القراء و الباحثين و الدعاة المحترمين هذا البحث الذي أنشره في موقعي بالإنترنيت بتسلسل حول أمثلة تطبيقية عن كيفية استنباط الأحكام الشرعية من آيات القرآن الكريم.

و أهمية هذا البحث تبين كيفية تطبيق قواعد فهم القرآن و له فائدة حيث أساهم به في توضيح و تحديد أحكام شرعية من بعض الآيات للناس. و أطلب من الله تعالي أن يوفقني لكي لا أضلهم و لا أقول على الله تعالي إلا الحق.

و قد بينت قواعد فهم القرآن الكريم و الأحكام الشرعية التي جعلت فهم القرآن الكريم واجبا شرعيا على كل الناس بالكون لأنهم ملزمون بأمر الله تعالي بالالتزام به قولا و عملا سرا و علانية و أحيلكم على البحث الذي نشرته حول فهم القرآن في موقعي المذكور. و أذكركم بقواعد فهم القرآن باختصار و هي: إتقان اللغة العربية و قواعدها و معرفة الألفاظ و العبارات المجازية و الحقيقية في آيات القرآن و الأحكام و الحكم الشرعي العام و الخاص، و الحكم الشرعي الذي يضع قيدا أو استثناء على حكم شرعي  و استنباط حكمها الشرعي إلا بعد عرضها على كل الآيات الأخرى و مقارنتها بها و تحديد العلاقة التشريعية القائمة بينها. و يجب تفسير الآية في سياقها و محورها الذي وردت فيه بكتاب الله تعالى. فلا تتسرعوا إخواني في تفسير آية معينة منفصلة عن باقي آيات القرآن الأخرى لأن القرآن نظام شامل و متكامل و تشريع الله عز وجل يفسر بعضه بعضا. و لا يمكن إدراك مقاصده و أوامره و نواهيه و فرائضه و محرماته إلا بعد دراسة كل آيات القرآن و تحليلها و مقارنتها و تدبرها.

و من قواعد تفسير القرآن يجب أن يكون التفسير علميا و موضوعيا و صادقا و صادرا عن المؤمنين الصالحين المتقين، لأنه بدون إيمان مسبق بأن القرآن فعلا كلام الله عز وجل و شرعه المنزل للناس لا يمكن فهمه.

و قد اخترت بعض الآيات الكريمة لاستنباط أحكامها الشرعية كمثال تطبيقي لفهم القرآن و سأبينها حسب مواضيع مختلفة بالتدريج كما يلي:

المثال رقم 1: من هو الله تعالى و أين هو:

الآية المتعلقة بهذا الموضوع سورة الحديد 4:  ”  هو الذي خلق السماوات و الأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض و ما يخرج منها و ما ينزل من السماء و ما يعرج فيها و هو معكم أين ما كنتم و الله بما تعملون بصير  ”  .

يفكر الإنسان بعقله في نفسه و مكونات جسمه و حركته و محيطه و في الكون و ما يشاهد فيه من أرض و سماوات و شمس و قمر و هواء و حيوانات و نباتات و طيور و دورة مائية، و لكن يجب أن نفكر في الذات العظيمة الخالدة التي أوجدت هذا الكون و ما فيه من أشياء و مخلوقات حية كالإنسان. لا يمكن أن يوجد ما هو مخلوق و مصنوع بدون الخالق و الصانع فالذي أوجد كل ما كان موجودا قبلنا و الذي أوجدنا و كل ما هو موجود معنا و الذي قد يوجد مستقبلا ما لا نعلمه الآن و الذي كان موجودا قبل أن يخلق و يصنع و يوجد هذا الكون و ما فيه هو الله تعالي الذي سمى نفسه بهذا الاسم في كل الشرائع التي أنزلها للناس و في الكلام الذي كلم به الناس. و الدليل: سورة الإخلاص من 1-4: ”  قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفؤا أحد ” و طه 14 :  ” إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني و أقم الصلاة لذكري « و هذا قول الله تعالى لرسوله موسى عليه السلام مباشرة من وراء حجاب، فتدبروا أيها الناس آيات الكون و هي تصرف الله تعالى و ما فيها من ظواهر و أسباب و حركات لقوله تعالى في سورة يوسف 105 :  ” و كأين من آية في السماوات و الأرض يمرون عليها و هم عنها معرضون ” و فصلت 53 :  ” سنريهم آياتنا في الآفاق و في أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء قدير ” فهذه الآيات الكونية أقوى دليل على وجود الله تبارك و تعالى و بما أنها مؤكدة في القرآن الكريم فإنه فعلا و حقاً كلام الله تعالى و شرعه للناس كافة.

   الله تعالى قادر على خلق و فعل  ما يريد و يملك الكون و ما فيه و منه الإنسان بل الله تعالى قادر على تبديل كل ما خلق بمخلوقات أخرى و الدليل فاطر 15- 17 ”  يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله و الله هو الغني الحميد إن يشأ يذهبكم و يأت بخلق جديد و ما ذلك على الله بعزيز ” ، و إبراهيم 19 -20 ”  ألم تر أن الله خلق السماوات و الأرض بالحق إن يشأ يذهبكم و يأت بخلق جديد و ما ذلك على الله بعزيز ” و الإنسان 28 ”  نحن خلقناهم و شددنا أمرهم و إذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا ” . و المعارج 39-41 ”  كلا إنا خلقناهم مما يعلمون فلا أقسم برب المشارق و المغارب إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم و ما نحن بمسبوقين ”  الأنعام 102- 103 ”  ذالكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه و هو على كل شيء وكيل ” . و الحديد 1- 3 ” سبح لله ما في السماوات و الأرض و هو العزيز الحكيم له ملك السماوات و الأرض يحيي و يميت و هو على كل شيء قدير هو الأول و الآخر و الظاهر و الباطن وهو بكل شيء عليم “. و الرحمان 26- 27 ”  كل من عليها فان و يبقى وجه ربك ذو الجلال و الإكرام .”

على الإنسان أن يستخدم عقله جيدا للتأكد من وجود الله عز وجل و من قدرته على التصرف في كل ما خلق حسب قدرته المطلقة العادلة، و عليه أن يتجرد من العاطفة و تأثير هوى النفس و أن ينظر بعين التجرد و المنطق و الموضوعية إلى الأدلة و البراهين المؤكدة لوجود الله تعالي التي تشهد عليها آيات الكون و ظواهره و قوانينه و سننه و مخلوقات الله تعالي و منها الإنسان، و تشهد عليها كذلك شرائع الله عز وجل التي أنزلها على رسله للناس. و قد شهد الناس نزول وحي الله تعالي خلال معاصرتهم للرسل و الأنبياء عليهم جميعا صلاة الله و سلامه.

طبعا القرآن الكريم هو شرع و كتاب الله المنزل لكافة الناس بالكون. فتدبروا إخواني المحترمين آيات القرآن و الواقع الكوني الذي نعيش فيه لتتأكدوا من صدق كلام الله تعالي الدال على وجوده.

و بعد هذا المدخل أبدأ تفسير الآية الرابعة من سورة الحديد. هذه الآية الكريمة تبين لنا من هو الله تعالي و أين هو و ما هي تصرفاته و سأعرضها على آيات القرآن الأخرى و أقارنها بها لتأكيد حكمها الشرعي.

الله تعالي ذات عظيمة لا يعلمها و لا يراها الناس في الدنيا و لا الذين استحقوا جهنم بأعمالهم المخالفة لشرع الله تعالي، و لكن يراه فقط المؤمنون الصالحون المتقون المستحقون للجنة بعد البعث و الحساب في الآخرة. و الدليل الأنعام 102 – 103 ” ذالكم الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه و هو على كل شيء وكيل، لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار و هو اللطيف الخبير ” و الإخلاص 1-4 ” قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفؤا أحد ” . الله تعالى بذاته العظيمة التي أوجدت كل ما نعلمه و ما لا نعلمه في هذا الكون مستوي على العرش بالسماوات. و هذا مؤكد في القرآن لكننا لا ندرك ذات الله تعالي و كيف هذا الاستواء و الدليل السجدة 4-5 ” الله الذي خلق السماوات و الأرض و ما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش و ما لكم من دونه من ولي و لا شفيع أفلا تتذكرون يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ”  و يونس 3 ” إن ربكم الله الذي خلق السماوات و الأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ” و سورة الزمر 62 ” الله خالق كل شيء و هو على كل شيء وكيل ” غافر 7 ” الذين يحملون العرش و من حوله يسبحون بحمد ربهم و يؤمنون به و الزمر 75 ” و ترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم ”  الحاقة 17 – 18 ” و يحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ” و البقرة 255 ” وسع كرسيه السماوات و الأرض ” أي أن تصرف الله تعالى و قدرته في كل مكان في هذا الكون الذي خلقه و الرعد 2 ” الله الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها ثم استوى على العرش و سخر الشمس و القمر كل يجري لأجل مسمى يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون ” . الله عز وجل العزيز الحكيم و الرحمان الرحيم مستوى على العرش بذاته العظيمة في السماوات.و رغم أن الآية الرابعة من سورة الحديد و غيرها من الآيات الأخرى فيها عبارة و هو معكم أينما كنتم فليس معنى ذلك أن الله تعالي مع كل مخلوقاته بذاته لأنه أكد لنا أنه بالسماوات و الدليل ما يلي: الملك 16-17 ” أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير ” الإسراء 95 ” قـل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا ” و غافر 36-37 ” و قال فرعون يا هامان ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى و إني لأظنه كاذبا ” و النحل 49 – 50 ” و لله يسجد ما في السماوات و ما في الأرض من دابة و الملائكة و هم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم و يفعلون ما يؤمرون ” و المعارج 1 – 4 ” سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج تعرج الملائكة و الروح إليه ” و الطور 38 ” أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين ” يس 28 – 29 ” وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء و ما كنا منزلين إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون .”

     هذه الآيات تفسر لنا الآية الرابعة من سورة الحديد و تؤكد لنا الجواب عن السؤال المطروح أعلاه. الله تعالى هو الذي خلق الكون و ما فيه و يملك كل ما خلق و يدبر أموره و لكنه بذاته العظيمة مستوي على العرش بالسماوات. فالذين يدعون أن الله في قلوب المؤمنين كذبوا على الله تعالي و لا يكون الله تعالى في قلوبهم بذاته و لكن حب الله و ذكره هو الذي يكون في اعتقادهم و تفكيرهم، و أبين الآيات الدالة على خلق الله لكل ما هو موجود و منها الفرقان 59 ” الذي خلق السماوات و الأرض و ما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمان فاسأل به خبيرا ” و الزمر 5 ” خلق السماوات و الأرض بالحق يكور الليل على النهار و يكور النهار على الليل و سخر الشمس و القمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار ” و الحديد 5 ” له ملك السماوات و الأرض و إلى الله ترجع الأمور و الأعراف 54 ” إن ربكم الله الذي خلق السماوات و الأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا و الشمس و القمر و النجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق و الأمر تبارك الله رب العالمين ” ص 65- 66 ” قل إنما أنا منذر و ما من إله إلا الله الواحد القهار رب السماوات و الأرض و ما بينهما العزيز الغفار ” و الصافات 4- 5 ” إن إلهكم لواحد رب السماوات و الأرض و ما بينهما و رب المشارق ” و الصافات 182 ” و الحمد لله رب العالمين و الزخرف 82 ” سبحان رب السماوات و الأرض رب العرش عما يصفون ” و غافر 62 ” ذالكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون ”  و الزخرف 85 ” و تبارك الذي له ملك السماوات و الأرض و ما بينهما و عنده علم الساعة و إليه ترجعون ”  و الإسراء 111 ” وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا و لم يكن له شريك في الملك و لم يكن له ولي من الذل و كبره تكبيرا ”  و المؤمنون 116 ” فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم ”  و سورة الناس 1- 3 ” قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس ” و الدخان 8 ” لا إله إلا هو يحيي و يميت ربكم و رب آبائكم الأولين ” و الحديد 2 ” له ملك السماوات و الأرض يحيي و يميت و هو على كل شيء قدير .”

    هذه الآيات دليل على أن الله تعالى هو الذي أوجد كل ما هو موجود و يملك كل ما أوجد و خلق و من حقه التصرف فيما يملك كيفما يشاء. هل هناك من يتحكم في حركة و وظيفة الشمس و القمر و الأرض و الهواء الذي بدونه تموت كل الكائنات الحية هل هناك من يتحكم في نزول المطر أو منعه من النزول أو خلق الإنسان و الكائنات الحية الأخرى هل هناك من يمنع زلزال الأرض و الفيضانات و الثلوج و الإعصار هل هناك من يستطيع الإفلات من الموت عندما يحل أجله المحدد منذ آدم عليه السلام. من يستطيع إضاءة الكون إذا أخفى الله تعالى الشمس و الدليل القصص 71-72 ” قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون قل أفرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون ”  و الجاثية 26 ” قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون ” .

    نحن جزء من كون أوجده و خلقه و صنعه خالق و صانع يملك كل ما هو موجود و هو الله تعالى المستوى على العرش بذاته العظيمة في السماوات. فكيف نفسر عبارة و هو معكم أينما كنتم الواردة في الآية الرابعة من سورة الحديد و غيرها من السور الأخرى التي سوف أذكرها فيما بعد.

   حسب ما فهمته و الله أعلم ليس الله مع كل الناس بذاته العظيمة و لكنه معهم و مع كل مخلوقاته بخمس مسائل و هي سمعه تعالي و بصره و علمه و تصرفه المطلق العادل و كلامه و سأبين الأدلة و البراهين المؤكدة لهذه الحقائق على التوالي:

  1. الله تعالى مع كل إنسان بسمعه و بصره

   الله تعالى مشرف على الكون و على كل ما خلق فيه يسمع و يرى كل ما يقع فيه و لكن يهمنا في البحث الإنسان فأينما كان كل إنسان فوق الأرض أو تحتها أو في السماء في مكان عمومي مع الناس أو سري لا يراه أحد فإن الله عز وجل يراه و يسمع ما يقول و ينطبق ذلك أيضا على الجنة و جهنم، الله تعالى يرى الناس كافة و يراقبهم و يسمع أقوالهم باستمرار ليلا و نهارا و يسجل الله تعالى أقوال و أفعال الناس في كتابه الخاص و لديه ملائكة كلفهم هم أيضا بكتابة أعمال و أقوال الناس و الدليل النساء 1 ” إن الله كان عليكم رقيبا ” و الإنفطار 10 – 12 ” و إن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون ”  الزخرف 80 ” أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم و نجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون ” و التغابن 2 ” هو الذي خلكم فمنكم كافر و منكم مؤمن و الله بما تعملون بصير ” و الحديد 4 ” و الله بما تعملون بصير ” الأنفال 17  ” إن الله سميع عليم ” و ق 17 – 18 ” إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين و عن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ” و هناك آيات كثيرة تدل على أن الله تعالى يرى الناس و أعمالهم و يسمع أقوالهم و منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي: سبأ 11 ” إني بما تعملون بصير ” و العلق 14 ” ألم يعلم بأن الله يرى ” و آل عمران 15 ” و الله بصير بالعباد ” و فصلت 40 ” اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير ” و الحجرات 18 ” إن الله يعلم غيب السماوات و الأرض و الله بصير بما تعملون ” و آل عمران 181 ” فاستقم كما أمرت و من تاب معك و لا تطغوا إنه بما تعملون بصير ” و هذا أمر وجهه الله تعالى لرسوله محمد عليه و على كل الرسل صلاة الله و سلامه عليه وقال الله تعالى لرسوله موسى و أخيه هارون عليهما السلام طه 46 ” قال لا تخافا إنني معكما أسمع و أرى ” و الأنبياء 4 ” قال ربي يعلم القول في السماء و الأرض و هو السميع العليم ” و الأنبياء 110 ” إنه يعلم الجهر من  القول و يعلم ما تكتمون ”  و سبأ 50 ” إنه سميع قريب ” و النحل 28-29 ” الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين ” و من الأدلة على أن الله تعالى في السماوات بذاته العظيمة أن الأموات عندما يحييهم الله تعالى انطلاقا من بذرة العظام و الماء و التراب حيث يتكون جسد آخر للإنسان يعيد إليه الله الروح يرفعه ملكان عند الله عز و جل إلى أرض الجزاء و الحساب في السماوات و الدليل آيات كثيرة منها ما يلي  : ق 20 -21 ” و نفخ في الصور ذلك يوم الوعيد و جاءت كل نفس معها سائق و شهيد ” و النبأ 18 -19 ” يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا و فتحت السماء فكانت أبوابا ” و يس 53 ” إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميعا لدينا محضرون ” و إبراهيم 48 ” يـوم تبدل الأرض غير الأرض و برزوا لله الواحد القهار ” و الحديد 13 ” فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة و ظاهره من قبله العذاب ” فهذه الآيات دليل قاطع على أن الله مستوي على العرش بالسماوات.

     و أعتذر عن فتح قوسين لإعطاء الأدلة و البراهين الصحيحة على كذب النصارى و اليهود الذين ادعوا أن المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام سيعود إلى الدنيا و هدفهم تضليل الناس و منعهم من الإيمان بالقرآن و العمل بأحكامه. فالمسيح عيسى ابن مريم عيه السلام مات فعلا و أحياه الله في جسد آخر أعاد إليه روحه و رفعه الملكان عنده في الجنة بالسماوات و الأدلة أربعة و هي ما يلي  :

1)  استندوا إلى فهم خاطئ لسورة النساء 157 -159 ” و قولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله و ما قتلوه و ما صلبوه و لكن شبه لهم و إن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن و ما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه و كان الله عزيزا حكيما و إن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته و يوم القيامة يكون عليهم شهيدا ” أخبرنا الله تعالى أن أهل الكتاب لم يقتلوا المسيح بن مريم و هذا الإخبار لم ينف موته أبدا. قوانين و سنن الله تعالى اقتضت أن يبعث كل ميت و لو الرسل في جسد آخر تعود إليه الروح و يرفعه الملكان عند الله عز و جل للحساب و الجزاء عن أعمال الدنيا و سأبين في بحث آخر الآيات الدالة على أن البعث في جسد آخر حقيقة حتمية بعد الموت و هذا القانون أكده الله تعالى بالنسبة لعيسى أيضا و الدليل مريم 30 -34 ” قال إني عبد الله أتاني الكتاب و جعلني نبيا مباركا أين ما كنت و أوصاني بالصلاة و الزكاة ما دمت حيا و برا بوالدتي و لم يجعلني جبارا شقيا و السلام علي يوم ولدت و يوم أموت و يوم أبعث حياً ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه تمترون ” . فسر البعض كلمة ليؤمنن به الواردة في النساء 159 بأنها دليل على عودته إلى الدنيا لأن الفعل ليؤمنن على صيغة المضارع و هذا التأويل غير صحيح لأن الله تعالى استعمل أفعالا في المضارع للدلالة على فعل وقع في الماضي مثال الأعراف 27 ” يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ” فالنزع وقع في الجنة قبل نزولهما إلى أرض الدنيا و قبل نزول القران الكريم و النساء 158 ” و كان الله عزيزا حكيما ” . الفعل كان على صيغة الماضي و لكن الله سبحانه و تعالى عزيز حكيم على الدوام في الماضي و الحاضر و المستقبل.

2) ادعى المغرضون أن عيسى عليه السلام سوف يعود إلى الدنيا ليؤمن به أهل الكتاب و هذا غير صحيح لقوله تعالى في الصف 6 ” و إذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة و مبشرا برسول يأتي من بعدي ” و الآية 159 من سورة النساء المذكورة أكدت بأن من أهل الكتاب من آمن بعيسى قبل موته و قد انتهت صلاحية و مفعول رسالة الإنجيل بنزول القرآن الكريم و الدليل الأعراف 156 -157 ” و رحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون و يؤتون الزكاة و الذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة و الإنجيل يأمرهم بالمعروف و ينهاهم عن المنكر و يحل لهم الطيبات و يحرم عليهم الخبائث و يضع عنهم إصرهم و الأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به و عزروه و نصروه و اتبعوا النور الذي أنزل معه أولائك هم المفلحون ” .

