المصير الحتمي لكل إنسان بعد موته كما بينه الله تعالى في القرآن

باسم الله الرحمن الرحيم

الخميس 6 جمادى الثانية 1431

20 ماي 2010

بحث أعده الرحلي أحمد

من هيأة التدريس بالتعليم العالي سابقا متقاعد

 عنوانه : شارع وادي سبو حي الوفاق رقم 910 الدار البيضاء

الهاتف: 06.68.12.07.74

الموقع بالانترنيت: www.errahliahmed.com

 

الموضوع:   المصير الحتمي لكل إنسان بعد موته كما بينه الله تعالى في القرآن

 المقدمة: لقد نشرت عدة أبحاث في موقعي بالانترنيت المذكور أعلاه لتوضيح كيفية فهم القرآن المجيد واستنباط الأحكام الشرعية من آياته الكريمة. و قد أعلنت أني سأنجز بحثا في إطار هده السلسلة حول البعث بعد الموت. و وفاء بالوعد أقدم للقراء والباحثين والدعاة المحترمين هدا البحث حول موضوع:  المصير الحتمي لكل إنسان بعد موته كما بينه الله تعالى في القرآن.

   هذا الموضوع يطرح إشكالية هامة وأساسية لأنه يبين المصير الذي سوف يكون عليه كل إنسان ودون استثناء بعد الموت الحتمي. فوجود الإنسان في الدنيا مؤقت والحياة في الدنيا ابتلاء و امتحان و اختبار تظهر نتيجته بعد البعث عند الحساب. بعد الموت الحتمي تبدأ مرحلة الإحياء في جسد آخر ثم الصعود إلى أرض الجنة وجهنم بالسماوات من أجل الحساب والجزاء عن أعمال الدنيا وابتلائها.

   و طبقا لكتاب الأعمال التي عملها الإنسان في الدنيا قبل موته يحدد الله عز وجل مصير كل مبعوث. فينال الجنة إدا كانت أعماله صالحة ومطابقة للقرآن. وينال جهنم إدا كفر ولم يلتزم بأحكام القرآن أو كانت سيئاته أكثر من حسناته.

وطبقا لنتيجة امتحان الدنيا يعيش الإنسان الحياة الدائمة الأبدية بعد البعث في عذاب جهنم أو في سعادة الجنة.

    وأهمية هدا البحث تتجلى في توضيح الأدلة والأحكام الشرعية التي تقنع الناس وتزيل الشكوك والأوهام التي تسيطر على عقول كثير من الناس، حيث لا يصدقون أو لا يدركون حقيقة حتمية وهي أنهم سيبعثهم الله تعالى بعد الموت في نفس الجسد والصورة والأعضاء والعقل والذاكرة والبصمات والعلامات ليحاسبهم أمام الملائكة عن أعمالهم  التي عملوها قبل الموت في أرض الدنيا. وهدا الحساب والجزاء يتم في أرض الجنة وجهنم بالسماوات.

وأهمية هدا البحث كذلك تتجلى في كونه يقنع الناس بالأدلة والبراهين على أن عملية إحياء الأموات وبعثهم أمام الله تعالى للحساب  والجزاء في السموات مستمرة مند موت آدم وحواء عليهما السلام. فالادعاء بأن كل الأموات لا زالوا تحت الأرض في انتظار قيام الساعة الكبرى الختامية التي يفنى فيها ويموت كل الناس ادعاء باطل ومخالف لما بينه الله تعالى في آيات القرآن الكريم.

   وقد حاولت حسب استطاعتي استنباط الأحكام الشرعية المتعلقة بالموضوع المطروح من آيات القرآن. فقارنتها ببعضها وحددت العلاقة التشريعية والتأكيدية والتفسيرية القائمة بينها لأن القرآن يفسر بعضه بعضا. ولا يجوز شرعا تفسير آية مستقلة و منفصلة عن آيات القرآن الأخرى. واستغفر الله تعالى إن أخطأت والله أعلم.

و سأبين المصير الحتمي لكل إنسان بعد الموت كما حدده الله تعالى في القرآن طبقا للتصميم الآتي:

المبحث الأول: حتمية إحياء كل إنسان بعد موته

أ- الأحكام الشرعية الدالة على حتمية الموت

 1- الحياة الدنيا مؤقتة ودار امتحان لكل إنسان

           2- حتمية موت كل إنسان في الدنيا

– لا يستثنى أي إنسان من الموت في الدنيا

– موت كل إنسان محدد بأجل من الله تعالى

– لا يموت الإنسان بعد البعث أبدا

ب- الأحكام الشرعية الدالة على حتمية إحياء الأموات

  1-  كيف يحيي الله تعالى الموتى

  2-  الصعود بالمبعوثين لأرض الجنة وجهنم  بالسماوات

المبحث الثاني: الله تعالى يحدد مصير كل إنسان بعد البعث طبقا لنتيجة حساب أعماله بالدنيا

 أ- مدلول البعث

 1- البعث بمعنى إرسال الرسل إلى الناس

 2- البعث بمعنى الإحياء بعد الموت

 3- البعث بمعنى الحشر والعرض أو القيام للحساب

ب- مصير كل إنسان بعد البعث يحدده الله تعالى طبقا لكتاب أعماله

1- لا يشارك الله تعالى أحد في تحديد مصير المبعوث

2- الله تعالى عادل عدلا مطلقا في تحديد مصير المبعوث

3- يحدد الله تعالى مصير كل إنسان طبقا لموقفه من القرآن.

ج- البعث للحساب مستمر من آدم إلى قيام الساعة الكبرى الختامية

 1- أدلة استمرار البعث المتواصل للحساب

 2- أدلة قيام الساعة أو القيامة الكبرى الختامية

المبحث الأولحتمية إحياء كل إنسان بعد موته

خلق الله تعالى آدم وحواء في الجنة وبعد عصيانهما مع الشيطان له أمرهم بالهبوط من الجنة إلى أرض الدنيا ليستقروا فيها ويحيوا حياة مؤقتة ختامها الموت والعودة إلى الآخرة بعد إحياء الله تعالى لهم. هذه السنة الربانية مطبقة على ذرية آدم أيضا حتى الآن وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ودلك عندما تقوم الساعة الكبرى الختامية. لهدا فإن الموت حتمي وإحياء الميت في جسده الثاني بعد الموت حتمي. وسوف أبين الأحكام الشرعية الدالة على حتمية الموت في النقطة أ . والأحكام الشرعية الدالة على حتمية إحياء الأموات في النقطة ب .

أ- الأحكام الشرعية الدالة على حتمية الموت

أقصد بالأحكام الشرعية القواعد والقوانين التي سنها وشرعها الله تعالى في القرآن المجيد والتي أستنبطها من آياته الكريمة والتي تتعلق بحتمية موت كل إنسان في الدنيا. و لكن قبل دلك ما هي طبيعة الحياة الدنيا التي يعيش فيها كل إنسان قبل موته الحتمي وما هي الغاية الأساسية منها.

و سأحلل ذلك في نقطتين 1- الحياة الدنيا مؤقتة ودار امتحان لكل إنسان 2- حتمية موت كل إنسان في الدنيا.

1- الحياة الدنيا مؤقتة ودار امتحان لكل إنسان

    أول إنسان خلقه الله عز وجل هو آدم وزوجته في الجنة. ولما قرر استخلاف البشر في أرض الدنيا أنزلهما مع الشيطان ومن ذريتهما خلق الله سائر الناس ونحن منهم . والدليل البقرة 30 ” وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ” والبقرة 36 ” وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين”. الله تعالى استخلف الإنسان في أرض الدنيا ليعيش فيها حياة مؤقتة تنتهي بموته ولكن فرض عليه الالتزام بنظام الاستخلاف. وهو شرع الله تعالى المنزل على رسله لكل أمة بشرية حسب فترتها الزمنية التي حددها والدليل البقرة 38-39 ” قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والدين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ” والأعراف 35-36 ” يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون”.  فالهدى الذي يأتي للناس من الله وآيات الله تعالى في هذه الآيات المذكورة هي شرائعه وكنبه التي حدد فيها نظام استخلاف الناس في أرض الدنيا أي القواعد والأحكام الشرعية التي فرض على كل أمة الالتزام بها في فترتها الزمنية. وهناك آية مؤيدة لما سبق هي الحديد 25 ” لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز”. والحديد 7 ” آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه” ويونس 14 ” ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون” و النمل 62 ” ويجعلكم خلفاء الأرض ” وهود 61 ” هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها “. إذن خلق الله عز وجل الإنسان ليستخلفه في الأرض لإعمارها ولعبادته في نفس الوقت لقوله تعالى في الذاريات 56 ” وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون” .وعبادة الله ليست العبادة الشعائرية فقط مثل الصلاة والصوم والزكاة والصدقة والحج بل بالإضافة إليها هناك العبادة التعاملية، ونظام الاستخلاف كله أي الالتزام بشرع الله كله قولا وعملا سرا وعلانية لأنه يشتمل على كل الفرائض و المحرمات. وطبعا القرآن المجيد هو نظام استخلاف كل البشر في الدنيا. لقد نسخ به الله تعالى كل الشرائع السابقة كالتوراة والإنجيل. وكل من لم يعمل بأحكام القرآن ولم يعبد الله تعالى طبقا لما فيه كافر ومصيره جهنم وعذاب الله تعالى إن لم يتب توبة صادقة نصوحا لا رجعة فيها قبل الموت بصدق. وأحيلكم على بحث نشرته في موقعي المذكور أعلاه بالانترنيت حول موضوع:  ” أدلة بطلان صلاحية الثوراة والإنجيل بالقرآن وأحكام الكفر و الإيمان”.

   فالحياة الدنيا مؤقتة لأنها تنتهي بالنسبة للإنسان بموته العادي وبالنسبة لكافة الناس بزلزلة الأرض وفناء كل من عليها بأمر من الله تعالى عندما تقوم الساعة الكبرى الختامية. والحياة الدنيا فترة ابتلاء و امتحان و اختبار من الله للناس مادته هدى الله وآياته وكتبه وناسخها وخاتمها القرآن. ومن الأدلة : فاطر 39 ” هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا “. والكهف 7 ” إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا ” والملك 2 ” الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ” وهود 7 ” وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا” والإنسان 2-3 ” إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا “. و الشمس 7-10 ” ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها “. الله تعالى بين للإنسان في القرآن ما هو فجور وإجرام وما هو تقوى وعمل صالح. فإذا تجنب الفجور والإجرام والتزم بالتقوى والعمل الصالح يفوز بالحياة الدنيا والآخرة بعد الموت والبعث. وهناك دليل مماثل في النازعات 37-41 ” فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى”.

   كل إنسان في هده الحياة الدنيا ملزم باجتياز مباراة استخلاف الله تعالى له. فهو ملزم شرعا بالمساهمة في إعمار الأرض أي  العمل الحلال للبناء والتشييد والتمتع بزينتها التي خلقها الله له والمساهمة في تكوين قوة الدولة الإسلامية للقيام بالدعوة إلى الله تعالى وتبليغ القرآن للناس والدفاع عن الإسلام ودار الإسلام في مواجهة اعتداء الكفار والمنافقين  وعبادة الله تعالى ولكن يجب أن يكون العمل لمتاع الدنيا حلالا موازيا للعمل لمتاع الآخرة الدائم بعد البعث بحيث يكون كل عمل أو قول يصدر عن الإنسان مطابقا لأحكام القرآن الذي هو مادة امتحان الفوز برؤية الله تعالى في الآخرة وبالسعادة والحياة الدائمة الخالدة في الجنة. فلا يجوز شرعا الاهتمام بمتاع الدنيا وزينتها وإهمال العمل لمتاع الآخرة. بل يجب أن يعمل الإنسان لمتاع الدنيا في إطار شرع الله وعبادته وطاعته. فالدنيا مزرعة للآخرة. ومن الأدلة ما يلي : يونس 7-8 ” إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم  النار بما كانوا يكسبون” والأحقاف 20 ” ويوم يعرض الدين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون” و محمد 12 ” إن الله يدخل الدين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم” . فلا فائدة من متاع الدنيا المؤقت إذا لم يعمل الإنسان في إطار القرآن أي عبادة الله وطاعته لأن متاع الآخرة في الجنة أهم وهو الدائم الأبدي. أما الذي لم يعبد الله ولم يطعه ولم يلتزم بالقرآن فمهما تمتع في الحياة الدنيا المؤقتة فإن مصيره بعد البعث عذاب الله تعالى في جهنم بل له عذاب أدنى مؤجل من الله في الدنيا أيضا. ومن الأدلة أيضا البقرة 229 ” تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون”. و حدود الله تعالى التي يجب على كل إنسان في الدنيا الالتزام بها وعدم تعديها هي أحكام القرآن الشرعية. والجاثية 35 ” ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزؤا وغرتكم الحياة الدنيا  فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون” . فالذي اهتم بمتاع الحياة الدنيا وحده  وأهمل عبادة الله وأعرض عن القرآن وخالف أحكامه في قوله وعمله جزاؤه عذاب الله في الدنيا وجهنم في الآخرة بعد البعث لقوله تعالى في سورة السجدة 22 ” ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون”  والنجم 29 ” فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا” ، والمنافقون 9 ” يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ” والشعراء 205-207 ” أفرأيت إن متعناهم سنين ثم جاءهم ما كانوا يوعدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتعون” . فمتاع الدنيا وأموالها وزينتها لا يعفى الكفار والمعرضين عن القرآن من عذاب الله ونار جهنم. هناك عدة آيات في القرآن تؤكد هذه الحقيقة منها : سبأ 37 ” وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون” و إبراهيم 2-3 ” الله الذي له ما في السموات وما في الأرض وويل للكافرين من عذاب شديد الدين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة ويصدون عن سبيل الله و يبغونها عوجا أولئك في ضلال بعيد ” والهمزة 1-9 : ” ويل لكل همزة لمزة الذي جمع مالا وعدده يحسب أن ماله أخلده كلا لينبذن في الحطمة وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة إنها عليهم مؤصدة في عمد ممدة” والمسد 1-5 ” تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد “. فلا تفضل أيها الإنسان متاع الدنيا وتتبع هواك وشهواتك بل اعمل للدنيا في الحلال لإشباع رغباتك المشروعة ولكن في إطار طاعة الله والالتزام بالقرآن وفي موازاة مع عبادة الله تعالى. وهذه قاعدة شرعية فرضها الله تعالى في كل كتبه المنزلة للناس. والدليل الأعلى 14-19 ” قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا  والآخرة خير وأبقى إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى ” و الأعراف 51 ” الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون ” والليل 5-11 ” فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى وما يغني عنه ماله إذا تردى “. فعلى الإنسان أن يعبد الله ويلتزم بالقرآن قولا وعملا في إطار العمل لمتاع الدنيا الحلال وأن لا يغتر بالحياة الدنيا لأنها مؤقتة خاتمتها الموت حتما وسوف يبعث الميت ويحاسب أمام الله تعالى عن أعمال الدنيا حتما لقوله تعالى في آيات كثيرة منها : فاطر5 ” يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم  بالله الغرور” و الزمر 55 ” و اتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون”.

فالحياة الدنيا مؤقتة وامتحان وابتلاء لكل إنسان قبل موته. فالقرآن مادة هدا الامتحان لأن الله تعالى يحدد مصيره ويجازيه يوم البعث للحساب طبقا لأعماله وموقفه من شرع الله. و لكن هناك ابتلاء آخر من الله تعالى لكل إنسان وهو أن الله تعالى قرر عدم رؤيته من طرف أي أحد في الدنيا ولو الأنبياء والرسل. ولا يراه إلا المتقون الصالحون المستحقون للجنة يوم القيامة في الآخرة. فعلى كل إنسان أن يستعمل عقله ويقارن آيات القرآن بآيات الله في الكون ليتأكد من وجود الله تعالى الفعلي والمؤكد بخلقه للكون وما فيه ومنه الإنسان وبتصرفه في كل ما خلق. أحيلكم على بحث نشرته في موقعي بالانترنيت المذكور حول موضوع ” من هو الله تعالى وأين هو “.

   اعلم أيها الإنسان أن الله تعالى يعلم ما في تفكيرنا واعتقادنا ويسمع كلامنا وأقوالنا ويرى أفعالنا أينما كنا وبإمكانه التصرف في نفوسنا متى شاء وكيفما شاء لكنه عادل عدلا مطلقا. ولكن لا أحد يرى الله تعالى في الدنيا. و السبب الرئيسي لذلك أن الله تعالى يمتحننا ليعلم من يعبده ويطيعه ويصدق بوجوده ونعمه وفضله وإحسانه ويصدق بقرآنه رغم عدم رؤيته. و الأدلة كثيرة منها ما يلي: الحديد 25 ” لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط و أنزلنا الحديد فيه بأس شديد و منافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب”. و ق 31-35 ” وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد هذا ما توعدون لكل أبواب حفيظ من خشي الرحمان بالغيب وجاء بقلب منيب ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد” والملك 12 ” إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير ” وفاطر18 ” إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب و أقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير” والأنبياء 48-49 ” للمتقين الدين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون” والمائدة 94-95 ” يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم يا أيها  الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم “.

فاستخدم عقلك أيها الإنسان في كل مكان وزمان وتدبر آيات الله في الكون وفي القرآن وإن شئت تكلم مع الله قولا أو سرا بتفكيرك في عقلك  والله تعالى قادر على أن يستجيب لك إن كنت مؤمنا صالحا متقيا لأن الله عز وجل مع كل ما خلق ومنه كافة الناس بسمعه وبصره وعلمه وكلامه وتصرفه في آن واحد وباستمرار دون أي انقطاع.

واعلم أيها الإنسان أنك إدا لم تصدق بالقرآن ولم تعمل بأحكامه فإنك لن تضر الله شيئا لأنه غني عن العالمين بل تضر أنت نفسك لأنك تنال عذاب الله تعالى في الدنيا وجهنم في الآخرة. والدليل آل عمران 176 ” ولا يحزنك الدين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا يريد الله أن لا يجعل لهم حظا في الآخرة ولهم عذاب عظيم” وآل عمران 144   ” ومن  ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين” وآل عمران 177  “إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم”.

و في هدا البحث وحتى تكون له أهمية علمية وفائدة على الدعوة الإسلامية أبين أهمية العقل البشري لفهم آيات الله تعالى وقوانينه وسننه ليعرف الناس ما يجب عليهم العمل به للفوز في الدنيا والآخرة. والله تعالى دعا في آيات كثيرة في القرآن الناس إلى استخدام العقل لفهم الدين الإسلامي. وقد بلغ عددها العشرات واستدل بأمثلة منها: ص 29 ” كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا  الألباب “. و الألباب التي يجب أن تتدبر القرآن هي العقول البشرية. و محمد 24 ” أفلا يتدبرون القرآن” و المؤمنون 68 ” أفلم يدبروا القول ” و قول الله هو القرآن الكريم. فهذه دعوة من الله للناس لكي يستعملوا عقولهم لفهم القرآن و استنباط أحكامه الشرعية. لهذا قال الله تعالى في سورة الأنبياء 7 ” فاسألوا  أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ” وأهل الذكر هم أهل القرآن أي المختصون في الدراسات الإسلامية وعلوم القرآن. لهذا أكد الله تعالى أهمية تكوين العقل القرآني في عدة آيات منها التوبة 122 ” و ما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ” وهناك آية مؤكدة لأهمية استعمال العقل لفهم القرآن وهي النحل 44 ” وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ” أي يستعملون العقل لملاحظة آيات الله في الكون ومقارنتها بصحتها في آيات القرآن ليتأكدوا من الله تعالى ووجوده وخلقه للكون وما فيه وملكيته له وقدرته على التصرف المطلق العادل فيه وما خلق فيه.

بين لنا الله تعالى أن العقل السليم هو الذي يقارن به الإنسان الظواهر ويتعرف على أسبابها ويتأكد به من التمييز بين الحق والباطل وبين الخير والشر وبين الحسنات والسيئات والعمل الصالح والعمل الفاسد. و الدليل الحشر 13 ” لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله دلك بأنهم قوم لا يفقهون “. بين الله تعالى أن الكافرين يخافون من الرسول والمؤمنين المحاربين معه ولا يخافون من الله تعالى الذي هو القاهر فوق العباد بل فوق كل ما خلق في الكون. فلو كانوا مؤمنين صالحين متقين لكف الله أيدي الرسول والمحاربين عنهم. فلا تخافوا أيها المؤمنون الصالحون المتقون الصادقون من الحكام وغيرهم بل خافوا الله وحده واخشوه وأطيعوه يحمكم من كل سوء. و هناك آية أخرى في سورة الحجرات 4-5 ” إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم “. لقد ارتكب الذين نادوا الرسول من وراء الحجرات خطأ لأنهم أزعجوه وأساؤوا الأدب ولو استعملوا عقولهم واحترموا الرسول لانتظروا خروجه من منزله بعد أن ينتهي من مهامه الخاصة. هكذا بين لنا الله تعالى أهمية العقل لإدراك وفهم الحق والصواب وتمييزه عن الباطل.    والتوبة 81 ” وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون” فالذين خافوا من حرارة الشمس وتخلوا عن واجب الجهاد والقتال مع الرسول عليه الصلاة والسلام لم يستعملوا عقولهم ليعلموا أن من عصى الرسول يكون مصيره جهنم وبالتالي فنارها  أشد حرارة. و الملك 10-11 ” وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير. فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير”. فأصحاب جهنم ندموا عن عدم استعمال عقولهم في الدنيا لفهم وملاحظة آيات الله تعالى في الكون وفي شرائعه المنزلة للناس. و استدل كذلك على أهمية العقل البشري لفهم آيات الله في القرآن والكون بما يلي: البقرة 170 “وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون”. في هذه الآية وما يؤكدها في القران أكد الله تعالى على ضرورة إتباع العقل السليم والسديد ولو تعارض مع النقل أي ما قاله السابقون إذا كان ما قرره العقل على صواب وحق. فإذا بين العقل مثلا مخالفة حديث موضوع للقران فيجب إتباع النص القرآني وليس الحديث. والأنعام 54 ” وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم “. طبقا لهذا الحكم لا تجوز علاقة المودة والمحبة والتعاون والتعارف مع غير المسلم والمسلمة. هذا الحكم الشرعي مسكوت عنه وغير منطوق في الأنعام 54 المذكورة. والعقل البشري هو الذي استنبطه. وهناك الأنفال 24 ” يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم “. الذي يحيي الناس في هذه الآية هو الالتزام  بالقرآن  لأن من يخالفه ينال عذاب الله في الدنيا وفي جهنم ما هو ميت و لا هو حي بينما الذي يلتزم بأحكام القرآن حتى الموت ينال رحمة الله في الدنيا والحياة الدائمة الحقيقية  في سعادة الجنة. ولهدا الحكم الشرعي الذي يستنبطه العقل البشري  من هذه الآية الأنفال 24 هو أن المؤمنين ملزمون بعدم الاستجابة للرسول وبعدم طاعته إذا كانت أوامره مخالفة للقرآن. هذا الحكم تؤيده كذلك الممتحنة 12 ” ولا يعصينك في معروف ” فالحكم الشرعي المسكوت عنه في هذه الآية أنه يجب عدم طاعة الرسول في غير المعروف أي إذا كانت أوامره مخالفة للقرآن. ولهذا فالحكام وأولوا الأمر في الدولة الإسلامية هم أيضا يجب أن لا يطيعهم الناس إذا خالفوا القرآن والقوانين المطبقة لأحكامه التي تتخذها وتحددها الأمة الإسلامية. و تدل هذه الآيات كذلك على أن الرسل غير معصومين من الخطأ لقوله تعالى يونس 15 ” قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم”. فهم ملزمون بطاعة الله والالتزام بشرعه.

فالعقل ضروري لفهم القرآن وآيات الله عز وجل في الكون. و هي تصرف الله تعالى و قضاؤه و قدره المطلق في الكون و ما خلق فيه و منه الإنسان، آيات الله هي تصرفه المعجز الذي لا يمنعه أحد أبدا، و هي من الأدلة على وجود الله عز و جل و صدق القرآن. و من الأدلة الأنعام 65 ” انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون ” والأعراف 176 ” فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ” ويوسف 109 ” ولدار الآخرة خير للدين اتقوا أفلا تعقلون “. والقصص 60 ” وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون”  الله تعالى يتصرف في الكون الذي خلقه وما فيه ومنه الإنسان. فلماذا لا يفكر الإنسان بعقله ويتغلب على نفسه الأمارة بالسوء وعلى الهوى ويفهم الحق ويكذب بالباطل. يجب أن نميز بالعقل بين متاع مؤقت في الحياة الدنيا لأن الموت نهاية حتمية لكل إنسان وبين متاع أكبر في الآخرة بعد البعث وهو دائم وأبدي لأنه لا موت للإنسان نهائيا بعد البعث.  وما فائدة متاع مؤقت بالدنيا يتبعه عذاب دائم في جهنم بالنسبة لمن أعرض عن القرآن. لهذا علينا أن نطيع الله تعالى ونستجيب له ونعبده ونلتزم بشرعه لنفوز بالمتاع الدائم والحياة الدائمة الأبدية في سعادة الجنة بعد البعث.

ولكن أمرنا الله تعالى كذلك بالعمل الحلال في الدنيا لكسب الطعام والتمتع بزينة الدنيا ومتاعها الحلال لأن الذي لا يأكل عدة أيام لا يستطيع عبادة الله بل يموت حتما. و أمرنا الله تعالى كذلك بالعمل الحلال لتقوية الدولة الإسلامية ودلك للدفاع عن الإسلام في مواجهة عدوان الكفار لقوله تعالى في الأنفال 60 ” وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة…” لهذا فالتصوف والزهد في الحياة الدنيا و في العمل الحلال للإنتاج جريمة في حق الأمة الإسلامية و الإسلام .

    فلو استعملنا العقل  لفهم آيات الله تعالى في القرآن ومدى تطابقها في أنفسنا وفي الكون لأدركنا نعم الله وفضله وإحسانه علينا. فلا نحيى ولا نعيش ولا نتحرك إلا بفضل هواء الله تعالى الذي نموت بدون استنشاقه. والطاقة التي تحرك الجسم من الطعام الذي نأكله . ومصادر الطعام من ماء الله تعالى وأرضه. و الأدلة كثيرة منها يونس 22 ” هو الذي يسيركم في البر و البحر ” و الجاثية 13 ” وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون”  والنحل 10-11 ” هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في دلك لآية لقوم يتفكرون ” والحديد 17 ” اعلموا أن الله يحي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون” وفاطر 2 ” ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك  فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم ” النمل 64 ” أمن يبدأ الخلق ثم يعيده و من يرزقكم من السماء و الأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ” يونس 24 ” إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس و الأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها و ازينت و ظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم ينفكرون “. فيكفي أن يمنع الله الهواء أو الماء فتموت كل الكائنات الحية ومنها كل البشر الزمر21 ” ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب ” فحتى و لو فرح الناس بثمار محاصيلهم الزراعية فالله تعالى قادر على إتلافها قبل حصادها عقابا عن السيئات. هل يستطيع العلماء والخبراء والحكام في كل أنحاء العالم توفير الهواء الذي يتنفس منه الإنسان. هل يستطيعون توفير الماء الضروري للشرب وإنتاج مصادر الطعام. أليست هذه الحقيقة من اكبر آيات الله الدالة على وجوده وصدق قرآنه؟ فاستعملوا عقولكم أيها الناس فإذا آمنتم بصدق القرآن وأنه فعلا كلام الله تعالى فتأكدوا أنكم سوف تبعثون بعد الموت للحساب عن أعمال الدنيا.

   الله تعالى هو القاهر فوق كل ما خلق ومنه الإنسان ويتحكم في الطبيعة ودورتها وحركتها لأنه هو الذي خلقها و يدبر أمور الكون وما فيه. فعندما انفجر بركان اسلندة في جمادة الأولى 1431 ابريل 2010 وملأ رماده وغباره أجواء  أوروبا  توقفت حركة النقل الجوي  عدة أيام ولم يستطع العلماء والخبراء إخماد هدا البركان الثائر بأمر الله تعالى ليبين آياته للناس. وقد يأمر الله تعالى الأرض بالزلزال ولا أحد يستطيع توقيفه أو التنبؤ بوقوعه. وقد وقعت زلازل  كثيرة أذكر منها زلزال تركيا والصين ومدينة أكدير سنة 1961 و الحسيمة وغيرها من الأماكن الأخرى . فهل استطاع الغرب توقيف زلزال هايتي الذي حصد مئات الآلاف  من الأرواح وزلزال الأرجنتين في السنة الماضية . لم يستطع أحد التنبؤ بهجوم البحر على اليابس مثل تسونامي أسيا ولا توقيفه. ولا يستطيع أحد توقيف نزول الأمطار الغزيرة والإعصار والعواصف المدمرة التي شهدتها كثير من بلدان العالم. ولا يستطيع أحد تغيير الجو الحار إلى جو بارد ومعتدل.

هذه الحقائق وغيرها مما لم أذكر دالة على قضاء الله وتصرفه ووجوده وصدق قرآنه. و لا يمكن للعقل السليم المحايد والموضوعي أن يكذب بهده الحقائق التي تدل عليها آيات الله تعالى في الكون والقرآن. هل يستطيع  أحد تغيير النهار إلى الليل أو العكس وهل يستطيع أحد إضاءة العالم إدا منع الله الشمس وأخفاها. هل يستطيع أمهر الأطباء إفلات نفسه من الموت الذي هو نهاية حتمية لكل المخلوقات الحية ومنها الإنسان. إن الله تعالى هو القادر على التصرف في كل ما خلق. و فعلا تأكدت لنا آياته في الإنسان وكل ما في الكون، وفعلا هده الآيات الكونية أكدت صدق آيات القرآن. فهناك تطابق بين القران وهو كتاب الله المقروء في المصحف وكتابه المنظور وهو آياته في الكون. فتدبروا القران أيها الناس واستخدموا العقل لتتأكدوا من وجود الله تعالى وأن القرآن كلامه وشرعه ودلك لتفهموا حقيقة الحياة الدنيا المؤقتة ولتؤمنوا وتعملوا بأحكام القرآن قولا  وعملا سرا وعلانية قبل فوات الأوان وقبل أن تدرككم النهاية الحتمية المؤكدة وهي الموت لأنكم سوف تحيون مرة أخرى في جسد آخر ويصعد بكم الملائكة للحساب يوم البعث أمام الله تعالى وتنالون الجزاء عن أعمالكم المسجلة في كتبكم. ولا ينفع الندم بعد فوات الأوان أي بعد الموت. لقوله تعالى في عدة آيات منها القيامة 13- 15 ” ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم  وأخر بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره”. وغافر 84 – 85 ” فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم  يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون “. و سبأ 33 ” وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الدين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون”.

لقد بينت أهمية العقل لفهم آيات الله في الكون وفي القرآن وفائدة فهمها بالنسبة لمصير الإنسان بعد البعث. وقد أكد الله تعالى على هده الأهمية في عشرات  الآيات بالقرآن. و لكن العقل البشري يتكون من خلال تأثره بالتربية التي يتلقاها من الأسرة أولا ثم المدرسة و المحيط الاجتماعي ووسائل الثقافة والإعلام والاتصال السمعية و البصرية و المكتوبة. فالتكوين الذي يتلقاه العقل البشري يؤثر كما وكيفا على فهمه للكون والمحيط والظواهر وأسبابها. و العقل البشري يفكر ويستنبط ويفهم ويدرك الحقائق والمعرفة باستعمال الحواس التي خلقها الله تعالى للإنسان وبدونها لا يتكون. و الدليل البقرة171 “صم بكم عمي فهم لا يعقلون”.فتحكموا أيها المسلمون في حواس أطفالكم وراقبوها لتلقنوهم التربية الإسلامية الصحيحة ولتكونوا العقل القرآني لديهم. الله تعالى يخلق الإنسان في أحسن تقويم . وكتاب أعماله أبيض لأنه لم يرتكب أية مخالفة لشرع الله عز وجل. والدليل التين 1- 6 ” والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون” والعصر 1- 3 ” والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الدين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر”. فالإنسان هو الذي يتسبب في الخسارة لنفسه بأعماله التي يعملها مخالفا شرع الله تعالى فينال عذاب الله عز وجل في الدنيا وجهنم في الآخرة. والسبب الرئيسي أن عقله لم يتلق تربية إسلامية صحيحة تؤدي به إلى الإيمان الصادق والعمل الصالح طبقا لكتاب الله تعالى. فتربية العقل مند ولادة الإنسان هي التي تؤثر في سلوكه عند كبره. فإذا تربى العقل في وسط الكفر والالحاذ أو النفاق يكون صاحبه كافرا أو منافقا. و إذا تربى في وسط الإيمان الصادق والتقوى يكون صاحبه مؤمنا صالحا. لهذا فرض الله تعالى على المؤمنين تربية عقول أطفالهم وأهلهم تربية إسلامية صحيحة. لأن عقل المسلم يجب أن يسلم ويصدق بحكمة الله تعالى المجسدة في آيات القران وآيات الكون المطابقة لها. و على الإنسان أن يتبع هذا العقل القرآني ويتغلب على الهوى والنفس الأمارة بالسوء وإغواء الشياطين ويلتزم بأحكام القران قولا وعملا سرا وعلانية حتى الموت للفوز بالسعادة في الدنيا والآخرة. والدليل عدة آيات منها التحريم  6 ” يأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون”. فالأهل هم الزوجة و الأولاد ولا يمكن أن يقي المؤمن أهله وينجيهم من جهنم إلا بتربيتهم تربية إسلامية صحيحة و أن يفرض عليهم التقوى والالتزام بمنهج الله تعالى. فالذي يصلي أمام الناس وبنته أو زوجته متبرجة ومستكبرة عن عبادة الله تعالى أو أطفاله مفسدون في الأرض يعتبر منافقا لأنه فسق عن أمر الله الذي أمره بإلزام أهله بالتقوى.والمنافقون في الدرك الأسفل من النار.(النساء145) فلو نفـذ كل المؤمنين أوامر الله تعالى ومنها التحريم 6 ” يا أيها الذين آمنوا قو أنفسكم و أهليكم نارا ” وهود 113 ” و لا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ” لو فعلوا ذلك لتكون المجتمع الإسلامي الحقيقي والقوي في دار الإسلام. ومن الأدلة: هناك التوبة 5 ” فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة  وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور  رحيم ” و التوبة 11 ” فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين”  والتوبة 12 ” وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا  في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون ” والتحريم9 “يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير” والقصص86 “فلا تكونن ظهيرا للكافرين” بمعنى لا تساند الكفار ولا تؤيدهم ولا تساعدهم وابتعد عنهم.والممتحنة 1 “يا أيها الذين امنوا لاتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق” وهو القران الذي نسخ به الله تبارك وتعالى التوراة والإنجيل وألغاهما.ومحمد1-3 “الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم والذين امنوا وعملوا الصالحات وامنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم ذلك بان الذين كفروا اتبعوا الباطل وان الذين امنوا اتبعوا الحق من ربهم”. فالذي نزل الله على محمد وهو الحق وغيره باطل هو القران الذي يجب على كل إنسان في الكون الإيمان به والعمل بإحكامه. والتوبة 23 – 24 “يأيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون. قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب أليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين” المجادلة 22 ” لا تجد قوما يؤمنون بالله و اليوم الآخر يوادون من حاد الله و رسوله و لو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولائك كتب في قلوبهم الإيمان و أيدهم بروح منه و يدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم و رضوا عنه أولائك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون”. لهذا لا يجوز للمسلم أن يتزوج غير مسلمة ولا يجوز لمسلمة أن تتزوج بغير المسلم. وذلك لوقاية الأسرة وتربية العقل تربية إسلامية سليمة. و إذا كفر أحد الزوجين المسلمين يفسخ عقد الزواج شرعا وتنتهي العلاقة الزوجية بينهما إذا لم يتب. لأن تربية الأطفال والأهل تربية إسلامية واجب شرعي فرضه الله تعالى على كل المؤمنين. وإذا لم يقم المؤمن بهذا الواجب فإنه آثم.

والأمة الإسلامية في الدولة الإسلامية تتحمل مسؤولية وضع القوانين المطبقة أحكام القرآن وتربية المجتمع الإسلامي تربية مطابقة لما أراد الله تعالى في كتابه الحكيم. لهدا فالأحكام الدستورية في القرآن أسندت الحكم السياسي وممارسة السلطة الإسلامية للأمة الإسلامية المكونة من المسلمين دون سواهم ومنهم العلماء المتقون الصادقون المختصون في الدراسات الإسلامية وعلوم الدين لأن الكفار لا يجوز شرعا أن يقيموا في المجتمع الإسلامي بدار الإسلام و لا تجوز ولايتهم على المسلمين. وقد بينت الأدلة الشرعية في أبحاث سابقة. والأمة الإسلامية فرض عليها الله عز وجل  تطبيق القرآن وتحديد ما يهم شؤون الدين الإسلامي والمسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية . ومن الواجب عليها اتخاذ القوانين الوضعية المطبقة لأحكام القرآن وانتخاب أولي الأمر من المؤمنين الصالحين الأكفاء لممارسة السلطة الإسلامية تحت مراقبتها. و لا يجوز شرعا فصل الدين الإسلامي عن الدولة في دار الإسلام لأنها وجدت لتطبيق منهج الله المحدد في القرآن. وقد حدد فيه الله تعالى نظاما شاملا لكل جوانب الحياة البشرية الدينية و الاقتصادية و السياسية والاجتماعية. فالدولة الإسلامية ليست مثل دولة الكفار العلمانية. وحرية وحقوق الإنسان ثابتة في دولة القرآن ومحددة في شريعة الله تعالى. بينما حقوق وحريات الإنسان في دول الكفار تحددها قوانينهم الوضعية حسب هواهم وشهواتهم. و من الواجب على الأمة الإسلامية مراقبة أولي الأمر وعزل ومعاقبة من تخلى منهم عن الواجب أو خالف أحكام القرآن المجيد. و لا يجوز شرعا أن يستبد شخص بالحكم السياسي في الدولة الإسلامية لأن هدا الحكم من اختصاص الأمة الإسلامية بأمر من الله تعالى طبقا لما نصت عليه الأحكام الدستورية الواردة في القرآن والتي تحتاج إلى بحث آخر للتعمق فيها.

كل مسلم ملزم شرعا بتربية أسرته تربية إسلامية. وهو مسؤول أمام السلطة الإسلامية وأمام الله تعالى. والأمة الإسلامية بما فيها من مسلمين وعلماء  ودعاة ورجال  السلطة الإسلامية مسؤولة أمام الله تعالى عن تطبيق القرآن وتربية العقل البشري تربية إسلامية ليكون الإنسان في دار الإسلام مؤمنا  صالحا متقيا.

هذه الأدلة والأحكام الشرعية التي استنبطتها من القرآن المجيد تؤكد لنا حقا أن الحياة الدنيا مؤقتة فعلا وهي دار امتحان وابتلاء واختبار للإنسان. ونتيجة هدا الامتحان تظهر عند الحساب في الآخرة أمام الله تعالى. إذن يجب الإيمان بالله في الغيب رغم عدم رؤيته في الدنيا ويجب التصديق بالقرآن على أنه كلام وشرع الله لتطابق آياته المحددة في سوره مع آيات الله تعالى في الكون وفي أنفسنا نحن مخلوقات الله عز وجل وقد صدق الله تعالى حيث قال في سورة  فصلت 53 ” سنريهم آياتنا في الأفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق “. و يجب على كل إنسان في أرض الدنيا الالتزام بأحكام القرآن قولا وعملا سرا وعلانية حتى الموت ليفوز في امتحان وابتلاء الله تعالى.

يجب علينا التحكم في النفس الأمارة بالسوء وفي الهوى وان نستخدم عقولنا و ضمائرنا للتحكم في الهوى والعواطف والرغبات والشهوات الغير المشروعة لنكون على صراط الله المستقيم. والدليل الفرقان 43-44 ” أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا”. والنازعات 37-41 ” فأما من طغى و آثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة  هي المأوى “.

2 – موت كل إنسان في الدنيا حتمي

    خلق الله تعالى و أوجد كل ما هو موجود لأنه سابق على الوجود. و من ضمن ما خلق الله تعالى عز وجل الإنسان وسخر كل ما في الكون تقريبا لفائدته. فالإنسان جسد مادي من ماء وتراب ولكن روحه التي بدونها لا يتحرك من الله تعالى. والدليل السجدة 7-9 ” الذي أحسن كل شيء خلقه. و بدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه.” و النجم 45-47 ” وأنه خلق الزوجين الذكر و الأنثى من نطفة إذا تمنى و أن عليه النشأة الأخرى “. و ص 71-74 ” إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين  فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين” والإسراء 85 ” و يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا “. خلق الله عز وجل آدم وحواء من تراب وماء ثم خلق سائر البشر من ذرية آدم  وحواء انطلاقا من مني الزوجين الذي يتكون في جسميهما من مصادر الطعام والماء التي أنعم بها الله على عباده. وكل جنين لا يتحرك في بطن أمه إلا إدا نفخ الله تعالى فيه من روحه.