3)  لا يجوز شرعا قبول تواتر تفسير للقرآن أو حديث في السنة النبوية إذا ثبت أنه غير صحيح و مخالف للقرآن لأن محمد عليه الصلاة و السلام قال ما معناه  : ما أتاكم عني فاعرضوه على القرآن فإن وافقه فأنا قلته. و السنة لا يجوز شرعا أن تكون مخالفة للقرآن أبداً. و قد نسب حديث عودة المسيح للدنيا إلى السنة كذبا فلا يؤخذ بحجة تواتر الكذب و لا يجوز تفسير أي سورة منفردة إلا بعد مقارنتها بكل آيات القرآن الأخرى لإدراك العلاقة التشريعية القائمة بينها. قالوا بأن المسيح عيه السلام سيعود للدنيا لرفع الظلم و إقامة العدل و هذا لم يرد بخصوصه أي دليل في القرآن بل فرض الله تعالى على المسلمين في دار الإسلام إقامة العدل و تطبيق منهج الله و إقامة حدوده و لا داعي لذكر الأحكام الشرعية التي تفرض هذا الواجب لأني حددتها في الفصل الثاني حول عدل الله تعالى المنشور في موقعي بالإنترنت. فالادعاء بعودة المسيح للدنيا و عودة ما يسمى المهدي المنتظر لرفع الظلم و إقامة العدل مجرد دعاية يراد بها فرض استسلام الناس للأمر الواقع و الانتظار.

4) ابتدع المغرضون و الحاقدون على القرآن تفسيرا خاصا بهم لفعل يتوفى في عدة آيات منها آل عمران 55 ” إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك و رافعك إلي ” و قالوا بأن الله قبض روحه و هو نائم في جسده الذي خلق به و هذا التفسير الذي أعطوه لسورة آل عمران غير صحيح لأن الله تعالى يتوفى الأنفس في الفترة التي يحتاج الجسم البشري فيها للنوم فقط ثم يعيد الروح إلى النائم ليستيقظ من نومه و الدليل الأنعام 60 ” و هو الذي يتوفاكم بالليل و يعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون ” فالمدلول الحقيقي أن الله تعالى قبض روحه فمات و أحياه في جسد آخر و رفعه الملكان عنده في السماوات مثل سائر الأموات و هذه سنة الله في الكون لقوله تعالى في فاطر 43 ” فلن تجد لسنة الله تبديلا و لن تجد لسنة الله تحويلا ” النحل 70 ” و الله خلقكم ثم يتوفاكم ” و السجدة 11 ” قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون ” و الأنبياء 34 -35 ” و ما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون كل نفس ذائقة الموت و نبلوكم بالشر و الخير فتنة و إلينا ترجعون ” و الأنبياء 7 -8 ” و ما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون و ما جعلناهم جسدا لا يأكلون الطعام و ما كانوا خالدين ” فكل الرسل عليهم صلاة الله و سلامه توفاهم الله تعالى. فالمسيح عليه السلام رسول منهم و نفس بشرية مثل كل الناس خضع لقوانين الله المتعلقة بالخلق و الموت و البعث و الدليل الحوار الذي جرى بينه و بين الله تعالى في الجنة لقوله تعالى في المائدة 116 -117 ” و إذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني و أمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي و لا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي و ربكم و كنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم و أنت على كل شيء شهيد ” هذه الآية تدل بحق على أن المسيح ابن مريم مات في الدنيا مثل باقي الناس و حسب ما تدبرت في القرآن الكريم ليس هناك أي دليل على عودة المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام إلى الدنيا بل هناك حاجز بين الدنيا و الآخرة لقوله تعالى في سورة المؤمنون 99 -100 ” حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب أرجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها و من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون.

      و أغلق القوسين و أتابع البحث لأبين الأدلة على أن الله تعالى مع كل مخلوقاته بسمعه و بصره و منها  : الأنعام 103 ” لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار و هو اللطيف الخبير ” و هنا افتح قوسين لأبين الأدلة الشرعية على أن الله تعالي لا يراه أحد في الدنيا أبدا و لكن يراه المؤمنون الصالحون المتقون المستحقون للجنة عندما يبعثهم الله في أرض الجنة و النار بالسماوات. و هذه حكمة الله تعالى و سننه في الكون لأنه مستوى على العرش بالسماوات. لو شاء الله تعالى لأمر الملائكة برفع الناس إلى السماوات ليتأكدوا من وجوده و يروه فعلا و لكن قدر الله عز وجل في ابتلاء الناس و اختبارهم و امتحانهم بمادة القرآن عدم رؤيتهم له في الدنيا ليعلم من يؤمن به و يتأكد من وجوده من خلال ملاحظة آيات الكون و تصرف الله تعالى الفعلي في الكون و ما فيه و منه الإنسان نفسه، فيعلم الله من يطيعه و يعبده و يلتزم بشرعه ليستحق فعلا رؤية الله تعالى و جنته ورحمته و الحياة الدائمة الأبدية لأن الحياة في الدنيا مؤقتة و مجرد استخلاف مؤقت و هي مباراة و امتحان للفوز بالحياة الدائمة الحقيقية في الآخرة و الإفلات من نار جهنم. و الدليل الكهف 110 ” قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا و لا يشرك بعبادة ربه أحدا ”   و العنكبوت 5 ” من كان يرجو لقاء الله فإن أجل الله لآت و هو السميع العليم ” و يس 11 ” إنما تنذر من اتبع الذكر و خشي الرحمان بالغيب فبشره بمغفرة و أجر كريم ” و فاطر 18 ” إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب و أقاموا الصلاة و من تزكى فإنما يتزكى لنفسه و إلى الله المصير ” و البقرة 2 – 5 ” ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ” و البقرة 165 ” و الذين آمنوا أشد حبا لله ” و الملك 12 ” إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة و أجر كبير ” ق 32 – 34 ” هذا ما توعدون لكل أبواب حفيظ من خشي الرحمان بالغيب و جاء بقلب منيب أدخلوها بسلام ذلك يوم الخلود ” و الأنبياء 48 – 49 ” و لقد أتينا موسى و هارون الفرقان و ضياء و ذكرا للمتقين الذين يخشون ربهم بالغيب و هم من الساعة مشفقون ” و الحديد 25 ” لقد أرسلنا رسلنا بالبينات و أنزلنا معهم الكتاب و الميزان ليقوم الناس بالقسط و أنزلنا الحديد فيه بأس شديد و منافع للناس و ليعلم الله من ينصره و رسله بالغيب إن الله قوي عزيز ” . الله تعالى قادر على أن يأمر الملائكة برفع من شاء من الناس إلى السماوات للتأكد من وجوده ورؤيته و لكن لا يراه إلا أهل الجنة يوم القيامة. الله تعالى قرر عدم رؤية الناس له في الدنيا لامتحانهم و اختبارهم و ليعلم من يعبده و يخشاه و يحبه في الغيب طه 110 ” يعلم ما بين أيديهم و ما خلفهم و لا يحيطون به علما ” فالمتقون الصادقون المستحقون للجنة هم الذين يرون الله تعالى بعد البعث في الجنة و الدليل القيامة 22 – 23 ” وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ” أما الكفار و المستحقون لجهنم بعد الحساب بأرض الجنة و النار في السماوات فإنهم محرومون من رؤية الله عز وجل لقوله تعالى في سورة المطففين 15 – 16 ” كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم إنهم لصالوا الجحيم ” و البقرة 55 ” و إذا قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأخذتكم الصاعقة و أنتم تنظرون ” والله تعالى هو أيضا لا ينظر إلى أصحاب الجحيم يوم الحساب في الآخرة لقوله تعالى في سورة آل عمران 77 ” إن الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة و لا يكلمهم الله و لا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم و لهم عذاب أليم ” ، لقد اشترط الله عز وجل و قرر أن لا يراه و يلقاه و لا يكلمه في الآخرة ألا أهل الجنة و هم المؤمنون الصالحون المتقون الفائزون يوم الحساب عن أعمال الدنيا و امتحانها و اختبارها و ابتلائها و الدليل عدة آيات منها مريم 85 – 86 ” يوم نحشر المتقين إلى الرحمان وفدا ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا ” . فالمتقون يلقون الله في الجنة و أصحاب الجحيم لا يرون الله و لا يكلمهم و لكن يسوقهم الملائكة إلى جهنم و الدليل ق 24-26 ” ألقيا في جهنم كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد ” . و أغلق القوسين و أتابع الأدلة على أن الله تعالى مع كل ما خلق بسمعه و بصره و منها الحج 75  “إن الله سميع بصير ” و الأنبياء 110 ” إنه يعلم الجهر من القول و يعلم ما تكتمون ” و المجادلة 1 ” قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها و تشتكي إلى الله و الله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير ” و غافر 20 ” إن الله هو السميع البصير ”  يس 12 ” إنا نحن نحيي الموتى و نكتب ما قدموا و آثارهم و كل شيء أحصيناه في إمام مبين ” و الأنبياء 4 ” قال ربي يعلم القول في السماء و الأرض و هو السميع العليم ” و البروج 9 ” الذي له ملك السماوات و الأرض و الله على كل شيء شهيد ”  و الكهف 49 ” ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه و يقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا و لا يظلم ربك أحدا ” و الأنبياء 47 ” و نضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا و إن كان مثال حبة من خردل أتينا بها و كفى بنا حاسبين ” فالله تعالى يسمع أقوال الناس ويرى أعمالهم التي تسجل في الكتاب المخصص لكل إنسان الزخرف 80 ” أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم و نجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون ” و سبأ 3 ” و قال الذين كفروا لا تأتينا الساعة قل بلى و ربي لتأتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات و لا في الأرض و لا أصغر من ذلك و لا أكبر إلا في كتاب مبين ” ، و الملك 13 ” و أسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ”  و المؤمنون 62 ” و لا نكلف نفسا إلا وسعها و لدينا كتاب ينطق بالحق و هم لا يظلمون ” ، و الجاثية 28 – 29 ” اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون ” و المجادلة 6 ” يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله و نسوه و الله على كل شيء شهيد ” و النحل 28 ” الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين ” و الأنبياء 94 ” فمن يعمل من الصالحات و هو مؤمن فلا كفران لسعيه و إنا له كاتبون ” هذه الآيات دليل قاطع على أن الله تعالى و إن كان مستويا بذاته العظيمة على العرش بالسماوات فإنه يسمع و يرى كل ما خلق في الكون و منه الإنسان لهذا فهو معنا دائما و باستمرار ليل نهار بسمعه و بصره و علمه و تصرفه و كلامه و يكتب الله تعالى و ملائكته كل أقوالنا و أعمالنا و يحاسبنا عليها يوم البعث و يجازينا عنها بالجنة أو النار و الدليل يونس 61 ” و لا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه و ما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض و لا في السماء و لا أصغر من ذلك و لا أكبر إلا في كتاب مبين ” و إبراهيم 38 ” ربنا إنك تعلم ما نخفي و ما نعلن و ما يخفى على الله من شيء في الأرض و لا في السماء ” و المجادلة 7 ” ألم ترى أن الله يعلم ما في السماوات و ما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم و لا خمسة إلا هو سادسهم و لا أدنى من ذلك  لا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم .”

        الله تعالى مع كل الناس يراقب الجميع سواء أفرادا أو جماعات و هو معهم بسمعه و بصره و علمه و تصرفه و كلامه و ليس بذاته لأنه مستوي على العرش بالسماوات، لهذا قال الله تعالى في سورة البقرة115 ” و لله المشرق و المغرب فأينما تولوا فتم وجه الله إن الله واسع عليم ” و البقرة 255 ” وسع كرسيه السماوات و الأرض ” هذه الآيات تدل فعلا على أن الله عز و وجل يراقب الكون كله و كل ما خلق فيه من أشياء و مخلوقات و منها الإنسان و يسمع ويرى كل ما تقوله مخلوقاته و تعمله و يعلم كل ما في الكون و يتصرف فيه كيف يشاء رغم كونه مستويا على العرش بالسماوات فسلطانه و قضاؤه و قدره و تدبيره يشمل كل ما في الكون و منه الإنسان .

    2 – الله تعالى مع كل إنسان بعلمه  :

      الله تعالى عالم الغيب و الشهادة النمل 65 ” قل لا يعلم من في السماوات و الأرض الغيب إلا الله و ما يشعرون أيان يبعثون ” ، الجمعة 8 ” قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب و الشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ” هود 123 ” و لله غيب السماوات و الأرض ” المؤمنون 92 -91 ” سبحان الله عما يصفون عالم الغيب و الشهادة فتعالى عما يشركون ” يعلم كل ما مضى و الحاضر و كل ما يأتي في المستقبل، و يعلم ما تخفي كل نفس في باطنها و أسرارها، كل ما يعتقده الإنسان سرا في فكره و ما يعتقده في قلبه يعلمه الله تعالى وحده و لا يعلمه الشيطان و لا الملائكة و الإنس و باقي الجن، و علم الله تعالى رغم كونه مستويا على العرش بالسماوات يشمل كل مخلوقاته و منها الإنسان في الكون و باستمرار دون توقف و في كل مكان حتى في الجنة و النار في الآخرة.

و سأبين الأدلة بالنسبة للإنسان و هي كثيرة منها الأحزاب 54 ” إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما ” ق 16 ” و لقد خلقنا الإنسان و نعلم ما توسوس به نفسه و نحن أقرب إليه من حبل الوريد ” والواقعة 83 -87 ” فلولا إذا بلغت الحلقوم و أنتم حينئذ تنظرون   و نحن أقرب إليه منكم و لكن لا تبصرون فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين ” . الله مع كل إنسان بعلمه و سمعه و بصره و تصرفه و ملائكته و ليس بذاته لأنه مستوى على العرش بالسموات و النحل 19 ” و الله يعلم ما تسرون و ما تعلنون ” لقمان 23 ” إن الله عليم بذات الصدور ” و الأحزاب 51 ” و الله يعلم ما في قلوبكم و كان الله عليما حليما و الأنعام 3 ” و هو الله في السماوات و في الأرض يعلم سركم وجهركم و يعلم ما تكسبون ” و التوبة 64 ” يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزؤوا إن الله مخرج ما تحذرون ” و إبراهيم 38 ” ربنا إنك تعلم ما نخفي و ما نعلن و ما يخفى على الله من شيء في الأرض و لا في السماء ” و التغابن 4 ” يعلم ما في السماوات و الأرض و يعلم ما تسرون وما تعلنون و الله عليم بذات الصدور هود 5 ” ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون و ما يعلنون إنه عليم بذات الصدور ” و الطلاق 12 ” الله الذي خلق سبع سماوات و من الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير و أن الله قد أحاط بكل شيء علما ” .

و القصص 69 ” و ربك يعلم ما تكن صدورهم و ما يعلنون ” و النمل 74 ” و إن ربك ليعلم ما تكن صدروهم و ما يعلنون ” و العنكبوت  10 -11 ”  أو ليس الله بأعلم بما في صدور العالمين و ليعلمن الله الذين آمنوا و ليعلمن المنافقين ” الله تعالى يعلم أسرار كل مخلوقاته من الجن و الإنس و الملائكة وغيرها في آن واحد و باستمرار.

و قد بين الله تعالى لرسوله محمد بن عبد الله عليه و على كل الرسل صلاة الله و سلامه أنه فعلا يعلم ما تسر و تخفي كل نفس في سورة التحريم 3 ” و إذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به و أظهره الله عليه عرف بعضه و أعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير ” .

و قد أخبر الله تعالى رسوله بنوايا الأغنياء و تحايلهم لكي لا يشاركوا في الحرب الدفاعية مع المسلمين لأنه يعلم ما تكتم كل نفس و ما تفكر فيه و الدليل التوبة 94 ” يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبأنا الله من أخباركم و سيرى الله عملكم و رسوله ثم تردون إلى عالم الغيب و الشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ” و يس 76 ” فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون و ما يعلنون ”   و الأعراف 89  ” وسع ربنا كل شيء علما ” و طه 7 ” و إن تجهر بالقول فإنه يعلم السر و أخفى ” و البقرة 33 ” و أعلم ما تبدون و ما كنتم تكتمون ”  و هذا كلام الله تعالى مع الملائكة، و آل عمران 29 ” قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله و يعلم ما في السماوات  ما في الأرض و الله على كل شيء قدير ” .

فتدبروا إخواني المحترمين هذه الآيات القرآنية المؤكدة بآيات الكون إنها تؤكد فعلا أن الله تعالى رغم كونه مستويا على العرش بالسماوات بذاته العظيمة فإنه مع كل ما هو موجود في الكون بسمعه و بصره و علمه و تصرفه و كلامه إنه وحده يعلم الغيب و ما في نفوس الناس و ما تخفي مخلوقاته و ما تفكر فيه.

الله تعالى يعلم اتصالات الناس فيما بسنهم كيفما كانت لغاتهم و إشاراتهم و كتاباتهم ورموزهم لأن كل أشكال الاتصال و وسائلها تعبر عما في الفكر و الاعتقاد و النفس و الله تعالى يعلم مسبقا ما تخفي كل نفس قبل أن تعبر عنه بمختلف وسائل التعبير و الاتصال كالإشارات و الرموز و بالقول و العمل لهذا فإن من شروط الإيمان الصادق و التقوى عدم التفكير في الشر و المحرمات و ما نهى الله عنه و ما لا يرضيه و لا يحبه. إن المؤمن الصالح المتقي يحب الله حبا شديدا أكثر من أي مخلوق من مخلوقاته و لو الرسل و الدليل النساء 165 ” و الذين  آمنوا أشد حبا لله ” و المؤمن الصالح المتقي مشتاق لروية الله تعالى و الحياة الدائمة معه في الجنة فلا يجوز له أن يفكر في داخل نفسه في الشر و المحرمات و ما لا يرضي الله تعالى أبدا. فإذا فكر في ذلك فإنه يتناقض مع نفسه و يتبع إغواء الشياطين و يثأر بالهوى و النفس الأمـارة بالسوء و الدليل يوسف 53 ” إن النفس لأمارة بالسوء ” الفرقان 43 ” أرأيت من اتخذ إلهه هواه ” . فتحكموا أيها المؤمنون المتقون في تفكيركم و في الهوى و النفس الأمارة بالسوء و احذروا الشياطين و أولياءهم من الإنس و اعلموا أن الإنسان مسؤول أمام الله عز و جل عما يعتقده في قلبه و ما يفكر فيه في نفسه سرا قبل القول و العمل و الدليل البقرة 284 ” و إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله ” الأحزاب 54 ” إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله بكل شيء عليما ” هذه الآية 284 من البقرة ليست منسوخة كما ادعى البعض بل إنها محكمة و ملزمة و تؤيدها آيات أخرى منها البقرة 225 ” لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم و لكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم و الله غفور حليم ” و البقرة 283 ” و لا تكتموا الشهادة و من يكتمها فإنه آثم قلبه و الله بما تعملون عليم ” . قد تشاهد أم داخل بيتها أحد أبنائها و هو يضرب أخاه و حدها فإذا كتمت الشهادة أمام الشرطة أو القضاء فإنها ارتكبت سيئة يعاقبها عليها الله تعالى الذي علم ما في قلبها و فكرها و رآها مع ابنيها وقت الضرب. واعلموا أيها الناس أن الله تعالى قد جعل علينا شهودا من أنفسنا يشهدون أمام الله أثناء حياتنا عن أفعالنا و أقوالنا و أعمالنا و الدليل النور 24 ” يوم تشهد عليهم ألسنتهم و أيديهم و أرجلهم بما كانوا يعملون ” و فصلت 19 – 22 ” و يوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم و أبصارهم و جلودهم بما كانوا يعملون و قالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء و هو خلقكم أول مرة و إليه ترجعون و ما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم و لا أبصاركم و لا جلودكم و لكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون “

    3 – الله تعالى يكلم من أراد من الناس:

    الله تعالى من قدرته التكلم مع من شاء من مخلوقاته و يفهم و يعلم تكلم مخلوقاته و لغاتها و إشاراتها و ينطق الله عز وجل ما يشاء من الأشياء أيضا و كذلك أعضاء جسم الإنسان، و الدليل الأنعام 38 ” و ما من دابة في الأرض و لا طائر يطير بجناحية إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون ” و الحج 18 ” ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات و من في الأرض و الشمس و القمر و النجوم و الجبال و الشجر والدواب و كثير من الناس و كثير حق عليه العذاب و من يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء ” و النور 41 – 42 ” ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات و الأرض و الطير صافات كل قد علم صلاته و تسبيحه و الله عليم بما يفعلون و لله ملك السماوات و الأرض و إلى الله المصير ”  و الإسراء 44 ” تسبح لله السماوات السبع و الأرض و من فيهن و إن من شيء إلا يسبح بحمده و لكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا ” . كل ما في الكون من مخلوقات و أشياء يسبح لله ويتكلم معه باستثناء الكفار من الإنس و الجن.