و المهم أنه كيفما كانت مرحلة الحياة الدنيا المؤقتة فكل إنسان على وجه هذه الأرض يموت وينتهي وجوده فيها حتما. و عندما يحييه الله عز وجل في جسد ثاني يعيد إليه الروح ثم يصعد به ملكان إلى أرض الجنة والنار بالسماوات عند الله تعالى للحساب والجزاء عن أعمال الدنيا المسجلة في كتابه. فالموت والحياة من خلق الله تعالى وحده لقوله تعالى في سورة الملك 1-2 ” تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور”. لذلك فالموت واقعة حتمية فاصلة بين حياة مؤقتة بالدنيا وبين حياة دائمة أبدية خالدة في الآخرة بعد البعث إما في سعادة الجنة أو في عذاب جهنم طبقا لأعمال الدنيا وامتحانها وابتلائها.

فالموت حقيقة وخاتمة حتمية لكل إنسان بالدنيا لقوله تعالى في سورة الرحمان 26-27 ” كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ” ومريم 40 ” إنا نحن نرث الأرض ومن عليها  وإلينا يرجعون ” والعنكبوت 57 ” كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون” وآل عمران 185 ” كل نفس ذائقة الموت و إنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور “. والقصص 88 ” كل شيء هالك  إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون “. كل إنسان في الدنيا يموت إذا حل أجله إلى أن يموت كل الناس بالدنيا عندما تقوم الساعة الكبرى النهائية حيث تزلزل أرض  الدنيا كلها وتموت كل المخلوقات الحية ومنها الإنسان.

    لا يستثنى أي إنسان من الموت في الدنيا والبعث للحساب عن أعماله أبدا. ولا يستطيع أحد حماية نفسه من الموت المحتوم. لقوله تعالى في الجمعة 8 ” قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون ” الواقعة 83-87 ” فلولا إذا بلغت الحلقوم و أنتم حينئذ تنظرون و نحن أقرب إليه منكم و لكن لا تبصرون فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين ” وغافر 68 ” هو الذي يحيي ويميت فإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون” والأنبياء 34-35 ” وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون” والزمر 30 ” إنك ميت وإنهم ميتون” والمؤمنون 99-100 ” حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب أرجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم  برزخ إلى يوم  يبعثون”  والواقعة 57-61 ” نحن خلقناكم فلولا تصدقون أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين على أن نبدل أمثالكم وننشئكم فيما لا تعلمون ” والتغابن 7 ” زعم الدين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى و ربى لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير “. هذه الآية تدل على حتمية البعث للحساب في الآخرة فهي دليل قاطع على حتمية موت كل إنسان في الدنيا. وهناك أدلة أخرى منها مريم 93-95 ” إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ” والحج 66 ” وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الإنسان لكفور” والمؤمنون 15-16 ” ثم إنكم بعد دلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون” و المؤمنون 79-80 ” وهو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون  وهو الذي يحيي ويميت وله اختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون “. وقال الله تعالى على لسان رسوله المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام في سورة مريم 33 ” و السلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ” وقال الله تعالى عن نبيه يحي عليه السلام في سورة مريم 15 ” و سلام عليه يوم ولد و يوم يموت ويوم يبعث حيا ” الروم 54 ” الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا و شيبة يخلق ما يشاء و هو العليم القدير ” وموت الإنسان محدد من الله تعالى بأجل لكنه قد يزيد في عمر المؤمنين الصالحين وقد ينقص من أجل موت الفاسقين. كما أن الإنسان قد يموت قبل أجله إذا اعتدى عليه غيره. والأدلة كثيرة منها المنافقون 11 ” ولن يؤخر الله نفسا إدا جاء أجلها والله خبير بما تعملون ” ونوح 4 ” إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون ” وغافر 67 ” هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى  ولعلكم تعقلون “.

ولكن الإنسان قد يتسبب في قتل إنسان آخر فيعاقب بجهنم. والدليل الفرقان 68 ” ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ” والملائكة  هم المكلفون من الله تعالى بأخذ الأرواح  وإعادتها إليه في انتظار إرجاعها لهم عندما يحييهم الله في الجسد الثاني بعد الموت. والدليل السجدة 11 ” قل يتوفاكم ملك  الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون ” والأنعام 61 ” وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى إدا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا  يفرطون ” والأنفال 50-51 ” ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد ” والأنعام 93 ” ولو تري إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون ” والنحل 32 ” الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم أدخلوا الجنة بما كنتم تعملون ” .

الخلاصة التي استنتجها من البحث حول حتمية موت كل إنسان المحددة في آيات القرآن والمحققة في الواقع وآيات الله في الكون هي أن الأطباء والعلماء والخبراء في العالم كله وعبر مختلف مراحل تاريخ البشرية لم يستطيعوا خلق الإنسان وروحه التي تمكنه من الحركة والحياة، ولم يستطيعوا  منع إنسان من الموت الحتمي عندما يحل أجله. ولم يستطيعوا خلق مني الزوجين الذي يتكون منه الجنين بأمر الله تعالى . وإذا منع الله تعالى الماء والهواء لا تتكون مصادر طعام الإنسان وبالتالي لا يتكون المني ولا يخلق أحد بل تموت الكائنات الحية ومنها الإنسان.

هذا الاستنتاج المؤكد لتطابق آيات القرآن مع الواقع وآيات الله في الكون دليل قاطع على صدق القرآن وإعجازه وأنه فعلا كلام الله تعالى وشرعه. فتدبروه أيها الناس في كل مكان وزمان وتأكدوا أنكم من خلق الله وروحه وأنكم ستموتون حتما وسيحييكم الله مرة أخرى بعد الموت وتحاسبون أمام الله عن أعمال الدنيا. فانتهز الفرصة أيها الإنسان وسارع إلى الإيمان بالقرآن والعمل بأحكامه قولا وعملا سرا وعلانية قبل فوات الأوان حيث لا ينفع الندم يوم الحساب أمام الله تعالى.

لا موت بعد البعث أبدا

   عندما يحيي الله الميت ويبعثه للحساب والجزاء عن أعماله التي عملها في الدنيا يكون مصيره جهنم أو الجنة. فلا يموت المبعوث مرة أخرى في الآخرة أبدا. لكن حياة أهل الجنة أبدية وخالدة في السعادة والرحمة والدليل : الصافات 58-60 ” أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى وما نحن بمعذبين إن هذا لهو الفوز العظيم “. وهذا قول الله تعالى على لسان أهل الجنة. والدخان 56-57 ” لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم فضلا من ربك ذالك هو الفوز العظيم”. الغاشية 8-16 ” وجوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية في جنة عالية لا تسمع فيها لاغية فيها عين جارية فيها سرر مرفوعة و أكواب موضوعة و نمارق مصفوفة و زرابي مبثوثة “. و أما أصحاب جهنم الذين أدخلوا إليها جزاء عن أعمالهم السيئة التي عملوها في الحياة الدنيا قبل الموت فإنهم خالدون في العذاب ما هم بميتين ولا بأحياء. بل يكونون مقيدين في السلاسل والأغلال يعذبهم الملائكة بأمر من الله عز وجل وباستمرار. والدليل الرعد 5 ” وأولئك الأغلال في أعناقهم وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ” والغاشية 2-7 ” وجوه يومئذ  خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية تسقى من عين آنية ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع “. فأصحاب جهنم في العذاب الدائم ما هم بأموات ولا أحياء لقوله تعالى في طه 74 ” إنه من يأتي ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحي ” والأعلى 12-13 ” الذي يصلى النار الكبرى  ثم لا يموت فيها ولا يحي ” وإبراهيم 15-17 ” واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان  وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ “. و فاطر36 ” والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور”.

أكد الله عز وجل في كتابه الحكيم والمجيد القرآن الكريم توريث أرض الجنة وما فيها من خيرات ونعيم لعباده المخلصين المتقين الصالحين الدين نجحوا في امتحان الحياة الدنيا المؤقتة. ومعنى التوريث أنهم خالدون أبدا وحتما في سعادة الجنة وخيراتها والأدلة كثيرة منها : مريم 63 ” تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا ” و الزمر 74 ” وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين” المؤمنون 10-11 ” أولائك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون” و الأنبياء 105 ” ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون”.  وهي أرض الجنة بالسموات لأن أرض الدنيا لا يرثها إلا الله تعالى عندما تقوم الساعة الكبرى الختامية حيث تزلزل ويتحطم كل ما فيها ويموت كل الناس لقوله تعالى في سورة مريم 40 ” إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون ” والانشقاق 1-6 ” إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت وإذا الأرض مدت و ألقت ما فيها وتخلت وأذنت لربها وحقت يأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه ” والفجر 21-22 ” كلا إدا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا ” والزلزلة 1-8 ” إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان مالها يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ” .

فالأرض التي يرثها المؤمنون الصالحون المتقون هي أرض الجنة التي عرضها كعرض السماوات وأرض  الدنيا. وهدا دليل على أن حياتهم في الآخرة حياة أبدية خالدة في سعادة الجنة. بينما الكفار والفاسقون والمعرضون عن القرآن في عذاب جهنم خالدون فيه أبدا ما هم أموات ولا أحياء.

ب – الأحكام الشرعية الدالة على حتمية إحياء الأموات

أقصد بالأحكام الشرعية القواعد والمبادئ والقوانين الإلهية التي استنبطتها حسب استطاعتي من آيات القرآن الكريم واستغفر الله تعالى إن أخطأت.

   إن القرآن الكريم أكد لنا أن الموت حتمي لكل إنسان في الدنيا وكذلك إحياء الميت في جسد آخر مماثل للأول حتمي بالنسبة لكل إنسان بعد الموت. عندما يحي الله تعالى الميت يصعد به ملكان إلى أرض الجنة وجهنم للحساب عن أعمال الدنيا ونيل الجزاء المقابل لها إما الجنة أو جهنم. و الأدلة على هذه الحقيقة منها: الأعراف 24-25 ” قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين. قال فيها تحيون و فيها تموتون ومنها تخرجون” وطه 55 ” منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى “. وهذا ما قرره الله تعالى للبشر كافة و الجن عندما طرد آدم وزوجته والشيطان الذي أغواهما من الجنة في السموات بسبب عصيانهم له.

    و سأبين الآيات الكريمة الدالة على إحياء الأموات للحساب والجزاء ومنها الروم 27 “وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم “. والأنعام 133 ” وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين” . إبراهيم 19-20 ” ألم تر أن الله خلق السماوات و الأرض بالحق إن يشأ يذهبكم و يأت بخلق جديد و ما ذلك على الله بعزيز ” فاطر 15-17 ” يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله و الله هو الغني الحميد إن يشأ يذهبكم و يأت بخلق جديد ” والأنعام 36 ” إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون”. الله تعالى هو الذي خلق سبع سماوات وسبع أراضي والشمس والقمر وكل الأشياء والمخلوقات الحية ومنها الإنسان لأنه هو الذي أوجد كل ما هو موجود. فهل يشك أحد في خلق الله تعالى للبشر وإعادة خلقهم أي إحيائهم مرة أخرى بعد الموت. فيكفي أن ينفخ الله بروحه في أي شيء فيكون كائنا حيا يتحرك بفضل روح الله تعالى. والدليل آل عمران 59 ” إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون” والبقرة 117 ” بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون ” ويس 82-83 ” إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون” والنحل 40 ” إنما قولنا لشيء إدا أردناه أن نقول له كن فيكون”.

ومن الأحكام الشرعية الدالة على قدرة الله تعالى المطلقة ومنها إحياء الموتى ما يلي : الأحقاف 33 ” أو لم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير” والقيامة 36-40 ” أيحسب الإنسان أن يترك سدى ألم يكن نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى أليس ذلك بقادر على أن يحي الموتى”. و الحج 6-7 ” دلك بأن الله هو الحق يحيي الموتى “. و الحج 6-7 ” ذلك بأن الله هو الحق يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور”. ونوح 17-18 ” والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا” والمؤمنون 12-16 ” ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون”. ومريم 93-95 ” إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمان عبدا لقد أحصاهم وعدهم عدا. و كلهم آتيه يوم القيامة فردا” والشورى 9 ” فالله هو الولي وهو يحي الموتى وهو على كل شيء قدير”. والروم 55-57 ” ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون وقال الدين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهدا يوم البعث ولكنكم  كنتم لا تعلمون فيومئذ لا ينفع الدين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون”. هذا قول الله تعالى على لسان أولى العلم المؤمنين وهو الصادق الحق. وهو دليل قاطع على أنه أحي الأموات للبعث والحساب والجزاء عن أعمال الدنيا. و الأنعام 12 ” قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه”. إذن هدا وعد صادق من الله تعالى. سوف يجمع آدم وزوجته وكل من انحدر من سلالتهما إلى أن يفني الله أرض الدنيا وكل من عليها من البشر وغيره. و الله تعالى أحيا الأموات وبعثهم في الآخرة وسوف يحي ما تبقى حتما ويبعثهم كذلك وبذلك يجمع كل البشر في أرض الجنة والنار بالسماوات. ويونس 4 ” إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون” ويونس 23 ” إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون”  ويونس 70 ” متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون” . ومريم 66-68 ” ويقول الإنسان أإذا مت لسوف أخرج حيا أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا فوربك  لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا “. و ق 41-42 ” واستمع يوم  يناد المناد من مكان قريب يوم يسمعون الصيحة بالحق  ذلك يوم الخروج إنا نحن نحيي ونميت وإلينا المصير” والصافات 15-19 ” وقالوا إن هذا إلا سحر مبين أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون قل نعم وأنتم ذاخرون فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون”. هذه الآيات القرآنية كلام الله الصادق الحق. و هي دليل قاطع على أن كل ميت سوف يحييه الله تعالى في جسد آخر من أجل الحساب والجزاء عن أعمال الدنيا حتما. بل كل المخلوقات الحية يحييها الله تعالى بعد موتها. والدليل الأنعام 38 ” وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون”.

   وفيما يلي أبين كيفية إحياء الموتى في نقطة أولى ثم صعودهم عند الله تعالى في السموات للحساب والجزاء عن أعمال الدنيا في النقطة الثانية.

أولا:  كيف يحيي الله تعالى الموتى

   أجاب الله تعالى عن تساؤل الكفار الدين أنكروا البعث في سورة يس 77-79 ” أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم”  والصافات 15-19 ” وقالوا إن هذا إلا سحر مبين أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون قل نعم وأنتم داخرون فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم ينظرون”.  والإسراء 49-51 ”  وقالوا اإذا كنا عظاما و رفاثا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة”  والإسراء 98-99 ” وقالوا أإذا كنا عظاما و رفاثا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات و الأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبي الظالمون إلا كفورا “. طبقا لهذه الآيات الحكيمة أكد الله تعالى وهو الصادق الحق بأنه يحيي حتما كل الأموات. وهو القائل في ق 29 ” ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد” وفي الأنعام 115 ” وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته ” وفاطر 43 ” فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ” و الأحزاب 4 ” و من أصدق من الله حديثا و من أصدق من الله قيلا ” يونس 15 ” و إذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقآءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم “. فتدبروا إخواني القراء والباحثين والدعاة المحترمين جواب الله عز وجل في الصافات 15-19 المذكورة وعبارة ” قل نعم “. فهو دليل قاطع على أن الميت بمجرد دفنه وعندما تأكل الديدان لحمه وتختلط العظام بالتراب وينزل عليها الله تعالى الماء ينمو هيكل عظمي آخر انطلاقا من بدرة عظامه الأولى. ثم يكسوه الله تعالى لحما ويعيد إليه الروح ويأمر الأرض بأن تشقق عنه حتى يخرج وتعود إلى حالتها الأولى، ويصعد ملكان السائق و الشهيد بالإنسان الذي أحياه الله تعالى إلى أرض الجنة وجهنم بالسماوات للحساب والجزاء عن أعمال الدنيا.

وذكر لنا الله تعالى واقعة تساؤل شخص من أهل الجنة عن آخر كان يعرفه في الدنيا. وكان يكذب بالبعث بعد الموت في الصافات 51-55 ” قال قائل منهم إني كان لي قرين يقول أإنك لمن المصدقين أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمدينون قال هل أنتم مطلعون فاطلع فرآه في سواء الجحيم”.

حقا و صدقا الله عز وجل قادر على إحياء الأموات. فقد خلق أدم من تراب وماء ونفخ فيه من روحه فكان بشرا حيا. وخلق عيسى بن مريم عليه السلام في بطن أمه دون مني الذكر بمجرد أن نفخ فيها من روحه.  والدليل آل عمران 47 ” قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون” . الأنبياء 91 ” و التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا و جعلناها و ابنها آية للعالمين ” و آل عمران 59-60 ” إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون الحق من ربك فلاتكن من الممترين”. فالذي خلق آدم من تراب وخلق عيسى بن مريم بمجرد نفخة من روحه في بطن أمه قادر حقا  وصدقا على إحياء الأموات.

    تذكر أخي أن بذور النباتات والأشجار أصلها من خزائن الله تعالى في السماوات. ولو بقيت تحت التراب عشرات السنين بدون ماء فإنها تنبث بمجرد نزول المطر. والدليل الأنعام 95 ” إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت  ومخرج الميت من الحي ذالكم الله فأنى تؤفكون و ما من شيء إلا عندنا خزائنه “. فبذرة عظام الإنسان هي  النواة التي ينبت منها الجسد الثاني بعد أن تختلط بالتراب ويسقيها الله تعالى بالماء. لقوله تعالى في الفرقان 54 ” وهو الذي خلق من الماء بشرا” والنور 45 ” والله حلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير” والزخرف 11 ” والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون ” و ق 9-11 ” ونزلنا من السماء  ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كدلك الخروج “. أي أن الأموات يحييهم الله تعالى بالماء عندما تختلط بذرة العظام بالتراب. و صدق الله تعالى حيث قال في الأنبياء 30 ” وجعلنا من الماء كل شيء حي”. وطبعا تنبت بذرة الميت أينما كانت ولو لم تكن في المقبرة لقوله تعالى في البقرة 148 ” أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شيء قدير” فعندما تقوم الساعة الكبرى النهائية ويموت كل إنسان على أرض الدنيا لا يدفن الأموات في القبور لأن كل الناس يموتون في آن واحد و أينما كانت بذرة عظام الميت يحيي منها الله جسدا آخر.

عندما ينمو الهيكل العظمي للإنسان الذي أحياه الله من بذرته يكسوه لحما ويعيد إليه الروح فيكون نفسا بشرية. ويأمر الله الأرض بأن تتشقق عنه للخروج لقوله تعالى في ق 42-44 ” يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج إنا نحن نحيي و نميت وإلينا المصير يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير”  والنازعات 13-14 ” فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة ” أي يخرجون من القبور فوق الأرض بالدنيا ولا يراهم أحد لأن هناك برزخ بين أهل الدنيا وأهل الآخرة. وبمجرد الخروج من القبر يصعد بالإنسان ملكان إلى أرض الجنة وجهنم بالسماوات للحساب عن أعمال الدنيا. والدليل النبأ 18-19 ” يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا وفتحت السماء فكانت أبوابا”.  وق 21 ” وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد”.

   ويحيي الله تعالى الميت على نفس الهيأة التي كان عليها في أرض الدنيا في فترة شبابه حيث يعيد له نفس أعضائه وبصماته وهيأته السابقة للموت بما فيها العلامات التي كان معروفا بها، ويعيد الله إليه ذاكرته وعقله كما كان في الحياة  الدنيا. لقوله تعالى في يونس 4 ” إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون” والروم 11 ” الله يبدأ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون”  والروم 27 ” وهو  الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه ” ولقمان 28 ” ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير” والأعراف 29 ” كما بدأكم تعودون “.