       و الله تعالى قادر على التكلم مع كل مخلوقاته و منها الإنسان و لكن بالنسبة للإنسان في الدنيا لا يكلمه إلا من وراء حجاب لأن الله مستوى على العرش بالسماوات و لا يراه أحد في الدنيا و الدليل الشورى 51 ” و ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه عليم حكيم ” النحل 2 ” ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ” فاطر 1 ” الحمد لله فاطر السماوات و الأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى و ثلاث و رباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير ” غافر 15 ” رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق ” ، ولكن يرفع هذا الحجاب بين الله و أصحاب الجنة فينظرون إليه و يتكلمون معه و الدليل أن الله تعالى كلم آدم في الجنة البقرة 31 ” و علم آدم الأسماء كلها ” البقرة 33 ” قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم ” و البقرة 35 ” و قلنا يا آدم أسكن أنت و زوجك الجنة و كلا منها رغدا حيث شئتما و لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين ” البقرة 37 ” فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم ” . و كلم الله تعالى الشيطان في الجنة قبل أن يطرده منها عندما فسق عن أمره و الدليل ص 76 – 77 ” قال أنا خير منه خلقتني من نار و خلقته من طين قال فاخرج منها فإنك رجيم ” الأعراف 13 ” قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين ” و الإسراء 61 – 63 ” و إذ قلنا للملائكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلا إبليس قال أأسجد لمن خلقت طينا قال أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتني إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا ” .

     و يكلم الله تعالى أهل الجنة و ينظرون إليه يس 55 – 58 ” إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون هم و أزواجهم في ظلال على الأرائك متكؤون لهم فيها فاكهة و لهم ما يدعون سلام قولا من رب رحيم ” . و لكن في الدنيا يكلم الله الناس وحيا أو مباشرة و لكن من وراء حجاب أو يرسل الله رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء كالملك جبريل عليه السلام الذي بلغ كلام الله إلى الرسول عليه السلام و هو القرآن الكريم الذي بلغه هو بدوره للناس.

و من الأمثلة على تكليم الله عز وجل للأنبياء و الرسل تكلمه مع رسوله موسى عليه السلام و الدليل آيات القرآن طه و ما بعدها و منه طه 9 – 14 ” و هل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى و أنا اخترتك فاستمع لما يوحى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني و أقم الصلاة لذكري ” و لكن الله تعالى تكلم مع موسى و هو مستوى على العرش بالسماوات. أما النار التي رآها موسى عليه السلام فهي إشارة و نور من الله تعالى لإثارة انتباه موسى. الله تعالى بقدرته و قضائه و سلطانه يرى و يسمع كل ما خلق و يتصرف في كل ما خلق و صوته و كلامه يصل إلى كل ما خلق رغم كونه في السموات و الدليل الأنعام 158 ” هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون ” هذه الآية تؤكد أن الله تعالى لا يتنزل إلى أرض الدنيا مريم 51 – 52 ” و اذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا و كان رسولا نبيا و ناديناه من جانب الطور الأيمن و قربناه نجيا ” النساء 164 ” و رسلا قد قصصناهم عليك من قبل و رسلا لم نقصصهم عليك و كلم الله موسى تكليما ”  الأعراف 143 – 144 ” و لما جاء موسى لميقاتنا و كلمه ربه قال رب أرني أنظر إليك قال لن تراني و لكن أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا و خر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك و أنا أول المؤمنين قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي و بكلامي فخذ ما آتيتك و كن من الشاكرين ” و كلم الله تعالى نبيه أيوب عليه السلام و الدليل ص 41 – 42 ” و أذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب و عذاب أركض برجلك هذا مغتسل بارد و شراب ” و ص 44 ” و خذ بيدك ضغثا فاضرب به و لا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب ” و كلم الله تعالى من وراء حجاب رسوله إبراهيم عليه السلام و الدليل الصافات 103 – 106 ” و ناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين ” . الله تعالى مع كل مخلوقاته في الكون بسمعه و بصره و علمه و تصرفه و كلامه و لكن لا تدركه الأبصار في الدنيا و الدليل الأنعام 103 ” لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار و هو اللطيف الخبير ” و طبعا لا يمكن أن يرى أحد الله من أرض الدنيا و هو مستوي على العرش بالسماوات، و يكلم الله تعالى الناس في الدنيا بواسطة الملائكة و الرسل أو مباشرة من وراء حجاب و الدليل الحج 75 ” الله يصطفي من الملائكة رسلا و من الناس إن الله سميع بصير ” .

و يكلم الله تعالى الأشياء و كل ما خلق في الكون و ينطق منها ما يشاء و الدليل الأمر الذي أصدره الله تعالى للنار لكي لا تحرق نبيه إبراهيم عليه السلام لما أراد الكفار إحراقه، الأنبياء 68 -70 ” قالوا حرقوه و انصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين قلنا يا نار كوني بردا و سلاما على إبراهيم و أرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين ” و فعلا استجابت النار لأمر الله تعالى و لم تحرق نبي الله إبراهيم الذي رماه الكفار داخلها.

و هناك دليل آخر و هو تكلم الله مع أعضاء الإنسان التي تشهد بما عمل و قال أمام الله تعالى.  فصلت 19 – 21 ” و يوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم و أبصارهم و جلودهم يما كانوا يعملون و قالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء و هو خلقكم أول مرة و إليه ترجعون ” . و هناك دليل آخر على أن الله تعالى يكلم كل ما خلق في الكون و لو الأشياء ينطق الله تعالى من خلقه ما يشاء لأن كل ما في الكون يسجد و يسبح و يصلي لله ما عدا الكفار من الجن والإنس و الدليل الحج 18      ” ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات و من في الأرض و الشمس و القمر و النجوم و الجبال و الشجر و الدواب و كثير من الناس و كثير حق عليه العذاب و من يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء ” ، و النحل 49 – 50 ” و لله يسجد ما في السماوات و ما في الأرض من دابة و الملائكة و هم لا يستكبرون ” و الجمعة 1 ” يسبح لله ما في السماوات و ما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم ” و الحشر 24 ” هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات و الأرض و هو العزيز الحكيم ” و النور 41 – 42 ” ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات و الأرض و الطير صافات كل قد علم صلاته و تسبيحه و الله عليم بما يفعلون ” هذا دليل على أن الله تعالى يكلم كل مخلوقاته في الكون و منها الناس مباشرة من وراء حجاب أو بواسطة الوحي أو الرسل من الملائكة و الناس. و بناء عليه فإن شرائع الله التي أنزلها على رسله ليبلغوها للناس منذ نوح إلى محمد بن عبد الله صلاه الله وسلامه عليهم جميعا هذه الشرائع كلام الله تعالى و حكمه و أمره و كل شريعة ينسخ بها الله تعالى ما سبقها حسب ما يراه صالحا للناس و تطورهم. و يحدد فيها ما يجب على الناس الالتزام به في حياة الدنيا التي هي مجرد ابتلاء و امتحان و اختبار. هذه الشرائع المنزلة و الرسل الذين بلغوها للناس و الذين عاصروا نزول الوحي حجة و أدلة قاطعة على وجود الله تعالى و خلقه للكون وما فيه و أنه مع كل ما خلق بسمعه و بصره و علمه و كلامه و تصرفه المطلق العادل لهذا قال عز و جل في سورة النساء 165 ” رسلا مبشرين و منذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل و كان الله عزيزا حكيما ” و فعلا أكد الله تعالى هذه الحجة للجن و الإنس الذين بعثهم للحساب بعد الموت و لم يقبل لهم أي اعتذار و الدليل الأنعام 130 ” يا معشر الجن و الإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي و ينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا و شهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين ” و القيامة 12 -15 ” إلى ربك يومئذ المستقر ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم و أخر بل الإنسان على نفسه بصيرة و لو ألقى معاذيره ” و الزمر 56 – 59 ” أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله و إن كنت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها و استكبرت و كنت من الكافرين ” .

فآمنوا أيها الناس بالقرآن و تدبروا أحكامه و اعملوا بها قولا و عملا سرا و علانية لأنه حجة الله عليكم بلغه لكم رسوله محمد بن عبد الله عليه الصلاة و السلام و من بعده الدعاة والمؤمنون الصالحون المتقون. و هو متوفر في العالم بملايين المصاحف و هو كلام الله الموجه إلى كافة الجن و الإنس في الكون لقوله تعالى في سورة سبأ ” و ما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا و نذيرا و لكن أكثر الناس لا يعلمون ” و الفرقان 1 ” تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ” ، بل كل الشرائع كلام الله تعالى لقوله تعالى في سورة الأعراف 144 ” قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي و بكلامي فخذ ما أتيتك و كن من الشاكرين ” . ويونس 82 ” و يحق الله الحق بكلماته و لو كره المجرمون ” ، و الأنفال 7 ” و يريد الله أن يحق الحق بكلماته و يقطع دابر الكافرين ” . القرآن الكريم كلام الله تعالى و حكمه و أمره و شرعه الذي نسخ به ما سبق من شرائع. و الدليل على أنه حجة من الله تعالى على كافة الناس بالكون كثير من الآيات التي شهد فيها الله تعالى على هذه الحقيقة منها الإنسان 23 ” إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا ” الحاقة 43 – 47 ” تنزيل من رب العالمين و لو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين ” و الشعراء 192 – 197 ” و إنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين و إنه لفي زبر الأولين أو لم يكن لهم آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل ” . فالقرآن الكريم من سورة الفاتحة إلى سورة الناس بالمصحف كله كلام الله عز وجل الذي بلغه الملك جبريل من الله تعالى إلى رسوله محمد بن عبد الله عليهما السلام و الدليل: الواقعة 77 – 81 ” إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون تنزيل من رب العالمين أفبهذا الحديث أنتم مدهنون ” و القلم 44 ” فذرني و من يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ” و ق 29 ” ما يبدل القول لدي و ما أنا بظلام للعبيد ” و الزمر 23 ” الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم و قلوبهم إلى ذكر الله ” ، و المرسلات 50 ” فبأي حديث بعده يؤمنون ” و المؤمنون 68 ” أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين ” و الطارق 11 -14 ” و السماء ذات الرجع و الأرض ذات الصدع إنه لقول فصل و ما هو بالهزل ”   و الكهف 27 ” و اتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته و لن تجد من دونه ملتحدا ” و يونس 64 ” لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم ” و يونس 82 ” و يحق الله الحق بكلماته و لو كره المجرمون ” و الجاثية 6 ” تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله و آياته يؤمنون ” و الأنعام 34 ” و لا مبدل لكلمات الله ” و القصص 51 ” و لقد وصلنا لهم القول لعلهم يتذكرون ” و الطارق 13 – 14 ” إنه لقول فصل و ما هو بالهزل ” و المزمل 5 ” إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ” و النجم 59 – 62 ” أفمن هذا الحديث تعجبون و تضحكون و لا تبكون و أنتم سامدون فاسجدوا لله و اعبدوا ” و الفتح 15 ” يريدون أن يبدلوا كلام الله ” هذه الآيات الكريمة أكدت بأن كل الشرائع السماوية كلام الله تعالى و قوله و حديثه. و القرآن كلام الله تعالى للناس كافة نسخ به و ألغى و أبطل كل الشرائع السابقة و هو الملزم لهم، وسوف أنجز بحتا حول هذه المسألة في المثال التطبيقي الثاني.

     والقرآن بين فيه الله تعالى حكمه و أمره و حدوده للناس و يجب عليهم الالتزام بها قولا و عملا سرا و علانية و الدليل كثير من الآيات منها الطلاق 1 ” و تلك حدود الله و من يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه ” و الطلاق 5 ” ذلك أمر الله أنزله إليكم و من يتق الله يكفر عنه سيئاته و يعظم له أجرا ” و الزمر 55 ” و اتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة و أنتم لا تشعرون ” و الأعراف 3 ” اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم و لا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون ” و سبأ 28 ” وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا و نذيرا و لكن أكثر الناس لا يعلمون ” و الممتحنة 10 ” ذالكم حكم الله يحكم بينكم و الله عليم حكيم ” و الرعد 41 ” و الله يحكم لا معقب لحكمه ” و الجاثية 18 ” ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ” و الشورى 52 ” و كذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا « والمجادلة 4 ” و تلك حدود الله و للكافرين عذاب أليم ” .

     هذه الآيات أكدت بصدق أن الله تعالى كلم و يكلم من شاء من مخلوقاته و منها الإنسان و لكن حذرنا الله تعالى من كلام الشياطين لأنهم يصدون عن سبيل الله. و يجب التمييز بين ما تمليه النفس الأمارة بالسوء على الإنسان يوسف 53 ” و ما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء « النازعات 40 – 41 ” و أما من خاف مقام ربه و نهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ” الأعراف 175 – 176 ” و اتل عليهم نبـأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين و لو شئنا لرفعناه بها و لكنه أخلد إلى الأرض و اتبع هواه ” و الفرقان 43 ” أرأيت من اتخذ إلهه هواه ” و ما يلقي الشيطان من كلام مباشرة للإنسان أو بواسطة الذين هم أولياؤه و هم الكفار. فالشيطان لا يدخل جسم الإنسان أبدا و من قال بذلك كذب على الله عز وجل و لا يقبل المنطق و العقل هذا الادعاء الكاذب و الدليل الشرعي من الله تعالى الشعراء 221 – 223 ” هل أنبئكم على من تنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم يلقون السمع و أكثرهم كاذبون ” و الأعراف 27 ” يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو و قبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون ” . فالشياطين لا يدخلون فكر الإنسان و قلبه أبدا و الوسوسة التي يوسوس بها شياطين الجن و الإنس في صدور الناس و تفكيرهم من الخارج بالكلام و التحريض عن طريق سمع الإنسان. و ذلك ما حددته سورة الناس الخاتمة للمصحف فتحكموا أيها المؤمنون الصالحون المتقون في تفكيركم و اعتقادكم و في نفوسكم و هواكم أما شياطين الجن و الإنس فلا تستطيع التأثير عليكم إلا بواسطة سمعكم فاحذروا شياطين الجن و الإنس و هم الكفار لقوله تعالى في سورة فاطر 6 ” إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ” و الإسراء 53 ” وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا .”

      الله تعالى حفظ القرآن من أي تحريف و حفظ رسله من إغواء الشياطين لقوله تعالى في سورة التكوير 25 – 28 ” و ما هو بقول شيطان رجيم فأين تذهبون إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم ” و الحج 52 ” و ما أرسلنا من قبلك من رسول و لا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته و الله عليم حكيم ” .

الله قادر على حفظ القرآن، من أي افتراء و تحريف و الدليل الشورى 24 ” أم يقولون افترى على لله كذبا فإن يشأ الله يختم على قلبك و يمح الله الباطل و يحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور ” و الحجر 9 ” إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون ” .

هذه الأدلة و الأحكام الشرعية التي استنبطتها من آيات القرآن الكريم تفسر لنا سورة الحديد 4 وتؤكد لنا أن الله تعالى مع مخلوقاته و منها الإنسان بسمعه و بصره و علمه و كلامه.

و سأبين فيما يلي الأدلة على أن الله تعالى معنا و مع كل ما خلق في الكون بتصرفه المطلق.

4 – الله تعالى مع كل إنسان بتصرفه المطلق العادل :

الله عز و جل هو الذي أوجد وخلق كل ما هو موجود ومنه الكون كله وما فيه و هو الذي يملك كل ما هو موجود و يدبر أموره. فقضاء الله و قدره مطلق و عادل لأن الله تعالى لا يظلم مثقال ذرة و أحيلكم على البحث الذي نشرته في موقعي المذكور بالإنترنيت حول قدرة الله تعالى و عدله.

و لتفسير سورة الحديد 4 أبين الأدلة على أن الله تعالى مع كل ما خلق و منه الإنسان بتصرفه المطلق العادل وليس بذاته العظيمة لأنه مستوي على العرش بالسماوات و سأبين ذلك في ثلاثة محاور:

المحور الأول: تصرف الله تعالى في غالبه لصالح الإنسان

المحور الثاني: تصرف الله تعالى المباشر

المحور الثالث: تصرف الله تعالى بواسطة جنوده

المحور الرابع: ابتلاء الله لامتحان الناس واختبارهم.

      أولا  : تصرف الله تعالى في أغلبه لصلاح الإنسان

تصرف الله المباشر يتجلى في كونه خلق الكون و ما فيه و يملك كل ما خلق ومنه الإنسان و يتصرف في كل ما يملك و حده لا شريك له أبدا و لو الرسل و الملائكة و الجن و الدليل غافر 62 ” ذلك الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو فأنى تؤفكون ” و النور 42 ” و لله ملك السماوات و الأرض و إلى الله المصير “

و سورة الناس 1 – 3 ” قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس ” و المؤمنون 84 – 85 ” قل لمن الأرض و من فيها إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل أفلا تذكرون ” و سورة المؤمنون 86 – 89 ” قل من رب السماوات السبع و رب العرش العظيم سيقولون لله قل أفلا تتقون قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير و لا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون ” و سورة الزمر 62 – 63 ” الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل له مقاليد السماوات و الأرض و الذين كفروا بآيات الله أولئك هو الخاسرون ” و سورة  المؤمنون 115 – 116 ” أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا و أنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم ” و سورة الفرقان 1 – 2 ” تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا الذي له ملك السماوات و الأرض و لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك و خلق كل شيء فقدره تقديرا ” و سورة البقرة 255 ” الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة و لا نوم له ما في السماوات و ما في الأرض ” و سورة الإخلاص 1 – 4 ” قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد و لم يولد ولم يكن له كفؤا أحد ” . و سورة الإسراء 111 ” و قل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا و لم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل و كبره تكبيرا ” و من مظاهر تصرف الله تعالى خلق الإنسان و جعل أغلب ما في الكون لصالحه و أول إنسان خلقه الله تعالى من طين و هو آدم ثم زوجته حواء في الجنة بالسماوات. و لما عصى أمر الله بعد أن أغواه الشيطان أنزلهم إلى أرض الدنيا في إطار استخلاف و ابتلاء و امتحان مادته شرع الله تعالى المنزل للناس و من آدم و زوجته خلق الله تعالى ذريتهما التي نحن جميعا منها و الدليل سورة البقرة 30 ” و إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ” و سورة البقرة 38-39 ” قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم منى هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون و الذين كفروا و كذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ” .

     هكذا تؤكد هذه الأدلة على أن الله تعالى خلق الإنسان و استخلفه في الدنيا لاجتياز امتحان العودة إلى الجنة مادته شرائع الله تعالى التي أنزلها على رسله للناس. و لا يعود عند الله في السماوات في الجنة إلا الفائزون في امتحان الدنيا، أما الذين أعرضوا عن شرع الله فلا يعودون عند الله في الجنة و لكن مصيرهم نار جهنم وعذاب الله في الدنيا و الآخرة.

لقد خلق الله تعالى الإنسان و استخلفه في أرض الدنيا لإعمارها و لعبادة الله عز وجل أي الالتزام بشرعه المنزل و الدليل سورة الذاريات 56  “و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون ”  وسورة الأنبياء 25  “و ما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون ” .

خلق الله تعالى آدم من طين و لكن ذريته كلها باستثناء خلق عيسى بن مريم عليه السلام خلقها الله من مني الزوجين، الذي لا يتكون في جسم الإنسان إلا بفضل مصادر الطعام التي يخلقها الله تعالى من الماء و التراب. و إذا منع الله و أمسك الماء لا يتكون مني الزوجين بل تموت الكائنات الموجودة. و الدليل الطارق 5 – 8 ” فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب و الترائب إنه على رجعه لقادر ” الواقعة 58 – 59 ” أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون  ” المرسلات 20 -23 ” ألم نخلقكم من ماء مهين فجعلناه في قرار مكين إلى قدر معلوم فقدرنا فنعم القادرون ” الأعراف 172 ” و إذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم و أشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ” الله تعالى قادر على منع عملية الإنجاب نفسها و بالتالي منع خلق إنسان في رحم أمه. و سورة فاطر 11 ” و الله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا و ما تحمل من أنثى و لا تضع إلا بعلمه و ما يعمر من معمر و لا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير ” و سورة الفرقان 54 ” و هو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا و صهرا و كان ربك قديرا ” و سورة الزمر 6 ” خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها و أنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذالكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون ” و طه 55 ” منها خلقناكم و فيها نعيدكم و منها نخرجكم تارة أخرى ” و القيامة 36 – 40 ” أيحسب الإنسان أن يترك سدى ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر و الأنثى أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ” و الإنسان 2 ” إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا إنا هديناه السبيل إما شاكرا و إما كفورا ” .

    الإنسان يخلق من مني الزوجين و مني الزوجين يخلق من مصادر الطعام من الماء و الأرض سورة عبس 24 – 32 ” فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا و عنبا و قضبا و زيتونا و نخلا و حدائق غلبا و فاكهة و أبا متاعا لكم و لأنعامكم ” فقد صدق الله تعالى حيث قال في سورة نوح 17 – 18 ” و الله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها و يخرجكم إخراجا ” و غافر 67 ” هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا و منكم من يتوفى من قبل و لتبلغوا أجلا مسمى و لعلكم تعقلون ” و النجم 45 – 47 ” و أنه خلق الزوجين الذكر و الأنثى من نطفة إذا تمنى و أن عليه النشأة الأخرى ” و الروم 20 ” و من آياته أن خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون ” و سورة الإنفطار 6 -8 ” يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك ” و يخلق الله تعالى الإنسان مرة ثانية بعد الموت انطلاقا من البدرة التي في عظامه و يعيد الروح إلى جسده المخلوق مرة ثانية من التراب و الماء مباشرة دون مني من أجل الحساب و الجزاء عن امتحان و ابتلاء الدنيا و ذلك في أرض الجنة و النار بالسماوات أمام الله تعالى. و الدليل كثير من الآيات أذكر منها يس 51 – 53 ” و نفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون قالوا يا ولينا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمان و صدق المرسلون إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون ” العنكبوت 19 – 20 ”  أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شيء قدير ” و ق 41 – 44 ” و استمع يوم يناد المناد من مكان قريب يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج ”  الأعراف 24 – 25 ” قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو و لكم في الأرض مستقر و متاع إلى حين قال فيها تحيون و فيها تموتون و منها تخرجون ” و سوف أوضح هذه الأدلة الأخرى في المثال التطبيقي الذي أبين فيه أن البعث للحساب و الجزاء حقيقي و حتمي بعد الموت.

     الله تعالى من قدرته و تصرفه التحكم في أعصاب و شرايين الإنسان ودورته الدموية بصفة مباشرة رغم كونه تعالى مستويا على العرش بالسماوات. فالآلة التي تشغل التلفزة  و تغير القنوات بدون سلك أو اتصال والآلة التي تغلق و تفتح أبواب السيارة و تشغل محركها عن بعد و دون اتصال أو سلك و تكلم الإنسان مع غيره و هو يراه بوساطة الهاتف النقال و الكمبيوتر، و الأقمار الاصطناعية في الفضاء تصور ما يجري على الأرض بدقة دون سلك أو اتصال و تنقل هذه الصور إلى أماكن تحليلها و دراستها و مشاهدتها؛ و الآلة التي تبين كل ما في حقيبة و ما بداخل إطار السيارة الحديدي المغلق كل هذه الظواهر وغيرها مما لم يكتشفه العلماء بعد من خلق الله تعالى الذي جعل لها أسبابا و قوانين. أليس الله عز وجل الذي خلقها و خلق كل شيء في الكون بقادر على التصرف في جسم الإنسان كيف و متى شاء و قادر على العلم بما في تفكير الإنسان و اعتقاده السري. و الدليل ما قاله الله تعالى عن التحذير من تحريف القرآن في سورة الحاقة 43 – 47 ” تنزيل من رب العالمين و لو تقول علينا بعض   الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين ” . و هذا التحذير موجه للرسول محمد عليه الصلاة و السلام. و الإسراء 73 -75 ” و إن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره و إذا لاتخذوك خليلا و لولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة و ضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا ” و محمد 23 “أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم و أعمى أبصارهم ” . يتصرف الله تعالى مباشرة في الكون و ما فيه و منه جسم الإنسان رغم كونه مستويا على العرش في السماوات و الدليل أيضا الشورى 24 ” أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشأ الله يختم على قلبك و يمح الله الباطل و يحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور ” . هل استطاع العلماء خلق و صنع الإنسان بروحه، هل يستطيع أحد اختيار ولد أو بنت و الصورة التي يريدها لهما في رحم زوجته وهل هناك من يشفي من العقم إلا الله تعالى. طبعا خلق الإنسان من تصرف الله تعالى وحده. و من الأدلة الشورى 49 – 50 ” لله ملك السماوات و الأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا و يهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا و إناثا و يجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير ” و الانفطار 6 – 8 ” يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك ” و الأعراف 11 ” و لقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين ” و الرعد 8 – 9 ” الله يعلم ما تحمل كل أنثى و ما تغيض الأرحام و ما تزداد و كل شيء عنده بمقدار عالم الغيب و الشهادة الكبير المتعال ” . الآلة التي تبين ما في رحم الزوجة هل هو ولد أو بنت لا تستطيع ذلك إلا بعد أشهر من تكوين الجنين و الله تعالى هو الذي يقرر هل يكون الجنين ولدا أو بنتا و يعلم ذلك قبل تكوينه و الدليل يس 82 ” إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء و إليه ترجعون ” و غافر 78 ” فإذا جاء أمر الله قضي بالحق و خسر هنالك المبطلون” فكل ما أراده الله في الكون يتحقق. ورغم تقدم الطب والعلوم لا يستطع أحد معرفة الروح و خلقها و التحكم فيها إلا الله تعالى و الدليل الإسراء 85 ” يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي و ما أوتيتم من العلم إلا قليل ”  و السجدة 7 – 9 ” الذي أحسن كل شيء خلقه و بدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه و نفخ فيه من روحه و جعل لكم السمع و الأبصار و الأفئدة قليل ما تشكرون ” . و الله عز وجل قادر على خلق ما يريد بل استبدال خلق البشر بخلق آخر و الدليل إبراهيم 19 – 20 ” ألم تر أن الله خلق السماوات و الأرض بالحق إن يشأ يذهبكم و يأت بخلق جديد و ما ذلك على الله بعزيز ” و الزخرف 60 ” و لو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون ”  و الإنسان 28 ” نحن خلقناهم و شددنا أسرهم و إذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلا ” و المعارج 39 – 40 ” كلا إنا خلقناهم مما يعلمون فلا أقسم برب المشارق و المغارب إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم و ما نحن بمسبوقين ” و الأنعام 133 ” و ربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم و يستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين ”  و من تصرف الله تعالى المطلق و العادل موت الإنسان في الدنيا و بعثه بعد الموت للحساب و الجزاء عن أعماله في أرض الجنة و النار بالسماوات. و الدليل كثير من الآيات منها الملك 2 ” الذي خلق الموت و الحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ” و غافر 68 ” هو الذي يحيي و يميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ” و العنكبوت 57 ” كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون ” الجمعة 8 ” قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ” و آل عمران 145 ” و ما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ” و المنافقون 11 ” و لن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها و الله خبير بما تعملون ” و  نوح 4 ” إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون ” و يونس 31 ” قل من يرزقكم من السماء و الأرض أمن يملك السمع و الأبصار و من يخرج الحي من الميت و يخرج الميت من الحي و من يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون ” و فاطر 11 ” و ما يعمر من معمر و لا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير ” و الروم 54 ” الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا و شيبة يخلق ما يشاء و هو العليم القدير ” . هل هناك في الكون من يعيد للإنسان شبابه و قوته الجسدية بعد الشيخوخة و الضعف هذه الحقيقة قانون الله تعالى في خلقه. كل نفس ذائقة الموت حتما طبقا لأجل حدده الله تعالى و لكن إذا عرض الإنسان نفسه لخطر الموت قبل الأجل فقد ظلم نفسه أو ظلمه الغير لأن الله تعالى حرم قتل النفس إلا بالحق و أمر الناس بعدم إلقاء أيديهم إلى التهلكة و الدليل البقرة 195 ” و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ” و النساء 71 ” يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم ” . و الله تعالى يتوفى الأنفس في منامها و يعيدها للحياة بعد النوم إلى أجلها المحدد لموتها في الدنيا و بعثها للحساب في جسد آخر بعد الموت. و الدليل الزمر 42 ” الله يتوفى الأنفس حين موتها و التي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت و يرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ” و الأنعام 60 ” و هو الذي يتوفاكم بالليل و يعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون ” هل يستطيع إنسان الاستغناء عن النوم و البقاء حيا مستيقظا باستمرار. عندما يتوفى الله النفس في المنام الذي يستسلم له الإنسان رغم إرادته يصبح جامدا كالجثة الهامدة و لا يعلم ما يقع حوله في الدنيا؛ و عندما يرجع له الله تعالى الروح يستيقظ من النوم و يعود للحركة و العمل و الحياة؛ و هل يستطيع النائم منع جسمه من الحركة و الاستيقاظ من النوم هل يستطيع الاستمرار في النوم لمدة طويلة باختياره، لا يمكن ذلك أبدا. و لا أحد غير الله تعالى يستطيع إعادة الروح لميت و لو اجتمع كل أطباء و علماء الكون. و الدليل الواقع الذي يعلمه كافة الناس و الواقعة 83 – 87 ” فلولا إذا بلغت الحلقوم و أنتم حينئذ تنظرون و نحن أقرب إليه منكم و لكن لا تبصرون فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين ” و آل عمران 168 ” الذين قالوا لإخوانهم و قعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرؤوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين ” و أذكر إخواني المحترمين أن عبارة و نحن أقرب إليه منكم الواردة في الواقعة 82 – 87 لا تدل على أن الله تعالى مع المحتضر بذاته العظيمة لأنه مستوي على العرش بالسماوات و لكن معه بسمعه و بصره و علمه و تصرفه وملائكته الذين ينفذون أوامره. الله تعالى يكلف ملك الموت الذي يقبض أرواح الموتى و الدليل السجدة 11 ” قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون ” و محمد 27 ” فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم و أدبارهم ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله و كرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ” و الأنفال 50 – 51 ” و لو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم و أدبارهم و ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم و أن الله ليس بظلام للعبيد ” هكذا بينت الآيات الكريمة التي أكدت أن الله تعالى معنا بتصرفاته و سمعه و بصره و علمه و كلامه. و من تصرفه خلق الإنسان مرتين مرحلة الحياة الدنيا المؤقتة و مرحلة البعث للحياة الدائمة في الجنة أو جهنم بعد الموت أصحاب الجنة في الحياة و السعادة الدائمة و أصحاب جهنم في العذاب الدائم ما هم أموات و لا أحياء و الدليل طه 74 ” إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها و لا يحيى ” و فاطر 36 ” و الذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا و لا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور ” و كل إنسان ينال الجزاء حسب أعماله و امتحان الله له في الدنيا. مادة امتحان الدنيا هي القرآن. فلا تضيعوا أيها الناس فرصة الحياة الدنيا و عمركم فيها؛ تذكروا الميت الذي يغطى قبره بالتراب في المقبرة و أنتم واقفون تنظرون. هل يستطيع هذا الميت العودة إلى الدنيا للعمل الصالح و التقوى لكي يكون ميزان أعماله ثقيلا بالحسنات و ليفوز بلقاء الله و النظر إليه و الحياة الدائمة معه في سعادة الجنة؟ لا يمكنه ذلك أبدا. فافرحوا أيها الأحياء و سارعوا إلى الإيمان و التقوى و العمل الصالح و طاعة الله تعالى و الالتزام بالقرآن قولا و عملا سرا وعلانية لأن أمامكم فرصة التوبة الصادقة النهائية و التقوى و ملئ كتاب أعمالكم بالعمل الصالح و الحسنات. و اعلموا أن التوبة الصادقة النهائية يبدل بها الله تعالى السيئات حسنات الفرقان 70 ” إلا من تاب و آمن و عمل صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات و كان الله غفورا رحيما ” و الطلاق 5 ” ذلك أمر الله أنزله إليكم و من يتق الله يكفر عنه سيئاته و يعظم له أجرا ” و مريم 60 ” إلا من تاب و آمن و عمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة و لا يظلمون شيئا ” و الزمر 56 – 59 ” أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله و إن كنت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها و استكبرت و كنت من الكافرين ” . أيها الناس قد بلغكم الله القرآن بواسطة رسوله محمد بن عبد الله عليه و على كل الرسل صلاة الله و سلامه و بواسطة الدعاة المؤمنين الصادقين المتقين. و مصحف القرآن الكريم متوفر بالملايين في كل أنحاء العالم و هو ملزم بأمر من الله لكافة الناس بالكون. و اعتذر عن فتح قوسين حول الواجب الذي فرضه الله تعالى على المسلمين و الأمة الإسلامية و أولي الأمر الذين انتخبتهم لممارسة السلطة الإسلامية في دار الإسلام تحت مراقبتها هذا الواجب يفرض عليهم شرح القرآن و تفسيره و تبليغه للناس كافة و منهم النصارى و اليهود و الدليل كثير من الآيات منها يوسف 108 ” قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا و من اتبعني ” و النحل 125 ” ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن ” و الحج 67 ” و ادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم ” و هو القرآن الكريم. كل المسلمين بعد وفاة الرسول عليه الصلاة و السلام ملزمون شرعا بتبليغ القرآن للناس و الدعوة إلى الله تعالى و فصلت 33 ” و من أحسن قولا ممن دعى إلى الله و عمل صالحا و قال إنني من المسلمين ” و التوبة 122 ” و ما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ” و التوبة 71 ” و المؤمنون و المؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و يقيمون الصلاة و يأتون الزكاة و يطيعون الله و رسوله أولائك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ” و طبعا القرآن هو الذي حدد فيه الله تعالى المنكر و المعروف فالآية تفرض على المسلمين تبليغه و فرض تطبيقه و آل عمران 110 ” كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تؤمنون بالله ” و آل عمران 104 ” و لتكن منكم أمة يدعون إلى الخير و يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر و أولئك هم المفلحون ” و النحل 43 ” فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ” هذه الآية فرضت واجبين الأول على الذين يجهلون القرآن بأن يسألوا العالمين به و الثاني على العلماء بأن يفسروا و يبلغوا القرآن للناس. و هناك أمر الله تعالى لكافة الناس في محمد 24 ” أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ” بل خصص الله تعالى عقابا شديدا لمن كتم شرع الله و لم يبلغه للناس و الدليل البقرة 159 -160 ” إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات و الهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولائك يلعنهم الله و يلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا و أصلحوا و بينوا فأولئك أتوب عليهم و أنا التواب الرحيم ” و البقرة 174 -175 ” إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب و يشترون به ثمنا قليلا أولائك ما يأكلون في بطونهم إلا النار و لا يكلمهم الله يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى و العذاب بالمغفرة فما أصبرهم على النار ” و لكن يجب على الدعاة لله تعالى أن يكونوا مؤمنين صالحين متقين مؤهلين بحق للدعوة و أن يعطوا المثل بأعمالهم و أقوالهم و أغلق القوسين و أتابع البحث. إبراهيم 44 – 45 ” و أنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك و نتبع الرسل أو لم تكونوا أقسمتم من قبل مالكم من زوال و سكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم و تبين لكم كيف فعلنا بهم و ضربنا لكم الأمثال ” و الأنعام 29-31 ” و قالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا و ما نحن بمبعوثين و لو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى و ربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها و هم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون ” و فاطر 36 – 37 ” و الذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا و لا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور و هم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر و جاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير ” و غافر 52 ” يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم و لهم اللعنة و لهم سوء الدار ” و غافر 49 – 50 ” و قال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا و ما دعاء الكافرين إلا في ضلال” و غافر 85 ” فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده و خسر هنالك الكافرون ” . هناك من يكذب على الناس و يقول لهم أن الصلاة دين على الإنسان و إذا لم يؤدها في الدنيا يؤديها في الآخرة و هذا خطأ فادح لأن الإيمان يجب أن يكون في الدنيا و أن يؤدي المؤمن كل ما عليه من فرائض في الدنيا فالآخرة دار الحساب و الجزاء عن أعمال الدنيا. و الأنعام 158 ” هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون ” و الأعراف 37 – 39 ” فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ظلوا عنا و شهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن و الإنس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أظلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف و لكن لا تعلمون ” و الأعراف 53 ” هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم و ضل عنهم ما كانوا يفترون ” و المؤمنون 99 – 100 ” حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب أرجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها و من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ” . فاعملوا أيها الناس في الحلال لمتاع الدنيا لأن العمل الحلال فرض أساسي من فرائض الإسلام (راجع الفصل الثاني حول عدل الله الذي نشرته في موقعي). و من الأدلة الجمعة 10 ” فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض و ابتغوا من فضل الله و اذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ” كما أن الله تعالى أمر المسلمين بإعداد قوة الدفاع عن دين الله في الأنفال 60 و لا يتحقق ذلك بدون العمل الحلال المنتج في كل المجالات و لكن في موازاة مع العمل لمتاع الدنيا الحلال يجب العمل لمتاع الآخرة الدائم و ذلك بالالتزام بالقرآن الكريم قولا و عملا سرا و علانية. و الدليل الجاثية 34 – 35 ” و قيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار و مالكم من ناصرين ذالكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزؤا و غرتكم الحياة الدنيا فاليوم لا يخرجون منها و لا هم يستعتبون ” و الأحقاف 20 ” و يوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا و استمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق و بما كنتم تفسقون ” و محمد 12 ” إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار و الذين كفروا يتمتعون و يأكلون كما تأكل الأنعام و النار مثوى لهم ” .

      فاتقوا الله أيها الناس و اعملوا بأحكام القرآن الكريم لتفوزوا برضا الله و لقائه ورحمته و الحياة الدائمة في جنته و لتنجوا من نار جهنم و فيما يلي سأبين الأدلة على أن أغلب تصرف الله تعالى في الكون لصالح الإنسان. ومنها الإسراء 70 ” و لقد كرمنا بني آدم و حملناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ” و لقمان 20 ”  ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات و ما في الأرض و أسبغ عليكم نعمه ظاهرة و باطنة و من الناس من يجادل في الله بغير علم و لا هدى و لا كتاب منير ” و الجاثية 13 ” و سخر لكم ما في السماوات و ما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ” و الرحمان 10 ” و الأرض وضعها للأنام ” أي للإنسان و الأعراف 10 ” و لقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون ” و البقرة 29 ” هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات و هو بكل شيء عليم ” و البقرة 243 ” إن الله لذو فضل على الناس و لكن أكثر الناس لا يشكرون ” و يونس 60 ” و ما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة إن الله لذو فضل على الناس و لكن أكثرهم لا يشكرون ” و النحل 13 – 14 ” و ما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون و هو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا و تستخرجوا منه حلية تلبسونها و ترى الفلك مواخر فيه و لتبتغوا من فضله و لعلكم تشكرون ” و النحل 18 ” و إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم و النمل 73 ” و إن ربك لذو فضل على الناس و لكن أكثرهم لا يشكرون ”  و إبراهيم 33 – 34 ” و سخر لكم الشمس و القمر دائبين و سخر لكم الليل و النهار و آتاكم من كل ما سألتموه و إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار ” و النحل 81 ”   كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون ” و لقمان 10 ” خلق السماوات بغير عمد ترونها و ألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم و بث فيها من كل دابة و أنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم ” النحل 15 ” و ألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم و أنهارا و سبلا لعلكم تهتدون ” و الحج 65 – 66 ” ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض و الفلك تجري في البحر بأمره و يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرءوف رحيم ” و فاطر 41 ” إن الله يمسك السماوات و الأرض أن تزولا و لئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا ” و الروم 25 ” و من آياته أن تقوم السماء و الأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون ” .

     ألا نحب و نعبد من حياتنا و مصيرنا و طعامنا و الهواء الذي نعيش به و الماء الذي نشربه بيده و خاضع لتصرفه و هو الله عز وجل الجليل الحكيم و صاحب الفضل و النعم و الإحسان علينا و على كل مخلوقاته. لو مالت الأرض ميلة واحدة عن دورتها لمات كل من عليها و لو سقطت السماء على الأرض لمات كل من فيها؛ و لم يقع ذلك بفضل تصرف الله تعالى و حكمته و كل ذلك لصالح الإنسان فلماذا تستكبرون عن عبادة خالقنا و صاحب الفضل و النعم علينا؛ إن نعم الله و فضله في الجنة أكثر و أكبر مما في الدنيا، و ما في الجنة دائم و ما في الدنيا مؤقت و زائل؛ فاعبدوا أيها الناس الله و التزموا بالقرآن قولا و عملا سرا و علانية لتفوزوا بالجنة و الحياة الدائمة في سعادتها. و من الأدلة على أن أغلب تصرف الله تعالى لصلاح الإنسان ما يلي: الأعراف 54 ” و الشمس و القمر و النجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق و الأمر تبارك الله رب العالمين  و إبراهيم32 -33 ” الله الذي خلق السماوات و الأرض و أنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم و سخر لكم الفلك تجري في البحر بأمره و سخر لكم الأنهار و سخر لكم الشمس و القمر دائبين و سخر لكم الليل و النهار ”  و يونس 5 – 6 ” هو الذي جعل الشمس ضياء و القمر نورا و قدره منازل لتعلموا عدد السنين و الحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون إن في اختلاف الليل و النهار و ما خلق الله في السماوات و الأرض لآيات لقوم يتقون ” .