الله تعالى يعيد خلق الميت في جسد  مماثل للأول . و الدليل الكهف 48 ” وعرضوا على ربك صفا لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة بل زعمتم ألن نجعل لكم موعدا “. و قد أخبرنا الله تعالى وهو الصادق والحق عن تساؤل أهل الجنة وجهنم الدين حوسبوا ونالوا جزاءهم عن أعمالهم. وفي ذلك التساؤل ما يؤكد خلق الإنسان بعد الموت في نفس صفاته وعلاماته السابقة في جسده الأول. والدليل الأعراف 48-49 ” ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا انتم تحزنون ” و ص 62 ” وقالوا مالنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار ” ويونس 45 ” ويوم يحشرهم  كأن  لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين ” والصافات 50-57 ” فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قال قائل منهم إني كان لي قرين يقول أإنك لمن المصدقين أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمدينون قال هل أنتم مطلعون فاطلع فرآه في سواء الجحيم”. هذه الآيات دليل على أن الله تعالى أحيا الأموات في جسد مماثل للأول بكل العلامات والبصمات والذاكرة والعقل.

ثانيا : الصعود بالمبعوثين إلى أرض الجنة وجهنم بالسماوات.

   الله تعالى نظم مسألة إحياء الأموات والصعود بهم إلى أرض الجنة وجهنم  بالسماوات حسب أفواج متتابعة مند آدم  حتى الآن وإلى أن يرث أرض الدنيا ومن عليها أي عندما تقوم الساعة الكبرى الختامية ويموت كل إنسان في الدنيا. والترتيب حسب تاريخ الموت ومدة زوال لحم الجسد واختلاط العظام بالتراب وإحياء الأموات في جسد آخر يعيد الله إليه الروح.

و لا بد لكل من يصعد بهم الملائكة إلى السماء من العيش مدة معينة في حياة البرزخ بأرض الجنة وجهنم بالسماوات في انتظار دور العرض والقيام أمام الله تعالى للحساب والجزاء عن أعمال الدنيا. والبرزخ معناه حاجز يمنع الاتصال والرؤيا بين أهل الدنيا و أهل الآخرة. لقوله تعالى في المؤمنون 99-100 ” حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب أرجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها  كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون”. فالمبعوثون يرون بعضهم البعض ويتصلون ببعضهم في حياة البرزخ  بأرض الجنة وجهنم في السماوات في انتظار وقت الحساب أمام الله تعالى طبقا للموعد الذي يحدده الله تعالى لقوله في سبأ 30 ” قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون ” وهود 103 ” إن في ذلك لآيات لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وما نؤخره إلا لأجل معدود”. في انتظار موعد العرض و القيام أمام الله تعالى للحساب والجزاء يبقى الذين أحياهم الله تعالى وصعد بهم الملائكة إلى السماء في حياة البرزخ والدليل : غافر 45-46 ” وحاق بآل فرعون سوء العذاب. النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أذخلوا آل فرعون أشد العذاب ”  بعد فترة البرزخ  قامت الساعة الصغرى لفرعون وقومه . فأذخلوا في جهنم. والدليل غافر 47 ” وإذ يتحاجون في النار … ” والروم 14-16 ” ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون  فأما الذين آمنوا  وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون  وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة  فأولئك في العذاب محضرون”. هذه الآيات تؤكد أن الذين صعد بهم الملائكة إلى حياة البرزخ بأرض الجنة وجهنم بالسماوات يكونون مختلطين سواء من سيكون في الجنة أو من يكون في جهنم. وبعد الحساب يتفرقون حسب المصير الذي حدده لهم الله تعالى طبقا لما في كتاب أعمالهم .

وأختم هذا المبحث الأول بالاستنتاج الآتي: اعلم أيها الإنسان أن وجودنا في الحياة الدنيا مؤقت. استخلفنا الله تعالى لإعمار الأرض ولعبادته في آن واحد. فلا يجوز إعمار الأرض بدون عبادة الله والالتزام بالقرآن وهو مادة ابتلاء وامتحان للناس في الدنيا. وطبقا لنتيجة هذا الابتلاء يختار الله تعالى الفائزين بالجنة ويعذب الآخرين في جهنم. كل إنسان خلقه الله تعالى في الدنيا لا بد له من الموت حتما ثم يحييه الله عز وجل ويصعد به الملكان إلى أرض الجنة وجهنم بالسماوات للحساب والجزاء عن أعمال الدنيا.  فتأكد أيها الإنسان في كل زمان ومكان من صدق القرآن تنزيل الرحمان واصدق في العمل والإيمان واعبد الله تعالى من الآن لتفوز في الميزان وتسعد في الجنان وتنجو من النيران.

المبحث الثاني : الله تعالى يجدد مصير كل إنسان بعد البعث طبقا لنتيجة حساب أعماله بالدنيا

سأبين الأحكام الشرعية الواردة في القرآن المجيد حول مصير الإنسان بعد البعث من خلال المحاور الثلاثة التالية:

أ- مدلول البعث ومكانه

ب – مصير الإنسان بعد البعث يحدده الله تعالى.

ج – استمرار البعث للحساب مند آدم إلى قيام الساعة الكبرى الختامية

أ- مدلول البعث ومكانه

قبل أن أحدد مكان بعث كل إنسان أبين تعريفه ومدلوله والمقصود منه. فالبعث في القرآن له ثلاثة معاني. البعث بمعنى الإرسال والبعث بمعنى الإحياء بعد الموت والبعث بمعنى القيام والعرض أمام الله عز وجل للحساب والجزاء عن أعمال الدنيا. وهدا المعنى الأخير هو الذي أقصده في البحث . وأبين هده المعاني الثلاثة للبعث في القرآن.

1-  البعث بمعنى إرسال الرسل إلى الناس

   الأدلة كثيرة منها الأعراف 103 ” ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملإيه…”  ويونس 74 ” ثم بعثنا من بعده رسلا إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات …”  والفرقان 51   “ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا” والفرقان 20 ” وما أرسلنا من قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ” والنحل 36 ” ولقد بعثنا في كل أمة رسولا ” والقصص 59 ” وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي  القرى إلا وأهلها  ظالمون ” والحج 75 ” الله يصطفي من الملائكة  رسلا ومن الناس ” والأعراف 6 ” فلنسألن الذين أرسل  إليهم ولنسألن المرسلين”  فمعنى البعث في هده الآيات إرسال الرسل والأنبياء إلى الناس لتبليغ شرائع الله تعالى ولكي يلتزموا بها قولا وعملا سرا وعلانية قبل محاسبتهم بعد الموت في الآخرة.

 2- البعث بمعنى الإحياء بعد الموت

   البعث في هدا المعنى هو إحياء الله تعالى للميت في الدنيا ومن الأدلة البقرة 56 ” ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون ” ويتعلق الأمر ببني إسرائيل الذين قالوا لرسول الله موسى عليه الصلاة والسلام لن نؤمن بالثوراة حتى نرى الله جهرة فأماتهم الله ثم أحياهم بعد أن تاب عليهم . والكهف 19 ” وكذلك بعثناهم ” ويتعلق الأمر بأهل الكهف الذين أماتهم الله عز وجل ثلاث مئة سنة ثم بعثهم أي أحياهم بعد الموت. وهناك دليل آخر في مريم 15 ” وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا” وهدا قول الله تعالى عن نبيه يحي بن زكريا عليهما السلام. وقول الله تعالى كذلك على لسان رسوله المسيح عيسى بن مريم في سورة مريم 33 ” والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا “. والإسراء 49 ” وقالوا أإذا كنا عظاما ورفاتا أإنا لمبعوثون خلقا جديدا” والأنعام 36 ” إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون” والنحل 38 ” وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون”.

    3- البعث بمعنى الحشر والعرض أو القيام أمام الله تعالى

الأموات الذين أحياهم الله تعالى يصعد بهم الملائكة من أرض الدنيا إلى أرض الجنة وجهنم بالسماوات على شكل أفواج متتابعة. و يجتمعون في حياة البرزخ بالسماوات في أرض الجنة وجهنم في انتظار البعث أي العرض والقيامة أمام الله تعالى للحساب والجزاء عن أعمال الدنيا المسجلة في كتبهم. والدليل : المؤمنون 15-16 ” ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون” أي تقومون وتعرضون من حياة البرزخ إلى الوقوف أمام الله تعالى والملائكة للحساب. والنمل 65 ” قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله  وما يشعرون أيان يبعثون” والتغابن 7 ” زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبئون بما عملتم ودلك على الله يسير”. لا ينبأ الإنسان بأعماله التي عملها في الدنيا إلا بعد العرض والقيامة أمام الله تعالى عندما يقدم له الملائكة كتاب  أعماله الذي هو حجة قاطعة عليه. و هذا المعنى الثالث للبعث أي قيام الناس أمام الله تعالى في أرض الجنة والنار بالسماوات للحساب والجزاء عن أعمال الدنيا هو الذي أقصده في هدا البحث. طبعا الله عز وجل مستوى على العرش فوق السماء السابعة ويتنزل فوق عرشه الذي يحمله ثمانية ملائكة لمحاسبة المبعوثين. وهو بقدرته وقضائه المطلق العادل مالك الكون وما فيه وخالق كل ما هو موجود والمدبر للكون وما فيه. وهو مع كل ما خلق ومنه الإنسان بسمعه وبصره وعلمه وتصرفه وكلامه رغم كونه فوق السماء السابعة. وأحيلكم على بحث نشرته بموقعي بالانترنيت المذكور حول موضوع :    ” من هو الله تعالى وأين هو” .

ومن الأدلة على أن مكان البعث والحساب والجزاء في أرض الجنة وجهنم  بالسماوات ما يلي : النبأ 18-19 ” يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا وفتحت السماء فكانت أبوابا ” و ق 21 ” وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد”.  وهم الملائكة الذين يصعدون بالمبعوثين عند الله تعالى منذ إحيائهم في أرض الدنيا بعد الموت. و الطلاق 12 ” الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وان الله قد أحاط بكل شيء علما “. هدا دليل على أن هناك أرض بالسماوات فيها الجنة وجهنم لقوله تعالى في إبراهيم 48-51 ” يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات  وبرزوا لله الواحد القهار  وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار ليجزي الله كل نفس ما كسبت إن الله سريع الحساب “. والذاريات 22-23 ” وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء  والأرض إنه لحق مثلما أنكم تنطقون”.  فهذه الآية الكريمة تؤكد أن الحساب والجزاء بعد البعث يتم في أرض الجنة وجهنم بالسماوات لأن ما يعد به الله تعالى الناس هو الجزاء عن أعمال الدنيا بالجنة أو جهنم حسب ما يستحقه كل إنسان وتؤيدها سورة ق 30-32 ” هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ من خشي الرحمن بالغيب و جاء بقلب منيب ” و ص 53 ” هذا ما توعدون ليوم الحساب ” والزمر 74 ” وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده و أورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين “. والأرض في هذه الآية هي أرض الجنة وجهنم بالسماوات. و هناك دليل آخر في البقرة 35-36 ” وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هده الشجرة فتكونا من الظالمين فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين ” والأعراف 24 ” قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين”. فكلمة  ” اهبطوا ” الواردة في الآية دليل على أن آدم وزوجته والشيطان كانوا في السماوات. وتدل عبارة ” ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين”  على إنزالهم من أرض الجنة بالسماوات إلى أرض الدنيا من أجل حياة مؤقتة فيها هي عبارة عن ابتلاء وامتحان لتحديد من يعود إلى الجنة و إلى جهنم حسب نتيجة امتحان الدنيا وابتلائها لقوله تعالى في البقرة 38-39 ” قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم منى هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون  والدين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون”.

   فكل الأمم حاسبها الله عز وجل عن أعمالها طبقا للشرائع التي أنزلها إليها لقوله تعالى في الأعراف 38 ” قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار “. و أمة القرآن التي تعني كل الناس في الكون حوسب الأموات منها الدين بعثهم الله تعالى. ويستمر البعث والحساب إلى ما شاء الله تعالى  وإلى أن تقوم الساعة الكبرى الختامية حيث يفني الله كل إنسان على أرض الدنيا. فالجنة إذن في أرض بالسماوات وهي أكبر من أرض الدنيا لقوله تعالى في الحديد 21 ” سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله و رسله “. و بين الجنة وجهنم سور فاصل بينهما لقوله تعالى في الحديد 13 ” فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب”.

ومن الأحكام الشرعية الدالة على البعث للحساب أمام الله عز وجل الانشقاق 6-12 ” يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه. فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف  يحاسب حسابا يسيرا و ينقلب إلى أهله مسرورا و أما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا ويصلى سعيرا”. والغاشية 25-26 ” إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم ” وغافر 17 ” اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب”  و آل عمران 30 ” يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا “.

فتدبروا إخواني المحترمين القراء والباحثين والدعاة هده الأدلة والأحكام الشرعية المؤكدة بأن الله تعالى يحيي الموتى. و يصعد بهم الملائكة عند الله تعالى من أجل الحساب والجزاء عن أعمال الدنيا. وليس هناك حساب ولا عذاب في القبر. وإذا كان هناك حديث حول المسألة فإنه كذب على الرسول صلى الله عليه وسلم. و الدليل أن الميت جسد جامد بدون روح. لا يمكنه الحركة والحياة لأن روحه أخذها الملك عند الموت ولا تعود له إلا بعد أن يحييه الله تعالى في جسد آخر ويصعد به الملكان عند الله عز وجل. فالروح من الله يحيي بها الإنسان. والدليل الإسراء 85 ” ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ” وص 71-72 ” إذ قال ربك  للملائكة إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ” والسجدة 7-8 ” الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من سلالة من طين ثم جعل نسله من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه…”. الروح من الله تعالى إذا أرسلها إلى جسد يحي ويتحرك و  إذا أمسكها يصبح الجسد جثة هامدة جامدة لا حركة ولا حياة فيه. لهدا لا يقبل الشرع والمنطق أن يحاسب ويعذب جسد ميت بدون حركة أو حياة. و الروح مقدسة لأنها من الله تعالى ولا تحاسب ولا تعذب نهائيا سواء الروح التي في من يستحق العذاب أو غيره. لهذا أعطي تفسير النفس في الفجر 27-30 ” يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي “. فالنفس المطمئنة في هذه الآية ليست الروح لأنه ليست هناك روح مطمئنة وأخرى غير مطمئنة. بل النفس هنا الإنسان الذي أحياه الله وبعثه وفاز في الحساب فاستحق الجنة. فهو يعود إلى الله تعالى ويراه ويتكلم معه ويدخل الجنة ضمن عباد الله الآخرين المستحقين لها. و يؤيد هذا التفسير ما جاء في الزمر 56 ” أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين “. فالنفس  هي الإنسان الحي وليست الروح وحدها. ولهذا لا تعذب الروح ولا تحاسب. ولا يعذب الميت في القبر ولا يحاسب أبدا. وقد  سبق أن بينت الأحكام الشرعية الدالة على أن الحساب والجزاء لكل إنسان مبعوث يتم أمام الله تعالى بأرض الجنة وجهنم بالسماوات.  فاحذروا أيها المؤمنون الصالحون الكذب على الرسول في السنة لأن ذلك يحرف القرآن وهو كذب على الله كذلك.

بعد أن بينت مدلول البعث ومكانه سأبين الأحكام الشرعية التي حددها القرآن المجيد والتي تدل على أن الله عز وجل هو وحده الذي يحدد ويقرر مصير الإنسان بعد البعث طبقا لكتاب أعماله التي عملها في دار الابتلاء والامتحان أي الحياة المؤقتة بالدنيا.

ب: المصير الحتمي لكل إنسان بعد البعث يحدده الله تعالى وحده

في القرآن الكريم نجد معنيين لكلمة المصير التي تكررت في سوره عشرات المرات . المعنى الأول : يفهم منه الرجوع والعودة إلى الله عز وجل بعد الموت في الحياة الدنيا المؤقتة. والأدلة كثيرة منها يونس 4 ” إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ  الخلق ثم يعيده ” ويونس 23 ” يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون” والحج 48 ” وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها و إلي المصير ” بمعنى أنها تعود إلى الله تعالى بعد  البعث يوم القيامة . وآل عمران 28 ” ويحذركم الله نفسه و إلى الله المصير” والمائدة 18 ” ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما و إليه المصير” ولقمان 14 ” ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير” والشورى 15 ” الله يجمع بيننا و إليه المصير”. فالمصير إلى الله تعالى معناه الرجوع إليه. لقوله  تعالى في القصص 70 ” وهو الله لا إلاه إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون ” والقصص 88 ” ولا تدع مع الله إلاها آخر لا إلاه إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون “.  والزخرف 85 ” وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة و إليه ترجعون “. فكل إنسان مصيره إلى الله تعالى أي يرجع ويعود إليه بعد  إحيائه في جسد آخر بعد الموت. و لكن هده العودة إلى الله تعالى ليست خاضعة لإرادة المبعوث بل كل إنسان يصعد به ملكان وجوبا وبأمر من الله تعالى. والدليل آيات كثيرة منها يس 51 ” ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون” ويس 53 ” إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون”. والمعنى الثاني لكلمة المصير في القرآن:  يدل على الجزاء الذي يناله المبعوث عندما يعود ويرجع إلى الله تعالى في الآخرة. والأدلة كثيرة منها: البقرة 126 ” قال ومن كفر فأمتعه  قليلا ثم اضطره إلى عذاب النار وبئس المصير” بمعنى بئس الجزاء الذي ناله الكفار عن كفرهم وأعمالهم المخالفة للقرآن. والحج 72 ” النار وعدها الله الدين كفروا وبئس المصير” والنور 57 ” لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض ومأواهم النار ولبئس المصير” والحديد 15 ” فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير”  والتغابن 9-10 ” يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار  خالدين فيها أبد ذلك الفوز العظيم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير” . فالفوز بالجنة نعم المصير والجزاء ومن نال جهنم بعمله السيئ فله بئس المصير والجزاء. والدليل أيضا الفرقان 15-16 ” قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيرا  لهم فيها ما يشاؤون خالدين كان على ربك  وعدا مسئوولا ” وفصلت 27-28 ” فلنذيقن  الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون”.

و يهمنا في البحث معنى كلمة ” المصير” الثاني أي الجزاء عن أعمال الدنيا، الذي يحدده الله عز وجل وحده يوم الحساب في الآخرة. و سأبين ذلك في ثلاث نقط: 1- لا يشارك الله تعالى أحد في تحديد مصير المبعوث. 2- يحدد الله تعالى مصير المبعوث بعدل مطلق. 3- يحدد الله تعالى مصير المبعوث طبقا لموقفه من القرآن في الدنيا. وسأحلل كل نقطة كما يلي :

1- لا يشارك الله تعالى أحد في تحديد مصير المبعوث

قضاء الله تعالى وقدره مطلق وعادل . وهو  الذي خلق الإنسان ويراقب أعماله ويحاسبه عليها يوم القيامة عندما يبعثه بعد موته. لا أحد يشارك الله تعالى في قضائه وقدره أبدا ولا في تحديد مصير المبعوث بعد الموت. الله تعالى لا يجامل أحدا  ولا يظلم بل يحدد جزاء المبعوث في الآخرة طبقا لما في كتاب أعماله، لقوله تعالى في الكهف 49 ” و وضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا”. فكل إنسان مسؤول أمام الله تعالى عن عمله بالدنيا بالإضافة إلى مسؤوليته أمام السلطة الإسلامية بالدنيا. وينال مصيره وجزاءه من الله تعالى طبقا لهدا العمل . ولهدا أتعرض للأدلة  الشرعية التي تؤكد بصدق بأنه لا شفاعة للرسل يوم البعث والحساب في الآخرة. فقد كذب المغرضون عن الله تعالى وعن رسوله محمد عليه وعلى كل الرسل صلاة الله وسلامه فنسبوا إليه حديثا كذبا ادعوا فيه أن الرسول قال : ” من قال عندما يؤذن المؤذن اللهم آت سيدنا محمد الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته كنت شفيعا له يوم القيامة”. والأدلة الشرعية على عدم صحة هدا الحديث  المزعوم كثيرة وواضحة في القرآن الكريم . وقد بينتها في بحث سابق نشرته بموقعي بالانترنيت حول موضوع : “أدلة بطلان التوراة والإنجيل بالقرآن وأحكام الكفر والإيمان”  وبما أن هناك من لا يزال يضل الناس ويفتح الباب أمام ارتكاب السيئات بالادعاء كذبا أن الإكثار من الصلاة على الرسول تمحوها بشفاعته يوم القيامة،  فإني أكرر ذكر أهم الأدلة على أن الله تعالى هو الذي يغفر الذنوب في حالة التوبة النصوح الصادقة وأنه هو وحده الذي يحدد مصير كل مبعوث طبقا لكتاب عمله الذي هو وحده يشفع لصاحبه أمام الله تعالى.

لا يمكن للرسل إعفاء المجرمين من عذاب الله ولو صلوا عليهم ملايين المرة. الله تعالى عادل عدلا مطلقا ولا يجامل أحدا ولو كان رسولا. بل يحدد مصير كل مبعوث طبقا لما في كتاب أعماله. فتدبروا إخواني المحترمين سورة الزمر 19 ” أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقد من في النار “. أكد الله تعالى أن الرسول لا يمكنه نهائيا إعفاء المبعوث من عذاب الله الذي قرره له طبقا لما في كتاب أعماله. ومن الأدلة كذلك قول الله تعالى على لسان رسوله نوح عليه السلام في هود 31 ” ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم  الغيب و لا أقول إني ملك و لا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله اعلم بما في أنفسهم إني إذن لمن الظالمين”. وقال الله تعالى لرسوله محمد عليه الصلاة والسلام  في الأنعام 15-17 ” قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه ودلك الفوز المبين وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير” ويونس 49 ” قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما شاء الله” . بل الرسل هم أيضا مسؤولون مثل غيرهم عن أعمالهم أمام الله تعالى . و الدليل الأعراف 6 ” فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين” والمؤمنون 51 ” يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم ” هود 112 “فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إني بما تعملون بصير “. و الأنعام 52 ” ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء “. فالرسل مثل غيرهم في حاجة إلى شفاعة أعمالهم عند الله تعالى وهم لا يعلمون الغيب ولا يعرفون  أعمال الناس وخاصة بعد موتهم. الرسول في حاجة إلى رحمة الله وتوبته فكيف يمكنه الشفاعة أي إعفاء المجرم من عذاب الله تعالى . فتدبروا إخواني التحريم 8 ” يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات نجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والدين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير” . والتوبة 117 ” لقد تاب الله على النبي والمهاجرين  والأنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم”.  و التوبة 80 ” استغفر لهم أولا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم” وآل عمران 128 ” ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون”. الرسل في حاجة إلى شفاعة الله تعالى مقابل أعمالهم لأن الله تعالى هو الذي يشفع للإنسان المبعوث مقابل عمله المسجل في كتابه. وقد أكد هذه الحقيقة المطلقة للرسول عندما أمره في سورة الزمر 44 ” قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون” والبقرة 254 ” يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون “. أكد الله تعالى بأنه لا شفاعة للبشر أمام الله تعالى يوم البعث والحساب. والرسول عليه الصلاة والسلام هو الذي نزلت عليه آيات القرآن وهو الذي بلغها للناس. فكيف تتهمونه بعدم فهم القرآن وتكذبون عليه أيها المغرضون وتضلون الناس بادعائكم أنه يشفع أي يعفي المجرمين من عذاب الله المخصص لسيئاتهم. ومن الأدلة أيضا السجدة 4 ” الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون”. الله تعالى أكد في نص قرآنه الصادق والحق أنه لا شفيع من دونه أبدا فكيف تكذبون وتضلون الناس وتفتحون الباب أمام ارتكاب السيئات وتدعون أن الرسول وأهل البيت و ما يسمى بالشرفاء لهم بركة وأنهم يشفعون للناس يوم الحساب. فهذه مغالطة وكذب على الله تعالى و حيلة يراد منها أكل أموال الناس بالباطل.

ومن الأدلة كذلك البقرة 48 ” واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون ” والبقرة 123 ” واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون “. الرسول نفس بشرية مثل سائر البشر. والله تعالى أكد بأن يوم الحساب لا شفاعة فيه أبدا للرسل أو غيرهم. وهذا الحكم الشرعي في البقرة 123 تؤيده وتؤكده سبأ 42 ” فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعا ولا ضرا ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون”. هذا كلام الله تعالى موجه للرسول وبقية الناس. و الحكم الشرعي المستنبط من هده الآية أن الرسول لا يملك نفعا ولا ضرا للناس يوم الحساب في الآخرة. الأعراف 188 ” قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء ” ويونس 49 ” قل لا أملك لنفسي ضرا و لا نفعا إلا ما شاء الله ” ولقمان 33 ” يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن  ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور” والإنفطار 17-19 ” وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله”. والأنعام 70 ” وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا وغرتهم الحياة الدنيا وذكر به أن تبسل  نفس بما كسبت ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون”. و الأنعام 51 ” وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون”. فمن أصدق من الله حديثا ومن أصدق منه قولا. لا يجوز شرعا تصديق كلام أو فعل نسب للرسول إذا كان مخالفا لنص قرآني. وكل من ادعى شفاعة الرسول أو أهل بيته كذب على الله تعالى وأشرك به.

إن مهمة الرسل يوم القيامة تنحصر في مسألة واحدة هي الشهادة أمام الله تعالى على أنهم بلغوا للناس الشرائع التي أنزلها عليهم وكلفهم بتبليغها لكي تكون هده الشهادة حجة على الناس ولكي لا يعتذروا بعدم التبلغ بشرع الله تعالى. والأدلة منها النساء 165 ” رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما” والأنعام 83 ” وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه” والنساء 159 ” ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا “. ويتعلق الأمر برسول الله تعالى المسيح عيسى بن مريم عليه وعلى كل الرسل صلاة الله وسلامه. وشهادة الرسل على الناس ليست على أعمالهم ولكن على تبليغ شرائع الله عز وجل. والمزمل 15 ” إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا “. ويتعلق الأمر برسول الله تعالى محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام. فهو يشهد أمام الله تعالى على تبليغ القرآن للناس. و قد بينت في بحث سابق الأدلة على أن النصارى واليهود يجب أن يكونوا مسلمين وأن يعبدوا الله تعالى طبقا لمناسك القرآن ومنها المسجد وليس الكنيسة. وأن يعبدوا الله وحده وليس تمثال المسيح والباباوات والرهبان وغيرهم لقوله تعالى في آل عمران 80 ” ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون” والمائدة 17 ” لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا ولله ملك السماوات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير”.

و من العار أن يدعي أحد أن أديان الكفر الوضعية كالمسيحية واليهودية والبوذية وغيرها أديان سماوية أي أنزلها الله تعالى. فالدين السماوي الوحيد الذي شرعه الله تعالى هو الإسلام. هناك شرائع سماوية أنزلها الله نسخت بعضها البعض وآخرها القرآن. والدليل :  آل عمران 19 ” إن الدين عند الله الإسلام ”  وآل عمران 85 ” ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين “. وقد بينت هذا الحكم الشرعي لأن الأمة الإسلامية فوض إليها الله تعالى مهمة تبليغ القرآن للناس. وسيشهد العلماء المتقون والدعاة الصادقون يوم القيامة على هذا التبليغ أمام الله تعالى. و الدليل البقرة 143 ” وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا” والحج 78 ” ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس”.

فتأكدوا إخواني المحترمين أن الله تعالى هو الذي يحدد وحده مصير كل إنسان بعد البعث استنادا إلى كتاب أعماله. ولا شفاعة للرسل أبدا يوم البعث والحساب. فراقبوا أعمالكم وحاسبوا أنفسكم قبل أن يحاسبكم الله تعالى لأنه عادل عدلا مطلقا ويجازي كل مبعوث طبقا لما في كتاب أعماله.

2- يحدد الله تعالى مصير المبعوث بعدل مطلق

   الله تعالى عادل عدلا مطلقا في أموره ومنها تحديد مصير المبعوث يوم الحساب. فكونوا مطمئنين أيها المؤمنون الصالحون المتقون بأنكم ستنعمون برحمة الله ورؤيته وبالسعادة والحياة الدائمة الأبدية في جنته. و اعلموا أيها الكفار والظالمون والفاسقون والمنافقون والذين خفت موازينهم يوم الحساب أنكم ستخلدون في عذاب جهنم إذا لم تتوبوا في الدنيا توبة نصوحا صادقة أبدية. ومن الأدلة على عدل الله تعالى في تحديد مصير المبعوث ما يلي: النساء 40 ” إن الله لا يظلم مثقال ذرة ” وآل عمران 108 ” تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين ” وآل عمران 182 ” ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد ” و الأنبياء 47 ” ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خرذل آتينا بها وكفى بنا حاسبين ”  ويونس 44 ” إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون ” والتوبة 70 ” فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون” وغافر 17 ” اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب ” وهود 117 ” وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون ” والنحل 118 ” وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ” والكهف 49 ” ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلا أحصاها و وجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا ” ويس 54 ” فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون ” والزخرف 74-76 ” إن المجرمين في عذاب جهنم خالدون لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون و ما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين ” والحج 8-10 ” ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق ذلك بما قدمت يداك و أن الله ليس بظلام للعبيد”. فالناس هم الذين يظلمون أنفسهم بمخالفة القرآن بأعمالهم. الله تعالى لا يظلم ولا يجامل أحدا عند تحديد مصير المبعوث في الآخرة. والدليل الحوار الذي جرى بين الله عز وجل وبعض أهل جهنم في سورة فاطر 37 ” وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير” والمؤمنون 99-100 ” حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب أرجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون”.

ولكي أبين عدل الله تعالى في تحديد مصير المبعوث في الآخرة أعطي الأدلة الشرعية على عدم صحة حديث نسب كذبا للرسول محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام لأنه مخالف لنصوص  القرآن التي تؤكد عدل الله تعالى المطلق في تحديد مصير الإنسان. ومعنى هدا الحديث أن الله تعالى يحدد مصير الإنسان عندما يكون جنينا في بطن  أمه حيث يكتب ويقدر له الشقاء أو السعادة. وهذا كذب على الله عز وجل  وعلى رسوله يراد منه الطعن في القرآن وعدل الله المطلق. هذا الحديث أراد منه المغرضون فرض الاستبداد والظلم والأمر الواقع على الناس بالادعاء أن ذلك مكتوب ومقدر مسبقا من الله تعالى. وهدا غير صحيح  لأن الله تعالى خلق كل إنسان في أحسن تقويم لقوله تعالى في التين 1-8 ” و التين و الزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم  ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون فما يكذبك بعد  بالدين أليس الله بأحكم الحاكمين” والعصر 1-3 ” والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر” . فلا يخلق الله تعالى الإنسان شقيا أو سعيدا بل يخلقه في أحسن تقويم وهو الذي يحقق لنفسه السعادة إذا التزم بالقرآن والشقاء إذ أعرض عنه وخالفه لأن الله تعالى يحدد مصيره تبعا لأعماله.

   طبقا لنصوص القرآن كل إنسان مسؤول عن عمله أمام السلطة الإسلامية وأمام الله تعالى. و الإنسان هو الذي يتسبب لنفسه بعمله في الشقاء أو السعادة لأن الله عز وجل يجازي كل مبعوث حسب عمله بالشقاء إن كان سيئا وبالسعادة إن كان صالحا مطابقا للقرآن. والأدلة كثيرة منها غافر 17 ” اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب ” وغافر 31 ” وما الله يريد ظلما للعباد ” والرعد 11 ” إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”  وآل عمران 181-182 ” ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد ” والطور 21 ” كل امرئ بما كسب رهين” وفصلت 40 ” اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير”. فلا يقبل الشرع والمنطق والعدل والإنصاف أن يقدر الله تعالى على إنسان ارتكاب أفعال سيئة مخالفة للقرآن ثم يعاقبه عليها بالشقاء والعذاب. فهدا يتعارض ويتنافى مع صفات الله تعالى ومنها العدل المطلق. الله تعالى فرض على الناس الالتزام بالقرآن فلا يقدر السعادة لإنسان بجمع الأموال الكثيرة من الحرام كالرشوة والربا والسرقة والتزوير والقمار والنصب والاحتيال وأكل أموال الناس بالباطل. فإذا كان سعيدا بهذه الأموال في الدنيا فسيكون شقيا في الآخرة حيث يكون مصيره عذاب جهنم. و الأدلة كثيرة منها: ” هود 103-106 ” إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود وما نؤخره إلا لأجل معدود يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد. فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق” وهود 108 ” وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها “. الله عز وجل يعلم أعمال  كل إنسان الباطنة والظاهرة وما يفكر فيه وما يعتقده في نفسه. وهو مطلع على ما في كتاب كل إنسان. ويحدد مصير كل مبعوث حسب ميزان أعماله. هذه الآيات في سورة هود المذكورة دليل قاطع على عدم صحة الحديث الذي قيل فيه أن الله تعالى يقدر ويكتب على الجنين في بطن أمه الشقاء أو السعادة. فقد أكد الله تعالى في القرآن أن شقاء أو سعادة الإنسان تتحدد عند البعث للحساب في الآخرة طبقا لما في كتاب أعماله بالدنيا وليس في بطن أمه و هو جنين. فأعمال الإنسان هي التي تحدد له السعادة في الدنيا إن كان مؤمنا صالحا متقيا وفي الآخرة إن فاز في ميزان الأعمال حيث يفوز بالجنة وينجو من عذاب جهنم.

فاعلموا أيها الإخوة المحترمون أن القرآن يفسر بعضه بعضا. ولا يجوز نهائيا تفسير آية منه مستقلة بمفردها. بل يجب عرضها على كل آيات القرآن الأخرى قبل استنباط الحكم الشرعي منها، ويجب مقارنتها بها لمعرفة علاقة النسخ أو التعديل الجزئي والتفسير والتأكيد أو التخصيص والتعميم. فالمهم أن الإنسان إذا آمن وعمل صالحا وأطاع الله والتزم بالقرآن قولا وعملا سرا وعلانية فقد استحق السعادة في الدنيا والآخرة. والله عز وجل عادل عدلا مطلقا ولا يضيع أجر من أحسن عملا.

الرسل عباد من عباد الله تعالى. ولا يجوز لهم مخالفة شرع الله المنزل عليهم. فلا تقبلوا ما نسب للسنة النبوية إذا كان مخالفا لنص في القرآن أو مقاصده العامة. والأدلة كثيرة منها النساء 87 ” ومن أصدق من الله حديثا ” و النساء 122 ” و من أصدق من الله قيلا ” و الأحزاب 4 ” و الله يقول الحق ” والجاثية 6 ” تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله و آياته يؤمنون” ويونس 15 ” وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا  ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم”. و الحاقة 43-47 ” تنزيل من رب العالمين. ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين”. الله تعالى حرم على رسوله التقول عليه أو تحريف القرآن. فلماذا تقبلون تقول أعداء الله الذين كذبوا على رسوله لتحريف القرآن و خدمة مصالحهم السياسية والاقتصادية. فالرسول مثل سائر الناس ملزم باتباع القرآن. ومن الأدلة الأعراف 203 ” قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي” والجاثية 18 ” ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الدين لا يعلمون” والقيامة 18 ” فإذا قرأناه فاتبع قرآنه” والكهف 27 ” واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا”.

فالحديث المخالف للقرآن محاولة لتبديل كلمة الله تعالى. وهذا ما حرمه الله تعالى. لهذا قال عز وجل في فاطر 43 ” فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا “. و الزمر 55 ” واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون ” والأعراف 3 ” اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء “. هذه الأوامر باتباع القرآن وعدم مخالفته قولا وعملا سرا وعلانية موجهة لكافة الناس في العالم ومنهم رسول الله محمد بن عبد الله عليه وعلى كل الرسل صلاة الله و سلامه. فكيف يدعي المغرضون أو الجاهلون أن الرسول قال قولا أو فعل فعلا مخالفا للقرآن. لهدا لا يجوز شرعا اتباع ما نسب للسنة النبوية إلا بعد عرضه على القرآن وبشرط أن يكون مطابقا له.

ولكي أبين كذلك عدل الله تعالى المطلق في تحديد مصير كل إنسان بعد البعث طبقا لكتاب أعماله بالدنيا أعطى الأدلة الشرعية على أن الشيطان لا يتحكم في عمل وقول المؤمنين الصالحين المتقين ولا يؤثر فيهم وليس له سلطان عليهم أبدا. فالإنسان مخير في عمله . والله تعالى يحدد مصيره طبقا لعمله. لهذا فإني أبين عدم صحة حديث نسب كذبا إلى الرسول محمد بن عبد الله عليه وعلى كل الرسل صلاة الله وسلامه. و معناه ما يلي: “إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم ألا فضيقوا مجاريه بالجوع. و لو أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماوات “. فهذا الكلام منسوب كذبا إلى السنة النبوية. وهدف المغرضين من وضعه رفع مسؤولية المجرمين عن أعمالهم المخالفة للقرآن بادعائهم كذبا أن الشيطان هو الذي يحرك جسم وعقل الإنسان وهواه ويدفعه من داخل جسمه إلى ارتكاب الذنوب و السيئات. فهم يبررون الظلم والاستبداد وارتكاب المحرمات المخالفة للقرآن. وهذا الادعاء غير صحيح. و الأدلة على عدم صحته كثيرة منها ما يلي: الشيطان مخلوق من مخلوقات الله تعالى له كيان مستقل وهو من كفار الجن. و لا يدخل نهائيا وأبدا إلى جسم الإنسان ولا يجري في مجرى دمه. بل تأثير الشياطين على الناس يكون من خارج جسم الإنسان بواسطة الكلام الذي يلقونه على سمعهم أو بواسطة الإشارات وذلك مباشرة أو بواسطة أوليائهم من الكفار والمنافقين. كلام الشياطين وإشاراتهم للإنسان يشكل وسوسة وتحريضا يؤثر على فكر وعقل وقلب المراد التأثير عليه. لقوله تعالى في سورة الناس 1-6 ” قل أعود برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس”. فالشيطان لا يدخل إلى صدر الإنسان ليوسوس فيه وفي عقله ولكن كلامه أو إشاراته التي يصدرها  له هي التي قد تؤثر في شعوره وإحساسه وعواطفه وتفكيره. و لكن الإنسان له قدرة خاصة به لكي لا يتأثر بوسوسة الشيطان وإغوائه فلا يتأثر به. والشياطين ليست لهم قدرة على إجبار الإنسان لكي يستجيب لوسوستهم. فالشيطان يؤثر على الإنسان بأقواله وإشاراته من الخارج والدليل البقرة 14 ” و إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا و إذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤون ” فهذه الآية تدل على الحوار الذي جرى بين المنافقين و الشياطين الذين لهم ذات مستقلة عن الإنسان و الأعراف 27 ” يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون”. الإسراء 64 ” واستفزز من استطعت منهم بصوتك”. فالشيطان لا يدخل في جسم الإنسان ودمه كما يدعي المغرضون بل أكد الله تعالى وهو الصادق والحق أن الشيطان يوسوس للإنسان بكلامه من خارج جسمه مباشرة أو بواسطة أوليائه وأتباعه من الكفار والمنافقين. والدليل الآيات السابقة والأعراف 20 ” فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما وري عنهما من  سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين”. وطه 120 ” فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى . فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى أدم ربه فغوى”. فوسوسة الشيطان لآدم وزوجته و إغواؤه لهما تم بواسطة الكلام الذي ألقاه عليهما ولم يكن داخلا في جسدهما وفي مجرى دمهما كما يدعي الذين كذبوا على رسول الله.