      و قد أكد لنا لله تبارك و تعالى أهمية تصرفه و خلقه للكون و ما فيه بالنسبة للإنسان و المخلوقات الأخرى في التساؤل الذي ورد في القصص 71 – 72 ” قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون ” . فإذا منع الله تعالى نور الشمس و القمر تتوقف الحياة لأن الشمس هي التي تنمي الإنسان و الحيوان و النبات بجانب الماء. و الله تعالى هو المتحكم بتصرفه في الشمس و القمر و كل ما في الكون. و الدليل الأعراف 54 ” و الشمس و القمر و النجوم مسخرات بأمره ” و يونس 5 ” هو الذي جعل الشمس ضياء و القمر نورا ” و يونس 6 ” إن في اختلاف الليل و النهار و ما خلق الله في السماوات و الأرض لآيات لقوم يتقون ” .

     إن الإنسان من خلق الله تعالى و حركته و حياته تتوقف على تصرف الله تعالى و فضله و إحسانه. الطاقة المحركة لجسم الإنسان و حركته و حياته هي طعامه و مصادر طعام الإنسان بيد الله تبارك و تعالى، إذا لم يستهلك أي إنسان و كل المخلوقات الحية الطعام و الماء يموت و تتوقف حركته لمدة معينة قليلة عندما ينقضي مخزونه. هل هناك من يكذب هذه الحقيقة؟  وهناك حقيقة أخرى هي أن كل حركة في المخلوقات الحية و منها الإنسان أو الآلات و المحركات المصنوعة تتوقف على الهواء إذا انعدم الهواء تتوقف الحركة نهائيا. السيارة لا يشتغل محركها إذا أغلقنا مصفي الهواء و كذلك الشيء بالنسبة للسفينة و الطائرة و حتى المحركات الكهربائية لا بد من تبريدها و تشغيلها بدورة الماء و الهواء. تدبروا إخواني المحترمين أن الماء و الهواء من خلق الله و تصرفه وما ينبت في الأرض أتى أصله من خزائن الله في السماوات. والماء يتحكم في دورته ونزوله الله عز وجل لهذا فإن فتح العين و تحريك اللسان و حركة اليد و الرجل خاضعة لتصرف الله و فضله و نعمه والواقع و المنطق و التاريخ أكد هذه الحقائق وهناك أيضا أدلة في القرآن مؤكدة لآيات الكون الذي نحن فيه و منها عبس 24 – 32 ” فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا و عنبا و قضبا وزيتونا و نخلا و حدائق غلبا و فاكهة و أبا متاعا لكم و لأنعامكم ” و الأنبياء 30 ” و جعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون ” الله تعالى هو الذي يتحكم في دورة الماء و التصرف فيه حيث ينزله أو يمسكه و الدليل الأعراف 57 ” و هو الذي يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون ” و البقرة 164 ” إن في خلق السماوات و الأرض و اختلاف الليل والنهار و الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس و ما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة و تصريف الرياح و السحاب المسخر بين السماء و الأرض لآيات لقوم يعقلون ” و الواقعة 63 – 65 ” أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون لو نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون ” و آل عمران 117 ” مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته و ما ظلمهم الله و لكن أنفسهم يظلمون ” والروم 50 – 51 ” فانظر إلى أثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحيي الموتى و هو على كل شيء قدير و لئن أرسلنا ريحا فرأوه مصفرا لظلوا من بعده يكفرون ” و الواقعة 68 – 70 ” أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون ” .

       هذه الآيات أكدت بصدق أن طعام الإنسان و حركته بيد الله تعالى لأنه و لو أراد العمل لكسب طعامه لا يستطيع إذا أمسك الله تعالى الماء و بركات الأرض أو أتلف المحصول الذي أنتجه الإنسان عقابا أو ابتلاء له الكهف 45 ” و اضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح و كان الله على كل شيء مقتدرا ” البقرة 266 ” أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل و أعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات و أصابه الكبر و له ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون ” الزمر 21 ” ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب ” الكهف 40- 43 ” فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك و يرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا و أحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها و هي خاوية على عروشها و يقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا و لم تكن له فئة ينصرونه من دون الله و ما كان منتصرا  “و هناك أدلة أخرى منها غافر 13 ” هو الذي يريكم آياته و ينزل لكم من السماء رزقا و ما يتذكر إلا من ينيب ” و الذاريات 22-23 ” و في السماء رزقكم و ما توعدون فورب السماء و الأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون ” والنمل 64  أمن يبدأ الخلق ثم يعيده و من يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ” والنحل 10 – 11 ” هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب و منه شجر فيه تسيمون ينبت لكم به الزرع و الزيتون و النخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ” و الحجر 19 – 21 ” و الأرض ممدناها و ألقينا فيها رواسي و أنبتنا فيها من كل شيء موزون و جعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين و إن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم ” .

     هذا دليل على أن كل مصادر طعام المخلوقات بيد الله تعالى و خاضعة لإرادته عز وجل و تصرفه المطلق العادل. و الأعراف 96 ” و لو أن أهل القرى آمنوا و اتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء و الأرض و لكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون ” فالماء ينزله الله تعالى من السماء و كل ما في الأرض من خلق الله له خزائن عند الله في السماوات و الأرض و ص 9 – 10 ” أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب أم لهم ملك السماوات و الأرض و ما بينهما فليرتقوا في الأسباب ” و الطور 37 ” أم عندهم خزائن ربك أم هم المصيطرون ” و الإسراء 100 ” قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق و كان الإنسان قتورا ” و يونس 31 ” قل من يرزقكم من السماء و الأرض ” و السجدة 27 ” أو لم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجزر فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم و أنفسهم أفلا يبصرون ” و فاطر3 ” يأيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء و الأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون ” . طبعا لابد من عمل الإنسان لتوفير طعامه و حاجياته من رزق الله تعالى و هو الماء و ما يخلق في الأرض الملك 21 ” أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو و نفور ” و الملك 30 ”  قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين ” و المؤمنون 18 ” و أنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض و إنا على ذهاب به لقادرون ” و الروم 36 – 37 ” و إذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها و إن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذ هم يقنطون أو لم يروا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء و يقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ” و النحل 112 – 113 ” و ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع و الخوف بما كانوا يصنعون ” .

      هذه الآيات الكريمة أكدت أن الله تعالى مع كل مخلوقاته و منها الإنسان بتصرفه المطلق العادل، فإذا أمسك الله تعالى بركات السماء و منها الماء و الهواء تموت كل المخلوقات الحية و تتوقف كل حركة إنسانية أو اصطناعية و هذه النعم من فضل الله تعالى و إحسانه. هل هناك في الوجود من يتحكم في دورة الشمس و القمر و دورة الماء و الهواء و بركات السماء و الأرض. الله تبارك و تعالى هو وحده المتصرف في الكون و كل ما خلق فيه أليس هذا دليلا قاطعا على وجود ربنا الله تعالى فآمنوا أيها النصارى و اليهود و كافة الناس بمن حياتكم بيده في ثانية أو أقل منها و آمنوا بالقرآن الكريم و اعبدوا الله تعالى طبقا للمناسك و الأحكام الشرعية التي شرعها لكم فيه فالله تعالى أبطل و ألغى مفعول و صلاحية كل الشرائع السابقة للقرآن و منها التوراة و الإنجيل.

      إن الله تعالى أمر بالعمل للكسب من رزقه و فضله الذي يوفره بتصرفه و هو بركات السماء و الأرض لقوله تعالى في سورة يس 35 ” ليأكلوا من ثمره و ما عملته أيديهم أفلا يشكرون ” و الجمعة 10 ” فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض و ابتغوا من فضل الله و اذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ” . و لكن إذا لم يوفر الله تعالى مصادر الطعام و هي الماء و الهواء و ما ينزل من خزائنه لا يوفر أي مخلوق طعامه و لو أراد العمل الحلال للكسب بل تموت كل المخلوقات الحية و هنا أعتذر عن فتح قوسين حول الكسب الذي يعتبر من نعمة الله تعالى و رزقه.

     أمر الله تعالى الإنسان بالكسب و العمل الحلال من الطيبات و حرم العمل و الكسب من الخبائث و المحرمات كالرشوة و السرقة و أكل أموال الناس بالباطل و التجارة في المخدرات و الخمر و الدعارة و الربا و تزوير الميزانيات و النصب و الاحتيال و كل المحرمات طبعا التجارة في الأسهم و السندات و غيرها من الاحتكارات و المضاربات محرمة مثل الربا.

كل ما يكسبه الإنسان من الخبائث و المحرمات ليس من قدر الله و تصرفه بل من اختيار الإنسان و تصرفه يسجله الله تعالى في كتابه و يعاقبه عليه في الدنيا بأجل و بجهنم في الآخرة إن لم يتب توبة نصوحا صادقة ونهائية و أبدية شرط أن يرد الحقوق لأصحابها. و أغلق القوسين و أتابع الأدلة على أن الله تعالى معنا بتصرفه المطلق العادل.

    هناك حقيقة مؤكدة منطقيا و علميا و تاريخيا وواقعيا و لا يمكن أن يجادل فيها أحد و لا أحد يتوفر على أدلة مخالفة لهذه الحقيقة أبدا و هي أن نشاط و عمل الإنسان للعيش وكسب طعامه و متاع الدنيا متوقف على تصرف الله و إرادته و هو الماء و الهواء و بركات السماء و الأرض التي يتحكم في نزولها، فقطاع الصناعة يتوقف على ازدهار قطاع الفلاحة و الزراعة وما في الأرض من خيرات و الماء و مواد أولية خلقها الله تعالى. و قطاع الخدمات و التجارة يزدهر إذا ازدهرت الفلاحة و الصناعة. النشاط الاقتصادي للإنسان و حياته رهن إشارة و إرادة خالق الكون وما فيه و هو الله تبارك و تعالى.

ثانيا  : تصرف الله تعالى المباشر

      الله تعالى مع كل مخلوقاته بتصرفه و فعله و إذا أراد أمرا فإنما يقول له كن فيكون رغم كونه مستويا على العرش في السماوات بذاته العظيمة. تصرف الله تبارك و تعالى يكون مباشرا أو بواسطة جنوده في السماوات و الأرض.

و في هذه النقطة أبين أمثلة في القرآن الكريم يتجلى فيها تصرف الله تعالى مباشرة دون استعمال لجنوده. و في النقطة الثالثة سأبين أمثلة عن تصرف الله تبارك و تعالى بواسطة جنوده.

      كلما أراده الله تعالى و شاءه في الكون و ما فيه من مخلوقاته يتحقق بمجرد أمره و تقريره و الدليل كثير من الآيات منها: القمر 50 ” و ما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر ” و غافر 78 ” فإذا جاء أمر الله قضي بالحق و خسر هنالك المبطلون ” يس 82 – 83 ” إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء و إليه ترجعون ”               و الأحزاب 38 ” و كان أمر الله قدرا مقدورا ” و البقرة 117 ” بديع السموات و الأرض و إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ” يس 28-29 ” و ما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء و ما كنا منزلين إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون ” . هذه الآيات الكريمة أكدت الواقع الله تعالى يتصرف في الكون مباشرة وحده أو بواسطة جنوده، و من الأدلة فاطر 2 ” ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها و ما يمسك فلا مرسل له من بعده و هو العزيز الحكيم ” فلا أحد نهائيا في الكون يمنع أو يغير تصرف الله تعالى و سأعطي أمثلة في القرآن و أترك لإخواني المحترمين ملاحظة تصرف الله تعالى في الكون و آياته بالاعتماد على الفكر و المنطق و الملاحظة السليمة الموضوعية لكي يقتنعوا فعلا و حقا أن الله تعالى قادر على التصرف في كل ما خلق و لكنه عادل و لا يظلم مثقال ذرة قال الله تعالى في سورة فصلت 53 ” سنريهم آياتنا في الآفاق و في أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ” .

     الله تعالى يتصرف في خلق الإنسان و حياته و موته و خلقه و بعثه للحساب و الجزاء عن أعمال الدنيا و امتحانها و ابتلائها و نيل الجزاء عنها. و يتحكم الله تعالى كذلك في جسم الإنسان مباشرة من السماوات و دون أن يمنعه أي حاجز كان. و الدليل الحاقة 43 – 47 ” تنزيل من رب العالمين و لو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين ” . و هذا تحذير لرسول الله محمد عليه و على كل الرسل صلاة الله و سلامه لكي لا يغير القرآن. و الفتح 11 ” قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا بل كان الله بما تعملون خبيرا ” و الأحزاب 17 ” قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة و لا يجدون لهم من دون الله وليا و لا نصيرا ” و يونس 21 ” و إذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون ” و الأنعام 46 ” قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم و أبصاركم و ختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به أنظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون ” فإذا أخذ الله سمع إنسان و بصره هل يستطيع الحياة؟ إذا لم يجد من يقوده و يطعمه يموت جوعا وعطشا. الله تعالى هو الذي يتحكم في سمع الإنسان و بصره و هو الذي خلقه. و الدليل الأحقاف 26 ” و جعلنا لهم سمعا و أبصارا و أفئدة فما أغنى عنهم سمعهم و لا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله و حاق بهم ما كانوا به يستهزئون ” و الإنسان 2 ” إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا ” و الأنفال 24 ” يأيها الذين آمنوا استجيبوا لله و الرسول إذا دعاكم لما يجيبكم و اعلموا أن الله يحول بين المرء و قلبه و انه إليه تحشرون ” و الشورى 24 ” أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشأ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل و يحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور ” و فصلت 53 ” سنريهم آياتنا في الآفاق و في أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيدا ” .

    و تدبروا إخواني المحترمين ما وقع لنبي الله إبراهيم عليه السلام فبعد أن حطم أصنام الكفار قرروا إحراقه بالنار أمام العموم انتقاما منه و كفروا بدعوته و لكن تصرف الله تعالى أنقذه و الدليل الأنبياء 68 – 70 ” قالوا حرقوه و انصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين قلنا يا نار كوني بردا و سلاما على إبراهيم و أرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين ”  أليس الذي حمى نبيه من النار الملتهبة و هو وسطها بقادر على فعل ما يريد؟ فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون. قال الله تعالى بصدق و هو الصدق والعدل و الحق في سورة محمد 7 ” يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم و يثبت أقدامكم ”  الله قوي و لا يحتاج إلى من ينصره أو يحميه ولكن نصر الله معناه نصر دين الله و الإيمان الصادق و التقوى و الدفاع عن دين الله بالنفس و المال و إبراهيم 27 ” يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في الآخرة و يضل الله الظالمين و يفعل الله ما يشاء ” ، فإذا لم ينصر الله تعالى قوما ادعوا الإسلام فلأنهم ليسوا صادقين في إيمانهم و إسلامهم.

     وتدبروا إخواني خلق الله تعالى لرسوله عيسى بن مريم حملت به أمه بدون نطفة مني الذكر في بضع ساعات فقط بمجرد أن نفخ الله تعالى من روحه في فرجها و هو في السماوات مستوي على العرش. عندما يتكون الجنين ينفخ الله تعالى فيه من روحه و بذلك يخلق الإنسان و الدليل السجدة 7 -9 ” و بدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه و نفخ فيه من روحه ” و من حكمة الله تعالى و تصرفه في الكون و منه الإنسان أن عيسى عليه السلام بمجرد أن ولدته أمه كلمها من تحتها و كلم الناس و هو في المهد و أخبرهم أنه مبعوث رسولا من الله تعالى و الدليل مريم 24 ” فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا و هزي إليك بجدع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا ”  و مريم 29-33 ” فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال إني عبد الله أتاني الكتاب و جعلني نبيا و جعلني مباركا أينما كنت و أوصاني بالصلاة و الزكاة ما دمت حيا ” .

     و تدبروا إخواني المحترمين خلق الله تعلى لأدم و حواء من التراب و الماء في أرض الجنة قبل أن يأمرهما مع الشيطان بالنزول إلى أرض الدنيا بعد أن عصوا أمر الله تعالى البقرة ” قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون و الذين كفروا و كذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ” . وتدبروا مائدة الطعام التي انزلها الله تعالى كدليل على تصرفه ووجوده على رسوله عيسى بن مريم و قومه و الدليل المائدة: 112 – 115 ” إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين قالوا نريد أن نأكل منها و تطمئن قلوبنا و نعلم أن قد صدقتنا و نكون عليها من الشاهدين قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا و آخرنا و آية منك و ارزقنا و أنت خير الرازقين قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ” . الله يتصرف في الكون كله و ما فيه و يستعمل كل ما خلق لتحقيق ما يريد و آيات الكون من مظاهر تصرف الله. و الأدلة كثيرة منها الفتح 20 ” و كف أيدي الناس عنكم و لتكون آية للمؤمنين ”  و الفتح 24 ” و هو الذي كف أيديهم عنكم و أيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم و كان الله بما تعملون بصيرا ”  و التوبة 52 ” قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين و نحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا ”  و التوبة 85 ” و لا تعجبك أموالهم و لا أولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها في الدنيا و تزهق أنفسهم و هم كافرون ” و الأحقاف 24 – 25 ” ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين ” . هذا العقاب لقوم عاد لما كفروا بنبي الله هود عليه السلام و هود 82 – 83 ” فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها و أمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك و ما هي من الظالمين ببعيد ” و الفيل 1 – 5 ” ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل و أرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول ”  و هود 94 ” و لما جاء أمرنا نجينا شعيبا و الذين آمنوا معه برحمة منا و أخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين ” . و الذاريات 41 – 42 ” و في عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم ” و الذاريات 43 – 45 ” و في ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة و هم ينظرون فما استطاعوا من قيام و ما كانوا منتصرين ” و الأنبياء 14-15 ” قالوا يا ويلنا إنا كنا ظالمين فمازالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا خامدين ”  و هود 66 – 67 ” فلما جاء أمرنا نجينا صالحا و الذين آمنوا معه برحمة منا و من خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز و أخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين ” .

        يتجلى تصرف الله تعالى العادل في عقاب قارون الذي تجبر و طغى و كفر بموسى و بالتوراة و افتخر على الناس بأمواله الكثيرة و الدليل القصص 81 ” فخسفنا به و بداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله و ما كان من المنتصرين ”  و العقاب الذي أنزله الله تعالى بقوم نوح الذين كفروا و الدليل العنكبوت 14-15 ” و لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان و هم ظالمون فأنجيناه و أصحاب السفينة و جعلناها آية للعالمين ” . الله يراقب كل مخلوقاته و منها البشر يعاقب عن الذنوب و السيئات في الدنيا العقاب الأدنى بأجل و بنار جهنم في الآخرة لمن لم يتب توبة نصوحا صادقة أبدية قبل الموت. فإذا جاء أجل عذاب الدنيا فلا أحد يمنع تصرف الله تعالى. و الدليل النحل 61 ” و لو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة و لكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون ”  لهذا قال الله تعالى في سورة الأعراف 97-98 ” أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا و هم نائمون أم آمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى و هم يلعبون ” .

        و هناك عقاب الله تعالى للذين كفروا برسوله موسى عليه السلام الأعراف 133-136  ” فأرسلنا عليهم الطوفان و الجراد و القمل و الضفادع و الدم آيات مفصلات فاستكبروا و كانوا قوما مجرمين و لما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك و لنرسلن معك بني إسرائيل فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكتون فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا و كانوا عنها غافلين  “و الفرقان 35-36 ” و لقد آتينا موسى الكتاب و جعلنا معه أخاه هارون وزيرا فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرا ” .

       من الأدلة على تصرف الله تعالى في الكون و ما فيه فتح طريق على الأرض بالبحر ليجتازه موسى و الذين آمنوا به و بالتوراة حيث فرق الله البحر. و لما اجتازه موسى و قومه أغرق الله تعالى فرعون و جنوده الذين كانوا يطاردونهم و الدليل البقرة 50 ” و إذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم و أغرقنا آل فرعون و أنتم تنظرون ” و كذلك خروج الماء من الصخر بأمر الله تعالى و إرادته عندما استسقى موسى عليه السلام ربه و الدليل البقرة 60 ” و إذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم ” . و من الأدلة على تصرف الله تعالى مباشرة بجنوده الإسراء برسوله محمد عليه و على كل الرسل صلاة الله و سلامه من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى بالقدس بفلسطين و إعادته إلى مكة في ليلة واحدة رغم المسافة البعيدة بين المسجدين و الدليل الإسراء 1 ” سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع العليم ” و مساندة الله تعالى لرسوله و المؤمنين في الحرب ضد الكفار الأنفال 17 ” فلم تقتلوهم و لكن الله قتلهم و ما رميت إذ رميت و لكن الله رمى و ليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا إن الله سميع عليم  و الأنفال 26 ” و اذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم و أيدكم بنصره ” ، لا أحد ينجو من تصرف الله و لو الرسل و الملائكة و الجن، و الدليل الملك 28 -29 ” قل أرأيتم إن أهلكني الله و من معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم قل هو الرحمان آمنا به و عليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين ” هود 31 ” و لا أقول لكم عندي خزائن الله و لا أعلم الغيب و لا أقول إني ملك و لا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين ” هذا كلام الله على لسان نوح عليه السلام و قال الله على لسان صالح عليه السلام في سورة هود 63 ” قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي و أتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته ” النمل 10 ” يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظَلَـم ” و يونس 107 ” و إن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو و إن يردك بخير فلا راد لفضله يصيب به من يشاء من عباده و هو الغفور الرحيم ” و الأنعام 17-18 ” و إن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو و إن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير و هو القاهر فوق عباده و هو الحكيم الخبير ” و الأعراف 188 ” قل لا أملك لنفسي نفعا و لا ضرا إلا ما شاء الله و لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير و ما مسني السوء إن أنا إلا نذير و بشير لقوم يِؤمنون ” و الأنعام 42-44 ” ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء و الضراء لعلهم يتضرعون فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا و لكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ” و النمل 10 ” يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم ” و الأحقاف 9 ” قل ما كنت بدعا من الرسل و ما أدري ما يفعل بي و لا بكم إن أتبع إلا ما يوحي إلي و ما أنا إلا نذير مبين ” و الأنعام 15-16 ” قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه و ذلك الفوز المبين ” .

        و من مظاهر تصرف الله تعالى و فضله على كل المخلوقات الحية و منها الإنسان الريح و الهواء الذي خلقه الله تعالى و يتحكم فيه إن شاء أمسكه فتموت كل الكائنات الحية التي تتوقف حركتها و حياتها على استنشاقه، بل المحركات التي صنعها البشر تتوقف إذا انعدم الهواء لهذا قال الله تعالى في سورة الرحمان 33 – 35 ” يا معشر الجن و الإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات و الأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان فبأي آلاء ربكما تكذبان يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران ” فلولا قدرة الله تبارك و تعالى و تصرفه لما استطاع الناس الطيران إلى المريخ و القمر، فيكفي أن يمسك الله تعالى الريح و الهواء فتتوقف كل حركة للإنسان و سائر المخلوقات الحية و المحركات المصنعة.

       و هنا أقول لإخواني المحترمين أن هذه الحقيقة القرآنية تحققت فعلا فالإنسان نفذ فعلا بين أقطار السماوات و الأرض و منها المريخ و القمر و هذا دليل على صدق القرآن و أنه فعلا كلام و شرع الله تعالى لكافة الناس بالكون. نزلت هذه الآية مع القرآن منذ أربعة عشر قرنا و نصف تقريبا عندما كان المجتمع العربي و الأوروبي لا يعلم أقطار السماوات و لا يتوفر على وسائل نقل غير الحمير و البغال و الجمال و الحصان، و لكن في عصرنا نفذ الناس إلى أقطار السماوات و الأرض بعد التقدم العلمي و تطور وسائل النقل، ألم يخبرنا الله عز وجل عن هذا الإنجاز في وقت نزول القرآن حيث لم يكن أحد غير الله يعلمه.

        و أعطي أدلة أخرى على تصرف الله تعالى و منها يونس 22-23 ” هو الذي يسيركم في البر و البحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة و فرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان و ظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون ” و لقمان 31-32 ” ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور و إذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد و ما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور ” فكل حركة للإنسان و المخلوقات الحية الأخرى و المحركات المصنعة أساسها نعمة الله تعالى وهي الهواء الذي خلقه و يتحكم فيه، و الدليل الإسراء 66 ” ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله إنه كان بكم رحيما ” و الإسراء 69 ” أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا ” . الهواء أصل كل حركة بالنسبة للإنسان و كل المخلوقات الحية و كل محركات السيارات و السفن و الطائرات و كل الآلات التي فيها محرك، هل الذي له ضيق في التنفس الحاد يستطيع المشي، هل الذي أغلق فمه و أنفه معا يبقى على قيد الحياة، فتدبروا إخواني المحترمين سورة يونس 22 المذكورة أعلاه ” هو الذي يسيركم في البر و البحر .. ” ، و هذه الحقيقة لا أحد يستطيع إنكارها أبدا.

       الهواء الذي خلقة الله و يتحكم فيه هو الذي يسيرنا عندما نستنشقه، طبعا لا بد من الطعام و الماء، السيارة لا تسير بدون وقود كذلك الجسم لا بد له من الطاقة للحركة هذه الطاقة من الله لأن مصادر الطعام من الله و لكن بدون الهواء تتوقف كل حركة. و تدبروا البقرة 164 ” إن في خلق السماوات و الأرض و اختلاف الليل و النهار و الفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس و ما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها و بث فيها من كل دابة و تصريف الرياح و السحاب المسخر بين السماء و الأرض لآيات لقوم يعقلون ” . الطائرة في الجو إذا منع الله الهواء و أمسكه يتوقف محركها و تسقط على الأرض، السفينة العملاقة إذا أراد الله تعالى يغرقها بالأمواج العاتية و الرياح القوية و إذا منع على محركها الهواء تتوقف نهائيا في أعماق البحار فمن يخرجها منه؟ و الدليل الشورى 32 – 34 ” و من آياته الجوار في البحر كالأعلام إن يشأ يسكن الريح فيضللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور أو يوبقهن بما كسبوا و يعفو عن كثير ” و الجاثية 12 ” الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره و لتبتغوا من فضله و لعلكم تشكرون ” .

       لاحظوا لعبة الورق أو البلاستيك التي يصنعها الطفل على شكل طائر بجناحين و يربطها بخيط طويل و يرميها في الهواء ثم يجري ممسكا بالخيط و هي طائرة في الهواء دون محرك، فالريح و الهواء هو الذي أمسكها، و لو أسكنه و أمسكه الله تعالى لسقطت اللعبة و مات الولد لأنه لم يتنفس الهواء.

       تدبروا الأعراف 133 ” فأرسلنا عليهم الطوفان و الجراد و القمل و الضفادع و الدم آيات مفصلات فاستكبروا و كانوا قوما مجرمين ” فصلت 53 ” سنريهم آياتنا في الآفاق و في أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ” هذا جزء من تصرف الله تعالى في خلقه علمناه حسب ما أخبرنا في القرآن و ما لاحظناه في الكون المحيط بنا و في أنفسنا و لكن هناك من تصرف الله تبارك و تعالى ما لا نعلمه الآن في الدنيا، و المهم أن فضل الله تعالى علينا كثير لقوله الإسراء 70 ” و لقد كرمنا بني آدم و حملناهم في البر و البحر ورزقناهم من الطيبات و فضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ” فكل آيات الكون تصرف الله تعالى. تأكدوا أيها الناس أن حياتنا جميعا متوقفة على إرادة الله تعالى و تصرفه في ثانية واحدة، إذا منعنا من الهواء و الماء أو شل دورتنا الدموية مباشرة و دون حاجز و هو مستوي على العرش بالسماوات و ذلك بمجرد صيحة واحدة منه تبارك و تعالى تصيب من يشاء، كيف تتكلم أيها الإنسان و تسمع و تتحرك و تفكر و تعيش بفضل نعم الله تعالى و إحسانه و تصرفه و تنكر وجوده و سلطانه و مراقبته و هو معك أينما كنت بسمعه و بصره و علمه و تصرفه و كلامه و لو كنت في قاع الأرض أو البحر أو السماوات. تأكد أيها الإنسان أن القرآن الكريم كلام الله الصادق و مادة امتحانه و اختباره لنا في الحياة الدنيا المؤقتة ليختار منا و من كل ما خلق من البشر الفائزين في امتحان الاستخلاف الذين يفوزون برضاه و رؤيته و الحياة الدائمة بعد البعث معه في الجنة، الفائزون هم المؤمنون الصالحون المتقون الذين ثقلت موازينهم يوم الحساب. كل شرائع الله امتحان للناس في فترة صلاحيتها الزمنية. و القرآن مادة امتحان كل الناس بالكون لأن الله تعالى أبطل و ألغى بالقرآن صلاحيات و مفعول الشرائع السابقة و منها التوراة و الإنجيل، فآمنوا أيها الناس و يا أيها النصارى و اليهود بالله تعالى و احترموه و أحبوه و لا تفكروا فيما لا يرضيه و اعبدوه و أطيعوه و ذلك بالالتزام بالقرآن قولا و عملا سرا و علانية و انتهزوا أيها الناس فرصة الحياة الدنيا و سارعوا إلى التوبة النصوح الصادقة النهائية فهي تبدل السيئات حسنات إذا جسدتموها فعلا بالإيمان و العمل الصالح و التقوى و حصد المزيد من الحسنات التي تسجل في كتبكم عند الله تعالى و لكن قبل الموت.

لقد بينت الأدلة على أن الله تعالى مع كل مخلوقاته و منها الإنسان بسمعه و بصره و علمه و تصرفه و كلامه باستمرار و في الكون كله، وفي النقطة التالية أبين تصرف الله تعالى الغير المباشر بواسطة جنوده.

        ثالثا: تصرف الله تعالى بواسطة جنوده

     الله تعالى يملك الكون و كل ما خلق فيه. و هو الذي يدبر أمور كل ما خلق مباشرة أو بواسطة جنوده الذين ينفذون أوامره من الملائكة و الجن و الإنس و الأشياء، الجن و الملائكة يرون الناس و يسمعونهم و لكن الناس لا يرونهم إلا إذا شاء الله تبارك و تعالى و الدليل الفتح 4 ” و لله جنود السماوات والأرض و كان الله عليما حكيما ” و الفتح 7 ” و لله جنود السماوات و الأرض و كان الله عزيزا حكيما ” و المدثر 31 ” و ما يعلم جنود ربك إلا هو و ما هي إلا ذكرى للبشر ” و التوبة 40 ” إلا تنصروه فقد نصره الله إذا أخرجه الذين كفروا ثاني إثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه و أيده بجنود لم تروها « . كان كفار قريش يبحثون عن رسول الله محمد عليه و على كل الرسل صلاة الله و سلامه في غار حراء في ضواحي مكة لقتله و لكن الله تعالى معه بتصرفه و علمه و سمعه و بصره و كلامه رغم كونه مستويا على العرش بالسماوات فحماه الله تعالى و أبا بكر الصديق بجنوده من الملائكة.

       الملائكة أهم جنود الله تعالى خلقهم قبل خلق آدم و يطبقون أوامره و يسجدون و يسبحون لله عز وجل و يعبدونه و الدليل النحل 49 – 50 ” و لله يسجد ما في السماوات و ما في الأرض من دابة و الملائكة و هم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون ” و التحريم 6 ” يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم و أهليكم نارا وقودها الناس و الحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم و يفعلون ما يؤمرون ” الأنبياء 26 – 27 ” و قالوا اتخذ الرحمان ولدا سبحانه بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول و هم بأمره يعملون ” .

الملائكة يبلغون كلام الله و وحيه إلى الناس إذا لم يكلمهم مباشرة من وراء حجاب، و الدليل الشورى 51 ” و ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم ” و النحل 2   ” ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ” و فاطر ” الحمد لله فاطر السماوات و الأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى و ثلاث و ربع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير ” و غافر 15 ” رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق ” .

          الملائكة هم الذين يدخلون أصحاب الجحيم إلى النار في جهنم تنفيذا لأوامر الله عز وجل و الدليل الصافات 22 – 24 ” أحشروا الذين ظلموا و أزواجهم و ما كانوا يعبدون من دون الله فأهدوهم إلى صراط الجحيم و قفوهم إنهم مسؤولون ” و آل عمران 38 – 39 “هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء فنادته الملائكة و هو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى مصدقا بكلمة من الله و سيدا و حصورا و نبيا من الصالحين ” و آل عمران 45 – 46 ” إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيها في الدنيا و الآخرة و من المقربين و يكلم الناس في المهد و كهلا و من الصالحين ” و آل عمران 123 – 125 ” و لقد نصركم الله ببدر و أنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون، إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين بلى إن تصبروا و تتقوا و يأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين ” و التوبة 25 -26 ” لقد نصركم الله في مواطن كثيرة و يوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم  وليتم مدبرين ثم أنزل الله سكينته على رسوله و على المؤمنين و أنزل جنودا لم تروها و عذب الذين كفروا و ذلك جزاء الكافرين ” و الأنفال 12 ” إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فتبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق و اضربوا منهم كل بنان ” . الله تعالى مع الملائكة في هذه الآية بسمعه و بصره و علمه وتصرفه و كلامه رغم كونه مستويا على العرش بالسماوات، و الأنفال 9 ” إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ” و الأحزاب 9 ” يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا و جنودا لم تروها و كان الله بما تعملون بصيرا ” . هذه الحروب التي نصر فيها الله تعالى المؤمنين حروب دفاعية في مواجهة عدوان الكفار عليهم، لأن الله تعالى حرم على المسلمين الحرب العدوانية و الدليل البقرة 190 ” و قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم و لا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين “.

        إن الملائكة جنود الله عز وجل ينفذون أوامره فتأكدوا أيها المؤمنون الصالحون المتقون الصادقون المحبون لله أشد الحب بأن جنود الله مكلفة بحمايتكم في الدنيا و الآخرة و الدليل فصلت 30 – 31 ” إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا و لا تحزنوا و أبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا و في الآخرة و لكم فيها ما تشتهي أنفسكم و لكم فيها ما تدعون ” و يونس 62 – 64 ” ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم و لا هم يحزنون الذين آمنوا و كانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا و في الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم ” و الأحقاف 13 – 14 ” إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون ” و لقد نصر الله تعالى و حمى المؤمنين فعلا و كمثال: الأنفال ” إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين ” و الأنفال 26 ” و اذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس فآواكم و أيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون ” و الأحزاب 9 ” يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا و جنودا لم تروها و كان الله بما تعملون بصيرا ” و التوبة 26 ” ثم أنزل الله سكينته على رسوله و على المؤمنين و أنزل جنودا لم تروها و عذب الذين كفروا و ذلك جزاء الكافرين ” .

        و لكن حماية الله المباشرة للناس أو بواسطة الملائكة المنفذين لأوامره لها شروط، فإذا ادعى إنسان الإسلام و لم يحمه الله تعالى فإن إيمانه غير صادق و هو غير متقي فعلا، و اسمحوا لي إخواني المحترمين بفتح قوسين حول هذه المسألة لتعميق البحث فيها.

       قال الله عز وجل في سورة يونس 103 ” ثم ننجي رسلنا و الذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين ” الروم 47 ” وكان حقا علينا نصر المؤمنين ” فلا ينصر الله تعالى إلا المؤمنين الصادقين الصالحين المتقين حقا و الدليل الحج 40 ” و لينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ” و الحج 11 ” و من الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به و إن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا و الآخرة ذلك هو الخسران المبين ” محمد 7 ” يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم و يثبت أقدامكم ” و غافر 51 ” إنا لننصر رسلنا و الذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ” و الأنعام 82 ” الذين آمنوا و لم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن و هم مهتدون ” . هكذا جعل الله تعالى الالتزام بالقرآن قولا و عملا سرا و علانية و عدم مخالفته شرطا لنصر الله تعالى وحمايته و أمنه مباشرة أو بواسطة جنوده من الملائكة و الجن و الإنس وكل ما خلق في الكون. و الدليل أيضا الطلاق 2-3 ” و من يتق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا ” و الطلاق 4 – 5 ” و من يتق الله يجعل له من أمره يسرا ذلك أمر الله أنزله إليكم و من يتق الله يكفر عنه سيئاته و يعظم له أجرا ” . جعل الله تعالى التقوى و الإيمان الصادق و العمل الصالح تنفيذا لأحكام القرآن شرطا أساسيا و لازما للفوز بنصر الله و حمايته و أمنه في الدنيا والآخرة، و أفسر معنى الاستقامة التي اشترطها الله عز وجل للفوز بحمايته و نصره في الدنيا و الآخرة في عدة آيات سبق ذكرها و منها الأحقاف 13-14 ” إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون ” و فصلت 30 – 31 المذكورة أعلاه.

        فالإستقامة في آيات القرآن الكريم تدل على أن يكون قول الإنسان وعمله مطابقا لأحكام القرآن الكريم لأنه الشرع و القوانين التي فرضها الله تعالى على الناس، فمن عمل بأحكام القرآن يعتبر مستقيما في النظام الإسلامي. والدليل التكوير 27 – 28 ” إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم ” و الذكر في هذه الآية هو القرآن الذي أنزله الله لكافة الناس بالكون فمن اتبعه مستقيم لأنه على صراط الله. لقوله تعالى في سورة الأنعام 126 ” و هذا صراط ربك مستقيما فد فصلنا الآيات لقوم يذكرون ”  يس 60 – 61 ” ألم أعهد لكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين و أن اعبدوني هذا صراط مستقيم ” و المؤمنون 73 ” و إنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم ” فالقرآن هو الصراط الذي يعيد من اتبعه و عمل به إلى الله في الجنة ليحيى الحياة الدائمة في سعادتها و هود 112 ” فاستقم كما أمرت و من تاب معك و لا تطغوا إنه بما تعملون بصير ” الشورى 15 ” فلذلك فادع و استقم كما أمرت و لا تتبع أهواءهم ” ، هذه الاستقامة التي أمر بها الله فسرتها الأنعام 106 ” اتبع ما أوحي إليك من ربك ” الزخرف 43 ” فاستمسك بالذي أوحينا إليك إنك على صراط مستقيم ” و الزمر 55 ” و اتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة و أنتم لا تشعرون ” و آل عمران 101 ” ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم ” ، و آل عمران 103 ” واعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا ” فالاعتصام بذات الله العظيمة غير ممكن لأنه جل و على مستوي على العرش بالسماوات، فالاعتصام بالله و بحبله في هذه الآيات هو الالتزام بالقرآن الكريم و العمل بأحكامه قولا و عملا سرا و علانية و طاعة الله تعالى لأنه مع كل إنسان و كل مخلوقاته بسمعه و بصره وعلمه و تصرفه و كلامه، باستمرار في كل مكان بالكون.

فالإستقامة لها مفهومان مفهوم في نظام الإسلام و مفهوم في نظام الكفر و ثقافته و حضارته، كل نظام له قيمه. قيم النظام الإسلامي محددة في القرآن شرعها الله تعالى للناس كافة أما قيم نظام الكفار فهم الذين حددوها حسب أهوائهم، فالاستقامة عند الكفار هي التحلي بعاداتهم و أنماط سلوكهم و الالتزام بقوانينهم المستندة إلى هواهم و شهواتهم و كفرهم و ما تمليه عليهم الادعاءات الكاذبة التي كتبها لهم أسلافهم الذين حرفوا التوراة و الإنجيل و رفضوا الإيمان بالقرآن الكريم و العمل بأحكامه. و سوف أنشر بحثا آخر أبين فيه الأدلة القاطعة على أن الله تعالى ألغى و أبطل مفعول التوراة و الإنجيل بالقرآن الكريم.

فالعدل و الاستقامة عند الكفار أينما كانوا يعني الالتزام بقوانين و عادات وضعية خاصة ابتكروها مخالفة لشرع الله تعالى القرآن، و كمثال من باب العدل و الاستقامة عند الكفار التعامل بالربا و تبرج المرآة وشرب الخمر و الزنا و مقدماته أمام العموم، و التحايل لأكل أموال الناس بالباطل وعدم أداء الزكاة و ترك عبادة الله تعالى.