ومن الأدلة على أن الشيطان يوسوس للناس بقوله مباشرة أو بأوليائه هناك سورة الحشر 16-17 ” كمثل الشيطان إذ قال للإنسان أكفر فلما كفر قال إني بريئ منك إني أخاف الله رب العالمين فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها ودلك جزاء الظالمين”. وإبراهيم 22 ” وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم”. الأنعام 112 ” و كذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس و الجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا و لو شاء ربك ما فعلوه فذرهم و ما يفترون “. فلا تصدقوا الأحاديث المنسوبة للسنة النبوية إذا كانت مخالفة للقرآن. و تدبروا إخواني هذه الآيات. فهي تؤكد أن الإنسان مخير في عمله ويتحمل مسؤوليته. والشياطين ليست لهم قدرة على إرغام الإنسان على الامتثال لإغوائهم و أوامرهم. بل الإنسان قادر على التحكم في سمعه وبصره وهواه وعواطفه وذلك بعقله وضميره فيميز بين الحق والباطل. لهذا حذرنا الله عز وجل من إتباع الشياطين وأوليائهم وهم الكفار والمنافقون. والدليل النور 21 ” يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء  والمنكر” وآل عمران 175 ” إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم  وخافون إن كنتم مؤمنين” والنساء 119 ” ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا” الإسراء 63 ” قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزآؤكم جزآء موفورا ” جعل الله عز وجل الابتعاد عن الشيطان وأوليائه من شروط الإيمان. فالمؤمن الصالح المتقي الصادق لا يتأثر بإغواء الشياطين وأوليائهم الكفار والمنافقين. و قد يبتلي الله عز وجل الناس بالشياطين ليمتحنهم وليعلم إيمانهم. والدليل سبأ 20-21 ” ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ” الزخرف 36-37 ” و من يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين و إنهم ليصدونهم عن السبيل و يحسبون أنهم مهتدون “. فعلينا إتباع القرآن والعمل بأحكامه لأنه كلام الله تعالى وليس بكلام الشياطين. لقوله تعالى في التكوير 25-28 ” وما هو بقول شيطان رجيم فأين تذهبون إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم”. الإنسان له قدرة على مقاومة إغواء و وسوسة  الشياطين بعدم إتباع ما يخالف شرع الله سواء كان دلك بتحريض بالكلام أو الإشارات أو بتحريض من النفس الأمارة بالسوء والهوى. لقوله تعالى في يوسف 53 ” وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء” والفرقان 43 ” أرأيت من اتخذ إلاهه هواه” والنازعات 37 -41 ” فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى”.

فتدبروا إخواني القراء و الباحثين والدعاة المحترمين هذه الآيات. فهي تؤكد أن الإنسان مخير في عمله ومسئول عنه. والله تعالى يحدد مصيره طبقا لكتاب أعماله. والشيطان لا قدرة له على إجبار الإنسان على عمل معين. بل يجب التمييز بين إغواء ووسوسة الشياطين بالقول أو الإشارات مباشرة أو بواسطة أتباعهم من الناس الكافرين والمنافقين وبين تأثير هوى النفس الأمارة بالسوء من داخل الإنسان. فتحكم أيها الإنسان في هواك ونفسك الأمارة بالسوء وعواطفك المخالفة للقرآن. و تحكم في نفسك بعقلك وضميرك واتبع حكمة الله تعالى وهي القرآن الكريم الذي يجعلك على صراط الله المستقيم وينجيك من العذاب الدائم في جهنم.

لقد بينت الأدلة الشرعية المؤكدة لعدم صحة الحديث الذي قيل فيه أن الشيطان يجري في جسم الإنسان مجرى الدم وأنه يستحوذ على قلبه وهواه ويدفعه إلى الفحشاء والمنكر. فهؤلاء المغرضون يبررون الظلم والفساد ويدعون أن المجرم غلب على أمره لأن الشيطان في نظرهم هو الذي تذخل في مجرى دمه وتفكيره وعواطفه ففعل ما أراده الشيطان. والأدلة التي قدمتها واستنبطتها من القرآن الكريم دليل قاطع على عدم صحة هدا الحديث. ولذلك فإن الإنسان مسؤول عن عمله واعتذر عن فتح  قوسين لأبين الأدلة على أن الإنسان مخير في أن يعمل ما يشاء ومسؤول عن عمله. لكن هناك استثناء حيث يكون الأمر لله تعالى وحده فلا قدرة للإنسان  ولا حرية في أن يعمل ما يشاء. والأدلة كثيرة منها ما يؤكد أن الإنسان مخير في عمله وهي : فصلت 40 ” اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير” والزمر 56-59 ” أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين”. هذه الآية دليل على أن الإنسان هو الذي يقرر عمله حيث يلتزم بالقرآن أو يخالفه. والله تعالى يحدد مصير المبعوثين طبقا لما قرروا من عمل. ولهدا قال الله تعالى في الكهف 29 ” فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”.و هناك حكم شرعي مؤكد لحرية الإنسان في عمله في سورة الشمس 7-10 ” ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها “. خلق الله عز وجل الإنسان وبين له الأحكام الشرعية التي إن التزم بها يفوز بسعادة الدنيا والآخرة. فالقرآن بين فيه الله تعالى ما ينفع الإنسان وما يضره. وترك له حرية العمل الذي يريده لكنه يجازيه حسب عمله الذي هو مسؤول عنه لقوله تعالى في آيات كثيرة منها الطور 21 ” كل امرئ بما كسب رهين” والزلزلة 7-8 ” فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثفال ذرة شرا يره”.

و لا يجوز اعتبار ظلم الناس لبعضهم البعض من قدر الله تعالى بل الظالم يتعرض لعذاب الله تعالى في الدنيا والآخرة. لقوله تعالى في العنكبوت 10 ” ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله”. لا يقبل العقل والمنطق والشرع أن يقدر الله تعالى على إنسان فعل الشر ثم يعاقبه عليه لأن ذلك يمس بصفات الله تعالى ومنها أنه عادل عدلا مطلقا. ولا يقدر الله تعالى لإنسان بأن يجمع الأموال الطائلة من  المحرمات كالرشوة وتزوير واختلاس أموال الناس بالباطل ومنها المال العام والتجارة في المحرمات كالخمر والمخدرات والدعارة. فمن فعل دلك خالف القرآن الكريم وينال عذاب الله تعالى المؤجل في الدنيا ثم عذاب جهنم الدائم.

ولكن هناك ثلاث استثناءات يكون فيها الإنسان مجبرا في عمله حيث يقدر عليه الله تعالى ما يريد وينفذ عليه أمره الذي لا يمنعه احد أبدا.

  الاستثناء الأول: معاقبة الله عز وجل الإنسان الظالم الذي يستحق العذاب بسبب عمله المخالف للشرع. وكمثال أمر الله تعالى الذي نفذه على فرعون ومن كفروا معه بموسى والثوراة. والدليل الأعراف 136 ” فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين”. ومعاقبة الله تعالى لقارون الذي طغى وتجبر على الناس بماله. و الدليل القصص 81 ” فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين”.

الله تعالى يجازي المؤمنين الصالحين المتقين خيرا في الدنيا قبل الآخرة ويعذب المخالفين للقرآن في الدنيا قبل الآخرة. لكنه لا يظلم أبدا. لقوله تعالى في سورة الليل 5-11 ” فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى وما يغني عنه ماله إذا تردى”. وقد أكد لنا الله تعالى بحق أنه قادر على التصرف في جسم كل إنسان مباشرة ولا يمكن أن يمنعه مانع أبدا سواء خيرا أم شرا حسب ما يستحقه طبقا لعمله الذي هو حر فيه. والدليل الحاقة 43-47 ” تنزيل من رب العالمين ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين” والفتح 11 ” قل فمن يملك لكم من الله شيئا  إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا ” الأحزاب 17 ” قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة و لا يجدون لهم من دون الله وليا و لا نصيرا ” الإستثناء الثاني هو ابتلاء الله تعالى للإنسان ليبين صدق إيمانه أو نفاقه وكفره. و الأدلة منها العنكبوت 2-3 ” أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون. ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين” والمائدة 94 ” يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله أيديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم”. هدا التحريم يهم المحرمين للحج والعمرة. فقد يقدر الله تعالى بان يأتي الصيد بين يدي المحرم ليبتليه ويعلم هل سيخاف الله ويلتزم بالقرآن أم لا . و الفجر 15-20 ” فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه و نعمه فيقول ربي أكرمن و أما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن كلا بل لا تكرمون اليتيم و لا تحضون على طعام المسكين و تأكلون التراث أكلا لما و تحبون المال حبا جما “. والزمر 49 ” فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون” والأنبياء 35 ” ونبلوكم بالشر والخير فتنة”  والأعراف 168 ” وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون”. وأحيلكم على بحث نشرته في موقعي بالانترنيت المذكور حول موضوع : ” من هو الله تعالى وأين هو “.

   الاستثناء الثالث يتعلق بمكافأة الله تعالى للمؤمنين الصالحين المتقين الصادقين. في هده الحالة قد يوجه الله عز وجل عملهم لإنقاذهم من مكروه أو لإرشادهم لما فيه صلاحهم و نجاتهم. الله تعالى يعلم كل ما يفكر فيه ويعتقده كل إنسان وهو عالم الغيب والشهادة  وهو القاهر فوق كل بشر. الله تعالى يعلم مسبقا الجريمة التي قرر إنسان ارتكابها في حق إنسان آخر. فإذا كان هذا الأخير مؤمنا متقيا مستحقا لرحمة الله تعالى فإنه يحميه. والدليل آيات كثيرة منها الروم 47 ” ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين” وإبراهيم 27 ” يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الدنيا  و في الآخرة ” ومحمد 7 ” يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا  الله ينصركم ويثبت أقدامكم “. الله عز وجل لا يحتاج إلى من ينصره ويدافع عنه ولكن النصر هنا هو طاعة الله والالتزام بالقرآن قولا وعملا سرا وعلانية. والطلاق 2-3 ” و من يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب” و الطلاق 4-5 ” و من يتق الله يجعل له من أمره يسرا ذلك أمر الله أنزله إليكم و من يتق الله يكفر عنه سيئاته و يعظم له أجرا ” فالأمر الذي أنزله الله للناس كافة هو القرآن فمن التزم به و اتقى ينال حماية الله تعالى و تيسير أموره. و فصلت 30-31 ” إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا و في الآخرة ” و يونس 62-64 ” ألا إن أولياء  الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم”. فتدبروا  أيها الناس هده الآيات الكريمة في القرآن.  إن الشرط الوحيد للفوز برحمة الله  عز وجل وحمايته في الدنيا والآخرة هو الإيمان الصادق بالله تعالى  وحبه بصدق وطاعته والالتزام  بالقرآن قولا وعملا سرا وعلانية  حتى الموت.

باستثناء هذه الحالات الثلاث التي يخضع فيها الإنسان لقضاء الله وقدره  فإنه مخير في عمله ومسؤول عنه. والله تعالى يحدد مصيره يوم البعث للحساب طبقا لما في كتاب أعماله. و رغم ذلك هناك من يدعي أن العلم في نظره لم يفصل في مسألة هل الإنسان مسير في عمله أم مخير. فهذه الأحكام الشرعية التي بينتها من آيات القرآن كلام الله تعالى وعلمه وليس هناك من هو أعلم منه سبحانه وتعالى أبدا. وقد حسم ربنا سبحانه وتعالى في المسألة. وأكد أن الإنسان مخير في عمله ومسؤول عنه. وأنه يحدد بعدل مطلق مصير كل إنسان بعد  البعث والحساب طبقا لما في كتاب أعماله. وأغلق القوسين وأتابع البحث في النقطة الثالثة.

3- يحدد الله تعالى مصير المبعوث حسب موقفه من القرآن.

   كل أمة من الأمم السابقة لأمة القرآن حاسبها الله تعالى بعد أن أحيى الأموات وبعثهم فمنهم من استحق بعمله الجنة ومنهم من استحق جهنم. هذه المحاسبة تمت طبقا لموقف أفراد كل أمة من الشريعة التي نزلها لهم الله تعالى الأعراف 35-36 ” يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم ءاياتي فمن اتقى و أصلح فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون و الذين كذبوا بآياتنا و استكبروا عنها أولائك أصحاب النار هم فيها خالدون ” البقرة 38-39 ” قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون و الذين كفروا و كذبوا بآياتنا أولائك أصحاب النار هم فيها خالدون ” طه 123-124 ” قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل و لا يشقى و من أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا و نحشره يوم القيامة أعمى ” الأنعام 48-49 ” و ما نرسل المرسلين إلا مبشرين و منذرين فمن آمن و أصلح فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون و الذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون “.هذه الأحكام الشرعية التي ذكرتها أكدت بان كل الناس يحاسبون عن مواقفهم من الشرائع المنزلة إليهم حسب المدة الزمنية الخاصة بكل شريعة. ومن الأموات من أمة القرآن من أحياهم الله تعالى وبعثهم للحساب. ومنهم من لا يزال ينتظر وقت إحيائه أو  ينتظر في حياة البرزخ بأرض الجنة وجهنم بالسماوات وقت عرضه وقيامه أمام الله تعالى للحساب والجزاء. و أذكر القراء والباحثين والدعاة المحترمين بأن القرآن منزل لكل إنسان في الكون بما في ذلك اليهود والنصارى والهنود وغيرهم لأن الله تعالى نسخ به كل الشرائع السابقة و ألغاها بما فيها التوراة والإنجيل. وأحيلكم على البحث الذي نشرته في موقعي بالانترنيت حول موضوع : ” أدلة بطلان صلاحية الثوراة والإنجيل بالقرآن وأحكام الكفر والإيمان “. والدين المشروع هو دين الله الحق الإسلام وغيره أديان وضعية وكفر.

الله عز وجل يحدد مصير كل مبعوث حسب موقفه من القرآن. فإن التزم بأحكامه قولا وعملا سرا وعلانية حتى الموت وبصدق أدخله الجنة. وإن أعرض عن القرآن واستهزأ به واستكبر عن عبادة الله تعالى أدخله جهنم. فتأكد أيها الإنسان كيفما كان جنسك ولونك ولغتك وثقافتك ومكان إقامتك أنك مسؤول  أمام الله تعالى عن أعمالك التي يجب أن تكون مطابقة  لأحكام القرآن. و تأكد أن الله تعالى قرر تحديد مصيرك بعد البعث طبقا لكتاب أعمالك التي يراقبها ويسجلها الله تعالى والملائكة في كتاب مخصص لك. ومن الأدلة الشرعية على ذلك ما يلي:  الأعراف 3 ” اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم و لا تتبعوا من دونه أولياء ” والأنعام 153 ” وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ” والقرآن هو الذي حدد فيه الله تعالى الأحكام الشرعية التي تقود من اتبعها والتزم بها إلى صراط مستقيم يعيده إلى الله عز وجل وإلى الحياة الخالدة والدائمة في جنته. ومن الأدلة الأنعام 155 ” وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون”  والزمر 55 ” واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكن من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة و أنتم لا تشعرون”.

و قد أخبرنا الله تعالى عن ندم أهل جهنم لأنهم أعرضوا عن شرع الله المنزل إليهم ولم يلتزموا به في الحياة الدنيا. و أكد لهم الله تعالى أن هدا الندم لا ينفعهم وأنهم في عذاب جهنم حتما. والدليل الزمر 56-58 ” أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب  لو  أن لي كرة فأكون من المحسنين” فأجاب الله تعالى وهو الصادق الحق في الزمر 59 ” بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت  وكنت من الكافرين”. خلق الله عز وجل الإنسان ليعبده لقوله تعالى في الذاريات 56 ” وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون”. ولكن عبادة الله تعني الالتزام بأحكام القرآن المجيد. و كل عبادة لا تتم لله وحده وطبقا لمناسك وأحكام القرآن محرمة وكفر. لقوله تعالى  في آل عمران 85 ” ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين ” الزخرف 68-70 ” يا عباد لا خوف عليكم اليوم و لا أنتم تحزنون الذين آمنوا بآياتنا و كانوا مسلمين ادخلوا الجنة أنتم و أزواجكم تحبرون ” الفتح 28 ” هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و كفى بالله شهيدا “. هذا دليل على أن الله تعالى يحدد مصير كل مبعوث حسب أعماله المطابقة للقرآن أو المخالفة له. وقد بين لنا أن من يخالف القرآن من الخاسرين أي أن مصيره عذاب جهنم. لهذا فالذين يتبعون الأديان الوضعية كالمسيحية واليهودية والبودية والهندوسية من الخاسرين الدين حدد الله مصيرهم بعد البعث وهو العذاب الدائم  في جهنم. فإذا كنتم أيها النصارى واليهود تدعون أنكم تؤمنون بالله وتعبدونه فإنه أمركم بالإيمان برسوله محمد وبالقرآن وبعبادته طبقا لمناسك القرآن. ومن الأدلة  آل عمران 19 ” إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب” ومحمد 1-2 ” الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم “.

فالقرآن شريعة الله لكافة الناس يحدد مصيرهم بعد البعث طبقا لموقفهم منه بما في ذلك أهل الكتاب. والدليل كثير من الأحكام الشرعية منها المائدة 15 ” يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب و يعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين “.فالنور والكتاب المبين الذي انزله الله تعالى لكافة الناس ومنهم أهل الكتاب هو القران الذي نسخ التوراة والإنجيل بقضاء الله وقدره والمائدة 19 ” يا أهل الكتاب قد جاءكم  رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شيء قدير”. فتدبروا هذه الآيات. واعلموا أن القرآن منزل لكل الناس بما فيهم أهل الكتاب. ويحدد الله تعالى مصيرهم طبقا لموقفهم منه وعملهم المطابق أو المخالف له. ومن  الأدلة على ذلك ما يلي: السجدة 22 ” ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه ثم أعرض عنها إنا من المجرمين منتقمون”. و يونس 17 ” فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته إنه لا يفلح المجرمون”. و النساء 14 ” ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين”. فكل من تعدى حدود الله تعالى أي خالف أحكام القرآن في قوله وعمله العلني أو السري يعتبر مجرما ومستحقا لعذاب الله تعالى إن لم يتب توبة صادقة ونصوحا ونهائية  بدون رجعة. وذلك ما أكدته سورة البقرة 229 ” تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون”. وسورة طه 74-76 ” إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى”. و المائدة 86 ” والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم”. و آيات الله هي القرآن وتصرف الله تعالى في الكون وما خلق فيه ومنه الإنسان. ويونس 7-8 ” إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون”. و الأعراف 8-9 ” والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون. ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون”. والروم 15-16 ” فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فهم في روضة يحبرون وأما الذين كفروا وكذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة فأولئك في العذاب محضرون”.  والحديد 19 ” والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم”.

لقد خصص الله تعالى رحمته وجنته وسعادتها الخالدة الدائمة لمن يؤمن بالقرآن ويعمل بأحكامه قولا وعملا سرا وعلانية حتى الموت. والدليل الأعراف 156 ” ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون” والجاتية 30-31 ” فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم  في رحمته ذلك هو الفوز المبين وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين”.

هذه الأحكام الشرعية بينتها من جملة أدلة كثيرة في آيات القرآن المجيد تدل على أن كل إنسان و أينما كان على وجه الأرض في الدنيا ملزم بإتباع منهج الله عز وجل وهو القرآن والعمل بأحكامه قولا وعملا سرا وعلانية حتى الموت لأن الله سوف يحاسبه عن ذلك بعد البعث. ويحدد مصيره وجزاءه في الآخرة طبقا لكتاب أعماله المخصص له. فالملائكة بأمر من الله تعالى تسجل أعمال كل إنسان وأقواله في كتابه سواء كانت صالحة مطابقة للقرآن أو سيئة مخالفة له. و يقام للمبعوث ميزان أعماله طبقا لما هو مسجل في كتاب أعماله الذي يقفل ويختتم بمجرد احتضار الإنسان وموته. ولا ينفع الندم بعد الموت عندما يقوم المبعوث للحساب . فافرحوا أيها الناس الأحياء في هذه الدنيا لأن أمامنا فرصة العمل الصالح والتقوى وتحسين ما في كتاب أعمالنا بالحسنات وعبادة الله تعالى والالتزام بالقرآن قولا وعملا سرا وعلانية. لأن الأعمال المسجلة في الكتاب هي التي يحدد الله تعالى بناء عليها مصير كل إنسان في الآخرة إما الجنة أو جهنم حتما، إما السعادة الدائمة أو الشقاء الدائم. والدليل يس 12 ” إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين ”  والانفطار 10-12 “وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون” والزخرف 80 ” أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون”. و ق16-18 ” و لقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد. إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد. ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد”. والنبأ 29 ” وكل شيء أحصيناه كتابا” والمجادلة 6 ” يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد” ويونس 61 ” وما تكون في شان  وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض  ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين”. والأنبياء 94 ” فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وإنا له كاتبون” والإسراء 13- 14 ” وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا”. و التكوير 10 ” وإذا الصحف نشرت”. وهي كتب أعمال الناس المبعوثين التي يسلمها الملائكة لأصحابها بأمر من الله تعالى وأمامه. والقمر 52-53 ” وكل شيء فعلوه في الزبر وكل صغير وكبير مستطر”. و المؤمنون 62 ” ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم لا يظلمون” و الحج 70 ” ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماوات والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير”. والنساء 108 ” يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا” والأنعام 3 “وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون” ويونس 46 ” الله شهيد على ما يفعلون” والمجادلة 7 ” ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم”. بل ما يفكر فيه الإنسان من خير أو شر يعلمه الله ويحاسبه عليه. لقوله تعالى في البقرة 284 ” وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله” والتغابن 4 ” يعلم ما في السماوات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور”. والعنكبوت 11 “وليعلمن الله الدين آمنوا وليعلمن المنافقين”. كما أن أعضاء جسم الإنسان تشهد هي أيضا على أعماله أمام الله تعالى، والدليل آيات منها النور 24 ” يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون”. والكهف 49 ” ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا وليتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا” والانشقاق 7-12 “فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا. وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو تبورا ويصلى سعيرا”.