أما الإستقامة و العدل في النظام الإسلامي فلهما مفهوم مخالف، فالعدل في الإسلام هو الحكم بما أنزل الله في القرآن دون تحيز أو تمييز، و الاستقامة هي أن يكون قول المسلم وعمله مطابقين لما شرع الله تعالى في القرآن.

       ليس للإنسان في نظام الإسلام حرية اختيار السلوك الذي يريده كما هو الشأن لدى مجتمعات الكفار بل هو ملزم بالسلوك المحدد في القرآن الكريم و حقوق الإنسان في مجتمعات الكفار مبنية على حرية الفرد في فعل ما يريد، أما في النظام الإسلامي و دار الإسلام فإن حقوق المسلم محددة بأحكام و قوانين الله تعالى المحددة في القرآن الكريم.

      فالاستقامة حسب المفهوم الإسلامي هي التي تخول للمستقيم و هو المؤمن الصالح الصادق المتقي حماية و نصر و أمن الله تعالى مباشرة بتصرفه أو بواسطة جنوده التي تطبق أوامره. الله تعالى لا يستجيب لمن توكل عليه من الكفار و المنافقين و لكن يستجيب للمؤمنين الصالحين المتقين الذين نفذوا أوامره الواردة في القرآن و منها العمل بالأسباب و أغلق القوسين حول تفسير معنى الاستقامة في الإسلام التي هي شرط للفوز بنصر الله تعالى و حمايته في الدنيا و الآخرة.

       و أتابع البحث في تصرف الله تعالى بواسطة جنوده و منهم الملائكة، فهم ينفذون أوامر الله تعالى لتدبير أمور الكون و ما فيه، و الدليل الصافات 19-24 ” فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون و قالوا يا ويلنا هذا يوم الدين هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون احشروا الذين ظلموا و أزواجهم و ما كانوا يعبدون من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم وقفوهم إنهم مسؤولون ” و ق 24 ” ألقيا في جهنم كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب الذي جعل مع الله إلهً آخر فألقياه في العذاب الشديد ” فالملائكة هم المعنيون بأمر الله تعالى في الآيتين لإلقاء الظالمين في جهنم. و من جنود الله كذلك الجن و ينفذون أوامر الله و الدليل الأحقاف 29 ” و إذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي و لوا إلى قومهم منذرين ” و سبأ 12 ” و من الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه و من يزغ منهم عن أمرنا نذقه من عذاب السعير ” ، و يتعلق الأمر في هذه الآية بنبي الله سليمان الذي سخر له مجموعة من الجن، الشيطان من الجن الكفار. و إذا شاء الله سلطه على الظالمين و الدليل سبأ 20 – 21 ” و لقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين و ما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك و ربك على كل شيء حفيظ ”  و ص 36 – 37 ” فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب و الشياطين كل بناء و غواص ” الزخرف 36 – 37 ” ومن يعش عن ذكر الرحمان نقيض له شيطانا فهو له قرين و إنهم ليصدونهم عن السبيل و يحسبون أنهم مهتدون ” .

   و الله تعالى قادر في تصرفه المطلق العادل أن يسخر الإنسان لتحقيق ما يريده والدليل الحج 40 ” و لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع و بيع و صلوات و مساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا و لينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ” و الأنعام 53 ” و كذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين ” والأنعام 129 ” و كذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون ” و البقرة 251 ” و لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض و لكن الله ذو فضل على العالمين ” ، بل يعذب الله تبارك و تعالى الكفار بالأولاد و الأموال في الدنيا قبل نار جهنم في الآخرة إن لم يتوبوا توبة نصوحا نهائية قبل الموت و الدليل عدة آيات منها التوبة 55 ” فلا تعجبك أموالهم و لا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا و تزهق أنفسهم و هم كافرون ” .

   و الله تعالى قادر على نصر المؤمنين ببعضهم لقوله تعالى في سورة الأنفال 62 ” و إن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره و بالمؤمنين ” و الأنعام 65 ” قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا و يذيق بعضكم بأس بعض أنظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون ” و التوبة 14 ” قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم و يخزهم و ينصركم عليهم و يشف صدور قوم مؤمنين ” و لكن هناك حالات ظلم الناس لبعضهم دون تصرف الله تعالى لأنه عادل و لا يظلم مثقال ذرة كظلم الكفار و اعتدائهم على المسلمين و الدليل العنكبوت 10 ” و من الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ” و القصص 47 ” و لولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك و نكون من المؤمنين ” والروم 36 ” و إذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها و إن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون ” . وأحيلكم على الفصل الثاني حول عدل الله تعالى المنشور في موقعي بالإنترنيت.

       و يستعمل الله تعالى جنوده لتنفيذ أوامره و تصرفه في الكون من الأشياء أيضا و كل المخلوقات. و الدليل الأحزاب 9 ” يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا و جنودا لم تروها و كان الله بما تعملون بصيرا ” . هل هناك من يقاوم الريح القوية العاتية المدمرة الله تعالى يتحكم فيها و يعاقب بها من يستحق العقاب والرعد 13 ” و يرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء و هم يجادلون في الله و هو شديد المحال ” و الأحقاف 24 – 25 ” ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين ” و فصلت 16 ” فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا و لعذاب الآخرة أخزى و هم لا ينصرون ” و الذاريات 41 – 42 ” و في عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم ” و القمر 19 – 21  ” إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر فكيف كان عذابي و نذر ” .

و لله جنود من كل ما خلق يستعملها لتنفيذ ما يريد كالحيوانات و الطيور و الأشياء والدليل: سورة الفيل 1 – 5 ” ألم ترى كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل و أرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول ” و النحل 68 – 69 ” و أوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا و من الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ” .

         ألم تنفد النار أمر الله تعالى فلم تحرق رسوله إبراهيم عليه السلام. فتدبروا سورة الأنبياء 68 –70 ” قالوا حرقوه و انصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين قلنا يا نار كوني بردا و سلاما على إبراهيم و أرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين ” . فعلا أطاعت النار ربها ولم تحرق نبيه. و خذوا حذركم أيها الناس من أعضاء أجسامكم تشهد على أعمالكم و أقوالكم أمام الله تعالى الذي ينطقها بحكمته و يفهم كلامها. و الدليل النور 24 ” يوم تشهد عليهم ألسنتهم و أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ” وفصلت 21 – 22 ” وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء و هو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون و ما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم و لا جلودكم و لكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون « . ألم يستعمل الله تعالى البحر لينجي نبيه موسى عليه السلام و الذين آمنوا معه و ليغرق و يعذب فرعون و جنوده. تدبروا إخواني المحترمين البقرة 50 ” و إذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم و أغرقنا آل فرعون و أنتم تنظرون ” .

      الله تعالى يستعمل الأشياء لتنفيذ أوامره و تصرفه و قضائه و قدره، لما طغى قارون و تجبر بماله و كفر بالتوراة في عهد موسى عليه السلام أمر الله تعالى الأرض فابتلعته مع ماله و داره القصص 81 ” فخسفنا به و بداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله و ما كان من المنتصرين ” . و إذا شاء الله يقع زلزال الأرض المدمر. و الدليل: الزلزلة 1-5 ” إذا زلزلت الأرض زلزالها و أخرجت الأرض أثقالها و قال الإنسان ما لها يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها ” و النحل 26 ”   قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم و أتاهم العذاب من حيث لا يشعرون ” .

      فاتقوا الله أيها الناس والتزموا بالقرآن الكريم قولا و عملا سرا و علانية و أحبوا الله تعالى صاحب الفضل و النعم عليكم و خالقكم واعملوا بجد لتفوزوا في مباراة و امتحان الناس.

      رابعا: ابتلاء الله تعالى لاختبار وامتحان الناس

الله تبارك و تعالى هو خالق الكون و ما فيه و يملك كل ما خلق و منه الإنسان و هو الذي وضع القوانين و السنن المنظمة لكل ما خلق و يدبر كل ما خلق بتصرفه المباشر أو بواسطة جنوده من الملائكة و الإنس والجن و المخلوقات الحية و الأشياء و لكن الله عز وجل يبتلي من شاء من الناس لاختبارهم و امتحانهم حتى يعلم المؤمنين الصالحين الصادقين المتقين و المنافقين و الكفار والمجرمين و لا أحد يفلت من سنن و قواني الله تعالى و الدليل فاطر 43   ” فلن تجد لسنة الله تبديلا و لن تجد لسنة الله تحويلا ” .

      كل الكتب و الشرائع السماوية التي أنزلها الله على رسله ليبلغوها للأمم البشرية منذ رسول الله نوح إلى رسوله محمد بن عبد الله عليهما و على كل الرسل صلاة الله و سلامه كل هذه الكتب و آخرها القرآن الكريم ابتلاء من الله تعالى للناس ليعلم من يلتزم بها و يعمل بها و من يكفر بها ويعرض عنها. و قد خصص الجزاء لهذا الابتلاء أو الامتحان و الاختبار. فمن يطع الله و يلتزم بشرعه ينل نصر الله و أمنه و رحمته ورضاه و حبه و لقاءه والنظر إليه يوم القيام و الحياة الدائمة والأبدية في الجنة مع الله تعالى، أما الذين عصوا الله و كفروا بشرائعه و أعرضوا عنها فلهم عذاب الله تعالى، و نار جهنم في الآخرة. و الدليل كثير من الآيات منها المائدة 48 ” لكل جعلنا منكم شرعة و منهاجا و لو شاء الله لجعلكم أمة واحدة و لكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ” .

      فمنذ خلق الله آدم و حواء وأنزلهما مع الشيطان من الجنة بالسماوات إلى أرض الدنيا بين الله تعالى هذا الابتلاء والامتحان بقوله في سورة البقرة 38 – 39 ” قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون و الذين كفروا و كذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ” . قطع الله تعالى الناس أمما و الأمة مجموع سكان الكون في مرحلة زمنية معينة الذين آمنوا بشرع الله المنزل. و كل أمة ينزل لها الله تعالى كتابها بواسطة رسول خاص بها وهذا هو مدلول عبارة لكل جعلنا منكم شرعة و منهاجا في المائدة 48.

       و يتصرف الله تعالى في الكون و يبتلي الناس و يمتحنهم حسب الشريعة المنزلة إليهم الحديد 25 ” لقد أرسلنا رسلنا بالبينات و أنزلنا معهم الكتاب و الميزان ليقوم الناس بالقسط و أنزلنا الحديد فيه بأس شديد و منافع للناس و ليعلم الله من ينصره و رسله بالغيب إن الله قوي عزيز ” ، والشريعة التي يمتحن بها الله تعالى الناس منذ القرن السابع الميلادي هي القرآن الذي ألغى به الشرائع السابقة لأنه ملزم بأمر الله لكافة الناس بالكون. والأدلة على الابتلاء آل عمران 154 ” و ليبتلي الله ما في صدوركم و ليمحص ما في قلوبكم و الله عليم بذات الصدور ” و الصف 2-3 ” يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ” آل عمران 166 -167 ” و ما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله و ليعلم المؤمنين و ليعلم الذين نافقوا و قيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم و الله أعلم بما يكتمون ” و الكهف 7 ” إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا « و الملك 1-2 ” تبارك الذي بيده الملك و هو على كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا و هو العزيز الغفور ” والأنبياء 35 ” كل نفس ذائقة الموت و نبلوكم بالشر و الخير فتنة و إلينا ترجعون ” و يونس 14 ” ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون ” و النحل 92 ” إنما يبلوكم الله به و ليبين لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ” الأعراف 168 ” و قطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون و منهم دون ذلك و بلوناهم بالحسنات و السيئات لعلهم يرجعون ” التوبة 126 ” أو لا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون و لا هم يذكرون ” .

         فلا تتأثروا أيها المؤمنون الصالحون المتقون بالظروف و التطورات و التغيرات و الإغراءات ووسوسة و إغواء شياطين الجن و الإنس و تخويف الكفار و الحكام الموالين لهم بل اثبتوا على عقيدة الإسلام و الإيمان الصادق و العمل الصالح والتقوى حتى الموت لتفوزوا في مباراة الإبتلاء و الامتحان، وقاوموا الفقر والظلم بالعمل الصالح والتقوى و إعداد القوة التي أمر بها الله تعالى في سورة الأنفال 60. و تدبروا آل عمران 175 ” إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم و خافون إن كنتم مؤمنين « وخوف الله معناه طاعته أي الالتزام بالقرآن قولا و عملا سرا و علانية، فاحذروا ابتلاء الله لكم و اثبتوا على عقيدة الإسلام و طاعة الله و حبه، و الدليل محمد 4 ” و لو يشاء الله لانتصر منهم و لكن ليبلو بعضكم ببعض و الذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم ” محمد 31 ” و لنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم و الصابرين و نبلو أخباركم ” و سورة محمد 7 ” يا أيها الذين أمنوا إن تنصروا الله ينصركم و يثبت أقدامكم ” . الله تعالى قادر على فعل ما يريد و إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون و هو الغني القوي، و لكن يبتلي الناس ليختار منهم أصحاب الجنة و أصحاب النار. لهذا ينصر الله عز وجل أصحاب الجنة و يخذل أصحاب النار، والدليل آل عمران 160 ” إن ينصركم الله فلا غالب لكم و إن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده و على الله فليتوكل المؤمنون ” . لهذا لا يفوز في ابتلاء الدنيا و امتحانها إلا المؤمنون الصادقون المتقون، و الدليل عدة آيات منها النازعات 37 – 41 ” فأما من طغى و آثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى و أما من خاف مقام ربه و نهي النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى « و الليل 5-11 » فأما من أعطى و اتقى و صدق بالحسنى فسنيسره لليسرى و أما من بخل و استغنى  و كذب بالحسنى فسنيسره للعسرى و ما يغني عنه ماله إذا تردى ” الشمس من 7- 10 ” و نفس و ما سواها فألهمها فجورها و تقواها قد أفلح من زكاها  و قد خاب من دساها ” و الفجر 15 – 20 ” فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه و نعمه فيقول ربي أكرمن و أما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهاننن كلا بل لا تكرمون اليتيم و لا تحضون على طعام المسكين و تأكلون التراث أكلا لما وتحبون المال حبا جما ” والرعد 11 ” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم و إذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له و ما لهم من دونه من وال ” و القلم 17 – 20 ”  إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون فطاف عليها طائف من ربك و هم نائمون فأصبحت كالصريم ” .

       والذين آمنوا بموسى وبالتوراة نجاهم الله تعالى من طغيان فرعون بينما الذين استسلموا لظلمه و كفره عذبهم الله عز وجل. و الدليل الأعراف 141 ” و إذ أنجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يقتلون أبناءكم و يستحيون نساءكم و في ذلكم بلاء من ربكم عظيم ” و الزخرف 54 – 56 ” فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين فلما أسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين فجعلناهم سلفا و مثلا للآخرين ” . هذه الآية تفسر سورة هود 113 ” ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار و ما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون ” . فقاوموا الظلم أيها المسلمون و لا تطيعوا من ظلم و عصى الله تعالى لكي لا تنالوا نفس العذاب الذي خصصه الله تعالى للظالمين في الدنيا و الآخرة. فالظلم ليس من قدر الله تعالى و تصرفه أبدا و الأدلة كثيرة منها العنكبوت 10 ” و من الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ” . غافر 31 ” و ما الله يريد ظلما للعباد ” و الحج 10 ” و أن الله ليس بظلام للعبيد ” يونس 44 ” إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون ”   فكل إنسان مخير في عمله بين الخير و الشر بين الحسنات و السيئات و هو مسؤول عنه أمام الله عز و جل و السلطة الإسلامية و الدليل عدة آيات منها فصلت 40 ” اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير ” و الزمر 56 -59 ” أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله و إن كنت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها و استكبرت و كنت من الكافرين ” و أحيلكم على الفصل الثاني حول عذل الله المنشور في موقعي بالأنترت. و النحل 112 ” و ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع و الخوف بما كانوا يصنعون ” .

       وتدبروا إخواني المحترمين ابتلاء الله لنبيه سليمان بإحضار عرش حاكمة سبأ إليه في لحظة وجيزة بواسطة جنوده من الجن و الدليل النمل 40 ”   قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر و من شكر فإنما يشكر لنفسه و من كفر فإن ربي غني كريم ” . هناك أمثلة كثيرة عن ابتلاء الله للناس في القرآن الكريم منها ابتلاء الله تعالى لقوم ثمود بناقة، والدليل الأعراف 73 ” و إلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله و لا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم ” و الأعراف 77 – 78 ” فعقروا الناقة و عتوا عن أمر ربهم و قالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين ” . و هذا الابتلاء مؤكد في سورة القمر 27 – 31 ” إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر و نبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر فكيف كان عذابي  و نذر إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتضر ” فالذين آمنوا بآيات الله من قوم ثمود و أطاعوه نجاهم الله تعالى مع نبيه صالح عليه السلام والذين عصوا أمر الله دمرهم. و الدليل هود 66 – 67 ” فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا و من خزي يؤمئذ إن ربك هو القوي العزيز وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين ” .

والمائدة 94-95 ” يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم و رماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد و أنتم حرم ” . فلا يجوز شرعا قتل الصيد أثناء الإحرام للحج و العمرة و لو جاء الحمام مثلا في يد المحرم فذلك ابتلاء من الله تعالى. و هناك مثال آخر لابتلاء الناس طبقا للتوراة في عهد موسى عليه السلام، لقد حرم عليهم الله تعالى الصيد يوم السبت، فابتلاهم بأن لا تأتي الأسماك إلى مكان الصيد إلا يوم السبت فقط دون سائر الأيام الأخرى، فعصوا أمر الله تعالى واصطادوها فعاقبهم الله تبارك و تعالى حيث جعلهم قردة، و الدليل الأعراف 163 ” و اسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا و يوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون ” و الأعراف 166 ” فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين ” .

فاثبتوا أيها المسلمون على عقيدتكم و إيمانكم الصادق و طاعة الله و الالتزام بالقرآن قولا و عملا و سرا وعلانية مهما كانت الظروف المحيطة بكم ومهما كان الابتلاء و تدبروا القرآن وافهموه لتعرفوا ما أنتم ملزمون به لقوله تعالى في الزمر 55 ” اتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة و أنتم لا تشعرون ” و محمد 24 ” أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ” و النحل 42 ” فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ” .

       الله يبتلي الناس بالشر و الخير ليعلم و يكشف عن المؤمنين الصادقين و عن المنافقين و الكفار. و الدليل العنكبوت 2 – 3  ” أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون و لقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ” و الإنسان 2 -3 ” إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا إنا هديناه السبيل إما شاكرا و إما كفورا ” هود 7 ” و هو الذي خلق السماوات و الأرض في ستة أيام و كان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ” و المائدة 48 ” لكل جعلنا منكم شرعة و منهاجا و لو شاء الله لجعلكم أمة واحدة و لكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ” كل شريعة سماوية ابتلاء و امتحان و اختبار من الله للأمة المنزلة عليها في فترتها الزمنية التي أرادها الله تعالى و كل شريعة سماوية تحدد مناسك الأمة و الدليل الحج 34 ” و لكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا و بشر المخبثين ” و الحج 67 ” لكل أمة جعلنا منسكا هم ناسكوه فلا ينازعنك في الأمر و ادع إلى ربك إنك لعلى هدى مستقيم ” و طبعا القرآن ألغى و أبطل مفعول و صلاحية كل الشرائع السماوية السابقة. و آل عمران 166 – 167 ” و ما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله و ليعلم المؤمنين و ليعلم الذين نافقوا « و البقرة 143 ” و ما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ” . الله تعالى يتصرف أحيانا في كل مخلوقاته في إطار الابتلاء و ابتلاؤه لنبيه إبراهيم عليه السلام من الأدلة على ذلك، فقد أمره بذبح ابنه فامتثل لأمر الله و أطاعه ابنه أيضا، و لكن قبل الشروع في الذبح أمره الله تعالى بالتوقف و عدم ذبح ابنه و شكره على إيمانه و صدقه. و الدليل الصافات 110 – 112 ” فبشرناه بغلام حليم فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ما ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما أسلما وتله للجبين و ناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين إن هذا لهو البلاء المبين و فديناه بذبح عظيم و تركنا عليه في الآخرين سلام على إبراهيم إنه من عبادنا المؤمنين و بشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ” .