و لكن هناك استثناء في محاسبة المبعوثين يوم القيامة حيث لا يقام وزن لفئتين منهم. الفئة الأولى تضم الشهداء الذين ماتوا أو قتلوا في سبيل الله تعالى وهم مؤمنون متقون صادقون دفاعا عن دين الله الحق الإسلام وعن القرآن. ويدخلون الجنة بدون حساب لأنهم جاهدوا بأموالهم  وأنفسهم في سبيل الله. والأدلة كثيرة منها ” آل عمران 169-171 ” ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين  لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين”. و آل عمران 157 ” ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون”. وآل عمران 195 ” فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب ” ومحمد  4-6 “والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم” والصف 10-11 ” يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون”.

فسارعوا أيها الناس إلى الإيمان الصادق بالله واعملوا بأحكام القرآن وجاهدوا بأنفسكم وأموالكم لرفع راية الإسلام عالية والدفاع عن دين الله الحق وشرعه القرآن في مواجهة أعداء الله وأعدائكم وعملائهم لتفوزوا برحمة الله تعالى وجنته بدون حساب يوم البعث.

و الفئة الثانية التي لا يقام لها وزن أعمالها يوم البعث هم الذين ماتوا كفارا ولم يتوبوا إلى الله توبة نصوحا صادقة. هؤلاء حدد الله تعالى مصيرهم في القرآن حيث قرر بأن الكفار والمنافقين الذين ماتوا على الكفر أو النفاق يدخلهم الله جهنم دون حساب يوم البعث. والأدلة منها “التوبة 68 ” وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم” والنساء 140 ” إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا ” والنساء 145 -146 ” إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما”. فالذين يموتون على الكفر أو النفاق مصيرهم جهنم حتما. والدليل:  الكهف 105-106″أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزؤا” وغافر 6 ” وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار ” والبقرة 217 ” ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا و الآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ” وإبراهيم 18 ” مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد”. والبقرة 161-162 “إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يخفف عنهم  العذاب ولا هم ينظرون” والأعراف 147 ” والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون”. فصلت 27-28 ” فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا و لنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون” الذين ماتوا على الكفر أو النفاق مصيرهم الحتمي الذي حدد الله تعالى هو جهنم لأنهم لم يؤمنوا بالله والقرآن ولم يعملوا بأحكامه واستكبروا عن عبادة الله تعالى. وطبعا الذي لا يصلي ولا يؤدي الزكاة الواجبة في أمواله كافر ولو شهد بأن لا إله إلا الله ملايين المرة. ومصيره جهنم لقوله تعالى في التوبة 11 ” فإن تابوا و أقاموا الصلاة  وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ” والحكم الشرعي المستنبط من هذه الآية وهو مسكوت عنه وغير منطوق معناه  أن الذي لا يصلي ولا يؤدي الزكاة المستحقة في أمواله ليس مسلما أي كافر. ولكن الذين تابوا توبة نصوحا صادقة قبل الموت بكثير وبدون تحايل وبشرط أن تكون التوبة عن قريب ونهائية فإن الله تعالى يبدل سيئاتهم حسنات ويغفر لهم . والدليل آل عمران 89 ” إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم”  النساء 18 ” و ليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن و لا الذين يموتون و هم كفار أولائك أعتدنا لهم عذابا أليما ” والنساء 137 ” إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا”.و تفسير هذه الآية إن الله لا يقبل التوبة عن الكفر أو الشرك إلا مرة واحدة.وهناك حكم شرعي مؤيد لما سبق في الفرقان 68-71. فتدبر أيها الإنسان في كل زمان ومكان ولو كنت نصرانيا أو يهوديا هذه الآيات وسارع إلى التوبة النصوح. واعمل بأحكام القرآن لتكون مستحقا بأعمالك المسجلة في كتابك للجنة إذا كانت مطابقة لأحكام القرآن. واعلم أن أعضاءك كاللسان واليدين والعينين والرجلين تشهد عليك أمام الله تعالى. وتؤكد كل ما عملته وقلته في الدنيا . والدليل:  النور 24 ” يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون” ويس 65 ” اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون”  وفصلت 20-22 ” حتى إذا ما جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون. و ما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون”. فاحذروا أيها الناس أعضاء جسمكم وتحكموا بعقلكم في النفس الأمارة بالسوء والهوى والشهوات الغير المشروعة. وكونوا قرآنا يفكر ويتكلم ويمشي ويتصرف بمعنى قبل أن تقولوا قولا أو تعملوا عملا بل قبل أن تفكروا تفكيرا تذكروا قوانين الله تعالى وأحكامه الشرعية في القرآن المجيد و لا تخالفوها. و ستحاسب أيها الإنسان حسب موقفك منه المعبر عنه بأعمالك المسجلة في كتابك والذي يحدد الله تعالى مصيرك طبقا لما فيه يوم البعث. تذكر أيها الإنسان وقت احتضار الميت وقبض روحه من طرف ملك الموت بأمر من الله تعالى والناس ينظرون إليه ويحيطون به. إن كتابه قد أغلق وقت موته. وسيحاسب طبقا لما فيه. هل يستطيع المحتضر القيام لعد أمواله الطائلة وحمايتها من المحيطين به وهل يستطيع منع الناس من دخول بيته ولو كانوا أعداءه. فافرحوا أيها الأحياء لأن لكم فرصة ثمينة لتدارك ما فات والإيمان والعمل الصالح والتقوى ليكون كتاب أعمالكم المطابقة للقرآن شفيعا لكم عند الله فيحدد مصيركم بعد البعث بسعادة الجنة الخالدة،  وينعم عليكم برحمته في الدنيا والآخرة. والدليل عدة آيات منها يونس 62-64 ” ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا و في الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم”. فكل الذين يلتزمون بأحكام القرآن قولا وعملا سرا وعلانية بحب لله وإيمان صادق أولياء الله في الدنيا والآخرة. وفصلت 30-32 ” إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا و أبشروا بالجنة التي كنتم توعدون. نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة “.  والأحقاف 13-14 ” إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون. أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون”. فاحذروا أيها الناس اللذة والمتاع الغير المشروع والمخالف للقرآن في الحياة الدنيا لأنه مهما بلغ كما وكيفا مؤقت بينما متاع ولذة الجنة  أعظم وأحسن وهو دائم وخالد. كما أن اللذة  والمتاع الغير المشروع المخالف للقرآن في الدنيا جزاؤه عذاب الله تعالى في جهنم بصفة دائمة وأبدية. فمن الأحسن لذة ومتاع مؤقت غير مشروع في الدنيا أم لذة ومتاع الجنة الدائم الأبدي. و ما فائدة لذة ومتاع غير مشروع مخالف للقرآن في الدنيا جزاؤه عذاب دائم في جهنم بعد البعث بل وعذاب الله تعالى في الدنيا الذي يحدد له أجلا. فتحكموا بعقولكم أيها الناس في هوى النفس الأمارة بالسوء. وتمتعوا بلذة ومتاع الدنيا في الحلال أي طبقا لأحكام القرآن واحذروا الشياطين و أولياءهم من الكفار والمنافقين واتقوا الله ولا تموتوا إلا وأنتم مسلمون، لكي يحدد الله تعالى مصيركم وجزاءكم بالجنة يوم البعث للحساب.

 

ج- البعث للحساب مستمر من آدم الى قيام الساعة الكبرى الختامية          

لقد أكدت بالأدلة الشرعية التي استنبطها من آيات القرآن الكريم أن كل إنسان يحييه الله تعالى بعد موته حتما في حسد آخر  يعيد إليه الروح وتتشقق عنه الأرض بأمر الله  ويصعد به ملكان إلى أرض الجنة وجهنم في السماوات للحساب و الجزاء عن أعماله التي عملها في الدنيا. و لكنه يبقى في حياة البرزخ بأرض الجنة وجهنم في انتظار دوره للعرض والقيامة أمام الله عز وجل للحساب بعد البعث. يتم ذلك في أفواج حسب الأسبقية في الموت و الإحياء والبعث.

و لكن يوم القيامة أو قيام الساعة ليس يوما واحدا بالنسبة  لكل المخلوقات البشرية من آدم وزوجته إلى أن يفني الله  تعالى  كل الناس الموجودين بأرض الدنيا، بل عملية قيام الساعة والعرض أمام الله تعالى للحساب والجزاء مستمرة من موت آدم وزوجته وإحيائهما إلى الآن و إلى أن تقوم الساعة الكبرى الختامية حيث يموت كل مخلوق بشري وتنتهي عملية خلق البشر في الدنيا. لهذا فإن الذين ادعوا أن كل الأموات من آدم عليه السلام إلى أن تقوم الساعة الختامية أو القيامة الكبرى النهائية لا زالوا تحت الأرض ولم يحيهم الله تعالى ولم يحاسبهم ، هذا الادعاء غير صحيح لأن الأحكام الشرعية التي استنبطتها من آيات القرآن المجيد حول المسألة دليل قاطع وبرهان مؤكد لعدم صحة هدا الادعاء. وهي كذلك دليل على قانون الله تعالى وسنته في الكون وخلقه حيث يخلق البشر ويميتهم ثم يحييهم مرة أخرى في جسد  آخر ويرفعهم الملائكة للحساب والجزاء عن أعمال الدنيا في أرض الجنة وجهنم  بالسماوات . هذه العملية مستمرة من موت آدم عليه السلام إلى الآن و إلى أن تقوم الساعة الكبرى  أو القيامة النهائية والختامية. و أبين الأدلة على هذه الحقيقة من خلال محورين : 1- أدلة استمرار البعث للحساب والجزاء فعلا . 2- أدلة قيام الساعة أو القيامة الكبرى الختامية.

 1- أدلة استمرار البعث للحساب والجزاء فعلا.

جاء في سورة المؤمنون 15-16 ” ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون” والحج 6-7 ” ذلك بأن الله هو الحق و أنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور”.

القيامة و الساعة في القرآن تدل على الفترة الزمنية التي يأمر الله تعالى فيها بأن يقوم ويعرض ويحشر الناس الذين أحياهم الله تعالى بعد الموت وصعد بهم الملائكة إلى أرض الجنة وجهنم بالسماوات وذلك للحساب والجزاء عن أعمال الدنيا. هذه العملية أي القيامة لا تتم في يوم واحد لكل إنسان خلقه الله عز وجل بل مستمرة من آدم إلى الآن و إلى أن يفني الله تعالى كل الناس ويحييهم ويصعد بهم الملائكة عند الله تعالى في السماوات. و الأدلة على ذلك إخبار الله تعالى عن استمرار الحساب والجزاء في السماوات وأن هناك فعلا من في الجنة ومن في جهنم. ومن هده الأدلة ما يلي:  غافر 84-85 ” فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين. فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون”. هذه السنة الربانية ثابتة طبقا لقوله تعالى في سورة فاطر 43 ” فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا”. والروم 56 ” وقال الذين أوتوا العلم و الإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون”. فالبعث قد تم لهؤلاء الذين ذكرهم الله تعالى ويتم لغيرهم الذين أحياهم الله وبعثهم للحساب باستمرار. لهذا قال الله تعالى في سورة الحج 24-25 ” ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم”. الله تعالى يخلق البشر باستمرار وهو يعلم الذين سيموتون ويحييهم ويبعثهم للحساب و الجزاء في أرض الجنة وجهنم بالسماوات ويعلم الله عز وجل الذين سوف يخلقهم فيما بعد ويخضعون لقانون الله تعالى وسنته الحتمية حيث الموت بعد فترة الحياة الدنيا المؤقتة والإحياء والصعود عند الله الذي يحدد مصير كل مبعوث طبقا لحساب أعماله المسجلة في كتابه. هذا القرآن و آياته كلام الله تعالى الصادق والحق.

قانون الله تعالى في الخلق والموت  والإحياء والبعث أو الحشر مطبق على كل المخلوقات الحية  كالحيوانات والطيور وغيرها لقوله تعالى في سورة الأنعام 38 ” وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون”.

وقيام ساعة البعث أو القيامة والعرض لا يعلم وقتها إلا الله تعالى وحده والأدلة منها لقمان 34 ” إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير” والأحزاب 63 ” يسألك الناس عن الساعة قل  إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا”. أكدت آيات القرآن استمرار قيام الساعة أو القيامة بالنسبة للأموات الذين يحييهم الله تعالى ويبعثهم للحساب. فتدبروا إخواني القراء والباحثين و الدعاة المحترمين الأنعام 31 ” قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى إذا جاءتهم الساعة بغثة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون”. أخبرنا الله تعالى وهو الصادق والحق أن الذين كذبوا بالبعث بعد الموت والحساب عن أعمال الدنيا قد قامت لهم الساعة فعلا. وغافر 45-48 دليل مؤكد لما سبق و فيها: ” وحاق بآل فرعون سوء العذاب. النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب. وإذ يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد”. هذه الآيات تتعلق بفرعون وقومه الذين كفروا معه بالثوراة في عهد رسول الله موسى عليه السلام. لقد ماتوا وأحياهم الله تعالى وصعد بهم الملائكة عند الله تعالى في السماوات وبعثهم الله تعالى للحساب والجزاء بعد أن كانوا في حياة البرزخ. وقد حدد الله تعالى مصيرهم وهو عذاب الله تعالى في جهنم. فرعون وقومه قامت لهم الساعة وهم في جهنم فلا ينتظرون قيام الساعة الكبرى أو القيامة الختامية أي حتى يموت كل الناس على وجه الأرض بالدنيا. و هناك دليل آخر في الشورى 44 ” وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين في عذاب مقيم”. و الأنعام 27 ” ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من  المؤمنين بل بدا لهم  ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون. و قالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون”. و الحديد 13-15 ” فضرب بينهم سور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور. فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير”. و هذا حوار بين المنافقين وبين المؤمنين في أرض الجنة وجهنم بالسماوات. وهو دليل على قيام الساعة بالنسبة لهم وأنهم بعثهم الله بعد الموت.

وذكر لنا الله عز وجل حوارا بين المبعوثين والملائكة المكلفين بجهنم في سورة الملك 8-11 ” تكاد تميز من الغيظ كلما القي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن انتم إلا في ضلال كبير وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير”. هذا الحوار بين أهل جهنم والملائكة في أرض بالسماوات دليل على بعثهم بعد الموت ومحاسبتهم عن أعمالهم حيث حدد الله عز وجل مصيرهم وهو عذاب جهنم.

فكل الأمم السابقة لأمة القرآن قد بعثها الله تعالى وحاسبها ونالت الجزاء الذي يستحقه كل إنسان منها، فمنهم من فاز بالجنة ومنهم من في جهنم. و الدليل الأعراف 37-38 ” حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين. قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن  والإنس في النار ” والطلاق 8-9 ” و كأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذابا نكرا. فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا” هذا تأكيد من الله تعالى بأنه فعلا أحيى الأموات و بعثهم للحساب و الجزاء، فلا ينتظرون قيام الساعة الكبرى الختامية. واستدل كذلك بالحوار الذي جرى بين الله تعالى ورسوله المسيح عيسى بن مريم عليه وعلى كل الرسل صلاة الله وسلامه في الجنة كما أخبرنا به الله عز وجل في سورة المائدة 116-117 ” وإذ قال الله يا عيسى بن مريم أانت قلت للناس اتخذوني و أمي إلاهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب . ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد “. هذه الآية الكريمة تدل على أن الله تعالى قد أحيى رسوله عيسى بن مريم عليه السلام بعد موته مثل سائر الأموات. وأنه أدخله الجنة لأنه كتبها له مسبقا لقوله تعالى في مريم 33 ” والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا “. وفعلا بعثه الله تعالى و أسكنه الجنة. وهناك دليل في القرآن على بعث رجل مؤمن أدخله الله الجنة من أمم سابقة لقوله تعالى في يس 26-27 ” قيل ادخل الجنة قال ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين”. وهناك المكذب بالبعث الذي شاهده أحد أهل الجنة وهو فعلا في جهنم لقوله تعالى في الصافات 55-56 ” فاطلع فرآه في سواء الجحيم قال تالله إن كدت لتردين”. والأموات من أمة القرآن بعثهم الله تعالى هم أيضا.

ومن الأدلة على قيام الساعة والبعث بالنسبة للأموات هناك آيات كثيرة منها غافر 49-50 ” وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب قالوا أو لم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال”. والأعراف 44 ” ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا …” فهذا حوار بين من بعثهم الله في الآخرة وحاسبهم وحدد مصيرهم. وهو دليل على قيام الساعة بالنسبة لهم. والشعراء 90-94 ” وأزلفت الجنة للمتقين وبرزت الجحيم للغاوين وقيل لهم أين ما كنتم تعبدون من دون الله هل ينصرونكم أو ينتصرون فكبكبوا فيها هم والغاوون”. والسجدة 12 ” ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون” فأجابهم الله تعالى مؤكدا أنه لا يظلم أحدا بل يحدد مصير كل إنسان بعد البعث بعدل مطلق وطبقا لكتاب أعماله لقوله تعالى في السجدة 14 “فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هدا إنا نسيناكم  وذوقوا عذاب الخلد  بما كنتم تعملون”. والجاتية 33-34 ” وبدا لهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون. وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار ومالكم من ناصرين”. وفاطر 37 ” وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير” الله تعالى هو الصادق و الحق، فقد أكد لنا في القرآن أن الساعة أو القيامة مستمرة منذ آدم إلى أن يفني الله تعالى كل الناس، فعملية البعث للحساب و الجزاء قائمة باستمرار.

و أخبرنا الله تعالى بان زوجتي نوح ولوط قد بعثهما بعد الموت وهما في جهنم. بمعنى أن الساعة أو القيامة الصغرى قامت بالنسبة لهما ولمن بعثهم الله تعالى معهما. و الدليل التحريم 10 ” ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين”.هذا إخبار من الله تعالى الصادق والحق. لهذا فقد أخطأ من يقول أن كل الأموات منذ آدم لا زالوا تحت الأرض ينتظرون القيامة الكبرى الختامية للبعث أي أن في نظرهم كل الأموات لا يحييهم الله تعالى إلا بعد قيام الساعة النهائية حيث يفني الله العالم ويموت كل الناس في الدنيا. وهناك دليل آخر مؤكد لما سبق في الزمر 71-74 ” وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إدا جاؤوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين. قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى  المتكبرين . وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين”. وإبراهيم 23 ” وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلام”. هذا دليل من الله تعالى على أن الساعة أو القيامة وقعت فعلا للأموات الذين أحياهم الله عز وجل. وحدد مصيرهم طبقا لكتاب أعمالهم. ومن الأدلة المؤكدة لما سبق النمل 84-85 ” حتى إذا جاؤوا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما أماذا كنتم تعملون ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون” والنحل 28-29 ” الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون. فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين” وسبأ 33 ” وأسروا  الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون” والمؤمنون 107-108 ” ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون”. فعبارة ” ربنا أخرجنا منها ” أي من جهنم دليل قاطع على أنهم أحياهم الله تعالى بعد الموت وحاسبهم وحدد مصيرهم طبقا لأعمالهم. وهدا دليل على قيام الساعة أو القيامة باستمرار بالنسبة للأموات إلى أن تقوم الساعة أو القيامة الكبرى والنهائية حيث يفني الله كل من على أرض الدنيا.

 2- أدلة قيام الساعة أو القيامة الكبرى الختامية

   إن عملية إحياء الأموات وبعثهم للقيامة والحساب مستمرة من آدم عليه السلام إلى الآن وإلى أن يرث الله تعالى الأرض ومن عليها حيث تموت كل نفس بشرية. ويحيي الله تعالى كل إنسان ميت للقيامة الكبرى النهائية والحساب والجزاء.

فأرض الدنيا تنتهي مهمتها ويصعد كل الأموات الذين أحياهم الله تعالى، إلى أرض الجنة وجهنم في السماوات للحساب والجزاء عن أعمال الدنيا. و سأبين الأدلة على هذه الحقيقة من خلال الأحكام الشرعية التي استنبطتها من آيات القرآن الحكيم. ومنها الفجر 21 ” كلا إذا دكت الأرض دكا دكا ” و الواقعة 1-6 ” إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعة إذا رجت الأرض رجا وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا” بمعنى إذا زلزلت الأرض وتحطمت الجبال. ويحدث ذلك عندما يفني الله العالم ويموت كل الناس ثم يبعثهم الله تعالى للقيامة الكبرى الختامية. ومن الأدلة كذلك الزلزلة 1-5 ” إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان مالها يومئذ تحدث أخبارها بان ربك أوحى لها ” والانشقاق 1-6 ” إذا السماء انشقت وأدنت لربها وحقت وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت و أذنت لربها و حقت يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه”. فعندما تقوم الساعة أو القيامة الكبرى الختامية يتحطم كل ما على الأرض من عمارات وقصور وفيلات وضيعات فلاحية ومصانع ومعامل. تموت كل المخلوقات الحية ومنها جميع الناس. الله تعالى هو الذي يرث أرض الدنيا. والدليل آل عمران 180 ” إنا نحن نرث الأرض ومن عليها ” والقصص 88 ” ولا تدع مع الله إلاها آخر لا إلاه إلا هو كل شيء هالك  إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون ” والرحمان 26-27 ” كل من عليها  فان ويبقى وجه ربك دو الجلال  والإكرام “. وأعطي أدلة على أن الله تعالى هو الذي بيده قيام الساعة الكبرى. وهو الذي يعلم الوقت الذي سوف تقع فيه. ومنها ما يلي : الزخرف 65-66 ” فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم.  هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون” والزخرف 85 ” وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون” وغافر 59 ” إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون” والنازعات 42-46 ” يسألونك عن الساعة أيان مرساها فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها إنما أنت منذر من يخشاها كأنهم   يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها” والأحزاب 63 ” يسألك الناس عن الساعة قل  إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا” وفصلت 47 ” إليه يرد علم الساعة ” و سبأ 30 ” قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون” ويوسف 107 ” أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغثة وهم لا يشعرون” ولقمان 34 ” إن الله عنده علم الساعة ” . فلا أحد يعلم موعد قيام الساعة الكبرى أو القيامة الكبرى الختامية سواء من الإنس أو الجن أو الملائكة أو غيرهم. و هي تأتي بغتة في ثانية واحدة أو أقل بمجرد أن يأمر الله تعالى ملائكته المنفذين لأوامره بذلك. والدليل النحل 77 ”  ولله غيب السماوات و الأرض وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير” والبقرة 117 ” وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون” ويس 49-54 ” ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون. و نفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون. قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمان وصدق المرسلون إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون. فاليوم لا تظلم نفس شيئا ولا تجزون إلا ما كنتم تعملون”. هذه الآية الكريمة بينت مراحل الساعة أو القيامة  الكبرى الختامية. فهي تقع بسرعة حيث يموت كل الناس ويحييهم الله تعالى ويصعدون إلى أرض الجنة وجهنم بالسماوات للبعث والحساب والجزاء عن أعمالهم التي عملوها في الدنيا.

وقد بين لنا الله تبارك وتعالى بعض مظاهر وعلامات الساعة الكبرى  الختامية في القرآن الكريم. والأدلة منها عبس 33-42″  فإذا جاءت الصاخة يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه. وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة”. هذه الآية الكريمة تصف لنا حالة الدنيا التي ستكون عليها عندما يأمر الله تعالى بالساعة الختامية حيث يفنى كل من على الأرض من الناس. فالإنسان من شدة الخوف والهلع لا يهتم إلا بنفسه بحتا عن النجاة من الموت ولا يهتم بزوجته وماله ووالديه وأبنائه. و لكن لا احد يفلت من الموت المحتوم.  ومما يدل على أن الحالة تقع في الدنيا عند قيام الساعة وليس في الآخرة أن أهل الجنة هم الدين يتصلون ويعيشون مع زوجاتهم وأبنائهم و أبائهم في الجنة إن كانوا كلهم مستحقين لها بأعمالهم بعد البعث والحساب أمام الله تعالى.  كما أن أهل جهنم في العذاب الدائم ولا يجوز لهم الاتصال بالزوجات والأبناء والوالدين ولو كانوا معهم في جهنم لأنهم يكونون مكبلين بالسلاسل و في العذاب الدائم. والدليل على الحالتين معا : الشورى 45 ” وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل  ينظرون من طرف خفي وقال الدين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين في عذاب مقيم” والزمر 15 ” قل إن الخاسرين  الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين ” الإنشقاق 7-12 ” فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا و ينقلب إلى أهله مسرورا و أما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا و يصلى سعيرا ” فالمبعوث بعد الموت لا يتصل بأهله إلا إذا فاز بالجنة بعد الحساب عن الأعمال. والدليل عدة آيات منها الطور 21 ” و الذين آمنوا و اتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم و ما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين ” والرعد 23 ” جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب ” وغافر 8 ” ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم” فلا يتصل الزوج بزوجته و أبنائه و والديه إلا إذا فازوا في الحساب بعد البعث و استحقوا الجنة. و هناك الحج 1-2 ” يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت و تضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد”. فعندما تقوم الساعة الكبرى أول مظهر لها زلزلة الأرض لقوله تعالى في سورة الزلزلة 1-8 ” إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان مالها يومئذ تحدث أخبارها  بأن ربك أوحى لها يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره” والانفطار 1-5 ” إذا السماء انفطرت وإذا الكواكب انتثرت وإذا البحار فجرت وإذا القبور بعثرت علمت نفس ما قدمت و أخرت”  والفجر 21 ” كلا إذا دكت الأرض دكا دكا” والتكوير 1-3 ” إذا الشمس كورت و إذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيرت وإذا العشار عطلت وإذا الوحوش حشرت و إذا البحار سجرت…”. فعندما تقوم الساعة الكبرى الختامية يزول ضوء الشمس بقدرة الله تعالى ويعم الظلام و الدليل القيامة 6-15 ” يسأل أيان يوم القيامة فإذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر يقول الإنسان يومئذ أين المفر كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره “.

فطبقا لآيات القرآن المجيد تكون علامات القيامة الكبرى الختامية مجسدة في زلزال الأرض وتحطم الجبال وكل البنايات فوق الأرض ويزول ضوء الشمس وتفيض البحار وتشتعل نارا ويموت كل الناس ثم يحييهم الله عز وجل في أجساد أخرى ويصعد بهم الملائكة إلى أرض الجنة وجهنم للعرض والحساب والجزاء عن أعمال الدنيا أمام الله تعالى فيحدد مصيرهم بالجنة أو النار طبقا لكتاب أعمالهم. ومن الأدلة كذلك الحاقة 13-18 ” فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة  وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة فيومئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية. يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية “. والزمر 68 ” ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا ما شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون”. والقارعة 1-11 ” القارعة ما القارعة وما أدراك ما القارعة يوم يكون الناس كالفراش المبثوث وتكون الجبال كالعهن المنفوش فأما من ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية وأما من خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ما هيه نار حامية “.

   الله تعالى وحده بعلم متى ستقوم الساعة الكبرى  أو القيامة الختامية التي يفني فيها العالم ويموت كل إنسان بأرض الدنيا. وقد بين لنا جل جلاله السبب الذي أخفى من أجله موعدها في سورة طه 15 ” إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى  فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى”. إن إخفاء  الله عز وجل لموعد  قيام الساعة الكبرى الختامية ابتلاء منه ليعلم المؤمنين الصالحين الصادقين الذين يعبدونه بإخلاص ويلتزمون بأحكام القرآن قولا وعملا سرا وعلانية حتى الموت وليعلم الكفار والمنافقين والمستكبرين عن عبادة الله تعالى والمستهزئين بالقرآن. الله تعالى يعلم من يطيعه عن طواعية واقتناع بآياته الكونية وبقرآنه المجيد، ويعبده ويخشاه فعلا في الغيب رغم كونه لا يرى الله تعالى إلا في الجنة بعد البعث للحساب والجزاء عن أعمال الدنيا.

فلو علم الكفار والمنافقون موعد الموت سواء العادي أو عندما تقوم الساعة الكبرى الختامية لارتكبوا أبشع الجرائم أو  تحايلوا متظاهرين بالتوبة خوفا من العذاب. وطبعا لا يقبل الله عز وجل هذه التوبة عند  الشعور بأجل الموت لأنها ليست صادقة. ولم تتم عن قريب من السيئات ولم تتجسد فعلا وبصدق في عمل التائب أي لم يكن التائب متقيا  فعلا  قبل شعوره بأجل الموت لقوله تعالى في النساء 18 ” وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إدا حضر أحدهم الموت قال إني  تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك اعتدنا لهم عذابا أليما “. و غافر 7 ” فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك “. فلا يقبل الله توبة من شعر بأجل الموت فتاب لأنه لم يتبع سبيل الله تعالى أي لم يلتزم بالقرآن قبل الشعور بالموت بصدق ودون تحايل. و أحيلكم على بحث أعددته حول شروط التوبة في موقعي المذكور بالأنترنت. وقد بين لنا الله عز وجل  مظاهر قيام الساعة الكبرى التي سبق توضيحها على سبيل الإنذار لكي يكون الناس مستعدين لها باستمرار وذلك بطاعة  الله تعالى وعبادته والالتزام بأحكام قرآنه حتى لا تفوتهم فرصة القيام بالعمل الصالح للفوز بالحياة الدائمة الخالدة في سعادة الجنة والنجاة من عذاب جهنم الدائم. ولكن من فرائض الإسلام استمرار المؤمنين الصالحين المتقين في العمل الحلال  والإنتاج كذلك لمتاع الدنيا وتلبية الحاجيات من طعام وملبس ومسكن وزواج وغيره. ولكن في إطار الالتزام  بشرع الله تعالى. فالساعة أو القيامة الكبرى الختامية وفناء كل  الناس بالدنيا وموتهم في لحظة واحدة وبعثهم للحساب والجزاء لا تظهر إلا بغتة  وبسرعة لقوله تعالى السابق الذكر في النحل 77 ” وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شيء قدير”. وعندما يموت الإنسان موتا عاديا  أو  عند قيام الساعة الكبرى الختامية ينقطع عمله ويغلق كتاب أعماله. وعندما يبعثه الله عز وجل للحساب والجزاء في أرض الجنة وجهنم بالسماوات يحدد  مصيره بالجنة أو جهنم طبقا لما في كتاب أعماله من حسنات وسيئات.

فاحذروا أيها الناس في كل مكان في العالم حلول أجل الموت العادي أو قيام الساعة الختامية الكبرى التي يمكن أن تحدث بأمر الله تعالى في أية لحظة. و تخيل أيها الإنسان كتاب أعمالك واذكر في نفسك ما ذا سجل فيه الملائكة بأمر من الله تعالى. و حاسب نفسك كل مساء قبل النوم بحيث قارن الأعمال والأقوال التي صدرت منك في يومك بأحكام القرآن. فإن كانت موافقة و مطابقة لها فإنك على الصراط المستقيم المؤدي بك إلى الجنة و إلى الله عز وجل. وتابع أعمالك الصالحة وداوم على التقوى حتى الموت.

    ولكن يجب أن لا يؤدي الخوف من الموت والحساب إلى العزلة والانطواء والتصوف والزهد في الحياة الدنيا، لأن الإنسان يكون في هذه الحالة عالة على الآخرين ويحرم الدولة الإسلامية من مساهمته في العمل الحلال والإنتاج حسب استطاعته ومؤهلاته لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية وتوفير وسائل قوة الدولة التي  أمر بها الله تعالى في عدة آيات منها الأنفال 60 ” وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة …”.  فالزهد في الحياة الدنيا و عدم المشاركة في الإنتاج الحلال جريمة في حق الإسلام والمسلمين. والخوف من الموت أو قيام الساعة الكبرى الختامية يجب أن يكون إيجابيا بحيث يدفع المؤمنين الصالحين المتقين إلى المزيد من طاعة الله وعبادته والقيام بالفرائض والابتعاد عن المحرمات التي حددها الله عز وجل في القرآن، والقيام بالعمل الحلال والإنتاج للتمتع بمتاع الدنيا في الحلال الذي هو نعمة  وإحسان من الله عز وجل. وافرحوا أيها الناس لأن أمامكم من الآن فرصة التوبة  الصادقة التي يبدل الله تعالى بها سيئاتكم حسنات، وفرصة العمل الصالح لملء كتاب أعمالكم بالحسنات لكي تفوزوا برحمة الله وأمنه ورضاه وجنته ورؤيته. قارنوا أنفسكم أيها الناس بمن يحتضر ويصارع الموت. كيفما كانت أعماله في كتابه سوف تؤثر على مصيره في الآخرة. و أنتم أحياء بمؤهلاتكم وعقولكم، فاستغلوا هذه الفرصة الباقية لكم في امتحان الحياة الدنيا الذي مادته القرآن الكريم. فافهموه وتدبروه واجعلوا أقوالكم وأعمالكم مطابقة لأحكامه حتى الموت بل وتفكيركم كذلك قبل أن تجسدوه في قول أو عمل.

خاتمة البحث:

كم أتمنى من أعماق فؤادي أن تكون نتيجة هذا البحث وفائدته اقتناع كل إنسان في هذه الدنيا بوجود الله تعالى وقوانينه وسننه التي شرعها للناس في هذا الكون وبينها في القرآن الكريم والتي تتطابق معها آيات الكون التي نلاحظها.

إن أكبر دليل على وجود الله تعالى وتصرفه في الكون وما فيه أن الإنسان من خلق الله تعالى وملك له وحياته متوقفة على فضل الله تعالى ونعمه وإحسانه. والأدلة كثيرة منها الإسراء 70 ” ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ” والجاثية 13 ” وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون” والنمل 73 ” وإن ربك لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون” ولقمان 20 ” ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض و أسبغ عليكم نعمه ظاهرة و باطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير” وفاطر 3 ” يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون”. وعبس 24-32″ فلينظر الإنسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فانبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا متاعا  لكم ولأنعامكم” . فكل ما يخلق الله تعالى في الأرض ويكون مصدر طعام الإنسان الحلال فضل من الله تعالى. لقوله تعالى في الجمعة 10 ” فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون”.

فطعام الإنسان هو الذي يعطي لجسمه الطاقة الضرورية للحياة والحركة. إذا لم يأكل ويشرب لمدة معينة يموت. ومصادر الطعام من فضل الله تعالى الذي بيده الماء وما يوجد في الأرض. والهواء الذي بدون تنفسه تموت المخلوقات الحية ومنها الإنسان بيد الله تعالى. هو الذي خلقه ويتحكم فيه. إن شاء جعله باردا قارصا قاتلا أو عاصفة مدمرة أو جعله حارا شديدا مفرطا. وان شاء الله أسكن الهواء ومنعه عن الناس فيموتون.

   والإنسان لا يتحرك إلا بفضل الله عز وجل لعاملين أساسيين : الأول هو الهواء الضروري للتنفس والحياة البشرية. وبدونه تتوقف حركة الإنسان ويموت. كما أن وسائل النقل وكل المحركات التي يحتاج إليها الإنسان يتوقف اشتغالها على الهواء لأن السيارة إذا أغلق مصفي الهواء في محركها لا تتحرك. والعامل الثاني لحركة الإنسان  وحياته الطاقة التي يعمل بها الجسم و أصلها من الطعام والماء. ومصادر الطعام خاضعة لقدرة الله تعالى بحيث إذا لم ينزل الماء تنعدم طاقة الجسم فلا يتحرك بل يموت الإنسان. لهذا قال الله تعالى في يونس 22 ” هو الذي يسيركم في البر والبحر”. فكل حركة الإنسان متوقفة على فضل الله تعالى. كما إن الروح التي تمكن الجسد من الحياة والحركة من الله تعالى. هو الذي يرسلها للإنسان منذ أن يكون جنينا في بطن أمه. وإذا أمسكها الله تعالى و هو قادر على ذلك يموت الإنسان ويكون جسدا هامدا. فاشكروا الله أيها الأحياء في الدنيا لأنه لم يمسك روحه من أجسامكم والله تعالى هو الذي يتحكم في ضوء الشمس. وقد جعل الليل فرصة للراحة والنوم الضروري للجسم وجعل النهار فرصة لكسب الطعام و الحاجيات المشروعة. فمن يضيء الكون إذا منع الله تعالى وحجب ضوء الشمس. هذه الآيات التي بينتها جزء من آيات أخرى كثيرة في الآفاق وفي أنفسنا دليل على وجود الله تعالى الأول والآخر والظاهر  والباطن الذي ليس كمثله شيء والذي  وسع كرسيه السموات والأرض والذي هو مع كل إنسان بسمعه وبصره وعلمه وتصرفه وكلامه إن شاء كلم من يشاء. و هي كذلك دليل على صدق القرآن وأنه كلام الله المطابقة آياته لآيات الكون. و لا أحد يملك دليلا على ما يثبت عكس هذه الحقائق. قارنوا إخواني القراء والباحثين والدعاة المحترمين هذه الآيات الكونية وغيرها بآيات القرآن. إنها متطابقة حقا وصدقا.

وكم أتمنى من أعماق فؤادي أن يقتنع الناس بعد قراءة هذا البحث وفهمه بأن كل إنسان له نهاية حتمية هي الموت في الدنيا مهما طال عمره بعد حلول أجله العادي أو عندما تقوم الساعة الكبرى الختامية التي يعلم الله تعالى وحده موعدها، وتأتي في ثواني معدودة كلمح البصر. وأتمنى أن يقتنع الناس بأن الله تعالى يحيي كل إنسان بعد موته ويصعد به الملكان إلى أرض الجنة وجهنم بالسماوات ليحاسب بعد البعث في الآخرة، وينال الجزاء والمصير الذي يحدده الله تعالى طبقا لكتاب أعماله التي عملها في الدنيا في إطار الامتحان والابتلاء الذي قرره الله تعالى ومادته القرآن المجيد. فتدبروه أيها الناس في كل أنحاء العالم و افهموا أحكامه الشرعية و التزموا بها قولا و عملا، سرا و علانية حتى الموت لتفوزوا بسعادة الدنيا و سعادة الجنة و الحياة الدائمة فيها و تنجوا من عذاب جهنم.

 واسمحوا لي بأن أدلي بشهادة لا يجوز لي شرعا كتمانها وهي ما يلي : إني عبد من عباد الله عز وجل أكد لي سبحانه وتعالى بقضائه وقدره المطلق العادل بأدلة كثيرة أنه الله الذي لا إلاه إلا هو وحده لا شريك له. و أشهد كذلك أن الله تبارك وتعالى بين لي الأدلة على صدق قرآنه الحكيم. و التزم بتوضيح الأدلة على هذه الشهادة لكل من طلب مني ذلك. فسارعوا أيها الناس إلى التوبة والتقوى والإيمان قبل ضياع فرصة الحياة  الدنيا وامتحانها. وهذا  النداء أوجهه كذلك للنصارى واليهود لكي يؤمنوا بالله تعالى وبالقرآن ويعبدوه طبقا لأحكامه حتى تسود الأخوة والتعاون بينهم وبين المسلمين وتنتهي الصراعات والحروب في العالم. فلا تضيعوا فرصة الحياة الدنيا المؤقتة وامتحانها أيها النصارى واليهود والتزموا بأحكام القرآن قبل البعث والحساب لأن الله تعالى بعث لكم ولكل الناس رسوله محمد بعد رسوله عيسى المسيح عليهما وعلى كل الرسل صلاة الله وسلامه. ومن الأدلة الصادقة التي أكدها من بعثهما وبعث من سبقهما من الرسل ما يلي : الأعراف 157 ” فالذين عزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون” و النور هو القرآن. والأعراف 158 ” قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا” ومحمد 1-2 “الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم والذين آمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم” و ما نزل على محمد هو القرآن. و المائدة 15 ” يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين”. فالنور والكتاب المبين الذي جاء أهل الكتاب من الله تعالى هو القران. وهو كتاب الله تعالى للنصارى واليهود وكافة الناس في الكون. والحمد لله رب العالمين.

Copyright 2024, All Rights Reserved