و من الأدلة على ابتلاء الله تعالى الأنعام 165 ” و هو الذي جعلكم خلائف في الأرض و رفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سريع الحساب و إنه لغفور رحيم .” فلا تغتروا أيها الناس بالمال بل اتقوا الله و استعملوه فيما يرضي الله إنه امتحان و ابتلاء لكم، و أدوا الزكاة و الصدقة و تذكروا طغيان قارون وتجبره و كفره بماله في عهد نبي الله موسى عليه السلام حيث عاقبه الله تعالى فابتلعته الأرض بداره و ماله. و الدليل القصص 81 ” فخسفنا به و بداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله و ما كان من المنتصرين ” و البقرة 155 -157 ” و لنبلونكم بشيء من الخوف و الجوع و نقص من الأموال و الأنفس و الثمرات و بشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله و إنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم و رحمة و أولئك هو المهتدون ” و الأعراف 130 ” و لقد أخذنا آل فرعون بالسنين و نقص من الثمرات لعلهم يذكرون ”  و آل عمران 186 ” لتبلون في أموالكم و أنفسكم و لتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم و من الذين أشركوا أذى كثيرا و إن تصبروا و تتقوا فإن ذلك من عزم الأمور ”   والزمر 49 – 51 ” و إذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة و لكن أكثرهم لا يعلمون قد قالها الذين من قبلهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون فأصابهم سيئات ما كسبوا و ما هم بمعجزين “

       و الله تعالى قد يبتلي الناس بالشياطين ليعلم الصادقين في الإيمان من المنافقين و الدليل سبأ 20 – 21 ” و لقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين و ما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك و ربك على كل شيء حفيظ ” . و أعتذر عن فتح قوسين لتوضيح ابتلاء الله تعالى للناس بالشياطين.

اعلموا أيها الناس أن الله تعالى مع كل مخلوقاته في الكون بسمعه و بصره و علمه وتصرف و كلامه. و كل ما خلق الله في الكون ملك له و خاضع لتصرفه المطلق العادل بما في ذلك الإنس و الجن و الملائكة و الرسل و كل ما خلق الله تعالى.

الشيطان كافر و الله تعالى قادر على معاقبته و التصرف فيه و لكن ترك ذلك ليوم القيامة و لكن الشياطين الذين يموتون يدخلهم بعد البعث إلى جهنم الأعراف 38 ” قال ادخلوا في أمم قد خلت من الجن و الإنس في النار ” حسب قوانين الله تعالى و سننه في الكون لا يدخل الجنة من عصى الله إلا من تاب توبة نصوحا دائمة و نهائية لا رجعة فيها و عاد إلى طاعة الله، فآدم تاب لله الذي قبل توبته أما الشيطان فإنه رفض التوبة بعد العصيان الكهف 50 ” و إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه ” . و لو شاء الله تعالى ما كان للشياطين سلطانا على الناس و لكن جعل ذلك ابتلاء لهم ليعلم من له إيمان صادق قوي و هو الذي لا يتبع الشياطين و يصمد على طاعته لله تعالى و الأدلة ما يلي  : الحجر 42 “إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ”  و المجادلة 10 ” إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا و ليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله و على الله فليتوكل المؤمنون ” و النحل 98 – 100 ” فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا و على ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه و الذين هم به مشركون ” . الله تعالى قد يبتلي الناس بالشياطين من الجن و أتباعهم من الإنس لقوله تعالى في سورة محمد 29 – 31 ” أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم و لو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم و لتعرفنهم في لحن القول و الله يعلم أعمالكم و لنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم و الصابرين و نبلو أخباركم ” .

         لهذا أمرنا الله تعالى باتباع القرآن و عدم اتباع الشياطين و أوليائهم من البشر. الزخرف 61 – 62 ” و اتبعون هذا صراط مستقيم ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين ” ، المجادلة 19 ” استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون ” و النساء 119 – 121 ” و من يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا يعدهم و يمنيهم و ما يعدهم الشيطان إلا غرورا أولئك مأواهم جهنم ولا يجدون عنها محيصا ” ص: 84 – 85 ” قال فالحق و الحق أقول لأملأن جهنم منك و ممن تبعك منهم أجمعين ” .

      و قد أمرنا الله تعالى بعدم اتباع الشيطان و الدليل: النور 21 ” يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان و من يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء و المنكر ” و آل عمران 175 ” إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم و خافون إن كنتم مؤمنين ” و الزخرف 62 ” و لا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين ” و محمد 25 ” إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعدما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم و أملى لهم ” و الأنعام 121 ” و إن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم فإن أطعتموهم إنكم لمشركون ” . فالشياطين يستعملون أتبعاهم من الإنس و هم الكفار للتأثير على المؤمنين و إغوائهم و صدهم عن سبيل الله. و لهذا يجب أن يكون إيمان المسلم قويا و صلبا و أن يتبع ما أنزل الله تعالى و هو القرآن الذي حفظه من كل تحريف أو تزوير لقوله تعالى في سورة التكوير 25 – 28 ” و ما هو بقول شيطان رجيم فأين تذهبون إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم ” ، فالقرآن كلام الله تعالى و ليس كلام الشيطان و علينا اتباع كلام الله و الابتعاد عن كلام الشياطين و أتباعهم من الإنس. هناك من يعتقد خطأ أن الشيطان يدخل في جسم الإنسان و فكره، و هذا غير صحيح نهائيا، فالشيطان كائن و مخلوق مثل الكائنات المخلوقة و له ذات خاصة به، فهو يرى الإنسان و يسمع أقواله و يلقي إليه الكلام الذي يريده مباشرة أو بواسطة إنسان آخر كافر خاضع لولاية الشيطان و تابع له، و الدليل الأعراف 27 ” يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوأتهما إنه يراكم هو و قبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون ” .

فاحذروا الكفار لأنهم خاضعون لولاية الشياطين لقوله تعالى مريم 83 -84 ” ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تأزهم أزاً فلا تعجل عليهم إنما نعد هم عدا ” و الزخرف  36 -37 ” و من يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين و إنهم ليصدونهم عن السبيل و يحسبون أنهم مهتدون ” . الشيطان يغوي الإنسان بكلامه الذي يلقيه و بأوليائه و الدليل الإسراء 64 ” و استفزز من استطعت منهم بصوتك و أجلب عليهم بخيلك و رجلك و شاركهم في الأموال و الأولاد و عدهم و ما يعدهم الشيطان إلا غروراً ” فالشياطين يلدون الأولاد و يموتون مثل الإنسان و الحيوان و الدليل الكهف 50 ” أفتتخذونه و ذريته أولياء من دوني و هم لكم عدو بئس للظالمين بدلا ” و الأعراف 38 ” قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن و الإنس في النار ” و الإسراء 53 ” و قل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزع بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا ” فالشيطان يوسوس في تفكير الإنسان و اعتقاده بصفة خارجة عنه بأقواله مباشرة أو بواسطة أتباعه من الكفار. و هذا هو التفسير الذي نفهمه من سورة الناس 1 – 6 ” قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة و الناس ” .

        لهذا يجب الحذر من النفس الأمارة بالسوء هي أيضا والهوى و التحكم فيها، لأنها قد تدفع الإنسان إلى التفكير و القول و العمل بما لا يرضي الله تعالى دون تأثير الشيطان، و الدليل يوسف 53 ” وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ” الفرقان 43 ” أرأيت من اتخذ إلهه هواه ” و النازعات 37 -41 ” فأما من طغى و آثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى و أما من خاف مقام ربه و نهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ” ، فتحكموا أيها الناس في النفس و الهوى و التزموا في أقوالكم و أعمالكم و تفكيركم بالقرآن الكريم فهو مادة الابتلاء و الاختبار و الامتحان في هذه الحياة الدنيا، من التزم به فاز في الامتحان ونال الحياة الدائمة في سعادة الجنة بعد البعث، و نصر الله و حمايته في الدنيا. و أغلق القوسين حول الشيطان و أتابع البحث في الابتلاء.

        و أذكر ابتلاء الله تعالى لفرعون وقومه، الأعراف 134 – 136 ” و لما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك و لنرسلن معك بني إسرائيل فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكتون فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين ” .

      تأملوا أيها الناس ما فعل و يفعل الله تعالى بالمنافقين و الكاذبين، فكونوا صادقين في إيمانكم و حبكم لله لأن من علامات الإيمان الصادق أن يكون المسلم أشد حبا لله من غيره و لو الرسل و الدليل  : البقرة 165 ” و الذين آمنوا أشد حبا لله ” و التوبة 24 ” قل إن كان آباؤكم و أبناؤكم و إخوانكم و أزواجكم و عشيرتكم و أموال اقترفتموها و تجارة تخشون كسادها و مساكن ترضونها أحب إليكم من الله و رسوله و جهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره و الله لا يهدي القوم الفاسقين ” و اتقوا الله حقا بصدق حتى الموت تفوزوا في ابتلاء و امتحان و اختبار الله لكم في الدنيا فيجازيكم الله تعالى بسعادة الجنة الخالدة الدائمة و ينجيكم من نار جهنم و ذلك الفوز العظيم لقوله تعالى في التوبة 119 ” يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و كونوا مع الصادقين ” و آل عمران 102 ” يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون ” و الحجر 99 ” و اعبد ربك حتى يأتيك اليقين ” أي حتى الموت.

        إن الأمة الإسلامية و كافة المسلمين فرض عليهم الله تعالى مهمة فرض تطبيق منهجه و حكمه أي القرآن في دار الإسلام، و أسند إليهم مهمة انتخاب أولي الأمر من المؤمنين الصادقين المتقين المؤهلين لممارسة السلطة الإسلامية في دار الإسلام تحت مراقبة الأمة الإسلامية. لهذا على المسلمين مقاومة ظلم الحكام و إخضاعهم لشرع الله تعالى، و هذا ابتلاء لهم من الله تعالى، فهو قادر على رفع ظلمهم لقوله تعالى في عدة آيات منها محمد 4 ” و لو يشاء الله لانتصر منهم و لكن ليبلو بعضكم ببعض و الذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم ” ، و هنا يظهر الكذب على رسول الله تعالى حيث نسبوا إليه حديثا كذبا قالوا فيه أن ما يسمى المهدي المنتظر سيعود للدنيا لرفع ظلم الحكام و إقامة العدل، و هذا القول الكاذب سم قاتل يراد به استسلام الناس للأمر الواقع في حين أن من الواجب على المسلمين مقاومة الظلم وفرض تطبيق القرآن في دار الإسلام.

         إن الله تعالى جعل الجهاد بالنفس و المال شرطا من شروط الإيمان، و الدليل الحجرات 15 ” إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله و رسوله ثم لم يرتابوا و جاهدوا بأموالهم و أنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون ” . القرآن مادة ابتلاء الله عز وجل للناس و امتحانهم و اختبارهم، لهذا فالجهاد في سبيل الله تعالى هو الدفاع عن القرآن و الالتزام به و فرض تطبيقه في دار الإسلام و الدفاع عنه في مواجهة اعتداء الكفار. و هذا فرض و واجب على كل مسلم تتوفر فيه الاستطاعة، لهذا فرض الله تعالى واجب إعداد القوة الضرورية لمواجهة أعداء الله و دين الله الإسلام، و الدليل الزمر 55 ” و اتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة و أنتم لا تشعرون ” ، و الأنفال 60 ” و أعدوا لهم ما استطعتم من قوة ” . هذه  القوة لا تتحقق إلا باتباع القرآن و الالتزام بأحكامه الشرعية و العمل الحلال المنتج و التنمية الاجتماعية و الاقتصادية و البحث العلمي و التكوين و إقامة منهج و عدل الله تعالى في دار الإسلام. إن طاعة الله و اتباع القرآن و هو أوامر الله و نواهيه و حكمه تخول المؤمنين نصر الله و حمايته و تأييده، و الدليل محمد 7 ” يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم و يثبت أقدامكم ” و آل عمران 160 ” إن ينصركم الله فلا غالب لكم و إن يخذلكم فمن الذي ينصركم من بعده و على الله فليتوكل المؤمنون ” . فأعدوا أيها المؤمنون القوة التي أمركم بها الله تبارك و تعالى للدفاع عن القرآن و دار الإسلام و احذروا الكفار إنهم أعداء الله و أعداؤكم و لهم هدفان من وراء سياستهم و حروبهم الأول رغبتهم في القضاء على الإسلام و تكفير المسلمين؛ لأنهم يرفضون ثقافة و نظام القرآن و مؤسساته و قوانينه الاجتماعية و الاقتصادية التي فرضها الله تعالى. و الهدف الثاني أنهم يريدون الاستيلاء على ثروات بلاد المسلمين و خيراتها، هناك أدلة كثيرة منها آل عمران 99-100 ” قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله من آمن تبغونها عوجا و أنتم شهداء و ما الله بغافل عما تعملون يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين ” ، و الأنفال 55 ” إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون ” و الممتحنة 1 ” يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي و عدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة و قد كفروا بما جاءكم من الحق ” و البقرة 217 ” و لا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا و من يرتدد منكم عن دينه فيمت و هو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا و الآخرة و أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ” .

          فتوحدوا أيها المسلمون في دار الإسلام امتثالا لأمر الله تعالى حول القرآن و اتبعوه، و الدليل الحجرات 10 ” إنما المؤمن إخوة ” ، و آل عمران 103 ” واعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا ” . والقرآن هو نعمة الله تعالى التي توحد المسلمين إذا اتبعوه قولا و عملا سرا و علانية. و هذا أمر من الله تعالى لقوله في عدة آيات منها الزمر 55 ” و اتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة و أنتم لا تشعرون ” ، وآل عمران 105 ” و لا تكونوا كالذين تفرقوا و اختلفوا من بعدما جاءهم البينات و أولئك لهم عذاب عظيم ” ، هذه أدلة على وجوب وحدة المسلمين و تعاونهم في إطار قوانين الله تعالى في القرآن و جزاء التفرقة عذاب الله تعالى. و الدليل أيضا المائدة 2 ” و تعاونوا على البر و التقوى ولا تعاونوا على الإثم و العدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب ” ، فالوحدة السياسية و الاقتصادية و الدينية بين المسلمين واجب شرعي فرضه الله تعالى.

         في هذه النقطة الرابعة من هذا البحث بينت بالأدلة الشرعية الدالة على أن الله تبارك و تعالى يتصرف في مخلوقاته و منها الإنسان بالمكافأة عن التقوى والعمل الصالح و بالعقاب عن الكفر و الظلم أو بالابتلاء خيرا أو شرا لإظهار حقائق النفوس و معرفة المؤمنين الصادقين من الكفار و المنافقين.

خاتمة هذا البحث:

        فسرت حسب ما استطعت تدبره في كتاب الله تبارك و تعالى سورة الحديد 4 ” هو الذي خلق السماوات و الأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض و ما يخرج منها و ما ينزل من السماء و ما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم و الله بما تعملون بصير ” ، قارنت هذه الآية بآيات القرآن الأخرى و بينت ما يفسرها و يؤيدها من كتاب الله تعالى فتوصلت إلى نتيجة أساسية حقيقية و مؤكدة بالأدلة الشرعية و هي أن الذي خلق هذا الكون و ما فيه و يدبر أموره هو الله تعالى و هو مستوي بذاته العظيمة على العرش بالسموات و تفسير عبارة ” و هو معكم أينما كنتم ” الواردة في الآية و غيرها من الآيات الأخرى لا تدل على أن الله تعالى مع كل مخلوقاته بذاته العظيمة، و لكن بسمعه و بصره و علمه و تصرفه و كلامه رغم كونه في السموات فوق العرش العظيم.

        و أعطي أمثلة عن الآيات التي وردت فيها عبارة ” و هو معكم ” و منها المجادلة 7 ” ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات و ما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم  و لا خمسة إلا هو سادسهم و لا أدنى من ذلك و لا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم ” ، و التوبة 40 ” إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه و أيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى و كلمة الله هي العليا و الله عزيز حكيم و الأنفال 12 ” إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فتبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق و اضربوا منهم كل بنان ” والنساء 108 ” يستخفون من الناس و لا يستخفون من الله و هو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول و كان الله بما يعملون محيطا ” .

        الله تعالى مع كل مخلوقاته ومنها الإنسان بسمعه و بصره و علمه بما في فكر الإنسان   من أسرار و بتصرفه و كلامه فكيف يختبئ الإنسان و يستخفي عن الناس و يرتكب المحرمات و الله تعالى يراه و يسمعه و يعلم ما في قلبه و فكره و قادر على التصرف فيه بصفة مباشرة و لو كان الإنسان في باطن الأرض و البحر أو في السماء رغم كون الله عز وجل مستويا على العرش بذاته العظيمة في السماوات، لو كان كل الناس يشعرون بهذه الحقيقة و يحترمون من خلقهم و له الفضل و الإحسان في توفير مصادر طعامهم و الهواء الذي هو أساس حياتهم و حركتهم و هو الله عز وجل لو شعروا بها لضبطوا سلوكهم و قولهم وتفكيرهم و لعم السلم و الأمن و الازدهار في المجتمع باتباع القرآن الكريم.

و من الآيات التي فيها عبارة و هو معكم الشعراء 61 – 66 ” فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون قال كلا إن معي ربي سيهدين فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم و أزلفنا تم الآخرين و أنجينا موسى و من معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين ” . و قال الله تعالى لنبيه موسى و أخيه هارون عليهما السلام طه 46 ” قال لا تخافا إني معكما أسمع و أرى ” و الأنفال 19 ” إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح و إن تنتهوا فهو خير لكم و إن تعودوا نعد و لن تغني عنكم فئتكم شيئا و لو كثرت و أن الله مع المؤمنين ” ، هذه الآية لا تعني أن الله مع المؤمنين فقط بل الله تعالى مع كل مخلوقاته و منها الإنسان سواء مؤمنين أو كفار و منافقين بسمعه و بصره وعلمه و  تصرفه و كلامه و لكن المقصود من العبارة و أن الله مع المؤمنين في هذه الآية الكريمة أن الله تعالى ينصر و يؤيد و يحمي المؤمنين إذا كانوا مؤمنين صادقين حقا و صالحين و متقين. و ق 16 ” و لقد خلقنا الإنسان و نعلم ما توسوس به نفسه و نحن أقرب إليه من حبل الوريد ” و الواقعة 83 – 87 ” فلولا إذا بلغت الحلقوم و أنتم حينئذ تنظرون و نحن أقرب إليه منكم و لكن لا تبصرون فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين ” . عندما يكون الإنسان في حالة احتضار للوت يأتي الملك المكلف بأخذ روحه بأمر من الله تعالى و هو مع المحتضر و لكن الناس لا يرونه والله تعالى مع الجميع بسمعه و بصره و علمه و تصرفه و كلامه رغم كونه مستويا على العرش بالسماوات. الله تعلى لا يكون مع مخلوقاته بذاته العظيمة و لا يراه إلا المستحقون للجنة بعد البعث في أرض الجنة بالسماوات. و هناك سورة النحل 128 ” إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ” الله تعالى مع الكفار و المجرمين أيضا يراقبهم و يتصرف فيهم إن شاء  لكن المقصود في هذه الآية أن الله تعالى ينصر و يؤيد و يحمي المتقين الصالحين الصادقين. بهذا البحث أجبت عن التساؤل الذي طرحته كعنوان لهذا المثل التطبيقي عن كيفية استنباط الأحكام الشرعية من آيات القرآن الكريم ‘من هـو الله تعالـى و أين هـو’، الله تعالى ذات عظيمة مستوي على العرش بالسماوات خلق كل ما هو موجود في الكون و يدبر أمور مخلوقاته و هو معها كلها بسمعه و بصره و علمه و  تصرفه و كلامه، ألا نستحيي أيها الناس من الله تبارك و تعالى و نضبط تفكيرنا و ما في أنفسنا و أقوالنا و أعمالنا لتكون مطابقة للقرآن لأنه من العار أن نفكر و لو سرا فيما لا يرضي الله لأنه يعلمه فبالأحرى قوله أو العمل به. و سوف أتابع نشر سلسلة من الأمثلة التطبيقية حول استنباط الأحكام الشرعية من آيات القرآن و الموضوع القادم أدلة إبطال و إلغاء الله تعالى لمفعول و صلاحية التوراة و الإنجيل بالقرآن. و لا إله إلا الله وحده لا شريك له و الحمد لله رب العالمين.

الرحلي احمد

Copyright 2024, All Rights Reserved